المركز الألباني واحة للفكر والحضارة الإسلامية في البلقان

واجهت منطقة البلقان الأوروبية تحدياتٍ ثقافيَّةً وحضارية عبر تاريخها، ومن هنا فقد أُنشِئَ المركز الألباني للفكر والحضارة كمنارة إشعاع حضاريَّة في أوروبا لتقديم التُّراث والفكر الإسلامي للباحثين الألبان، وتوعية الجمهور الألباني بحضارته وثقافته وتاريخه، وحماية التراث الألباني الأصيل من الذوبان في التقاليد الأوروبية.

النشأة والأهداف:
برز المعهد الألباني كقلعة من قلاع الفكر والثقافة في منطقة البلقان، في الرابع عشر من شوال عام 1416هـ/ الرابع من مارس عام 1996م، بموجب القرار رقم 143، الصادر عن مَحكمة تيرانا في العاصمة الألبانيَّة، وهو عبارة عن جمعية أهليَّة غير ربحية، تأسست في الحادي والعشرين من صفر عام 1415هـ/ التاسع والعشرين من يوليو عام 1994م.

ويسعى المركز لتحقيق العديد من الأهداف، ومن أهمها:
1- حماية التراث والتقاليد الإسلاميَّة في المجتمع الإسلامي ومسلمي البلقان بشكل عام.
2- تقديم التراث والتقاليد الإسلامية الصحيحة والمتكاملة، والفكر الإسلامي بطريقة علميَّة إلى الجمهور والباحثين الألبان.
3- تشجيع العلاقات بين الألبان الذين يعيشون في منطقة البلقان والبلدان العربية والإسلامية، في مجال التاريخ والفن واللغة، والفلسفة وعلم الآثار وغيرها.
4- تنظيم المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسيَّة والمعارض المشتركة، والتي من شأنها أنْ تُسهم في تبادل الخبرات والآراء بين الباحثين في مجالات الفكر والحضارة الإسلاميَّة.
5- إبرام الاتفاقيَّات الثنائية وغيرها لتبادل المنح الدراسيَّة، والمساعدات العلميَّة والتعليمية للدراسة في الجامعات الألبانية والعربية والإسلامية.
6- دراسة وتوثيق فن المعمار الإسلامي الألباني، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المختصة في هذا المجال.
7- إنشاء مكتبة إسلاميَّة متخصصة ومُجهَّزة بآلات التصوير والقراءة والتخزين؛ لمساعدة الباحثين والدَّارسين في تحضير البحوث التي تتعلق بالفكر والحضارة الإسلاميَّة.
8- إنشاء متحف إسلامي يحتوي على نماذج من المخطوطات، وأنواع الكتب المطبوعة النَّادرة، والنقوش والنقود والوثائق الإسلاميَّة.
9- وضع برامج مهنية وتدريبية لتحقيق أهداف المركز يمنح بموجبها الطالب شهادة مهنية أو تدريبية، وفقًا لنظام منح الدرجات العلميَّة والشهادات المعمول بها في ألبانيا.
10- طباعة مجموعات من أمهات الكتب الإسلاميَّة باللغة الألبانية والعربية وترجمتها، والبحوث الاجتماعيَّة، والدراسات المتعلقة بالفكر والحضارة الإسلامية.
11- التعاون بشكل عام مع كلِّ المؤسسات والهيئات والجمعيَّات، التي تعمل لنفس الأهداف في ألبانيا وخارجها.

ولتحقيق هذه الأهداف يتخذ المركز عدة وسائل؛ حيثُ يسعى المركز لإنشاء وقف يغطي مصاريف المركز الجارية، ويُسهم في إنشاء مبنى للمركز في العاصمة الألبانية (تيرانا)، تتجمع فيه نشاطات المركز التدريبية والدراسيَّة والمكتبيَّة والمحاضرات، كما يقوم المركز بالتحرُّك على مستوى الاتِّصال بالهيئات والجمعيَّات المشابهة في ألبانيا وغيرها؛ للتعريف بالمركز، وللمشاركة في النشاطات المختلفة، والاستفادة من خبرات المراكز والمؤسسات التي سبقت المركز في العمل في هذه الساحة، كما يقوم المركز بدعوة المراكز والمؤسسات والهيئات الأخرى للمشاركة في أنشطة المركز الرئيسة.

داخل المركز:
ويعتمد المركز في موارده المالية على التبرُّعات العامَّة والهبات، وإيرادات من الوقف، وإيرادات أخرى من بيع الكتب وصحيفة المركز، إضافة إلى الاشتراكات في نشاطات المركز وريع الاكتتاب في النشاطات المختلفة.

وتنقسم العضوية في المركز إلى عضوية عاملة، وهي الخاصة بالذين تتوفر لديهم شروط الانتساب إلى المركز، وهؤلاء لهم الحق في المشاركة في الجمعيَّة العامة والتصويت فيها، ويخضعون إلى أنظمة ولوائح وقرارات مجلس الإدارة، في تنظيم أعمالهم ونشاطاتهم وسلوكيَّاتهم في المركز، كما يوجد عضوية فخرية وهي الخاصة بالذين يَمنحهم مجلس إدارة المركز عضويته بناء على اللوائح والأنظمة السارية فيه، وهؤلاء لهم ما للأعضاء العاملين، عدا حق التصويت في الجمعيَّة العامَّة، وعليهم ما على الأعضاء العاملين، وأخيرًا ينتسب لعضوية المركز الدارسون والباحثون الذين ينتسبون إلى المركز لفترات مؤقتة لحين الانتهاء من بحوثهم، أو دوراتهم، أو زياراتهم لألبانيا، ولا يرغبون الاستمرار في العضوية الفعالة في المركز.

ويتكون الهيكل التنظيمي للمركز من خمسة أجهزة رئيسة:
1- مجلس الأمناء: وهو أعلى هيئة تنظيمية في المركز، ويتألف من الأعضاء المؤسسين له، وتؤخذ قرارات المجلس بشكل مطلق، إذا بلغ النِّصاب حدَّه القانوني وهو ثلثا أعضائه.
2-  هيئة المستشارين: وهي الخاصة بالنواحي العلميَّة والثقافية والتربوية، ومن حق الهيئة إبداء الرأي في النواحي التقنية والعلميَّة.
3- الجمعية العامة: وتتشكل من كل الأعضاء العاملين، وتنعقد الجمعية العامة العادية كل سنة مرة على الأقل، وتتَّخذ القرارات بالأغلبيَّة البسيطة 50 بالمائة + واحد، وتوافق الجمعيَّة العامة سنويًّا في اجتماعها السنوي العادي على الحسابات الختاميَّة للمركز، وعلى تقرير مجلس الإدارة، وعلى الخطة القادمة، ومشروع الميزانية المقدمين من مجلس الإدارة.
4- مجلس الإدارة: وهو السلطة التنفيذيَّة في المركز، والقائم على إدارته وشؤونه اليوميَّة ضمن الخطة الموافق عليها من الجمعية العامة، واللوائح والأنظمة المعمول بها، ويتألف من خمسة إلى سبعة أعضاء، وتقع على عاتقه مسؤولية إدارة المركز، واتِّخاذ القرارات التنفيذيَّة، وتوقيع العقود بما يتناسب مع الخطة، ومشروع الميزانية الموافق عليهما.
5- لجنة إدارة الوقف: وهي لجنة مُعيَّنة من قبل مجلس الأمناء، أو الجمعية العامَّة، ويرأسها رئيس مجلس الإدارة، وتقوم لجنة إدارة الوقف بالإشراف على أعمال الوقف وتطوره، وأوجه الاستثمار والصرف فيه؛ بناءً على السياسة العامَّة المحددة من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمناء.

أقسام ومشروعات:
يضم المركز خمسة أقسام أساسية: وهي قسم الشؤون والنشاطات الثقافية والفكريَّة، قسم البحث والترجمة، قسم شؤون التعليم والتدريب، إضافةً إلى المكتبة والمتحف وشعبة الإعلام والنشر والمطبوعات، والعلاقات العامة ووسائل الاتِّصال، وإضافةً لهذه الأقسام يقوم مجلس الإدارة بوظيفتين إضافيَّتين، وهما أمانة السر والتنسيق والشؤون الإدارية والمحاسبة، ويشرف على كلِّ قسم أحدُ أعضاء مجلس الإدارة، ويجوز أنْ يعين مسؤول قسم مساعد في الأقسام التي تحتاج إلى مثل هذه الكوادر، إضافةً إلى تعيين بعض الاختصاصيِّين.

كما افتتح المركزُ الألباني للفكر والحضارة الإسلاميَّة مشروعًا جديدًا يسعى إلى تعريف الرَّأي العام، وتوسيع معرفته لبعض الموضوعات ذات الأهميَّة للمجتمع الألباني في الوقت الحالي، وذلك من خلال المحاضرات التي تلقى في المركز وفي أماكن أخرى، ويهدف المركز من خلال هذا النَّوع من الأنشطة لخدمة الجمهور الألباني؛ ليكونَ على تواصل دائم معه.

ويعتمد هذا النشاط على أن يقوم بإلقاء هذه المحاضرات شخصيات مشهورة في المجال الثَّقافي والعلمي والاقتصادي والسياسي، وذلك كلَّ أسبوعين، وللمحاضر الحرية في اختيار الموضوعات، على أن يقوم بتسليم نسخة من نص المحاضرة لدى المركز قبل سبعة أيام من إلقائها، ومن حق المركز أنْ ينشر نص المحاضرة في منشوراته، ويشترط المركز ألاَّ تزيد المحاضرة المكتوبة عن 5 صفحات، ولا تزيد مدة المحاضرة عن 60 دقيقة، ومنها تخصص 20 دقيقة للنِّقاش، وتلقى المحاضرات في المركز أو في غيره حسب طبيعة المحاضرة وعدد المشاركين فيه، وقد أقيمت أول محاضرة في 30 رمضان 1425هـ/ نوفمبر 2004م، وكانت بعنوان "اعتمادات فلكيَّة في تحديد الاحتفالات والشَّعائر الإسلامية"، وقام بإلقائها د. إبراهيم غاشي صاحب المؤلفات العديدة في مجال علم الفلك.

والمشروع الجديد للمركز يتمثَّل في مشروع دعم الطلاب المتميزين في جامعة تيرانا، ويهدف المركزُ من خلال هذا المشروع لمساعدة هؤلاء الطَّلبة المتميزين في توسيع مَعرفتهم في مجالات شتَّى، وتعمقهم في تخصُّصاتهم وإعانتهم على تخلقهم بالأخلاق الإسلاميَّة الكريمة، ويسعى المشروع للإسهام في تكوين جيل مسلم مثقَّف ذي رؤية واسعة، وله تأثيره الإيجابي في المجتمع.

إصدارات ومؤتمرات:
يصدر المركز مجلة "الكون" "UNIVERS"، التي صدرت عام 1422 هـ/ 2001م، وتعد مجلة "الكون" أوَّل مجلة إسلامية على مُستوى أكاديمي متخصص تصدر في المنطقة، وتَهدف المجلة إلى التعريف بالتراث الفكري الذي أنتجه العُلماء الألبان وغيرهم من علماء الأُمَّة الإسلاميَّة خلال العصور المختلفة، وظل حتى السنوات الأخيرة حبيسًا في المكتبات الوطنية الخاصة والعامة، وهذا التراث على الرَّغم من قيمته العلميَّة والإسلامية، فقد ظل مجهولاً لدى الدارسين ومحجوبًا عنهم طيلة عقود من الزَّمن، وتعالج المجلة من خلال مقالاتها العلميَّة والثَّقافية والاجتماعيَّة والأدبية قضايا غاية في الأهمية، تمس كيانه مثل: قضية أصول الشَّعب الألباني، وأصول لغته، وقضية كوسوفا، هذا إضافةً إلى القضايا الفكرية والثقافية والعلمية الأخرى، وتركز المجلة في كل عدد من أعدادها على قضية مركزية مُعينة, مثل بحوث في قضايا متعلقة بعلم الألبانولوجيا، وتتجه وجهة النَّظر في مجلس التحرير بشكل عام نحو نقل روح التَّسامح, وحسن التفاهُم، وخلق المناخ المناسب للتعاون في خدمة الدَّولة، وذلك بالاعتماد أساسًا على الحقيقة العلمية.

وتتميز المجلة باشتمالها على ترجمة مختصرة باللغة الإنجليزية لكل المقالات والأبحاث المنشورة بها؛ وذلك ليتمكن القارئ الأجنبي من قراءتها ومُتابعتها، ويهدفُ المركز من استمرار صدور المجلة أنْ تستمر في طرح وتناول القضايا العُظمى المتعلقة بالمفاهيم العصرية، وبالمصالح الوطنيَّة، وبالإنجازات العلمية المعاصرة، وأن يطرح للنِّقاش والتحليل موضوعاتٍ تاريخيَّة قابلة للجدل التي في صلبها تخدم المجتمع والواقع الألباني وتقدمه، سواء في مجالات التقنية أم الصناعة، وأن تقوم بتهذيب الأحداث والتطورات التاريخية، والتقاليد الإيجابية في البلد.

إضافةً إلى الإسهامات التي يقدمها المركز الألباني للفكر والحضارة الإسلامية منذ عقدين مُتواليين في مجال التعريف، وتهذيب التراث والثقافة الإسلامية في ألبانيا، فقد خصص المركز لخدمة القارئ الألباني مكتبته الثَّرية التي تعدُّ ضمنها أكثر من 10000 عنوان في شتَّى المجالات، مثل: علوم الدين والاجتماع, والتاريخ، والفلسفة، والآداب...، وتشمل كتبًا مُتعددة اللغات، مثل: اللغة الألبانية، والعربية، والإنجليزية، والبوسنية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والإسبانيَّة، والعثمانية، والتركية، وغيرها، ومُعظم هذه الكتب من إهداء علماء ومُفكرين ألبان ذائعي الصيت.

وقد نظم المركز العديد من المؤتمرات، من بينها المؤتمر العلمي عن حرب البلقان في الذِّكرى التِّسعين لحرب البلقان، ومُؤتمر عن الآثار الإسلاميَّة في ألبانيا من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي، كما عقدت الجمعيَّة العامَّة للغرفة والمتحف التاريخي الوطني بالتَّعاون مع المركز الألباني - دورةً علمية حول "الإبادة الجماعية الصربيَّة في كوسوفا بين الأمس واليوم"، شارك فيها العديد من الطلاب والمثقفين من مختلف الطبقات، وذلك في صفر 1420هـ/ يونيو 1999م، وعقد المركز في المحرم 1419هـ/ مايو 1998م ندوة دوليَّة عن ترجمات القُرآن الكريم في اللُّغات العالمية، شارك فيها ثلاثون عالِمًا وباحثًا من بقاع متفرقة من العالم، كما نظم المركز "المؤتمر العالمي حول الدين والسلام"، والمؤتمر العلمي الدَّولي حول "الحوار بين الحضارات"، وما زال المركز يقوم بالعديد من الإصدارات، وينظم الكثير من المؤتمرات والندوات؛ ليظلَّ منارة إشعاع حضاري في منطقة البلقان.

المراجع:
1- عبدالكريم خليل، المعهد الألباني للفكر والحضارة الإسلامية، الكويت: مجلة الوعي الإسلامي، العدد 415، ربيع الأول 1421هـ/ يونيو – يوليو 2000م.
2- الموقع الإلكتروني للمعهد الألباني للفكر والحضارة الإسلامية: http://www.aiitc.org