• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / المرأة في الإسلام
علامة باركود

يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها

عصام بن محمد الشريف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/2/2017 ميلادي - 17/5/1438 هجري

الزيارات: 56985

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا... ﴾

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29].

قال ابن كثير رحمه الله: (هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة)[1].

 

سبب نزول الآيتين:

روى البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه، قالت: فبدأ بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فقال: (إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك) - وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه - قالت: ثم قال "إن الله تعالى قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ إلى تمام الآيتين"، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.

وفي رواية: قالت: ففرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية فسر صلى الله عليه وسلم بذلك، وعرض على نساءه، فتتابعن كلهن، فاخترن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وروى الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن، فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فدخلا، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت.

فقال عمر رضي الله عنه: لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد -امرأة عمر- سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال: (هن حولي يسألنني النفقة)، فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها، وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة؛ كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده.

 

قال: وأنزل الله عز وجل الخيار، فبدأ بعائشة رضي الله عنها، فقال: (إني ذاكر لك أمرًا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك)، فقالت: وما هو؟ قال: فتلا عليها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ الآية، قالت عائشة رضي الله عنها: أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار الله تعالى ورسوله، وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يبعثني معنفًا، ولكن بعثني معلما ميسرا، لا تسألني امرأة عما اخترت إلا أخبرتها).

قال عكرمة: وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسودة، وأم سلمة رصي الله عنهن، وكانت تحته صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية رضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين.

 

وقال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله: (شاء الله تعالى أن يجتمع نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأين نساء الأنصار والمهاجرين قد وسع عليهن في النفقة، لوجود يسر وسعة رزق بين أهل المدينة، أن يطالبن، بالتوسعة في النفقة عليهن أسوة بغيرهن، وكن يومئذ تسعا، فأبلغت عائشة ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأثر لذلك لعدم القدرة على ما طلب منه، وقعد في مشربة له واعتزلهن شهرا كاملا، حتى أنزل الله آية التخيير)[2].

 

وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: (وخلاصة معنى الآيتين: قل لهن إن كنتن تردن من حياتكن الزوجية، الدنيا وشهواتها وزينتها؛ فإنني لم أبعث لذلك، ولا تزوجتكن لذلك، فتعالين أعطيكن المتعة المالية، التي شرعها الله للمطلقات، وأسرحكن سراحاً جميلاً، لا إهانة فيه ولا إساءة، كما أمر الله كل من احتاج إلى تطليق امرأته، لعدم استطاعته أن يعيش معها عيشة مرضية لله ثم له ولها.

وهو دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يقوم بوظيفة نبوته مع نساء همهن من حياتهن النعيم والزينة.

وإن كنتم تردن من هذه الزوجية مرضاة الله تعالى ومرضاة رسوله بالقيان بأعباء الدين، وإصلاح أمور المؤمنات والمؤمنين، وثواب الدار الآخرة، تؤثرنه على نعمة الدنيا العاجلة، فإن الله أعد للمحسنات منكن في ذلك أجرا عظيما، هو أعظم وأكبر مما أعده للمحسنات من سائر المؤمنات)[3].

 

وكان الخيار صعبًا لنساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان نوعًا من الامتحان والاختبار، الذي يلمس إيمانهن.

(كان الخيار صعبًا، لأن المسلم يهلك نفسه، ويضيع دعوته إذا ما ركن إلى مطالب النساء في متاع الدنيا، حتى يغدو الأمر وكأنها الحياة الطيبة، يزين الشيطان هذا الركون وهذا الهبوط، ويظهره بألف مظهر خادع باسم النعمة والحلال وغير ذلك، ليطفئ شعلة الدعوة، ويحرق الدعاة)[4].

وكان الخيار في النهاية له دلالة واضحة على عدم اجتماع حب الدنيا وحب الآخرة معًا، ولا يمكن أن يكون في قلب المسلمة إلا أحدهما، لأن الركون إلى الدنيا يضعف الإيمان، والثبات على الإيمان يضعف الدنيا في قلب المسلمة، فلا يزال يهفو إلى ما عند الله تعالى، ونجد أن شهوات الدنيا وزينتها ومتاعها لا يلعب عندها دورًا، بل هو عندها كسراب يمر وينتهي، وهذا ما نريد أن تفهمه كل مسلمة.

 

إن الآيتين السابقتين كانتا تعقيبًا على حادثة خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهما في نفس الوقت تعطيان لنا النماذج والأمثلة والفوائد والعبر، لتتأسى بها نساء المسلمين في كل مكان وفي كل عصر، ولتتعرف كل امرأة صالحة على الفوائد والعبر، التي تأخذها من الدرس التربوي العظيم.

الفائدة الأولى: تقويم طبيعة المرأة:

أول ما نلحظه في هذه الحادثة أن طبيعة المرأة تميل – أكثر من الرجل - إلى حياة الدعة والرفاه، فإن غفلت عن مراقبتها، دفعتها إلى الدنيا دفعاً يكون من شأنه الغفلة عن الله والدار الآخرة، وهذا هو الهلاك بعينه.

(ونساء النبي صلى الله عليه وسلم - في هذه الحادثة - كن في طليعة المسلمات المؤمنات اللواتي تحملن في سبيل الدعوة، وآثرن قسوة الحياة وصعابها مع الإيمان على الرفاه والنعمة والسعة مع الكفر، وضربن في ذلك أحسن الأمثلة.

 

ومع ذلك فإن هؤلاء النسوة - رضوان الله عليهن - رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أيده الله بالنصر، وأظفره بأعدائه، وجاءت إليه الوفود مسلمة مبايِعة، وراحت جيوشه تضرب بسيف الله هنا وهناك، والنعمة والغنائم أضحت ترد كل يوم ليوزعها على المسلمين -مهاجرين وأنصارهم- فيفرح المؤمنين بنصر الله ويشكرونه على نعمائه، ويظهر ذلك على المجتمع كله، فتغدو النساء أكثر رفاها وتنعمًا، ويستمتع الناس برزق الله الحلال، فتميل نفوسهن -رضوان الله عليهن- إلى الدنيا، ويطلبن من رسول الله صلوات الله عليه النفقة والسعة عندما رأين ما في أيدي الناس من سعة ونعمة.

كان ذلك ينم عن طبيعة المرأة مهما بلغت منزلتها، ومهما رأت من صور الإيمان، ولكن الله عز وجل أراد أن يقوم هذه الطبيعة، ويحد لها حدودًا واضحة، تبقى معالم ثابتة على مدى الزمن)[5].

لذا فإن المرأة إن تركت وطموحاتها الدنيوية التافهة، لانطفأت حرارة الإيمان في قلبها، وغفلت عن نعيم الآخرة، والسعي في التماس رضا الله عز وجل، ولثقلت عليها الطاعات، إن لم تصب بتفريط هنا وهناك.

 

إن الإسلام لا يمنع المرأة وغيرها من التمتع بالحياة وملذاتها مما أحل الله تعالى لنا، ولكن لابد أن يتم ذلك وفق ضوابط وشرعية، حتى لا تسقط المرأة في مستنقع الدنيا، وحتى لا تظهر صورة المرأة الملتزمة مخالفة لما تدعو إليه الناس من الترغيب في الآخرة، والتجافي عن الدنيا، والإقبال على الله وكتابه وذكره، فإن الناس إن وجدوها، وهي تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر - مقبلة على الدنيا في حديثها واهتماماتها وبيتها لأعرضوا عنها، ولم يكن لحديثها لهم أثر في قلوبهم وواقعهم.

لذا فإن على الرجل بحكم قوامته داخل البيت أن يباشر مسئوليته داخل البيت، يقوم طبيعة المرأة ويحد من آمالها الدنيوية، ويرغبها فيما عند الله عز وجل من الجنة ونعيمها.

 

على الرجل أن يذكر المرأة دائما بالغاية التي خلقت لها من أجلها، وأن يحذرها من الشيطان الذي لا يألو جهدًا في صرفها عن هذه الغاية العظمى.

على الرجل أن يحدد للمرأة دورها المطلوب منه في هذه الحياة، حتى لا يشغلها شاغل عن تحقيقها، ويرغبها في أجر ذلك عند الله بالجنة ونعيمها.

على الرجل ألا يحرم المرأة من التمتع بما أحل الله لنا من الطيبات، حتى لا يصطدم بطبيعتها، ولكن دون إسراف أو تقتير، حتى تحقق لنفسها المطالب المادية، وفي نفس الوقت المطالب الروحية، التي تسمو بالنفس إلى أعلى عليين.

على الرجل أن يذكر المرأة بحقارة هذه الدنيا، وأنه عما قليل كلنا عنها راحلون، فأين الزاد للقبر؟ وأين الزاد للقاء رب السموات والأرض؟!

ويكون معها على هذا الحال، بين الترغيب والترهيب، حتى تستقيم نفسها وتعتدل، ولا يمل من المراقبة من بعيد، فإن وجد إقداما على الدنيا حذر، وإن وجد إقداما على الآخرة رغب، وهكذا يكون تقويم طبيعة المرأة.

 

الفائدة الثانية: المرأة صِمَام الأمان في المجتمع:

فإن صلاح أي مجتمع مرتبط ارتباطا وثيقا بصلاح المرأة فيه، وفساده مرتبط بفسادها، وفتنتها البالغة في المجتمع، بتبرجها وزينتها واختلافها، وغير ذلك من صور الافتتان بها.

لذا كان الاهتمام بتربية البنات منذ صغرهن على الدين، وسلوك طريق الخير والصلاح، عاملا أساسيا ومهما في تنشئة جيل صالح من نساء المسلمين، لا يتنكب شرع الله، ولا يسلك طريق الشيطان بخيلائه وحبائله.

وإذا قصرنا في تربية المرأة، وتهيئة المناخ الصالح لها؛ لفسد المجتمع، وانتشرت الفاحشة، وعم المنكر، وساءت الأخلاق، كما هو حال أكثر المجتمعات اليوم.

لذا فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من فتنة النساء.

 

فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)[6].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)[7].

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أن تريدين؟ فتقول: أعود مريضا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد. وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها)[8].

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".

 

وقد أشار القرآن أيضا إلى خطر الفتنة بالمرأة، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، فقدم سبحانه النساء لعراقتهن في هذا الباب؛ ولأن أكثر الرجال إنما دخل عليهم الخلل من قبل الشهوة.

من أجل ذلك كله، لابد أن نحرص أشد الحرص على صمام الأمان في المجتمع، ونأخذ بيدها إذا ما ركنت إلى الرفاه، وسعت إلى التنعم والإسراف من أجل حب الدنيا.

 

كذلك لابد أن تنسى المرأة دورها في الحياة، لماذا خلقت؟ وكيف تعيش؟ وإلى أين هي راحلة؟ فإذا ما استقرت هذه الأمور الأساسية عندها، ضمنا بحمد الله، عدم تنكبها الصراط، وتخلفها عن مهمتها الأساسية في الحياة.

قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] قال ابن كثير رحمه الله: (وعبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور).

وقال تعالى أيضا: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].

وروى البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال لي: يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله. قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا".

من ذلك يتضح للمرأة الصالحة أنها ما خلقت في هذه الدنيا للعبث واللهو، وإنما خلقت لتسلك مرضاة الله عز وجل، فتطيع أمره، وتجتنب نهيه.

 

وإني لأعجب من المرأة التي تعمل في وظيفة ما، فتلتزم بوقت العمل وقوانينه، وتحاسب من يقصر، وربما قدمت العمل على أمر أهم منه، ثم لا أجد ذلك منها في الوظيفة التي خلقت من أجلها، فنجد عندها تهاونا في بعض الطاعات، وانحرافات في بعض السلوكيات والمعاملات، وما هذا إلا بسبب الجهل بالله وبدينه.

 

الفائدة الثالثة: العواقب الوخيمة للترف والتنعم:

وأعني بالترف والتنعم الإسراف فيهما، حتى يصل الأمر بالمسلمة أن يكون هذا هو شغلها الشاغل في الحياة، وتدور اهتماماتها حول متاع الدنيا وشهواتها وزينتها.

 

فإذا ما تركت المرأة المسلمة لنفسها العنان، حتى تقع صريعة للدنيا، فلابد أن تجني من وراء ذلك آثارا سيئة أخطرها:

1- الغفلة عن الله والدار الآخرة:

فالمرأة التي لا تفكر إلا في الترف والتنعم، تنسى ربها فتجترح السيئات، وتتمادى في الذنوب.

عن زيد ثابت رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح همه للدنيا: شتت الله عليه أمره، وفرق عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح وهمه الآخرة: جمع الله له أمره، وحفظ عليه ضيعته، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)[9].

 

2- قسوة القلب والتكاسل عن الطاعات:

ومن المهم أن يفطن دعاة الإسلام إلى نتائج الترف، وخطورة الاطمئنان إلى التنعم، لأن في هذا إماتة للقلب المؤمن اليقظ، وصدًّا عن الجهاد، وقعدوا عن متابعة الدعوة ولكم كانت هناك صور من هذه المحن سقط فيها شباب مسلمون، كانوا يمتلئون حماسا ويتقدون اندفاعًا، حتى إذا اطمأنوا إلى هذا النعيم الزائل، وحرصوا على صور الرفاه؛ انطفأت شعلتهم، وماتت قلوبهم، وصاروا هياكل جوفاء.

 

وكم خسرت دعوة الإسلام من رجال صبروا على محنة العذاب، ولم يستسلموا للبؤس، ولكنهم خسروا المعركة في ميدان الرفاه، فمالوا عن الدعوة، وزينت لهم نفوسهم حياة الدعة، وسخروا أنفسهم لهذا، فأصبحوا مثلا يخشاه الصادقون.

أفبعد هذا نطمئن إلى هذه الصور البراقة وننسى ما عند الله؟)[10].

 

3- التكبر:

وهذا المرض ناتج عن إصابة الإنسان بالترف، فالمصاب بالترف متكبر على الله وعلى عباده. فمن أمثلة تكبره على الله زعمه أن ما أعطي من مال هو من كسبه، أو بسبب علمه، كما حدث ذلك من قبل لقارون عندما قال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78].

وأما الكبر على عباد الله فهو ممقوت بأي شكل من الأشكال، وقد بين القرآن صورا للكبر والمتكبرين، فمنها قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18].

 

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا).

 

(لقد جاء القرآن الكريم ليحدد القيم الأساسية في تصور الإسلام للحياة، هذه القيم التي ينبغي أن تجد ترجمتها الحية في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وحياته الخاصة، وأن تتحقق في أدق صورة و أوضحها، في هذا البيت الذي كان وسيبقى منارة للمسلمين وللإسلام، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ونزلت آيتا التخيير تحددان الطريق، فإما الحياة الدنيا وزينتها، وإما الله ورسوله والدار الآخرة؛ فالقلب الواحد لا يسع تصورين للحياة، وما جعل لرجل من قلبين في جوفه)[11].

فهل بعد ذلك يكون هناك معنى للترف الزائد في حياة المسلمة، أو مكان للتنعم الكاذب، الذي يلهي أهله عن أغلى شيء في الحياة وهو الدين، وأغلى شيء في الآخرة وهو الجنة؟!

 

الفائدة الرابعة: موقف الرسول صلى الله عليه وسلم:

إن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الحادثة يضرب لنا مثلًا رائعًا للرجل الداعية الحق، والقدوة الحسنة، والمثل الطيب، كي يكون لنا جميعًا نبراسًا في طريق الإيمان والدعوة.

ماذا كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله؟

هل يؤثر أن يحافظ على البيت من التصدع، ويحقق لنسائه هذا المطلب الدنيوي الهين؟

لقد كان مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعًا وليدًا، في أول مهده، والناس ينظرون إليه كقدوة، ويعرف ذلك لو استجاب لزوجته على نساء المسلمين أيضا اللواتي ينظرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرسول والقدوة أيضًا.

(بل سيتعدى الأمر إلى أعماق الكيان الاجتماعي للمجتمع المسلم، فيوثر على كيان الأسرة المسلمة، التي يريد تكوينها على تصور إسلامي صحيح راسخ، بعد تهدم الصورة المزيفة للأسرة القديمة، التي قامت على إشباع اللذة وحب المادة، والفخر بالمال والولد فأهينت المرأة وبقيت متاعا لا دور لها ولا قيمة)[12].

ولهذا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم موقفا واضحا وصارما في نفس الوقت، ليرسم الطريق الصحيح للمسلمين والمسلمات.

 

أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا أن طريق الدعوة ليس طريق التنعم والرفاهية، لا سيما إذا كان أهله ممن ينظر إليهم كقدوة في المجتمع.

أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكبح جماح المرأة في طلب الدنيا، ويذكرها بما عند الله من نعيم المقيم والذي لا يقارن بأي متاع في الدنيا.

أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزاد الشعور بأمانة الدعوة والإسلام في النفس، إلى حد لا يترك عنده مجال لإيثار دنيا زائلة على آخره، ولا تفضيل مظهر من مظاهر الدنيا على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا أن أمر الآخرة ونعيمها لا يقاس بالدنيا، بل على من يريد الآخرة ويسعى لها، أن يكون منضبطا في علاقته بالدنيا، فلا يميل لها كل الميل فيهلك، ولا يزهد زهدا مبالغا فيه فيهلك، وإنما التوسط والاعتدال في التمتع بما أحل الله تعالى لنا من الطيبات في الوقت الذي لا يلهينا ذلك عن الله والدار الآخرة.

إن هذا الحادث يحدد لنا (التصور الإسلامي الواضح للقيم، ويرسم الطريق الشعوري للإحساس بالدنيا والآخرة، ويحسم في القلب المسلم كل أرجحة وكل لجلجة بين قيم الدنيا وقيم الآخرة، بين الاتجاه إلى الأرض، والاتجاه إلى السماء، ويخلص هذا القلب من كل وشيجة غريبة تحول بينه وبين التجرد لله والخلوص له وحده دون سواه)[13].

 

راجع سلسلة: سلسلة المرأة الصالحة للكاتب، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة، 1437 هـ، 2016 م.



[1] تفسير القرآن العظيم (3 /480).

[2] أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (4 /262).

[3] نداء للجنس اللطيف ص98.

[4] المرأة المسلمة الداعية ص105 لمحمد حسن بريغش.

[5] المرأة المسلمة الداعية - محمد حسن بريغش.

[6] رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

[7] صحيح، رواه الترمذي (صحيح الجامع برقم 6690).

[8] رواه الطبراني، وقال المنذري: إسناده حسن، ووافقه الألباني.

[9] رواه ابن ماجه بسند جيد (صحيح سنن ابن ماجه برقم 3313، والصحيحة رقم 950).

[10] المرأة المسلمة الداعية ص101.

[11] في ظلال القرآن (5/2855).

[12] المرأة المسلمة الداعية ص103.

[13] في ظلال القرآن (5/2855).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته
  • تأملات في قوله تعالى: { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا... }

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: أكرم الله جبريل بأن رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: استأذن ملك القطر ربه ليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: سرور الفرس بركوب النبي وخضوع البراق له(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: الوحش يتأدب عند دخول النبي بيته وإسراع جمل جابر الأنصاري طاعة له(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بركات الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) الآية(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: جعله الله إمامًا لجميع الأنبياء عليهم السلام في الدنيا ليلة الإسراء(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب