الأعقم الآنسي ومنهجه في التفسير

ملخص الرسالة

الأعقم الآنسي ومنهجه في التفسير

تهدف هذه الرسالة إلى إبراز منهج الإمام الأعقم، في تفسيره المسمى "تفسير الأعقم".

قام الباحث فيها بالتعريف بشخصية الأعقم، وأشهر المفسرين الذين عاصرهم، ومن ثم عرف بالتفسير وطريقة الأعقم فيه.

وبعدها تكلَّم عن مصادر الأعقم، التي صرح بها في تفسيره، وطريقته في الإفادة منها، وموقفه منها.

ثم تناول الباحث منهج الأعقم بالدراسة والتحليل، فجاء في ستة فصول.

تكلَّم الباحث في الفصل الأول عن منهج الأعقم في التفسير، وعرض طريقته العامة في التفسير، والجانب الأثري عنده.

وفي الفصل الثاني عرض الباحث للجانب العقلي في تفسير الأعقم، وذكر أهم القضايا التي أوردها الأعقم في تفسيره؛ كالقضايا البلاغية، واللغوية والنحوية.

وفي الفصل الثالث تكلم الباحث عن مدى عناية الأعقم بقضايا علوم القرآن؛ كالناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والقراءات القرآنية، وأسباب النزول.

وفي الفصل الرابع ذكر الباحث القضايا العقدية والفقهية عند الأعقم.

وعرض في فصل خامس للإسرائيليات في تفسير الأعقم، ذاكرًا موقفه منها.

وأخيرًا تطرَّق الباحث إلى أهم مزايا تفسير الأعقم والمآخذ عليه.

ومن ثم ختم الباحث بحثه بأهم النتائج والتوصيات التي توصَّل إليها.

وقد اعتمد الباحث المنهج الاستقرائيَّ والتحليلي، القائم على تتبع آراء الأعقم في التفسير، ومن ثم تحليل هذه الآراء، مع ما يتفق والأمانة العلمية، والموضوعية.

وقد جاءت هذه الرسالة إسهامًا متواضعًا في باب نشر علوم الأوائل، وتجلية شخصياتهم العلمية؛ عرفانًا بفضلهم وجهودهم.

مقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن الاشتغال بخدمة القرآن الكريم شرفٌ يفوق كل شرف، وفضل لا يدانيه ولا يضاهيه أيُّ فضل؛ ذلك أن شرف العلم بشرف موضوعه، وما من شك أن أعظم وخير خدمة يتعاطاها المرء المسلم هي خدمة كتاب الله تبارك وتعالى.

وما أجمل أن يعيش المسلمون مع كتاب الله عز وجل، يتلونه ويتدبرونه، ويتدارسونه فيما بينهم، تغشاهم رحمة الله، وتترل عليهم سكينته، فكلما أمعن المسلم النظر في كتاب الله ازدادت نفسُه به تألقًا، وقلبه به تعلُّقًا، وكيف لا، وهو الذي لا يَخلَقُ على كثرة الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبه؟

لقد أدرك المسلمون عِظمَ شأن القرآن الكريم، وأهميته في نفوسهم؛ إذ فيه هدايتهم، وتنظيم حياتهم، وتقويم سلوكاتهم وأخلاقهم؛ ولذا كان من الطبيعي جدًّا أن تتدافع الأجيال، وتتسارع عبر القرون والأزمان، يغرفون وينهلون من مَعينِه الصافي، وزُلاله العذب.

ومن فضل الله على هذه الأمَّة أنْ قيَّض لها علماء أفذاذًا، يسهرون على خدمة هذا الدين، يذودون عنه بأقلامهم وألسنتهم، مذ بزغ نور الإسلام إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

والشيخ الأعقم واحد من أولئك الذين خدموا كتاب الله تعالى، حيث ترك لنا هذا التفسير الذي بين أيدينا.

ولما كان الأعقم من أهمِّ المفسرين عند الزيدية في بلاد اليمن، فإنني رأيت أن أقوم بدراسة تفسيره، أكشف من خلالها طريقته، وأبرز معالم منهجه في التفسير، حيث إن الدراسة والبحث في مناهج المفسرين المتقدمين، فيه ربط خلَفِ الأمَّة بسلفها، وحاضرها بماضيها، كما أن فيه جانبًا آخر، وهو الاطلاع على الكمِّ الهائل من التراث الذي تركه لنا المتقدمون.

والزيدية لئن كانوا قد تأثَّروا إلى حد ما بأفكار المعتزلة ومعتقداتهم، فإن أقوالهم وآراءهم في التفسير تبقى قريبة من أهل السُّنة، ولا يلاحظ عليهم ذلك الفرق الجوهري.

وقد عُرفوا وتميَّزوا باعتدالهم في الفكر والطرح، فمثلًا عند ذكرهم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجدهم يترضَّون عنهم، ولا يتعرضون لهم بالشتيمة أو السب، بخلاف غيرهم من فِرق الشيعة.

وفي قراءتي لتفسير الأعقم، وجدته يذكر أقوال الصحابة، ويستشهد بآرائهم، ويترضى عنهم، وهذا يدل على أنه يقف منهم موقف التقدير والاحترام، ولا يتبرأ منهم.

ويذكر السيدة عائشة، فيقول: وعن عائشة رضي الله عنها، كما يذكر الشيخين أبا بكر وعمر بخير، وإن كان يرى - كما يرى غيره من الزيدية - أن عليًّا رضي الله عنه الأفضل والأحق بالإمامة منهما رضي الله عنهما، إلا أن هذا لا يعني أنه يقصيهما أو يبعدهما أو يكفرهما - لا سمح الله - كما هو شأن غلاة الشيعة.

إذًا ومن خلال ما تقدَّم، ليس ثمة شيء يميز الزيدية عن جمهور أهل السنة في التفسير، بقطع النظر عن ميولهم لأفكار المعتزلة، وتأثرهم بها؛ لأن هذا يدخل ضمن اختلاف وجهات النظر، ولكل رأيه الخاص به يتبناه ويدافع عنه[1].

موضوع الدراسة وأهميتها:

موضوع الدراسة هو تفسير الأعقم، لصاحبه أحمد بن علي بن محمد بن علي الأعقم الآنسي، وهو من علماء اليمن المشهورين والمعتمدين عند الزيدية.

وتفسيره هذا يعتبر نموذجًا للتفاسير الزيدية في القرن التاسع للهجرة، وقد جمع فيه مؤلفه بين الرواية والدراية، وهو تفسير مختصر مفيد، امتاز بوضوح العبارة وسهولتها.

أهداف الدراسة ومبرراتها:

تهدف الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات الآتية:

من هو الأعقم؟ وما هي الطريقة التي سلكها في تفسيره؟ وما المصادر التي اعتمد عليها؟ وما المحاور الأساسية التي يدور عليها منهجه في التفسير؟ وما موقفه من الإسرائيليات؟

كما تهدف الدراسة إلى بيان مكانة وقيمة تفسيره العلمية، من خلال المزايا والمآخذ.

أسباب اختياري للموضوع:

هناك أسباب جعلتني أختار هذا الموضوع، لعل أهمها:

1) لم يكتب أحد عن هذا التفسير شيئًا فيما أعلم، ولم يخدم خدمة كافية، سوى ما قامت به دار الحكمة اليمانية، التي طبعته بعد أن كان مخطوطًا.

2) لا يوجد من عرَّف بشخصية الأعقم ولا بتفسيره.

3) ميلي لمادة مناهج المفسرين، وتعلقي بها، فلدي رغبة في اختيار هذا الموضوع.

وقد اعتمدت في هذا البحث الخطة الآتية:

الفصل التمهيدي: التعريف بالأعقم وتفسيره

المبحث الأول: التعريف بالأعقم

المطلب الأول: حياة الأعقم

المطلب الثاني: أشهر المفسرين الذين عاصرهم الأعقم

المطلب الثالث: التعريف بالتفسير وطريقة الأعقم فيه

المبحث الثاني: مصادره وطريقته في الإفادة منها وموقفه من ذلك

المطلب الأول: مصادر الأعقم

المطلب الثاني: طريقة إفادته من مصادره

المطلب الثالث: موقفه مما ينقله

الفصل الأول: منهج الأعقم في التفسير

المبحث الأول: طريقته العامة في التفسير

المطلب الأول: الميل إلى الاختصار بقدر الإمكان

المطلب الثاني: عدم تقيده بنمط معين في التفسير

المبحث الثاني: الجانب الأثري في تفسير الأعقم

المطلب الأول: حول التفسير بالمأثور

المطلب الثاني: اختلاف العلماء في تفسير الصحابي والتابعي من حيث الاحتجاج

المطلب الثالث: تفسير القرآن بالقرآن عند الشيخ

المطلب الرابع: تفسير القرآن بالسنة

المطلب الخامس: تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين

الفصل الثاني: الجانب العقلي في تفسير الأعقم

المبحث الأول: منهج الأعقم في القضايا البلاغية

المطلب الأول: علم البيان

المطلب الثاني: علم المعاني

المبحث الثاني: القضايا اللغوية والنحوية في تفسير الأعقم

المطلب الأول: الشاهد الشعري في تفسير الأعقم

المطلب الثاني: النحو والإعراب عند الشيخ

الفصل الثالث: قضايا علوم القرآن في هذا التفسير

المبحث الأول: الناسخ والمنسوخ

المطلب الأول: موقف الشيخ من النسخ

المطلب الثاني: تحقيق القول في رواية: (الشيخ والشيخة...) و(لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب...)

المطلب الثالث: طريقة الشيخ في إيراد الناسخ والمنسوخ

المبحث الثاني: القراءات القرآنية

المطلب الأول: توجيه القراءات

المطلب الثاني: القراءات الشاذة

المطلب الثالث: موقف الشيخ من القراءات الشاذة والتفسيرية

المبحث الثالث: أسباب النزول

المطلب الأول: منهج الشيخ في إيراد سبب النزول

المبحث الرابع: المكي والمدني

المطلب الأول: الفائدة من معرفة المكي والمدني

المطلب الثاني: جداول توضيحية للمكي والمدني حسب رأي الأعقم

الفصل الربع: القضايا العقدية والفقهية في تفسير الأعقم

المبحث الأول: القضايا العقدية عند الأعقم

المطلب الأول: موقف الشيخ من أسماء الله وصفاته

المطلب الثاني: مسائل عقدية متفرقة

المبحث الثاني: منهجه في عرض آيات الأحكام

المطلب الأول: ذكره الآراء الفقهية مرجحًا تارة، وتاركًا الترجيح تارة أخرى

المطلب الثاني: عرضه لأقوال الفقهاء دون مناقشة أو تعليق

الفصل الخامس: الإسرائيليات وموقف الشيخ منها

المبحث الأول: موقف الشيخ من الإسرائيليات

المطلب الأول: موقف الشيخ من الإسرائيليات

المبحث الثاني: منهج الشيخ في عرض القصص القرآني

الفصل السادس: أهم مزايا تفسير الأعقم والمآخذ عليه

المبحث الأول: أهم مزايا تفسير الأعقم

المبحث الثاني: المآخذ على هذا التفسير

الخاتمة: وذكرت فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات.

وأسأل الله تجلَّت قدرته وتقدَّست أسماؤه، أن يجازي أستاذي وصاحب الفضل علي؛ فضيلة الدكتور جمال محمود أبو حسان خير الجزاء، على ما قدَّمه وبذَلَه من مجهود معي، وما كان لهذا البحث أن يخرج بهذا الشكل، لولا توجيهاته ونصائحه القيمة التي كان يوجهها لي.

فله مني أسمى معاني التقدير والاحترام، وأسأل الله بمنه وكرمه أن يبارك في علمه، ويمد في عمره، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وفي الختام أقول: هذه رسالتي معروضة عليكم، لكم غُنمُها، وعليَّ غُرمُها، فإن عدمت حمدًا وشكرًا، فلا أعدم منكم عذرًا، وحسبي أني اجتهدت، فما كان فيها من صواب وتوفيق فمن الله وحده، وما كان فيها من خطأ أو نسيان أو تقصير، فمن نفسي والشيطان.

ولعلي أتمثل قول القائل:

لكن ذلك مجهودي أتيتُ به *** ومن يقصِّرْ بعد الجهد لم يُلَمِ

وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد.

الخاتمة:

وفي ختام هذا البحث، لا يسعني إلا أن أقول: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي أعانني ووفقني لإتمام هذا البحث وإنجازه، فله الحمد من قبلُ ومن بعد.

وقد خلصت في نهايته إلى النتائج والتوصيات الآتية:

١- إن تفسير كتاب الله تعالى علم واسع، لا يستطيع أحد من البشر، مهما أوتي من رجاحة عقل وفهم وذكاء، أن يحيط بما حواه من مكنونات وأسرار؛ ذلك أن كلام لله المعجز هو جزء من علمه الذي لا يستطيع البشر ولن يستطيعوا تداركه والإحاطة به؛ ولذلك نجد المولى تبارك وتعالى يعبِّر عن هذا المعنى في محكم تتريله فيقول: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هود: 13، 14].

٢- المفسرون لكتاب الله على نوعين:

النوع الأول: مفسر مجتهد ومبدع ومحقق، له طريقته الخاصة، ومنهجه المستقل، وأسلوبه المتميز؛ كالطبري والزمخشري وابن العربي، وغيرهم ممن له استقلالية وميزة في التفسير.

والنوع الثاني: مفسر جامع ناقل، ومقلِّد محافظ، ينقل أقوال المفسرين السابقين، فيعلق عليها في المواطن التي تستوجب التعليق تارة، ويناقش بعض المواضع التي تستدعي منه المناقشة تارة أخرى.

وإذا أردت أن أصنف الأعقم من أي القسمين هو، فإنه ومن خلال هذه الدراسة يمكنني القول: إن الشيخ من النوع الثاني، حيث كان مقلِّدًا لغيره، جمع الأقوال وحافظ عليها في مواطن، وناقشها وعلَّق عليها في مواطن أخرى.

٣- لكل مفسِّر مذهب ومنهج في العقيدة، يتبناه وينافح عنه، مصوبًا رأيه، مخطئًا غيره، والأعقم زيديُّ المذهبِ، وقد أخذ من الأشاعرة في بعض المواطن، وأفاد من تفاسير المعتزلة؛ كتفسير الحاكم الجشمي، وأبي علي الجبائي، والزمخشري، وتأثَّر بمذهبهم العقدي في مسألة الرؤية، وأفعال العباد.

٤- دراسة مناهج المفسرين، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، تعطي الباحث فوائد كثيرة؛ حيث يعرف جهودهم، ويستفيد من كتاباتهم وطرقهم وأساليبهم التي اتبعوها في التأليف، كما يستطيع الباحث أن يحدد مكانة المفسِّر بين المفسرين من خلال كتابه.

٥- أقترح أن تعاد طباعة الكتاب طباعة جديدة، خالية من الأخطاء، فهو مليء بالأخطاء المطبعية، وبعض الكلمات الساقطة من الأصل، مما يجعل قارئه يتكلف في فهم العبارة أحيانًا؛ فلذا أوصي بطباعته مرة أخرى، مع مراعاة ما ذكر؛ حتى يظهر ويخرج في مظهر لائق.

٦- أن ينبه في الحاشية على ما تضمنه هذا التفسير من سلبيات، كما فعل ابن المنير في حاشيته "الانتصاف"، التي طبعت على هامش "الكشاف"، منبهًا على ما ورد فيه من اعتزاليات.

٧- هناك بعض القضايا في هذا التفسير بحاجة إلى دراسة وتحقيق، دراسة تخرج فيها الأحاديث، وتحقق فيها الأخبار، ويعلق فيها على الإسرائيليات الموجودة.

والله وحده الموفق للصواب.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فهرس المحتويات