• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / الكوارث والزلازل والسيول
علامة باركود

{هو الذي يريكم آياته} (زلزال تركيا - سوريا) (خطبة)

{هو الذي يريكم آياته} (زلزال تركيا - سوريا) (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/2/2023 ميلادي - 7/8/1444 هجري

الزيارات: 5742

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ [غافر: 13]

(زلزال تركيا – سوريا)

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 1 - 3]، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الذي خلق الخلق وهو المعبود أبدًا، المحمود على طول المَدَى، ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 64، 65]، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صاحب الطلعة البهية، والنورانية المحمدية، من أنار الله به عقول البشرية، وبدَّد به ظلمات الشرك والجاهلية، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، غيوث الندى وليوث الردى، وأسد الشرى، ومصابيح الدُّجَى.

 

إذا شِئتَ أن تبني من السعدِ مَنزِلا
وتبسُطَ في ظِلِّ السُّرورِ أرائِكَه
فصلِّ وسَلِّمْ كُلَّ يَومٍ عَلى الَّذي
يُصَلِّي عَليهِ رَبُّهُ والملائِكَة
بذكر المصطفى ترتاح رُوحي
فعنِّي يا هموم القلب روحي
كأني حين أهديه صلاةً
أطير محلِّقًا فوق السفوحِ
فكرِّرْ ذكره في كل حينٍ
وقل يا نفحةَ المختار فوحي

 

اللهم فصلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن صحابته الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وبعد:

أي عباد الله؛ يقول جل جلال: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12].

 

ومن آيات قدرته العظيمة: أن جعل الأرض قارَّةً ساكنةً ثابتةً لا تتزلزلُ، ولا تضطربُ، ولا تميد، ولا تتحرَّك بأهلها، ولا ترجف بمن عليها، وجعلها مِهادًا وبساطًا، وأرساها بالجبال وقرَّرها، وثقَّلَها حتى سكنت وتذلَّلَت، أنبع عيونها، وأظهر مكنونها، وأجرى أنهارها، وأنبت زرعها وأشجارها وثمارها، وبثَّ الخلق فيها إذ دحاها، فهم قُطَّانُها حتى التنادي، يعيشون في أرجائها وأطرافها حتى يُنادي المنادي:

الحمد لله الذي استقلَّتْ
بإذنه السماءُ واطمأنتْ
بإذنه الأرض فما تَعَنَّتْ
وَحَّى لها القرارَ فاستقرتْ
وشَدَّها بالراسيات الثُبَّتْ
رَبُّ العبادِ والبلادِ القُنَّتْ

 

يقول ابن القيم رحمه الله: تَأمَّلْ خَلْقَ الأرضِ على مَا هِيَ عَلَيْهِ، حِين خُلِقَتْ واقِفَةً سَاكِنَةً؛ لِتَكونَ مِهادًا، ومُسْتَقَرًّا لِلحَيَوانِ والنَّباتِ والأَمْتِعَةِ، ويَتَمَكَّنُ الْحَيَوَانُ وَالنَّاسُ من السَّعْي عَلَيْهَا فِي مآرِبِهم، وَالْجُلُوسِ لِراحاتِهم، وَالنَّوْمِ لِهُدوئِهِم، والتَّمَكُّنِ من أعمالِهم، وَلَو كَانَتْ رَجْراجَةً مُتَمَايِلَةً؛ لم يستطيعوا على ظَهْرِهَا قرارًا وَلَا هُدُوءًا، وَلَا ثَبَتَ لَهُم عَلَيْهَا بِنَاءٌ، وَلَا أَمْكَنَهم عَلَيْهَا صِنَاعَةٌ، وَلَا تِجَارَةٌ، وَلَا حِراثةٌ، وَلَا مَصْلَحَةٌ! وَكَيف كَانُوا يَتَهَنَّونَ بِالعَيْشِ والأرضُ تَرْتَجُّ مِنْ تَحْتِهِم؟! وَاعْتَبِرْ ذَلِك بِمَا يُصِيبُهم مِن الزَّلازِلِ، على قِلَّةِ مُكْثِهَا، كَيفَ تُصَيِّرُهم إلى تَرْكِ مَنَازِلِهمْ، والهَرَبِ عَنْهَا؟![1]

 

تُزلزل الأرضُ هذي قدرة الباري
فكلُّ نازلةٍ فيها بمقدارِ
يقدِّر الله فِيها وهو خالقُها
ما شاء، فهي على أكتافِ أقدارِ
لحكمةٍ خَفيتْ تجري نوازلُها
والله أدرى بأسبابٍ وأسرارِ
ما هذهِ الأرضُ إلا دارُ مُرتحَلٍ
يا قُرْبَ رحلتنا عن هذه الدَّارِ

 

أيها الناس، إن مشاهد آثار الزلزال الذي رأيناه؛ هو منظر الكوارث التي تأتي بدون توقُّع ولا نذر مسبقة، ورأينا الدمار على معالم مشُيَّدات، ومبانٍ راسيات، فإذا هي نثار من الأحجار، ورأينا الموت في آلاف اللفائف البشرية، ورأينا الفاجعة في عيون دامعة، ونظرات زائغة على وجوه الناجين، ينظرون إلى بيوتهم التي كانت مسكنهم ومأواهم، فإذا هي قبور أقاربهم!

 

مشهدٌ مريع، ودمار مفجع، ومآسٍ وأسى ترويها الوجوه الحزينة الشاحبة، كل ذلك نتيجة هزَّة أرضية استمرت أقل من دقيقة، لتعقب ذاك الدمار كله.

 

فإذا أردت بيان ذلك ففي قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر: 50]، ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117].

 

إن المؤمن ينظر من وراء كل حركة في الكون إلى قدَرِ الله الذي قدَّره، وتدبيرِه في خلقه، ولا يقف بصرُ بصيرته أمام الحوادث والكوارث دون أن يقول: قدَّر الله وما شاء فعل، هذا خلق الله وهذا قدره، وبهذه النظرة الإيمانية كان صلى الله عليه وسلم يعيش مع الكون موصولًا بخالقه، وينظر إلى الخالق في خلقه وإلى القدير في قدره، فإذا نزل الغيث حسر ثوبهُ ليتلقَّى آثار رحمة الله[2]، وإذا كسفت الشمس خرج فزعًا[3] يخشى أن يكون هذا التغيُّر الفلكي نذير عذاب على أمته.

 

عَنْ جابِرٍ، قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ [الأنعام: 65]؛ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أعُوذُ بِوَجْهِكَ، قالَ: ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ [الأنعام: 65]؛ قالَ: أعُوذُ بِوَجْهِكَ، ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 65]، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((هَذا أهْوَنُ - أوْ هَذا أيْسَرُ))[4].

 

المَرْءُ رَهْنُ مَصَائِبٍ لا تَنْقَضِي
حَتى يُوَارَى جِسْمُهُ في رَمْسِهِ
فَمُؤجَّلٌ يَلقَى الرَّدَى في أهلِهِ
وَمُعَجَّلٌ يَلقَى الرَّدى في نَفْسِهِ

 

أيها المسلمون، إن المؤمن لينظر إلى تلك الحوادث والكوارث على أنها شواهد القوة والعظمة الإلهية، وشهادة الضعف والعجز البشري، ومحدودية القوة لدى الإنسان الذي عجز عن مجرد توقُّع هذه الكوارث فضلًا عن دفعها، ثم ينظر إلى مشاهد الزلزال بدمارها ومآسيها؛ فيتذكر عظيم النِّعْمة التي تمتَّع بها طويلًا، والتي لا نعرف قدرها إلا بمشاهد فقدها.

 

﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [الملك: 16 - 18]، ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 97 - 99]، ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 45 - 47].

 

كم قرأنا الآيات وسمعناها: ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل: 61]؟! كم طرق أسماعنا: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ [النحل: 15]؟! كم مرَّ بنا: ﴿ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 48]، ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا ﴾ [الملك: 15]؟!

 

هل أدركنا الآن دلائل قوله - جل في علاه-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 41]؟ ولا ندرك من عميق تلك المعاني وعظيم المنة من الله ما ندركه ونحن ننظر آثار أن تميد الأرض ثوانٍ معدودة.

 

رأينا -يا أيها الناس- مشاهد الناس وهم يتدافعون من البيوت إلى الشوارع خوفًا وهلعًا فتذكرنا قول الملك - جلَّ جلاله-: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ [البقرة: 243]، وكأن لكل امرئ في ذاك الحدث شأن يُغْنيه.

 

ولئن كانت هذا آثار حركة يسيرة في زاوية من الأرض؛ فكيف لو أن الراجفة رَجفت بالأرض من أقطارها، وهزتها من كل أنحائها؟! فأي قرار بعد لأهلها؟! وأي عمار سيكون على ظهرها؟! بل كيف لو اضطربت الحركة في نظام الفلك بمجرَّاته وشموسه وكواكبه؟!

 

نرى مشاهد الزلزال -يا عباد الله- فنرى مشهدًا من مشاهد القيامة؛ فهذه الزلازل أمام أعيننا قيامة صغرى تُذكِّرنا بالزلزال الكوني الأعظم؛ ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ﴾ [الزلزلة: 1 - 3]، ﴿ إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ﴾ [الفجر: 21]، ﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴾ [الواقعة: 4 - 6]، ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ﴾ [المزمل: 14]، ﴿ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ [الحاقة: 14]، ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ [النازعات: 6 - 9]، ﴿ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ [القارعة: 4، 5].

 

اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوْذُ بِك أنْ نَفْتَقِر فِي غِنَاك، أو نَضِلَّ في هُدَاك، أو نَذِلَّ لِسِواك.

 

إن مسَّنا الضُّرُّ أو ضاقت بنا الحِيَلُ
فلنْ يخيبَ لنا في ربِّنا أملُ
وإن أناخت بنا البلوى فإن لنا
ربًّا يُحَوِّلُها عنَّا فتنتقلُ
اللهُ في كلِّ خَطبٍ حسبنا وكفى
إليه نرفعُ شكوانا ونبتهلُ
من ذا نلوذُ به في كشف كربتنا؟
ومن عليه سوى الرحمن نتَّكِلُ

 

قد قلت ما قلت، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا حمدًا، والشكر له شكرًا شكرًا، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد:

عباد الله، لئن كان في الزلزال الذي حدث بالأمس القريب كانت كل مرضعة تفزع إلى رضيعها؛ فإن زلزلة الساعة تذهل فيه كل مرضعة عمَّا أرضعت.

 

ولئن كان الناس في زلزال الأمس حيارى! ففي زلزلة الساعة يكون الناس سكارى!

 

إذا استوفت النَّفْس مكيالها
وزُلْزِلت الأرضُ زلزالها
فما لك من فرصةٍ للإيابْ
ولن يرجعَ العمرُ بعد الذَّهابْ
تقدَّم فما زال للصُّلْح بابْ
وبالموت يُغلَق بابُ المتابْ

 

﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]، ﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ﴾ [الزمر: 16]، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ﴾ [هود: 103]، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [النازعات: 26]، ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾ [الأعلى: 10-11].

 

وأما الغافلون والمستبِدُّون، فقد قال الله عنهم: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 60].

 

ما يجهلُ الرشدَ من خاف الإلهَ ومَنْ
أمسى وهِمَّتُهُ في دينه الفترُ
ما يحذرُ اللهَ إلا الراشدون وقد
ينجي الرشيدَ من المحذورة الحذرُ

 

ذُكِرَ أنَّ الكُوفَةَ رَجَفَتْ عَلى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فاعْتِبُوهُ [5].

 

وتَزَلْزَلَتْ الأرْضُ عَلى عَهْدِ عُمَرَ، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَيْها، وقالَ: ما لَكِ؟ ما لَكِ؟ أما إنَّها لَوْ كانَتِ القِيامَةُ حَدَّثَتْ أخْبارَها، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ فَلَيْسَ فِيها ذِراعٌ ولا شِبْرٌ إلَّا وهُوَ يَنْطِقُ)) [6].

 

أيها المؤمنون، أقسم الله سبحانه بالأرض ذات الصَّدع ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ [الطارق: 11 - 14]، ولم يكن هذا الصَّدعُ معلومًا في سابق الأزمان، حتى اكتُشِفَ جيولوجيًّا في القرن الماضي، فوجدَ العلماءُ صدعًا ضخمًا في باطنِ الأرض في قاع المُحيط، وأن مُعظمَ الزلازِلِ في العالمِ تتركَّزُ في هذا الصَّدع.


من تلك الأحداث نفهم مدلول دعائه صلى الله عليه وسلم: ((وأعوذُ بِعَظَمتِكَ أَن أُغتالَ من تَحتي)) [7].

 

وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، ويَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ))، قالوا: وما الهَرْجُ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: ((القَتْلُ القَتْلُ))[8].

 

عباد الله، نرى هذه المشاهد تقع هنا وهناك من حولنا، ويصرفها الله عنا، وليس ذاك لأنا أبناء الله وأحِبَّاؤه؛ ولكنه مزيد إنعام من الله وفضل، يستوجب ذكرُه مزيد شكر للمنعم عز وجل، واعتراف بتقصيرنا في جناب الله الذي هذا فضله وهذه نعمته، ونحن في قبضته وتحت تصرُّفه لنقول: نبوءُ بنعمتك علينا ونبوءُ بذنوبنا، فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

 

بِمَن يستغيثُ العبدُ إلَّا بربِّه
ومَنْ للفتى عند الشدائدِ والكَرْبِ؟
ومَنْ مالكُ الدنيا ومالكُ أهلِها
ومَنْ كاشفُ البلوى على البُعْدِ والقُرْبِ؟
ومَن يدفعُ الغمَّاءَ وقتَ نزولِها
وهل ذاك إلَّا مِن فِعالِكَ يا رب؟!


اللهم اكشف عن إخواننا في الشام وتركيا ما نزل بهم، اللهم ارحم موتاهم، وتقبَّل شهداءهم، واشْفِ جرحاهم، وعافِ مُبْتلاهم، وآوِ شريدهم، وأمِّن خائفهم، واربط على قلوبهم.

 

اللهم اكشف عنا وعن المسلمين البأساء والضَّرَّاء، واهدنا إلى سواء السبيل، اللهُمَّ إنا نبات نعمتك؛ فلا تجعلنا حصاد نقمتك، اللهُمَّ إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجَاءة نقمتك، وجميع سخطك.



[1] مفتاح دار السعادة (2/ 619).

[2] روى الحاكم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمطرت السماء حسر ثوبه عن ظهره حتى يصيبه المطر، فقيل له: لم تصنع هذا؟ قال: ((إنه حديث عهد بربِّه عز وجل))؛ المستدرك للحاكم، كتاب الأدب (4/ 317).

[3] روى مسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت: " فزع النبي صلى الله عليه وسلم يومًا - قالت: تعني يوم كسفت الشمس - فأخذ درعًا حتى أدرك بردائه، فقام للناس قيامًا طويلًا، لو أن إنسانًا أتى لم يشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع - ما حدث أنه ركع- من طول القيام "؛ صحيح مسلم، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (2/ 625).

[4] رواه البخاري في صحيحه، من حديث جابر رضي الله عنه، باب قوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] (6/ 56).

[5] تفسير الطبري (17/ 478)، الجواب الكافي (1/ 47).

[6] الجواب الكافي (1/ 47).

[7] رواه أحمد في المسند، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، باب مسند عبدالله بن عمر (8/ 403)، وأبو داود في سننه، باب ما يقول إذا أصبح (4/ 318)، والبخاري في الأدب المفرد، باب ما يقول إذا أصبح (ص681)، وابن ماجه في سننه، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى (2/ 1273)، والنسائي، باب ما يقول إذا أمسى (9/ 210)، وابن حبان في صحيحه، باب ذكر ما يستحب للمرء سؤال ربه جل وعلا العفو والعافية عند الصباح (3/ 241)، والحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح (1/ 698)، صحَّحه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 416).

[8] رواه أحمد في مسنده، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب مسند أبي هريرة (16/ 502)، ورواه البخاري في صحيحه، باب ما قيل في الزلازل والآيات (2/ 33).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • زلزال تركيا والشام (خطبة)
  • خطبة: زلزال تركيا
  • موعظة بين يدي زلزال تركيا وسوريا
  • زلزال تركيا وسوريا
  • لماذا يقدر الله حصول الشر؟ (زلزال تركيا وسوريا - 6 فبراير 2023 م)
  • وقفة مع أحداث زلزال المغرب وإعصار دانيال في ليبيا قراءة في شعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي

مختارات من الشبكة

  • هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا (بطاقة دعوية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • { ويريكم آياته لعلكم تعقلون }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سولانا يرى أن مشكلة تركيا ليس في الدين بل في تعداد السكان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تفسير: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق...)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب