• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / مدارسة القرآن في رحاب رمضان
علامة باركود

رمضان ومناهج القرآن

الشيخ محمد سمير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/9/2008 ميلادي - 6/9/1429 هجري

الزيارات: 12040

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
أنزل الله القرآن الكريم تبيانًا لكل شيء وهدى وبشرى للمسلمين، وقد يسره سبحانه للذكر وأوضحه للفهم، وضمن له البقاء والحفظ؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[1].

وقد جعله الله نورا للإنسانية ونظامًا للبشرية ينتظم شئون الحياة العاجلة، ويَعُدّ المؤمنين لحياة الخلود في الآخرة، فمن تمسك به رشَد، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، ومن اعتصم بحبله المتين أنقذ من عار الشك والضلالة والشرك والجهالة إلى شرف الإيمان ونور الهدى واليقين.

وذلك لما اشتمل عليه من مصالح للناس في معاشهم ومعادهم وشئونهم الخاصة منها والعامة وما انتظمه من أحوال الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، ولا شك في أن له الأياديَ البيضاء على الدنيا؛ إذ تدين له بالفضل عليها في تثبيت دعائم الإيمان، وتقوية عرى الإسلام، وإيضاح شرائعه في العبادات وأحكام المعاملات ومبادئ الأخلاق، وتزويدها بالدروس والعبر من الماضي، وتبصيرها بالحاضر والمستقبل، ولا عجب؛ فقد أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض، وسيبقى على مر الزمان معجزةً تتحدى الفصحاء والبلغاء والعلماء والخبراء وواضعي الدساتير والقوانين أن يأتوا بمثله، ولكنهم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.

فقد رسم هذا المنهجَ الجامع لكل مطالب الحياة بطريقة خاصة وأسلوب فذ ونظام فريد لا يقدر عليه إلا اللهُ العليم الحكيم سبحانه.

فأما منهجُه في العقائد فقائم على أساس من الإيمان بالله وحده لا شريك له ببراهين لا تقوم على التلقين والتقليد، وإنما تقوم على التأمل والنظر في ملكوت السموات والأرض، وما خلق الله من شيء، وما سطره في كتاب الكون المفتوح؛ من آيات إعجاز، وبدائع صنع متى تأملها العاقل وأمعن النظر فيها هدته إلى خالقه ودلته على أن لهذا الكون مبدعًا وإلهًا مدبرًا عالمًا بشئونه وحكيمًا في صنعه؛ إذ خلق كل شيء فقدره تقديرًا.

والإيمان الذي يقوم على هذا الأساس الصالح من الفكر والنظر ودوام التأمل واستنباط الدلائل واستخلاص النتائج هو الإيمان الصحيح المثمر، واليقين الصادق الذي لا تنفصم عراه أبدًا والذي تطمئن به القلوب، وتنشرح له الصدورُ، وينير الطريق بين يدي السالك، وهو الإيمان الصلب الذي يقف صاحبُه على أرض ثابتة وقمة شامخة لا تصل إليها أيدي العابثين، ولا تنال منها معاولُ الهدم، ولا تعصف بها ريحُ الفتن، ولا يؤثر فيها إغراءٌ أو تهديد أو وعد أو وعيد، وما ذلك إلا لأن شجرة الإيمان الباسقة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

ومن أمثلة ثبات المؤمنين أمام الطغيان موقفُ السحرة من فرعون بعد أن وصلت أشعةُ الإيمان إلى نفوسهم، وأعلنوا عن إيمانهم، وقال لهم عدو الله: {فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}[2] الآية. وموقف المؤمنين أصحاب الأخدود، ومواقف مستضعفي المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام عنت المشركين والمتجبرين، إذ تحطمت كل محاولة على صخرة الإيمان ورد كل سهم إلى صدور المعتدين.

وأما منهجه في الإسلام فترجمة صادقة وصورة رائعة لما انطوت عليه النفسُ من عقائد تتصل بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره، تجمعها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ويكون من ثمارها إقامُ الصلاة طاعة وخشوعًا وخضوعًا لعظمة الله، وإيتاءُ الزكاة شكرًا لله، والصيامُ والحجُّ تقربًا لله ورياضة للنفس وطهارة للقلب، واتباع تعاليم الإسلام جميعًا، ولا يسمح هذا المجال الضيق بتبيان ما يتصل بكل ركن منها فنكتفي بالإشارة عن العبارة.

وأما منهجه في الأخلاق فقائم على أفضل الأسس وأسمى المبادئ التي تحيط بأمهات الفضائل والتي يقوم عليها أمرُ الفرد والمجتمع.

فقرر مبدأ الإخاء الإنساني الذي يجعل من الأجناس البشرية أسرةً واحدة؛ فكلهم لآدمَ وآدمُ خلق من تراب، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيضَ على أسود إلا بالتقوى، فأذاب بذلك فوارقَ الدم واللون؛ ولم يقبل أن تكون أصلاً صالحًا للتفاضل، وإنما التفاضل بالتقوى وما يقدمه كلُّ إنسان في سبيل الله، وعلى هذا يصبح الناس سواسية كأسنان المشط، وهم أمام الله سواء في التكليف والجزاء. وهم كذلك متساوون في الحقوق والواجبات؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[3].

وكما قرر مبدأ الإخاء والمساواة قرر الحرية وأكدها لكل إنسان هبة من السماء إلى الأرض ونعمة من الله على عباده؛ تكريمًا للإنسانية، واحترامًا لسلطان العقل، وتمكينًا لرسالته في هذه الحياة. فلم يجبره على الإيمان، ولم يكرهه على اتباع دين بعينه، وإنما أوضح له مناهج الإيمان ومعالم الحق والهدى، وأمره أن يتبصر ويتدبر، وأن يبحث عن الحق، ومتى وصل إليه تمسك به، وهذا إنصاف وإعذار؛ قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ}[4]، وقال: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}[5] وقال: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ...}[6].

وبهذا يمضي الإنسان آمنًا مطمئنًا يؤدي رسالته بالقدر الميسر له لا يقف في طريقه شيء، ولا يصادر حريته أحد، ما دام حرا لا سلطان لأحد بعد الله عليه، فلن تستطيع قوة أن تتحكم في وجدانه أو شعوره.

وهي ليست معنى مرادفًا للفوضى والانطلاق بغير حدود ولا قيود ولا ضوابط، وإنما أساسها الحق والعدل، واحترام حقوق الآخرين، فليس لإنسان حق في أن يتجاوز حده أو أن يطغى على غيره، فيعيش الناس في سلام وأمن تحكمهم شريعةُ العدل، وتزن أمورَهم موازينُ الحق، لا يعدو قوي على ضعيف، ولا يستبد حاكم بمحكوم، ولا يتحكم غني في فقير، ولا تستعبد أمة أمة، وإنما يتعاملون بالحق، ويتواصون بالمرحمة، فينشر العدل جناحه على الإنسانية جميعها، ويزيل مظالمها، ويذهب آلامها، فيرفرف عليها علم السلام والمحبة؛ قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[7]، وقال: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[8].

ولا تستطيع أمة أن تستوعب هذا المنهج الضخم وأن تصون مبادئه السامية إلا إذا رُبي أفرادُها على الإيمان بالله الذي رسم هذا المنهج، وتعظيم شعائره واحترام تعاليمه ومراقبته والإخلاص له سبحانه. وإلا إذا عرفوا أنهم مسئولون أمام الله عنه، وأنه يجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.

وقد وضع الإسلامُ للفرد منهاجَ السلوك، وألزمه السير على هديه كي يستقيم أمرُه وينجح سعيُه، وعَدَّ الصدقَ والأمانة والوفاء بالعهد والوعد والمحبة والرحمة والبر والصلة أمهاتِ الفضائل، وركائزَ الأخلاق؛ فلا قيام لها إلا بها فهي عنوانٌ على طهارة القلب ونقاء الضمير وصفاء الإيمان؛ كما قدم بين يدي ذلك التطهرَ من الرذائل والتخلصَ من النقائص ليكون أساسًا صالحًا للتحلي بالفضائل والتجمل بالمكارم، فلا بد لمن أراد نيلَ فضيلة أن يتخلى أولًا عما يقابلها من رذيلة.

وبهذا يتكون المجتمع من عناصرَ صالحةٍ؛ لا تكذب، ولا تخون، ولا تغش، ولا تخدع، ولا تظهر بفحش أو عيب، ولا تحقد، ولا تحسد، ولا تسيء، ولا تظلم.

ومِلاكُ ذلك كله التحلي بالحياء والصبر والعفة والقناعة والرضا وكظم الغيظ والعفو عن المسيء وسلامة الصدر وحفظ الجوارح؛ وبهذا تقوم الأمةُ الإسلامية متماسكة الأجزاء سليمة البنيان يسودُها الأمنُ ويعمها الرخاء.

وعونًا للمؤمن على تطبيق هذا المنهج شرع الله للناس عباداتٍ بدنيةً كالصلاة والصوم، وأخرى مالية كالزكاة وأبواب البر والصلة وأنواع الكفارات والجزاءات والديات، وأخرى مالية بدنية كالحج والجهاد في سبيل الله، وكلها ذات أهداف سامية؛ ففيها تثبيت للعقائد، وتأكيد للحقوق، وتنمية للفضائل وحماية من الرذائل. وتجربة عملية للمنهج السابق، وإطار عام يجمع شمل الأمة وينتظم شئونها الخاصة والعامة. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام جنة، والزكاة طهرة للمال، ووقاية للنفس من الشح والحرص، وتأكيد للإخاء الإنساني والتكافل الاجتماعي، وفي الحج تجرد من زخرف الحياة وشوائب المادة في صورة تجرد من المخيط والمحيط، وخلع لربقة الدنيا، وتحرير لإرادة الإنسان من الهوى، لتدخل في مراد الله وتسارع في محبة الله ورضاه.

كما رسم لنا نظام المعاملات المالية والمبادلات التِجارية، وبيَّن طرقَ الكسب المشروع من غيره؛ فأمر بالسعي والضرب في الأرض ابتغاءَ فضل الله ورزقه؛ قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ}[9]، وقال: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ}[10]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً}[11]، وقال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[12].

وبهذا خلص الله المسلمين من جرائم الربا والرشا والسحت وأكل مال اليتيم وتبديد الأمانات وتطفيف الكيل والميزان وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها وغيرها، وألزمنا أن نأخذ المال من حله وألا نضعه إلا في حقه.

وأمر بالاقتصاد في النفقة والتوسط في المعيشة بين الإسراف والتقتير؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[13].

وأمرنا بالحفاظ على المال من الضياع مبينًا أنه عصب الحياة وشِريان النمو؛ قال تعالى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[14]، واليد العليا خير من اليد السفلى.

وبهذه الضوابط صان المجتمع من عبث العابثين وفساد المفسدين وخيانة الخائنين وتسلطِ رأس المال بالاحتكارات والمضاربات والمراهنات والمقامرات التي يمتص بها الغني دم الفقير ويعدو القوي على الضعيف، إلى جانب ما سبقت الإشارة إليه من حقوق رتبها للفقراء وأرباب الحاجات في أموال الأغنياء.

ولقد طوفتُ بك أيها القارئ الكريم في رياض القرآن الكريم، وجمعتُ لك نبذة لطيفة من وروده ورياحينه، والتقطت لك من مائدته المطهرة طائفة تذوقت حلاوتها وأدركت قيمتها وعرفت أنه لا غنى لك ولا للبشرية عنها، فهي غذاء الأرواح وشفاء الأسقام ونفحة رب الأنام سبحانه، وما عليك إلا أن تُقبل عليها فهي فرصة العمر، وهي بعرضها الرائع في كتاب الله وأسلوبها الرصين تأخذ بمجامع القلوب وتبهر العقول فتقف إلى جانبها خاشعة متدبرة، وتلهج الألسن بالاعتراف بجلال نظمها وجمال لفظها وسلاسة عبارتها ويسر فهمها مع بقائها على مر العصور وكر الدهور وأنها آية الآيات ومعجزة المعجزات.

فلنستمسك بحبله المتين، فهو الأمان لمن تعلق به، والنور الساطع في دياجير الظلام، والفيصل فيما التبس علينا من أمر، ولنول وجوهنا إلى قبلته، ولنتحصن بقلعته الحصينة، ولنجعل من يوم نزوله أول ما نزل يومَ عيد لنا ونقطة انطلاق لقوى الخير والإصلاح، وحدًا فاصلاً بين عهد الجاهلية والظلام وعهد النور والإسلام. نمضي بغير تعثر لتحقق أمجاد الإسلام وعزة الإيمان.

قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[15]، وقال: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى}[16]، أي لكان هذا القرآن.

وقد سجل الله ذكرى نزوله وجعل من هذه الذكرى شهر عبادة ووقت رياضة روحية تهدي النفوس وتصلح الأوضاع؛ قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[17]، وجعل ليلة نزوله ليلة قدر وشرف وسلام وأمن؛ قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ....}[18]، وكرم صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشـاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[19]، كما فرض الله على المسلمين صيام شهر رمضان وجعله إعدادًا للنفوس وصقلا للعقول وصفاء للأرواح، وبذلك تشرق شمس الإسلام على عقول المؤمنين، وتنفذ أشعة القرآن إلى قلوبهم، ويتيسر لهم فهمُه وتعرفُ أحكامه وأسراره وعِبَره؛ قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[20].

أما الذين ران الكفر على قلوبهم، وطمس النفاق فطرهم، وغلب عليهم الهوى، وحقت عليهم الضلالة، فلا ينفعهم نصحُ ناصح؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[21]، ولا يمكن أن ينفذ نور القرآن إلى قلب من هذا وصفه؛ لأن قلوبهم كأجادب الأرض؛ لا تمسك ماء، ولا تنبت عشبًا، فكان لزامًا على من أراد أن ينتفع بالقرآن الكريم أن يفتح مغاليق قلبه ليصل نورُه إليه، وأن ينزع عن نفسه لباسَ الشك والشرك، وأن يخلع ربقة التقليد الأعمى لما كان عليه الآباءُ والأجداد، وأن يحرر عقله من هذه التبعية الممقوتة، ويرد إليه اعتباره، وأن يتطهر من رجس المعاصي وقبيح الذنوب؛ فإنه لا يمسه إلا المطهرون... والعلم نور ونور الله لا يهدي لعاصٍ... وعلى هذا الأساس وجدت المناسبة بين القرآن الكريم وبين رمضان في القرآن والسنة، وذلك لما بينهما من شبه؛ فالقرآن يصقل العقول بتعاليمه، ويهدي النفوس بإرشاده، ويصحح الأوضاع والمفاهيم، ويقوم المعوج، ويصلح الفاسد، وينظم شئون الحياة كلها... ورمضان جم المنافع، غزير الخيرات، طيب الآثار، عظيم البركات.

ومنافع الصوم ليست مقصورة على جانب دون آخر من جوانب الإصلاح، ولكنها تشملها جميعًا، ولا يكاد يوجد هدف من أهداف القرآن الكريم إلا وله صلة وثيقة بصيام رمضان وارتباط به.

فصلة القلوب بعلام الغيوب سبحانه القائمة على الإخلاص والإجلال كما تستفاد من تدبر آيات القرآن، تستفاد من صيام رمضان إيمانًا واحتسبًا؛ فلقد نسب الله عز وجل جميع أعمال العبد إليه إلا الصوم فأضافه إلى نفسه تكريمًا للصائمين؛ فقد جاء في الحديث: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم قال الله تعالى: فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" [22]، وذلك أن جميع الأعمال للنفس منها حظ إلا الصوم فقد تجرد من الحظوظ العاجلة وخلص لله الواحد المعبود، والأمر كذلك فلا يدخل الحضرة الإلهية ولا يذوق طعم الوصل إلا من صان نفسه وصام دهره عن التعلق بالأغيار وأقبل على الله الواحد القهار.

والعبادة التي بينا أنها الهدف الثاني من أهداف الإصلاح لا تكون مقبولة ومثمرة إلا إذا أديت لله خالصة وكانت النفوس فيها خاشعة وطهرت القلوب وزجرت عن الفحشاء والمنكر، وكذلك الصوم لا يعتد به حتى يبرأ صاحبه من الزور والفحش، وفي الحديث "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" [23].

ومن أغراض القرآن الكريم الحفاظ على الأجسام والعقول من الأضرار المتلفة؛ كما قال تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[24]، وقال: {وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ}[25]، ومن الحكم: صوموا تصحوا.. فالصوم بهذا سلامة للأبدان من الأدواء، وللعقول كذلك؛ فالعقل السليم في الجسم السليم، والبطنة تذهب بالفطنة.

وكما نهى الله عن اتباع خطوات الشيطان وأمر بعداوته فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}[26]، يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع[27].

وكما مدح الله من زكى نفسه ونهاها عن الهوى وذم النفس الأمارة بالسوء، نجد في الصوم تزكية للنفس وإلجامًا لها بلجام التقوى ونهيًا لها عن الهوى وانتصارًا عليها.

وكما صان الله بتعاليمه الجوارح من الفحش وقبيح الفعال سلم الصائم منها بصومه، وفي الحديث "الصيام جنة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب؛ فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم"[28]. وكما أصلح القرآن الروابط بين الفقراء والأغنياء بتعاليمه أصلح الصوم بين الناس، ففيه عون للفقير على العفة والصبر، وعون للغني على الشكر والإحساس بحاجة الفقراء ومد يد العون إليهم. إلى آخر ما بين رمضان والقرآن من صلات، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: يا رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان"[29].

وأخيرًا أرجو الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لأن نتدبر آيات الله ونستجيب لما تدعونا إليه من فضائل وننتهي عما تنهانا عنه من رذائل، وأن تحدث في نفوسنا ثورة على ما بنا من تخلف عن ركب القرآن، فقد تورطنا في انحرافات من عمل الشيطان وخصال الكفر والنفاق تعقبها توبة وإقلاع واستقامة على الصراط المستقيم وندم وتحسر على ما فرطنا في جنب الله.

وأن نصوم صومًا حقيقيًا ننزه أنفسنا فيه عن الفحش والزور والبهتان والفساد والإفساد، فيظهر بلدنا الإسلامي في شهر الصيام بمظهر البلد المؤمن فعلاً، الصائم حقًا، مظهر الطهر والوقار بالليل والنهار، وأن تجعل منه بداية طيبة نرتفع فيها إلى مستوى المعركة ومتطلباتها من الرجولة والشهامة والغيرة والنخوة وحياة الجهاد والجندية بدلا من الخنوثة والميوعة والانحلال التي طغت على أخلاقنا وأساءت سمعتنا وجعلتنا لا نثبت في معركة ولا نقوى على جهاد، ونحن في أمس الحاجة إلى صبر ومصابرة ومثابرة على الفداء والتضحية، فنرجو الله ولا نيأس من روح الله.

ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

[1] آية 9 سورة الحجر.
[2] آية، 71، 72 سورة طه.
[3] أية 13 سورة الحجرات.
[4] آية 104 سورة الأنعام.
[5] آية 19 سورة المزمل، آية 29 سورة الإنسان.
[6] آية 256  سورة البقرة .
[7] من آية 8  سورة المائدة .
[8] من آية 58  سورة النساء .
[9] بعض آية 15  سورة الملك .
[10] بعض آية 20  سورة المزمل .
[11] بعض آية 130  سورة آل عمران .
[12] آية 180  سورة البقرة .
[13] آية 67  سورة الفرقان .
[14] بعض آية  سورة النساء .
[15] آية 43، 44  سورة الزخرف .
[16] بعض آية 31  سورة الرعد .
[17] بعض آية 185  سورة البقرة .
[18] آية 1  سورة القدر .
[19] آية 52  سورة الشورى .
[20] آية 15، 16  سورة المائدة .
[21] آية 6، 7  سورة البقرة .
[22] منفق عليه من حديث أبي هريرة.
[23] البخاري وغيره.
[24] آية 195 البقرة.
[25] آية 3 الأعراف.
[26] آية 21 النور.
[27] الحديث متفق عليه من صفية.
[28] متفق عليه من حديث أبي هريرة.
[29] أخرجه أحمد والطبراني.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ماذا تعلمنا من رمضان؟ (1)
  • عرضُ القرآن في ليالي رمضان
  • فضل قراءة القرآن في شهر رمضان
  • شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
  • شهر ربيع القلوب
  • رمضان هو شهر القرآن والإطعام
  • تنافس السلف بالقرآن في رمضان (خطبة)
  • شهر القرآن (خطبة)
  • رمضان وترابط المسلمين

مختارات من الشبكة

  • علمني رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • "رمضان ليس من أجل رمضان، رمضان من أجل بقية السنة"(مقالة - ملفات خاصة)
  • أولويات التربية "عقيدة التوحيد"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • سيد المناهج (المنهج الوصفي)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ما هو منهج الفصحى؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مدلول المنهج والتواصل والحوار اللغوي والاصطلاحي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا إله إلا الله: منهج حياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مؤتمر تدبر القرآن الكريم: أعلام ومناهج (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حال السلف في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المنهج التاريخي عند المؤرخين العراقيين في القرن الثالث الهجري: المنهج الحولي والموضوعي نموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب