• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / الإسراء والمعراج
علامة باركود

من دروس الإسراء والمعراج: التوفيق

السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/4/2017 ميلادي - 21/7/1438 هجري

الزيارات: 32981

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من دروس الإسراء والمعراج: التوفيق

 

تعريف التوفيق:

التَّوفيق هو: الإلهامُ للخَيْر؛ يقال: وَفَّقهُ اللهُ؛ أي: ألهمه إيَّاه، وسدَّد خُطْاه، وأنْجَحه فيما سعى إليه.

أَمَّا الخِذلان، فمعناه: تَرْكُ العَوْنِ؛ يقال: خذَله اللهُ؛ أي: تخلَّى عن نصرته وإعانته، وفي التنزيل: ﴿ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [آل عمران: 160]؛ أي: وإِنْ أراد خذلانكم وترك معونتكم، فلا ناصر لكم.

 

والخَذول: صيغة مبالغة؛ أي: كثير الخذلان، وهو من يتخلَّى عن نصرة صاحبه ومساعدته في أحرج الأوقات، قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 29]؛ أي: يُضله ويُغويه ويزيِّن له الباطل، ويقبِّح له الحق، ويَعِدُهُ الأماني ثم يتخلى عنه وقتَ الحاجة، فلا ينقذه ولا ينصره.

 

التوفيق من الله تعالى:

أيها الإخوة الأحباء، اعلموا أن التوفيق إنما مصدره واحد، ألا وهو الواحد جل جلاله وعظُم سلطانه، قال شعيب عليه السلام: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].

 

قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:

♦ "﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [هود: 88]: التوفيق ضد الخذلان، وهو الفوز والفلاح في إصابة الإصلاح، وكلُّ عمل صالح وسعي حسن فإن حصوله يتوقف على التوفيق بين شيئين: أحدهما: كسب العامل وطلبه الشيءَ من طريقه، وثانيهما: موافقة الأسباب الكونية والخارجية التي يتوقف عليها النجاح في كسبه وسعيه، وتسخيرها إنما يكون من الله وحده، والمعنى: وما توفيقي لإصابة ذلك فيما أستطيعه منه إلا بحول الله وقوته، وفضله ومعونته، وأعلاها ما خصني به دونكم من نبوته ورسالته.

♦ ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ [هود: 88]: في أداء ما كلَّفني من تبليغكم ما أُرسلت به، لا على حولي وقوتي.

 

♦ ﴿ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]: أي: وإليه وحدَه أرجع في كل ما نابني من الأمور في الدنيا، وإلى الجزاء على أعمالي في الآخرة، فأنا لا أرجو منكم أجرًا، ولا أخاف منكم ضرًّا"[1].

قال ابنُ القيِّم رحمه الله: "أجمع العارفون بالله أنَّ التوفيق هو أن لا يَكِلَكَ الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يُخلِّيَ بينك وبين نفسك"[2].

 

وبهذا جاء التوجيه النبوي الكريم؛ فَعَنْ أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دَعَوَاتُ المَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ))[3].

 

مظاهر التوفيق في رحلة الإسراء والمعراج:

أولًا: التوفيق للمتابعة في ربط البراق:

أول صور التوفيق أنْ وفَّق الله تعالى النبيَّ صلى الله عليه وسلم لربطه البراق في الحلقة التي كان يربط بها الأنبياء، فاستنَّ بسنتهم واقتدى بهم، كما قال الله تعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].

 

عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أَتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء))[4].

أي: ربطت البراق وقيدته بالحبل؛ يقال: ربط - من باب ضرب - يربط ربطًا.

(بالحلقة)؛ أي: بحلقة باب مسجد بيت المقدس.

 

يؤخذ من قوله: (فربطته بالحلقة) الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل على الله؛ قاله النووي. وأنكره حذيفة، إذ روي عند أحمد والترمذي من حديث حذيفة قال: تحدثوا أنه ربطه؟ أخافَ أن يفرَّ منه وقد سخَّره له عالم الغيب والشهادة؟! قال البيهقي: "المثبِت مقدَّم على النافي؛ يعني مَن أثبَتَ ربط البراق معه زيادةُ علم على من نفى ذلك، فهو أَولى بالقبول"[5].

 

ثانيًا: التوفيق لاختيار الفطرة:

ومن أظهر صور التوفيق للنبي صلى الله عليه وسلم أن وفقه الله تعالى لاختيار الفطرة عندما عُرض عليه ثلاثة أقداح اللبن والعسل والخمر، فاختار نبيُّنا المختار صلى الله عليه وسلم اللبنَ، عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُفعت لي السدرة، فإذا أربعة أنهار؛ نهران ظاهران، ونهران باطنان؛ فأما الظاهران، فالنيل والفرات، وأما الباطنان، فنهران في الجنة، وأُتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن، فقيل لي: أصبت الفطرة))[6].

 

قال النووي: "ألهمه الله تعالى اختيار اللبن؛ لما أراده سبحانه وتعالى من توفيق هذه الأمة واللطف بها". اهـ

قال ابن المنير: "لم يذكر السر في عدوله عن العسل إلى اللبن، كما ذكر السر في عدوله عن الخمر، ولعل السر في ذلك كون اللبن أنفع، وبه يشتد العظم، وينبت اللحم، وهو بمجرده قوت، ولا يدخل في السرف بوجه، وهو أقرب إلى الزهد، ولا منافاة بينه وبين الورع بوجه، والعسل وإن كان حلالًا، لكنه من المستلذات التي قد يخشى على صاحبها أن يندرج في قوله تعالى: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [الأحقاف: 20]، قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون السر في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان قد عطش، فآثر اللبن؛ لما فيه من حصول حاجته، دون الخمر والعسل، فهذا هو السبب الأصلي في إيثار اللبن، وصادف مع ذلك رجحانه عليهما من عدة جهات".اهـ[7].

 

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "جاء في حديث الإسراء لما أخَذ النبي صلى الله عليه وسلم اللبن، قيل له: أصبتَ الفِطرة... وحيث جاءت الفطرة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمراد بها فطرة الإسلام لا غير"[8].

 

وكان لهداية النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء للفطرة حين خيِّر بين اللبن والخمر - آثارٌ فيما بعد؛ فوفقه الله تعالى لأحسن الدين: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النساء: 125]، وهداه لأحسن القول: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ ﴾ [فصِّلت: 33]، وهداه لأحسن الحُكم: ﴿ أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، وهداه لأحسن الحديث: ﴿ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزُّمر: 23].

 

ثالثًا: التوفيق لعدم إزاغة بصره:

ومن صور توفيقه صلى الله عليه وسلم أدبُه الجم مع ربه ومع الحضرة الربانية، يصور الله تعالى لنا ذلك المشهد بقوله: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 13 - 18].

 

"إن هذا وصفٌ لأدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام؛ إذ لم يلتفت جانبًا، ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلال به: أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله، أو يتطلع أمام المنظور، فالالتفات زيغ، والتطلع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة، فكمالُ إقبال الناظر على المنظور: ألا يصرف بصره عنه يَمنةً ولا يَسرة ولا يتجاوزه.

هذا معنى ما حصلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه.

 

وفي هذه الآية أسرار عجيبة، وهي من غوامض الآداب اللائقة بأكمل البشر صلى الله عليه وسلم: تواطأ هناك بصره وبصيرته، وتوافَقَا وتصادقَا فيما شاهده بصره، فالبصيرة مواطئة له، وما شاهدته بصيرته فهو أيضًا حق مشهود بالبصر، فتواطأ في حقه مشهد البصر والبصيرة.

 

ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾ [النجم: 11، 12]؛ أي: ما كذب الفؤاد ما رآه ببصره، فإنَّ عادة النفوس إذا أقيمت في مقام عالٍ رفيع: أن تتطلع إلى ما هو أعلى منه وفوقه، ألا ترى أن موسى صلى الله عليه وسلم لما أُقيمَ في مقام التكليم والمناجاة، طلبت نفسه الرؤية؟ ونبينا صلى الله عليه وسلم لما أقيم في ذلك المقام، وفَّاه حقه؛ فلم يلتفت بصره ولا قلبه إلى غير ما أقيم فيه ألبتة.

 

ولأجل هذا ما عاقه عائق، ولا وقف به مراد، حتى جاوز السماوات السبع، حتى عاتب موسى ربَّه فيه، وقال: يقول بنو إسرائيل: إني كريم الخلق على الله، وهذا قد جاوزني وخلفني علوًّا، فلو أنه وحده؟ ولكن معه كل أمته، وفي رواية البخاري: ((فلما جاوزتُه، بكى، قيل: ما يبكيك؟ قال: أبكي أن غلامًا بُعث بعدي يدخل الجنةَ من أمته أكثرُ ممن يدخلها من أمتي))، ثم جاوزه علوًّا، فلم تعقه إرادة، ولم تقف به دون كمال العبودية همة"[9].

 

رابعًا: التوفيق في مراجعة موسى عليه السلام له في فرض الصلاة:

ومن صور التوفيق: توفيق الله تعالى له بأن راجعه موسى عليه السلام في شأن الصلاة، حيث أمَرَه كليمُ الله تعالى أن يراجع ربَّه في عدد الصلوات، كما صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثم عُرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، ففرَض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال: ما فرَض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى فقلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك؛ فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدَّل القول لديَّ، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابُها المسك))[10].

 

خامسًا: التوفيق في وصف المسجد لكفار مكة:

ومن صور التوفيق في قصة الإسراء والمعراج: ما وَفَّقَ اللهُ تعالى نبيَّه في وصف بيت المقدس، رغم أنه صلى الله عليه وسلم دخله ليلًا ولم يتفقده، وكان بعض أهل مكة قد زار بيت المقدس ويعرف وصفه، فأرادوا أن يتأكدوا من ذَهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هنالك، فسألوه عن وصفه.

 

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((لقد رأيتني في الحِجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتْني عن أشياء من بيت المقدس لم أُثْبِتْها، فكُربتُ كربة ما كُربتُ مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا نبَّأتهم))[11]، إنه توفيق الله تعالى وتسديده لحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.

 

قال ابن حجر: "قوله: (فجلى الله لي بيت المقدس): قيل: معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته، ووقع في رواية عبدالله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها: ((قال: فسألوني عن أشياء لم أثبتها، فكربت كربًا لم أكرب مثله قط، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا نبَّأتهم به))، ويَحتمل أن يريد أنه حُمل إلى أن وُضع بحيث يراه ثم أعيد، وفي حديث ابن عباس المذكور: ((فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه، حتى وُضع عند دار عقيل، فنعتُّه وأنا أنظر إليه))، وهذا أبلغ في المعجزة، ولا استحالة فيه؛ فقد أُحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان، وهو يقتضي أنه أزيل"[12].

 

أسباب حصول التوفيق الإلهي:

وبعد أيها الآباء، لعل سائلًا يسألُ ويقول: وما الطريق إلى التوفيق؟

إليكم أيها الأحباب بعض وسائل التوفيق، فإذا أردت أن تكون من الموفَّقين، فعليك بما يلي:

أولًا: العمل الصالح: فالعمل الصالح عمومًا - على اختلاف أنواعه بدنيًّا، أو ماليًّا، أو قوليًّا - يوصلك إلى أعلى مراقي التوفيق، والله عز وجل بيَّن أن الطاعة والتوفيق لها هو الفوز العظيم، فقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71]، وها هو صلى الله عليه وسلم يوضح لك حقيقة التوفيق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله))، فقيل له: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: ((يُوَفِّقُهُ لعمل صالح قبل الموت))[13].

قال أبو بكرة رضي الله عنه: إنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، أَيُّ الناس خير؟ قال: ((مَن طال عمرُه، وحَسُنَ عمله))، قال: فأيُّ الناس شرٌّ؟ قال: ((مَن طَالَ عُمره، وساء عمله))[14].

 

ثانيًا: المجاهدة والمصابرة على الطاعة: قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]

قال السعدي رحمه الله: "﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ﴾ [العنكبوت: 69] وهم الذين هاجروا في سبيل اللَّه، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته، ﴿ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]؛ أي: الطرق الموصلة إلينا؛ وذلك لأنهم محسنون.

 

﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69] بالعون والنصر والهداية، دلَّ هذا على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به، أعانه اللَّه ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه - أمور إلهية خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل اللَّه، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين"[15].

 

ثالثًا: التوكل على الله والإنابة إليه: قال الله تعالى عن شعيب عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، فالتوفيق منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحب من عباده، فإذا علم الله من عبده الصدق والإنابة إليه، وفَّقه الله وهداه، قال تعالى: ﴿ قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾ [الرعد: 27]، وإذا وفَّق الله العبد، اجتباه ويسَّر له أبواب الخير يضرب بسهم في كل باب توَّاقًا منهومًا، مستسهلًا للصعاب، طارحًا للعقبات.

 

رابعًا: بر الوالدين:

ومن أسباب التوفيق برُّ الوالدين، فالبر أثره في الدنيا التوفيقُ والسداد، وفي الآخرة الجنةُ، أخرج الإمام مسلم في صحيحه: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس رضي الله عنه، فقال له: أنت أويس بن عامر؟

قال: نعم.

قال: من مراد ثم من قَرَنٍ؟

قال: نعم.

قال: فكان بك برص فبرأتَ منه إلا موضع درهم؟

قال: نعم.

قال: لك والدة؟

قال: نعم.

 

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل))، فاستغفِر لي، فاستغفَر له، فقال له عمر: أين تريد؟

قال: الكوفة.

قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟

قال: أكون في غبراء الناس أحبُّ إليَّ.

 

فلما كان من العام المقبل، حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر فسأله عن أويس، فقال: تركته رث البيت قليل المتاع.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل))، فأتى أويسًا، فقال: استغفِر لي.

قال: أنت أحدَثُ عهدًا بسفر صالح، فاستغفِر لي.

قال: لقيتَ عمر؟

قال: نعم، فاستغفَر له، ففطن له الناسُ، فانطلَق على وجهه[16].

 

لماذا أغلق باب التوفيق عن الناس؟

لماذا أغلق باب التوفيق عن بعض الناس؟

قال شقيق بن إبراهيم رحمه الله: أُغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء:

1 - اشتغالهم بالنعمة عن شكرها.

2 - رغبتهم في العلم، وتركهم العمل.

3 - المسارعة إلى الذنب، وتأخير التوبة.

4 - الاغترار بصحبة الصالحين، وترك الاقتداء بأفعالهم.

5 - إدبار الدنيا عنهم وهم يتَّبعونها.

6 - إقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها[17].



[1] تفسير المنار (12/ 120).

[2] مدارج السالكين (1/ 413).

[3] أخرجه أحمد (5/ 42، رقم 20447).

[4] أخرجه أحمد (3/ 148، رقم 12527)، ومسلم (1/ 145، رقم 162).

[5] فتح المنعم شرح صحيح مسلم (1/ 566).

[6] أخرجه البخاري (5/ 2128، رقم 5287).

[7] فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 175).

[8] حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (12/ 318).

[9] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 361).

[10] أخرجه البخاري في: 8 كتاب الصلاة: 1 باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء.

[11] أخرجه مسلم (278).

[12] فتح الباري شرح صحيح البخاري (7/ 200).

[13] إسناده صحيح، أخرجه أحمد (3/ 106).

[14] أخرجه أحمد (5/ 44).

[15] تفسير السعدي (ص: 635).

[16] أخرجه مسلم، 7/ 188 (2542).

[17] الفوائد (ص: 177).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آية الإسراء والمعراج: دلالات وعبر
  • الإسراء والمعراج
  • دلالات الإسراء والمعراج
  • دروس وعبر من رحلتي الإسراء والمعراج
  • الإسراء والمعراج (خطبة)
  • خطبة: من أسباب التوفيق والخذلان
  • معجزة الإسراء والمعراج
  • فيض الإتحاف من رحلة الإنصاف: ثنائية الارتقاء.. الإسراء والمعراج
  • رسالة لكل من يحتفل بليلة الإسراء والمعراج أو يرى جواز الاحتفال بها
  • الإسراء والمعراج (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الإسراء والمعراج.. دروس وعبر(مقالة - ملفات خاصة)
  • الإسراء والمعراج: دروس ومقاصد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة الإسراء والمعراج دروس وعبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة الإسراء والمعراج: دروس وعبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الإسراء والمعراج (دروس وعبر) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسراء والمعراج دروس وعبر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دروس الإسراء والمعراج: تكريم النبي صلى الله عليه وسلم(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الإسراء والمعراج: دروس ودلالات وعبر (4) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسراء والمعراج: دروس ودلالات وعبر (3) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسراء والمعراج: دروس ودلالات وعبر (2) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
5- التوفيق من الله تعالى
محمود ناصر - مصر 20-04-2017 12:16 PM

-بارك الله فيك شيخنا-ما زلت تتحفنا بغوامض الإسراء والمعراج
فالتوفيق والتسديد في تلك القصة منحة وعطية مع منحة التكريم و الرفعة إلى أعلى منزلة لم يصل إليها بشر قط

4- التوفيق إلى الفطرة
أبو إسلام المصري - مصر 18-04-2017 07:21 PM

لقد فطر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على الفطرة السليمة و منحه الله تعالى رجاحة العقل و نور البصيرة التي يرى من خلالها أسرار وحكم الأمور
لذا وفق لاختيار وإصابة الفطرة
جزاكم الله خيرا

3- رحلة التكريم والتوفيق
عمر عبد الرحمن - مصر 18-04-2017 06:10 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا وزادكم من علمه
حقا لقد كانت رحلتا الإسراء والمعراج تكريما للنبي – صلى الله عليه وسلم – و لقد كان فيها موفقا لما يحب الله تعالى و يرضى

2- التوفيق بيد الله تعالى
نورة عبد الباسط - مصر 18-04-2017 04:13 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته – جزاكم الله خيرا على هذه اللمحة المباركة
قال الله تعالى عن شعيب عليه الصلاة والسلام: ? وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ? [هود: 88]، فالتوفيق منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحب من عباده، فإذا علم الله من عبده الصدق والإنابة إليه، وفَّقه الله وهداه، قال تعالى: ? قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ? [الرعد: 27]، وإذا وفَّق الله العبد، اجتباه ويسَّر له أبواب الخير يضرب بسهم في كل باب توَّاقًا منهومًا، مستسهلًا للصعاب، طارحا للعقبات.
نورة عبد الباسط
واعظة بالأوقاف المصرية

1- موفق دائما شيخنا الجليل
أشرف الأزهري - مصر 18-04-2017 04:06 PM

هذا الدرس من الدروس الهامة التي قلما يدركها المرء عندما يقرا المسلم قصة الإسراء والمعراج
اللهم ارزقنا التوفيق في القول العمل

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب