• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / خواطر صائم / مقالات
علامة باركود

الحكمة من الصيام

الحكمة من الصيام
رأفت صلاح الدين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/6/2016 ميلادي - 1/9/1437 هجري

الزيارات: 36771

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحكمة من الصيام


من أسماء الله تعالى: الحكيم، والحكيم هو الذي يتصف بالحكمة، والحكمة إتقان الأمور ووضعها في موضعها، ومقتضى هذا الاسم من أسمائه تعالى أن كلَّ ما خلقه أو شرعه فهو لحكمةٍ بالغة، علِمَها مَن علمها وجهلها من جهلها.

 

إن الله سبحانه وتعالى لم يفرض علينا الصيام، ويمنعنا عن الطعام والشراب - اللذَين أحلهما لنا - ليعذبنا أو يعنتنا، فحاشا لله من ذلك، ولكنَّ للصيام الذي شرعه الله وفرَضه على عباده حِكَمًا عظيمة وفوائد جمة.

 

وأولى هذه الحِكَم وأجلُّها أن الله إنما شرع الصيام وفرضه لتحقيق التقوى، والتدرب على الطاعات، فرمضان من مواسم الخيرات التي امتنَّ الله تعالى بها على عباده؛ ليقوى إيمانهم، وتزداد فيه تقواهم، وتتعمق صلتهم بربهم، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

ففي رمضان من العبادات والأعمال الصالحة ما يجعل النفوس تنقاد إلى رب العالمين، فتزكو النفوس، وتطهر القلوب، وتعيش الأرواح أجواء إيمانية مفعمة بالبركات والرحمات..

 

ومن أهم الحِكَم التي شُرِع من أجلها صيام شهر رمضان ما يلي:

1- تربية النفس على التقوى:

تدريب النفس على تحقيق التقوى والخوف من الله سبحانه وتجنب مساخطه، والالتزام بطاعته من أسمى أهداف فريضة الصيام، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

قال الإمام الرازي: "بَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الصَّوْمَ يُورِثُ التَّقْوَى لِمَا فِيهِ مِنَ انْكِسَارِ الشَّهْوَةِ وَانْقِمَاعِ الْهَوَى؛ فَإِنَّهُ يَرْدَعُ عَنِ الْأَشَرِ وَالْبَطَرِ وَالْفَوَاحِشِ، ويهون لذات الدنيا ورئاستها؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَكْسِرُ شَهْوَةَ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، فَمَنْ أَكْثَرَ الصَّوْمَ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ هَذَيْنِ وَخَفَّتْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ رَادِعًا لَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَالْفَوَاحِشِ، وَمُهَوِّنًا عَلَيْهِ أَمْرَ الرِّيَاسَةِ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ جَامِعٌ لِأَسْبَابِ التَّقْوَى فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ فَرَضْتُ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ لِتَكُونُوا بِهِ مِنَ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ أَثْنَيْتُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِي".[1]

 

2- تربية النفس على التوبة:

عبر عام طويل يحمل العبد على ظهره من الذنوب والمعاصي ويقع في مخالفات كثيرة، والذنوب تميت القلوب، وغبارها يزكم الأنوف، وإذا اعتاد العبد على الذنب استسهله وخاض في غماره، فيظلم قلبه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ" ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14][2].

 

قال المباركفوري: "وقوله: (نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ) أَيْ جُعِلَتْ فِي قَلْبِهِ نُـكْتَةٌ سَوْدَاءُ أَيْ أَثَرٌ قَلِيلٌ كَالنُّقْطَةِ شَبَهُ الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما، وَيَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْرِهَا، وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ؛ حَيْثُ قِيلَ شَبَّهَ الْقَلْبَ بِثَوْبٍ فِي غَايَةِ النَّـقَاءِ وَالْبَيَاضِ وَالْمَعْصِيَةَ بِشَيْءٍ فِي غَايَةِ السَّوَادِ أَصَابَ ذَلِكَ الْأَبْيَضَ فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ يُذْهِبُ ذَلِكَ الْجَمَالَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِذَا أَصَابَ الْمَعْصِيَةَ صَارَ كَأَنَّهُ حَصَلَ ذَلِكَ السَّوَادُ فِي ذَلِكَ الْبَيَاضِ".[3]

 

وسواد القلب - عياذًا بالله - ينعكس على الجوارح، فتسيء الأفعال، وترتكب القبائح، قال الشيخ مصطفى العدوي: "السواد على القلب يمنع الإيمان ونور الإيمان من الخروج من القلب إلى الصدر، فتجد الصدر مظلمًا، كما أن المشكاة تكون مظلمة إذا كانت الزجاجة سوداء، فتجد اليد تتحرك في ظلمة، والرجل تخطو في الظلمات، والعين تنظر في الظلمات، وهكذا يتحرك كبهيمة عمياء إذا كان القلب قد اسود من المعاصي".[4]

 

ولذلك كان تحصيل المغفرة من أهم معالم تربية النفس في رمضان، فمن خرج رمضان عنه غيرَ مغفور الذنب، فالوعيد في حقه شديد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجَنَّةَ".[5]

 

قال المباركفوري: "وقَوْلُهُ: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ) أَيْ: لَصِقَ أَنْفُهُ بِالتُّرَابِ كِنَايَةً عَنْ حصول الذل. الرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الذُّلِّ وَالْعَجْزِ عَنِ الِانْتِصَافِ وَالِانْقِيَادِ عَلَى كُرْهٍ. انْتَهَى.

 

وَهَذَا إِخْبَارٌ أَوْ دُعَاءٌ وَالْمَعْنَى بَعِيدٌ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إِجْرَاءِ كَلِمَاتٍ مَعْدُودَةٍ عَلَى لِسَانِهِ فَيَفُوزَ بِهَا فَلَمْ يَغْتَنِمْهُ فَحَقِيقٌ أَنْ يُذِلَّهُ اللَّهُ، ثُمَّ انْسَلَخَ رَمَضَانُ أَيِ انْقَضَى قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتُبْ أَوْ لَمْ يُعَظِّمْهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الطَّاعَةِ حَتَّى يَغْفِرَ لَهُ، فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ لِعَقُوقِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّهِمَا".[6]

 

وقال المناوي "رغمَ أنفُ من علم أنه لو كفّ نفسه عن الشهوات شهرًا في كل سنة، وأتى بما وُظِفَ له فيه من صيامٍ وقيام، غُفِرَ له ما سلف من الذنوب، فقصّرَ ولم يفعل حتى انسلخَ الشهرُ ومضى، فمن وجدَ فرصةً عظيمةً بأن قام فيه إيمانًا واحتسابًا، عظمه الله ومن لم يعظمه حقره الله وأهانه".[7]

 

إن رمضان فرصة نادرة ثمينة فيها الرحمة والمغفرة، ودواعيها متيسرة، والأعوان عليها كثيرون، وعوامل الفساد محدودة، ومردة الشياطين مصفَّدون، ولله عتقاء في كل ليلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن؟! وإذا لم يُغفر له في رمضان فمتى يُغفر لمن لا يُغفر له في هذا الشهر؟! ومتى يُقبل من رُد في ليلة القدر؟! ومتى يصلح مَن لا يصلح في رمضان حتى يصلح من كان به فيه من داء الجهالة والغفلة مرضان، من فرط في الزرع في وقت البدار لم يحصد يوم الحصاد غير الندم والخسارة. [8]

 

3- تربية النفس على العفو والصفح:

من الأمور التربوية التي يجب أن يخرج بها العبد من رمضان أن يبتعد عن أذى الناس، ويسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا ينبغي للعبد أن يصوم رمضان وهو واقع في الغيبة والنميمة والسب والشتم والكذب وهي معاصٍ يجب الحذر منها واجتنابها من الصائم وغيره؛ إذ إنها تجرح الصوم وتُضعف الأجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ؛ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"[9]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؛ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ".[10]

 

فالصوم ليس مجرد الإمساك عن الطعام والشراب والجِماع من الفجر حتى غروب الشمس كلا، فهناك حِكَم وأسرار هذا بعضها، لكننا نرى كثيرًا من الناس تصوم بطنه ولا تصوم جوارحه، فيصوم عن الحلال المباح، ويتناول ما حرم الله من المنكرات كقول الزور وفعل الزور، فلا يتورع بلسانه عما حرم الله، ولا يغض بصره كذلك عن المحرمات، ويقع بيده ورجله في المحرمات، بل ربما يفطر عند إفطاره على كسب محرم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

وإن مما يستجلب به العبد عفو الله عنه أن يعفو عن الناس، ولين الجانب معهم، وخفض الجناح لهم، فعن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: تَقُولِينَ: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي). [11]

 

قال ابن رجب: "والعفوّ من أسماء الله تعالى وهو الذي يتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض؛ فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته". [12]

 

4- الشعور بوحدة الأمة:

من الأمور التربوية في رمضان هو الشعور بوحدة الأمة وجماعية الطاعة، فلو أن الله تبارك وتعالى كلّف كل واحد منا بصيام 30 يومًا وحده وقيام 30 ليلة منفردًا عمن حوله، لوجد صعوبة كبيرة وكان هذا العمل فيه مشقة عظيمة، ولكن من رحمة الله تبارك وتعالى بالأمة أن جعل الطاعة جماعية، ففي رمضان يصير الغالب على المجتمع حرصه على الصيام مع أعمال الطاعة والخير والبر، فالمساجد تمتلئ، وأعمال البر والصدقات يتسابق فيها المتسابقون، والأخلاق السمحة تفرض نفسها، والكل يقرأ القرآن ويجلسون في المساجد، وما ذلك إلا بما أودعه الله في هذا الشهر من بركات، وتيسيره للناس سبل الخير عن غيره من الشهور.

 

وأنت تصوم هذا العام وتفطر على ما رزقك الله من خيره وفضله، تذكر إخوانك المبتلين في كل مكان، في أرض الشام وبورما وغيرها، فاستشعر معاناتهم وآلامهم، وابذل لهم من مالك ودعائك ما تستطيع، واحمد ربك على نعمة العافية.

 

5- حمية للجسد:

من رحمة الله تبارك وتعالى بالعباد أن جعل الصيام وقاية وحماية وتنظيفًا للبدن مما فيه من سموم وأدواء، ففي الصوم صحة البدن، وخلوصه من الأخلاط الرديئة.. وفي الصوم إضعاف للشهوات التي تزداد مع الأكل والشرب وإطلاق النظر، فيأتي الصيام ليكسر هذه الشهوات، فيحفظ الإنسان جوارحه.

 

إن البدن طوال العام مع العمل يكل ويملّ، وقد تُصاب أجهزة الجسم بالآلام والأسقام، والأفضل أن تستريح الأعضاء بعضًا من الأوقات لتستعيد نشاطها وقوتها مرة أخرى، فمن رحمة العزيز العليم أن جعل للمعدة وقتًا تستريح فيه كما يستريح غيرها من الأعضاء.

 

وبامتناع الإنسان عن الشهوات بالصوم المشروع؛ ترتقي نفسه وتسمو روحه، وكأنها تقترب من الملأ الأعلى الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون؛ فيكون هذا السمو الروحي، وكسر حدة الشهوات عاملاً مهمًّا ليتخلص المرء من حصار الآفات المهلكة.

 

6- الصوم في الحر واستدارة الزمان:

الصوم في الحر ومع طول النهار مدرسة عظمى في الصبر، وفيها من الأجر الكثير لمن صبر على ذلك، وقد شاء الله سبحانه أن يجعل الشهر القمري رمضان محلاً للصيام، ولهذا الشهر علامته الكونية الكبيرة، القمر بدءًا وانتهاءً يحمل في طياته عوامل الوضوح والثبات، فلا تستطيع سلطة أو جماعة أن تُخفيه أو تحرّف المسلمين عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ".[13]

 

واختيار السنة القمرية في التوقيت له فيها حِكَم عظيمة، فالسنة القمرية أقل من السنة الشمسية بحوالي عشرة أيام، فعلى هذا يتقدم شهر رمضان كل عام عنه في السنة الماضية عشرة أيام، وعلى هذا ففي خلال ستة وثلاثين عامًا لا يبقى يوم من أيام السنة إلا وقد صامه المسلم، يشهد له بصومه لربه.

 

اليوم القصير.. واليوم الطويل.. واليوم الحار.. واليوم البارد. وبذلك يتساوى المسلمون في كل أقطار الدنيا في مقدار الصيام وشدته، ولولا هذا لكان نصيب أهل المناطق الحارة أشد من نصيب أهل المناطق الباردة، وناس يصومون يومًا طويلاً أبد الدهر، وناس يصومون يومًا قصيرًا.

 

ومن رحمة الله عز وجل بعباده أن علق الصوم والإمساك على علامتين سماويتين يسهل تمييزهما هما طلوع الفجر، وغروب الشمس، وفي ذلك ضبط للوقت يستطيعه أي إنسان في أكثر مناطق العالم كما قال سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187] [البقرة: 187].

 

ومن رحمة الله بعباده أن منح الناس في رمضان وقتًا يعوّضون فيه كل ما فقدوه في صيام اليوم من حاجة الجسد، وذلك بإباحة الطعام والشراب والنكاح ليلاً، ومنعه منهم نهارًا، وبذلك يتمحض الصيام نفعًا خالصًا للإنسان بدنيًّا ونفسيًّا.

 

وفي تعيين شهر رمضان بالذات شهرًا للصوم، دون ترك التعيين للإنسان ليختار شهرًا معينًا لنفسه من السنة، فيه إشعار للمسلمين بوحدتهم، ومن تعويدهم النظام والانضباط والاستسلام لله ۵، وفيه فتح الباب لأعمال موحدة من الخير، ينال كل مسلم من المسلمين فيها نصيبه، وإعلان لدخول المسلمين جميعًا في يوم واحد مدرسة واحدة فيها الصيام والقيام، والبذل والإحسان، وتلاوة القرآن. [14]

 

ويمكن تلخيص هذه الحكم فيما يلي:

1- الصوم عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه؛ بترك محبوباته المجبول على محبتها من الطعام والشراب والنكاح؛ لينال بذلك رضى ربه والفوز بدار كرامته، فيتبين بذلك إيثاره لمحبوبات ربه على محبوبات نفسه وللدار الآخرة على الدار الدنيا. [15]

 

2- الصيام سبب للتقوى؛ إذا قام الصائم بواجب صيامه، فالتقوى هي الغاية الكبيرة من الصوم؛ فالصائم مأمور بتقوى الله ۵، وهي امتثال أمره واجتناب نهيه، وهذا هو المقصود الأعظم بالصيام، وليس المقصود تعذيب الصائم بترك الأكل والشرب والنكاح.

 

إن المؤمنين المخاطبين بالقرآن العظيم يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم، والصوم أداة من أدواتها وطريق موصل إليها؛ فالتقوى هي التي توقظ القلوب الشاردة لتؤدي هذه الفريضة طاعةً لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تدفع العبد ليحرس صومه لئلا يفسده بالمعصية.

 

3- الصيام تربية لنفس المسلم، وتهذيبٌ لأخلاقه، وتقويمٌ لسلوكه، إذا راعى العبد آدابه وسننه وأحكامه أثَّر تأثيرًا بالغًا فيه، ويظهر ذلك في عباداته وأخلاقه وسلوكه ومعاملاته.

 

4- الصوم هو مجال تقرير الإرادة الجازمة، ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد، كما أنه استعلاء على ضروريات الجسد كلها، واحتمال ضغطها وثقلها، وهذه كلها عناصر لازمة في إعداد النفوس واحتمال مشقات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك، والذي تتناثر على جوانبه الرغبات والشهوات، فالصوم أعظم طريق لإذلال النفس، والسيطرة عليها، والتدرب على ضبطها، وقيادتها، والدليل على ذلك قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"[16]؛ فالشاب الذي لا يملك القدرة على نفقات الزواج عليه بالصوم؛ إذ إنه يكبح شهوات نفسه؛ وقد فهم السلف هذا الأمر جيدًا؛ فكان أحدهم إذا أراد أن يعاقب نفسه على ذنب؛ كان يعاقبها بالصيام، ولفترات طويلة من السنة.

 

إن الصوم يمكِّن الإنسان من قيادة نفسه لما فيه خيرها وسعادتها في الدنيا والآخرة، ويبعده عن أن يكون عبدًا لشهواته لا يتمكن من منع نفسه عن لذاتها وشهواتها.

 

5- ومن حِكَم الصيام: أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه؛ بما يسَّر له الحصول على ما يشتهي من طعام وشراب ونكاح، فيشكر ربه على هذه النعمة، ويتذكر الفقير الذي لا يتيسر له الحصول على ذلك، فيجود عليه بالصدقة والإحسان.

 

6- ومن تلك الحِكَم: أن نستشعر حال إخواننا المستضعفين والمشردين والمنكوبين، في كل مكان، الذين يُهَجَّرُون من ديارهم، فيخرجون إلى العراء جوعى هلكى لا يجدون ما يسترهم، ولا ما يسد رمقهم.

 

7- ومنها: ما يحصل من الفوائد الصحية الناتجة عن تقليل الطعام وإراحة الجهاز الهضمي لفترة معينة، وكذلك ليتخلص الجسم من الفضلات الضارة المترسبة في الجسم، وغير ذلك.

 

ومع هذه التأملات السريعة في بعض الحِكَم الظاهرة لتشريع الصيام وفرضه، إلا أنه ينبغي التأكيد على أن العبد يتلقى الأوامر الشرعية سامعًا مطيعًا، ويسارع إلى العمل بها بعد التأكد من ثبوتها، سواء علِم الحكمة أم لم يعلمها، ولا يطلب معرفة الحِكَم الغائية من كل عبادة، فإن اتضحت الحكمة من العبادة فهي نور على نور، وإن لم تظهر الحكمة فيسارع العبد إلى الاستجابة لله والرسول، ويبادر إلى العمل الصالح، وهو موقِن أن لله الحجة البالغة والحِكم العظيمة من وراء أي تكليف شرعي.



[1] مفاتيح الغيب (5/ 240).

[2] سنن الترمذي (3334) وابن ماجه (4244) وحسنه الألباني.

[3] تحفة الأحوذي (9/ 178).

[4] سلسلة التفسير للشيخ مصطفى العدوي (5/ 36).

[5] صحيح سنن الترمذي للألباني (3545).

[6] تحفة الأحوذي (9/ 372).

[7] فيض القدير (4/ 34).

[8] لطائف المعارف، لابن رجب ص211 بتصرف يسير.

[9] أخرجه البخاري (5710).

[10] أخرجه البخاري (1805)، ومسلم (1151).

[11] أخرجه الترمذي (3513) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4423).

[12] لطائف المعارف لابن رجب ص(228).

[13] أخرجه البخاري (1909) ومسلم (1081).

[14] معالم في تربية النفس في ظلال رمضان، عبد العزيز مصطفى الشامي، مجلة البيان، عدد 313، ص38، بتصرف واختصار.

[15] مجالس شهر رمضان ص 81-82.

[16] أخرجه البخاري (4778)، ومسلم (1400).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حكمة الصيام

مختارات من الشبكة

  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم سرد الصيام (الصيام كل يوم)(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • تعريف الصيام وحكمه والحكمة من مشروعيته(مقالة - ملفات خاصة)
  • حكمة الصيام (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف الصيام وحكم صيام شهر رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • دعوة لفهم حقيقة الصيام(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي)
  • الحكمة في فرض الصيام (خطبة)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحكمة من تشريع الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • الحكمة من مشروعية الصيام(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب