• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / فقه الصيام وأحكامه
علامة باركود

النيابة في الصيام

النيابة في الصيام
د. عبدالحكيم درقاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/8/2015 ميلادي - 17/10/1436 هجري

الزيارات: 44083

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النيابة في الصيام


الصيام من أعظم القربات إلى الله تعالى؛ فعن أبي صالح الزيات، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به) [1]، وأراد به الله تعالى الإمساك عن المحرمات والشهوات والشبهات والمكروهات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ تحصيلًا للتقوى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

يقول الطاهر بن عاشور (تـ 1393هـ): (والتقوى الشرعية هي اتقاء المعاصي، وإنما كان الصيام موجبًا لاتقائها؛ لأن المعاصي قسمان، قسم ينجع في تركه التفكر؛ كالخمر والميسر والسرقة والغصب، فتركه يحصل بالوعد على تركه، والوعيد على فعله، والموعظة بأحوال الغير، وقسم ينشأ من دواعٍ طبيعية؛ كالأمور الناشئة عن الغضب، وعن الشهوة الطبيعية التي قد يصعب تركها بمجرد التفكر، فجعل الصيام وسيلة لاتقائها)[2].

 

ولتحقيق هذا المقصد العظيم أمر الشارع الحكيم بأن يباشر الصيام الحيُّ القادر، وإن تركه أثم، وإن كان به عجز، فهو حالة من اثنين:

• فإذا كان العجز لازمًا - لكِبَر أو مرض لا يرجى شفاؤه - فلا يجب عليه الصيام، ويُخرج عن كل يوم فدية إطعام؛ ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، فإن عجز عن الإطعام، سقط عنه.

 

• وإن كان العجز مؤقتًا - بسبب مرض عارض، أو سفر، أو حمل، أو رَضاع - فإنه يفطر مع لزوم القضاء بعد زوال العذر المبيح للفطر.

 

ومما تقدم تبين أن النيابة في الصيام لا تجوز عن الحي مطلقًا.

 

أما في حالة الموت، فتجزئ النيابة مع التفصيل.

 

ويحسن قبل بيان أحكام النيابة في الصيام عن الميت أن نعرج على مفهوم النيابة لغة وشرعًا.

 

تعريف النيابة:

أما في اللغة، فالنيابة من جدر (ن و ب)، وتدور مادة هذا الجدر حول معنى واحد: ناب عنه ينوب منابًا، قام مقامه، فهو نائب، والنائب: من قام مقام غيره في أمر أو عمل[3].

 

وأما في الشرع، فيأتي مصطلح النيابة مساويًا للوكالة، ولم نجد في كتب فقه المتقدمين ولا المتأخرين من أفرد بابًا مستقلًّا في النيابة كما هو الشأن بالنسبة للوكالة، وإنما يرد ذكرها تحت مسائل من أبواب مختلفة.

 

والوكالة بفتح الواو وكسرها لغتان فصيحتان، ذكرهما ابن السكيت وغيره، والتوكل الاعتماد، والفاعل: وكيل، الجمع وكلاء، وهو من فوض إليه التصرف، أو من أقيم مقام النفس في التصرف...[4].

 

وقال شمس الدين الخطيب الشربيني الشافعي (تــ977هـ) معرفًا الوكالة في الشرع: (هي تفويض شخصٍ ما له فعله، مما يقبل النيابة، إلى غيره ليفعله في حياته) [5].

 

ومن هذا التعريف يظهر لنا أن كلًّا من لفظي الوكالة والنيابة - وإن كان بينهما عموم وخصوص - يتضمنان إقامة المرء غيره مقام نفسه في أمر معين.

 

النيابة في الصيام عن الميت:

إذا وجب الصيام على المسلم فلم يصم، ثم مات وعليه قضاء من رمضان، فله حالان:

• الأول: أن يكون الإفطار لعذر شرعي من مرض أو سفر أو حيض... واستمر العذر حتى الموت؛ فالحالة هذه لا تلزم أهل الميت وورثته النيابة عنه في الصيام وقضاء ما فاته، ولا توجب عليهم إطعامًا، على قول أكثر أهل العلم.

 

قال ابن قدامة المقدسي (تـ 620هـ): (وأما المريض إذا مات، فلا يجب الإطعام)[6].

 

• الثانية: أن يفطر - بعذر أو بغير عذر - من وجب عليه الصيام، وأمكنه أن يقضي، ثم تراخى ومات ولم يقضِ، فهذا مما اختلف فيه العلماء في حكم النيابة عنه في الصيام، أو ما يقوم مقامه من إطعام، ولهم في ذلك مذاهب.

 

وقد حرر ابن رشد الحفيد (تـ 595هـ) السبب في اختلافهم بعد عرضه الأقوال في المسألة فقال:

(والسبب في الاختلاف معارضة القياس للأثر؛ وذلك أنه ثبت من حديث عائشة أنه قال عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام، صامه عنه وليه)، وثبت عنه أيضًا من حديث ابن عباس أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: (لو كان على أمك دَين، أكنت قاضيه عنها؟)، قال: نعم، قال: (فدَيْنُ الله أحق بالقضاء)، فمن رأى أن الأصول تعارضه؛ وذلك أنه كما لا يصلي أحد عن أحد، ولا يتوضأ أحد عن أحد، كذلك لا يصوم أحد عن أحد - قال: لا صيام على الولي، ومن أخذ بالنص في ذلك قال بإيجاب الصيام عليه، ومن لم يأخذ بالنص في ذلك قصر الواجب بالنذر، ومن قاس رمضان عليه قال: يصوم عنه في رمضان، وأما من أوجب الإطعام فمَصيرًا إلى قراءة من قرأ: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184] الآية، ومن خَيَّرَ في ذلك فجَمْعًا بين الآية والأثر)[7].

 

1 - مذهب القائلين بالصيام:

ذهب الظاهرية إلى وجوب الصيام عن الميت مطلقًا؛ قال ابن حزم (تـ 456هـ): (ومن مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان، أو نذر أو كفارة واجبة - ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه، هم أو بعضهم، ولا إطعام في ذلك أصلًا - أوصى به أو لم يوصِ به - فإن لم يكن له ولي استُؤجِر عنه من رأس ماله من يصومه عنه ولا بد، أوصى بكل ذلك أو لم يوصِ، وهو مقدم على ديون الناس، وهو قول أبي ثور، وأبي سليمان، وغيرهما) [8].

 

واستدل القائلون بوجوب الصيام عمن مات ولم يقضِ بأدلة من النقل والعقل.

 

أما من القرآن الكريم، فاستدلوا بقوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 11]، ووجه الدلالة في الآية أن الدَّين عام ويشمل الصيام، فيلزم الوارث قضاءه عن مورثه.

 

أما السنة النبوية، فاستدلوا بطائفة من الأحاديث، منها:

• ما أخرجه الإمام البخاري من طريق عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: (من مات وعليه صيام، صام عنه وليه)[9].

 

• وعن عبدالله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتته امرأة، فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، فقال: (وجب أجرك، وردها عليك الميراث) قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: (صومي عنها)، قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: (حُجِّي عنها)[10].

 

فالحديثان نصا على وجوب صيام الولي عمن مات من أهله وعليه دين صيام.

 

• ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال: (أرأيت لو كان على أمك دَيْن فقضيتيه، أكان يؤدي ذلك عنها؟)، قالت: نعم، قال: (فصومي عن أمك)[11].

 

وهذا دليل على وجوب الصيام عن الميت الذي عليه صيام النذر، فقِيس عليه صيام رمضان.

 

• وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: (لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه عنها؟)، قال: نعم، قال: (فدين الله أحق أن يقضى)[12].

 

فدل على وجوب الصيام عن الميت؛ لأنه دَين مقدم على دين الآدمي.

 

أما الآثار فمنها:

• ما روي عن طاوس: (إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان، قضى عنه بعض أوليائه).

• ما روي عن الزهري قال: (من مات وعليه نذر صيام، فإنه يصوم عنه بعض أوليائه) [13].

 

2 - مذهب القائلين بعدم الصيام:

وذهب الحنفية والمالكية[14]إلى أن الصيام يسقط عند الموت، ولا يجب على الورثة الصيام أو الإطعام عنه إلا إذا أوصى بذلك قبل موته، فإن أوصى جاز عند الأحناف الإطعام دون الصيام، وجاز عند السادة المالكية الصيام والإطعام معًا؛ أخذًا بالأحوط[15].

 

قال صاحب البدائع: (لو فاته صوم رمضان بعذر المرض أو السفر ولم يزل مريًضا أو مسافرًا حتى مات، لقي الله ولا قضاء عليه؛ لأنه مات قبل وجوب القضاء عليه، لكنه إن أوصى بأن يطعم عنه، صحت وصيته)[16].

 

وقيل لمالك: (أرأيت إن فرط رجل في قضاء رمضان ثم مات ولم يوصِ به؟ فقال مالك: ذلك إلى أهله، إن شاؤوا أطعموا عنه، وإن شاؤوا تركوا، ولا يُجْبَرُونَ على ذلك، ولا يقضى به عليهم، قال: وكل شيء مما أوجب عليه من زكاة أو غيره ثم لم يوصِ بها، لم تجبر الورثة على أداء ذلك، إلا أن يشاؤوا)[17].

 

وذهب الشافعية مذهب الأحناف: (ولو كان عليه قضاء شيء من رمضان فلم يصم حتى مات، نظرت، فإن أخره لعذر اتصل بالموت، لم يجب عليه شيء؛ لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت، فسقط حكمه؛ كالحج، وإن زال العذر وتمكن فلم يصمه حتى مات، أطعم عنه لكل مسكين مد من طعام عن كل يوم)[18].

 

ولهم أيضًا قول ثالث: الصوم مع عدم اللزوم[19].

 

واستدل المانعون بآيات تبين أن الإنسان مسؤول عن تبعات أعماله وحده، وأنه لا يتحمل تبعة أعمال غيره، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164]، وقوله: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 39].

 

أما من السنة، فاستدلوا بأحاديث، منها ما يأتي:

• عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينًا)[20].

 

وفيه أمره عليه السلام ولي الميت الذي لم يقضِ الصيام بالإطعام عنه.

 

• وعن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)[21].

 

وفي الحديث ما يعود على بني آدم بعد موته، ولم يذكر عليه السلام صيام غيره عنه.

• ما روي عند عبدالرزاق من طريق عبادة بن نسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مرض في رمضان، فلم يزل مريضًا حتى مات، لم يطعم عنه، وإن صح فلم يقضِه حتى مات، أطعم عنه)[22].

 

والحديث نص على أن الإطعام هو الواجب في حق من مات وعليه قضاء.

 

أما الآثار التي استندوا عليها، فإليك بعضها:

• عن ابن عباس أنه قال: لا يصوم أحد عن أحد، ويطعم عنه.

• عن عائشة أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم، وأطعموا عنهم[23].

 

3 - مذهب من فرق بين صيام رمضان والنذر:

أما الحنابلة ففرقوا بين من عليه شيء من صيام رمضان وصيام النذر؛ فأوجبوا الإطعام عن الأول، والصيام عن الثاني، قال صاحب المغني: (والفرق بين النذر وغيره: أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها، والنذر أخف حكمًا؛ لكونه لم يجب بأصل الشرع، وإنما أوجبه الناذر على نفسه، وإذا ثبت هذا، فإن الصوم ليس بواجب على الولي)[24].

 

• ولهم ما رواه ابن ماجه عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينًا)[25].

 

• وعن عائشة أيضًا، قالت: يطعم عنه في قضاء رمضان، ولا يصام عنه.

• وعن ابن عباس: أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر يصوم شهرًا، وعليه صوم رمضان، قال: أما رمضان فليطعم عنه، وأما النذر فيصام عنه.

 

• وعن ابن عباس: أن امرأة ركبت البحر، فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهرًا، فنجاها الله، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت ابنتها أو أختها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأمرها أن تصوم عنها)[26].

 

فهذه الأحاديث والآثار صريحة في التفريق بين صوم رمضان والنذر، وأن الواجب على الولي في الأول الإطعام، وفي الثاني الصيام.

 

4 - مناقشة وترجيح:

إن الناظر في أدلة الفرق، يرى أن الحق - والله أعلى وأعلم - فيما ذهب إليه القائلون بوجوب الصيام عن الميت؛ وذلك للاعتبارات التالية:

• أما حديث عائشة: (من مات وعليه صيام...) فقد اعتذر مانعو الصوم بأن المراد بقوله عليه السلام: (صام عنه وليه)؛ أي: فعل عنه ما يقوم مقام الصوم، وهو الإطعام.

 

• وهذا صرف للفظ عن ظاهره بغير دليل، وأقول - معقبًا - كما قال صاحب الفتح[27]: إن هذا عذر بارد، لا يتمسك به منصف في مقابلة الأحاديث الصحيحة، التي لم تخرج عن مقتضى النص.

 

• ومن أعذارهم أن الحديث مضطرب..، وأنه لا اضطراب فيه بلا ريب، ولو اضطرب لما فات أبا عبدالله البخاري؛ إذ خرجه في الصحيح.

 

• وتمسكوا بأنه يجوز في النذر دون غيره، بدعوى أن حديث عائشة مطلق، وحديث ابن عباس مقيد، فيحمل عليه، فرُدَّ عليهم بأنه ليس بينهما تعارض؛ حتى يجمع بينهما؛ فحديث ابن عباس صورة مستقلة يسأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة[28].

 

• فهذه الأحاديث قد صحت، وهي صريحة في جواز الصوم عن الميت بعيدة من التأويل.

 

• وقد عقب البيهقي على السادة الشافعية - القائلين بالمنع في أحد أقوالهم - بقوله: (ومذهب إمامنا الشافعي - رحمه الله - اتباع السنة بعد ثبوتها، وترك ما يخالفها بعد صحتها، وهذه الأخبار ثابتة، ولا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في صحتها، فوجب على من سمعها اتباعها، ولا يسعه خلافها)[29].

 

أما ما احتج به القائلون بعدم الصيام من أحاديث، فنوقشت كالتالي:

• فحديث ابن عمر قال فيه الإمام الترمذي بعد تخريجه: (لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والصحيح عن ابن عمر موقوف قوله)[30]، والمرفوع أرجح من الموقوف في الباب.

 

• وقد اتفق على تضعيفه الأعظمي[31] والألباني؛ لأن فيه محمد بن أبي ليلى، وإن كان إمامًا في الفقه.

 

• أما حديث: (إذا مات الإنسان انقطع عمله)، فالجواب عنه: أنه مع صحته لا يصلح للاحتجاج به في المسألة[32].

 

• وحديث: (من مرض في رمضان، فلم يزل مريضًا حتى مات، لم يطعم عنه، وإن صح فلم يقضه حتى مات، أطعم عنه)، فالجواب عنه من وجوه:

أ‌ - أنه مرسل؛ لأن راويه عبادة بن نسي الكندي، مات سنة ثمان عشرة ومائة في خلافة هشام بن عبدالملك، فهو من الطبقة الثالثة من التابعين بالشام[33].

 

ب‌ - أن في سند الحديث الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف لم يثبت حديثه، وكان يحيى بن معين يقول: حجاج لا يحتج بحديثه، واعتبره أبو زرعة من المدلسين[34].

 

ت‌ - أن أغلب روايات هذا الأثر إما موقوفة على أبي هريرة، أو مقطوعة عن عطاء أو الزهري، ولم ترفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الطريق الذي سقته من طريق عبادة بن نسي مرسلًا.

 

• أما الآثار المروية عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما فيهما، مخالفة لعملهما، ويرد عنهما بما نقله النووي عن البيهقي: (وليس فيما ذكروا ما يوجب ضعف الحديث في الصيام عن الميت؛ لأن من يجوِّز الصيام عن الميت يجوِّز الإطعام عنه، قال: وفيما روي عنها في النهي عن الصوم عن الميت نظر، والأحاديث المرفوعة أصح إسنادًا، وأشهر رجالًا، وقد أودعها صاحبا الصحيحين كتابيهما، ولو وقف الشافعي على جميع طرقها ونظائرها لم يخالفها إن شاء الله تعالى)[35].

 

والذين يفرقون بين الإطعام لصيام رمضان وصيام للنذر، الصواب الجزم بجواز صوم الولي عن الميت، سواء صوم رمضان، والنذر، وغيره من الصوم الواجب، للأحاديث الصحيحة السابقة، ولا معارض لها، ويتعين أن يكون هذا مذهب كل الأئمة؛ لأنهم قالوا: إذا صح الحديث فهو مذهبنا... ولو وقفوا على جميع طرق أحاديث القائلين بالوجوب، لَمَا خالفوا ذلك؛ كما قال البيهقي فيما قدمناه عنه في آخر كلامه.

 

وبعد هذا العرض لأدلة سائر المذاهب، وما وجَّهه كل فريق لأدلة الفريق الآخر من ردود ومناقشات، يميل القلب إلى رجحان مذهب القائلين بالصيام عمن مات ولم يقضِ ما عليه من صيام، سواء للفرض أو النذر؛ وذلك نظرًا لقوة أدلتهم، وعلى رأسها تلك الأحاديث الصحيحة الصريحة في المسألة، والتي افتقرت أدلة المخالفين لشيء منها، كما أن عبارات أغلبية العلماء وأهل الحديث كالبيهقي والنووي وابن حزم والشوكاني.. وغيرهم تميل إلى القول بالصوم.

 

 


 

[1] أخرجه مسلم في الصيام، باب فضل الصيام، رقم 1151.

[2] تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، الدار التونسية للنشر - تونس1984م ج2ص158.

[3] انظر مختار الصحاح لزين الدين عبدالقادر الحنفي الرازي (تـ666هـ)، المكتبة العصرية، بيروت ط 5، 1999 ص321 (نوب). - القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزابادي (تـ817هـ)، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت ط 8، 2005 ص140. - تاج العروس للزبيدي المرتضى (تـ1205)، دار الهداية، ج4 ص315 (نوب).

[4] تهذيب الأسماء واللغات لأبي زكريا بن شرف النووي (تـ 676هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت ج 4 ص 195، قسم اللغات حرف الواو. - معجم لغة الفقهاء لمحمد القلعجي وحامد صادق القنيبي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1988، ص 509.

[5] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1994م، ج3 ص231.

[6] المغني لابن قدامة المقدسي الحنبلي (تــ 620هـ)، مكتبة القاهرة 1968م، ج 3 ص151.

[7] بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الحديث، القاهرة، 2004 ج2 ص62.

[8] المحلى في الآثار، لابن حزم الظاهري، مكتبة الجمهورية العربية مصر، ج6 ص422.

[9] صحيح البخاري، الصيام، باب من مات وعليه صوم رقم 1952. - أخرجه مسلم في الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت رقم 1147.

[10] أخرجه مسلم في الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت رقم 1149.

[11] أخرجه مسلم في الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت رقم 1148.

[12] أخرجه مسلم في الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت رقم 1148.

[13] المحلى 6/ 422.

[14] من حجج المالكية في ذلك عمل أهل المدينة؛ انظر الجامع لأحكام القرآن لشمس الدين القرطبي (تــ 671هـ) دار الكتب المصرية - القاهرة، الطبعة الثانية، 1964م ج2 ص276.

[15] بداية المجتهد 2/ 62.

[16] - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي (تــ 587هـ)، دار الكتب العلمية، 1986م ج 2 ص103.

[17] المدونة، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (تــ 179هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1994م، ج1 ص280.

[18] المجموع للنووي، دار الفكر ج6 ص364.

[19] روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت - دمشق - عمان، الطبعة: الثالثة، 1991م، ج2 ص381.

[20] سنن الترمذي، باب ما جاء من الكفارة، ضعفه الألباني.

[21] رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم من طريق أبي هريرة رضي الله عنه، قال الألباني: صحيح.

[22] مصنف عبدالرزاق، كتاب الصيام، باب المريض في رمضان وقضائه رقم 7638.

[23] السنن الكبرى، أبو بكر البيهقي (تــ 458هـ)، تحقيق محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الثالثة، 2003 م ج4 ص429.

[24] المغني ج3 ص153.

[25] سبق تخريجه.

[26] سنن أبي داود، كتاب الصيام، باب في قضاء النذر عن الميت، رقم 3308.

[27] نيل الأوطار، الشوكاني (تــ 1250هـ)، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، الطبعة الأولى، 1993م ج4 ص280.

[28] فتح الباري لابن حجر، دار المعرفة - بيروت، 1379ه، ج4 ص193.

[29] مختصر خلافيات البيهقي لأحمد بن فَرح بن اللَّخمي الإشبيلي، شهاب الدين الشافعي، تحقيق: د. ذياب عبدالكريم ذياب عقل، مكتبة الرشد السعودية الرياض، الطبعة:الأولى، 1997م، ج3 ص70.

[30] سنن الترمذي ج3 ص87.

[31] المجموع ج6 ص429.

[32] المحلى ج6 ص417.

[33] الطبقات الكبرى لابن سعد (تـ230هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1990م، ج7 ص317.

[34] الطبقات 6/ 342. - الضعفاء للبخاري، مكتبة ابن عباس، الطبعة الأولى، 2005م، ص61. - الجرح والتعديل للرازي بن أبي حاتم (تـ327هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1952، ج3 ص156.

[35] المجموع ج6 ص428.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آداب النيابة في الحج
  • حكم النيابة الجزئية في الحج
  • النيابة العامة وأعوان القضاء
  • جواز النيابة في الحج

مختارات من الشبكة

  • هولندا: النيابة العامة تعتبر الهجوم على المسجد عملا إرهابيا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بريطانيا: فشل النيابة في إدانة متهم برفع شفرة حادة في وجه مسلمَين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • هولندا: النيابة تطالب بإسقاط التهم عن فيلدرز المتطرف(مقالة - المسلمون في العالم)
  • وكيل النيابة (قصة قصيرة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النيابة الهولندية تلاحق البرلماني الهولندي خيرت فيلدرز(مقالة - المسلمون في العالم)
  • جواز الوكالة في الخلع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ألمانيا: بدء التحقيقات في حريق مسجد برلين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الخطب القضائية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هولندا: ما زال البحث في ملاحقة فيلدرز قائما(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الإعراب تقديرا ونيابة بالحروف (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب