• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

وأقبلت العشر الأواخر من رمضان (خطبة)

وأقبلت العشر الأواخر من رمضان (خطبة)
أحمد عبدالله صالح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/4/2022 ميلادي - 19/9/1443 هجري

الزيارات: 28462

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وأقبلت العشر الأواخر من رمضان

 

ثم أما بعد أيها الأحباب الكرام:

بعد أيام قلائل سـتدخلُ علينا عشـرٌ مباركـات، عشـرٌ طيبـات، عشـرٌ روحانيات.. إنَّها عشـرُ الفوز والعتق والغنائـم! إنَّها عشـرُ الإفاضات والنفحات! عشـرُ التجليـات وتكفير الخطيئات! عشـرُ رفع الدرجات وإجابة الدعوات! عشرُ إقالة العثرات وإعتاق الرقاب الموبقات! إنَّها العشرُ الأَواخرُ من شهـرِ رمضان، عدةُ الصائمين وَرَوْحُ القائمين والساجدين، وموسمٌ من أعظَمِ المواسمِ لزيادةِ الإِيمانِ.

 

إِنَّها أفضلُ ليالي العامِ كُلِّـهِ علـى الإِطــلاقِ، والتي ما غـابت شَمسُ العامِ على ليالٍ هيَ أَفضلُ منها ولا أَجلُّ ولا أعظَمُ.

 

نعم أحبتي الكرام، ها هي العشـر الأواخر من رمضان على الأبـواب، هذه العشـر هـي خلاصةُ رمضان، هي عصارةُ رمضـان، هي تاجُ رمضـان، هي لبُّ رمضان؛ بل إنها أجَلُّ أيامه وأخْيَرُها! بل أقول هي زبدته وثمرته، وموضعُ الذؤابةِ منه.

 

وهي ليالٍ معدودات، وساعاتٍ محدودات، وستنصرم وسترحل، وستنقضي انقضاء الحلم!

 

ويا حرمان من لم يذق فيها لذةَ المناجاة! يا حرمان من لم يشعر فيها بروعة القرب من الله! يا خذلان من لم يتلذذ فيها بالأنس بالله! ويا خسارة من لم يضعْ جبهته لله ساجدًا فيها!

 

في هذه العشر يا كـرام يُشمِّرُ المشمِّرون، ويَتزودُ المتزودون، ويَتميزُ العابدون، ويَسعدُ المخبتون، وفيها يجأرُ المذنبون بدعائهم، وتَختلطُ دموعُ انكسارهم بطلبِ مغفرةِ ذنوبهم.

 

كم سيكونُ في هذهِ العشر الأخيرة المباركة من جبَاهٍ ساجدةٍ، وقُلوبٍ خاشعة، وعيونٍ دامعة!

 

كم سيكون في هذه العشر من أكُفٍّ مرفوعة تطلب وتطلب، وتنادي وتشكو، وتسأل وتدعـو دون كللٍ أو مَلَلٍ؟! وكم سيكون فيها من أفئدةٍ ضارِعة، وصُفوفٍ مُنتَظمةٍ في مساجدها؟!

 

كم سيكون فيها من أقدامٍ مُنتصبةٍ في محارِيبها، لم ولن تستسلم لدواعي التعب والإعيـاءِ والإرهاق؛ بل ستستمر على الانتصابِ والوقوف والقيام؛ لعلمها التـام أنَّ الجهْدَ والتعب والإعيـاء سيذهب وسينتهي وسيُغادر، وسيبقى عظيمُ الأجرِ وجزيلُ الثوابِ؟!

 

كم سيكون في هذه العشـر من خُشوعٍ ودُموع وتضَــرُّعٍ ودُعــاءٍ، ونشيجٍ وبُكاءٍ، وشوقٍ ورجاءٍ! كم سيكون فيها من قلُوبٍ مُتعلِّقةٍ بالسَّمـاء، وجُنوبٍ مُتجافية عنِ الأَرضِ! كم سيكون فيها من نفوسٍ مُقبلة ستهْجُرُ المجالسَ والمضاجِع، وأماكن السفهاء، ومقايل اللهو واللغو، ونوادي الضحك والضياع، لكي تتلَذَّذَ بمُنـاجاةِ المَولى سبحانه وتـأنسَ بالخلوةِ بهِ، وتطِـيب قُلوبُهم بـالقُـربِ منهُ: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].

 

لسـانُ حال الواحد منهم وهو واقفٌ بين يدي مـولاه ينـاجيه ويدعوه:

لبستُ ثوبَ الرجا والناس قد رقدوا
وقمت أشكو إلى مولاي ما أجدُ
وقلت يا عدتي في كل نائبةٍ
ومن عليه لكشف الضُّرِّ أعتمدُ
أشكو إليك ذنوبًا أنت تعلمها
ما لي على حملها صبرٌ ولا جلدُ
وقد مددْتُ يدي إليك مُعْترفًا
إليك يا خيرَ مَنْ مُدَّتْ إليه يدُ
فلا تردَّنَّها يا ربِّ خائبةً
فبحرُ جودك يروي كلَّ مَنْ يَرِدُ

 

لِسَانُ حــال الــوَاحِدِ مِنهُـم: ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعْفُ عَنِّي)).

 

نعم إخواني وأخواتي الصائمين:

♦ تذكَّروا أنَّها عشرُ ليالٍ فقـط، وستمـرُّ كطيفٍ زائرٍ فـي المنام، وستنقضي سريعًـا، وتغـادرنا كلمـحِ البصر.

 

♦ تذكَّروا أنَّها لن تعـودَ إلَّا بعـد عـامٍ كامل، ولا ندري على من ستعود؟! ومـن ستزور؟! ولا ندري مـا الله صانعٌ فـي العام القادم!

 

♦ وتذكَّروا أنَّ مِـنْ أهلِ هذه العشـر مَـْن لا يكون مـن أهلها في العـام القـادم، أطـال الله فـي أعمارنا على طاعته، وهذه سنَّة الله في خلقه: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30].

 

♦ تذكَّروا أنَّ غدًا تُوَفَّى النفـوس ما كسبت، ويحصـدُ الـزارعون ما زرعوا، فإن هم أحسنـوا أحسنـوا لأنفسهم، وإن أساءوا فبئس ما صنعوا.

 

فيا متهـاونًا إلى متى التهـاون؟! ويا نائمًا متى تستيقـظ؟! ويا غافـلًا متـى تنتبه؟! يا شـاردًا ويا راقدًا إلى متى هذا الرقاد؟! يا بعيدًا إلى متى سيظل هذا البعد؟! إنْ لم تغتنم هذه الأيام الفاضلات الطيبات الكريمات فـأيُّ موسمٍ ستغتنم؟!

 

إنْ لم تُفَـرِّغ الـوقت الآن للعبادة والطـاعة والخشوع والدعـاء والبكـاء والشكوى والسؤال، فـأيُّ وقتٍ ستفرِّغ لها؟! إذا لم تقف اليوم، فمتى ستقف؟ إذا لم تشْكُ وتسأل الله، فمتى تسأل؟

 

أسبابُ العتق ومفاتيح المغفرة مهيَّأة لك في هذه العشر أكثر من أي وقتٍ مضى!

 

وإذا لم تعتق هذا العـام، فمتى تعتق؟ إذا لم يغفـر لك في هـذه العشر والتي قد تكون العشر الأخـيرة من عمرك وحياتك، فمتى؟!

 

إلى متى هذا التراجع؟! إلى متى هذا التـواني؟! إلى متى هذا الكسل والصدّ؟! إلى متى هذا التقصـير؟! إلى متى وإلى متى؟! والله جل في علاه يقول: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ﴾ [التوبة: 105].

 

فمـاذا سـيرى الله منك في هذه العشر؟! هل سيرى منك حماسًا وإقبـالًا؟! مسارعةً وتقدمًا، مبادرةً وتنافـسًا، صيامًا وقيامًا، قرآنًا وتـلاوةً، تسبيحًا واستغفارًا، دعاءً وذكرًا، صدقةً وبذلًا، نشاطًا وسباقـًا، أخلاقًا ومعاملة..؟! أم سيرى لهـوًا ولعبـًا، وتبـاطؤًا وتأخُّرًا، وكسلًا وتقصـيرًا، جمودًا وتخاذلًا وتقاعـسًا، سهرًا ونومًا، غفلةً وضياعًا، سبًّا ولعنًا، شتمًا وقذفًا، قبحًا وسوءًا، شُحًّا وإقتارًا؟!

 

أحبتي الكـرام:

أمَّا إذا سألتم عن حالِ حبيبكم ونبيكم وإمامكم وخير الـورَى وأَفضـل البريَّةِ عليه الصلاة والسلام في هذه العشر الأخيرة من رمضان، فلقد كان عليه الصلاة والسلام مجتهدًا في العبادة؛ كانَ ينامُ في العِشرِينَ الأُولى ويُصلِّي، ويقومُ ويرقدُ.. وأَمَّا العَشرُ الأَواخرُ فلـم يكُـنْ يَقضِيهَا في بَيتِهِ أَبَـدًا، وَلا يَضـعُ فيهَا جَنبَهُ مُتَمَـدِّدًا، ولا يُغمِضُ طَرفَهُ راقدًا..لَقد كانَ عليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يُطَلِّقُ الدُّنيَا بِرُمَّتِهَا وَيلقي بِهَا خلفَ ظَهـرِهِ بِأَجمَعِها، ويتَخفَّفُ من سَائِرِ أَعمالهَا، بل ويتفرَّغُ من جميعِ أشغالِها، يَشُدُّ مِئزَرَهُ، ويترُكُ نِساءَهُ، ويضرِبُ قُبَّتَهُ ويعتَكِفُ في مسجِدِهِ، ويُحيِي ليلَهُ لِيخلُوَ بِرَبِّهِ، يَخلو بِهِ فيُنادِيهِ ويُنَاجيهِ، ويدعوهُ ويرغَبُ إِليهِ، ويقومُ حتَّى تَتَفَطَّرَ قدماهُ شُكرًا للهِ..

 

وكان عليه الصلاة والسلام يُواصـلُ صيامهُ اليومَينِ وَالثَّلاثَةَ؛ لِعِظَمِ مـا كانَ يَمتلِئُ بِهِ قَلبُهُ منَ المعـارِفِ والفُتُوحاتِ الرَّبَّانِيَّةِ، وحُلوِ ما يَجِدهُ ويَستَطعِمُهُ مِن الهِباتِ السَّماوِيَّةِ..كانَ يعِيشُ وقتَهُ كُلَّهُ لِرَبِّهِ، وَيَبذُلُ قُصَارَى جُهدِهِ لِمَولاهُ..!

 

هذا وهو أَكثرُ الأُمَّةِ أعمالًا، وأَعظمُها أَمانَةً وَأشغالًا، ويحملُ مُسؤولِيَّاتٍ ثقالًا، وقد غُفِرَ لَهُ مَا تقدَّمَ من ذنبِهِ وما تأخَّرَ..!

 

لكنَّهُ معَ كُلِّ هذَا لم يكُنْ في العشرِ يَلْوي على شيءٍ غيرِ عِبادَةِ ربِّهِ، ولا يهتمُّ بِشَيءٍ سِوى ما يُقرِّبُهُ من مولاهُ، يَفعلُ كُلَّ هذا تحرِّيًا لِلَيلَةِ القدرِ، وأَملًا في إِدراكها والفَوزِ بِجزِيلِ ثوابها وأجرها..تقول عائشة رضي اللهُ عنهَا كما في المتفق عليه: كـانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسـلَّم إِذا دخلت العَشـرُ شَدَّ مِئزَرهُ وأَحيا ليلَهُ، وأَيقـظَ أَهلهُ، وفي رواية لأحمد: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا كانَ رمضانُ قامَ ونامَ، فإذا دخلَ العشرُ، شدَّ المِئزرَ، واجتنبَ النِّساءَ، واغتسلَ بين الأذانينِ، وجعـلَ العشاء سحورًا.

 

ومعنى شدَّ المئزر؛ أي: إنَّه كان يجتنبُ النساء؛ تفرُّغـًا للعبادة، وإقبالًا على الله، وتركًا للاهتمامِ بملذاتِ الحياة.

 

أمَّا إيقاظه لأهله عليه الصـلاة والسـلام فليس خاصًّا في هذه العشر؛ بل كان يوقظهم في سائر السنة، ولكن إيقاظه لهم في هذه العشر كان أكـثر وأوكد رجاء فضل ليلة القدر.

 

وقد صـح في المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يطـرقُ على فاطمة وعليًّا ليلًا ويقول لهما: ((ألا تقومان فتصليان؟)).

 

وكان عمـرُ بنُ الخطَّابِ يُصلِّي مِنَ اللَّيْلِ ما شاء الله، حتَّى إِذَا كانَ منْ آخرِ اللَّيلِ، أَيْقظَ أَهلَهُ لِلصَّلاةِ ويَقُولُ لَهُم: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ"، ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

 

ومن الأعمال التي كان عليه الصلاة والسلام يواظب عليها في هذه العشر: الاغتسال بين أذان المغرب والعشاء مع استعمال الطيب، قال ابن جرير: "كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشرِ الأواخر".

 

♦ وكان النخعي يغتسلُ في العشرِ كل ليلة.

♦ "ومنهم من كان يغتسلُ ويتطيَّب في الليالي التي تكون أرجى لليلةِ القدر".

♦ وكان أيوب السَّختِياني يغتسل ليلةَ ثلاثٍ وعشرين، وأربعٍ وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويتطيب.

 

وكلُّ ذلك دليلٌ على حرصهم على أن يكون اعتناؤهم بهذه العشر أعظمَ من اعتنائهم بغيرها.

 

ولهـذا العشرُ الأواخر فرصةٌ ثمينةٌ لنقف مع أنفسنا وقفاتٍ جادةً وصادقةً وصريحةً!

 

فرصةٌ للإقبـالِ على الله! فرصةٌ لنعترف بتقصيرنا بين يديه! فرصةٌ لنعرض حوائجنا له سبحانه، فهو أرحمُ بنا من الوالدةِ بولدها، ومَنْ منَّا لم يذنب؟! مَنْ منَّا لم تقع عينه فيما حرَّم الله؟! ومَنْ منَّا لم يعق والديه؟! ومَنْ منَّا لم يقع في مستنقعِ الغيبة والنميمة والسخريةِ والاستهزاء؟!

 

ليس العيبُ أن نخطئ ولكنَّ العيب أن نستمر في الخطأ دون محاسبة ورجوع صـادق إلى الله سبحانه وتعالى.

 

وهل هناك أرحمُ من الله؟! هل هناك أكرم من الله؟! لا وألف لا! إذًا فهيَّا نمشي سويًّا في هذه العشر إلى الأمام.

 

هيا بنا جميعًا نُقبلُ إليه سبحانه، فمهما بلغت الذنوب فالله سبحانه يبدلها حسنات إذا صدقناه في التوبة وفي محاسبة أنفسنا ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].

 

((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

 

﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 53 - 56].

 

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد أحبتي الكرام:

قبل أيام قليلة ملأ الفرح قلوبنا، وخالج السرور أفئدتنا، وتبادلنا التهـاني بحلول شهرِ الخير والطاعة والإحسـان رمضان! وها نحن اليوم في العشـرِ الأخيرةِ التي إذا ذهبت ومضت فلن تعود إلَّا على الأحياء! ومن كان من ذلك في شـكٍّ أو ريب فليتذكَّر كم من نفسٍ في المقابر لم تُدرك رمضان! وأخرى أدركت أولهُ ثمَّ لم تُدرك آخرهُ، وليتأمل قول ربِّ العالمين: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، وقولهُ سبحانهُ: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10].

 

أمَّا وقد نسأَ اللهُ في أَعمارنـا، ومدَّ لنا في آجالنا، وفسحَ لنا، فبلغنا خواتيمَ رمضانَ وأكملَ ليالِيهِ وأفضلها فلنغتنمها بهمَّةٍ ونشاطٍ، ولنختمِ الشَّهرَ المباركَ بخيرِ أَعمالنا؛ فإِنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ!

 

إنَّ التعب مخلوف، والنَّوم مُدرك، وقد خالطنا الدنيا واشتغلنا بها حتى أمـرضت قلوبنا وأشقت أرواحنا.. والمحروم أيُّها الكرام مَنْ تمرُّ عليه هذه العشر وهو في لهوٍ وسَمر! الناس من حوله يُصلون ويركعون ويسجدون ويذكرون الله ويدعون ويبتهلون وهو مشغولٌ بملء بطنه، أو إسعـادِ عينيه بمشاهدةِ القنوات، أو إمتاعِ أُذُنيه بالغيبةِ والنميمةِ والاستهزاء، أو عاكفٌ على سماع ما حرَّمه الله، أو نائمٌ في فـراشه يَـغُطُّ في غفلته، ويتقلبُ في أحلامه، أو يتمشَّى في الأسواق، يجمعُ أغراضَ عيدِه، ويُجهِّـزُ ملابسَه.

 

وليس أسعد الناسِ بالعيد بعد رمضان من ضيَّع وقته في ليالِ العشرِ بتجهيزِ الجديد؛ ولكن أسعدهم بالعيـد، وأحراهم بالفرح فيه والسـرور والحبـور هم أهل العملِ الصالح والقربات والصلوات والخلوات والدعوات!

 

ألا فلنتقِ الله يـا كرام، ولنودع خـير الليـالي بأفضل ما نقدر عليه من طاعاتٍ وقربات، ولنستثمر دقائقها والساعات وَلْنُصَوِّم العيون والألسنة والآذان والقلوب، وليكن لأحدنا من الاعتكاف حظٌّ ولو ليلة واحدة، فما زالت أبواب الجنَّةِ مُفتَّحةً وأبوابُ النار مُغلقةً، ومردةُ الشياطين مُصفَّدةً، وما زِلنا نعيشُ أجواء النِّداء الرباني العظيم: ((يَا بِاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ)).

 

وكم بين أيدينا من الفرص والغنائم صدقةً وبرًّا وإحسـانًا وصلاةً وتنفُّلًا وقيامًا وقراءةً للقرآن وذكرًا، ولزومًا للمسـاجد واعتكافًا، وتفرغًا للعبادةِ والدعاء، وتحريًا لليلةِ القدر واصطبـارًا: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 26- 28].

 

نعم يا كرام، هذه العشر الأواخر من رمضان بين يديك! فإلى كل من قصَّر أو تهاون أو تكاسل في العشرين الأولى من رمضان.. فرصتك العشـر الأخيرة، فرصتك لتعوض ما خسرته فيما مضى، فرصتك لتعـوض ما ضيَّعته، وما غفلت، وتقاعست عنه وتراجعت، فرصتك العشر الأواخر لتراجع حساباتك، ولتدَّارَك عمرك، ولتكون من الفائزين، من المعتوقين، من الناجين، من المتفوقين، من المغفورين، من المرحومين! من أهل الفردوس الأعلى بصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم!

 

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70].

 

ثم اعلمـوا أنَّ الله أمركم بأمـرٍ بدأ به نفسه، وثنـَّى به ملائكته المسبحةِ بقدسه، وثلَّثَ به عبـاده من جنِّه وإنسـه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العشر الأواخر من رمضان وليل الصالحين
  • فضل العشر الأواخر وليلة القدر
  • العشر الأواخر والاعتكاف
  • العشر الأواخر من رمضان (عرض تقديمي)
  • فضائل العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر
  • استثمار العشر الأواخر (خطبة)
  • خصائص العشر الأواخر من رمضان
  • العشر الأواخر من رمضان
  • العشر الأواخر
  • وأقبلت العشر الأواخر 1446هـ (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • وأقبلت العشر الأواخر (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • برنامج يومي للعشر الأواخر من شهر رمضان وجدول للعبادات في العشر الأواخر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العشر الأواخر من رمضان أقبلت(مقالة - ملفات خاصة)
  • العشر الأواخر أقبلت فهل من مشمر؟(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • لماذا اجتهادنا في العشر الأول من ذي الحجة أقل منه في العشر الأواخر من رمضان؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وأقبلت عشر ذي الحجة بنفحاتها (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • العشر الأواخر من شهر رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • أعمال العشر الأواخر من رمضان وأسرار الاعتكاف (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • خطبة: فضل العشر الأواخر من رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة فضل العشر الأواخر من رمضان(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب