اختيارات الشيخ محمد بن صالح العثيمين الفقهية في كتاب الحدود

ملخص الرسالة

اختيارات الشيخ محمد بن صالح العثيمين الفقهية في كتاب الحدود

المقدمة:

الحمد لله الذي أكمل الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، أحمده سبحانه وأشكره، شرع لنا من الأحكام ما يصلح به عيشنا، وتقوم به حياتنا، وأصلِّي وأسلم على نبيه ورسوله محمد، الذي بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن شريعة الله سبحانه جاءت بكل ما يصلح العباد في أمور دينهم ودنياهم.

وإن مما جاءت به الشريعة الإسلامية المحافظةَ على خمسة أمور، هي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وهي الضرورات الخمس.

ولأجل ذلك شُرعت الحدود والعقوبات، فشرُع حكم المرتد لأجل حفظ الدين، وشرع حد قطاع الطريق لأجل حفظ النفس والمال، وشرعت عقوبة المسكر لأجل حفظ العقل، وشرع حد الزنا لأجل حفظ النسل، وشرع القطع في السرقة لأجل حفظ المال.

وقد اهتم علماء الإسلام رحمهم الله ببيان ذلك وتقريره، وتوضيح أحكامه، وكيفية تطبيقه.

ومن العلماء الذين بيَّنوا ذلك وفصلوا فيه سماحة الشيخ العلامة: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.

وإن من الوفاء للعلماء الاهتمامَ بنشر علمهم، وبيان ما كانوا عليه من حرص على اتباع الدليل الصحيح في اجتهاداتهم.

وقد منَّ الله عليَّ إذ كنت أحد الدارسين في قسم الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء (مرحلة الماجستير) الذي يدرس فيه علماء فضلاء، وأساتذة أجلاء.

وحيث إن من مما تتطلبه درجة الماجستير إعداد بحث تكميلي في موضوع التخصص، فقد اخترت موضوعًا بعنوان: "اختيارات الشيخ محمد بن صالح العثيمين الفقهية في كتاب الحدود"، ليكون البحث المقدم لقسم الفقه المقارن بالمعهد.

وقد اخترت هذا الموضوع؛ لما له من أهمية كما يظهر ذلك فيما يأتي:

1 - إن في دراسة الاختيارات بيانًا لما تمتَّع به المحققون من علماء الإسلام من الاتباع للدليل، وعدم التعصب لمذهب من المذاهب.

2 - الحرص على الاستفادة من التجربة العلمية في دراسة مسائل الخلاف، خاصة بالنسبة لمن سيعمل في مجال القضاء، الذي يحتاج إلى بُعد النظر، والتمحيص في المسائل المختلف فيها.

3 - إن الحدود من الأحكام التي يحتاج من يتولى القضاء إلى معرفتها ودراستها دراسة متفحصة، خصوصًا مسائل الخلاف فيها؛ لكثرتها وخطورة الحكم فيها.

4 - المشاركة في نشر علم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ حيث إنه إمام من أبرز أئمة الإسلام في هذا العصر، وفي نشر علمه بيانٌ لما يتميز به رأيه في المسائل الخلافية من القوة في الحجة؛ لشدة حرصه على اتباع الدليل.

وفي نشر علمه أيضًا قيام ببعض حقه على طلبة العلم.

لهذه الأسباب ولأنني لم أجد أحدًا - حسب علمي - كتَبَ في هذه الاختيارات؛ عزمت على البحث في هذا الموضوع، وأسأل الله التوفيق.

منهج البحث:

منهجي في البحث يتبين فيما يلي:

1 - جمع ودراسة جميع اختيارات الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في كتاب الحدود.

2 - الضابط في هذه الاختيارات هو: "ما خالف فيه الشيخ رحمه الله المذهب الحنبلي أو المشهور منه".

3 - توثيق الاختيارات من الكتب الآتية:

أ - الشرح الممتع على زاد المستقنع.

ب - شرح بلوغ المرام.

مع الاستفادة من أشرطته المسجلة من دروسه التي هي أصل هذه الكتب.

4 - أجعل تمهيدًا لكل باب أو فصل أبيِّن فيه التعريف اللغوي والاصطلاحي لعنوان الباب أو الفصل.

5 - أصدر المبحث بعنوان شامل للاختيار، وقد أصور المسألة إن احتاجت إلى تصوير، ثم أسوق الاختيار مع توثيقه، ثم أحرر محل النزاع بذكر ما اتفق عليه وما اختلف فيه قدر الطاقة.

6 - أذكر من يوافق الشيخ في اختياره من المذاهب الأربعة والأئمة، وأعتبر اختياره القول الأول، ثم أذكر أقوال المذاهب الأخرى حسب التسلسل الزمني لها.

7 - أستقصي أدلة الأقوال مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يرد عليها من مناقشات، وما يجاب به عنها - إن كانت - واذكر ذلك بعد الدليل مباشرة.

8 - أذكر الترجيح مع بيان سببه، وذكر ثمرة الخلاف إن وجدت.

9 - أعتمد على أمهات المصادر والمراجع الأصلية في التحرير والتوثيق والتخريج والجمع.

10 - أركز على موضوع البحث، وأتجنب الاستطراد.

11 - أعتني بضرب الأمثلة، وخاصة الواقعية.

12- أتجنب ذكر الأقوال الشاذة.

13 - أعتني بدراسة ما جد من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث.

14 - أرقم الآيات وأبين سورها مضبوطة بالشكل.

15 - أخرِّج الأحاديث من مصادرها الأصلية مع إثبات الكتاب والباب والجزء والصفحة، وبيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما، فإن كانت كذلك فأكتفي حينئذٍ بتخريجها منهما أو من أحدهما.

16 - أخرِّج الآثار من مصادرها الأصلية مع الحكم عليها.

17 - أعرِّف بالمصطلحات من كتب الفن الذي يتبعه المصطلح أو من كتب المصطلحات المعتمدة.

18 - أوثق المعاني من معاجم اللغة المعتمدة، وتكون الإحالة عليها بالمادة والجزء والصفحة.

19 - أعتني بقواعد اللغة العربية والإملاء، وعلامات الترقيم، ومنها علامات التنصيص للآيات الكريمة، وللأحاديث الشريفة، وللآثار، ولأقوال العلماء، وأميز العلامات أو الأقواس فيكون لكل منها علامته الخاصة.

20 - أجعل الخاتمة متضمنة أهم النتائج والتوصيات التي رأيتها من خلال البحث.

21 - أترجم للأعلام غير المشهورين بإيجاز، بذكر اسم العَلَم ونسبه، وتاريخ فاته، ومذهبه العقدي والفقهي، والعلم الذي اشتهر به، وأهم مؤلفاته، ومصادر ترجمته.

22 - إذا ورد في البحث ذكر أماكن، أو قبائل، أو فِرق، أو أشعار أو غير ذلك، أضع لها فهارس خاصة، إن كان لها من العدد ما يستدعي ذلك.

23 - أتبع الرسالة بالفهارس الفنية المتعارف عليها، وهي:

• فهرس الآيات القرآنية.

• فهرس الأحاديث النبوية والآثار.

• فهرس الأعلام.

• فهرس المصادر والمراجع.

• فهرس الموضوعات.

خطة البحث:

قد قسمت هذا البحث على مقدمة، وتمهيد، وسبعة فصول، وخاتمة، على النحو التالي:

المقدمة: وفيها ما يلي:

أولًا: التعريف بالموضوع.

ثانيًا: أهمية الموضوع.

ثالثًا: أسباب اختيار الموضوع.

رابعًا: منهج البحث.

خامسًا: خطة البحث.

التمهيد. وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: ترجمة موجزة للشيخ محمد العثيمين رحمه الله.

المبحث الثاني: تعريف الاختيارات في اللغة والاصطلاح.

المبحث الثالث: تعريف الحدود في اللغة والاصطلاح.

المبحث الرابع: ضابط الاختيارات.

الفصل الأول: اختيارات الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في باب حد الزنا. وفيه تمهيد وثلاثة عشر مبحثًا:

تمهيد في تعريف الزنا.

المبحث الأول: حد الطائفة التي تشهد العذاب ثلاثة فأكثر.

المبحث الثاني: الحفر للمرجوم في الزنا راجع إلى اجتهاد الحاكم.

المبحث الثالث: لا تغرَّب المرأة وحدها.

المبحث الرابع: يغرب الرقيق نصف عام.

المبحث الخامس: حد اللوطي القتل بكل حال.

المبحث السادس: الزنا بذوات المحارم فيه القتل بكل حال.

المبحث السابع: لا حد على الرجل المكره على الزنا.

المبحث الثامن: لا يشترط التكرار في الإقرار بالزنا.

المبحث التاسع: لا يلقن المقر ليرجع عن إقراره.

المبحث العاشر: لا يقبل الرجوع عن الإقرار.

المبحث الحادي عشر: لا يشترط المجلس في الشهادة على الزنا.

المبحث الثاني عشر: الحمل طريق من طرق إثبات الزنا.

المبحث الثالث عشر: المراد بالسلطان هو الإمام الأعظم، أو الحاكم الإداري، أو هو القاضي.

الفصل الثاني: اختيارات الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في باب حد القذف.

وفيه تمهيد ومبحثان:

تمهيد في تعريف القذف.

المبحث الأول: لا تنصف عقوبة القذف للعبد القاذف.

المبحث الثاني: يجب الحد في قذف الوالد لولده.

الفصل الثالث: اختيارات الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في باب حد المسكِر.

وفيه تمهيد ومبحثان:

المبحث الأول: عقوبة المسكر تعزير لا ينقص عن أقل تقدير وردت به السُّنة.

المبحث الثاني: لا يحرم العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام.

الفصل الرابع: اختيارات الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في باب التعزير.

وفيه تمهيد ومبحثان:

تمهيد في تعريف التعزير.

المبحث الأول: التعزير غير واجب، بل هو بحسب اجتهاد الحاكم.

المبحث الثاني: تجوز الزيادة على عشر جَلْدات في التعزير.

الفصل الخامس: اختيارات الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في باب القطع في السرقة.

وفيه تمهيد وأربعة مباحث:

تمهيد في تعريف السرقة.

المبحث الأول: النِّصاب في السرقة ربع دينار أو ما يساويه.

المبحث الثاني: يقطع الزوج بسرقته من مال زوجته.

المبحث الثالث: لا يشترط التكرار في الإقرار بالسرقة، ولا الاستمرار على الإقرار.

المبحث الرابع: يضعّف الغرم على السارق في غير الثمر والكَثَر.

الفصل السادس: اختيارات الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في باب قطاع الطريق.

وفيه تمهيد ومبحث واحد:

تمهيد في تعريف قطاع الطريق.

المبحث: الترتيب بين الصَّلب والقتل راجع إلى المصلحة.

الفصل السابع: اختيارات الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في باب حكم المرتد.

وفيه تمهيد وخمسة مباحث:

تمهيد في تعريف المرتد.

المبحث الأول: ردة السكران غير معتبرة مطلقًا.

المبحث الثاني: لا تعتبر ردة الصغير المميز.

المبحث الثالث: يقتل المرتد فورًا إلا للمصلحة.

المبحث الرابع: تقبل توبة كل من عَلِمنا صدق توبته.

المبحث الخامس: من ارتد بفعل يعتقد أنه من دين الإسلام فلا تقبل توبته حتى يصرح أنه رجع عما حكم عليه بكفره من أجله.

الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.

الفهارس: وتشتمل على ما يأتي:

1 - فهرس الآيات القرآنية.

2 - فهرس الأحاديث والآثار.

3 - فهرس الأعلام.

4- فهرس المصادر والمراجع.

5 - فهرس الموضوعات.

ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أشكر الله عز وجل على توفيقه وتيسيره، ثم أشكر كل من ساعدني في هذا البحث بإبداء رأي أو مناقشة، وأخص بالشكر فضيلة الشيخ الدكتور / سعد الخراشي المشرف على هذا البحث.

كما أشكر أيضًا منسوبي المعهد من عمادة وأعضاء هيئة تدريس وغيرهم.

وأسأل الله تعالى أن يعلمني ما ينفعني، وينفعني بما علمني، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي خُتمت برسالته الرسالات، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإني أحمد الله تعالى على ما يسَّر ووفَّق لإتمام هذا البحث، وأسأل الله تعالى أن ينفع به الباحث والقارئ.

ثم في ختام هذا البحث أودُّ أن أبيِّن بعض الأحكام والنتائج التي أوردتها في هذا البحث:

1 - الحدود والعقوبات الشرعية شرعت لتحقيق مصالح العباد.

2 - السلطان الذي لا تجوز الشفاعة في الحد إذا بلغه هو الإمام الأعظم والقاضي، وكلُّ من له سلطة إقامة الحد أو إثباته.

3 - يكفي لثبوت الحد إقرار مرتكب موجبه به مرة واحدة، ولا يلقن ليرجع عن إقراره.

4 - إذا صح إقرار مرتكب ما يوجب الحد، فلا يُقبَل رجوعه عن هذا الإقرار.

5 - حد الطائفة التي تشهد حد الزنا جماعة يستفيض بها الخبر، ويحصل بها الردع، من غير تحديد لعدد معين.

6 - الحفر للمرجوم في الزنا راجع إلى اجتهاد الحاكم.

7 - لا تغرَّب المرأة وحدها.

8 - يغرَّب الرقيق نصف عام؛ لعموم الأدلة.

9 - اللوطي يُقتل، سواء كان محصنًا أم غير محصن.

10 - الزنا بذوات المحارم أغلظ وأعظم جرمًا من الزنا بغير المحارم.

11 - لا حد على الرجل المكره في الزنا؛ لتصور الإكراه، ولوجود الشبهة.

12 - تُقبل الشهادة على الزنا لو كانت في مجالس متفرقة، ولا يُشترط اتحاد المجلس.

13 - إذا حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد، فإن هذا الحمل دليل على الزنا، فتُحَدُّ المرأة إلا أن تدَّعي شبهة.

14 - تُنصَّف عقوبة القذف للعبد القاذف؛ لورود ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم.

15 - عقوبة المسكر ليست حدًّا، بل هي تعزير؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم تشاوروا فيها.

16 - لا يحرم العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام، بل هو حلال حتى يشتد.

17 - التعزير عن واجب لجواز العفو عنه، فهو بحسب المصلحة الشرعية.

18 - تجوز الزيادة على عشر جلدات في التعزير.

19 - النصاب في السرقة ربع دينار أو ما يساويه من الدراهم والعروض.

20 - يُقطَع الزوج بسرقته من مال زوجته.

21 - يضعف الغرم على السارق من غير حرز.

22- الترتيب بين الصَّلب والقتل راجع إلى المصلحة، فيعمل بما يحصل به الردع الأشد.

23 - لا تعتبر ردة السكران؛ لأنه لا يعقل ما يقول أو يفعل.

24 - لا تعتبر ردة الصغير المميز؛ لعدم تكليفه.

25 - يقتل المرتد ولا يستتاب إلا لمصلحة.

26 - إذا علم صدق توبة المرتد، فإنها تُقبَل ولو كان زنديقًا أو ساحرًا.

27 - من ارتد بفعل يعتقد أنه من دين الإسلام، فلا يكفي أن يتبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام، بل لا بد أن يتبرأ مما اعتقد أنه من دين الإسلام.

وفي الختام أحمد الله تعالى على تيسيره وتوفيقه، وأقول: إن عملي في هذا البحث اجتهاد مني، فما كان من صواب فمن الله تعالى، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس الموضوعات