المخطوطات النجدية في الخزانة الشاويشية (المقدمة)

المخطوطات النجدية في الخزانة الشاويشية

تأليف: راشد بن محمد بن عساكر

قدم له: الشيخ زهير الشاويش

مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم... أما بعد:

فمنذ سنوات عدة (1423هـ) شرفت بالتعرف على الناشر والباحث والمحقق لكتب التراث الإسلامي، فضيلة الشيخ زهير الشاويش، حفظه الله تعالى.

ثم ترددت عليه في منزله في حازمية بيروت، مستزيدًا ومطالعًا في خزانته الهائلة للتراث الإسلامي، التي جمعها منذ أكثر من ستة عامًا.

ثم تواصل ذلك التعاون بما أطلبه منه من مصورات ورسائل ومعلومات مختلفة، فكان يكرمني ويتحفني بها، حفظه الله، فضلًا عن تفضله بالمشاركة بنشر مقالاته التراثية والعلمية في الصفحة التي أشرف عليها (تاريخ وحضارة) في جريدة الرياض.

وكان مما عرضته واقترحته على الشيخ زهير، أن أعد بحثًا أو كتيبًا خاصًا يعنى بحصر كتب التراث النجدي في مكتبته الغزيرة، فسارع بالموافقة والقبول تكرمًا وتفضلًا، مع العناية والإسهام بتيسير السبل المؤدية إليه، وتذليل الصعوبات التي تواجه مثل هذه الأعمال.

عندئذ بدأت الهمة، واستعنت بالمولى عز وجل، وشرعت فيها بالاتجاه إلى لبنان في مقر الشيخ في حازمية بيروت يوم الثلاثاء: 11-8-1429 هـ/ 12-8-2008م. وكنت قبل ذلك بأيام في دمشق الشام في زيارة لمعرض الكتاب المقام في مكتبة الأسد، للحصول على الفهارس الجديدة المطبوعة، إضافة إلى زيارات متعددة لبعض الأماكن التي كان يتردد عليها النجديون الحنابلة قديمًا، ومن أهمها جامع الحنابلة والمدرسة الصالحية التي أسسها آل أبي قدامة الحنابلة بعد عام 555هـ. مع تصوير بعض تلكم الأماكن[1].

ومكثت في مكتبة الشيخ في بيروت ثلاث أيام، أمضيتها في البحث والتنقيب، مستعينًا بالفهرس الجديد الذي وضعه الشيخ لمكتبته، البالغ عدد مخطوطاتها أحد عشر ألفًا ومائة وسبعين (11170) مخطوطًا.

بخلاف بعض المجاميع الأخرى التي لم تدخل في هذا الفهرس. فعملت على (جرد) الفهارس للبحث في مكتبة الشيخ والاطلاع على المخطوطات، وتسجيل العلامات الكاملة عنها قدر الإمكان، مع تصوير بعضها بالها تف المحمول؛ نظرًا إلى سهولته، ولسرعة الإنجاز. ويوم الخميس: 13/ 8/ 1429هـ، انتهيت من حصر المكتبة الموجودة في بيروت، وبلغت أكثر من ثلاثة آلاف مخطوط.

ثم توجهت بعد ذلك برًا إلى الأردن، عبر المرور بالشام والمبيت فيها يومًا واحدًا.

فوصلت إلى عمان عاصمة الأردن في الجمعة: 14/ 8/ 1429هـ الموافق 16/8/2008م.

واستقبلني الأستاذ أيمن ياغي (صهر الشيخ) وفقه الله. وبعد ظهر هذا اليوم اتجهت مباشرة لمكتبة الشيخ زهير التي لم تكن تبعد سوى خمس دقائق عن مقر إقامتي[2].

فبدأت بالبحث أولًا من خلال ما دونته ونقلته من الفهارس الخاصة لأرقام المخطوطات المحفوظة ضمن فهارس هذه المكتبة التي زودني بها منشؤها وصاحبها الشيخ زهير وفقه الله، مع مطابقتها بأصولها وأرقامها، ما سهل العمل سريعًا في الاطلاع على كثير مما تحويه هذه المكتبة.

استمر البحث قرابة عشر ساعات متواصلة، فخرجت بعدها بحمد الله تعالى بحصيلة طيبة من العناوين والمخطوطات النادرة (كما أتوقع) فكانت مع ما جمعت في بيروت، وما أرسله إليه مما طلبته عن طريق البريد في مرات متعددة، هما نتاج هذا العمل الذي بين يدي القارئ الكريم.

وإذا كان من شكر أقدمه لأهل الفضل، بعد شكر المولى عز وجل، فلابد أن يكون لشيخنا الجليل زهير الشاويش، متعه الله بالصحة والعافية، على تشجيعه على هذا العمل وتسهيله له، وما أبداه من تعاون واهتمام وإفادة في كثير من السائل التي أطرحها عليه[3]، فضلًا عن عنايته واهتمامه وإسهامه في حفظ تراث الأمة العربية والإسلامية، وخدمته، ونشره من خلال المكتب الإسلامي[4]. وحسبي في النهاية أني حاولت قدر ما استطعت، لأجمع جزءً من تراثنا المخطوط من خارج حدود بلادنا العزيزة، وتكون باكورته الأولمب في ضمن هذا العمل، الموسوم بـ:

(مختارات من المخطوطات النجدية في الخزانة الشاويشية).

والله أسأل أن ينفع بهذا العمل وأن يجزي علماءنا في هذه البقعة وفي غيرها من بلاد المسلمين خير الجزاء على ما قاموا به من الذود عن هذا الدين والدفاع عنه، ونفع الأمة بهم. وأن يمكننا من تلمس آثارهم والتأسي بمآثرهم والاستفادة من مؤلفاتهم، والبحث عن جهودهم المباركة والسعي لإحيائها ونشرها، مع الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، وكما يقول السخاوي رحمه الله: (من ورخ مؤمنًا فكأنما أحياه).

ومتأسين بقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 10] وعنا معهم بفضله وكرمه ورحمته.

---

[1] زارها معي الأخ محمد بن إبراهيم الرشد التميمي وفقه الله. وعن حي الصالحية يقول

الشاعر:

الصالحية جنة والصالحون بها أقاموا فعلى الديار وأهلها مني التحية والسلام

وعن العمرية انظر: المدرسة العمرية بدمشق وفضائل مؤسسها أبي عمر محمد المقدسي الصالحي، محمد مطيع الحافظ، الطبعة الأولى 1421هـ.

[2] نظمت ابنة الشيخ زهير (زوجة الأستاذ أيمن) المكتبة في بيروت وعمان، ووضعت أرقامًا ظاهرة على المخطوطات، وفقها الله.

[3] علق الشيح زهير على بعض مواضع هذا الكتاب، فأثبتُّ تعليقاته كما كتبها.

[4] أسسه الشيح زهير الشاويش في دمشق عام 1377هـ/ 1957م. وعن ذكرياته وجهوده في نشر الكتب والمخطوطات، انظر: هوامش دفتر المخطوطات وإتقان طبع الكتاب وتسويقه، بقلم زهير الشاويش، الطبعة الأولى، 1414هـ، المكتب الإسلامي. مجلة البيان، س 24، العدد: 262، جمادى الآخرة 1430هـ يونيو 2009م، ص 39. وترجمة ذاتية موجزة، نشر المكتب الإسلامي عام 1416هـ.