• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم
علامة باركود

الصارم المسلول على شاتم الرسول

كرم جمعة عبدالعزيز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/9/2012 ميلادي - 10/11/1433 هجري

الزيارات: 13193

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصارم المسلول على شاتم الرسول

- صلى الله عليه وسلم -


الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، لا سيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفا.

 

وبعد:

فلا يعرف قيمة الرسالة المحمدية إلا مَن درس أحوال الناس قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - وكيف كانت أمواج الجور المتلاطمة تُغرِق الضعيف وذا الحاجة في طيَّاتها، وكم عمَّ طوفانُ الظلام أرجاءَ جزيرة العرب، حتى لا يكاد المرء وقتئذٍ يعرف حقًّا أو يُنكِر منكرًا، واستطال الظلم بين الناس حتى طوَّق الأخضر واليابس، فلا يخلص من براثنه إلا مَن كان له في الشر مثله، وتطاول الناس في البغي والعدوان، وأُدرِج الضعفاء في طيِّ النسيان، فلا يكاد يُذكَرون إلا في حيز النقائص والمعايب.

 

لقد كانت السيوف تُسَلُّ، والدماء تُرَاق من أجل ناقةٍ، وكلنا يعرف "داحس" و"الغبراء"، وكيف حصدت الحرب رقاب الناس لأربعين سنة، وكم من سيوف صافحت رقابًا من أجل امرأة إن قضت عليهم الحرب والقتال، ولو شاءت لجمعتْ أمرهم للسلام؛ "فقد كانت الحالة الاجتماعية في الحضيض من الضعف والعَماية، فالجهل ضارب أطنابه، والخرافات لها جولات وصولات، والناس يعيشون كالأنعام، والمرأة تُبَاع وتُشتَرى، وتُعامَلُ كالجمادات أحيانًا، والعَلاقة بين الأمَّة واهية مبتوتة، وما كان من الحكومات فجُلُّ همتها ملء الخزائن، من رعيتها، أو جر الحروب على مناوئيها"[1].

 

و((إن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقَتَهم عربَهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب))[2]؛ فأرسل - بفضله ورحمته - نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هاديًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا، أرسله الله على حين فترةٍ من الرسل؛ ليرشد مَن ضلَّ طريقَ الهدى ومنابع الاستقامة، فأخرج الله به الناسَ من ظلمات الكفر وغَياهِب الشرك إلى نور الإيمان وصرح التوحيد، وأنقذ الله به الناسَ من جَوْر الأديان وعبادة ملوكهم إلى عدل الإسلام وعبادة ربهم وخالقهم ورازقهم ومدبر شؤونهم، حتى ميَّز الناسُ الحقَّ من الضلال، ورسخ في العقول والقلوب أن الزَّبَد يذهب جُفَاء، وأن ما ينفع الناسَ يَمكُث في الأرض.

 

ولا ريب أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - منذ أن قام بتعبيد الناس لرب العالمين، ودعوتهم إلى خيرَي الدنيا والآخرة؛ لاقى صنوف الأذى والعناد والمكابرة، حتى قال الله - تعالى - له: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [الطور: 48].

 

ومن ذلك ما تقعقعت منه نفوس المؤمنين كمدًا وحزنًا؛ حتى كادت قلوبهم تنصدع، وأرواحهم تزهق، وأوشكت الآذان أن تصم من هول ما سمعتْ؛ إذ قد فَجِئهم نبأٌ مُزعِج، وأمر مفزع، أشعل نيرانَه أقزامٌ وأذناب طَفِقوا يبحثون كيف تُضرَب الأمَّة في مقتَل، فراحوا يضربون آباط الأمور ومغابنها، ويستشفون ضمائرها وبواطنها؛ ليفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، إذ مكروا الليل والنهار حقدًا وبغضًا، همهم بث الهموم والأحزان في تضاعيف قلوب المؤمنين، حتى بَدَت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، وذلك لَمَّا قام أشقى القوم بنشر فلم حقير يُسِيء إلينا في شخص سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وتاج رؤوسنا محمد بن عبدالله، أفضل الأنبياء، وأشرف المرسلين، وإمام العالمين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين، وسيد ولد آدم يوم القيامة أجمعين، وصاحب المقام المحمود، والحوض المورود، ولكن ألا يعلم هؤلاء - وأضرابهم ممن لم يذوقوا بِلَّة من فهم أو رأي سديد - كيف كان عاقبة العتاة والبغاة والطغاة؟ وكيف قصم الله ظهورهم، ووضع في الأسفلين ذكرهم، وأراح العالمين من شرهم، فجعلهم أحاديث، ومزَّقهم كلَّ ممزق؟ فمنهم مَن خسف به الأرض، ومنهم مَن أغرق، ومنهم مَن أرسل عليه الصيحة، ثم يحشرون على وجوههم زُرْقًا، ويساقون إلى جهنم وِرْدًا؛ وذلك لسوء صنيعهم.

 

كأنَّك لم تَسمعْ بأخبارِ مَن مضَى
ولم ترَ في الباقينَ ما يَصنعُ الدَّهْرُ
فإن كنتَ لا تَدرِي فتلك دِيارُهمْ
مَحَاها مجالُ الريحِ بعدكَ والقَطْرُ
على ذاك مرُّوا أجمعونَ وهكذا
يَمُرُّونَ حتى يَستردَّهمُ الحَشْرُ

 

قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [الأحزاب: 57].

 

وهل يضرُّ السَّحابَ نبحُ الكلاب؟ أم هل ضرَّ السماءَ أن امتدَّت إليها يدٌ شلاَّء، تريد طمس معالمها وتزوير حقيقتها؟ أم هل ضرَّ النخلةَ العظيمة تهكُّمُ ذبابة حقيرة وقعت عليها، فلما أرادت الانصراف - غير مأسوف عليها - قالت للنخلة الكبيرة: استعدي وخُذي حذرك؛ فإني مقلعة عنك، فقالت لها النخلة العظيمة: أقلعي أيتها الحقيرة، أو لا تُقلِعي، وهل شعرتُ بكِ حين سقطتِ عليَّ، حتى أتأهَّب لرحيلك عني؟

 

إن المتطفِّلين واللُّقَطاء كلما أرادوا أن يعتلوا قمم الجبال حتى يراهم القاصي والداني، فيشتهروا بنقدهم للعظماء والانتقاص من قدرهم، وقعوا على أم رؤوسهم، وما هي إلا محاولة للَفْت الانتباه إلى وجودهم، بعدما ملُّوا انقضاء أعمارهم، وانحناء ظهورهم في ظلمات السَّفَه والنَّزق والتِّيه؛ لعل أحدًا يَأْبَهُ بهم أو ينظر إليهم، حتى بات همهم إشعالَ نار الحرب، وحرق المؤمنين بدسائسهم الخبيثة؛ ألا شاهت وجوه المفسدين، ولكن هيهات أن يَصِلُوا إلى مرادهم؛ فالله من ورائهم محيط، وبمكرهم خبير: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].

 

فوالله لو قام رُوَيبضات البشر وحثالة الأمم، فجمعوا كيدهم، وجاؤوا صفًّا، وأتوا ببحار الدنيا مِدَادًا وبأشجارها أقلامًا، وامتطوا الليل والنهار؛ لينالوا من سماء شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما أفلحوا أبدًا، ولَرُدَّت أيديهم في وجوههم.

 

إنه حسك[3] الصدور، وحسد مضمر، تبرَّجت عنه أفعالُهم الخرقاء، فلا نامت أعين الجبناء، ولا استقرت في الأجساد أرواح البُلْه، ولا اطمأنَّت في الصدور أفئدةُ اللقطاء.

 

"قوم رَكِبوا الآثام، وظَلَموا الأنام، وانتهكوا المحارم، وغَشَوا الجرائم، وبمكرهم استلذُّوا تسربل الأوزار، وتجلبب الآصار، ومرحوا في أعنَّة المعاصي، وركضوا في ميادين الغي؛ جهلاً باستدراج الله، وأمنًا لمكر الله، فأتاهم بأس الله بَيَاتًا وهم نائمون، فأصبحوا أحاديث، ومزِّقوا كل ممزق، فبعدًا للقوم الظالمين"[4].

 

قال -تعالى-: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 28، 29].

 

والله لو عَرَفوه ما جَحَدوه، إلا إن كان الحقد ملأ قلبهم وعقلهم، وإن من الأدلة الساطعة والحجج النَّيِّرة على تواطؤ القوم بشهادتهم لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - استقرارَ القلوب واطمئنانَها لأمانة محمد -صلى الله عليه وسلم- وصدقه، حتى قبل أن يصطفيَه الله بالنبوة والرسالة، حتى نُقِش في صدر القاصي والداني بالصادق الأمين، فلئن ذُكِر اسم محمد في مجلس، غَدَت النفوس تستدل عليه بالصدق والأمانة، وإن ذكر الصدق والأمانة، قالوا في وقت واحد: ذاكم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

 

وفي ذلك ما سطَّرته الأقلام، وأقرَّته القلوب، ونَطَقت به الألسنة، وشنفت به الآذان، عندما أراد كفار قريش إعادة بناء الكعبة المشرَّفة - زادها الله تشريفًا وتكريمًا - وجاءت مكة بزعمائها وأشرافها، وكُبَرائها وأبطالها؛ لينالوا شرف بناء بيت الله المحرَّم، "واشترطوا لبنائها أن لا يدخل في بنائها إلا طيب، فلا يُدخِلوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مَظْلَمة أحد من الناس، فلما أرادوا وضع الحجر الأسود في مكانه، دبَّ الشقاق بينهم، أيهم ينال شرف وضع الحجر في موضعه، وكاد النزاع يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم، إلا أن أبا أُميَّة بن المغيرة المخزومي عَرَض عليهم أن يحكِّموا فيما شجر بينهم أولَ داخل عليهم من باب المسجد الحرام فارتضوه، وانتظروا مجيء القادم عليهم، حتى تعلَّقت عيونهم بالباب، وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين، رضيناه، هذا محمد"[5].

 

ومما يجلِّي لك إيقانَهم بصدقه، واعترافَهم فيما بينهم بنبوته: ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أن الأخنس بن شَرِيق أتى أبا جهل، فدخل عليه في بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيُك فيما سمعتَ من محمد؟ قال أبو جهل: ماذا سمعتُ؟ تنازعنا نحن وبنو عبدمناف الشرفَ؛ أطعموا فأطعمنا، وحَمَلوا فحملنا، وأعطَوا فأعطينا، حتى إذا تَجاثينا على الرُّكَب، وكنا كفَرَسي رِهَان، قالوا: منَّا نبِيٌّ يأتيه الوحي من السماء! فمتى نُدرِك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه.[6]

 

لا شك أن الحقد والحسد هما أساس كل بلاء وعداوة على أرجاء البسيطة، يذهب الإنسان بنفسه إلى دركات النار، ولا يتبع الوحي المنزل من السماء؛ لأنه ليس فيهم مثل هذا الشرف العظيم، وهل طرد إبليس من السماء إلا لحقده وحسده على آدم - عليه السلام؟[7]

 

وهاكم نبذًا من سمات وخلال نبينا محمد - صلى الله عليه سلم - نطوف في عظيم خصاله، وكريم صفاته، ولسنا بذلك نرفع من قدره في العالمين؛ فقدرُه أعلى وأزكى، والله - تعالى - هو من رفع له ذِكرَه، وأعلى له قدره، وشرح له صدره، ووضع عنه وزره، قال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 1 - 4].

 

فعن الحسن - رحمه الله - قال:﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾؛ إذا ذكرتُ ذكرتَ معي.

 

وقال عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنه-:

يريد الأذان، والإقامة، والتشهد، والخطبة على المنابر، ولو أن عبدًا عبد الله، وصدَّقه في كل شيء، ولم يشهد أن محمدًا رسول الله، لم ينتفع بشيء، وكان كافرًا.

 

وقال قتادة -رحمه الله-:

رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيبٌ، ولا متشهِّد، ولا صاحب صلاة، إلا ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.

 

وقال مجاهد -رحمه الله-:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾؛ يعني: بالتأذين.


وفي ذلك يقول حسَّان بن ثابت -رضي الله عنه-:

ألم تَرَ أن اللهَ أرسلَ عبدَهُ
ببرهانِهِ، واللهُ أعلى وأَمْجدُ
أغرٌّ عليه للنبوةِ خاتَمٌ
منَ اللهِ مشهودٌ يَلُوحُ ويُشهَدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيِّ مع اسمِهِ
إذا قال في الخمسِ المؤذِّنُ: أَشهدُ
وشقَّ لهُ مِنِ اسْمِهِ ليُجلَّهُ
فذُو العرشِ محمودٌ وهذا مُحمدُ[8]

 

وقيل:

رفع الله ذكرَه، بأخْذ ميثاقه على النبيين، وإلزامهم الإيمان به، والإقرار بفضله، وأن يؤمنوا به، وينصروه إن بُعث فيهم، قال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81].

 

وحتى تُدرِك قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ربِّه - تبارك وتعالى - فاعلم أن الله ما أقسم بحياة أحد من البشر إلا بحياة محمد - صلى الله عليه وسلم - قال - سبحانه -: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72].

 

روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: "ما خلق الله وما ذرأ ولا برأ نفسًا أكرم عليه من محمد - صلى الله عليه وسلم - وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره"[9].

 

واللهِ ما خَلَقَ الإلهُ ولا بَرَى
خَلْقًا يُرَى كمحمدٍ بَيْنَ الوَرَى

 

اعترفَ بعظمته القاصي والداني، حتى الذين أنكروا نبوته لم ينكروا عظمتَه.

 

"شب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلؤه الله ويحفظه، ويحوطه من أقذار الجاهلية؛ لِمَا يريد من كرامته ورسالته، حتى بلغ أن كان رجلاً، أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلقًا، وأكرمهم حسبًا، وأحسنهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التى تدنس الرجال، تنزهًا وتكرمًا، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين؛ لِمَا جمع الله فيه من الأمور الصالحة"[10].

 

فلقد كان - صلى الله عليه وسلم - أكمل الناس خلالاً، وأفصحهم مقالاً، بل كان أعدل الناس، وأجود الناس، وأكرم الناس، وأرحم الناس، وأعفَّ الناس، وأصدق الناس، وأخشى الناس لربه، وأوفَى الناس، وأحسن الناس خُلُقًا وخَلْقًا، يجالس الفقراء والضعفاء والمساكين، تأخذه الجاريةُ الصغيرة فينطلق معها لقضاء حاجتها، يزور أصحابه، ويتفقَّد أحوالهم، ويسأل عن غائبهم، ويعود مرضاهم، ويشهد الجنائز، يكون في بيته في مهنة أهله؛ يَخصِف نعله، ويَخِيط ثوبه، ويَحلُب شاته، ويَقُمُّ بيته، ويبدأ مَن لَقِي بالسلام، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، وقد ارتأيت أن أجعلها في حلقات - إن شاء الله - وسميتها بـ "اعرف نبيك"؛ فعونك اللهم.

 

واللهَ أسألُ أن يرزقنا جميعًا رفقة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في جنات ونَهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.



[1] بتصرف من كتاب "الرحيق المختوم - 45"؛ طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر.

[2] جزء من حديث رواه مسلم (2865) من حديث عياض المجاشعي - رضي الله عنه.

[3] الحسك : الحقد والعداوة.

[4] بتصرف من كتاب "جمهرة خطب العرب"؛ (ج3 - ص4)، طبعة مكتبة مصطفى البابي الحلبي بمصر.

[5] بتصرف من كتاب "الرحيق المختوم - 62".

[6] تفسير ابن كثير؛ ( ج3 - ص 252)، طبعة دار طيبة.

[7] طَفِق إبليس اللعين يَقِيس قياسًا فاسدًا؛ ليدلل على إبائه للسجود لآدم - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، وفي قوله: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ﴾ [الإسراء: 62]، وفي قوله: ﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 33].

يقول الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في "أضواء البيان":

"مثل قياس إبليس نفسه على عنصره، الذي هو النار، وقياسه آدم على عنصره، الذي هو الطين، واستنتاجه من ذلك أنه خير من آدم، ولا ينبغي أن يؤمر بالسجود لمن هو خير منه، مع وجود النص الصريح، الذي هو قوله - تعالى -: ﴿ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾ - يسمَّى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:

والخُلْفُ للنَّصِّ أَوِ اجْماعٍ دَعَا
فَسَادَ الاعتبارِ كلُّ مَن وَعَى

فكل مَن ردَّ نصوص الوحي بالأقيسة فسَلَفُه في ذلك إبليس، وقياسُ إبليس هذا - لعنه الله - باطلٌ من ثلاثة أوجه:

الأول: أنه فاسد الاعتبار؛ لمخالفة النص الصريح، كما تقدم قريبًا.

الثاني: أنَّا لا نسلم أن النار خيرٌ من الطين، بل الطين خير من النار؛ لأن طبيعتها الخفة، والطيش، والإفساد، والتفريق، وطبيعته الرزانة، والإصلاح، فتودعه الحبة، فيعطيكها سنبلة، والنواةَ فيعطيكها نخلة.

وإذا أردتَ أن تعرف قدر الطين، فانظر إلى الرياض الناضرة، وما فيها من الثمار اللذيذة، والأزهار الجميلة، والروائح الطيبة؛ تعلم أن الطين خير من النار.

الثالث: أنا لو سلَّمنا تسليمًا جدليًّا أن النار خير من الطين؛ فإنه لا يلزم من ذلك أن إبليس خير من آدم؛ لأن شرف الأصل لا يقتضي شرف الفرع، بل قد يكون الأصل رفيعًا، والفرع وضيعًا، كما قال الشاعر:

إذا افتخرتَ بآباءٍ لهمْ شرفٌ
قُلْنا: صدقتَ، ولكنْ بئس ما وَلَدُوا

وقال الآخر:

وما ينفعُ الأصلُ من هاشمٍ
إذا كانتِ النفسُ مِن بَاهِلَهْ

"أضواء البيان"؛ (ج1-34)، طبعة دار الفكر.

[8] "تفسير البغوي"؛ (ج 8 - 464)، طبعة دار طيبة.

[9] تفسير أحكام القرآن؛ لمحمد بن عبدالله الأندلسي "ابن العربي المالكي"، (3 - 105)، طبعة دار الكتب العلمية.

[10] "السيرة النبوية"؛ لابن هشام (ج1 - ص183)، طبعة مؤسسة علوم القرآن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصارم المسلول على الزنادقة شاتمي الرسول صلى الله عليه وسلم
  • كفر شاتم الله ورسوله ودينه
  • الصارم المسلول على منتقص الرسول
  • إنا كفيناك المستهزئين
  • الاستهانة بالرسول الخدعة الذائبة
  • الصارم المسلول على شاتم الرسول
  • تقديم محبة رسول الله على من عداه
  • التحذير من سب الرسول صلى الله عليه وسلم

مختارات من الشبكة

  • مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ الإسلام ابن تيمية (PDF)(كتاب - موقع الشيخ علي بن محمد العمران)
  • مخطوطة الصارم المسلول على شاتم الرسول(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • بلاد الحرمين الشريفين والموقف الصارم من السحر والسحرة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الصارم البتار على مسجد ضرار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة قطعة من الصارم المنكي في الرد على السبكي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الصارم الحديد (الجزء الثاني)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الصارم المنكي في الرد على السبكي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الصارم القرضاب في نحر من سب أكارم الأصحاب (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الصارم القرضاب في نحر من سب أكارم الأصحاب (نسخة أخرى)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الصارم القرضاب في نحر من سب أكارم الأصحاب(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
3- أعلى الله من قدرك
حسام مرجان - الكويت 13-03-2016 03:31 PM

أعلى الله من قدرك أخي كرم ونفع بك الإسلام وبارك فيك وجعلك على الحق دائما

2- حفظ الله فؤادك
كرم جمعة عبد العزيز - مصر 27-09-2012 12:10 AM

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
جزانا و إياكم , وطابت أوقاتكم بما يحبه الله و يرضاه.

1- الصارم المسلول على شاتم الرسول
KHURSHID AHMAD - PAKISTAN 26-09-2012 03:49 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استفدنا من مقالكم جزاكم الله خيرا

خورشيد أحمد

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب