• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / العيد سنن وآداب / خطب
علامة باركود

عيد الفطر ذكر وشكر (خطبة)

عيد الفطر ذكر وشكر (خطبة)
خميس النقيب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/5/2022 ميلادي - 29/9/1443 هجري

الزيارات: 23654

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عيد الفطر ذكر وشكر

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وبعَفوِه تُغفَر الذُّنوب والسيِّئات، وبكرَمِه تُقبَل العَطايا والقُربَات، وبلُطفِه تُستَر العُيُوب والزَّلاَّت، الحمدُ لله الذي أماتَ وأحيا، ومنَع وأعطَى، وأرشَدَ وهدى، وأضحَكَ وأبكى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111].

 

اللهُ أكبرُ (تسعًا).

 

الله أكبر كلمَا صامَ صائم وأفطر، الله أكبر كلما قام قائم وكبر، اللهُ أكبر كلما لاح صبح وأسفر، الله أكبر كلما لمع برق وأمطر، الله أكبر كلما تاب تائب وتطهر، اللهُ أكبر ما صام المسلمون شهر رمضان، اللهُ أكبر ما تركوا الشهوات وقرؤوا القرآن، الله أكبر ما تهجدوا طلبًا للعفو والرضوان، الله أكبر ما أعد لهم ربهم الفردوس في أعالي الجنان، اللهُ أكبر ما طهرهم الصيام مِن أدرانِ الذنوب والمعاصِي، اللهُ أكبر ما تحمل عنهم كربهم ونجاهم من المآسي، الله أكبر ما أخرجوا زكاةَ فطرِهِم شكرًا للهِ وطعمة للمساكين، الله اكبر ما تزاوروا وتواصلوا فرحين مستبشرين.

 

اللهُ أكبرُ كلمَا رجعَ مذنب وتاب، اللهُ أكبر كلما رجع عبد وأناب، الله أكبر ما سبح لله كل شيء وكبر الإنسان، اللهُ أكبر ما دامت الحياةُ بذكر الرحمن، اللهُ أكبر في كل زمانٍ ومكانٍ، اللهُ أكبر ما كانت الحياة في ظل الأمن والأمان، اللهُ أكبر فوق كلِّ ظلم وعدوان، اللهُ أكبر كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

 

سبحان من أنشأَ الفضاء وسخره، سبحان من نظم الوجود ودبره، سبحان مَن أدار العالم وسيره، سبحان من ملأ الكون وعمره، سبحان من أوجد كلِّ شيءٍ وقدره، سبحانَ من أسال الماء من الصخر وفجره، سبحان من خلق الإنسانَ وصوره، سبحانَ الله وبحمده سبحانَ اللهِ العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت، وهو علي كل شيء قدير.

 

الحمدُ لله الذي جعَل الأعياد في الإسلام مَصدرًا للهناء والسُّرور، الحمد لله الذي تفضَّل في هذه الأيَّام على كلِّ عبدٍ شَكُور، سبحانه غافِر الذنب وقابِل التَّوب شديد العِقاب.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلًا.

ربنا لك الحمدُ سرًّا وجهرًا، ولك الحمدُ دومًا وكرًّا، ولك الحمد شعرًا ونثرًا.

 

لك الحمدُ يوم أنْ كفَر كثيرٌ من الناس وأرشدتنا للإسلام، لك الحمدُ يومَ أنْ ضلَّ كثيرٌ من الناس وهديتنا للإيمان، لك الحمدُ يوم أنْ جاعَ كثيرٌ من الناس، وأطعمتنا من رزقك، لك الحمدُ يومَ أنْ نام كثيرٌ من الناس، وأقمتَنا بين يدَيْك من فضلك.

 

وَاللهِ لَوْلاَ اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَـلَّيْنَا

فَـأَنْـزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

فلك الحمدُ ربنا عددَ الحجَر، لك الحمدُ عدد الشجَر، لك الحمدُ عدد البشَر.

 

أيُّها المسلمون، عبادَ الله: الأعياد في الإسلام تبدأ بالتكبير، وتُعلن للفرحة النفير؛ ليعيشها الرجل والمرأة، ويَحياها الكبير والصغير، أعيادنا تهليلٌ وتكبيرٌ.

 

إذا أذَّنَّا كبَّرنا الله، وإذا أقَمنا كبَّرنا الله، وإذا دخَلنا في الصلاة كبَّرنا الله، وإذا ذبَحنا كبَّرنا الله، وإذا وُلِد المولود كبَّرنا الله، وإذا خُضنا المعارِك كبَّرنا الله، وإذا جاء العيدُ بالتكبير استَقبَلناه وقلنا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاَّ الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

إنَّه تنفيذٌ لتَوجِيهات الله: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قبَّة في منى، فإذا جاء العيد كبَّر عمر فكبَّرت منى، فكبَّرت الأرضُ، وكأنَّك أمامَ أمَّة تُعلِن أنَّ الخنوع والخضوع لا يكونان إلا لله، وأنَّ الذلَّة والانكِسار لا يكونان إلاَّ لذات الله، وأنَّ الاستِمدَاد والاستِلهَام لا يكونان إلاَّ من الله، وأنَّ العَوْن والتوكُّل لا يكونان إلاَّ على الله، وأنَّ الحفظَ والاستِعانة لا يكونان إلاَّ بالله سبحانه وتعالى.

 

أيها المسلمون: العيد في الإسلام كلمةٌ رقيقة عَذبة تملأ النفس أنسًا وبهجةً، وتملأ القلبَ صفاءً ونَشوَة، وتملأ الوَجه نَضارة وفَرحَة، كلمةٌ تُذكِّر الوحيدَ بأسرته، والمريضَ بصحَّته، والفقيرَ بحاجته، والضعيفَ بقوَّته، والبعيدَ ببلده وعَشِيرته، واليتيمَ بأبيه، والمِسكِين بأقدس ضَرُورات الحياة، وتُذكِّر كلَّ هؤلاء بالله؛ فهو سبحانه أقوى من كلِّ قوي: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، وأغنى من كلِّ غني: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وأعزُّ من كلِّ عزيز: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

 

الأعياد في الإسلام تهليل وتكبير، الأعياد في الاسلام ذكر وشكر، الأعياد في الاسلام ليست انطِلاقًا وراءَ الشَّهوات، وليسَتْ سِباقًا إلى النَّزوات، وليست انتِهاكًا للمُحرَّمات، أو سَطْوًا على الحدود أو الحرمات.

 

الأعياد في الإسلام طاعةٌ تأتي بعد الطاعة؛ عيد الفطر ارتَبَط بشَهرِ رمضان الذي أُنزِلَ فيه القُرآن، وفيه الصوم الذي يذكِّر بهَدْي القرآن، موسم يُختَم بالشُّكر والذكر والتَّكبير: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

وعيد الأضحى المبارك يأتي بعد موسم الحج، وكان أعظم جائزة وأفضل هدية للمسلمين بعد جهاد النفس والمال في الحج: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197].

 

عباد الله: ثلاثون يومًا بثلاثين ليلة، كل يوم بليلته يناديك: يا ابن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد؛ فاغتنمني فإني لن أعود، كل يوم بليلته ينادي قلبك المكدود يضخُّ فيه الدِّماء، ويُنبِت فيه الحَياء، ويكثر فيه النماء، ويُجدِّد فيه الرُّوح، ويزيد فيه الإيمان، كل يوم بليلته يُنادِيك: يا باغِيَ الشر أَقصِر، ويا باغي الخير أقبِل، كل يوم بليلته يناديك: يا نُفُوس الصالحين افرَحِي، ويا قُلوبَ المتَّقِين امرَحِي، يا عُشَّاق الجنَّة تأهَّبوا، ويا عباد الرحمن ارغَبُوا، ارغَبُوا في طاعة الله، وفي حب الله، وفي جنَّة الله.

 

فطُوبَى للذين صاموا وقاموا، طُوبَى للذين بذلوا وأعطَوْا، طُوبَى للذين كانوا مُستَغفِرين بالأسحار، مُنفِقين بالليل والنَّهار، ما أعظَمَ هذا الدِّين! وما أجمَلَ هذا الإسلام!

 

أيها العباد: إنها أعظم وحدة وأجمل اتحاد: المسلمون يدعون الله عزَّ وجل، يوحدون الصفوف ويَبنُون وحدةَ العمل، إنهم جميعًا مُسلِمون، في وقت واحد يصومون، وفي وقت واحد يفطرون، ولربِّ واحد يَعبُدون، ولرسولٍ واحد يَتَّبِعون، ولقبلةٍ واحدة يتَّجِهون، ولكتابٍ واحد يقرؤون، ولأعمال واحدة يُؤدُّون، هل هناك وحدة أعظم من هذه الوحدة؟! ليكن ذلك سبيلًا إلى سلامة العبادة وصحَّة العقيدة: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].

 

الإسلام يُوحِّد الأمَّة، فلماذا تتشتَّت؟! الإسلام يعزُّ الأمَّة، فلماذا تذلُّلت؟! الإسلام يُغنِي الأمَّة، فلماذا تفتَقِر؟! الإسلام يَهدِي الأمَّة، فلماذا تضلُّ؟! ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101].

 

أيها المسلمون: رمضان انتهى كما كل شيء سينتهي، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88]، لا بد من العودة إلى الله: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26]، المنتهى إلى الله: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42]، والرجعى إلى الله: ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [العلق: 8]، ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6].

 

مرجعك إلى الله، ومنتهاك إلى الله، ومصيرك إلى الله، الناس يعلمون ذلك لكنهم يلهون، والقدر معهم جاد، وينسون وكل ذرة من أعمالهم محسوبة: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة: 6].


غَدًا تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَتْ
وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا
إِنْ أَحْسَنُوا أَحْسَنُوا لأَنْفُسِهِمْ
وَإِنْ أَسَاؤُوا فَبِئْسَ مَا صَنَعُوا

 

قال سليمانُ بنُ عبدِ الملكِ لأبي حازمٍ: "يا أبا حازم: كيف القدومُ على اللهِ عزَّ وجلَّ؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، أمَّا المحسنُ فيكون كالغائبِ يأتِي أهلَهُ فرحًا مسرورًا، وأمَّا المسيءُ كالعبدِ الآبقِ يأتِي مولاهُ خائفًا محزونًا".

 

طوبى لمن أحسن الصيام، وأحسن القيام، وأحسن تلاوة القرآن، وويل لمن نام عن كل ذلك، ويل لمن صام عن الحلال وأفطر على الحرام.

 

أيها المسلمون: رمضان انتهى وهو يعلن فينا أنه لا شقاء مع القرآن: ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه: 2].

 

رمضان انتهى وهو يعلن فينا أنه لا شقاء مع الدعاء؛ على لسان زكريا عليه السلام يقول الله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4].

 

بل أقرب ما يكون الرب من العبد ساعة الدعاء، وخاصة في السجود؛ قال تعالى في أعقاب آيات الصيام: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].

 

رمضان انتهى وهو يسبغ علينا من نفحاته، ويسدي علينا من رحماته، ويغمرنا بشفاعته وحكمته وبيانه.

 

انتهى رمضان وهو يعلن فينا أن التقوى هي ثمرة الصوم، ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، والتقوى أن يجدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، التقوى أن تجعل بينك وبين النار ستار، بطاعة الله لا بمعصيته، بشكر الله لا بكفره، بالإخلاص لله لا بشركه.

 

رمضان يكاد ينتهي وهو يعلن فينا أن تقوى الله هي خير لباس: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].

 

رمضان انتهى وهو يعلن فينا أن تقوى الله هي خير ميراث: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63].

 

رمضان انتهى وهو يعلن فينا أن تقوى الله هي خير زاد: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

 

رمضان انتهى وهو يعلن فينا أن تقوى الله هي خير وصية: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

رمضان انتهى وهو يعلن فينا أن تقوى الله هي خير تركة تتركها لأولادك وأحفادك من بعدك: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].

 

نعم، ليكنْ ذلك طريقًا لبلوغ التَّقوى وزيادة الإيمان: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [المؤمنون: 52].

 

دخل مقاتل بن سليمان رحمه الله، على المنصور رحمه الله، يوم بُويعَ بالخلافة، فقال له المنصور: عِظني يا مقاتل، فقال: أعظُك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال: بل بما رأيت، قال: يا أمير المؤمنين، إن عمر بن عبدالعزيز، أنجب أحد عشر ولدًا، وترك ثمانية عشر دينارًا، كُفِّنَ بخمسة دنانير، واشتُريَ له قبر بأربعة دنانير، وَوزِّع الباقي على أبنائه، وهشام بن عبدالملك أنجب أحد عشر ولدًا، وكان نصيب كلِّ ولد من التركة ألف ألف دينار.

 

والله يا أمير المؤمنين: لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر بن عبدالعزيز يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أبناء هشام يتسول في الأسواق.

 

وقد سأل الناس عمر بن عبدالعزيز وهو على فراش الموت: ماذا تركت لأبنائك يا عمر؟ قال: تركت لهم تقوى الله، فإن كانوا صالحين، فالله تعالى يتولى الصالحين، وإن كانوا غير ذلك، فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى.

 

أيها المسلمون: جميعُ العباداتِ تُوفى منها مظالمُ العبادِ إلا الصيام، فالاستثناءُ يعودُ إلى التكفيرِ بالأعمالِ.

 

قال سفيانُ بنُ عيينة رحمه اللهُ: "هذا مِن أجودِ الأحاديثِ وأحكمِهَا: ((إذا كان يومُ القيامةِ يحاسبُ اللهُ عبدَهُ، و يؤدِّي ما عليه مِن المظالمِ مِن سائرِ عملِهِ حتى لا يبقَى إلا الصوم، فيتحملُ اللهُ عزَّ وجلَّ ما بقيَ عليهِ مِن المظالمِ، ويدخلهُ بالصومِ الجنةَ))"؛ [رواه البيهقي في الشعب والسنن الكبرى].

 

عباد الله: فرحة العيد لِمَن؟! للذي جعَل يدَيْه مَمَرًّا لعَطاء الله، راحَ يُنفِق بالليل والنَّهار سِرًّا وعلانية، بُكرَة وعَشِيًّا، للذي يهتمُّ بأمر المسلمين، فيُصلِح بين المتخاصِمين، ويضَعُ عن كاهل المُستَضعَفين، ويَدعو للمُحاصَرين، للذي كان وقَّافًا عند حدود الله لا يتعدَّاها، ولا يَنساها، إنما يَحفَظُها ويَرعاها.

 

للذي هو ليِّنٌ في طاعة الله، مِطواعًا لأمر الله، مُحِبًّا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عاملًا بمنهج الله، إذا قُرِئ عليه القُرآن سمع وأنصَتَ، وإذا نُودِي بالإيمان آمن ولبَّى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ﴾ [آل عمران: 193].

 

للذي أحسَنَ إلى والدَيْه طائِعًا لهما في غير مَعصية، بارًّا ورَحِيمًا بهما، للذي يَقرَأ القرآن بتدبُّر وتفكُّر، ويُصلِّي بخشوعٍ وخُضوع، ويَعمَل لدينه بفهمٍ صحيح.

 

للذي يُحافِظ على صلاة الجماعة، وخاصَّة صلاة الفجر التي تَشهَدها الملائكة، وتصغُرها الدنيا وما فيها: ((ركعَتَا الفجرِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها))؛ [صحَّحه الألباني]، ((يَفرَح الربُّ تعالى بمَشْيِ عبدِه إلى المسجد مُتوضِّيًا))؛ [صحيح ابن خزيمة].

 

هؤلاء فَرِحُوا بطاعة ربِّهم، يُؤدُّون هذه الأعمال لا يملُّون ولا يكلُّون، وهم على عَهدِهم ووَعدِهم وأعمالهم لا ينقَطِعون ولا يُفرِّطون، وإنما على أعمالهم يستَقِيمون، لا يَعبُدون أحجارًا ولا أشجارًا، وإنما يعبدون ربَّ الأحجار وربَّ الأشجار، وربَّ كلِّ شيءٍ؛ لذلك هم أصحاب الفرح وملوكه، يفرَحُون فرحًا محمودًا، يفرَحُون فرحًا مَشروعًا، يفرَحُون بطاعة الله، يفرَحُون بفضل الله، ويفرَحُون برحمة الله: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

 

وكما يَفرَحون بلقاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان بلالٌ رضي الله عنه يقول وهو يَجُود بنفسه لله: "وافرحتاه! غدًا ألقى الأحبَّة، محمدًا وصحبه".

 

فطُوبَى لشابٍّ نشَأ في طاعةٍ لله، وطُوبَى لرجلٍ ذكَر الله خاليًا ففاضَتْ عَيْناه، وطُوبَى لفتاةٍ أُمِرتْ بالحجاب، فقالت: لبَّيك يا ألله، وطُوبَى لامرأةٍ أطاعَتْ زوجَها، وصامَتْ شهرَها، وصلَّتْ خمسَها حبًّا في الله، وطُوبَى لِمَن أطعَمَ أفواهًا، وكسا أجسادًا، ورحم أيتامًا، ووصَل أرحامًا.

 

عباد الله: إنه جهاد مستمر، وعزيمة ثابتة، واستقامة متواصلة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].

 

يقول ذو النون: "إنما تُنال الجنَّة بأربع: استِقامة ليس فيها زوغان، وجِهاد لا سهوَ معه، ومُراقَبة لله في السرِّ والعَلَن، ومُحاسَبة للنفس قبل أنْ تُحاسَب، والاستِعداد للموت بالتأهُّب له".

 

عباد الله: إن أعظم الفرحِ للصائمِ في الآخرةِ، هو الدخولُ مِن بابِ الريانِ، وهو مأخوذٌ مِن الريِّ، وسُمِّي بذلك ليكونَ الجزاءُ مِن جنسِ العملِ، فكما تحملَ الصائمُ مرارةَ الجوعِ والحرِّ والعطشِ مِن أجلِ اللهِ، فقد خصَّهُ اللهُ تعالى في الآخرةِ بالدخولِ مِن أعظمِ أبوابِ الجنةِ؛ ألا وهو بابُ الريانِ.

 

فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غيرهم)) قال المهلبُ: "إنَّما أفردَ الصائمين بهذا البابِ ليُسَارعُوا إلى الريِّ مِن عطشِ الصيامِ في الدنيا إكرامًا لهم واختصاصًا، وليكونَ دخولُهُم في الجنةِ هينًا غيرَ متزاحمٍ عليهم عند أبوابِهَا، كما خصَّ النبيُّ أبا بكرٍ الصديق ببابٍ في المسجدِ يقربُ منه خروجهُ إلى الصلاةِ ولا يزاحمهُ أحدٌ، وأغلقَ سائرهَا إكرامًا لهُ وتفضيلًا"؛ [شرح ابن بطال].

 

أيها المسلمون: إنِّ مِن مظاهرِ فرحةِ العيدِ صلةَ الأرحامِ، فصلةُ الرحمِ خلقٌ إسلاميٌّ رفيعٌ، دعا إليه الإسلامُ وحضَّ عليه، فهو يربِّي المسلمَ على الإحسانِ إلى الأقاربِ وصلتِهِم، وإيصالِ الخيرِ إليهم، ودفعِ الشرِّ عنهم؛ يقولُ اللهُ تعالى في ذلك: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد: 22]، قطع الأرحام إفساد في الأرض؛ وعن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالتْ: ((قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: الرحمُ معلقةٌ بالعرشِ تقولُ: مَن وصلنِي وصلَهُ اللهُ، ومَن قطعنِي قطعَهُ اللهُ))؛ [متفق عليه].

 

وجُعلتْ صلةُ الرحمِ مِن كمالِ الإيمانِ؛ فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّهُ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: ((مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليكرمْ ضيفَهُ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليصلْ رحمَهُ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقلْ خيرًا أو ليصمت))؛ [متفق عليه].

 

واصلُ الرحمِ في الدنيا يوسعُ الله له في الرزقِ ويبارك له في العمرِ؛ قال عليه الصلاةُ والسلام: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))؛ [متفق عليه].

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ))؛ [مسلم].

 

ومِن مظاهر يوم العيد التهنئةُ الطيبةُ التي يتبادلُهَا الناسُ فيما بينهُم أيًّا كان لفظُهَا، مثلَ قولِ بعضِهِم لبعضٍ: تقبلُ اللهُ منَّا ومنكم، أو عيدٌ مباركٌ وما أشبهَ ذلك مِن عباراتِ التهنئةِ المباحةِ؛ فعن جبيرِ بنِ نفيرٍ قال: ((كانَ أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم إذا التقُوا يومَ العيدِ يقولُ بعضُهُم لبعضٍ: تُقُبِّلَ منَّا ومنك))؛ [قال ابن حجر في الفتح: إسناده حسن].

 

ومن مظاهر يوم العيد الذهابُ إلى الصلاةِ مِن طريقٍ والعودةُ مِن آخرٍ؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ))؛ [البخاري]، قِيلَ: الحكمةُ مِن ذلك ليشهدَ لهُ الطريقانِ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ، والأرضُ تحدَّثُ يومَ القيامةِ بما عُملَ عليهَا مِن الخيرِ والشرِّ، وقيلَ: لإظهارِ ذكرِ اللهِ وشعائرِ الإسلامِ، وقيلَ: لأنَّ الملائكةَ تقفُ على مفترقِ الطرقِ تكتبُ كلَّ مَن يمرُّ مِن هنَا وهناك، وقيلَ غيرُ ذلك.

 

ومن مظاهر يوم العيد: التوسعةُ على الأهلِ والعيالِ في أيامِ العيدِ دونَ إسرافٍ أو تبذيرٍ؛ مصداقًا لقولِهِ تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وكذلك التوسعةُ على الفقراءِ والمساكين؛ لما رواهُ البيهقيُّ والدارقطنيُّ عن ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: ((اغْنُوهُم فِي هَذَا الْيَوْمِ)).

 

انتهى شهر رمضان، فكم من صحائف بُيضت! وكم من وجوه أشرقت! وكم من قلوب خشعت واطمأنت! كم مِن رقاب أعُتقتْ! وكم حسناتِ سطرت! أيا عبدَاللهِ، يا مَن عدتَ إلى ذنوبِكَ ومعاصيكَ وغفلتِكَ: تمهلْ قليلًا، تفكر قليلًا: كيف تعود إلى السيئاتِ، وربما قد طهرَك الله منها؟ كيف تعود إلى المعاصي وربما محاها الله عنك؟ يا عبداللهِ، هل يعتقك الله مِن النارِ فتعود إليها؟ أي بيض الله صحيفتَك مِن الأوزار وأنت تسودها؟ يا عبدَاللهِ، فأي مصيبةٍ وقعتَ فيها؟ وأي بلاءٍ حل بك؟ لقد استبدلت بالقربِ بعدًا، وبالحب بغضًا، وبالفرح حزنًا.

 

أيَا رمضان: إنَّ العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنَّا على فراقكَ يا رمضان لمحزونون، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، فاللهَ اللهَ في رمضان ونفحاتِهِ، الله الله في رمضان ورحماتِهِ، اللهَ الله في رمضانَ ومغفرةِ الذنوبِ، اللهَ اللهَ في رمضان والعتقِ مِن النيرانِ.

 

أيّها المسلمون: أكرمنا الله تعالى فمنَّ علينَا بالصيام والقيام والقرآنِ، ووعدنا بمغفرةِ الذنوبِ وبعتقِ الرقابِ لمن صام وصلَّى وتاب، واستغفر وأناب، فهنيئًا لمن سابق فسبق، هنيئًا لمن تاب فقبل، هنيئًا لمن استغفر فغفر له، هنيئًا لمن أرضى الله فرضي عنه، هنيئًا لمن أحب الله فأحبه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

 

عباد الله: كم من صائم لله أكرمه الله فسقاه ورواه! وكم من قائم تورمت قدماه فأكرمه الله وأرضاه! وكمْ مِن مريضٍ رحمه وشفاه! وكمْ مِن فقير أكرمه وأغناه! وكمْ مِن مكروبٍ جبره الله ففرجَ عنه كربه ولباه! وكَم مِن ضِيق مر بالنَّاسِ ولم يَكشفهُ إلاَّ اللهُ! كَم من بأس نزل بهم ولم يرفعه إلا الله! وكَم من بلاء ألم بهم ولم يفرجه إلا الله! ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

 

جبرَ اللهُ بخاطرِ نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5].

 

وجبر خاطر أمته؛ فقال ربه لجبريل عليه السلام: ((يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك)).

 

من أكرم الناس أكرمه الله، ومن أعطى الناس أعطاه الله، ومن جبر خواطر الناسِ جبر الله خاطره، ومن سار بينَ الناس جابرًا لخواطرِهِم أدركته عناية الله في جوف المخاطرِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَـأ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ))؛ [رواه الترمذي].

 

وعَن ابْنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما: ((أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا)).

 

جبر الخواطر على الله، ومَن جبر خواطر الناسِ - خاصة في المناسبات السعيدة كعيد الفطر وعيد الأضحى - جبر الله خاطره.

 

عباد الله: من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انتهى، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، المال يفنى والملك لا يبقى، السلطان يزول والعز لا يدوم: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27].

 

رمضان انتهي لكن الطاعات والنوافل لم ولن تنتهي؛ عنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)).

 

فيَا مقصرًا في أداءِ الصلاةِ هل من توبة؟! ويا أيُّها العاقُّ لوالديهِ هل من أوبة؟! ويا قاطعَ الرحمِ هل من عودة؟! ويا مقصرًا في حقِّ زوجتهِ وأولاده هل من حوبة؟! ويا مقصرًا في حقِّ جيرانهِ هل من توبة؟! ويا مقترفًا للغيبة هل من توبة؟! أيها الخائض في أعراضِ الناسِ وأسرارِهم هل من عود كريم إلى الله؟! ويا آكل الربا هل تقدر على حرب الله ورسوله؟!

 

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].

 

أيها المسلمون: العيدُ فرصةٌ للطاعاتِ ليسَ فرصةً للمنكراتِ، العيدُ فرصةٌ لتحسينِ العلاقاتِ، وتسويةِ النزاعاتِ، وجمعِ الشملِ، وقطعِ العداواتِ بينَ الناسِ؛ قالَ ربُّنَا: ﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14]، وصدقَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ)).

 

أيُّها المسلمون: أعيادُنا يوم تحرير الأَرض والعِرض، يوم تحرير البلاد والعباد، يوم أنْ تتحرَّر النُّفوس من الشَّهوات والملذَّات، ويوم أنْ تتحرَّر القلوب من الكذب والنِّفاق، ويوم أنْ تتحرَّر الصُّدور من الشَّحناء والبَغضاء، ويوم أنْ تتحرَّر الحقوق من قيود الفَساد والاستِبداد، فيبذل كلُّ ذي واجبٍ واجِبَه غير مُقصِّر، ويأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه لا يزيد.

 

أعيادنا يوم يتحرر المُحاصِرين من الظُّلم القائم، والحصار الظالم، والعداء المُتَراكم، من الصَّديق قبل العدوِّ، ومن القَرِيب قبل البعيد، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله تعالى.

 

أعيادُنا يوم أنْ يتحرَّر الأقصى المبارك من بَراثِن اليهود، ومن بطْش اليهود، ومن ظُلم اليهود وغير اليهود.

 

أيُّها المسلمون: أنتم مأمورون بالفرحة في يوم الفطر، الفرحة واجبة في هذا اليوم، كنتم في طاعة وتنتقلون إلى أخرى، افرَحُوا ولكم الأجرُ: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

 

أيها المسلمون: صِلوا أرحامكم وابذلوا أموالكم، وبروا أيتامكم واستقيموا إلى ربكم، واقبضوا جوائزكم: ((إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطريق فنادوا: اغدوا - يا معشر المسلمين - إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلُّوا نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة))؛ [رواه الطبراني في الكبير].

 

فاجعَلُوا هذه الأيَّام أيامَ العيد فرحًا لا ترحًا، أيَّامَ اتِّفاق لا اختلاف، أيَّامَ سعادةٍ لا شَقاء، أيَّام حب وصَفاء، لا بَغضاء ولا شَحناء، تسامَحُوا وتَصافَحُوا، توادُّوا وتحابُّوا، تَعاوَنُوا على البرِّ والتَّقوى، لا على الإثم والعُدوان، صِلُوا الأرحام، وارحَمُوا الأيتام، تخلَّقوا بأخلاق الإسلام.

 

اللهم تقبل منا الصيام والقيام، وأعتقْ رقابنا من النار، وفرحنا يوم نلقاك.

تقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • {عليكم أنفسكم} خطبة عيد الفطر 1443 هـ
  • خطبة عيد الفطر 1443هـ
  • خطبة عيد الفطر 1439 هـ
  • خطبة عيد الفطر المبارك: التدافع.. سنة ربانية
  • عيد الفطر المبارك 1443 هـ (خطبة)
  • خطبة عيد الفطر 1440 هـ
  • خطبة عيد الفطر المبارك 1443هـ

مختارات من الشبكة

  • التهنئة بالعيد يوم العيد (بعد الفجر وبعد صلاة العيد لا قبل يوم العيد)(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • فضل الشكر وجزاء الشاكرين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا العيد؟ عيد الفطر وعيد الأضحى(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك (هذا هو يوم الشكر)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يوم العيد .. يوم التهنئة بنعمة الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • الابتعاد عن البدع والمنكرات التي انتشرت في الأعياد(مقالة - ملفات خاصة)
  • عيد الفطر: فرحة المسلمين بعد رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • السنن المتعلقة بالعيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • المسلم وشكر الله على نعمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عيد الفطر: عيد فطر بعد عام صبر(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب