• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة الخامسة عشرة: استخدام القدرات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    غرس القيم الإسلامية في نفوس الأطفال: استراتيجيات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    أحكام العِشرة بين الزوجين
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    المحطة الرابعة عشرة: الطموح
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الجهل الرقمي كفجوة بين الأجيال: حين لا يفهم ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    التعلق المرضي ليس حبا، فكيف لنا أن نفرق بين الحب، ...
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
  •  
    عين على الحياة
    د. خالد النجار
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإسلام يحافظ على الكيان الأُسري
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الثالثة عشرة: التسامح
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تربية الأبناء في عصر "الشاشة" كيف نربي طفلا لا ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تطوعي نجاحي
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

سورة آل عمران (4) النفاق والمنافقون

سورة آل عمران (4) النفاق والمنافقون
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/10/2023 ميلادي - 27/3/1445 هجري

الزيارات: 12161

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سورة آل عمران (4)

النفاق والمنافقون


الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَتِهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهِيَ سُورَةٌ تَنَاوَلَتْ مَوْضُوعَيْنِ رَئِيسَيْنِ: مُحَاوَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمُصَابُ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ. وَفِي كِلَا الْمَوْضُوعَيْنِ كَانَ لِلنِّفَاقِ وَالْمُنَافِقِينَ حُضُورٌ كَبِيرٌ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ تَلَبَّسُوا بِالنِّفَاقِ، فَأَخْفَوْا حَقِيقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَامَّتِهِمْ؛ حَسَدًا لَهُ وَلِلْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ مِنْهُمْ. كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الْمَدِينَةِ خَذَّلُوا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ وَأَرْجَفُوا، وَكَانُوا عَوْنًا لِلْكُفَّارِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

 

وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بَيَانٌ لِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكَ الْمُنَافِقِينَ فِي اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ مِنَ النُّصُوصِ وَالْأَحْكَامِ، وَالْقَضَاءِ بِهِ عَلَى الْمُحْكَمِ؛ لِإِضْلَالِ النَّاسِ وَإِغْوَائِهِمْ، وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِينِهِمْ؛ لِيَحْذَرَ أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْ هَذَا الْمَسْلَكِ الْخَبِيثِ؛ ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 7-8].

 

وَمِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ: أَنَّهُمْ يُوَالُونَ الْكُفَّارَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَلِذَا حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 28]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ؛ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ الْيَهُودَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَيَأْتُونَهُمْ بِالْأَخْبَارِ، وَيَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الظَّفَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ».

 

وَبَعْدَهَا مُبَاشَرَةً حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ مَوَدَّةِ الْكُفَّارِ وَمَوْلَاتِهِمْ وَمُظَاهَرَتِهِمْ، وَلَوْ أَخْفَوْا ذَلِكَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَظْهَرُوا لَهُمْ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ: ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 29].

 

وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الثِّقَةِ بِالْمُنَافِقِينَ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ عَدَاوَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَغَمَّهُمْ بِانْتِصَارِهِمْ، وَفَرَحَهُمْ بِهَزِيمَتِهِمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 118-120]. وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ مُلَازِمَةٌ لِلْمُنَافِقِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، لَا تَنْفَكُّ عَنْهُمْ أَبَدًا، وَالشَّوَاهِدُ مِنَ التَّارِيخِ وَالْوَاقِعِ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ.

 

وَحِينَ وَقَعَ الْمُصَابُ فِي أُحُدٍ ظَهَرَتْ حَقِيقَةُ الْمُنَافِقِينَ فِي خَوْفِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَظَنِّهِمْ ظَنَّ السَّوْءِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَتْ غَزْوَةُ أُحُدٍ كَاشِفَةً لَهُمْ، مُظْهِرَةً مَا فِي قُلُوبِهِمْ، كَمَا فُصِّلَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ﴿ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 154].

 

وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ سُلُوكِ مَسْلَكِ الْمُنَافِقِينَ فِي ضَعْفِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَالْجَهْلِ بِحِكْمَةِ الْبَلَاءِ، وَالْغَفْلَةِ عَنِ الْجَزَاءِ بَعْدَ الْبَعْثِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 156-158].

 

وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مِنَ الْحِكَمِ الْعَظِيمَةِ لِلْهَزِيمَةِ فِي أُحُدٍ فَضْحَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَشْفَ سَرِيرَتِهِمْ، وَهَتْكَ سِتْرِهِمْ: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 166-168]. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 179].

 

فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ فِي أُحُدٍ ابْتِلَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَتَصْفِيَةً للِصُفُوفِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ؛ فَإِنَّ مَنْ أَعْظَمِ مِحَنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّهَا ابْتُلِيَتْ بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ النُّصْحَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقُلُوبُهُمْ مَعَ أَعْدَائِهِمْ، وَأَفْعَالُهُمْ فِي صَالِحِهِمْ. وَهَذَا الِابْتِلَاءُ يَعْظُمُ بِهِ أَجْرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَزْدَادُ ثَوَابُهُمْ، بِثَبَاتِهِمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَحَذَرِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ؛ ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 141- 142].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131-132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ نِفَاقُ عَرَبِ الْمَدِينَةِ وَأَعْرَابِهَا لِأَجْلِ الرِّئَاسَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَانَ ابْنُ سَلُولَ يُنْظَمُ لَهُ الْخَرَزُ لِيَكُونَ رَأْسًا فِي قَوْمِهِ، وَفَقَدَ ذَلِكَ بِهِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَاصَبَهُ الْعَدَاءَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالرِّئَاسَةِ. وَأَمَّا نِفَاقُ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَكَانَ لِأَجْلِ الرِّئَاسَةِ الدِّينِيَّةِ؛ فَإِنَّهُمُ اسْتَكْثَرُوا عَلَى الْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ مِنْهُمْ، وَاعْتَرَضُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي اصْطِفَائِهِ. وَقَدْ عَرَضَتْ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ لِأَسَالِيبَ مِنْ نِفَاقِ الْيَهُودِ؛ لِإِخْرَاجِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ دِينِهِمْ، وَتَشْكِيكِهِمْ فِي الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ:

وَمِنْ أَسَالِيبِهِمْ فِي ذَلِكَ: لَبْسُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ لِإِخْفَائِهِ، وَكَتْمُ الْحَقِّ عَنِ النَّاسِ: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 71] مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَنَصْرِهِ، وَلَكِنَّهُمْ كَتَمُوهُ، وَفَرِحُوا بِهَذَا الْإِثْمِ الْعَظِيمِ؛ ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ* لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 187-188]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَخَرَجُوا قَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ، وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ، وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَمِنْ دَوَافِعِ أَحْبَارِ الْيَهُودِ لِكِتْمَانِ الْحَقِّ وَنَشْرِ الْبَاطِلِ: الرِّئَاسَةُ عَلَى قَوْمِهِمْ، وَالْإِثْرَاءُ بِاسْتِحْلَالِ الرَّشَاوَى وَالسُّحْتِ؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 77-78].

 

وَمِنْ نِفَاقِ الْيَهُودِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي آلِ عِمْرَانَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 72-73]. قَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: «تَوَاطَأَ اثْنَا عَشَرَ حَبْرًا مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ وَقُرَى عُيَيْنَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْخُلُوا فِي دِينِ مُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ بِاللِّسَانِ دُونَ الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ اكْفُرُوا آخِرَ النَّهَارِ وَقُولُوا: إِنَّا نَظَرْنَا فِي كُتُبِنَا، وَشَاوَرْنَا عُلَمَاءَنَا؛ فَوَجَدْنَا مُحَمَّدًا لَيْسَ بِذَلِكَ، وَظَهَرَ لَنَا كَذِبُهُ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ شَكَّ أَصْحَابُهُ فِي دِينِهِمْ وَاتَّهَمُوهُ وَقَالُوا: إِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا بِهِ، فَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ». وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ دِينَهُ، وَأَظْهَرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَمَا نَفَعَ الْيَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ نِفَاقُهُمْ، بَلْ أَرْدَاهُمْ إِلَى دَارِ السَّعِيرِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سورة آل عمران (1) لا دين يقبل إلا الإسلام
  • سورة آل عمران (2) تقرير الربوبية
  • سورة آل عمران (3) تقرير الألوهية
  • سورة آل عمران (5) غزوة أحد (خطبة)
  • مع سورة آل عمران
  • سورة آل عمران (6) الدنيا متاع الغرور
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)

مختارات من الشبكة

  • لطائف وإشارات حول السور والآي والمتشابهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قراءة سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الأوامر العملية في سور الصف والجمعة والمنافقون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الجمعة والمنافقون(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • وقفات مع سورة الجمعة والمنافقون(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • النفاق والمنافقون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مناسبة سورة الأنفال لسورتي البقرة وآل عمران(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النفاق والمنافقون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سور صلاة الجمعة (4) سورة (المنافقون)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • معنى السورة لغة واصطلاحا(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/12/1446هـ - الساعة: 18:42
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب