• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / الكوارث والزلازل والسيول
علامة باركود

خطبة: إغاثة المنكوبين من أخلاق المؤمنين

خطبة: إغاثة المنكوبين من أخلاق المؤمنين
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/10/2023 ميلادي - 25/3/1445 هجري

الزيارات: 21016

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة إغاثة المنكوبين من أخلاق المؤمنين

 

الخطبة الأولى

أما بعد:

فإن من سُنَنِ الله تعالى في الخَلْقِ أنه كما ابتلاهم بالموت والحياة، ابتلاهم بالخير والشر، باليُسْرِ والعُسْرِ، بالرخاء والشدة؛ فيقول الحق جل شأنه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، وقال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35]، وإن من سُنَنِهِ سبحانه وتعالى عدم دوام الحال، فيتقلب الإنسان بين السرور والحزن، وبين الفقر والغِنى، وبين الأمن والخوف، وبين النصر والهزيمة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140].

 

ولما كان هذا شأن الحياة الدنيا، وشأن الإنسان فيها، فإن الذي يتوجَّب عليه هو التراحم والتعاطف والتوادُّ مع أخيه الإنسان، والشعور بشعور أخيه الإنسان، فينأى بنفسه عن ظلم أخيه الإنسان وغَمْطِهِ حقَّه، ويتذكر أنه وإن اختلف مع غيره في لون أو عرق، أو لسان أو فكر، أو معتقد، يتذكر أنه يتفق معه في الإنسانية، ويشترك معه في أصل الخِلْقَةِ؛ يقول النبي الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء؛ مؤمن تقي، أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعُنَّ رجال فخرَهم بأقوام، إنما هم فحمٌ من فحم جهنم، أو ليكونَنَّ أهون على الله عز وجل من الجِعْلَان التي تَدْفَعُ بأنفها النَّتَنَ)).

 

إخوة الإيمان: إغاثة الملهوف هي عملية توفير المساعدة الإنسانية والإغاثية للمتضررين من الكوارث الطبيعية، أو النزاعات المسلحة.

للعمل الخيري الإسلامي
أنوارٌ شعَّت بظلامِ
بالحسن أضاءت وانتشرت
بالعونِ لكل الأيتام
ولكل فقير في عوز
يتمنى جودًا لكِرام
وكذلك لأسير عانى
بالأَسْرِ دَياجي الإعتامِ
ولكل مريض في سقم
تغزوه جيوش الآلامِ
ولأهل الحاجات جميعًا
بمسيرة ركب الأيامِ
فالعمل الخيري يتخطى
بالبرِّ حدود الأنامِ
يمنحهم منحًا تتجلى
بمعونة أهلِ الإسلامِ
فالله تعالى يأمرنا
بالخير الإسلامي العامِ
وبوصل للناس جميعًا
وخصوصًا صلة الأرحامِ
ما أبهى أن تنفق مالًا
بالعمل الخيري لعوامِ
ينتظروا النفقات تباعًا
لحصول عطاء الإكرامِ
فاتخذوا الإنفاق سبيلًا
لبلوغ رضاء العلَّامِ

 

وذكر الله أن إطعام أحوج الناس من صفات الأبرار من عباد الله؛ فقال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9].

 

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [الإنسان: 8]؛ أي: وهم في حال يحبون فيها المال والطعام، لكنهم قدَّموا محبة الله على محبة نفوسهم، ويتحرَّون في إطعامهم أولَى الناس وأحوجهم؛ ﴿ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8].

 

ويقصِدون بإنفاقهم وإطعامهم وجهَ الله تعالى؛ ويقولون بلسان الحال: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9]؛ أي: لا جزاءً ماليًّا، ولا ثناءً قوليًّا.

 

هناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي حضَّت على فعل الخير، ودعت إليه؛ فمنها:

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كُربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعْسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة))[1].

 

عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتواصلهم مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى))[2].

 

ما رواه البخاري عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده، فينفع نفسه، ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد، قال: يعين ذا الحاجة الملهوف[3]، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف وليُمْسك عن الشر؛ فإنها له صدقة))[4].

 

وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إغاثة الملهوف حقًّا واجبًا على من يعرف حاله أو يراه، وليس على الحاكم فقط؛ فها هو ذا صلى الله عليه وسلم يرشد أصحابه ويوجِّههم إلى إعطاء الطريق حقَّه، ويذكر منها: إغاثة الملهوف؛ فعن البراء قال: ((مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم جلوس في الطريق قال: إن كنتم لا بد فاعلين، فاهدوا السبيل، ورُدُّوا السلام، وأغيثوا المظلوم))[5]، وعند ابن حبان: ((وأغيثوا الملهوف))[6].

 

النبي صلى الله عليه وسلم وإغاثة المحتاجين:

والقدوة الأولى في ميدان المروءة، وصنائع المعروف، وإغاثة الملهوف - هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، شهِدت بذلك أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها بعد أن أخبرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بما حدث له في الغار وقال لها: ((لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا، والله إنك لتَصِل الرحم، وتحمِل الكَلَّ، وتَكسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق))؛ [البخاري][7].

 

عن أنس قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزِع أهل المدينة ليلةً، فخرجنا قِبَل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فرس لأبي طلحة عَرِيٍ، وفي عنقه السيف، وقد استبرأ الخبر، وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا، ثم قال: وجدناه بحرًا، أو: إنه لَبَحْرٌ))[8].

 

وهكذا نرى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يتأخر عن نجدة الناس في وقت الفزع والخوف، بل كان أسرعهم على فرس عري إلى موقع الحدث، وعاد ليؤمِّنهم من فزعهم وخوفهم، وكذلك كان على الدوام؛ أقرب الناس إلى مظنَّات الأخطار؛ ليحميَهم ويسُدَّ عنهم الثغرات؛ قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه: "كنا إذا حَمِيَ البأس، ولقِيَ القومُ القومَ، اتَّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدو منه))[9].

 

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لإغاثة الملهوف:

عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: ((كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه قوم عُراة مجتابي النِّمار - أو العَباء - متقلدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَرَ، بل كلهم من مضر، فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لِما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذن وأقام، ثم صلى، ثم خطب فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1]، إلى آخر الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والآية الأخرى التي في آخر الحشر: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّقَ رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشقِّ تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجِز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كَومَين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنه مُذْهَبَة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وِزْرُها ووزرُ من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))[10]؛ [رواه مسلم].

 

عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإغاثة المنكوبين:

إخوة الإسلام: إن من أشهر الكوارث والأزمات التي مرَّت بالأمة الإسلامية مجاعة عام الرمادة؛ حيث أجدبت الأرض، ولم تمطر السماء، وعمَّ الغلاء، وازداد البلاء، وأخذ الناس يتوافدون على المدينة، وهنا قام عمر رضي الله عنه بإدارة تلك الأزمة والعمل على إغاثة هؤلاء، وأخذ خطوات؛ من أهمها:

 

طلب المساعدة والنجدة من أهل الأمصار:

عباد الله: ومن الوسائل التي استخدمها عمر رضي الله عنه في مواجهة المجاعة، أنه أرسل إلى الولاة والأمراء يطلب منه المساعدة، والإسراع في إرسال المساعدات؛ ذكر الطبري رحمه الله: "أن أول من قدم إليه هو أبو عبيدة بن الجراح، في أربعة آلاف راحلة، فولَّاه عمر في قسمتها حول أطراف المدينة، فلما أكمل توزيع المواد رجع إليه، ثم أمر له فيها بأربعة آلاف درهم، فقال: لا حاجة لي فيها يا أمير المؤمنين، إنما أردت الله وما قبله، فلا تدخل عليَّ الدنيا، فقال: خذها فلا بأس في ذلك إذا لم تطلبه، فأبى، فقال: خذها فإني قد وُلِّيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا، فقال لي مثل ما قلت لك، فقلت له كما قلت لي فأعطاني، فقبِل أبو عبيدة وانصرف مع عُمَّاله، فتتابع الناس واستغنى أهل الحجاز"[11].

 

وكان والي بلاد الشام معاوية بن أبي سفيان قد بعث الطعام من ولايته، فبعث الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من يتلقَّاه بأفواه الشام، يصنع كالذي يصنع عمر، وكانوا يُطعِمون الناس الدقيقَ، وينحرون لهم الجُزُرَ، ويكسونهم العباءة[12].

 

وبعث والي العراق سعد بن أبي وقاص بمثل ذلك، فأرسل إليه من لقيه بأفواه العراق، فجعلوا ينحرون الجزر، ويكسونهم العباءة، حتى رُفع ذلك القحط عن المسلمين[13].

 

وكتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص والي مصر عام الرمادة: "بسم الله الرحمن الرحيم: سلام عليك؛ أما بعد: أفتراني هالكًا ومَن قِبلي، وتعيش أنت ومن قِبلك؟ فيا غوثاه ثلاثًا، قال: فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم: لعبدالله أمير المؤمنين، من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمَد الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد: أتاك الغوث، فالريث، الريث، لأبعثن إليك بحمل ألف بعير قافلة، أولها عندك وآخرها عندي"[14].

 

مع أني أرجو أن أجد سبيلًا أن أحمل في البحر، فبعث عمرو بن العاص على البر ألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر عشرين سفينة تحمل الدقيق والزيت، وأرسل مع المواد بخمسة آلاف كساء[15].

 

وجعل عمر رضي الله عنه يرسل إلى الناس مؤونة شهرًا بشهر، مما يصله من الأمصار من الطعام والكساء، واستمرت القدور العمرية الضخمة، يقوم عليها عُمَّال مهرة يطبخون من بعد صلاة الفجر، ثم يوزعون الطعام على الناس[16].

 

توزيع المساعدات الاقتصادية على الأعراب:

إخوة الإسلام: لما حدثت المجاعة توافد الأعراب من كل مكان على المدينة يسألونه الغذاء، وهنا أمر عمر رضي الله عنه رجالًا يقومون بمصالحهم، فكان يقول لهؤلاء الرجال: أحصُوا من تعشى عندنا، فأحصوهم من القابلة، فوجدوهم سبعة آلاف رجل، ثم أحصوا الرجال والمرضى والنساء والعيالات، فكانوا أربعين ألفًا، ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفًا، فما برحوا المدينة حتى أرسل الله المطر[17].

 

وشاركه في هذه الأعمال من الصحابة رضي الله عنه المسور بن محزمة، عبدالرحمن بن عبدالقارئ، وعبدالله بن عتبة بن مسعود، في حين ساعده غيرهم في توزيع المواد الغذائية على الناس، وكان هؤلاء الصحابة أمراء على نواحي المدينة، يتفقدون أحوال الناس الذين اجتمعوا حولها هربًا من المجاعة، وطلبًا للرزق، ويشرفون أيضًا على تقديم الطعام والإدام، فإذا أمسَوا التقَوا بعمر عارضين عليه ما واجههم من مشكلات، آخذين بمشورته وتوجيهه في حلها[18].

 

قال الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه: "يرحم الله ابن حنتمة؛ لقد رأيته عام الرمادة وإنه يحمل على ظهره جرتين وعكة زيت في يده، وإنه ليتعقب هو ومولاه أسلم، فلما رآني، قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريبًا، قال: فأخذت أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى منطقة، فإذا صِرْمٌ[19] فيها نحو عشرين بيتًا من بني محارب، فقال لهم عمر: ما أقدمكم؟ قالوا: الجَهد، فأخرجوا لنا جلدًا من جلود الأغنام الميتة، وكان مشويًّا ويأكلونه، ومعه رمة عظام مسحوقة، وكانوا يأكلونها، فرأيت عمر رضي الله عنه طرح رداءه ثم اتَّزر، فما زال يطبخ لهم حتى شبِعوا، ثم أرسل إلى المدينة فجاء بأبْعُرة - يعني عددًا من الأبل - فحملهم عليها، حتى أنزلهم منطقة الجبَّانة"[20]، ثم كساهم بالملابس الموجودة في بيت مال المسلمين، حتى رفع الله عنهم الأزمة الاقتصادية[21].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

الواجب علينا تجاه المنكوبين:

إخوة الإيمان: إن الواجب علينا وعلى كل مسلم عندما يرى إخوانه في أي بلد أو قُطر، قد أصابتهم الزلازل والأعاصير، ودمَّرت البنية التحتية لديهم - أن يبذل قُصارى جهده في مد يد العون إليهم؛ ومن ذلك:

أولًا: أن نستشعر آلامهم ونتألم بألمهم: عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتواصلهم مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى))[22].

 

وعن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر رضي الله عنه حرم على نفسه اللحم عام الرمادة، حتى يأكله الناس؛ [تاريخ المدينة، لابن شبة]؛ وما ذلك إلا ليشاركهم محنتهم وآلامهم.

 

أما الواجب الثاني: أن نمد يد العون، وأن نواسيهم بالقليل وبالكثير؛ عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشُدُّ بعضه بعضًا، وشبَّك بين أصابعه))؛ [متفق عليه][23]، فنُعينهم بأموالنا وبأيدينا، وبكل ما نقدر عليه ولو كان قليلًا، ولقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتواسَون ويتكافلون عند الشدائد؛ فقال عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوِيَّة، فهم مني، وأنا منهم))؛ [متفق عليه][24].

 

الواجب الثالث نحو المنكوبين: الدعاء بظهر الغيب لهم: اعلموا أن هذه المواساة بالقلب والقول والعمل من أوجب حقوق الأخوة الإسلامية، ومن معاني الموالاة الإيمانية؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55]، داعين الله تعالى أن يفرج كرب المكروبين، وأن يرحم موتى المسلمين، وأن يكتبهم في الشهداء في عليين، وأن يخلفهم في عقبهم في الغابرين.

 

الدعاء...



[1] صحيح مسلم، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، حديث رقم (2699) ج4، ص2074.

[2] صحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، حديث رقم (2586) ج4، ص1999.

[3] الملهوف: المكروب والمُضْطَرُّ، المستغيث المُتَحَسِّر، الزبيدي، تاج العروس ج24، ص381.

[4] صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، حديث رقم (1445) ج2، ص143.

[5] رواه أحمد (18507)، والدارمي (2655)، وأبو يعلى في مسنده (1717)، وابن أبي شيبة في مصنَّفه (26549)، والبيهقي في شعب الإيمان (7622)، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير أنه منقطع، وقال حسين سليم أسد: الحديث صحيح، وقال الألباني: صحيح؛ [انظر صحيح الجامع (1407)].

[6] ابن حبان (597)، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.

[7] أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، حديث رقم (4)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان حديث رقم (160).

[8] أخرجه البخاري في: 56، كتاب الجهاد: 82.

[9] المستدرك على الصحيحين: ج2/ص155 ح2633

[10] مسلم: (2/ 704 - 705) (12) كتاب الزكاة (20)، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة - رقم (69).

[11] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4، ص100.

[12] ابن سعد، الطبقات، ج3، ص289-290.

[13] المصدر نفسه، ج3، ص290.

[14] ابن سعد، الطبقات، ج3، ص289-290.

[15]الصلابي، سيرة عمر بن الخطاب، ص213.

[16]-المصدر نفسه، ص214.

[17] ابن سعد، الطبقات، ج3، ص295.

[18] ابن سعد، الطبقات، ج3، ص294.

[19] صِرْم: تعني دخيل، الأزهري، تهذيب اللغة، ج12، ص184.

[20] الجَبَّانة: الصحراء، وكانت تسمى جبانة كندة؛ [انظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج2، ص99].

[21] ابن سعد، الطبقات الكبير، ج3، ص292، وانظر، الصلابي، سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ص212.

[22]صحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، حديث رقم (2586) ج4، ص1999.

[23] البخاري (2446)، ومسلم (2585/ 65).

[24] أخرجه البخاري 3/181 (2486)، ومسلم فضائل الصحابة 167 (2500).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من قصص السابقين (الوقوف مع حاجات المنكوبين)
  • خطبة: إغاثة المنكوبين

مختارات من الشبكة

  • الموقف في الفتن وإغاثة السودان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسجد التوحيد قبلة لإغاثة منكوبي هايتي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم وزواجر من خطب البلغاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: عام مضى وعام أتى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تكون خطبة الجمعة خطبة عظيمة ومؤثرة؟ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخطبة الأخيرة من رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة سلسلة خطب الدار الآخرة (13)(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب