• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق الطفل (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    معذور لأنه مراهق!
    محمد شلبي محمد شلبي
  •  
    الزواج وفوائده وآثاره النافعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الحقوق بين الزوجين
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    حقوق الطفل (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة السادسة عشرة: الاستقلالية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    العنف المدرسي في زمن الحياة المدرسية: من الصمت ...
    عبدالخالق الزهراوي
  •  
    في العمق
    د. خالد النجار
  •  
    كيف يمكن للشباب التكيف مع ضغوط الدراسة وتحديات ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    المحطة الخامسة عشرة: استخدام القدرات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    غرس القيم الإسلامية في نفوس الأطفال: استراتيجيات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    أحكام العِشرة بين الزوجين
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    المحطة الرابعة عشرة: الطموح
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الجهل الرقمي كفجوة بين الأجيال: حين لا يفهم ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    التعلق المرضي ليس حبا، فكيف لنا أن نفرق بين الحب، ...
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

حمية الجاهلية

حمية الجاهلية
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/9/2020 ميلادي - 22/1/1442 هجري

الزيارات: 16854

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حمية الجاهلية


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ رَضِيَهُ الْمُؤْمِنُونَ رَبًّا لَهُمْ فَاسْتَسْلَمُوا لَهُ، وَرَضُوا بِدِينِهِ فَلَزِمُوهُ، وَرَضُوا بِنَبِيِّهِ فَاتَّبَعُوهُ، وَهُمْ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ يُعْلِنُونَ الرِّضَا بِاللَّهِ تَعَالَى رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَمْ يَرْضَ بِهِ رَبًّا إِلَّا مَنْ سَلِمَ قَلْبُهُ لَهُ، فَاسْتَسْلَمَ لِشَرْعِهِ، وَقَبِلَهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا مِنْهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ أَنَّ طَعْمَ الْإِيمَانِ يُنَالُ بِالِاسْتِسْلَامِ، وَجَزَاؤُهُ الْخُلْدُ فِي الْجِنَانِ؛ فَقَالَ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ؛ فَإِنَّ التَّقْوَى نِعْمَ الْعُدَّةُ فِي الشِّدَّةِ، وَهِيَ الْحَاجِزُ عَنِ الشَّهْوَةِ وَالشُّبْهَةِ، وَالْمُخْرِجُ مِنَ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ، وَثَوَابُهَا رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْجَنَّةُ ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 15].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: لَا إِيمَانَ بِلَا اسْتِسْلَامٍ، وَلَا اسْتِسْلَامَ إِلَّا بِسَلَامَةِ الْقَلْبِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَلْبُ سَلَمًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا، وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ مُسْتَسْلِمًا، وَإِنَّمَا الْفَوْزُ لِصَاحِبِ الْقَلْبِ السَّلِيمِ ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 88- 89].

 

وَأَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الْقَلْبَ، وَيُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ حَالَةِ الِاسْتِسْلَامِ لِلَّهِ تَعَالَى حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي تُورِدُ صَاحِبَهَا الْمَهَالِكَ، فَتَجْعَلُهُ يُصِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ وَلَوْ عَرَفَ الْحَقَّ، وَتَهْوِي بِهِ إِلَى دَرَكِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؛ فَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ تَغْشَى عَلَى بَصَرِهِ، وَتَخْتِمُ عَلَى سَمْعِهِ، وَتُطْبِقُ عَلَى قَلْبِهِ، وَتُغَطِّي عَقْلَهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ هَالِكٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَكِنَّهُ يَعْجَزُ أَنْ يَتَدَارَكَ أَمْرَهُ، أَوْ يُرَاجِعَ نَفْسَهُ ﴿ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ﴾ [غَافِرٍ: 56].

 

وَالْحَمِيَّةُ هِيَ الْأَنَفَةُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِّ فَهِيَ مِنْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرَةٌ وَغَضَبٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ لِدُنْيَا فَهِيَ بَوَّابَةُ التَّمَرُّدِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى شَرِيعَتِهِ.

 

وَالْحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةُ وَقَعَتْ فِي أَفْرَادٍ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ فَأَهْلَكَتْهُمْ، وَوَقَعَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ كُفَّارٍ وَمِنْ مُنَافِقِينَ فَصَرَفَتْهُمْ عَنِ الْحَقِّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ حَقٌّ، وَرَكِبُوا الْبَاطِلَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ، فَحَارَبُوا الْحَقَّ وَنَصَرُوا الْبَاطِلَ حَتَّى هَلَكُوا عَلَيْهِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. وَإِبْلِيسُ أَبَى طَاعَةَ اللهِ تَعَالَى وَالسُّجُودَ لِآَدَمَ حَمِيَّةً لِنَفْسِهِ ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 76] فَحَقَّتْ عَلَيهِ اللَّعْنَةُ وَالخُلُودُ فِي العَذَابِ الأَبَدِيِّ.

 

وَقَدْ تَكُونُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَجْلِ الْجَاهِ وَالشَّرَفِ وَالسُّلْطَةِ، وَهِيَ حَمِيَّةُ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ؛ فَإِنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ مُبَارَزَةِ السَّحَرَةِ لَهُ، ثُمَّ إِيمَانِهِمْ بِهِ، وَأَيْضًا بَعْدَ أَنْ طَلَبَ مِنْ مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى بِرَفْعِ الطَّاعُونِ عَنْهُمْ فَدَعَا مُوسَى فَرُفِعَ الطَّاعُونُ فَنَكَثَ فِرْعَوْنُ ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 134 - 136].

 

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَمِيَّةَ فِرْعَوْنَ كَانَتْ لِأَجْلِ السُّلْطَةِ وَالْجَاهِ قَوْلُهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يُونُسَ: 78]، فَلَيْسَتْ إِلَّا حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَجْلِ الشَّرَفِ وَالْكِبْرِيَاءِ.

 

وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ الَّتِي رَدَّتْ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ عَنِ الْإِيمَانِ، وَجَعَلَتْهُمْ يَصُدُّونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَيَرْفُضُونَ الِاعْتِرَافَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَنَزَلَ فِيهِمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [الْفَتْحِ: 26].

 

وَرَأْسُ الشِّرْكِ وَطَاغُوتُ مَكَّةَ أَبُو جَهْلٍ، مَا مَنَعَهُ مِنَ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ، رَغْمَ عِلْمِهِ بِصِدْقِهِ، وَأَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ السُّدِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «الْتَقَى الْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ الْأَخْنَسُ لِأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامَكَ غَيْرِي، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ، وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ، وَلَكِنْ إِذَا ذَهَبَ بَنُو قُصَيٍّ بِاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ وَالنَّدْوَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَمَاذَا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 33]». وَرَوَى أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ فَصَافَحَهُ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلَا أَرَاكَ تُصَافِحُ هَذَا الصَّابِئَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ، وَلَكِنْ مَتَى كُنَّا لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَبَعًا؟».

 

وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ الَّتِي مَنَعَتْ أَبَا طَالِبٍ أَنْ يَقُولَ كَلِمَةَ الْحَقِّ وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ؛ لِئَلَّا يُعَيَّرَ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَخَتَمَ حَيَاتَهُ وَهُوَ يَقُولُ: «عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، فَاسْتَوْجَبَ الْخُلْدَ فِي النَّارِ.

 

وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ الَّتِي حَالَتْ بَيْنَ أُمَيَّةَ بْنِ الصَّلْتِ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ رَغْمَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْحُنَفَاءِ الْعُلَمَاءِ، وَأَشْعَارُهُ كُلُّهَا إِيمَانٌ وَتَوْحِيدٌ، لَكِنْ عَظُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ نَبِيًّا مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ صَدِيقًا لِأَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: «يَا أُمَيَّةُ، قَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنْتَ تَنْعَتُهُ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ حَقٌّ فَاتَّبِعْهُ، قُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ اتِّبَاعِهِ؟ قَالَ: مَا يَمْنَعُنِي إِلَّا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ نُسَيَّاتِ ثَقِيفٍ، إِنِّي كُنْتُ أُحَدِّثُهُنَّ أَنِّي هُوَ، ثُمَّ يَرَيْنَنِي تَابِعًا لِغُلَامٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ!».

 

وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ الَّتِي مَنَعَتْ حُيَّيَّ بْنَ أَخْطَبَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ، وَكَانَ يُبَشِّرُ بِظُهُورِ نَبِيٍّ، وَلَكِنْ عَزَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ نَبِيًّا مِنَ الْعَرَبِ وَهُوَ يَحْتَقِرُهُمْ، قَالَتِ ابْنَتُهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كُنْتُ أَحَبَّ وَلَدِ أَبِي إِلَيْهِ، وَإِلَى عَمِّي أَبِي يَاسِرٍ، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إِلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ فِنَاءَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ؛ غَدَا عَلَيْهِ أَبِي حُيَيٌّ وَعَمِّي أَبُو يَاسِرٍ مُغَلِّسَيْنِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَرْجِعَا حَتَّى كَانَ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَالَتْ: فَأَتَيَا كَالَّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى، قَالَتْ: فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَوَاللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَعَ مَا بِهِمَا مِنَ الْهَمِّ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي حُيَيٍّ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاللَّهِ مَا بَقِيتُ أَبَدًا».

 

وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ الَّتِي جَعَلَتْ جَمْعًا مِنَ الْعَرَبِ يَرْتَدُّونَ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَيَتْبَعُونَ الْكَذَّابِينَ مِنْ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَكِنْ حَمِيَّةً لِقَبَائِلِهِمْ، وَقَدْ «جَاءَ طَلْحَةُ النَّمِرِيُّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ رَجُلٌ فِي ظُلْمَةٍ، فَقَالَ طَلْحَةُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الْكَاذِبُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَادِقٌ، وَلَكِنَّ كَذَّابَ رَبِيعَةَ أَحَبُّ إِلْيَنَا مِنْ صَادِقِ مُضَرَ. فَاتَّبَعَ مُسَيْلِمَةَ، وَقُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ عَقْرَبَاءَ كَافِرًا».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ مِنْ حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا نَسْأَلُهُ الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 130 - 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَكَرَّرَتْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي حَوَادِثَ كَثِيرَةٍ فَأَخْرَجَتْ أُنَاسًا مِنْ دِينِهِمْ أَوْ مَنَعَتْهُمْ مِنْ دُخُولِ الْإِسْلَامِ، أَوْ جَعَلَتْهُمْ مُنَاصِرِينَ لِلْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ، وَهَذَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَتَفَقُّدَ قَلْبِهِ، وَإِحْرَازَ إِيمَانِهِ، وَأَنْ يَقْهَرَ قَلْبَهُ عَلَى الْوَلَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الِاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِهِ وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِهَوَاهُ؛ فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى مُنَاقِضٌ لِلِاسْتِسْلَامِ ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26].

 

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَدْفَعُهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ لِرَفْضِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ فُلَانٍ الَّذِي يَكْرَهُهُ، وَقَبُولِ الْبَاطِلِ مِنْ فُلَانٍ الَّذِي يُحِبُّهُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَدْفَعُهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى التَّعَصُّبِ لِأَشْخَاصٍ أَوْ لِطَوَائِفَ أَوْ لِأَحْزَابٍ، فَيُدَافِعُ عَنْ بَاطِلِهِمْ وَخَطَئِهِمْ، وَلَا يَقْبَلُ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ مِنْ خُصُومِهِمْ.

 

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ فِيهِ حَمِيَّةٌ جَاهِلِيَّةٌ ضِدَّ أَحْكَامٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ كَمَنْ يَرْفُضُ أَحْكَامَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمَنْ يَرْفُضُ الْحُدُودَ الشَّرْعِيَّةَ وَيَجْعَلُهَا مِنَ الْوَحْشِيَّةِ، وَمَنْ يَرْفُضُ أَحْكَامَ الْمَرْأَةِ.

 

وَفِي بَعْضِ النِّسَاءِ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ ضِدَّ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَرَاهَا مُؤْمِنَةً قَانِتَةً عَابِدَةً مُنْفِقَةً فَعَّالَةً لِلْخَيْرِ، وَلَكِنَّ حَمِيَّتَهَا الْجَاهِلِيَّةَ تَظْهَرُ فِي أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ لَا تَرْتَضِيهَا، فَتَكْرَهُهَا أَوْ تَعْتَرِضُ عَلَيْهَا، أَوْ تَوَدُّ لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَرُبَّمَا حَارَبَتْهَا، وَرَدَّتْ نُصُوصَهَا أَوْ حَرَّفَتْ مَعَانِيَهَا؛ لِيَكُونَ دِينُهَا عَلَى هَوَاهَا؛ كَمَنْ تَرْفُضُ قِوَامَةَ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَوِلَايَتَهُمْ عَلَيْهِنَّ، وَوُجُوبَ الْحِجَابِ، وَتَحْرِيمَ التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ، وَنَحْوَهَا مِنَ الْأَحْكَامِ. وَمَا أَعْظَمَ خَسَارَةَ الْإِنْسَانِ حِينَ يَعْمَلُ الصَّالِحَاتِ، وَيَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَعِيشُ فِي دَوْحَةِ الْإِيمَانِ، وَلَكِنَّهُ نَاقِصُ الِاسْتِسْلَامِ، يَرْفُضُ شَيْئًا مِنْ شَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَقْلِهِ وَهَوَاهُ، فَهَذَا مُسْتَسْلِمٌ لِهَوَاهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَنْ يَنْجُوَ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإيلاء في الجاهلية
  • علوم العرب في الجاهلية
  • من أيام العرب في الجاهلية
  • أسواق العرب في الجاهلية
  • هل كان اعتقاد مشركي الجاهلية في الربوبية صحيحا؟
  • من أعمال الجاهلية (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أنواع الجاهلية _ تبرج الجاهلية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
  • الكلام على تعليق ابن تيمية على قوله صلى الله عليه وسلم: (سنة الجاهلية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (6)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الجاهلية القديمة والحديثة (س/ج)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تطور النقد الأدبي العربي من الجاهلية حتى الأندلس(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المرأة عند العرب في الجاهلية(مقالة - ملفات خاصة)
  • فوائد البنوك أسوأ من ربا الجاهلية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/1/1447هـ - الساعة: 13:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب