• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / دروس رمضانية
علامة باركود

الدرس السابع والعشرون: موجبات النجاة العشرة من أهوال يوم القيامة

الدرس السابع والعشرون: موجبات النجاة العشرة من أهوال يوم القيامة
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/4/2024 ميلادي - 7/10/1445 هجري

الزيارات: 7795

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدرس السابع والعشرون:

موجبات النجاة العشرة من أهوال يوم القيامة

 

الحمد لله العفو الكريم، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، جعل الحياة الدنيا دارًا للابتلاء والاختبار، ومحلًّا للعمل والاعتبار، وجعل الآخرة دارين، دارًا لأهل كرامته وقربه من المتقين الأبرار، ودارًا لأهل غضبه وسخطه من الكفار والفجار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المختار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار، ومن تبِعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار؛ أما بعد:

يا أيها الناس، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].

 

العنصر الأول: حتمية الرجوع إلى الله:

أمة الإسلام، أخرجنا الله تعالى إلى هذه الدار وجعلها دار ابتلاء وامتحان، وأخبرنا أننا إليه راجعون، وأن الدنيا ممرٌّ لا مقر، فقال الله تعالى وهو يحدثنا عن حتمية الرجوع إليه - عَزَّ وَجَلَّ – ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

 

"ترقَّبوا وخافوا يومًا يَردُّكم الله سبحانه وتعالى إليه، فلا تملكون من أموركم شيئًا فيه، فإذا ملكتم المال في الدنيا، ففي هذا اليوم لَا تملكون شيئًا، وإذا ملكتم المنح والمنع اليوم ففي اليوم الآخر لَا تملكون شيئًا، وفي هذا اليوم ﴿ تُوَفَّى كلُّ نَفْسٍ ما كسَبَتْ ﴾؛أي: جزاء ما كسبت إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وكأن ما توفاه عين ما كسبت للمماثلة بين الجزاء والعمل، ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾؛أي لَا ينقصون شيئًا من ثواب ما عملوا، ولا يعاقبون على ما لم يعملوا[1].

 

وقال تعالى: ﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [يونس: 4]، ستأتي ربك وستجرع إليه، ولكن على أية حال ترى أنت من السعداء أم أنك من الأشقياء؟ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [طه: 74 - 76].

 

العنصر الثاني: التعريف بيوم القيامة:

الشمس كورت، لُفَّت وذهب ضوؤها، النجوم انكدرت وتناثرت، الجبال نُسفت وسيِّرت، فأصبحت كالقطن المنفوش، العشار عطِّلت، الأموال تُركت، التجارات والعقارات والأسهم نُسيت، السماء كُشطت ومُسحت وأُزيلت، البحار سُجِّرت، وإلى كُتَلٍ من الجحيم تحوَّلت، الجحيم سُعِّرت وأُوقدت، والجنة أُزلفت وقُرِّبت.

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].

 

إنه يوم القيامة، يومُ الصاخةِ والقارعةِ والطامةِ، ويومُ الزلزلةِ والآزفةِ والحاقة، يومَ يقومُ الناس لرب العالمين، يومٌ عظيم وخَطْبٌ جَسِيم، يوم مقداره خمسون ألف سنة، يجمع الله فيه الخلائق أجمعين، من لدُن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة؛ ليفصل بينهم ويحاسبَهم.

 

وتدنو الشمس من الخلائق مقدارَ مِيل، ويفيضُ العرقُ منهم بحسب أعمالهم، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حِقْوَيه، ومنهم يبلغ إلى مَنْكِبَيه، ومنهم من يُلْجِمه العرق إلجامًا، وتبقى طائفة في ظل الله جل جلاله، يوم لا ظل إلا ظله.

 

لقد صور الله تعالى لنا يوم القيامة في كتابه بأبدع تصوير وأبلغ تعبيرٍ، حتى إن الذي يقرأ تلك الآيات ليرى القيامة كأنها رأي العين، وتأمل الحديث الذي أخرجه الترمذي عن ابْن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "‌مَنْ ‌سَرَّهُ ‌أَنْ ‌يَنْظُرَ ‌إِلَى ‌يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَأَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ: سُورَةَ هُودٍ"[2].

 

العنصر الثالث: الوقاية من أهوال يوم القيامة:

الأول: كن من المتقين تكن من الفائزين:

اعلموا عباد الله أن من أعظم أسباب السلامة من أهوال يوم القيامة - أن ترجع إلى الله وأنت في قافلة المتقين، تأملوا أيها الأحباب إلى تلك القافلة وهي تزف في عرصات يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [مريم: 85، 86].

 

يخبر تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا، واتَّبعوا رسله، وصدقوهم فيما أخبروهم، وأطاعوهم فيما أمروهم به، وانتهوا عما زجروهم أنه يحشرهم يوم القيامة، وفدًا إليه، والوفد هم القادمون ركبانًا ومنه الوفود، وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة، وهم قادمون على خير موفود إليه إلى دار كرامته ورضوانه، وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم، فإنهم يساقون عنفًا إلى النار ﴿ وِرْدًا ﴾عطاشًا، وقال ابن أبي حاتم عن ابن مرزوق ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا ﴾، قال: يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبها ريحًا، فيقول: من أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ فيقول لا، إلاّ أن الله قد طيَّب ريحك وحسَّن وجهك، فيقول: أنا عملك الصالح، وهكذا كنت في الدنيا حسن العمل طيبه، فطالما ركبتك في الدنيا، فهلم اركبني فيركبه، فذلك قوله: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا ﴾، قال ابن عباس: ركبانًا، وقال أبو هريرة ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا ﴾، قال: على الإبل، وقال الثوري: على الإبل النوق، وقال قتادة: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا ﴾ قال: إلى الجنة، عن ابن النعمان بن سعيد قال: كنا جلوسًا عند علي رضي الله عنه، فقرأ هذه الآية ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا ﴾، قال: لا والله ما على أرجلهم يُحشرون، ولا يحشر الوفد على أرجلهم، ولكن بنوق لم ترَ الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة.

 

ثانيًا: كن من أهل العدل تكن على منابر من نور:

عباد الله، أما العادلون ففي مقام رفيع، يجلسون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين عن زُهَيْرٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «‌إِنَّ ‌الْمُقْسِطِينَ ‌عِنْدَ ‌اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا»[3].

 

ثالثًا: كن من المتحابين في ذات الله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ: ‌‌«‌أَيْنَ ‌الْمُتَحَابُّونَ ‌بِجَلَالِي؟ ‌الْيَوْمُ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي»[4].

 

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101]، قَالُوا: فَنَحْنُ نَسْأَلُهُ إِذًا، قَالَ: «‌إِنَّ ‌لِلَّهِ ‌عِبَادًا ‌لَيْسُوا ‌بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِقُرْبِهِمْ وَمَقْعدِهِمْ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: وَفِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ أَعْرَابِيُّ، فَقَامَ فَحَثَى عَلَى وَجْهِهِ وَرَمَى بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْهُمْ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْشَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ عِبَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى، وَقَبَائِلَ شَتَّى مِنْ شُعُوبِ الْقَبَائِلِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا، وَلَا دُنْيَا يَتَبَاذَلُونَ بِهَا، يَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ، يَجْعَلُ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ نُورًا، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ قُدَّامَ الرَّحْمَنِ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يَفْزَعُونَ، وَيَخَافُ النَّاسُ وَلَا يَخَافُونَ»[5].

 

رابعًا: جاهد نفسك لتكون من أولياء الرحمن:

فهم أهل الأمن والسلامة من أهوال يوم القيامة فمعهم حصانة ربانية، فهم لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ولا يعطشون إذا عطش الناس، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ‌سَبَقَتْ ‌لَهُمْ ‌مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 101-103].

 

يقول أبو السعود رحمه الله ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾، بيان لنجاتهم من الأفزاع بالكلية بعد بيان نجاتِهم من النار؛ لأنهم إذا لم يُحزُنْهم أكبرُ الأفزاع لا يحزنهم ما عداه بالضرورة؛ عن الحسن رضيَ الله عنه أنَّه الانصرافُ إلى النار، وعن الضحاك حتى يطبَقَ على النار، وقيل: حين يُذبح الموتُ في صُورةِ كبشٍ أملحَ، وقيل: النفخةُ الأخيرة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [النمل: 87]، وليس بذاك فإن الآمنَ من ذلك الفزع من استثناه الله تعالى بقوله: ﴿ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ [النمل: 87]، لا جميعُ المؤمنين الموصوفين بالأعمال الصالحة، على أن الأكثرين على أن ذلك في النفخة الأولى دون الأخيرة؛ كما سيأتي في سورة النمل: ﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ [الأنبياء: 103]؛ أي: تستقبلهم مهنِّئين لهم، ﴿ هذا يَوْمُكُمُ ﴾ على إرادةِ القولِ؛ أيْ: قائلين هذا اليومُ يومُكم، ﴿ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 103] في الدنيا، وتبشرون بما فيه من فنون المَثوبات على الإيمان والطاعات، وهذا كما ترى صريحٌ في أنَّ المرادَ بالذين[6].

 

خامسًا: احذر ذنوب الخلوات فإنها أصل الانتكاسات:

وإذا أردت أخي المسلم أن تقي نفسك من أهوال يوم القيامة، فاحذر ذنوب الخلوات، فإنها أصل الانتكاسات، توهَّم نفسك الآن واقف في عرصات يوم القيامة، وبينما أنت كذلك إذا رأيت رجلًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم معه أعمال كأمثال الجبال من الحسنات، فهذا قيام ليل وهذا صيام رمضان، وهذه صدقات وتلك قراءة للقرآن، وفجأة يجعلها الله تعالى هباءً منثورًا، ترى ما الذي ضيعها، اسمع إلى كلام نبيك صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «‌لَأُلْفِيَّنَ ‌أَقْوَامًا ‌مِنْ ‌أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا», فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا لِكَيْ لَا نَكُونُ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»[7].

 

إذا أغلقت دونك الباب، واسْدِلت على نافذتك الستائر، وغابت عنك أعينُ البشر، فتذكر مَنْ لا تخفى عليه خافية، تذكر من يرى ويسمع دبيبَ النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، جل شأنه وتقدس سلطانه، أخشى بارك الله فيك أن تَزِلَّ بك القدم بعد ثوبتها، وأن تنحرف عن الطريق بعد أن ذقتَ حلاوته، واشرأبَّ قلبك بلذته؛ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "أجمع العارفون بالله بأن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن عبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات".

 

فهل يفرط موفَّقٌ بصيد اقتنصه، وكنز نادر حَصَّله؟ احذر سلمك الله، فقد تكون تلك الهفوات المخفية سببًا لتعلُّق القلب بها؛ حتى لا يقوى على مفارقتها، فيُختمَ له بها، فيندمَ ولات ساعة مندمٍ؛ يقول ابن رجب الحنبلي عليه رحمة الله: "خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس".

 

خامسًا: احذر الغدر فإنه فضيحة يوم القيامة:

أخي في الله، إذا أردت أن تقي نفسك نارًا حرُّها شديد وقعرها بعيد، ومقامعها من حديد، يوم أن ترجع إلى الله تعالى، فاحذر الغدر فإنه فضيحة على رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ‌يُرْفَعُ ‌لِكُلِّ ‌غَادِرٍ ‌لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ"[8].

 

والغادر: الذي يواعد على أمر ولا يفي به، واللواء: الراية العظيمة لا يمسكها إلا صاحبُ جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش، ويكون الناس تبعًا له، فالغادر تُرفع له راية تسجل عليها غدرته، فيُفضَح بذلك يوم القيامة، وتجعل هذه الراية عند مؤخرته؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ ‌عِنْدَ ‌اسْتِهِ ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ»[9].

 

وكلما كانت الغدرة كبيرة عظيمة، ارتفعت الراية التي يُفضَح بها في يوم الموقف العظيم؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا ‌غَادِرَ ‌أَعْظَمُ ‌غَدْرًا ‌مِنْ ‌أَمِيرِ عَامَّةٍ»[10].



[1] زهرة التفاسير (2/ 1062).

[2] أخرجه أحمد (2/ 27) (4806) و(2/ 36) (4934) و(2/ 100) (5755) قال: حدثنا عبد الرزاق. وفي (2/ 37) (4941). والترمذي (3333) انظر: الصحيحة (1081)

[3] رواه مسلم (1827)، وابن منده في «الرد على الجهمية» رقم (73).

[4] أخرجه الدارمي (2757)، ومسلم (2566)، وابن حبان (574)، والبيهقي في "الشعب" (8990)، والبغوي (3462).

[5] أخرجه أحمد (5/ 343، رقم 22957) والطبراني (3/ 290، رقم 3433) قال الهيثمي (10/ 276): رجاله وُثِّقوا.

[6] إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (6/ 87).

[7] أخرجه ابن ماجه (2/ 1418، رقم 4245)، قال البوصيري (4/ 246): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، والروياني (1/ 425، رقم 651)، وأخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط (5/ 46، رقم 4632).

[8] أخرجه البخاري (5/ 2285، رقم 5823)، ومسلم (3/ 1359، رقم 1735).

[9] أخرجه مسلم (3/ 1361، رقم 1738)، وأبو يعلى (2/ 441، رقم 1245).

[10] أخرجه مسلم (3/ 1361، رقم 1738)، وأخرجه أيضًا أبو يعلى (2/ 419، رقم 1213).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الدرس الأول: ثمرات الصوم (1)
  • الدرس الثاني: فوائد صوم رمضان (2)
  • الدرس الثالث: ثمرات قيام الليل العشر (1)
  • الدرس الرابع: ثمرات قيام الليل(2)
  • الدرس الخامس: الفوائد العشرية لقراءة كتاب رب البرية (1)
  • الدرس السادس: الفوائد العشرية لقراءة كتاب رب البرية (2)
  • الدرس السابع: ثمرات الاتباع العشر
  • الدرس الثامن: تابع ثمرات الاتباع
  • الدرس التاسع: الإيثار خلق النبي المختار صلى الله عليه وسلم
  • الدرس العاشر: التقوى غاية الغايات
  • الدرس الحادي عشر: وسائل الثبات على الإيمان
  • الدرس الثاني عشر: تابع وسائل الثبات على الإيمان
  • الدرس الثالث عشر أسباب: الثبات على المصائب
  • الدرس الرابع عشر: الثبات عند الممات
  • الدرس الخامس عشر: وسائل الثبات أمام الشهوات
  • الدرس السادس عشر: لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الدرس السابع عشر: منافع ذكر الموت
  • الدرس الثامن عشر: طبقات الناس في كراهية الموت
  • الدرس التاسع عشر: يا عبد الله ماذا تقول لربك غدا؟
  • الدرس العشرون: أسباب سوء الخاتمة
  • الدرس الحادي والعشرون: عقوبات أكل الميراث
  • الدرس الثاني والعشرون: علاج قسوة القلب
  • الدرس الثالث والعشرون: لماذا يتمنى الميت الصدقة؟
  • الدرس الرابع والعشرون: التحذير من اللامبالاة بالكلمة وأثرها
  • الدرس الخامس والعشرون: موانع قبول العمل العشر
  • الدرس السادس والعشرون: تابع موانع قبول الأعمال
  • الدرس الثامن العشرون: تابع موجبات النجاة العشرة من أهوال يوم القيامة
  • الدرس التاسع والعشرون: ثمرات الإيمان بالله في الحياة الدنيا
  • الدرس الثلاثون: تابع ثمرات الإيمان في الدنيا
  • هل يوم القيامة مقداره ألف سنة أم خمسون ألف سنة؟

مختارات من الشبكة

  • شرح القاعدة الثانية والعشرون من القواعد الحسان (الدرس الثاني والعشرين)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • شرح القاعدة الحادية والعشرون من القواعد الحسان (الدرس الحادي والعشرين)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • شرح القاعدة العشرون من القواعد الحسان (الدرس العشرون)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • التمهيد للدرس: أهدافه، شروطه، طرقه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من آداب المتعلم: عدم مقاطعة المعلم أثناء الدرس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة - الدرس الخامس- (الإيمان باليوم الآخر)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس عشر: مقدمة في الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب