• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل دكتوراة
علامة باركود

الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية

د. علي بن عبدالعزيز بن إبراهيم المطرودي

نوع الدراسة: PHD
البلد: المملكة العربية السعودية
الجامعة: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الكلية: كلية الشريعة
التخصص: أصول الفقه
المشرف: أ. د. عياض بن نامي السلمي "الجزء الأول والثاني"
العام: 1426 - 1427 هـ

تاريخ الإضافة: 23/6/2015 ميلادي - 6/9/1436 هجري

الزيارات: 75823

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية


 

المقدمة:

الحمدُ لله الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وجعل لكلِّ شيء أجلاً مُسمًّى، أحمده - سبحانه وتعالى - حمدًا يَليق بجلال وجهه وعظيم سُلطانه، وأشكرُه على جزيل نعمه وإحسانه، وأُصلي وأسلم على خير رُسله - صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا - أمَّا بعد:

فإنَّ شريعة الإسلام هي الشَّريعة الخالدة، وهي الرَّحمة المهداة، التي شملت ببرِّها ورحمتها كل مخلوق، وساد نظامها وأحكامها على جميع ما يتصور من أنظمة وأحكام، وهي مَعين لا يَنْضُب، وسلسبيل لا ينقضي.

 

وقد قامت بها الحجَّة، واتَّضح بها السبيل؛ حيث بلغها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأشهد على بلاغها، وعرضها بأساليب متعددة حسب مقتضيات الأحوال، واختلاف المناسبات.

 

وقد توافرت الأدلة على الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة، حتى إنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما ترك خيرًا إلاَّ دَلَّ الأمةَ عليه، ولا شرًّا إلا حذرها منه، صغيرًا كان أم كبيرًا.

 

وعلم أصول الفقه هو المعنِيُّ بتحديد الأساليب الشَّرعية الدَّالة على الأحكام.

 

وقد قام علماءُ أصول الفقه بالتنبيه على تلك الأساليب، وبيان عدد منها، ومع ذلك فإنَّ الباحث يَجد قصورًا واضحًا في عرض الأساليب والصيغ التي تستفاد منها الأحكام؛ إذ يقتصر المؤلفون في هذا العلم على عدد يسير من ذلك في كلِّ حكم، مع أنَّ ما تركوه أكثر، وبعضه أقوى وأوضح في الدلالة.

 

وبما أنَّني أحدُ المنتسبين إلى هذا العلم أردت أنْ أجمعَ ما تفرَّق من تلك الأساليب والصيغ الدالة على الأحكام التكليفيَّة، في دراسة علمية تُبيِّن دلالةَ كل أسلوب أو صيغة، وما فيها من خلاف - إن وجد - مع ضرب الأمثلة لها من الكتاب والسنة.

 

وقد اخترتُ لهذا البحثِ عنوانًا يدل على مضمونه، فسميته: "الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية".

 

أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

تظهر أهمية الموضوع جليَّة من خلال النقاط الآتية:

1- أنه متعلق بالأحكام التكليفيَّة التي يُعَدُّ الوصول إليها أهمَّ فوائد علم أصول الفقه.

 

2- أنَّ هذا الموضوع يُعين المجتهد على معرفة الطرق والأساليب الشرعية التي يُمكن الاستناد إليها في إثبات الأحكام التكليفيَّة، ومن ثم يسهل عليه معرفة الحكم الشرعي المطلوب من دليله.

 

3- أن فيه سدَّ ثغرة مهمة في أصول الفقه، تتمثَّل في اقتصار أكثر الكتب المؤلفة فيه على الأساليب والصيغ الظاهرة، كدلالة الأمر الصريح على الوجوب، والنَّهي الصريح على التحريم.

 

4- أنَّ دراسة هذا الموضوع تَحتاج إلى نظر واستقصاء لكثير من الأدلة الشرعيَّة، واطِّلاعٍ على تفاسير القرآن الكريم، وشروح السنة؛ مِمَّا يعود نفعه وأثره على الباحث.

 

5- أنني لم أطَّلع على دراسة شاملة في هذا الموضوع تجلي كل أسلوب على حدة، وتمثل له من الأدلة الشرعية.

 

أهداف الموضوع:

يهدف هذا الموضوع إلى تحقيق ما يأتي - بإذن الله تعالى -:

1- حصر الأساليب الشرعية الدالة على الأحكام التكليفية، وتوضيحها من خلال ضرب الأمثلة عليها من الكتاب والسنة.

 

2- بَحث دلالة هذه الأساليب والتطبيق عليها بذكر عدد من الفروع الفقهيَّة المتأثرة بكل واحد منها على حِدَة.

 

3- تكميل جانب النَّقص الموجود في المكتبة الأصولية فيما يتعلَّق بأساليبِ الشارع الدالة على الأحكام التكليفية.

 

الدراسات السابقة في الموضوع:

يُمكن جعل الدِّراسات السابقة في هذا الموضوع في قسمين:

القسم الأول: دراسات خاصَّة في الموضوع نفسِه.

والقسم الثاني: دراسات عامة تَحدَّثت عنه ضمن موضوعات أخرى.

 

أما القسم الأول، فقد اطَّلعت فيه على رسالتَيْ ماجستير في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، نوقشتا حديثًا بعد تسجيلي لهذه الرِّسالة بما يزيد على السنتين، وهما:

1- أساليب الحكم التكليفي في سورة البقرة: دراسة أصولية تطبيقية، إعداد: طاهر بن محمد.

 

تعرَّض الباحث لأساليب الحكم التكليفي في سورة البقرة، وقد انصبَّ مُعظم دراسته على صيغة "افعل" و"لا تفعل"؛ وذلك لكثرةِ ما ورد منهما في السورة المذكورة.

 

وكانت طريقته في البحث: أنْ يذكرَ الأسلوب ودلالته، ثم يتتبَّع ما ورد منه في السورة ويضعه تطبيقًا عليه؛ مما جعل بعض الأساليب يَطغى على بعض بحكم كثرته في السورة، وقِلَّة غيره.

 

2- أساليب الحكم التكليفي في سورة "آل عمران، والنساء، والمائدة": دراسة أصولية تطبيقية، إعداد: شهاب الدين بن عظمة الله.

 

تعرَّض الباحث لأساليب الحكم التكليفي في السُّور المذكورة.

 

وطريقته في البحث كسابقه؛ حيث إنَّه يذكر الأسلوب ودلالته، ثم يتتبع ما ورد منه في السور المشار إليها، ويضعه تطبيقًا عليه؛ مِمَّا جعل بعض الأساليب على بعض بحكم كثرته في تلك السور، وقلة غيره.

 

وهاتان الرسالتان وإن اختلفَ مَحلُّ الدراسة فيهما إلا أنَّهما يلتقيان في معظم البحث، وخاصَّة فيما يتعلق بالتأصيل، فجُلُّ الأساليب قد تواردت الرِّسالتان عليها.

 

وبحكم اقتصارهما على سور مَخصوصة من القرآن الكريم، فقد فاتهما أساليب أخرى كثيرة موجودة في القرآن وفي السنة المطهرة، ولذا فإنَّ دراستهما لا تُغني عن دراسة شاملة في الموضوع تجليه، وتُحرر ما فيه.

 

وإضافة إلى ذلك، فإن الجانب التأصيلي عندهما غالبًا ما يذكر بلا تعرُّض لخلاف العلماء الموجود في الأسلوب، ولا لأدلَّتهم ومناقشاتِهم.

 

هذا ما يتعلق بالقسم الأول، أمَّا القسم الثاني - وهو المتعلق بالدراسات العامة، وهي التي تحدثتْ عن بعض عناصر الموضوع - ففيه بحوث ورسائل مُتعددة، منها:

1- النهي عند الأصوليين، رسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المعهد العالي للقضاء، أعدَّها الشيخ د. عبدالرحمن بن محمد السدحان.

تعرَّض الباحث لأساليب النَّهي ضمن رسالته، وقد عرضها بشكل مُختصر، ومثَّل لها ببعض الأمثلة اليسيرة، وكانت أغلبُ أمثلته من القرآن الكريم.

 

2- النَّهي ودلالته على الأحكام الشرعية، رسالة ماجستير في جامعة أم القرى، إعداد: موسى بن محمد يحيى القرني.

تعرَّض الباحث في رسالته لبعض الأساليب الدالة على النهي؛ حيث يذكر الأسلوب ومثالاً عليه دون تعرض للتفصيل في نوع دلالته، ولا للتَّطبيق عليه.

 

3- النَّهي وأثره في فقه المعاملات المالية والأسرية، رسالة دكتوراه في جامعة أم القرى، إعداد: الخضر علي إدريس.

تعرض الباحث في رسالته لبعض أساليب النهي على طريقة الرسالة السابقة.

 

4- النَّهي في القرآن الكريم: أساليبه، مجالاته، ثمراته، والإعجاز المتمثل فيه، رسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، كلية أصول الدين، قسم القرآن وعلومه، إعداد: عبدالحميد علاء الدين سفانتون.

 

تعرَّض الباحث في رسالته لعدد من الأساليب الدالة على النَّهي في القرآن الكريم، ومثَّل لها منه فقط، وكان يبحثها بحثًا تفسيريًّا، ويُشير إلى الحكم الذي تدُلُّ عليه، دون تطبيق فقهي، ودون تعرُّض لأقوال العلماء في دلالة هذه الأساليب، ولا شَكَّ أنَّ كون الرسالة في مجال القرآن وعلومه له أثر في عدم التعرُّض لذلك، وإضافة لذلك، فهو لم يستوفِ جميعَ الأساليب؛ وذلك بحكم تخصص الرِّسالة في مجال أدلة القرآن.

 

5- التحريم والكراهة عند الأصوليين، رسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية الشريعة، قسم أصول الفقه، إعداد: محمد الأمين بن عبدالرحمن الشيخ.

تعرَّض الباحث لأساليب التحريم، وكان عرضه لها مختصرًا؛ حيث يذكر الأسلوب ومثالاً له.

 

وكذا تعرض لأساليب الكراهة، وكان ذلك بإيجاز شديد.

 

6- الأمر في القرآن الكريم: أساليبه، ومجالاته، وثمراته، رسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين، قسم القرآن وعلومه، إعداد: يوسف بن عبدالعزيز الشبل.

 

هذه الرِّسالة جاءت على وفق رسالة عبدالحميد علاء الدين سفانتون من حيث المنهج والدراسة، إلا أنَّ مجالها في الأمر وأساليبه، وما قيل في تلك الرِّسالة يقال فيها.

 

7- ضوابط الحل والحرمة في التشريع الإسلامي، رسالة ماجستير في جامعة أم القرى، إعداد: محمد غزالي بن عمر.

هذه الرِّسالة كما يبدو من عنوانها قريبة من الموضوع الذي أتحدث عنه، ومع ذلك فإنَّ حقيقتها بعيدة عن ذلك؛ إذ هي في المباح وتقسيماته، وكذلك الحرام وتقسيماته، وليس فيها إلاَّ إشارة يسيرة إلى بعض أساليب المباح في الشريعة؛ حيث ذكر خمسة منها مع التمثيل لها.

 

ومن المصادر الأصيلة في هذا الموضوع: كتاب الإمام في بيان أدلة الأحكام، تأليف عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام.

 

يُعَدُّ هذا الكتاب من أوَّل ما كُتب في هذا الموضوع، إلا أنَّه خلا من التقعيد، ومن تحديد دلالة الأساليب التي ذكرها على الأحكام التكليفية الخمسة: الوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة.

 

إضافةً إلى ذلك، فإنَّ أمثلته كان أغلبها من القرآن الكريم، وأيضًا لم يكن وافيًا بتتبُّع الأساليب؛ حيث ترك كثيرًا مما يستفاد منه الحكم مباشرة كلفظ الفرض، والوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والأمر، والنهي، ونحوها.

 

ومن المصادر الأصلية أيضًا: كتاب بدائع الفوائد: تأليف أبي عبدالله بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية.

 

تكلم المؤلفُ عن الأساليب الدالة على الأحكام التكليفيَّة بطريقة إجمالية؛ حيث ذكر كثيرًا منها تَعدادًا دون ذكر أمثلة لها، ويظهر جليًّا أنه استفادها من العز بن عبدالسلام؛ حيث اتفقت الصياغة عندهما في أغلب ما ذكراه، كما أن ابن القيم استدرك أساليبَ أخرى مهمة لم يذكرها العز، إلا أن دراسته كما ذكرت خَلَت من التمثيل لما ذكره، وهذا أمر مهم؛ لأن الأساليبَ حين تؤخذ بعيدًا عن الأدلة يصعُب تصوُّرها، والاستفادة منها على النحو المطلوب.

 

هذا ما اطَّلعت عليه من الدِّراسات المتصلة بهذا الموضوع، وقد تبين أنَّها غير وافية بالغرض، وذلك لما يلي:

1- أنَّ هذه الدراسات لم تستوفِ جميع الأساليب المفيدة للأحكام التكليفية.

 

2- أنَّ أغلبها كان منصبًّا على التمثيل من أدلة القرآن الكريم.

 

3- أن هذه الدراسات لم تبحث الأساليبَ استقلالاً، بحيث تفصل في دلالاتها، وإنَّما كانت تذكرها تعدادًا فقط.

 

ويُستثنى من ذلك رسالتا أساليب الحكم التكليفي في سورة البقرة، وأساليب الحكم التكليفي في سورة "آل عمران، والنساء، والمائدة"، اللتان سَبَقَ الحديث عنهما، وبيان ما يعتريهما من النقص.

 

4- أنَّ هذه الدِّراسات لم تتكلم عن الأساليب على أساس الرَّبط بينها وبين الأحكام التكليفية، وإنَّما جاءت فيها مطلقة، إمَّا على أنَّها أساليب أمر، أو على أنَّها أساليب نهي، ويستثنى من ذلك ما سبق آنفًا.

 

ومما سبق يتضح أن الموضوع ما زال بحاجة إلى تجلية أكثر، وإيضاح أوفى من خلال عرض الأمثلة المختلفة لكل أسلوب على حِدَة، سواء كان ذلك من الكتاب، أم السنة، وبيان مواضع الاتفاق، ومواضع الاختلاف، وترجيح الرَّاجح في دلالة تلك الأساليب.

 

هذا ما أرجو أن تحققه هذه الدراسة - إن شاء الله تعالى.

 

أبرز صعوبات البحث:

لم يخرج هذا البحث إلى النور إلاَّ بعد مكابدة عددٍ من الصُّعوبات، لعل من أبرزها ما يأتي:

1- كثرة الأساليب الشرعيَّة التي تدخل ضمن موضوع الرِّسالة؛ مِمَّا جعل محاولة حصرها من الأمور التي تَحتاج إلى جهد وعناء.

 

2- قلة المادة العلمية في بعض المسائل؛ مِمَّا يَحتاج معه إلى مضاعفة الجهد في البحث والتنقيب عن كلام للعلماء حولها.

 

3- حاجة البحث إلى مصادر متنوعة في الأصول، والتفسير، والحديث، والفقه، واللغة، وغيرها، وهذا يَجعل الباحث ينتقل من علم لآخر في وقت واحد، وعناء ذلك لا يَخفى.

 

المطلب الأول:

الأمر بعد الحظر:

المراد بذلك: أنْ يأتي أمر من الشارع بفعلٍ بعد سبق حظره ومنعه، سواء أكان المنع السابق صريحًا كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث بُريدة - رضي الله عنه[1] -: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها...))[2]، أم كان مفهومًا من عمومات الأدلَّة واستقرائها، كما ورد في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل خمس فواسقَ في الحل والحرم"[3]؛ قال ابن حجر: "... لكنَّ هذا الأمر ورد بعد الحظر؛ لعموم نهي الْمُحْرِم عن القتل"[4]، فهل يكونُ الأمر هنا كالمجرد في دلالته، أو أنَّ سَبْقَ الحظر مؤثِّرٌ في الدلالة وصارف لها؟

 

الأمثلة على هذا الأسلوب:

أولاً: الأمثلة من القرآن:

1- قوله - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222]؛ حيث أمر - تعالى - باعتزال الحائض، ونَهَى عن قُربانِها، ثم أمر بإتيانِها بعد طهرها، فصار أمرًا بعد نهي وحظر.

 

2- قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2]؛ حيث حظر تعالى الصيد أثناء الإحرام، ثم أمر به بعد الحل، فصار أمرًا بعد حظر.

 

3- قوله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾ [التوبة: 5]؛ حيث أمر تعالى بقتل المشركين بعد حظره في الأشهر الحرم.

 

4- قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9 - 10].

 

حيث أمر تعالى بترك البيعِ بعد نداء الجمعة، ثم أمر بابتغاء فضله بعد انقضاء الصلاة، فصار ذلك أمرًا بعد نَهي وحظر.

 

ثانيًا: الأمثلة من السنة:

1- عن جابر - رضي الله عنه - قال: "أهْلَلْنا أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحج خالصًا ليس معه عمرة... فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فلما قدمنا أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نحلَّ، وقال: ((أحلُّوا، وأصيبوا من النساء...))"[5].

 

قال ابن حجر: "فالقصة التي في رواية جابر كانت إباحة بعد حظر..."[6].

 

2- حديث عائشة - رضي الله عنها - السابق وفيه قولها: "أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل خمس فواسقَ في الحل والحرم".

 

قال ابن حجر كما سبق: ".... لكنَّ هذا الأمر ورد بعد الحظر؛ لعموم نَهي المحرم عن القتل"[7].

 

3- عن سلمةَ بن الأكوع - رضي الله عنها - قال: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن ضحى منكم، فلا يصبحن بعد ثالثة، وبَقِيَ في بيته منه شيء))، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: ((كلوا، وأطعموا، وادَّخروا؛ فإنَّ ذلك العام كان بالناس جَهْدٌ، فأردت أن تعينوا فيها))"[8].

 

قال ابن حجر: "وقوله: ((كلوا، وأطعموا)): تَمسَّك به من قال بوجوب الأكل من الأضحية، ولا حجةَ فيه؛ لأنَّه أمرٌ بعد حظر..."[9].

 

4- حديث بريدة - رضي الله عنه - السابق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزروها...))، فالأمر بزيارة القبور جاء بعد النهي عنها.

 

دلالة هذا الأسلوب:

(تحرير محل النزاع):

حكى بعض العلماء أنَّ الخلافَ في دلالة الأمر بعد الحظر محصورٌ فيما إذا كان الحظر السابق شرعيًّا، فإن كان عقليًّا، فدلالة الأمر كحالته لو لم يسبقه حظر[10].

 

وقد نازع أبو الحسين ابن القطان[11] في إخراج ذلك من مَحلِّ الخلاف؛ حيث صرح بأنه لا فرقَ في الحظر بين العقلي والشرعي[12].

 

والأصحُّ خروجه؛ وذلك لأنَّ العقل لا مدخلَ له في الحظر، فلا اعتبار به إذًا، وهذا ما اختاره الزركشي[13].

 

بل إنَّ ذكر مثالٍ مُسلَّمٍ على ذلك مما يصعب؛ إذ إنَّ أوامر الشرع لا تُخالف العقل السليم.

 

لكن يُمكن أن يفرضَ مثال على ذلك بين السيد وعبده، فإنَّ العبد يُمنع عقلاً من التقدم على سيده، فلو فرضنا أن سيدًا أمر عبدَه بالتقدُّم عليه، فما دلالة هذا الأمر؟

 

كما اتَّفق العلماء على أنه إذا وجدت قرينة أخرى مُتفق عليها تبيِّن مدلولَ الأمر، فإنه يصار إليها[14].

 

فمحل الخلاف إذًا إنَّما هو: في دلالة الأمر المسبوق بحظر شرعي إذا تَجرد عن القرائن الأخرى، فهل يكون تقدُّم الحظر قرينة كافية في صرفه دلالته، أو لا؟

اختلف العُلماء في ذلك على أقوال، من أشهرها ما يأتي:

القول الأول: إنَّ الأمر بعد الحظر يقتضي الوجوب كما لو لم يتقدمه حظر، وهذا قول كثير من الحنفية والمالكية والشافعيَّة، وأكثر المتكلمين، وهو قول الظاهرية[15].

 

القول الثاني: إنَّ الأمر بعد الحظر يقتضي النَّدب، وبه قال القاضي حسين من الشافعية، وهو منسوب لمن قال بالنَّدب في مطلق الأمر[16].

 

القول الثالث: إنَّ الأمر بعد الحظر يقتضي الإباحة، وهذا قول بعض الحنفية والمالكية، والشَّافعية، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وبه قال جمهور الحنابلة، وجُلُّ الفقهاء[17].

 

القول الرابع: إنَّ الأمر بعد الحظر يرفع الحظر، ويُعيد الفعل إلى ما كان عليه قبل الحظر، وبه قال بعضُ المحقِّقين؛ كشيخ الإسلام، والزركشي، والكمال بن الهمام[18].

 

الأدلة:

استدل القائلون بالوجوب بما يلي:

1- أنَّ الأدلة التي تدل على إفادة الأمر للوجوب؛ كقوله - تعالى -: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ [النور: 63]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))[19]، ولا تفرق بين أمر وآخر، فإذًا الأمر بعد الحظر يُفيد الوجوب[20].

 

وأجيب عن ذلك بأنَّ هذه الأدلة واردة فيما لم يتقدمه حظر، فهو الذي يُحمل على الوجوب، أمَّا ما تقدمه ذلك فيُحمل على الإباحة للأدلة الآتية، فإذًا بينهما فرق[21].

 

2- أن صيغة الأمر موضوعة للوجوب، وقد صدرت من حكيم، وتَجَردت عن قرينة تصرفها عن غيره، وهذا قائم مع تقدُّم الحظر، فوجب حملها عليه[22].

 

وأجيب عنه بعدم التسليم؛ إذ تقدُّم الحظر يعد قرينةً تَمنع من حمل الأمر على الوجوب[23].

 

3- أنَّ الأمر بعد الحظر قد ورد في أدلة الشارع، وهو دالٌّ على الوجوب، ومن ذلك قوله - تعالى -: ﴿ إِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 5]؛ حيث إنَّ الأمر هنا بعد حظر القتال في الأشهر الحُرم، وهو يقتضي الوجوب.

 

وأجيب عن الاستدلال بأنَّ المتبادر منها غير الوجوب؛ إذ لو تُرِكْنَا وظاهرَ الآية، لفهمنا منها الإباحة.

 

وأمَّا الوجوبُ، فإنَّه علم بدليل خارجي، وعليه يكون خارجًا عن محلِّ النِّزاع[24].

 

4- لو كان الأمرُ بعد الحظر للإباحة، لكان يَمتنع التصريح بالوجوب بعده، وهذا غير ممتنع؛ إذ لا يترتب عليه مُحال، فيجوز مثلاً أن يقال: هذا الفعل مَحظور عليكم، ثم بعد ذلك يقال: الآن هو واجب عليكم[25].

 

وأجيب عنه بأنَّ المخالفين لا يَمنعون ذلك، ولكنَّهم يستندون إلى الاستقراء في إثبات القول بالإباحة[26].

 

ثم إنَّ هذا ليس من محل النِّزاع؛ وذلك لوجود التصريح بالإيجاب فيه، والخلاف إنَّما هو في دلالة الأمر بعد الحظر.

 

5- أنَّ النهي بعد الأمر يَقتضي الحظر كحالته ابتداء، فكذا الأمرُ بعد الحظر يقتضي الوجوب، ولا فرق[27].

 

وأجيب عنه بعدم التسليم، فالنَّهي بعد الأمر يقتضي الكراهة.

 

وإن سلم ذلك فبينهما فرق؛ حيثُ إنَّ النهيَ آكد من الأمر، ولذا اقتضى الحظر بعد الأمر.

 

ولأن لفظ الأمر تستفاد منه الإباحة، والنهي ليس كذلك، فافترقا إذًا[28].

 

وأما القائلون بالندب، فلم أطَّلع على دليل لهم في خصوص هذه المسألة، ويظهر أنَّهم يستدلون بما يأتي:

1- أدلتهم السابقة الواردة في صيغة فعل الأمر المجرَّدة؛ حيث إنَّهم لا يرون أنَّ تقدُّم الحظر قرينة صالحة لصرف الأمر عن مُقتضاه.

 

ويُمكن الجواب عن ذلك بأنَّ أدلتهم قد تَمَّت مناقشتها في صيغة فعل الأمر المجردة.

 

وأمَّا عدم التفريق بين الأمر المجرد، وبين الأمر المسبوق بالحظر فغير مُسلَّم؛ إذ بينهما فرق في استعمال الشارع، وفي عُرف الناس كما سيأتي.

 

2- أنَّه قد وجدت أوامر شرعية بعد الحظر حملت على الندب، كما في الأمر بزيارة القبور بعد النهي عنها، والأمر بالنَّظر إلى المخطوبة بعد حظر النظر إلى الأجنبيَّات.

 

ويُمكن أنْ يُجاب عن ذلك بأنَّ ندب ذلك راجعٌ إلى القرائن الْمُحْتَفَّة؛ إذ إنَّ زيارة القبور تذكِّر بالموت، والنظر إلى المخطوبة يُحقق الوئام والاتفاق بعد الزواج، وكلُّ ذلك مطلوب للشارع.

 

وأمَّا القائلون بالإباحة، فاستدلوا بما يلي:

1- دلالة العُرف اللُّغوي؛ حيثُ تتبادر الإباحة إلى الذِّهن من هذا الأسلوب؛ نظرًا لغَلَبة الاستعمال فيه، وهذا يَجعل الإباحةَ هي المعنى الحقيقي له[29].

 

فمثلاً: إذا قال صاحبُ المنزل لضيفه: لا تأكلْ من هذا الطَّعام، ثم قال له بعد ذلك: كُلْ منه، دلَّ ذلك على إباحته له.

 

ويُمكن أن يُجاب عن ذلك بأنَّ البحث إنَّما هو في العرف الشرعي لا اللُّغوي، فيكون هذا خارجًا عن محل النِّزاع.

 

وغلبة الاستعمال غير مسلَّمة؛ إذ قد وجدت أوامر كثيرة بعد الحظر، ولم تُحمَل على الإباحة.

 

2- إنَّ النهي يدُلُّ على التحريم، فإذا ورد الأمرُ بعده رفع التحريم فقط، ورفعه يقتضي الإباحة، أمَّا ما زاد على ذلك من النَّدب والوجوب، فيحتاج إلى دليل[30].

 

وأجيب عن ذلك بعدم التسليم بأنَّ الأمر يرفعُ الحظر فقط، بل إنَّه يرفع ويدل على الوجوب، أو الندب، والوجوب هو الأصل فيكون مُترجَّحًا[31].

 

ثم إنه لو قيل بأنَّه يرفع الحظر فقط، لزالت فائدته؛ إذ رَفْعُ الحظر مُمكن بغيره، كقوله: أَبَحْت[32].

 

3- الاستقراء للأدلة الشرعيَّة التي وردت بهذا الأسلوب يدُلُّ على ذلك؛ حيث إنَّ جُلَّها محمول على الإباحة؛ كقوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2]، وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9 - 10]، وقوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222].

 

ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة - رضي الله عنها -: ((... إنَّما نَهيتكم من أجل الدَّافَّة التي دَفَّت، فكلوا وادَّخروا))[33].

 

فهذا كلُّه محمول على الإباحة، والأصل عدم الدليل على ذلك سوى تقدُّم الحظر[34].

 

ونوقش الاستدلالُ بأنَّ الإباحةَ في المذكورات إنَّما كان لدليل، وهو: إمَّا لأنَّها شرعت لمصلحتنا، وما كان كذلك لا يكون واجبًا، وإمَّا لأن الإباحةَ مستفادة من دليل الإجماع؛ حيث أجمع العلماءُ على إباحة الأمور المذكورة[35].

 

وأجيب عن ذلك بعد التسليم بأنَّ ما شرع لمصلحتنا لا يكون واجبًا، ولذا لا دليل على الإباحة سوى هذه الألفاظ.

 

ولا يُمكن جعلُ الإجماع دليلاً هنا؛ لأنَّه حادث بعده - صلى الله عليه وسلم - والإباحة مستفادة في وقته[36]، كما أن ما ذكر لا يدفع صحة الاستقراء المذكور، وذلك يوجب الحمل على الإباحة فيما لا قرينةَ معه[37].

 

4- دليل العرف؛ حيث إنَّ السيدَ لو قال لعبده: لا تأكلْ هذا، ثم قال له: كله، فإنَّ أمره يقتضي الإباحة لا غير[38].

 

وأجيب عن ذلك بأنَّ العُرف في ذلك متعارض؛ إذ قد يفيد الوجوب، كما لو قال الأب لابنه بعد حبسه له: اخرج من الحبس[39].

 

وأمَّا القائلون بأنَّ الأمر يرفعُ الحظر، ويعودُ الفعل إلى ما كان عليه، فاستدلوا بالاستقراء لأدلة الشارع؛ حيثُ إنَّ الأوامر الشرعية دائمًا تعود بعد انتهاء حظرها إلى ما كانت عليه قبل الحظر من إباحة، أو ندب، أو وجوب[40].

 

فمثال الإباحة قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2]، ومثال الندب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كنت نَهيتكم عن زيارة القبور فزورها...))[41]، ومثال الوجوب قوله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 5].

 

ويُمكن الجوابُ عن ذلك بأنَّ ما ذكروه صحيح، لكن ما المعنى الذي جعل بعضها يكون على الإباحة، وبعضها على النَّدب، وبعضها على الوجوب؟ وهل يُمكن تقعيده؟ فهذا لم يرد في قولهم.

 

سبب الخلاف في دلالة الأمر بعد الحظر:

إنَّ سبب الخلاف يعود إلى تعارُض العرف، وغلبة الاستعمال الشَّرعي مع أصل دلالة الأمر.

 

فمن نظر إلى العُرف وغلبة الاستعمال الشرعي، حمل على الإباحة، أو قال بأنَّ الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، وذلك حسب ما غلب لديه منهما.

 

ومن نظر إلى أصلِ دلالة الأمر، حمله على الوجوب، أو النَّدب حسب المترجح لديه في ذلك.

 

الراجح:

من خلال النَّظر في أدلة هذه الأقوال، وكذا النظر في الأمثلة الشرعية الواردة أجد أنَّه من الصَّعب اختيار أحدهما بإطلاق؛ إذ ما من قول إلا وفي الأمثلة الشرعية ما يسنده، ولذا فقرينة تقدم الحظر وحْدَها لا تكفي لتعيين قول دون آخر، ما لم ينضمَّ إليها قرينة أخرى؛ حيث تبيَّن من خلال النظر في الأمثلة أنَّ المحمول منها على الإباحة هو ما كان متعلقًا بمصلحة دنيوية عادية، كالأكل والادِّخار من الأضحية، والاصطياد بعد الحل، ونحو ذلك.

 

أمَّا ما كان متعلقًا بمصلحة دُنيوية فيها احتياط وتوثيق من الإنسان لنفسه، فإنَّ الأمر بعد الحظر يفيد النَّدب، ويتخرج عليه الأمر بالنظر إلى المخطوبة، وأمر الرجل الذي اكتتب في غزاة أنْ يَخرج مع امرأته إلى الحج؛ لما في ذلك من المحافظة عليها.

 

أمَّا إذا كان الأمر متعلقًا بمصلحة أخروية، فإنَّه يكون دائرًا بين الوجوب والندب، ولا يُمكن أن ينزل إلى درجة الإباحة، ويبقى الترجيح بينهما عائدًا إلى القرائن المحتفة، وعلى هذا يتخرَّج الأمر بقتال المشركين بعد الحلِّ من الإحرام، وزيارة القبور، ونحوهما.

 

ومما يقوي هذا ويرجحه عرضه على الأمثلة الشرعية؛ إذ إنَّها لا تخرج عنه.

 

وعلى هذا، فالأمر بعد الحظر قسمان:

الأول: ما كان مُتعلقًا بمصلحة أخروية، وهذا لا يكون إلاَّ واجبًا، أو مندوبًا، والقرائن هي التي تفصل في ذلك.

 

ويُمكن أن يقال بالحمل على النَّدب هنا؛ لأنَّه المتيقن، وما زاد عليه فهو مشكوك فيه يَحتاج إلى قرينة.

 

الثاني: ما كان متعلقًا بمصلحة دنيوية، وهذا لا يخلو أن تكون المصلحة فيه عادية، أو فيها توثق واحتياط.

فالأول: يحمل على الإباحة.

والثاني: على الندب.

 

فروع تطبيقية على هذا الأسلوب:

1- حكم زيارة القبور للرجال:

ذهب بعضُ العملاء إلى أنَّ زيارة القبور مباحة للرِّجال؛ وذلك لأنَّ الأمر بها جاء بعد حظر؛ كما سبق في قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث بريدة - رضي الله عنه -: ((نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها...))[42].

 

وذهب الجمهور إلى أنَّها مُستحبة؛ وذلك لأن الأمر بها وإن كان بعد حظر إلا أنَّه مقترن بما يدُلُّ على كونه مندوبًا؛ استنادًا لما وَرَد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبرَ أمِّه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: ((استأذنت ربِّي أن أستغفرَ لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أنْ أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنَّها تذكر الموت))[43].

 

فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنَّها تذكر الموت)) يُعَدُّ قرينة لمن حمل الأمر على الندب[44].

 

وعلى ما ترجح يكون الأمر مَندوبًا؛ لأنه متعلق بمصلحة أخروية، ولا قرينة لحمله على الوجوب.

 

2- حكم خروج الزوج مع زوجته إلى الحج:

هناك روايتان في المذهب الحنبلي، أصحهما أنه لا يَجب؛ وذلك لأنَّ الأمر به جاء بعد حظر؛ حيث إن المأمور قد اكتتب في غزاة فتعين عليه، ثم لما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخروج مع امرأته صار أمرًا بعد حظر[45].

 

وعدم الوجوب كما يظهر لا يَعني الإباحة، بل الندب؛ وذلك لأنَّه مُتعلق بمصلحة دُنيوية فيها احتياط وتوثيق من حفظ الزوجة، وحفظ عرضه ونحو ذلك.

 

3- حكم النظر إلى المخطوبة:

اختلف العلماء في النَّظر إليها: أمستحب هو، أم مباح فقط؟[46].

 

ووجه من قال بإباحته أنَّ الأمر به جاء بعد حظر؛ إذ الأصلُ في النظر إلى الأجنبيَّة أنَّه لا يجوز.

 

أمَّا من قال باستحبابه، فلورود القرينة الدَّالة على ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس - رضي الله عنه -: ((فهو أحرى أن يؤدم بينكما))[47]، واستمرار النِّكاح مرغوب فيه من قبل الشارع.

 

وعلى هذا التعليلِ يكون من المصالح الدُّنيوية التي فيها احتياطٌ وتوثيق من الإنسان لمستقبل حياته.

 

4- حكم الصيد بعد الإحلال من الإحرام:

صرح العلماء بأن الأمر به في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2]، أمر إباحة[48].

 

وذلك لأنَّه أمر بعد حظر في قوله: ﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 1]، وقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 95].

 

وعلى ما ترجح يكون مباحًا؛ لأنَّه بعد حظر، وهو متعلق بمصلحة دُنيوية عادية.

 

5- حكم إتيان الزوجة بعد طهرها من الحيض:

صرَّح العلماءُ بأنَّ الأمر في قوله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222] أمر إباحة[49]؛ وذلك لوروده بعد حظر في قوله - تعالى - في نفس الآية: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222].

 

وعلى ما ترجح يكون مباحًا؛ لأنَّه بعد حظر، وهو متعلق بمصلحة دنيوية عادية.

 

6- حكم ادخار لحوم الأضاحي، وحكم الأكل منها:

حمل العلماءُ الأمرَ الوارد منه - صلى الله عليه وسلم - في قوله في حديث عائشة - رضي الله عنها -: ((إنَّما نهيتكم من أجل الدَّافَّة التي دفت فكلوا وادخروا))[50] على الإباحة؛ وذلك لأنه أمر بعد حظر الادِّخار[51].

 

قال ابن عبدالبرِّ: "معناه: الإباحة، لا الإيجاب، وهكذا كل أمر يأتي في الكتاب والسنة بعد حظر ومنع تقدَّمه، فمعناه الإباحة لا غير... وهذا أصل جسيم في العلم فقف عليه، وإذا كان هذا كما ذكرنا، فجائز للمضحي أنْ يأكلَ أضحيته كلها، وجائز أنْ يتصدق بها كلها، وجائز أن يدخر منها وألاّ يدخر"[52].

 

وقال ابن حجر: "وقوله: ((كلوا)) تَمسك به مَن قال بوجوب الأكلِ من الأضحية، ولا حجة فيه؛ لأنَّه أمر بعد حظر فيكون للإباحة"[53].

 

وعلى ما ترجح يكون مباحًا؛ لأنه بعد حظر، وهو متعلق بمصلحة دنيوية عادية.

 

المطلب الثاني

الأمر بعد الاستئذان

قصر بعض الأصوليين الكلامَ على الأمر بعد الاستئذان، وذلك بأنْ يستأذنَ المكلَّف في فعل معين، فيقول: أأفعل؟ فيقال له: افعله[54].

 

ومع ذلك لم أجدهم يُمثلون له بأمثلة شرعيَّة بناء على هذا التصوير، لكن بعد البحث ظفرت له بأمثلة قليلة منها ما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: استأذن رجلٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة...))[55].

 

وقد مثَّل لها بعضهم بالأمر بعد السؤال عن الفعل.

 

قال ابن السبكي[56]: "ومثال ذلك: أن يستأذن على فعل شيء، فيقول: افعله، وهذا حسن متجه ينفع في الاستدلال على وجوب التشهُّد بقوله - صلى الله عليه وسلم - إذ سألوه: كيف نصلي عليك؟ قال: ((قولوا...)) الحديث[57]"[58].

 

وقال ابن اللحام[59]: "إذا تقرَّر هذا، فلا يستقيم قول القاضي[60] وابن عقيل في استدلالهما على نقض الوضوء بلَحْمِ الإبل بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مُسلم لما سئل عن التوضُّؤ من لحوم الإبل؟ فقال: ((نعم، فتوضأْ من لحوم الإبل))[61].

 

ومما يقوي الإشكال أنَّ في الحديث الأمر بالصلاة في مرابض الغنم، وهو بعد سؤال، ولا يجب بلا خلاف، بل لا يُستحب"[62].

 

فابن اللحام هنا يَجعل ما ورد في الحديث وهو بعد سؤالٍ من فروع هذه المسألة؛ ولذا اعترضَ على استدلال القاضي وابن عقيل به على نقض الوضوء بلحم الإبل، مع أنَّهما يريان أن الأمر بعد الاستئذان يقتضي الإباحة.

 

ومما يدُل على ذلك قوله: "فإنْ قلت: إذا كان كذلك، فلِمَ تستحبون الوضوء منه، والاستحباب حكم شرعي يفتقر إلى دليل، وعندكم الأمر يقتضي الإباحة؟ قلت: إذا قيل باستحبابه، فلدليل غير هذا الأمر، وهو أنَّ الأكل من لحوم الإبل يورث قوة ناريَّة..."[63].

 

فممَّا سبق يظهر أنَّ الأمثلة المذكورة ليس فيها استئذان، وإنَّما سؤال من المكلف عن الفعل.

 

وربَّما أن سبب تعبيرهم بالاستئذان هو: أنَّ السؤالَ يَحمل معنى الاستئذان في الفعل.

 

الأمثلة على هذا الأسلوب:

أولاً: الأمثلة من القرآن الكريم:

1- قوله - تعالى -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 217].

 

فإنَّ قوله - تعالى -: ﴿ قِتَالٌ ﴾ مصدر ينوب عن فعل الأمر، وقد جاء بعد السؤال عن القتال في الشهر الحرام.

 

2- قوله - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219].

 

فقوله - تعالى -: ﴿ قُلِ الْعَفْوَ ﴾؛ أي: أنفقوا العفو، فهو أمر بعد سؤال.

 

3- قوله - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 220].

 

فإصلاح مصدر نائب عن فعل الأمر جاء بعد السؤال عن اليتامى.

 

4- قوله - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222].

 

فالأمر باعتزال الحائض جاء بعد السؤال.

 

ثانيًا: الأمثلة من السنة:

1- عن ميمونة - رضي الله عنها[64] -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال: ((ألقوها وما حولها، فاطرحوه، وكلوا سمنكم))[65].

 

فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألقوها وما حولها))، وقوله: ((وكلوا سمنكم))، أمران بعد استئذان بطريق السؤال.

 

2- عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه[66] - قال: جاء أعرابِيٌّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسأله عمَّا يلتقطه، فقال: ((عَرِّفها سنة، ثم احفظ عِفَاصَها ووِكاءَها، فإن جاء أحد يخبر بها وإلا فاستنفقها...))[67].

 

فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (عرِّفها، احفظ، فاستنفقها)، ثلاثة أوامر جاءت بعد الاستئذان بطريق السؤال.

 

3- حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه[68] - قال: "قلت: يا رسول الله: إنَّا نرسل الكلاب المعلَّمة؟ قال: ((كُلْ ما أمسَكْن عليك))، قلت: وإن قتلن؟ قال: ((وإن قتلن))، قلت: وإنا نرمي بالْمِعْرَاض؟ قال: ((كلْ ما خَزَقَ، وما أصاب بعَرْضِهِ فلا تأكل))[69].

 

فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كُلْ)) - في الموضعين - أمر بعد استئذان بطريق السؤال.

 

4- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: استأذن عليَّ أفلح[70] فلم آذن له، فقال: أتحتجبين مني وأنا عمُّك؟ فقلت: وكيف ذلك؟ قال: أرضعتكِ امرأةُ أخي بلبن أخي.

 

فقال: سألت عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ائذني له))[71].

 

دلالة هذا الأسلوب:

اتَّفق العلماء على أنَّه إذا وجدت قرينة أخرى غير الاستئذان مُتفق عليها تُبيِّن مدلول الأمر، فإنه يصار إليها[72].

 

وإنَّما الخلافُ في الأمر إذا تقدَّمه الاستئذان، وتَجرد عن القرائن الأخرى، فعلى أيِّ شيء يُحمل؟ وهل يكون لتقدم الاستئذان أثر في تغيير دلالته؟

 

يدُلُّ كلامُ مَن بحث هذه المسألة من الأصوليِّين على إجراء الخلاف السابق في ورود صيغة الأمر بعد الحظر هنا.

 

قال الرازي: "الأمر عقيب الحظر والاستئذان للوجوب، خلافًا لبعض أصحابنا"[73].

 

وقال ابن حجر: "وقد اختلفَ أهلُ الأصول في الأمر بعد الاستئذان، هل يكون كالأمر بعد الحظر، أو لا؟ فرجح صاحب المحصول: أنه مثله.

 

والراجح عند غيره: أنه للإباحة..."[74].

 

وقال محب الله بن عبدالشكور[75]: "والأمر بعد الاستئذان كالأمر بعد التحريم"[76].

 

وقد ساق الأصوليُّون هذه المسألة مع سابقتها، وأجْرَوا الأدلةَ السابقة عليهما معًا، ولذا لا أرى حاجةً لتَكرار تلك الأدلة، إلاَّ أنه ينبغي عند سياقها هنا مُراعاة التمثيل، وطريقة الاستدلال بما يناسب المقام[77].

 

الراجح:

من خلال النظر في أدلة هذه الأقوال، وكذا النَّظر في الأمثلة الشرعية الواردة، أجد أنه من الصَّعب اختيار أحدهما بإطلاق؛ إذ ما من قول إلا وفي الأمثلة الشرعية ما يسنده، ولذا فقرينة تقدُّم الاستئذان وَحْدَها لا تكفي لتعيين قول دون آخر، ما لم ينضم إليها قرينة أخرى؛ حيث تبين من خلال النَّظر في الأمثلة أنَّ المحمول منها على الإباحة هو ما كان متعلقًا بمصلحة دُنيوية عادية قاصرة، كأكل ذبيحة المرأة، والاستمتاع باللقطة بعد تعريفها سنة، ونحو ذلك.

 

أمَّا إذا كان الأمر متعلقًا بمصلحة أخروية، أو دنيوية متعدية، فإنَّه لا يقل عن درجة الندب، وقد يكون واجبًا، ويتخرج على ذلك وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، ووجوب اعتزال الحائض، ووجوب إلقاء الفأرة وما حولها إذا وقعت في السمن، والإنفاق من العفو؛ أي: الزائد عن قدر الحاجة، والإصلاح لليتامى اللقطة وحفظها، ونحو ذلك.

 

ومما يُقوِّي هذا ويرجحه عرضه على الأمثلة الشرعية؛ إذ إنَّها لا تخرج عنه.

 

وعلى هذا فالأمر بعد الاستئذان قسمان:

الأول: ما كان متعلقًا بمصلحة أخروية، أو دُنيوية متعدية، وهذا لا يكون إلا واجبًا، أو مندوبًا، والقرائن هي التي تفصل في ذلك.

 

ويُمكن أن يقال بالحمل على الندب هنا؛ لأنَّه المتيقن، وما زاد عليه فهو مشكوك فيه يحتاج إلى قرينة.

 

الثاني: ما كان متعلقًا بمصلحة دنيوية عادية قاصرة، وهذا يُحمل على الإباحة.

 

فروع تطبيقية على هذا الأسلوب:

1- حكم الوضوء من أكل لحوم الإبل:

ذهب الحنابلة وأهل الحديث إلى وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل[78]، بدليل حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً سأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ))، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم، فتوضأ من لحوم الإبل...))[79].

 

حيث إنَّ الأمر به بعد سؤال، ومع ذلك قال الحنابلة وجمهور المحدثين بوجوبه، والمخالفون لم يَمنعوا هذا الاستدلال، وإنَّما ادَّعَوْا النَّسخ، أو المعارضة.

 

والوجوب في هذه المسألة لم يؤخذ من مُجرد الأمر؛ لأنَّه بعد استئذان، وإنَّما منه ومن كون ذلك متعلقًا بمصلحة أخروية على ما ترجح.

 

2- حكم النفقة مما زاد عن قدر الحاجة:

النفقة من ذلك مندوبة إذا لم تكن من باب الزَّكاة، فإن كانت منها، فهي واجبة، وعلى كِلاَ ذلك حمل قوله - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219]؛ حيث قال بعض العلماء: إنَّ المراد بذلك الزكاةُ المفروضة.

 

وقال جمهور العلماء: بل المراد نفقات التطوُّع[80].

 

والأمر بذلك جاء بعد السؤال، ومع ذلك حُمل على الندب أو الوجوب؛ وذلك لأنه متعلق بمصلحة أخروية.

 

3- حكم تعريف اللقطة:

تعريف اللقطة واجب[81]، ودليل ذلك حديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابِيٌّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسأله عما يلتقطه، فقال: ((عرِّفها سنة...))[82].

 

والوجوب لم يستفد من الأمر وحْدَه؛ لأنَّه أمر بعد سؤال، وإنَّما استفيد منه، ومن كون ذلك متعلقًا بمصلحة دُنيوية متعدية.

 

ويُمكن أن يعلل أيضًا بتضمنه مصلحةً أخروية؛ لما يترتب عليه من الأجر لمن قصد وجه الله - تعالى - بذلك.

 

4- حكم الاستمتاع باللقطة بعد تعريفها سنة:

الاستمتاع باللقطة بعد تعريفها سنة مباح، ويدُلُّ على ذلك الحديث السابق وفيه:

((... فإن جاء أحد يخبر بها وإلا فاستنفقها))[83].

 

قال الشوكاني[84]: "قوله: ((وإلا فاستمتع بها))[85]، الأمر فيه للإباحة، وكذا قوله: ((فاستنفقها))[86]".

 

وبناء على ما ترجح تكون إباحة الأكل من باب أنه أمر بعد سؤال متعلق بمصلحة دنيوية عادية قاصرة.

 

5- حكم أكل ذبيحة المرأة:

أكل ذبيحة المرأة مُباح، ويدُلُّ على ذلك ما ورد أنَّ جارية لكعب بن مالك - رضي الله عنه[87] - كانت ترعى غنمًا بسلع[88]، فأصيبت شاة منها، فأدركتها فذبحتها بحجر، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((كلوها))[89].

 

قال ابن حجر: "وفيه جوازُ أكل ما ذبحته المرأة، سواء كانت حُرة أو أَمَة، كبيرة أو صغيرة، مسلمة أو كتابية، طاهرًا أو غير طاهر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بأكل ما ذبحته ولم يستفصل، نصَّ على ذلك الشافعي، وهو قول الجمهور"[90].

ويمكن تعليل الإباحة بما سبق.

 

6- حكم قبول الضيافة، وأخذ حق الضيف:

قَبول الضيافة، وأخذ حق الضيف مُباح، ومما يستدل به على ذلك حديثُ عقبة بن عامر - رضي الله عنه[91] - قال: "قلنا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنَّك تبعثنا فننزل بقومٍ لا يَقرونا، فما ترى فيه؟ فقال لنا: "إنْ نزلتم بقومٍ فأُمِرَ لكم بما ينبغي للضيف، فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حقَّ الضيف"[92].

 

قال الشوكاني: "فللنَّازل المطالبة بهذا الحق الثابت شرعًا، كالمطالبة بسائر الحقوق، فإذا أساء إليه واعتدى عليه بإهمال حقِّه، كان له مكافأته بما أباحه له الشارح في هذا الحديث"[93]

 

ويمكن تعليل الإباحة بما سبق.

 

7- حكم أكل الْمُحرم لصيد الْمُحل إذا لم يصده لأجله، ولم يُعِنْ على صيده:

يباح للمُحرم أكلُ صيد المحل إذا لم يصده لأجله، ولم يُعِنْ على صيده، بدليل حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -: "أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خرج حاجًّا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة، فقال: ((خذوا ساحلَ البحر حتى نلتقي))، فأخذوا ساحلَ البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلُّهم إلا أبا قتادة لم يُحرم، فبينما هم يسيرون إذ رأوا حُمُرَ وَحْشٍ، فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانًا، فنزلوا فأكلوا من لحمها، وقالوا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بَقِيَ من لحم الأتان، فلما أتوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله، إنا كنا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يُحرم، فرأينا حُمُرَ وَحْشٍ، فحمل عليها أبو قتادة، فعقر منها أتانًا، فنزلنا فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل لحم صيد، ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها.

 

قال: ((أمنكم أحد أمره أن يَحمل عليها، أو أشار إليها؟))، قالوا: لا، قال: ((فكلوا ما بقي من لحمها))[94].

 

قال ابن حجر: "صيغة الأمر هنا للإباحة، لا للوجوب؛ لأنَّها وقعت جوابًا عن سؤالهم عن الجواز، لا عن الوجوب، فوقعت الصيغة على مُقتضى السُّؤال"[95].

 

ويُمكن تعليل الإباحة بما سبق.

 

الخاتمة

الحمد لله المتفضل بالإنعام، أحمده - سبحانه وتعالى - على ما منَّ به من التوفيق لإنهاء هذا البحث، وإتمامه بعد قضاء وقت ليس باليسير، ومكابدة عناء وجهد كبير، فله - عزَّ وجلَّ - الشكر يتوالى، وبعد:

فإن من نتائج هذا البحث ما يأتي:

1- أنَّ الأحكام التكليفية لها أساليبُ متنوعة وكثيرة، ولا ينحصر دركها من صريح الأمر والنهي.

 

2- أنَّ الشارع الحكيم حينما يشتد اهتمامه بالحكم يعرضه بأساليبَ مُتعددة، ومتنوعة، ويبرز ذلك واضحًا في تتبُّع أركان الإسلام، والنظر في أساليبها المتنوعة من الأمر بها، وفرضها، وكتبها، والتهديد على تركها، والترغيب في فعلها، ونحو ذلك مما تم عرضه في أثناء البحث.

 

3- أنَّ كثيرًا من الأساليب الشرعية يكون لها دلالة مُحدَّدة أصالةً، لكن هذه الدلالة قد تتغير حسب القرائن.

 

4- أنَّ بعض الأدلة الشرعية يُمكن أن يفهم منها الحكم التكليفي من عدة أوجه، فمثلاً قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 26 - 27].

 

هاتان الآيتان دلَّتا على تحريم نقضِ العهد وما ذكر بعده من ثلاثة وجوه هي:

أ- أنَّ الله - تعالى - جعل ذلك صفة من صفات الفاسقين.

ب- أنَّ الله - تعالى - يذكر على وجه الذم.

ج- أنه - تعالى - حكم على فاعله بالخسران.

هـ- أنَّ العلماء يَختلفون كثيرًا فيما بينهم في صلاحية القرينة لصرف الأسلوب عن دلالته الأصليَّة، ومن ثم يَختلفون في الحكم الذي تضمنه الأسلوب.

 

6- أنَّ الأساليب تَختلف في قوة دلالتها على الحكم، فبعضها أقوى من بعض، ومعرفة درجاتها مُهِم للمجتهد؛ إذ إنَّ انصراف الأسلوب عن دلالته الأصلية يعتمد على قوته وقوة قرينته الصارفة، فما كان قويًّا في الدلالة ينبغي أن تكون قرينته الصارفة كذلك، وما كانت دلالته أضعف، فإنه يُصرف بالقرينة حتى وإن كانت ضعيفة.

 

وعلى هذا، فإنَّ الدلائل القوية الصريحة لا تصرف بالقرائن الضَّعيفة المتوهمة.

 

7- أنَّ كل حكم تكليفي يُمكن أن يؤخذ منه حكم ما يناقضه ويقابله، فالواجب تركه محرَّم، والمندوب تركه مكروه، والمحرم تركه واجب، والمكروه تركه مندوب، والمباح يستوي طرفاه عند تجريد النظر إليه.

 

8- أن بعض العلماء - وخاصة الظاهرية - يتشددون في حمل الأدلة على ظاهرها، ولا يصرفونها إلا بقرائن نقليَّة، بينما يصرف الجمهور من الأئمة الأربعة وأتباعهم الأدلة بالقرائن النقلية والعقلية.

 

9- أن القرائن الصارفة منها ما هو عام بمثابة القواعد يشمل كثيرًا من الأوامر والنَّواهي، ومنها ما هو خاص بأمر، أو نهي معين.

 

وأمَّا العام فهو أن يكون الأمر أو النهي في باب الآداب ومكارم الأخلاق، أو متعلقًا بمصلحة دنيوية، أو أخروية، أو نحو ذلك.

 

10- أن القرائن الصارفة ليست على وزان واحد في قوتها، ولذا يَجب التمعن فيها، وفي مدى صلاحيتها لصرف الدليل؛ وذلك لأنَّ الأصل في الدليل ظاهرُه، فلا يعدل عن ذلك إلا إذا وجدت القرينة المناسبة للصرف، والمسلم معذور في تَمسكه بالدليل، وليس معذورًا بتلقف ما بدا له من قرائن حتى وإن كانت ضعيفة.

 

11- أن العلماء متفقون على مبدأ الأخذ بالقرائن، وصرف الأدلة بها، وإنَّما خلافهم فيما يقبل منها تفصيلاً.

 

12- أن للأمر والنهي صيغة في اللغة تدل عليهما دون الحاجة إلى القرائن، وهي "افعل" وما أُلحق بها في الأمر، و"لا تفعل" وما أُلحق بها في النهي.

 

13- أن صيغةَ الأمر والنهي إذا احتفت بها قرينة صارفة، فإنه يصار إليها بلا نزاع، بشرط أن تكون من القرائن الصحيحة المقبولة.

 

14- أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن يترجَّح في دلالتها القول بالوجوب.

 

15- أن صيغة النهي المجردة عن القرائن يترجَّح في دلالتها القول بالتحريم.

 

16- أنَّ الأمر بالشيء وجوبًا يقتضي تحريم نقيضه - جميع أضداده - أمَّا الأمر به ندبًا، فيقتضي كراهة ذلك فقط.

 

17- أن النهي عن الشيء تحريمًا يوجب نقيضه بلا خلاف.

 

18- أنَّ النهي عن الشيء تحريمًا يُوجب ضدَّه إذا لم يكن له سوى ضد واحد بلا خلاف، أمَّا إذا تعددت أضداده، فإنَّه يوجب أحدها بلا تعيين على القول الراجح.

 

أمَّا نَهي الكراهة، فيقتضي ندب ضده إذا لم يكن له سوى ضد واحد، فإن تعددت أضداده، اقتضى ندب أحدها بلا تعيين.

 

19- أنَّ قرينة الأمر بعد الحظر حسب ما ترجح لا تكفي في صرف الأمر عن مقتضاه الأصلي، بل لا بُدَّ من انضمام قرينة أخرى معها، ككون الأمر بعد الحظر متعلقًا بمصلحة دنيوية عادية فيفيد الإباحة.

 

أو يكون متعلقًا بمصلحة دُنيوية فيها احتياط وتوثيق فيفيد النَّدب، أو يكون متعلقًا بمصلحة أخروية، ومن ثم يكون دائرًا بين الوجوب والندب، والمتيقن هو الندب.

 

20- أنَّ قرينة الأمر بعد الاستئذان أو السؤال حسب ما ترجح لا تكفي في صرف الأمر عن مقتضاه الأصلي، بل لا بُدَّ من انضمام قرينة أخرى معها، ككون الأمر بعد الاستئذان أو السؤال متعلقًا بمصلحة دُنيوية قاصرة، فيفيد الإباحة.

 

أمَّا إذا تعلق بمصلحة أخروية، أو دُنيوية متعدية، فإنه يكون دائرًا بين الوجوب والندب، والنَّدب هو المتيقن.

 

21- أن قرينة ورود الأمر والنهي في باب الآداب لا تعدُّ من القرائن الصالحة لصرف الأمر والنهي عن مقتضاهما الأصلي، ما لم يسندها قرينة أخرى، فهي إذًا من القرائن الضعيفة التي لا يُمكن التعويل عليه استقلالاً.

 

22- أن قرينة تعلق الأمر بمصلحة دنيوية عادية قاصرة تصرف الأمر عن مقتضاه الأصلي إلى الإباحة.

 

أمَّا إذا كانت هذه المصلحة القاصرة فيها توثيق واحتياط من الإنسان لنفسه، فإنَّها تصرف الأمر عن الوجوب، لكن هل يكون مندوبًا، أو مباحًا؟ في ذلك خلاف، والندب هو المترجح.

 

أمَّا إذا كانت المصلحة الدنيوية متعدية، فالراجح أنَّها لا تصلح مستندًا لصرف الأمر عن مقتضاه استقلالاً.

 

23- أنَّ قرينة تعليق الأمر على مشيئة المكلف تصرف الأمر عن مقتضاه الأصلي وهو الوجوب، لكنَّها لا تُحدد المراد به أيكون الندب، أم الإباحة؟ إلا إذا احتفَّ بها قرينة أخرى، وقد اتَّضح أن الأوامر في هذا الباب إن كانت متعلقة بعبادة، فهي دالة على الندب، وإن تعلقت بغير ذلك دَلَّت على الإباحة.

 

24- أن الأمرَ بأحد شيئين أو أكثر على سبيل التخيير يدُلُّ على إباحة فعل أمر من الأمور المخيَّر فيها دون تعيين.

 

25- أنَّ قرينة ورود النَّهي بعد الأمر، والإباحة، والاستئذان - لا تصلح لصرف النَّدب عن مُقتضاه الأصلي.

 

26- أن النهي إذا ورد في باب المصالح الدُّنيوية، فإنَّه يُحمل على الكراهة.

 

27- مما يستفاد منه الوجوب في أدلة الشارع ما يأتي:

صيغة الأمر المجردة عن القرائن، والدُّعاء على تارك الفعل، والإنكار بسبب ترك الفعل، والاستفهام بمعنى الأمر، والتعبير بلفظ "الفرض"، و"الوجوب"، و"الكتب"، و"الأمر" و"القضاء"، وما تصرف منها.

 

وكذا يستفاد وجوب الشيء من نفي الفعل الذي هو فيه من أجل فقده، وكذا نفي قبوله أو نفي إجزائه لأجل هذا المفقود.

 

ومما يدُلُّ على الوجوب أيضًا: نفي الإيمان بسبب عدم الفعل، والجملة الخبرية الدالة على الأمر، والتعبير بلفظ "على"، ولفظ "العزيمة"، وكذا التعبير عن العبادة بمشروعية فيها، فإنَّ ذلك دالٌّ على وجوبه.

 

ومن دلائل الوجوب: الحكمُ على الفعل بأنه "حق"، والمبايعة على القيام به، وإيقاع العذاب على تاركه، وكذا الوعيد على تركه، والوقوع في أسباب العذاب بسبب ذلك، وإحباط العمل الصالح بسبب تركه، وكذا غضب الشارع بسببه، أو ذَمِّه لتاركه، والتوبيخ والعتاب بسبب تركه، وكذا اللعن بسبب ذلك، وبراءة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وشكواهم بسبب تركه، ووصية الشارع بالفعل، وكون الفعل وسيلة لواجب.

 

28- مما يستفاد منه الندب في أدلة الشارع ما يأتي:

الاستفهام الدال على الحض والترغيب، وكذا صيغة التحضيض نفسها، والتعبير بلفظ (الندب)، ولفظ "الاستحباب"، ولفظ "التطوع"، ولفظ "النافلة"، ولفظ "الفضيلة"، وما تصرف منها، ومن الاستثناء من الواجب، ومن فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا ظهر منه قصد القُربة، كذا من وصف الفعل: بأنه خير، أو أفضل، ومن كون الفعل وسيلة لمندوب.

 

29- مما يستفاد منه التحريم في أدلة الشارع ما يأتي:

صيغة النَّهي إذا تجردت عن القرائن، والأمر بترك الفعل، ونَهي الأنبياء عن الأسى والحزن على الفاعل، ونهيهم كذلك عن الدُّعاء له، والأمر بالتولي والإعراض عنه، والدعاء عليه، واستعاذة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من الفعل، وكذا إنكار الشارع على الفاعل بسبب فعله، والأمر إذا قُصد به التهديد، والنهي بعد الأمر وبعد الإباحة وبعد الاستئذان.

 

ومما يستفاد منه التحريم أيضًا: التعبير بلفظ "التحريم" نفسه، وبلفظ "النهي" وما تصرف منهما.

 

وأيضًا يُستفاد التحريم من نفي الفعل؛ حيث إنَّ الفعل المنفي يَحرم فعله على الصورة الواردة في النفي، وإذا كان النفي للفعل؛ بسبب وجود أمر فيه، فإنَّ هذا الأمر أيضًا محرم.

 

ومما يدل على التحريم أيضًا نفي قبول الفعل، أو نفي إجزائه؛ بسبب وجود أمر فيه.

 

وكذا يستدل على التحريم بنفي الحل، والنَّفي والخبر المراد بهما النهي.

 

ويدل على التحريم أيضًا: نفي الإيمان بسبب الفعل، والاستثناء من المباح، والتصريح بالعفو عن فعل قام به المكلَّف، وإثبات السبيل على الفاعل، ونسبة الفعل إلى عمل الشيطان، أو توليه وتزيينه.

 

وأيضًا يدل على التحريم: المبايعة على ترك الفعل، وقرن الشارع للتوبة والاستغفار بفعلٍ ما، وترتيب الثَّواب على ترك الفعل، وإيقاع العذاب بسبب الفعل، والوعيد عليه، وكذا ترتيب الحد والتعزير بسببه، وحرمان الهدى، والوقوع في الضَّلالة، ونفي الفلاح، ونفي ولاية الفاعل ونصرته، وزوال النِّعمة، أو حلول النقمة بسبب الفعل، والوقوع في أسباب العذاب بسببه، وتحقير الفاعل وحجبه بسبب فعله، وإحباط عمله الصالح بسببِ فعلٍ قام به، والخيبة والخسران بسبب الفعل، وإيجاب الدِّيَة، أو الكفارة، أو الضمان بسببه.

 

ومما يدل على التحريم أيضًا: وصف الفعل أو فاعله بكونه رجسًا، أو خبيثًا، أو نجسًا، وكذا وصف الفعل بأنه: إثم، أو فسق، أو سيئة، أو نحوها، وكذا وصفه بأنه كبيرة، أو كفر، وأيضًا وصف الفعل أو فاعله بالظُّلم، أو البغي، أو العدوان، أو البُهتان، وكذا تشبيه الفاعل أو فعله بالبهائم، أو الشياطين، أو الكفرة، ونحو ذلك مما تكرهه النفوس وتعافه.

 

ومما يدل على التحريم أيضًا: غضبُ الشارع؛ بسبب الفعل، وإخباره بأنَّه غني عنه، وغيرته بسببه، وكذا ذَمه، أو ذَم فاعلِه، ووَصْفه - تعالى - لنفسه بعد ذكر فعلٍ بالْحِلْم، والعفو، والمغفرة، والتوبة، ونحو ذلك.

 

وكذا يستفاد التحريم من: حكم الشارع على الفعل أو فاعله بأنه بغيض، أو ممقوت، أو غير محبوب، أو غير مرضي، وكذا مِنَ التوبيخِ والعتاب بسبب الفعل، ومن اللَّعن بسببه أيضًا، ومن عداوة الله - تعالى - لفاعله، أو مُحاربته له، أو سخريته منه، أو نسيانه له، ومن براءة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من الفاعل لأجل فعله، وعداوتهم له، وكذا شكواهم منه.

 

وأيضًا يستفاد التحريمُ من: مَحق الشارع للشيء، أو إتلافه، أو جعل الفعل سببًا لمحق البركة، وأيضًا من وصية الشارع بترك الفعل، ومن كون الفعل وسيلةً لمحرم في الشرع.

 

30- مما يستفاد منه الكراهة في أدلة الشارع:

يستفاد ذلك عند وجود القرينة التي تصرف الدَّليل عن مقتضاه الأصلي إلى الكراهة، ومن التعبير بلفظ "الكراهة وما تصرف منه" في بعض الموارد، وكذا من مدح ترك الفعل، أو تاركه في بعض الموارد أيضًا، ومن كون الفعل وسيلةً لمكروه في الشرع.

 

31- مما يستفاد منه الإباحة في أدلة الشارع ما يأتي:

التعبير بلفظ "الإباحة"، ولفظ "الحل"، ولفظ "الإذن" وما تصرف منها، وكذا من نفي التحريم، ومن نفي الحرج والجناح، ومن نفي السبيل والإثم عن الفاعل، ومن الإنكار على مَن حَرَّم الشيء، ومن الاستثناء من المحرم، ومن السُّكوت عن الشيء بعد الاطِّلاع عليه، وكذا من عدم إيراد الشارع لدليل خاصٍّ في المسألة.

 

ومما يدُلُّ على الإباحة أيضًا التعبير بلفظ "الرخصة" وما تصرف منه، ومن فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يظهر منه قصد القُربة، ومن امتنان الله - تعالى - على عباده بالشيء، وكذا من إضافة الشيء بلام التمليك، ومن الإخبار عن الشيء من غير نهي عنه في دليل الإخبار ولا في غيره.

 

وكذا تستفاد الإباحة من فرح الشارع بالفعل واستبشاره به، ومن كون الفعل وسيلة لمباح.

 

32- من الأساليب المشتركة بين الوجوب والنَّدب في أدلة الشارع ما يأتي:

صيغة القسم، ودُعاء الأنبياء والصَّالحين بحصول الفعل والدُّعاء للفاعل، والتعبير بلفظ السُّنَّة وما تصرَّف منه، وندب الصفة بالنسبة للفعل التي هي فيه يستدل بها على ندبه أحيانًا، وعلى وجوبه أحيانًا أخرى، ومن الأساليب المشتركة بينهما أيضًا ترتيب الثَّواب على الفعل، وحصول البشارة بالخير بسببه، وكذا تأمين الفاعل، ونفي الخوف والحزن عنه، وحصول ولاية الله بسببه، وتقريب الفاعل أو القُرب منه بسبب فعله، ومن ذلك أيضًا ذكر الله للعبد وشكره له من أجل فعله، وترتيب حُصول مطلوب المكلف ومرغوبه على الفعل، ومن وصف الفعل بكونه قربة، وكذا من وصف المكلف بأنه مَحروم عند عدم الفعل، وكذا من مدح الفعل أو فاعله، ومن التصريح برضا الشارع عن الفعل أو فاعله ومَحبته له، وهذه الأساليب كانت مشتركة بين الواجب والمندوب إلاَّ أنَّ الندب هو المترجح فيها؛ لأنَّه الأقل فيكون متيقنًا، وما زاد عنه فمشكوك فيه لا يثبت إلا بالقرائن.

 

33- من الأساليب المشتركة بين التحريم والكراهة:

التعبير بلفظ الكراهة وما تصرف منه، ومدح ترك الفعل أو تاركه.

 

وبعد عرض نتائج البحث، أذكر التوصيات التي عنَّت لي أثناء بَحثي، وهي:

1- ينبغي التعمُّق في دراسة الأصول دراسة تطبيقية تُخرجه عن النظريات المجردة.

2- مما يُحقق التوصية السابقة: العناية بتسجيل رسائل علمية في تخريج الفروع على الأصول تطبيقًا لا تنظيرًا، وذلك بدراسة مسائل مُحدودة، ومن ثم التطبيق عليها من فقه المذاهب الأربعة، وبيان مدى أخذهم بالقاعدة، ومخالفتهم لها من خلال ذلك.

 

وختامًا: أحمد الله - تعالى - على نعمه التي لا تُحصى، وأشكره على آلائه التي لا تُنسى، وأصلي وأسلم على خير الرُّسل، وعلى آله وصحبه، وعلى من نَهَج طريقه، ونَهَل من معين شريعته التي لا تنضُب، وأسأله - تعالى - أن يَجعل هذا العمل خالصًا لوجهه، وأن ينفع به، وأن يَجعله عملاً صالحًا عند لُقياه يومَ لا ينفعُ مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.



[1] بريدة هو: بريدة بن الحصيب بن عبدالله بن الحارث بن الأعرج الأسلمي، أبو عبدالله.

أسلم لَمَّا مر به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في طريق الهجرة، ثم قدم على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة بعد أن مضت بدر وأحد، وغزا معه مغازيه بعد ذلك، استعمله على أُسارَى المريسيع، وأعطاه لواء يوم الفتح، ولم يزل مقيمًا بالمدينة مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى أنْ تُوفي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما فتحت البصرة تَحول إليها، روى عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نحوَ (150) حديثًا، وقد توفي - رضي الله عنه - سنة (62 هـ).

انظر: "المنتظم"، (6/ 7 - 8)، و"سير أعلام النبلاء"، (2/ 469 – 471)، و"الإصابة"، (1/ 150)، و"شذرات الذهب"، (1/ 70).

[2] "صحيح مسلم مع شرحه للنووي"، كتاب الجنائز، باب: استئذان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ربه في زيارة قبر أمه، (7/ 46)، وورد فيه بلفظ: ((نهيتكم...)) من دون: كنت، وقد ورد معها في كتاب الأضاحي، باب: النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ونسخه، (13/ 135).

[3] المرجع السابق، كتاب الحج، باب: ما يندب قتله للمحرم وغيره في الحل والحرم، (8/ 114 – 115).

[4] "فتح الباري"، (4/ 49).

[5] "صحيح البخاري"، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: نَهي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على التحريم، إلاَّ ما تعرف إباحته، (1403 رقم 7367).

[6] "فتح الباري"، (13/ 413).

[7] المرجع السابق، (4/ 49).

[8] "صحيح البخاري"، كتاب الأضاحي، باب: ما يُؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها، (1097 – 1098، رقم: 5569).

[9] "فتح الباري"، (10/ 33).

[10] انظر: "البحر المحيط"، (2/ 381 - 382).

[11] أبو الحسين بن القطان هو: أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، أبو الحسين، فقيه شافعي، له مصنفات في أصول الفقه وفروعه، وقد توفي – رحمه الله – سنة (359 هـ).

انظر: "سير أعلام النبلاء"، (16/ 159)، و"الفتح المبين"، (1/ 209)، و"أصول الفقه تاريخه ورجاله"، (126).

[12] انظر: "البحر المحيط"، (2/ 381 – 382).

[13] انظر: المرجع السابق، (2/ 382).

[14] انظر: "شرح الكوكب المنير"، (3/ 61).

[15] انظر: "الإحكام"، لابن حزم، (3/ 341)، و"المعتمد"، (1/ 75)، و"العدة"، (1/ 257)، و"الإشارة"، (333)، و"إحكام الفصول"، (1/ 206)، و"قواطع الأدلة"، (1/ 60)، و"أصول السرخسي"، (37)، و"المستصفى"، (211)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 179)، و"الواضح"، (2/ 524، 525)، و"الوصول إلى الأصول"، (1/ 159)، و"المحصول"، للرازي، (2/ 96)، و"الإحكام"، للآمدي، (2/ 198)، و"شرح تنقيح الفصول"، (113)، و"شرح مختصر الروضة"، (2/ 370)، و"البحر المحيط"، (2/ 378)، و"تيسير التحرير"، (1/ 345 – 346).

[16] انظر: "العدة"، (1/ 257)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 179)، و"الواضح"، (2/ 525)، و"التمهيد في تخريج الفروع على الأصول"، للإسنوي، (271)، و"البحر المحيط"، (2/ 380)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 60)، والقاضي حسين هو: الحسين بن محمد بن أحمد المروزي، ويقال لها أيضًا: المرورذي، أبو علي.

فقيه شافعيٌّ، وهو شيخ الشافعية بخُراسان، عُرِفَ بالقاضي، كان من أوعية العلم، ولُقِّب بحبر الأمة، وكان صاحب وجوه في مذهب الشافعي، من مؤلفاته: "التعليقة الكبرى"، و"الفتاوى"، وقد توفي - رحمه الله - سنة (462 هـ).

انظر: "تهذيب الأسماء واللغات"، (1/ 164)، و"وفيات الأعيان"، (1/ 400)، و"سير أعلام النبلاء"، (18/ 260)، و"طبقات الشافعية الكبرى"، للسبكي، (4/ 356).

[17] انظر: "المعتمد"، (1/ 75)، و"العدة"، (1/ 256)، و"الإشارة"، (333)، و"إحكام الفصول"، (1/ 206)، و"البرهان"، (1/ 187)، و"التلخيص"، (1/ 285 – 286)، و"قواطع الأدلة"، (1/ 61)، و"أصول السرخسي"، (37)، و"المستصفى"، (211) و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 179)، و"الواضح"، (2/ 524)، و"الوصول إلى الأصول"، (1/ 159)، و"المحصول"، للرازي، (2/ 96)، و"روضة الناظر"، (2/ 612)، و"الإحكام"، للآمدي، (2/ 198)، و"شرح تنقيح الفصول"، (113)، و"شرح مختصر الروضة"، (2/ 370)، و"البحر المحيط"، (2/ 378 – 379)، و"تيسير التحرير"، (1/ 345)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 56).

[18] انظر: "المسودة"، (1/ 106)، و"البحر المحيط"، (2/ 380)، و"التحرير" مطبوع مع شرحه "تيسير التحرير"، (1/ 346)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 60).

[19] سبق تخريجه.

[20] انظر: "العدة"، (1/ 261)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 182)، و"الواضح"، (2/ 532)، و"المحصول"، للرازي، (2/ 96 - 97)، و"روضة الناظر"، (2/ 612).

[21] انظر: "التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 182)، و"روضة الناظر"، (2/ 615).

[22] انظر: "المعتمد"، (1/ 75 – 76)، و"العدة"، (1/ 261 – 262)، و"الإشارة"، (333)، و"إحكام الفصول"، (1/ 206)، و"البرهان"، (1/ 187)، و"قواطع الأدلة"، (1/ 61)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 182)، و"الواضح"، (2/ 532)، و"الوصول إلى الأصول"، (1/ 159 – 160)، و"روضة الناظر"، (2/ 612).

[23] انظر: "المعتمد"، (1/ 76)، و"العدة"، (1/ 261 - 262)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 182).

[24] انظر الدليل ومناقشة الاستدلال به في: "العدة"، (1/ 259 – 260)، و"الواضح"، (2/ 528، 531)، و"شرح مختصر الروضة"، (2/ 372)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 59).

[25] انظر: "تيسير التحرير"، (1/ 346).

[26] انظر: المرجع السابق.

[27] انظر: "العدة"، (1/ 262)، و"إحكام الفصول"، (1/ 207)، و"قواطع الأدلة"، (1/ 61)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 183 – 185)، و"الواضح"، (2/ 528، 532 – 533)، و"الوصول إلى الأصول"، (1/ 160)، و"روضة الناظر"، (2/ 613).

[28] انظر: "العدة"، (1/ 262)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 183)، و"روضة الناظر"، (2/ 615).

[29] انظر: "الكوكب المنير"، (3/ 56 – 57).

[30] انظر: "الواضح"، (2/ 526)، و"الوصول إلى الأصول"، (1/ 160)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 57).

[31] انظر: "الواضح"، (2/ 527).

[32] انظر: "الوصول إلى الأصول"، (1/ 160 - 161).

[33] "صحيح مسلم مع شرح النووي"، كتاب الأضاحي، باب: بيان ما كان من النَّهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في الإسلام، وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء، (13/ 131).

[34] انظر: "العدة"، (1/ 258 - 259)، و"قواطع الأدلة"، (1/ 61)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب (1/ 179 – 180)، و"الواضح"، (2/ 526)، و"الوصول إلى الأصول"، (1/ 161)، و"المحصول"، للرازي، (2/ 97)، و"روضة الناظر"، (2/ 613 – 614)، و"شرح مختصر الرَّوضة"، (2/ 371 – 372)، و"تيسير التحرير"، (1/ 345)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 57 – 58).

[35] انظر: "العدة"، (1/ 259)، و"قواطع الأدلة"، (1/ 62)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 180)، و"تيسير التحرير"، (1/ 346).

[36] انظر: "العدة"، (1/ 259)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 180 – 181).

[37] انظر: "تيسير التحرير"، (1/ 346).

[38] انظر: "العدة"، (1/ 257 - 258)، و"إحكام الفصول"، (1/ 207)، و"قواطع الأدلة"، (1/ 61)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 181)، و"الواضح"، (2/ 526)، و"المحصول"، للرازي، (2/ 97)، و"روضة الناظر"، (2/ 614)، و"شرح مختصر الروضة"، (2/ 371)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 58).

[39] انظر: "قواطع الأدلة"، (1/ 62)، و"التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 181)، و"المحصول"، (2/ 98).

[40] انظر: "البحر المحيط"، (2/ 380)، و"تيسير التحرير"، (1/ 346).

[41] سبق تخريجه.

[42] سبق تخريجه.

[43] سبق تخريجه.

[44] انظر المسألة في: "المغني"، (3/ 517)، و"المحرر"، (1/ 213)، و"النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر" مطبوع مع المحرر، (1/ 213)، و"القواعد"، لابن اللحام، (2/ 581 – 582).

[45] انظر: "المغني"، (5/ 34).

والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب: من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجَّة، (575 رقم 3006).

[46] انظر: "المغني"، (9/ 489)، و"التمهيد"، في تخريج الفروع على الأصول، (272).

[47] الحديث أخرجه الترمذي في سننه، كتاب النِّكاح، باب: ما جاء في النظر إلى المخطوبة، (3/ 397، رقم 1087)، وقال عنه: "هذا حديث حسن"، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب: النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، (1/ 599، رقم 1865)، والحاكم في "المستدرك"، كتاب النكاح، (2/ 179، رقم 2697)، وقال عنه: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

[48] انظر: "أحكام القرآن"، للجصاص، (2/ 380)، و"الجامع لأحكام القرآن"، للقرطبي، (6/ 44).

وانظر كذلك: "التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 179)، و"الواضح"، (2/ 526)، و"شرح مختصر الروضة"، (2/ 371 – 372).

[49] انظر: "أحكام القرآن"، للجصاص، (1/ 425)، و"الجامع لأحكام القرآن"، للقرطبي، (3/ 90)، وانظر كذلك: "التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 179 – 180)، و"الواضح"، (2/ 526)، و"شرح مختصر الروضة"، (2/ 372).

[50] سبق تخريجه.

[51] انظر: "التمهيد"، لأبي الخطاب، (1/ 180)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 58).

[52] "التمهيد"، (3/ 218).

[53] "فتح الباري"، (10/ 33).

[54] انظر: "الكاشف عن المحصول"، (3/ 276)، و"الإبهاج"، (2/ 46)، و"البحر المحيط"، (2/ 384)، و"الآيات البينات"، (2/ 295).

[55] "صحيح البخاري"، كتب الأدب، باب: ما يَجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، (1170 – 1171، رقم 6054).

[56] ابن السبكي هو: عبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي بن علي الأنصاري الخزرجي السبكين تاج الدين، أبو نصر، ولد سنة (727 هـ)، وكان فقيهًا شافعيًّا، أصوليًّا، محدثًا، له مشاركة في الأدب والعربية، وكان ذكيًّا، قوي الحجة، تولى منصب قاضي القضاة، وامتُحن فصبر، له مؤلفات منها: "رفع الحاجب عن مُختصر ابن الحاجب"، و"الإبهاج في شرح المنهاج"، للبيضاوي، و"جمع الجوامع"، و"منع الموانع على جمع الجوامع"، وكل ذلك في أصول الفقه، وله "الأشباه والنظائر في القواعد الفقهية"، و"طبقات الشافعية الكبرى"، وغير ذلك، وقد توفي - رحمه الله – سنة (771 هـ).

انظر: "طبقات الشافعية"، لابن قاضي شهبة، (3/ 104)، و"الدرر الكامنة"، (2/ 425)، و"الفتح المبين"، (2/ 191)، و"أصول الفقه: تاريخه ورجاله"، (394).

[57] "صحيح البخاري"، كتاب التفسير، باب: قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، (936 – 937، رقم 4798).

[58] "الإبهاج"، (2/ 46)، وانظر: "البحر المحيط"، (2/ 384).

[59] ابن اللحام هو: علي بن محمد بن علي بن عباس البعلي، أبو الحسن، علاء الدين، المعروف بابن اللحام، ولد بعد سنة (750 هـ).

فقيه حنبلي، أصولي، وهو شيخ الحنابلة في وقته، من مؤلفاته: "القواعد والفوائد الأصولية"، و"المختصر في أصول الفقه"، و"الأخبار العلمية من اختيارات ابن تيمية"، و"تجريد العناية في تحرير أحكام النهاية"، وقد توفي - رحمه الله – سنة (803 هـ).

انظر: "إنباء الغمر بأبناء العمر"، (4/ 301)، و"المقصد الأرشد"، (2/ 237)، و"المنهج الأحمد"، (5/ 190)، و"أصول الفقه تاريخه ورجاله"، (427).

[60] القاضي هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، أبو يعلى، ولد سنة (380 هـ)، القاضي الكبير كان عالم زمانه، وفريد عصره، وعنه انتشر مذهب الإمام أحمد، وكان إمامًا في الأصول والفروع، له مؤلفات منها: "العدة"، و"مختصر العدة"، و"الكفاية"، و"مختصر الكفاية في أصول الفقه"، و"المعتمد"، و"الأحكام السلطانية"، و"أحكام القرآن"، و"شرح الخرقي"، و"المجرد في المذهب"، و"الروايتين والوجهين"، و"الخلاف الكبير"، وقد توفي – رحمه الله – سنة (458 هـ).

انظر: "طبقات الحنابلة"، (2/ 193)، "سير أعلام النبلاء"، (18/ 89)، و"المقصد الأرشد"، (2/ 395)، و"المنهج الأحمد"، (2/ 128)، و"الفتح المبين"، (1/ 258)، و"أصول الفقه تاريخه ورجاله"، (178).

[61] أخرجه مسلم في صحيحه مطبوع مع شرحه للنووي، كتاب الحيض، باب: الوضوء من لحوم الإبل، (4/ 48).

[62] "القواعد"، (2/ 598 – 599).

[63] المرجع السابق.

[64] ميمونة هي: ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلاليَّة، أم المؤمنين، وأخت أم الفضل زوجة العباس، وهي خالة خالد بن الوليد، وعبدالله بن عباس - رضي الله عنهم - آخر أمهات المؤمنين، ورد في رواية أنَّها هي التي وهبت نفسها للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد تزوجها - صلَّى الله عليه وسلَّم - سنة سبع من الهجرة، وقد توفيت – رضي الله عنها – سنة (51 هـ)، وقيل: غير ذلك.

انظر: "الاستيعاب"، (4/ 391)، و"الإصابة"، (4/ 398) و"نساء حول الرسول"، (105).

[65] صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب: ما يقع من النجاسات في السمن والماء (68 رقم 235).

[66] زيد بن خالد هو: زيد بن خالد الجهني، أبو عبدالرحمن، وقيل: أبو طلجة، وقيل: أبو زرعة، شهد الحديبية، وكان صاحبَ لواء جهينة يوم الفتح، حديثه في الصحيحين وغيرهما، وقد توفي – رضي الله عنه – سنة (68 هـ)، وقيل غير ذلك.

انظر: "الاستيعاب"، (1/ 539)، و"الإصابة"، (1/ 547).

[67] "صحيح البخاري"، كتاب في اللقطة، باب: ضالة الإبل، (456 رقم 2427).

[68] عدي بن حاتم هو: عدي بن حاتم بن عبدالله بن سعد بن عدي الطائي، ولد الجوَّاد المشهور، أبو طريف، صحابي جليل كان سيدًا شريفًا في قومه، أسلم سنة تسع، وقيل: بل سنة عشر، وكان قبل ذلك نصرانيًّا، وثبت على إسلامه في الرِّدَّة، وشهد فتح العراق، ثم سكن الكوفة، وشهد صفِّين والجمل والنهروان مع عليٍّ - رضي الله عنهما - توفي - رضي الله عنه - بعد الستين من الهجرة، وحدَّد ذلك بعضهم بسنة (68 هـ).

انظر: "الاستيعاب"، (3/ 140)، و"الإصابة"، (2/ 460).

[69] "صحيح البخاري"، كتاب الذبائح والصيد، باب: ما أصاب الْمِعْرَاضُ بعَرْضِه، (1081 رقم 5477).

[70] أفلح هو: أفلح أخو أبي القعيس، ويقال: أفلح بن قعيس، أبو الجعد، عم عائشة - رضي الله عنها - من الرضاعة، قيل: إنَّه من بني سليم، وقيل: من الأشعريين.

انظر: "الاستيعاب"، (1/ 85 - 86)، و"الإصابة"، (1/ 71 – 72).

[71] "صحيح البخاري"، كتاب الشهادات، باب: الشهادة على الأنساب... (501 رقم 2644).

[72] انظر: "شرح الكوكب المنير"، (3/ 62).

[73] "المحصول"، (2/ 96).

[74] "فتح الباري"، (11/ 713).

[75] محب الله بن عبدالشكور هو: محب الله بن عبدالشكور البهاري الهندي، قاضٍ من الأعيان، له مؤلفات منها: "مسلم الثبوت في أصول الفقه"، و"سلم العلوم في المنطق"، وقد توفي – رحمه الله – سنة (119 هـ).

انظر: "أبجد العلوم"، (905)، و"الأعلام"، للزركلي، (6/ 169)، و"الفتح المبين"، (3/ 122)، و"أصول الفقه تاريخه ورجاله"، (543).

[76] "مسلم الثبوت" مطبوع مع شرحه "فواتح الرحموت"، (1/ 415).

[77] انظر المسألة في: "الكاشف عن المحصول"، (3/ 276)، و"المسودة"، (1/ 107)، و"نفائس الأصول"، (2/ 159)، و"الإبهاج"، (2/ 46)، و"البحر المحيط"، (2/ 384)، و"شرح الكوكب المنير"، (3/ 61)، و"الآيات البينات"، (2/ 292).

[78] انظر: "المغني"، (1/ 250 – 251)، و"شرح النووي على صحيح مسلم"، (4/ 48)، و"المجموع"، (2/ 73 – 74).

[79] سبق تخريجه.

[80] انظر: "أحكام القرآن"، للجصاص، (1/ 387 – 388)، و"الجامع لأحكام القرآن"، للقرطبي، (3/ 62).

[81] انظر: "الأم"، (4/ 66)، و"الكافي"، لابن قدامة، (3/ 352 و355)، و"بدائع الصنائع"، (6/ 202).

[82] سبق تخريجه

[83] سبق تخريجه.

[84] الشوكاني هو: محمد بن محمد بن عبدالله الشوكاني، بدر الدين، أبو علي، ولد سنة (1173 هـ)، سلفي العقيدة، زيدي المذهب الفقهي في بداية أمره، ثم تخلَّى عنه وتحلَّى بالاجتهاد، فصار يَختار ما يُرجحه الدليل، من الأئمة في علم الحديث والتفسير واللغة والمنطق، له مؤلفات مُفيدة، منها: "إرشاد الفحول" في أصول الفقه، و"فتح القدير" في التفسير، و"نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار"، وغيرها كثير، وقد توفي – رحمه الله – سنة (1250 هـ).

انظر: "البدر الطالع"، (2/ 214 – 225)، و"الفتح المبين"، (3/ 144 - 145)، و"الأعلام"، للزركلي، (7/ 190)، و"أصول الفقه تاريخه ورجاله"، (567 - 581).

[85] هذه اللفظة واردة في حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - عند البخاري في صحيحه، كتاب في اللقطة، باب: إذا أخبره ربُّ اللقطة بالعلامة دفع إليه، (456 رقم 2426).

[86] "نيل الأوطار"، (5/ 342).

[87] كعب بن مالك هو: كعب بن مالك بن عمرو بن القين بن كعب بن الخزرج الأنصاري السلمي، أبو عبدالله، ويقال: أبو بشير، ويقال: أبو عبدالرحمن، صحابي جليل، شهد العقبة الثانية وبايع بها، وتخلف عن بدر، وشهد أُحُدًا وما بعدها، وتخلَّف في تبوك، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وأحد الشعراء الذين كانوا يدافعون عن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - توفي سنة (50 هـ)، وقيل: سنة (53 هـ).

انظر: "الاستيعاب"، (3/ 270)، و"الإصابة"، (3/ 285).

[88] سلع: جبل معروف بالمدينة.

انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم"، (6/ 192)، و"فتح الباري"، (2/ 649).

[89] "صحيح البخاري"، كتاب الذبائح والصيد، باب: ذبيحة المرأة والأمة، (1087 رقم 5505).

[90] "فتح الباري"، (9/ 783 – 784).

[91] عقبة بن عامر هو: عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن جهينة الجهني، الصحابي المشهور، كان - رضي الله عنه - قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعرًا كاتبًا، وهو أحد من جمع القرآن، شهد الفتوح، وهو البريد إلى عمر بفتح دمشق، وشهد صفِّين مع معاوية – رضي الله عنهما – وتولى إمارةَ مصر، وقد توفي في خلافة معاوية – رضي الله عنهما.

انظر: "الاستيعاب"، (3/ 106)، و"الإصابة"، (2/ 482).

[92] "صحيح البخاري"، كتاب المظالم، باب: قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، (463 رقم 2461).

[93] "نيل الأوطار"، (8/ 157).

[94] "صحيح البخاري"، كتاب جزاء الصيد، باب: لا يشير المحرم إلى الصيد؛ لكي يصطاده الحلال، (348 رقم 1824).

[95] "فتح الباري"، (4/ 40).





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • الأسلوب القصصي الدعوي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفعيل أساليب الإشراف التربوي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الأساليب الشرعية في ذم الهوى والتحذير من اتباعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بحوث في السيرة النبوية (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر القدوة وأهميتها في الدعوة إلى الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأحكام الشرعية ( التكليفية )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسلوب القاص محمود طاهر لاشين(مقالة - حضارة الكلمة)
  • البحث السريع بالمشاركة (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مشروعية الوسائل والأساليب الدعوية ومصادرها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسلوب القدوة الحسنة في الدعوة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب