• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

التربية على الاستجابة من مقاصد الصوم (خطبة)

التربية على الاستجابة من مقاصد الصوم (خطبة)
حسان أحمد العماري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/3/2025 ميلادي - 3/9/1446 هجري

الزيارات: 11920

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التربية على الاستجابة من مقاصد الصوم

 

الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحَّد بالكبرياء والكمال، وجلَّ عن الأشباه والأشكال، أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادَّ لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو الخالق الفعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، الذي أيَّده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزيَّنه بأشرف الخصال، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسَّك بسُنَّته واقتدى بهديه ومن اتِّبَعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين، أما بعد:

 

أيها المؤمنون، تربية النفس وتزكيتها من أعظم الواجبات على العبد تجاه نفسه، وأن مما يعين على ذلك استثمار مواسم الطاعات والعبادات، وفي شهر رمضان مقاصد إيمانية وتربوية ينبغي للعبد أن يغتنمها وينهل منها، وإن من مقاصد الصوم تربية النفس على الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلماذا يصوم المسلم؟ ومتى يصوم؟ ومتى يفطر كل يوم؟ ولماذا لا يتقدم على المؤذن عند الإفطار؟ ولماذا لا يأكل عندما يؤذن المؤذن لصلاة الفجر؟ وما الذي يجعله يمتنع طوال اليوم عن الأكل والشرب رغم أنه يستطيع أن يأكل ويشرب دون أن يراه أحد؟ وكيف ينبغي أن تكون أخلاقه مع من حوله؟ ولماذا يقوم الليل ويصلي التراويح وينفق ويتصدَّق؟


وعند نهاية شهر رمضان يسارع المسلم إلى إخراج زكاة الفطر للفقراء والمساكين، ويسارع طوال الشهر إلى كتاب الله فيقرأه في حب وشغف، كل ذلك، لماذا كل هذا؟


إنها الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهكذا يجب أن تكون الاستجابة لأوامر الدين وتوجيهات الشرع في كل زمان ومكان، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183، 184].


معاشر المسلمين، إن الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حياة للأرواح والأبدان والمجتمعات والشعوب، يقول عز وجل في محكم كتابه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]، فكيف يدعونا الله إلى الحياة ونحن أحياء؟ وما هي الحياة الحقيقية؟ وهل تعني الحياة الأكل والشرب والعمل وبناء المدن وتشييد المباني وصناعة الآلات؟ وهل تعني الحياة كثرة الاختراعات والانغماس في الشهوات والملذات؟ وماذا يريد الله بهذا الخطاب؟ إن الله سبحانه وتعالى يوجهنا في هذا الخطاب إلى أمر عظيم؛ ألا وهو بيان أن حياة الإنسان الحقيقية تبدأ عندما يستجيب لأمر الله ورسوله، ويلتزم بهما، ويطبقهما في واقع حياته، قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، فالذين يستجيبون لله وللرسول ظاهرًا وباطنًا هم الأحياء في عالم الأموات وإن كانوا أقل الناس مالًا وعلمًا وعدة وعدد، وهم السعداء رغم فقرهم وحاجتهم، وهم الأغنياء وإن قلَّت ذات أيديهم، وهم الأعِزَّة وإن قلَّ الأهل والعشيرة، وغيرهم هم الأموات حقيقةً وإن كانوا أحياء الأبدان، يَسْعَوْنَ بين الناس ذهابًا وإيابًا، ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النحل: 21]، فعلى قدر الاستجابة تكون الحياة، فهي مراتب، كلما زاد العبد في الاستجابة لله وطاعة أوامره، زاده الله حياة طيبة سعيدة، قال ابن القيم رحمه الله: «والخبر أن من ترك الاستجابة له ولرسوله، حال بينه وبين قلبه عقوبةً له على ترك الاستجابة، فإنه سبحانه يعاقب القلوب بإزاغتها عن هداها ثانيًا كما زاغت هي عنه أولًا، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5]»؛ (بدائع التفسير 2/334)، قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].

 

أيها المؤمنون، عبــاد الله، إن من أعظم أسباب مشاكلنا الأسرية والاجتماعية والثقافية؛ بل حتى السياسية منها هو ضعف الاستجابة لأمر الله ورسوله، وهو نفسه سبب ضعف هذه الأمة وتفرُّقها، فهناك من أبناء هذه الأمة من لا يقبلون من الدين إلا ما وافق هواهم، وسعت إليه نفوسهم حقًّا كان أو باطلًا، وانظروا- رحمكم الله- إلى الخصومات بين الناس، وهو مثل بسيط على مستوى البيت أو الأسرة أو الحارة والمؤسسة وما بين الأحزاب والجماعات والقبائل، ما الذي يضبط العلاقات بين الناس؟ وما هو الشيء الذي يوجه سلوكهم ويتحكم في تصرفاتهم؟ هل هي أوامر الدين كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أم إننا نحتكم إلى الهوى وحب الذات والرغبة في السيطرة؟ وتنقلب بذلك حياة الناس إلى تعاسة وشقاء، لقد كان المجتمع المسلم الأول يقود الحياة في جميع جوانبها انطلاقًا من أوامر الدين وتوجيهاته، ولم تكن عندهم هذه المزاجية، ولا هذا الكبر واتباع الهوى؛ بل كانوا إذا سمعوا قال الله، قال رسوله، قالوا: سمعنا وأطعنا، وبادروا إلى العمل والتطبيق، ولو كان ذلك الأمر أو ذلك التوجيه يخالف هواهم ورغباتهم وأمنياتهم، ولن يكون مؤمنًا ذاك الذي يُعرض عن أوامر الدين وتوجيهاته، ولا يستجيب لها، فإن الاستجابة لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - هي المحكُّ الحقيقي والمظهر العملي للإيمان: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].


يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من المسلمين يلبس خاتمًا وهو محرم على الرجال، فأمره بنزعه، فماذا فعل الرجل؟ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"، فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (رواه مسلم)، فأي اتباع هذا؟ وأي استجابة هذه؟ لم يتعَلَّل ولم يناقش ولم يستفسر ولم يأتِ بالمبررات كما يفعل بعض أبناء المسلمين اليوم، والعاقبة هي الحياة الطيبة، ورضوان الله وجنته، قال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [الرعد: 18]، ستذهب اللذَّات والأموال والجيوش والأتباع، ولن ينفع إلا الاستجابة لأمر الله ورسوله وإخضاع العبد كل رغباته وشهواته للدين، والمغرور من غرَّته دنياه.


عبــــاد الله، إن معنى الاستجابة لله أن تخضع رغباتك أيها المسلم وأهواءك وتصرفاتك لدين الله عز وجل، في كل صغير وكبير من أمرك، ولا خيار لك في ذلك، وهي الحياة الحقيقية التي دعانا الله إليها؛ ولكنها ليست أيَّ حياة، وإنما هي الحياة الكريمة العزيزة، الحياة الحقيقية الكاملة، التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، فإن هذه المخلوقات تحيا حياة بهيمية، لا يعرف له غاية نبيلة يسعى إليها، ولا رسالة يحيا من أجلها، ويكافح في سبيلها، فحسبُه دريهمات يملأ بها جيبه، أو لقيمات تملأ معدته الفارغة، وثياب تكسو جسده العاري، وليكن بعد ذلك ما يكون، فهو لا يسعى لأكثر من هذا! وهذه الحياة أبشع صور الحياة وهي صورة وصف الله بها اليهود بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ [البقرة: 96]، وكانوا يجاهرون بمعصية الله بكل وقاحة كما قال سبحانه عنهم: ﴿ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ﴾ [النساء: 46]، فكانت النتيجة قال تعالى: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 112]، أما أهل الإيمان فإنهم يسارعون للاستجابة والعمل، وقد أثنى عليهم ربهم بذلك، فقال على لسانهم: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 193، 194]، هذا أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه يفتح كتاب الله فيقرأ قول الله: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ﴾ [التوبة: 41]، وانظروا- رعاكم الله- إلى سرعة الاستجابة لأمر الله ورسوله؟ فيقول لأبنائه: جهِّزُوني جَهِّزوني، يا لله! شيخ كبير قارب على الثمانين لم يعذر نفسه، فيقول أبناؤه: رحمك الله، جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وصرت شيخًا كبيرًا، فدعنا نغزو عنك، قال: والله، ما أرى هذه الآية إلا استنفرت الشيوخ، ثم أبى إلا الخروج لمواصلة الجهاد في سبيل الله، والضرب في فجاج الأرض؛ إعلاء لكلمة الله، وإعزازًا لدين الله، فيشاء الله يوم علم صِدْقَ نيَّتِه أن يكون في الغزو، في البحر لا في البر؛ ليكون له الأجر مضاعفًا، وعلى ظهر السفينة في وسط أمواج البحار المتلاطمة يمرض مرضًا شديدًا يفارق على إثره الحياة، فأين يدفن وهو في وسط البحر؟! ذهبوا ليبحثوا له عن جزيرة ليدفنوه فيها فلم يعثروا على جزيرة إلا بعد سبعة أيام من موته، وهو مسجى بينهم، لم يتغيَّر فيه شيء كالنائم تمامًا، وفي وسط البحر بعيدًا عن الأهل والوطن نائيًا عن العشيرة والسكن دفن أبو طلحة، وما يضره أن يدفن بعيدًا عن الناس ما دام قريبًا من الله عز وجل، ماذا يضره أن يدفن في وسط جزيرة لا أعلمها ولا تعلمها، يوم يجبر الله له كل مصاب بالجنة.


ويوم فتح خيبر والمسلمون قد بلغ بهم الفقر والجوع مبلغًا حتى إن أحدهم ليربط على بطنه من شدة الجوع ولم يكن لهم طعام سوى الماء والتمر فتح الله عليهم بعض الحصون فوجدوا حميرًا، فاختاروا عشرين منها، ونحروها، وسلخوها، ووضعوها في القدور، وأوقدوا تحتها النار، وراحت القدور تغلي، وبطونهم تغلي معها من الجوع، وحين نضج اللحم وأصبح جاهزًا للأكل، جاء الامتحان الرباني على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أبا طلحة فنادى: "إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر". قال أبو ثعلبة رضي الله عنه: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، والناس جياع فأصبنا بها حمرًا إنسية فذبحناها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر عبد الرحمن بن عوف فنادى في الناس: "إن لحوم الحمر لا تحل لمن يشهد أني رسول الله"؛ (رواه الإمام أحمد والشيخان)، ولم يكتب التاريخ أن أحدًا من المسلمين قضم قضمة من تلك اللحوم استجابةً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.


فماذا نقول اليوم وكثير من الناس تذكره بشرع الله وتدله على الحلال وتحذره من الحرام وهو لا يبالي؛ بل تأخذه العزة بالإثم والعياذ بالله، تقول له: الربا حرام، يرد عليك: كل الناس يتعاملون به. الرشوة لا تجوز، يرد عليك: إذا لم آخذها أنا سيأخذها غيري من الموظفين، شعارهم:

وهل أنا إلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ
غَوَيْتُ وإنْ ترشُدْ غَزِيَّةُ أرْشُدِ

ذلك الشعار الجاهلي الذي يغيب عقل الإنسان عن الاتباع والهدى والخير. تقول لأحدهم: الغيبة، النميمة، أعراض الناس، احفظوا ألسنتكم، لا تجوز هذه الأعمال، يرد عليك: قلوبنا صافية ونحن نمزح فقط. الله أكبر تمزح في كبيرة من كبائر الذنوب! وهناك من تذكِّره بحرمة الدماء والأعراض والأموال، فيرد عليك: الحياة فرص أو أنه يعمل ذلك من أجل فلان وعلان من الناس، فلا يحتكم إلى دين أو شرع، وتجد تلك المرأة التي تؤمر بالطهر والعفاف وبالحجاب، وأنه فريضةٌ من الله، وفيه خير الدنيا وسعادة الآخرة، ترد عليك وأنت تسألها: لماذا لا تستجيبين لأمر الله؟ فإذا بها تُحدِّثك عن التطور والحداثة ومسايرة العصر وأن الإيمان في القلوب، والله تعالى يقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال: 20 - 22]، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.


قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

عبــــــاد اللـه، اعلموا أن للاستجابة لأمر الله ورسوله ثمارًا في الدنيا والآخرة، فمن استجاب لله، استجاب الله له، يقول تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 195]، وقال عز وجل مبينًا نتيجة الفريقين: ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [الرعد: 18]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي"، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبي؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"؛ (رواه البخاري).


والاستجابة سبب من أسباب إجابة الدعاء؛ فهي طريق لرضا الله تعالى، فتحقيق الإيمان وامتثال أوامر الله تعالى جعلها الله تعالى من شروط إجابة الدعاء، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ومن فوائد وثمار الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، هي مغفرة الذنوب، قال تعالى على لسان الجنِّ: ﴿ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 31]. إن الإعراض عن منهج الله وعدم الاستجابة لأوامر الشرع في أقوالنا وأفعالنا وتصرُّفاتنا يجلب على الأمة والمجتمع كثيرًا من الويلات والمصائب، وتحل العداوة والبغضاء بين الناس بسبب ذلك، بين الرجل وزوجته وأولاده، وبين المدير وموظفيه، وبين المعلم وطلابه، وبين الجار وجيرانه، وبين الحاكم والمحكوم، وهي سنة الله في خلقه، حكاها في كتابه فقال تعالى: ﴿ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 14].


عبـــــاد الله، شهر رمضان، شهر عظيم بمقاصده وغاياته، فتزودوا منه وخذوا من عطاياه ما يكون لكم زادًا لسفر طويل، إنها الاستجابة، قال صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين"؛ (مسلم 1080).


فالدين ليس بالمزاج وليس بالرأي؛ إنما هو اتباع واستجابة وتنفيذ.


اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح فساد أحوالنا، واجعلنا يا ربنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ورُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا، وخذ بنواصينا إلى كل خير. هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مقاصد الصوم للعز بن عبدالسلام
  • خطبة التآلف والتراحم من مقاصد الصوم
  • التقوى من مقاصد الصوم (خطبة)
  • الإخلاص من مقاصد الصوم
  • رضا الله من مقاصد الصوم
  • الإخلاص من مقاصد الصوم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة التربية على الاستجابة من مقاصد الصوم(مقالة - ملفات خاصة)
  • مؤتمر علمي عن التربية والتعليم بكلية التربية الإسلامية بجامعة بيهاتش(مقالة - المسلمون في العالم)
  • سؤال التربية بين الخطاب الرؤيوي والبديل السوسيوثقافي من خلال كتاب: إشكاليات التربية بالمغرب لمحمد أمزيان(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إسبانيا: وزارة التربية والتعليم تعلن تدريس التربية الدينية الإسلامية العام المقبل(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مناهج التربية العقدية عند الإمام ابن تيمية "بحث تكميلي" لرسالة ماجستير التربية(رسالة علمية - آفاق الشريعة)
  • التربية الجمالية في الإسلام ومفهومها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مقاصد الصيام (2) مقاصد التربية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تربية أولادنا (8) التربية بالعقوبة وضوابطها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (6) التربية الخلقية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (5) التربية بالقصة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب