• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / الإسراء والمعراج
علامة باركود

مراتب الشرف في رحلة الإسراء والمعراج (خطبة)

مراتب الشرف في رحلة الإسراء والمعراج (خطبة)
د. عبدالمحمود يوسف عبدالله

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/3/2023 ميلادي - 11/8/1444 هجري

الزيارات: 7744

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مراتب الشرف في رحلة الإسراء والمعراج


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله تعالى يُكرِّم مَنْ شاء من عباده بما شاء من أنواع المكرمات؛ كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75].

 

ومن عباده الذين اصطفاهم واجتباهم وخصَّهم بأنواع من المكارم والخصائص والمعجزات: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر وأعجب ما أكرمه الله به وحَبَاه به: معجزة الإسراء والمعراج، حيث أُسرِي به - في رحلة أرضية - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج -في رحلة سماوية - إلى السماوات العُلَى، ورأى من آيات ربِّه ما رأى، ثم عاد من ليلته، وأصبح نائمًا على فِراشه.

 

مراتب الشرف في رحلة الإسراء والمعراج:

رحلة الإسراء والمعراج حفَّتها مظاهر الشرف من كل جانب؛ حيث اجتمع فيها: شرف الزائر، وشرف المزُور، وشرف الرفيق، وشرف المركوب، وشرف مكان التحرُّك، وشرف مكان الزيارة، وشرف محطات الزيارة، وشرف مَنْ التقى بهم، وشرف المِنَح والهدايا التي عاد بها؛ ولذلك استحقَّت أن يُسمِّي الله سورةً باسمها، وأن يبدأها بالتسبيح، فقد قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]، وقال عنها: ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 18].

 

1- أما شرف الزائر: فالزائر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشرف الخلق وخير من وطِئ الثَّرى وخاتم الأنبياء وإمام المرسلين، الذي قال عنه الله جل وعلا: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وفيه قال القائل:

واللهِ ما خَلَقَ الإلَهُ ولا بَرَا
بَشَرًا يُرى كمُحَمَّدٍ بين الورى

2- وأما شرف المزُور: فهو الله جل وعلا، الذي منه يُنال الشرف والعز والرفعة جل في عليائه، وهل هناك أشرف من لقاء الله وتكريم الله لعبده؟!

 

بعض الناس لو دعاه وزير أو ملك لزيارته أو أحدُ الوُجهاء للقائه لربما طار فرحًا، فكيف والطلب جاء من الله تعالى ملك الملوك لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

 

3- وأما شرف الرفيق: فالرفيق هو جبريل عليه السلام، أمين الوحي وسفير الأنبياء، وقد كان حسَّان بن ثابت رضي الله عنه يُفاخِر ويقول:

وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا
وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ[1]

4- وأما شرف المركوب: فهو البُراق، الذي كان يركبه الأنبياء، تلك الدَّابَّة العجيبة التي تضع حافرها عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِها، والله قادر أن يأتي بنبيِّه من غير دابَّة، وأن يطوي له المسافات؛ ولكنه جاء به راكبًا من باب التكريم له، وفي الحديث ((أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ- وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ- يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ))، قَالَ: ((فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ))، قَالَ: ((فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ))؛ رواه البخاري ومسلم، واللفظ لفظ مسلم، وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُسَرَّجًا مُلَجَّمًا لِيَرْكَبَهُ، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا؟ فَوَاللهِ، مَا رَكِبَكَ أَحَدٌ قَطُّ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْهُ، فَارْفَضَّ عَرَقًا[2]".

 

5- وأما شرف مكان التحرُّك: فهو البيت الحرام؛ أول مسجد بُني في الأرض، وقبلةُ المسلمين الوحيدة، ومكان الحج الوحيد، والذي تعدل الصلاة فيه مائة ألف صلاة فيما سواه.

 

6- وأما شرف مكان الزيارة: فهو بيت المقدس والسماوات العُلى.

 

• أما بيت المقدس: فهو مجمع الأنبياء، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبلة المسلمين الأولى، والذي تعدل الصلاة فيه خمسمائة صلاة فيما سواه، والذي بارك الله فيه، وقال عنه: ﴿ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

• وأمَّا السماوات العُلى: فهي التي يتنزَّل منها الوحي، وتصعد إليها الأعمال والأرواح، وفيها ملائكة الرحمن يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وفيها الدلالة الباهرة على عظمة الله وقدرته.

 

7- وأما شرف محطات الزيارة: فقد توقف في عدة محطات:

أ‌. المحطة الأولى: المسجد الأقصى، وفيه صلَّى بالأنبياء إمَامًا.

 

ب‌. المحطة الثانية: السَّمَاء الدُّنْيَا، وفيها التقى بأبيه آدم عليه السلام، أول البشرية.

 

ت‌. المحطة الثالثة: السَّمَاء الثَّانِيَة، وفيها التقى بِابْنَيِ الْخَالَةِ يَحْيَى وَعِيسَى عليهما السلام، وعيسى هو آخر الأنبياء قبله.

 

ث‌. المحطة الرابعة: السَّمَاء الثَّالِثَة، وفيها التقى بيوسف عليه السلام، وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ.

 

ج‌. المحطة الخامسة: السَّمَاء الرَّابِعَة، وفيها التقى بإدريس عليه السلام، الذي قال عنه اللَّهُ تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [مريم: 57].

 

ح‌. المحطة السادسة: السَّمَاء الْخَامِسَة، وفيها التقى بهارون عليه السلام، الذي كانت نبوَّتُه من بركات دعوة أخيه.

 

خ‌. المحطة السابعة: السَّمَاء السَّادِسَة، وفيها التقى بموسى عليه السلام، كليم الرحمن، والذي كان سببًا في تخفيف الصلاة عنَّا من خمسين إلى خمس.

 

د‌. المحطة الثامنة: السَّمَاء السَّابِعَة، وفيها التقى بإبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء، وَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ[3].

 

إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ بَانِيَ الْكَعْبَةِ الْأَرْضِيَّةِ [شرفه الله أن يكون] مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور؛ لِأَنَّهُ الْكَعْبَةُ السَّمَاوِيَّةُ[4]".

 

ذ‌. المحطة التاسعة: سِدْرة المنتهى، والتي رأى من جمال حسنها ما لا يُوصَف، وهناك رأى جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ، وَلَهُ سِتُّمِائَة جَنَاحٍ [5]، وأكرمه الله برؤية الجنة وأنهارها ونعيم أهلها، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 13 - 18].

 

ر‌. وأمَّا عاشرًا: فكان لقاؤه مع الله تعالى؛ حيث أوْحَى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، وكلَّمَه من غير واسطة، ويا له من تشريف وتكريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم! وفرض عليه عبادة الصلاة، ثم رجع عليه الصلاة والسلام.

 

8- وأمَّا شرف مَن التقى بهم: فقد التقى بالملائكة الكِرام، والتقى بالأنبياء المصطفين، وكلهم رحَّب بمجيئه، وأشرف لقاء كان مع الله سبحانه وتعالى حين أوْحَى إليه وكلَّمَه.

 

9- وأما شرف المِنح والهدايا التي عاد بها: فقد عاد بجملة من المِنَح والهدايا منها:

أ. الصلوات الخمس: هذه العبادة اليومية التي نقف فيها بين يدي الله، وتعرج فيها القلوب إلى الله تعالى، وقد جعلها الله خمسًا في الأداء، خمسين في الجزاء؛ تفضُّلًا منه سبحانه، فاستمسكوا بها؛ فإنها سبيل النجاة.

 

ب‌. فضل الذكر: فقد جاء في الحديث: ((لَقِيتُ ليلة أُسرِيَ بي إبراهيمَ، فقال لي: يا محمدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مني السلامَ، وَأخْبِرْهم: أَن الجنةَ طَيِّبَةُ التُّربة، عَذْبةُ الماء، وأنها قِيعانٌ، وأَنَّ غِراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر[6])).

 

ت‌. عاد رسول الله وهو مشبع بروح الأمل والتفاؤل، فقد جاءته رحلة الإسراء والمعراج في وقت عصيب؛ حيث فقد زوجته الحنون خديجة رضي الله عنها، وفقد عمَّه أبا طالب الذي كان يدافع عنه، وكل ذلك كان في عام واحد حتى سُمِّي بعام الحزن، ونال المشركون منه ما نالوا، وكان من أصعب ذلك ما كان من أهل الطائف.

 

في هذه الظروف يكرمه الله بمعجزة الإسراء والمعراج، وكأنَّ الله تعالى يقول له: إن ضاقت بك الأرض فإن السماء تفتح لك أبوابها، وإن أبى بعض أهل الأرض استقبالك فإنك ستستقبلك ملائكة الرحمن والأنبياء الكِرام، وإن عاداك بعضُ البشر فإن معك الله القوي الشديد.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد كانت قصة الإسراء والمعراج اختبارًا لعدد من الفئات:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي مَسْرَاهُ، وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ، وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَثَبَاتٌ لِمَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى يَقِينٍ، فَأَسْرَى بَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَيْفَ شَاءَ، لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا أَرَادَ، حَتَّى عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، وَقُدْرَتِهِ الَّتِي يَصْنَعُ بِهَا مَا يُرِيدُ[7]".

 

1-كانت اختبارًا للمشركين في ذاك الوقت، حيث صدَّقُوا وَصْفَه لبيت المقدس؛ ولكنهم مع ذلك أنكروا القصة ولم يُصدِّقوا بها.

 

الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فَظِعْتُ بِأَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ، فَقَعَدْتُ مُعْتَزِلًا حَزِينًا))، فَمَرَّ بِهِ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((نَعَمْ))، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: ((إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ))، قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: ((إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ))، قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ))، فَلَمْ يُرِهِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ أَتُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ قَالَ: ((نَعَمْ))، قَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. قَالَ: فَانْتَفضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ))، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: ((إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ))، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ))، قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ زَعَمَ، قَالُوا: وَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ - وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ؟- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ))، قَالَ: ((فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عُقَيْلٍ - أَوْ عِقَالٍ - فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ))، قَالَ: ((وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ)) قَالَ: ((فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ[8])).

 

• أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ، وَاسْتَنَارَتْ لَهُمُ الْمَحَجَّةُ، فَآمَنَ مَنْ آمَنَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّهِ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ﴾ [الإسراء: 60]؛ أَيِ: اخْتِبَارًا لَهُمْ وَامْتِحَانًا[9].

 

2- وكانت اختبارًا لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: حيث إن أنبياءهم صلَّوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك إشارة إلى أنهم سلَّموه الراية، وأن كل من حضره وجب عليه اتِّباعه، وقد بشَّرَتْهم كُتُبُهم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرتهم باتِّباعه؛ لكن كثيرًا منهم لم يفعلوا، وقد أخبرنا الله أنه لن يقبلَ دينًا سوى الإسلام؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وَفِي الحديث الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ))؛ رواه مسلم.

 

3- وكانت اختبارًا للمؤمنين حينئذٍ، وقد ضرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه أروع الأمثلة في تصديق الله ورسوله حتى سُمِّي بالصِّدِّيق.

 

جاءه المشركون وقَالُوا له: "هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا: أَوَ تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لَأَصُدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ؛ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ[10]".

 

وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، حيث يتلقَّى موعودات الله ورسوله بالتصديق المطلق واليقين التام بوقوع ذلك؛ كقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقوله: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وقوله: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23]، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ في اللَّيل سَاعة لا يُوافِقُها رجُل مُسلِم يسأل الله خيرًا من أمْرِ الدُّنْيا والآخِرة إلا أعطاه إياه، وذلك كُلَّ ليلة))؛ أخرجه مسلم.

 

وكحديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لِيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ)).

 

وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِيَ، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ[11]».

 

4- وكانت اختبارًا للأُمَّة في المحافظة على هذا الرباط الوثيق بين المسجدين: المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فالمسجد الأقصى هو أحد المُقدَّسات الإسلامية، وأمانة في عنق الأُمَّة؛ لأنه مَسْرى نبيِّنا، وقبلة المسلمين الأولى، ومجمع الأنبياء.

 

وقد استلم المسلمون مفاتيحه في زمن الفاروق، وبقي تحت راية المسلمين حوالي خمسمائة عام ثم ضعف المسلمون فاحتلَّه الصليبيون، ثم بعد حوالي تسعين سنة فتحه المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وبقي تحت راية المسلمين إلى أن احتلَّه اليهود في العصر الحالي، ونسأل الله أن يُعجِّل بعودته إلى حضن الأُمَّة الإسلامية.

 

اللهُمَّ أكرمنا ولا تهنا، وارفعنا ولا تضعنا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آلهِ وصَحْبِه أجمعين.



[1] السيرة النبوية، لابن هشام (2/ 423).

[2] أخرجه أحمد (12672) والترمذي (3131)، وقال محقق المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقوله: "فارفَضَّ"؛ أي: سال.

[3] تفصيل مواقع الأنبياء في السماوات ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (4/ 109) في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، وفي غيره من المواضع، ومسلم رقم (164) في الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

[4] انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (3/ 5)، وما بين المعكوفين من زياداتي.

[5] رواه البخاري (6/ 141) تفسير سورة النجم، باب ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ [النجم: 9]، ومسلم رقم (173) في الإيمان، باب ذكر سدرة المنتهى.

[6] أخرجه الترمذي، رقم (3462) في الدعوات، باب رقم (59)، وحسَّنَه.

[7] السيرة النبوية، لابن هشام (1/ 397).

[8] قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 65) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

[9] السيرة النبوية، لابن كثير (2/ 104).

[10] أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 65) وصححه، ووافقه الذهبي.

[11] قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 14): رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النجم الوهاج في ارتباط رحلة الإسراء والمعراج بأرض النبوات
  • سبع ومضات من رحلة الإسراء والمعراج
  • ثلاثة مشاهد مخيفة في رحلة الإسراء والمعراج
  • الإسراء والمعراج (خطبة)
  • الإسراء والمعراج (دروس وعبر) (خطبة)
  • من عبرة الإسراء والمعراج
  • هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج
  • العشرة المستفادة من معجزة الإسراء والمعراج
  • من فضائل الإسراء والمعراج
  • جرائم الشرف وضحاياه
  • الأخفياء (خطبة)
  • مظاهر التوفيق في رحلة الإسراء والمعراج (خطبة)
  • من يشهد لك إذا رحلت؟ (خطبة)
  • مسائل العقيدة في الإسراء والمعراج (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مراتب الدين الثلاثة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراتب التفخيم في التلاوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تقليد العالم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراتب الجهاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراتب صيام عاشوراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراتب الصبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراتب الناس في الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أول مراتب الجهاد وأوسطه وأعلاه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لم يصنف ابن تيمية كتابا بعنوان " نقد مراتب الإجماع "(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مراتب أهل الإيمان(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب