• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / المرأة في الإسلام
علامة باركود

العدل في الإسلام وإرث المرأة

حسن عبدالرحمن عبدالحافظ عثمان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/4/2018 ميلادي - 3/8/1439 هجري

الزيارات: 19765

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العدل في الإسلام وإرث المرأة

 

إنَّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ {آل عمران:102}.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ {النساء:1}.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ {الأحزاب:70- 71}.

أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

 

أما بعد عباد الله:

فإن من أعظم المبادئ التي نادى بها الإسلام وحضَّ عليها ورغب فيها ونهى عن ضدها هو "مبدأ العدل"، قال تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾{النحل:90}.

 

فهذه آية جامعة لجميع معاني العدل في العبادات والمعاملات والأحكام، فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، وذلك بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام[1].

 

وقد ذكر ربُّ العزةِ سبحانه أنَّ غايةَ إرسال الرسل وإنزال الكتب هو إقامة العدل ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ {الحديد:25}.

فاللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ.

فالعدل هو مقصود الربِّ عز وجل من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وهو وصف لله تعالى، والله تعالى يأمر بالقسط الذي هو العدل ويحب أهله.

وقد وصف الله سبحانه أمة الإسلام بأنها أمة العدل ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ {البقرة:143}.

فأخبر المولى تعالى أنه جعل هذه الأمة وسطا أي: عدلا خيارا ليكونوا شهداء على الناس أي: في كل شيء[2].

 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَقَلُّ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيُقَالُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتُدْعَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ، فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: وَمَا عِلْمُكُمْ بِذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا بِذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا فَصَدَّقْنَاهُ، قَالَ: فَذَلِكُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[3].

 

وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا وَجَبَتْ قَالَ هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ[4].

ففي هذه النصوص وصف الله عز وجل أمة الإسلام بالعدل حيث جعلها شاهدة على الأمم السالفة، وشاهدةً فيما بينها، والشهادةُ تتطلبُ العدلَ، فهذا يدل على أن العدل من صفة أمة الإسلام ودينها، فدين الإسلام دين العدل، وأمة الإسلام أمة العدل.

 

وقد بلغت عدالة هذه الأمة وهي في عنفوان حضارتها وقوتها حدًّا أذهل الأعداء والخصوم، إلى الحد الذي لم يستطيعوا معه إنكار عدالة أمة الإسلام رغم ما في قلوبهم من الغل والحقد والكراهية.


يقول ديورانت - وهو مستشرق يهودي يكنُّ كلَّ كراهية للإسلام وأهله - واصفًا حال غير المسلمين الذين يعيشون في ظل الخلافة الإسلامية: "ولقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحية في هذه الأيام فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم[5].

ويقول المستشرق ستانلي لين بول واصفا حكم المسلمين في الأندلس: "لم تنعم الأندلس طول تاريخها بحكم رحيم، عادل، كما نعمت به في أيام الفاتحين العرب"[6].

فالإسلام أساسه العدل، وما أرسل الله عز وجل الرسل وأنزل الكتب إلا لإقامة العدل في جميع مناحي الحياة، وأولها العدل مع الله عز وجل بإخلاص العبادة له، والعدل مع المسلمين، والعدل مع النفس، والعدل مع غير المسلمين.

 

فالعدل هو الأساس الذي قامت عليه الدنيا، ويكفي في بيان ذلك أن الله عز وجل جعل العدل أساس استقرار الأمم ونموها وازدهارها وبقاء حضارتها حتى وإن كانت أممًا لا تدين بالإسلام، وجعل الظلم والجور والبغي والعدوان أساس انهيار الأمم واندثارها حتى وإن كانت مسلمة.

 

قال الله عز وجل ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون ﴾ {هود:117} أي: وما كان ربك مهلكا القرى بسبب الظلم الذي هو الشرك والحال أن أهلها مصلحون في المعاملة بينهم وبين الناس بمعنى أنهم لا يطففون الكيل كما فعل قوم شعيب، ولا يأتون الرجال كما فعل قوم لوط، ولا يتبعون كل جبار عنيد كما فعل قوم فرعون، ولا يبطشون بالناس بطش الجبارين كما فعل قوم هود، بل لا بد أن يضموا إلى الشرك الإفساد في الأعمال والأحكام، وهو الظلم المقوض للأمم ولذا قيل الأمم تبقى مع الكفر. ولا تبقى مع الظلم[7].

 

ولذلك فإن الناس لم يتنازعوا في أنَّ عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يقال: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة[8].

 

قال الماورديّ رحمه الله في ذكر القواعد التي بها صلاح الدنيا:

قال: وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: فَهِيَ عَدْلٌ شَامِلٌ يَدْعُو إلَى الْأُلْفَةِ، وَيَبْعَثُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَتَعَمَّرُ بِهِ الْبِلَادُ، وَتَنْمُو بِهِ الْأَمْوَالُ، وَيَكْثُرُ مَعَهُ النَّسْلُ، وَيَأْمَنُ بِهِ السُّلْطَانُ. وَلَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعُ فِي خَرَابِ الْأَرْضِ وَلَا أَفْسَدُ لِضَمَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ الْجَوْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ وَلَا يَنْتَهِي إلَى غَايَةٍ، وَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ قِسْطٌ مِنْ الْفَسَادِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ.

 

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: إنَّ الْعَدْلَ مِيزَانُ اللَّهِ الَّذِي وَضَعَهُ لِلْخَلْقِ، وَنَصَبَهُ لِلْحَقِّ. فَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ مِنْ إحْدَى قَوَاعِدِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا انْتِظَامَ لَهَا إلَّا بِهِ، وَلَا صَلَاحَ فِيهَا إلَّا مَعَهُ، وَجَبَ أَنْ نَبْدَأَ بِعَدْلِ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ بِعَدْلِهِ فِي غَيْرِهِ[9].


ولما استأذن الهرمزان على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يجد عنده حاجباً ولا بواباً فقيل له: هو في المسجد، فأتى المسجد فوجده مستلقياً متوسداً كوماً من الحصى ودرته بين يديه، فقال له الهرمزان: يا عمر عدلت فأمنت فنمت! [10].

 

وكتب عاملُ حِمْصٍ إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن مدينة حمص قد تهدمت واحتاجت إلى الإصلاح فكتب إليه عمر: حصِّنْهَا بالعدل ونَقِّ طُرُقَهَا من الجَوْرِ، والسَّلام.[11]

وقد خَصَّصَ ابنُ خلدون فصلا كاملا لهذه القاعدة التي تُقَرِّرُ استقرارَ العمران بالعدل وخرابَها بالظلم وعنون بعنوان "الظلمُ مؤذنٌ بخرابَ العُمْرَانِ".

 

العدل خلاف المساواة:

هناك خلط يقع عند كثير من الناس وهو فهمٌ خاطئ للعدل فيخلطون بين العدل والمساواة، ولهذا نجد بعض العبارات الخاطئة التي تقول " المساواةُ في الظلم عدلٌ "! فهل العدل هو المساواة؟

 

العدل: هو المساواة بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات، ولهذا يقال الإسلام دين العدل، ولا يقال دين المساواة، لأن المساواة بين المختلفات والتفريق بين المتماثلات ظلمٌ وليس بعدل[12].

فالمساواة هي التسوية بين الأشياء المتماثلة وبين الأشياء المختلفة، وهذا جورٌ وليس بعدل، فالعدل أن نساوي بين المتماثلات وأن نفرق بين المختلفات.

 

فالإسلام هو دين العدل وليس دين المساواة، وذلك لأن العدل يعني الموازنة بين جميع الأطراف فيأخذ كل ذي حق حقه دون تبخيس، أما المساواة فقد تعني التسوية بين أمرين بينما يكون من الحكمة التفريق بينهما.

فالعدل أشمل من المساواة، فقد تكون المساواة في بعض الأحيان هدفَ العدل، وقد يكون العدل في أحيانٍ أخرى أن يفرق بين الأمور المختلفة.

 

قال تعالى ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ ﴾، وقال عز وجل ﴿ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّة ﴾، وقال سبحانه ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾.

فالعدل أسمى وأشمل من المساواة، نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ديننا وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فمع هذه الأهمية لمبدأ العدل في الإسلام، وما مرَّ من الأدلة التي تبين أهمية العدل ومحبة الله عز وجل للعدل وأهله، واتصافه بصفة العدل إلا أنه ظهرت فريةٌ تزعم أن الإسلام ظلم المرأة حقها وفضل الرجل عليها حتى وصفوا دين الإسلام بأنه دين ذكوريٌّ.

 

وهذه التهمة - ظلم المرأة في الإسلام - من التهم التي ألصقها المستشرقون بالإسلام وتلقفها منهم حركاتٌ نِسويَّةٌ أُسست في بلاد الإسلام على غرارِ الحركات النِّسَوِيَّة في الغرب، ونادت هذه الحركات بمساواة المرأة بالرجل ظنًا منهم أن هذا هو العدل.

 

ومن أهم القضايا التي استدلوا بها على زعمهم هي قضية إرث المرأة في الإسلام، وأن الإسلام ميَّز الرجلَ بضعفِ ميراثِ المرأة، وعمدتهم في هذه الفرية هو إرث الابنة حيث قال الله عز وجل ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ {النساء:11}. فهذه عمدتهم.

 

والرد على هذه الشبه من وجوهٍ:

أولا: ما هو معيار الإرث في هذه الآية؟ أي ما هو المعيار الذي يُقاس عليه الإرث؟

المعيار هو ميراث المرأة وليس ميراث الرجل، فالله عز وجل قال للذكر مثلُ حظِّ الأنثيين ولم يقل للأنثى نصف حظ الذكر، ولا شك أن في هذا تفضيلًا للمرأة بجعلها معيارَ الحكم والقياس.

 

ثانياً: من هي المرأة في الإسلام؟

لأن الشبهة التي استدلوا بها هي في ميراث البنت، وليست المرأة في الإسلام هي البنت فقط، ولكن المرأة في الإسلام هي الأم والجدة والزوجة والابنة والأخت.

وبالتالي حين ننظر لقضية الإرث في الإسلام والموازنة بين الرجل والمرأة فلابد من وضع هذه الأنواع في الاعتبار، فينظرُ للمرأة التي هي " الأم والجدة والزوجة والابنة والأخت " وينظرُ للرجل الذي هو " الأب والجد والأخ والابن والزوج ".

 

وحين ننظر بهذا الاعتبار نجد أنَّ زعم أولئك في تفضيل الإسلام للرجل على المرأة في الميراث زعمٌ لا أساس له من الصحة، بل هو زعم ينمُّ عن جهل وحقد جعلهم حتى ما بحثوا عن تفسير هذه الآية ليعلموا ما هي الحالات التي تُطَبّق فيها هذه الآية.

 

وليعلموا أنَّ هذه القسمةَ تُطَبّقُ في أربعِ حالات فقط، بينما تمتازُ المرأة على الرجل في أكثر من ثلاثين حالة، فالحالات التي يزيد فيها إرث الرجل على المرأة أربعُ حالات فقط، وهناك ثلاثون حالة تتساوى المرأة مع الرجل في عشر حالات منها، وعشرُ حالات تزيد المرأة على الرجل، وعشرُ حالاتٍ تَحْجِبُ المرأةُ الرجلَ فترثُ هي ولا يرثُ الرجل.

 

فالقرآن حدد أربعًا وثلاثين حالةً من أحوالِ الميراثِ، ترثُ فيه المرأةُ بنسبٍ مختلفةٍ حيث جعل عشرَ حالاتٍ ترثُ المرأةُ فيها مثلَ الرجل، وعشرًا أخرى ترثُ أكثرَ منه، وعشرَ حالات يحُجبُ فيها حقُّ الرجل وترث المرأةُ الإرث بكامله، فمن الذي ينادي بالمساواة على مقياسهم؟

 

وخذ مثالا على ذلك من القرآن في هذه الآية التي يستدلون بها﴿ [يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ {النساء:11}.

ففي هذه الآية نجد حالة زاد فيها الذكرُ على الأنثى بالضعف، وحالةً تساوى معها، وحالة زادت الأنثى على الذكر بثلاثة أضعاف.

 

فأما زيادة الذكر عن الانثى فقوله تعالى في الأبناء " للذكر مثل حظ الأنثيين "، وأما حالة التساوي بينهما فميراث الأب والأم في حالة وجود أبناء " لكل واحد منهما السدس "، والحالة التي زادات فيها الأنثى على الذكر بثلاثة أضعاف هي ميراث البنت حيث ترثُ نصفَ التركة ويرثُ الرجل الذي هو الأب السدس فنصيب الأنثى هنا وهي البنت ثلاثة أضعاف نصيب الرجل وهو الجد.

 

ومن هنا نعلمُ أنَّ حكمةَ تقسيمِ الميراث لا تقوم على الجنس البتّه، إنما تقوم على ثلاثة أمور:

١ - درجة القرابة: فكلما زادت درجة قرابة الوارث بالمورث زادت نسبة الميراث بغض النظر عن كَون الوارث ذكراً أو أنثى، فالبنت ترث أكثر من الأم ومن الأب.

٢- موقع الجيل الوارث من تسلسل الأجيال: حيث إن الجيل المُقبل على الحياة يرث أكثر من الجيل المدبر عن الحياة، وبغض النظر عن كَون الوارث ذكراً أو أنثى.

٣- العبء المالي المُلقى على عاتق الوارث: من هنا تأتي التفرقة بين الذكر و الأنثى وهذا من عظمة هذا الدين وجلاله، فالذكر مطلوبٌ له زوجة ينفق عليها، والأنثى مطلوبٌ لها ذكر ينفق عليها، فالرجل مسئولٌ عن النفقة على الأم وعلى الزوجة وعلى الأخت إن لم يكن لها عائل وعلى البنت، أما المرأة فليس مطلوبًا منها النفقة حتى على نفسها إن كانت في عصمة رجل.

 

فمسألة الإرث راعى فيها الشارع الموازنة بين الحقوق والواجبات، بين درجة القرابة من حيث القرب والبعد، بين الجيل المقبل على الحياة وبين الجيل المدبر عنها، بين من يتحمل النفقة وبين من هو غيرُ مطالبٍ بنفقة، وهذا هو العدل في أسمى صوره.

 

وهؤلاء أبعد الناس عن فهم حكمة التشريع وعن فهم حقيقة العدل، وعلى مقياسهم من أن الإسلام فضَّلَ الرجلَ على المرأة يمكن أن نجزم أن الإسلام أكرم المرأة ورفع قدرها وأعلى شأنها، بل في أحيان كثيرة فضلها على الرجل.

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ"[13]. فجعل حقًا للرجل وثلاثة حقوق للمرأة، فأي عدل وأي فضل في معاملة المرأة أكثر من هذا.

 

فدين الإسلام دين العدل والرحمة، دين أعطى المرأة حقَّها وكرَّمها وفضلها على الرجل في كثير من الأحيان.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] تفسير السعدي 1/447

[2] السابق 1/202

[3] أخرجه ابن ماجه (4284)، وصححه الألباني

[4] أخرجه البخاري (1367)

[5] قصة الحضارة لول ديورانت 13/130 - 131

[6] قصة الحضارة 13/292

[7] التفسير الواضح 2/155

[8] الحسبة لابن تيمية ص14

[9] أدب الدنيا والدين ص139

[10] سراج الملوك ص52

[11] السابق ص52

[12] معجم المصطلحات الشرعية 3/16

[13] أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (2548)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام كرم المرأة
  • المرأة العاملة المتوازنة
  • المرأة في عصر النبوة
  • المرأة: ما لها وما عليها
  • المرأة بين الحقوق والعقوق
  • الإسلام يعلمنا مكانة وقيمة المرأة
  • الحد بين الكفر والإسلام
  • خطبة عن وجوب العدل في كل شيء
  • المرأة في بيتها
  • { إن الله يأمر بالعدل }
  • تطبيقات العدل في حياتنا
  • فضل العدل في القضاء

مختارات من الشبكة

  • العدل بين الأبناء من أهم عوامل التربية الصحيحة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حديث: الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: الخال وارث من لا وارث له(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • العدل بين الزوجات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العدل في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام دين العدل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العدل والمساواة في الإسلام (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • العدل في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العدل في الإسلام (باللغة الإنجليزية)(محاضرة - موقع د. ناجي بن إبراهيم العرفج)
  • خطبة صلاة الجمعة الموافق 1-2-1437هـ (العدل في الإسلام وتطبيقاته القضائية)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب