• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم / دراسات وبحوث
علامة باركود

دعوة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم

دعوة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم
د. محمد بن عبدالسلام

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/7/2013 ميلادي - 12/9/1434 هجري

الزيارات: 248337

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دعوة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)


تمهيد:

قد تبيَّن مما سبق بما لا يدع مجالاً للشك أن رسولنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مُرسَل من ربه - سبحانه - برسالة الحق، بالدين الخاتَم للناس كافة، بل للجن والإنس.

 

قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].

 

وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون ﴾ [الأعراف: 158].

 

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مَثَلي ومَثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسَنَه وأجمله إلا موضِع لَبِنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويَعجبون له ويقولون: هلا وُضِعتْ هذه اللَّبِنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين))[1].

 

فكانت دعوته في مجملها لتعريف الناس بمصالحهم وبما ينفعهم في معاشهم وبعد مماتهم؛ ولهذا كان من الأهمية بمكان أن نقف على ملامح هذه الدعوة وثِمارها، وحقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - ومكانته عند أتباعه.

 

وسنعيش في هذا الباب مع هذه المعاني، وذلك من خلال ثلاثة أمور، وهي:

• ما الذي يدعو إليه - صلى الله عليه وسلم؟

• ثمرات اتباعه - صلى الله عليه وسلم.

• مكانته، وحقوقه على أتباعه - صلى الله عليه وسلم.

 

ما الذي يدعو إليه - صلى الله عليه وسلم؟

سؤال يطرح نفسه، إذا كنا نتكلَّم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن صفاته وشمائله وأعماله ونبوَّته - صلى الله عليه وسلم - فلا بد أن نتساءل: ما الذي يدعو إليه؟ وما هي دعوته - صلى الله عليه وسلم؟

 

فأما دعوته والذي يدعو إليه، فهو الدين كله، الشرع الذي أكمله الله له، ومكارم الأخلاق التي بعثه الله مُتمِّمًا مكمِّلاً لها، والمقام ليس مَقام تفصيل، ولكننا سنشير إلى هذا من خلال بعض المواقف والحوارات التي ثبتت بالنقل إلينا؛ لنقتبس منها الإجابة عن هذا السؤال.

 

هناك ثلاثة مواقف:

أولاً: موقف عظيم نقله التاريخ بين رجل، هو قيصر الروم صاحب العلم بالنجوم والعلم بالمسيحية، وقد علِم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو رسول آخر الزمان، وبين رجل قريش كان لم يدخل في الإسلام بعد، وكان من أشد الناس عداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانظر إلى هذا الحوارِ الذي دار بينهما، وما انتهى إليه.

 

فعن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: "أن سفيان بن حرب أخبَره: أن هرقل أرسَلَ إليه في ركْب من قريش، وكانوا تجارًا بالشام في المدة التي مادَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها أبا سفيان وكفارَ قريش، فأتوه وهو بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بتَرجُمانه، فقال: أيكم أقرب نَسبًا بهذا الرجل الذي يزعُم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبًا، فقال: ادنوه مني، وقرِّبوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لتَرجُمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذَبني فكذِّبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثِروا عليَّ كذبًا، لكذَبتُ عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نَسَبُه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسَب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه مِن مَلِك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتَّبِعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم يَنقصون؟ قلت: بل يَزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سُخْطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يَغدِر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تُمكِنِّي كلمةٌ أُدخِل فيها شيئًا غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سِجال ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصِّلة، فقال للتَّرجُمان: قل له: سألتك عن نَسبه، فذكرتَ أنه فيكم ذو نسبٍ، فكذلك الرسل تُبعَث في نَسبِ قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أنْ لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت: رجلٌ يأتسي بقولٍ قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه مِن مَلِك؟ فذكرت أن لا، قلتُ: فلو كان من آبائه من مَلِك، قلت: رجل يطلُب مُلْك أبيه، وسألتك: هل كنتم تتَّهِمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليَذر الكذب على الناس، ويكذِب على الله، وسألتك: أشراف الناس اتبَعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرتَ أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم يَنقصون؟ فذكرت أنهم يَزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك: أيرتد أحدٌ سُخْطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تُخالِط بشاشتُه القلوبَ، وسألتك: هل يَغدِر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدِر، وسألتك: بمَ يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقًّا، فسيملِك موضِع قدَمَيَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أَخلُص إليه لتجشَّمتُ لقاءه، ولو كنت عنده لغسلتُ عن قدمه، ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بَعث به دحية إلى عظيم بُصرى فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هِرَقل عظيم الروم، سلام على مَن اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدِعاية الإسلام، أسلِمْ تَسلَم يؤتكَ الله أجرك مرتين، فإن تولَّيتَ، فإن عليك إثم الأريسيِّين، و﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64])).

 

قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثُر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات وأُخرِجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أَمِر أَمْرُ ابن أبي كبشة؛ إنه يخافه مَلِك بني الأصفر، فما زلتُ موقِنًا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام.

 

وكان ابن الناطور صاحب إيلياء، وهرقل أُسقفًّا على نصارى الشام يُحدِّث أن هِرَقل حين قدِم إيلياء أصبح يومًا خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: وكان هرقل حَزَّاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم مَلِكَ الختان قد ظهر، فمن يَختَتِن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يَختتن إلا اليهود، فلا يَهُمنك شأنهم، واكتب إلى مداين مُلْكك فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم، أُتِي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يُخبِر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما استخبره هرقل، قال: اذهبوا فانظروا أَمُختتن هو أو لا؟ فنظروا إليه فحدَّثه أنه مُختَتِن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا مُلْك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى صاحب له بروميَّة، وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص، فلم يَرِم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يُوافِق رأي هرقل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه نبي، فأذِن هرقل لعظماء الروم في دسْكَرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغُلِّقت، ثم اطَّلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرُّشد، وأن يثبت مُلْككم فتُبايعوا هذا النبي، فحاصُوا حَيْصَةَ حُمُر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلِّقت، فلما رأى هرقل نَفرتَهم، وأَيس من الإيمان، قال: ردُّوهم عليَّ، وقال: إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتَكم على دينكم، فقد رأيتُ، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل"[2].

 

ونَخلُص من هذا الحوار ما انتهى إليه بأن عظيم الروم أقرَّ بنبوَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علِم من صفاته وشمائله، والتي اضطر أبو سفيان أن يُقِر بها، ومن خلال التوحيد الذي يدعو إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومكارم الأخلاق، وحتى أوشك هرقل أن يدخل في الإسلام لولا غلَبة نفسه وهواه عليه، فخشي على زوال مُلكه في الدنيا، وآثر مُلْك الدنيا على الآخرة.

 

ثانيًا: موقف المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، والذي تَرويه لنا أم سلمة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك بعدما هاجَر طائفة من المسلمين إلى الحبشة، وأرادت قريش أن تُعيدهم إلى قبضتها، لتُنزل بهم العذاب والنَّكال؛ فاحتالت قريش وأرسَلتْ رجلين إلى النجاشي مَلِك الحبشة؛ لإحداث فتنة بينه وبين المسلمين المهاجرين عنده، فأرسل النجاشي إلى من عنده من المسلمين، وسألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتُم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلَّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهليَّة؛ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، يأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نَسَبه وصِدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده ونخلَع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلة الرَّحم، وحُسْن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذْف المحصنة، وأمرَنا أن نعبد الله وحده لا نُشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، قال: فعدَّد عليه أمور الإسلام، فصدَّقناه وآمنَّا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدْنا الله وحده؛ فلم نشرك به شيئًا، وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحللنا ما أَحلَّ لنا، فعدا علينا قومُنا فعذَّبونا، وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلَّ ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقُّوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على مَن سواك، ورغِبنا في جوارِكَ؛ ورجونا ألا نُظلَم عندك أيها الملك! قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليَّ، فقرأ عليه صدرًا من (كهيعص)، قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضَلَ لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضَلوا مصاحفهم حين سمِعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا واللهِ والذي جاء به موسى ليخرجُ من مشكاة واحدة[3].

 

وفي هذا الموقف العظيم استدلَّ جعفر - رضي الله عنه - على نبوَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - باصطفاء الله - عز وجل - له من حيث النَّسب والصفات والشمائل، ثم دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى التوحيد وإلى مكارم الأخلاق، وشتان بين موقف النجاشي الذي آثر الآخرة على الدنيا، فسارَع بالإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، وبين موقف هرقل السابق.

 

ثالثًا: هذا الموقف العظيم لبدوي بسيط من أتباع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - مع زعيم الفرس رستم في موقعة القادسية، والتي كانت بين الفرس والمسلمين، وقبل بَدء المعركة نظر رستم - قائد الفرس - إلى المسلمين، ثم أرسَل إليهم رجلاً أن رستم يقول لكم: أرسِلوا إلينا رجلاً نُكلِّمه ويكلِّمنا - أراد أن يُصالحهم ويُعطيهم مالاً على أن يَنصرِفوا عنه - وجعل يقول فيما يقول: أنتم جيراننا، وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا، فكنا نُحِسن جوارهم، ونَكُف الأذى عنهم، والمرافق الكثيرة في أهل باديتهم من بلادنا، ولا نمنعهم من التجارة في شيء من أرضنا، وقد كان لهم في ذلك معاش، يُعرِّض لهم بالصُّلح، ولا يُصرِّح.

 

فلما وصلت الرسالة إلى سعد - رضي الله عنه - أرسَلَ سعد إليه ربعيَّ بن عامر، فخرج ربعي ليدخل على رستم عسكرَه، فاحتَبسه الذين على الباب، وأرسلوا إلى رستم بمجيئه، فاستشار عظماء أهل فارس، فقال: ما تَرون؟ فأجمع ملؤهم على التهاون به، فأظهَروا الزبرج[4]، وبسطوا البُسُط والنمارق[5]، ولم يتركوا شيئًا، ووضِع لرستم سرير الذهب، وأُلبِس زينته من الأنماط والوسائد المنسوجة بالذهب، وأقبل ربعي يسير على فرس له، معه سيف له، ورمحه، ومعه حَجَفَة من جلود البقر على وجهها أديم أحمر مثل الرغيف، ومعه قوسه ونَبله، فلما غشي المَلِك، وانتهى إليه وإلى أدنى البُسُط، قيل له: انزل، فحملها على البُسُط، فلما استوت عليه نزل عنها وربطها بوسادتين، وقد شدَّ رأسه أربع ضفائر وقد قُمن قيامًا كأنهن قرون الوَعل.

 

فقالوا: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم، أنتم دعوتموني، فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد، رجعتُ.

 

فأخبروا رستم فقال: ائذنوا له، هل هو إلا رجل واحد؟!

فأقبل يتوكأ على رمحه، فما ترك لهم نُمرُقة ولا بِساطًا إلا أفسده وتركه مُخرَّقًا، فلما دنا من رستم جلس على الأرض، وركز رمحه بالبسط.

 

فقالوا: ما حمَلك على هذا؟

قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه.

 

فكلمه فقال: ما جاء بكم؟

قال: الله، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سَعتها، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلَنا بدينه إلى خلْقه؛ فمن قبِل منا ذلك، قبِلنا ذلك منه، ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومَن أبى، قاتلناه أبدًا حتى نُفضي إلى موعود الله، قال: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال مَن أبى، والظفر لمَن بقي.

 

ومن جملة ما قال له رستم سأله: أنت قائدهم؟

قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض، يُجير أدناهم على أعلاهم[6].

 

انظر إلى هذا الفَهْم واليقين الراقي اللذين عبر بهما عن دعوته ودعوة نبيه - صلى الله عليه وسلم.

 

ثم ننتقل إلى ما أجمله لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته فيما رواه لنا ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما بعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معاذَ بن جبل إلى نحو أهل اليمن، قال له: ((إنك تَقدَم على قوم من أهل الكتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحِّدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك؛ فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلواتٍ في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فتردّ على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك، فخذ منهم، وتوقَّ كرائم أموال الناس))[7].

 

والآن تعالَوا معنا لنختَتِم التعرف على مبادئ وأُصول ما كان يدعو إليه محمد - صلى الله عليه وسلم - من خلال هذا المقال الطيب لفضيلة الشيخ صفوت الشوادفي - رحمه الله - والذي كان يشغَل منصب نائب رئيس جمعية أنصار السنة بجمهورية مصر العربية، فيه يقول:

ديننا يقوم على دعائم ثلاث: عقيدة صحيحة، وعبادة مشروعة، وأخلاق فاضلة.

 

وكل واحدة من هذه الثلاث بحاجة إلى بيان:

• فالعقيدة الصحيحة: هي عقيدة السلف الصالح.

 

• والسلف الصالح هم الصحابة الكرام[8] ومن تَبِعهم بإحسان.

 

• والعبادة المشروعة: هي العبادة التي قام عليها دليل من الكتاب والسنة، ولم تكن مُبتدَعة.

 

• والأخلاق الفاضلة: هي كل خُلُق فاضل دعت إليه الشريعة، وحثَّت عليه وأمرت به، وهذه المسائل ليست من أمور الثقافة العامة؛ بل هي أسباب النجاة، والطريق الموصل إلى الله - عز وجل.

 

• فأما عقيدتنا، فهذا بيانها:

1- الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.

 

2- من الإيمان بالله الإيمانُ بما وصَف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسول - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ بل نؤمن بأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا نَنفي عن الله ما وصَف به نفسه، ولا نُشبِّهه بأحد من خلْقه.

 

3- القرآن كلام الله مُنزَّل من عنده غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

 

4- من الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بما يكون بعد الموت من فتنةِ القبر وعذابه ونعيمه والبعث بعد الموت، والحوض والميزان، والصراط، والجنة والنار.

 

5- الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، ويَنقُص بالمعصية.

 

6- لا نحكم بالكُفر على مسلم إذا ما ارتكب معصية ولو كبيرة؛ بل نقول: إنه مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن فاسق بكبيرته، ومَن تاب تاب الله عليه، ومن مات بغير توبة مُسلمًا، فهو في مشيئة الله: إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له.

 

7- نحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهلَ بيته ونترضَّى عليهم، ونُمسِك عما شَجَر من الخلاف بينهم، ونؤمن بأن لهم من الفضائل والأعمال الصالحة ما يوجِب مغفرة ما صدَر منهم، وكل مَن صَحِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمن به، ومات على ذلك، فهو أفضل من كل تابعي جاء بعده.

 

8- نُصدِّق بكرامات الأولياء وما يَجري على أيديهم من خوارِق العادات، والوليُّ هو كل مؤمن يتَّقِي الله، ونُحذِّر من أولياء الشيطان الذين تجري على أيديهم الخوارق الشيطانية، وهم مُتَّبِعون لغير سبيل المؤمنين.

 

9- نتمسَّك بالسنة، ونعلِّمها لعامة المسلمين، ونحارب البِدعة، ونبيِّنُها حتى يَحذَرها المسلمون.

 

10- لا نشهد لأحد بالجنة، ولا نحكم على أحد بأنه من أهل النار؛ إلا ما أخبرت به النصوص الشرعية من الشهادة بالجنة أو القطع بالنار.

 

11- نرجو للمحسن من المسلمين حُسن الخاتمة، ونخاف على المسيء منهم سوء الخاتمة.

 

12- الجنة والنار مخلوقتان لا تَفنيان؛ فالجنة دار لأولياء الله، والنار عقاب لأعداء الله.

 

13- الاستعانة بالأموات ونداؤهم والاستغاثة بهم شِرْك بالله، وكذا الأحياء فيما لا يَقدِر عليه إلا الله.

 

14- أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.

 

15- نبي واحد أفضل من جميع الأولياء.

 

16- الإيمان بجميع الكتب المنزَّلة من عند الله، والقرآن الكريم أفضلها، وهو ناسِخ لما قبله، ومهمين عليه، وكل كتاب قبل القرآن فقد وقع فيه تحريف وتبديل، وأما القرآن، فقد حفِظه الله لفظًا ومعنى، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

 

17- لا يعلم الغيبَ إلا الله وحده، وهو - سبحانه - يُطلِع بعضَ رسله على شيء من الغيب؛ لقوله: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ [الجن: 26، 27].

 

18- الذَّهاب إلى الكهَّان والعرافين والدجالين كبيرة من الكبائر، واعتقاد صِدْقهم كُفْر بالله تعالى.

 

19- لا يجوز لنا أن نتفرّق في الدين، ولا نسعى في الفتنة بين المسلمين، ويجب ردَّ ما اختلفنا فيه إلى الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة.

 

بهذه المواقف التي ذكرناها، وبهذه الأصول الاعتقادية التي نقلناها، نعلم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ما جاء إلا ليُخرِج العباد من الظلمات إلى النور، ويُقيم المِلة الصحيحة، ويُعطي كل ذي قدْر قدره، وليُعرِّف المخلوق بخالقه، ويُبيِّن له كيف يوحِّده، وكيف يعبده بالشرع الذي أنزله الخالق، ثم ليُقيم لنا منهجًا وسبيلاً مَن التزَمه سعِد في الدنيا، ونجا وفاز في الآخرة.

 

وحصاد وثمار ذلك كله أن يُتمِّم لنا مكارمَ الأخلاق وصالِحَها، ولمَ لا؟! وهو الذي قال عن نفسه: ((إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق))، وفي رواية: ((صالح الأخلاق))[9]، وهو الذي قال عنه ربه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فصلى الله وسلم على محمد المبعوث رحمة للعالمين.



[1] رواه البخاري 3535، مسلم 2286 - 2287، عن أبي هريرة - رضي الله عنه.

[2] رواه البخاري 7، مسلم 1773.

[3] رواه أحمد 1/201 - 1740، وإسناده حسن، تعليق شعيب الأرناؤوط، وصححه الألباني في فقه السيرة 115.

[4] الزبرج: الزينة والذهب.

[5] جمع نمرقة، وهي الوسادة.

[6] انظر: تاريخ الطبري 2/401 402، والبداية والنهاية 7/39.

[7] رواه البخاري 1395، ومسلم 19.

[8] تخصيص الصحابة - رضوان الله عليهم - من جهة أنهم هم الذين نقلوا دين النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم أكثر الناس محبة له واتباعًا.

[9] رواه أحمد 2/381 - 8939، وهو صحيح، إسناده قوي؛ تعليق شعيب الأرناؤوط، وصحّحه الألباني في الصحيحة (45) عن أبي هريرة - رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هذا محمد - صلى الله عليه وسلم - لو كنتم تعلمون
  • عموم رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -
  • تذكير المسلم بشيء من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -
  • همة محمد صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • ثمرات اتباعه ( صلى الله عليه وسلم )
  • الأسباب الداعية للانتقال من السرية إلى العلنية في دعوة النبي محمد
  • دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب إلى الإسلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أوقات وأماكن وأزمنة استجابة الدعاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصيام سبب لإجابة الدعاء وللصائم عند فطرة دعوة لا ترد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإستراتيجية الدعوة الإسلامية(مقالة - ملفات خاصة)
  • فقه التدرج في دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ محمد الدوسري في لقاء بعنوان الدعوة إلى الله ( دعوة الجاليات نموذجا )(مقالة - موقع ثلاثية الأمير أحمد بن بندر السديري)
  • الدعوة مسؤولية الجميع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقصة هرقل ملك الروم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أساليب المشركين في محاربة الدعوة (6): إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعوة أيام الحج وعرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 


تعليقات الزوار
1- مهم
زهراء فقيري - المملكة العربية السعودية 22-02-2016 06:22 PM

المقال رائع جدا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب