اختيارات الإمام القاضي أبي يعلى الفراء في الجنايات من خلال كتابه الروايتين والوجهين

ملخص الرسالة

اختيارات الإمام القاضي أبي يعلى الفراء في الجنايات

من خلال كتابه الروايتين والوجهين

مقدمة البحث:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد..

فإنَّ من أعظم نعم الله - سبحانه وتعالى - أنْ مَنَّ علينا بنبي من أنفسنا يتلوا علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة.

لقد أنزل الله على هذا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-كتابًا فيه تبيانًا لكل شيء وأجرى على لسانه من الوحي ما يفسر تعاليم وشرائع الكتاب العظيم فيخصص عامها أو يقيد مطلقها أو يوضّح مجملها، إلى غير ذلك من الوجوه التي تكملت بها السنة النبوية المطهرة التي هي أيضًا وحي من عند الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى واصفًا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]. وقد ألقي على عاتق النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- مُهمَّة تعليم أمته وتفقيهها في دينها إلى أنْ لحق بالرفيق الأعلى تاركًا - سبحانه وتعالى - أمَّته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتنكَّب طريقها إلا ضالٌ أو مُضلِّ.

وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- عكف علماء هذه الأمة على كتاب ربهم وسُنَّة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- يستنبطون منهما الأحكام لما يعرض للمسلمين في شؤون حياتهم، ويضعون الحلول لما يستجدُّ من نوازل وحوادث، ورغبة في تسهيل الاستفادة من آرائهم وعلومهم، ومن باب البر بأولئك الرجال الذين خدموا الفقه الإسلامي بصورةٍ خاصةٍ والشريعة الإسلامية بصورةٍ عامة.

والإنسان سرٌّ من أسرار الوجود وعجيبة من عجائب خلق الله تعالى، فهو تارة يرتفع بما ركز فيه من دواعي الخير والمعاني الإنسانية من رفق وعطف وتسامح حتى يبلغ مصاف الملائكة ويسامت سمتها، وتارة أخرى ينزل بما فيه من حبِّ الذات والسيطرة ودواعي الجشع والطمع وغريزة الغضب إلى الحضيض فيضاهي الشياطين في مرودها والسباع المفترسة في ضراوتها ويثيره أتفه الأسباب فيظلم ويجور، ويدفعه أقل الموجبات فيطفئ سراج جسم أخيه من بني جنسه.

كان الناس قبل الإسلام في جاهلية فكان يقتل بعضهم ويسلب بعضهم أموال بعض فكان القوي يفعل ما يشاء دونما رادع يردعه كالأسد في الغابة، يقتل ويفترس ما يشاء وكان الحق يدور مع القوي وإن كان ظالمًا. كان الناس في همجيةٍ في أخذ حقوقهم فإذا قتل رجل أخذوا مكانه اثنين إن لم يكن ثلاثة، وكانت المرأة في ذلك الزمان محتقرة فليس لها الحق في الحياة لأنهم كانوا يعتبرونها عارًا عليهم فكانوا يقتلونها وهي صغيرة كما وصف ذلك الباري عز وجل فقال: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9]. كما أنهم كانوا يتباهون بالرجال دون النساء فإذا ولدت له بنت كأنه وقعت له مصيبة وقد صور لنا الباري جل شأنه هذا الأمر تصويرًا دقيقًا، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [النحل: 58].

فلما جاء الإسلام الذي كان نورًا للناس جميعًا فأخرجهم من الظلمات إلى النور، فأعطى كلَّ ذي حق حقه؛ الظالم يمنع من ظلمه والمظلوم يأخذ حقه، لا فرق بين عربي وأعجمي، ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى، كما حرَّر المرأة من ذل العبودية للخلق إلى الحرية والعبودية للخالق، فإنَّ الإسلام رسم للناس طريق حياتهم في كلِّ جوانب الحياة وعالج كل المشاكل التي قد تواجههم في مجريات حياتهم فما ترك واردة ولا شاردة إلا وجعل لها حل، ومن المعالجات التي رسمها الإسلام في حلِّ مشاكل المجتمع أن جعل (القصاص) لكي يعيش الناس بسلام. قال تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]، فجعل على كلِّ من قُتل عمدًا القتل، ومن قُتل خطأً الدية، ولأهمية القصاص جعل الله تعالى أول ما يقضي به يوم القيامة.

جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لزوالُ الدُّنيا أهونُ عند الله من قتلِ رجلٍ مُسْلمٍ»[1].

ويعدُّ موضوع القتل من المواضيع المهمة التي طرح على بساط البحث في وقتنا الحاضر حيث إنَّ الحديث لا ينقطع في بلادنا وفي بلدان أخرى من العالم، عن موضوع الأحكام القضائية منها القصاص والديات والحدود.

وكان توجهي لدراسة جزء من فقه عَلَمٍ من علماء المذهب الحنبلي في بحثي هذا الموسوم: «اختيارات الإمام القاضي أبي يعلى الفراء في الجنايات، دراسة مقارنة».

الخاتمة:

إنَّ اختيار البحث الموسوم «اختيارات الإمام القاضي أبي يعلى الفراء في الجنايات من خلال كتابه الروايتين والوجهين، دراسة مقارنة»، كان للأسباب التالية:

1- المصادر التي تتناول الأحكام القضائية غير متوفرة في الوقت الحاضر.

2- إنَّ الموضوع المختار يعتبر واحدًا من أهم المواضيع التي يحتاجها المجتمع في هذا الزمن.

3- الحاجة الماسة للناس لهذا الموضوع ليكونوا ملمين بالأحكام القضائية المتعلقة بقضايا القصاص والديات والحدود.

إن سياق الكتابة للبحث الحالي كان على أساس التركيز على المسائل المتعلقة بموضوع البحث وتوضيح آراء الفقهاء رحمهم الله تعالى، ومقارنة مذهب الإمام القاضي أبي يعلى مع المذاهب الأخرى.

الفصل الأول: تناول التعريف بالإمام القاضي أبي يعلى الفراء رحمه الله تعالى، وبُني هذا التعريف على خمسة مباحث.

المبحث الأول يتضمن مطلبين وكما هو أدناه:

1- المطلب الأول بَيَّنَ اسم ومولد الإمام القاضي رحمه الله.

2- المطلب الثاني تضمن نشأته رحمه الله وطلبه للعلم.

المبحث الثاني احتوى مطلبين، وهما:

1- المطلب الأول تضمن شيوخ الإمام القاضي رحمه الله.

2- المطلب الثاني تضمن ذكرًا لأولاده وطلابه.

المبحث الثالث احتوى مطلبين، هما:

1- المطلب الأول عن أعماله رحمه الله تعالى.

2- المطلب الثاني عن مؤلفاته رحمه الله تعالى.

المبحث الرابع يتكون من مطلبين، وهما:

1- المطلب الأول عن مكانته العلمية رحمه الله تعالى.

2- المطلب الثاني عن مكانته الاجتماعية رحمه الله تعالى.

المبحث الخامس تناول ثلاثة مطالب عن زهده وورعه ورثاء الناس له.

الفصل الثاني: احتوى على مجموعة من اختيارات الإمام القاضي في الأحكام القضائية، ويتكون من مبحثين:

الأول يتكون من أربعة مسائل عن قضايا القصاص.

والثاني من ستة مسائل في قضايا القتل.

الفصل الثالث: حول اختيارات الإمام القاضي في الدِّيات ومقارنتها مع آراء الفقهاء رحمهم الله تعالى، ويتضمن هذا الفصل ستة مباحث.

الفصل الرابع والأخير: فَصَّل اختيارات الإمام القاضي في الحدود واحتوى خمسة مباحث.

ختامًا، أرجو من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في دراسة هذه الاختيارات التي اختارها الإمام القاضي أبي يعلى الفراء في الجنايات دراسة مقارنة، وأنَّ عملي هذا هو جهدٌ بشريٌّ متواضع لا أدعي له الكمال فإن أحسنت فمن الله وإن أخطأتُ فمِن نفسي ومن الشيطان.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.

والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس المحتويات