• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / روافد / مجلة أعاريب اللغوية / أفصح العرب
علامة باركود

بلاغة التعبير في حديث ( ما ذئبان جائعان.. )

بلاغة التعبير في حديث ( ما ذئبان جائعان.. )
د. إبراهيم سعيد السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/4/2014 ميلادي - 17/6/1435 هجري

الزيارات: 14755

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بلاغة التعبير في حديث (ما ذئبان جائعان)


الحَمْدُ للهِ، هو الأَوَّلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى صَاحِبِ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الحَشْرِ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَي سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَحَقِيقٌ بِنَا نَحْنُ المسْلِمِينَ أَنْ نُدَقِّقَ النَّظَرَ فِيمَا أَطْلَعَنَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ وأَخْبَر، وإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ فِعْلُ مَنْ يَتَحَرَّى نُبَوءَاتِ العَرَّافِينَ والخرَّاصِينَ، ويَتْرُكُ كَلامَ سَيِّدِ المرْسَلِينَ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ مَنْ يَعْدِلُ بالتِّبْر التُّرَاب، وبالعِيِّ والخَطَلِ البَلاغَةَ والصَّوَابَ. وبَيْنَ أَيْدِينَا في هذا المقَالِ نصٌّ جَليلٌ، يُمِيطُ اللثَامَ عَنْ جَانِبٍ مِنْ أَغْوَارِ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، ويُبْرِزُ المعانيَ المجَرَّدَةَ في صورةٍ حِسِّيَّةٍ، حيث يُقَدِّمُ مَضْمُونُهُ – وما تقتضيه دِلالةُ المفْهُومِ - فِكْرَةَ التَّحْذِيرِ مِنْ طَلَبِ الجَاهِ والمنْصِبِ، ومَا يَعْقُبُهُ مِنْ آثَارٍ كَالتَّرَدُدِ عَلَى أَبْوابِ الظَّلَمَةِ وغَيْرِه.

 

نستعينُ بِالله تَعَالى في تَذَوُّقِ بَلاغَتِهِ وجَلالِ مَضْمُونِهِ.


عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ"[1].


سُبْحَانَ مَنْ آتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جوامِع الكَلِمِ، وخُلاصَةَ التَّجَاربِ ونَاجِعِ الحِكَمِ، حتَّى سَاقَ الكَلامَ الوَجِيزَ مُضَمَّنًا مِن المعْنَى الغَزِيرِ العَزِيزِ.

 

يصف الرافعيُّ بَلاغةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "البَلاغَة الإِنْسَانية التي سَجَدَتْ الأفكارُ لآيَتِهَا، وحسرت العقولُ دونَ غَايَتِهَا، لم تُصنَعْ وهي من الإِحْكَامِ كَأَنَّها مصنوعةٌ، ولم يُتكلفْ لها وهي على السُّهُولةِ بعيدةٌ ممنوعَةٌ"[2]. فكمْ هلكَ خلقٌ كثيرٌ بسبب حرصِهِمْ على الجَاهِ، واسْتبدَالِهِمْ بالآخرةِ الوَضِيعَ مِن الحَيَاة، حتى سَقُمَتْ أفهامُهُمْ، وانْخَدَعَتْ عُقُولُهُمْ، وتاهَتْ قلوبُهم؛ فكان التِّيهُ حَاقًّا بمَنْ جَعَلَ الدُّنْيَا همَّه، ففرق الله عليه شمله. وأُلَخِّصُ حَدِيثِي في أربع نِقَاطٍ:

الأولى: حِسِّيَّةُ المَعَانِي في حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

إن غَالبَ أَحَاديثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُقَدِّمُ المعنى في صُورةٍ مَحْسُوسَةٍ مُشَاهَدةٍ، وذلك بِسَوْقِ المعنى وَفْقَ الطرائق التعبيرية التي تُيَسِّرُ هَذِهِ المهِمَّةِ، كالتَّشْبِيهِ والمجازِ وغَيْرِهِمَا، كقوله: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ والوَاقِعِ فيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ..."[3]، وقوله: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِن الهُدَى والعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ..."[4]، وهَذَا الحَدِيثُ الجَليلُ – مَحِلَّ التَنَاوُلِ- يُقَدِّمُ لنَا المعنى كَذَلِكَ في صُورَةٍ مَحْسُوسَةٍ مُشَاهَدَةٍ، فَهُوَ يُقَدِّمُ حَالَيْنِ: أَحَدَهُمَا مَعْنَوِيٌّ، والآخرَ حِسِّيٌ، جَمَعَ بينَهُمَا وَجْهُ شَبَهٍ فانْسَحَبَ الحِسِّيُّ عَلَى المعنويِّ فجلاه وأَبْرَزَهُ للنَاظِرِينَ. أمَّا الحالُ الأُولى فَهِيَ حِرْصُ الإِنْسَانِ عَلَى المنْصِبِ والجَاهِ وضَرَاوَتُهُمَا على إِفْسَادِ الدِّين، وأمَّا الحَالُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ صُورَةُ ذِئْبَيْنِ جَائِعَيْنِ يَتَضَوَّرَانِ جُوعًا، وقَدْ أُطْلِقَا في غَنَمٍ.

 

قال المنَاوِيُّ:

"المقْصُودُ أنَّ الحِرصَ عَلَى المالِ والشَّرَفِ أكثرُ إِفْسَادًا للدِّين مِنْ إِفْسَادِ الذِّئْبَينِ للغنم؛ لأن الأَشَرَ والبَطَرَ يُفْسِدَانِ صَاحِبَهُمَا، أمَّا المالُ فَلأَنَّهُ يَدْعُو إِلى المعَاصِي فَإِنَّهُ يُمَكِّنُ مِنْهَا... لأَنَّهُ يَدْعُو إِلى التَّنَعُّمِ بالمباحَاتِ، فَيَنْبُتُ عَلَى التَّنَعُّمِ جَسَدُهُ، ولا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهُ، وذَلِكَ لا يُمْكِنُ اسْتِدَامَتُهُ إِلا بِالاسْتِعَانَةِ بالنَّاسِ، والالْتِجَاءِ إِلى الظَّلَمَةِ، وذَلَكَ يُؤَدِّي إِلى النِّفَاقِ والكَذِبِ، وأمَّا الجَاهُ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ فِتْنَةً مِن المالِ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ العُلُوُّ والكِبْرِياءُ والعِزُّ، وَهِيَ من الصِّفَاتِ الإِلهِيَّةِ"[5].

 

أمَّا التوجيهُ النَّحْوِيُّ فـ"(ما) بمعنى لَيْسَ، و(ذِئْبان) اسمُهَا و(بأَفْسَدَ) خَبَرُ مَا... واعتبر فيه الجنسية فأنث (لها)... و(لدينه) لامُهُ لِلْبَيَانِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لأفسد من أَيِّ شَيْءٍ؟ قِيلَ: لِدِينِهِ"[6]. وهَا هُنَا تَفْضِيلٌ يَقْتَضِي النَّظَرَ، حَيْثُ نجدُ النَّصَّ النَبَوِيَّ الكَرِيمَ -بعْدَمَا وَصَفَ هَذَيْنِ الذِّئْبَينِ ومَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهُ في غَنَمَاتٍ ضَعِيفَةٍ مَا تَلْبَثُ أَنَّ تَخِرَّ صَرِيعَةً- يَأْتِي بِاسْمِ التَّفْضِيلِ (أَفْسَد) فَيَقُول: "بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ"، "وقَوْلُهُ (مِنْ حِرْصِ المرْءِ) هُوَ المفَضَّلُ عَلَيْهِ"[7]، فحِرْصُ الإنسانِ على المنصِبِ والجَاهِ، وما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مِنْ آثَارٍ وتَنَازُلاتٍ، أَفْسَدُ للدِّين والمبادِئِ من وَصْفِ الذِّئْبَيْنِ المذْكُورِ.


الثانية: تَعَالُقُ الحِرصِ عَلَى المَنْصِبِ والجَاهِ بالدُّخُولِ عَلَى الظَّالِمِين:

فالحريصُ عَلى الجَاهِ الدُّنْيَويِّ أَمْرُهُ مَرْهُونٌ بِرِضَا السُّلْطَانِ عَنْهُ، ومَا كُلُّ سُلْطَانٍ تَسْتَقِيمُ سِيرَتُهُ، وإِنْ اسْتَقَامَتْ سِيرَتُهُ، فلا يَأْمَن الحريص على الجاه عند السلطان على دينه، فمخالطة السلاطين يغلب عليها عدم إنكار المخالفة، إما بالسّكُوتِ لكثرة الران المالئ للقلب من جهة الحرص، أو بالإقرار الصريح والمباشر بأعمالهم المجاوزة لمقاصد الشريعة من حفظ الدين والدماء والأعراض... الخ، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "يَدْخُلُ الرَّجُلُ عَلَى السُّلْطَانِ ومَعَهُ دِينُهُ، فَيَخْرُجُ ومَا مَعَهُ شَيْءٌ"[8]. وقد نسب إلى سفيان الثوري أنه قال: "إِنْ دَعَوْكَ لِتَقْرَأَ عَلَيْهِمْ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فلا تأتهم"[9].


قَالَ أَبو حامدٍ الغَزالي - رحمه الله تعالى -:

"اعْلَمْ أَنَّ لَكَ مَعَ الأُمَرَاءِ والعُمَّالِ الظَّلَمَةِ، ثَلاثَةَ أَحْوَالٍ:

الحال الأولى: وهي شَرُّهَا، أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ، والثانية: وهي دُونَها أَنْ يدخلوا عليك، والثالثة: وهي الأَسْلَمُ أَنْ تَعْتَزِلَ عَنْهُمْ، فَلا تَرَاهُمْ ولا يَرَوْنَك"[10].


وروي عن سلمة بن قيس، قال: لقيت أبا ذر، فقال: "يا سلمة بن قيس... لا تغش ذات سلطان؛ فإنك لا تصيب من دنياهم شيئًا، إلا أصابوا من دينك أفضل منه". وروي عن وهب بن منبه أنه قال لعطاء: "إياك وأبواب السلطان! فإن على أبواب السلطان فتنًا كمبارك الإبل، ولا تصيب من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينك مثله"[11].


الثالثة: مَكْمَنُ الخَطَرِ في الحِرْصِ:

1- أنَّ العَالِمَ قَدْ يَكْتُمُ مَا عِنْدَهُ مِن العِلْمِ مُدَاراةً، أَوْ مُدَاهَنَةً، أو طلبًا لِلَعَاعَةٍ من الدُّنيا، كما روي عن ابن مسعود أنه قال: "لو أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوا العِلْمَ، ووضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، لَسَادُوا به أَهْلَ زَمَانِهِمْ، ولَكِنَّهُمْ بَذَلُوهُ لأهْلِ الدُّنْيَا، لِيَنَالُوا به مِنْ دُنْيَاهُمْ، فَهَانُوا عَلَيْهِ"[12].


2- أن الحِرْصَ عَلَى المالِ قَدْ يكونُ مَشْغَلَةً عَنْ الوَاجِبِ مِنْ حَظِّ الآخرة، مَجْبَنَةً عَنْ قَوْلِ الحَقِّ، وحِينَئِذٍ يَسْتَحِيلُ الأمْرُ مِنْ سَعْيٍ بِالمالِ لِلآخِرَةِ، إلى سَعْيٍ لِلمَالِ عَلَى حِسَابِ الآخِرَةِ، ويأتي تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في قوله: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ... الخ"[13].


3- أن الحرصَ عَلى المالِ قَدْ يَأْتِي عَلَى جُلِّ وقْتِ الإِنسَانِ، بما لا يَدَعُ لنفسِهِ ولقلبِهِ شُغُلاً آخَرَ غَيْرَه، كَقَوْلِ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: "الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ، وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ"[14]، والحارسُ لا يَتَسَنَّى لَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ عَنِ الشَّيْءِ الذي يَحْرُسُهُ، وإِلا تَعَرَّضَ للضَّيَاعِ والبَدَدِ.


الرابعة: بين التمتع بالطيبات والحرص: فالتنعمُ بما آتاهُ اللهُ تعَالى العبدَ مِنْ نِعمٍ لَيْسَ دَاخِلا في المقصود، لأَدِلَّةٍ تَرُدُّهُ منها قول الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ"[15]، والفرقُ بينَ هذَا والحرصِ عَلى جمعِ المالِ - وإِنْ بِطُرُقٍ غيرِ مَشْرُوعَةٍ `- مع الحرصِ على الجَاهِ - وإن على حِسَاب المبادِئِ وتَعَالِيمِ السَّمَاءِ - واضحٌ بَيِّنٌ؛ "أمَّا المالُ فإِفْسَادُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ من القُدْرَةِ يحركُ داعيةَ الشَّهواتِ، ويجرُّ إلى التَّنَعُمِ في المباحاتِ فيصيرُ التَّنَعُمِ مَألُوفًا، وربما يشتدُّ أُنْسُهُ بالمالِ ويعجزُ عن كسبِ الحلالِ فيقتحم في الشبهاتِ مع أنها ملهيةٌ عن ذكرِ اللهِ تعالى، وهذه لا ينفكُّ عنها أحدٌ، وأمَّا الجاهُ فيكفي به إفسادًا أن المالَ يُبْذَلُ لِلْجَاهِ، ولا يُبْذَلُ الجَاهُ للمَالِ وهو الشِّرْكُ الخَفِي فيخوض في المراآة والمداهنةِ والنفاقِ وسائرِ الأخلاقِ الذَّمِيمَةِ فهو أَفْسَدُ وأَفْسَد"[16].


لكن يبقى الفرقُ حاصِلاً بين المعنى المقصودِ من الحديثِ، وطلبِ المالِ ليكونَ أَدَاةً معينةً على تحصيلِ الخيرِ وسَدِّ العَوَزِ، وقد رُوِيَ عن أيوب السختياني قال: قال لي أبو قلابة: "يا أيوب، احفظ عني ثلاث خصال: إِيَّاكَ وأبوابَ السُّلْطَانِ، وإِيَّاكَ ومجالسةَ أهْلِ الأَهْوَاءِ، والزَمْ سُوقَكَ فإنَّ الغِنَى مِنَ العَافِيَة"[17].


والسؤال: أَنَّى لهذا النصِّ اليسيرِ مِنْ الألفاظِ عددًا، الكبيرِ من حيثُ المضمونُ والقيمةُ مددًا، أَنْ يحوزَ هذِهِ المعَاني وغيرَهَا ممَّا لمْ يُفْتَحْ علينَا به؟ "تلكَ حِكْمَةُ النُّبُوَّةِ، وتَبْصِيرُ الوَحْيِ وتَأْدِيبُ اللهِ، وأَمْرٌ في الإِنْسَانِ مِنْ فوقِ الإِنْسَانيَّةِ"[18].


وصلى الله على النبي محمد وآل بيته، وسلم تسليمًا كثيرًا.


تُنشر بالتعاون مع مجلة (أعاريب)

المصدر: مجلة أعاريب - العدد الرابع - جمادى الآخرة 1435هـ / إبريل 2014م

 


[1] رواه الترمذي في سننه، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، حديث رقم 2376، ومصنف ابن أبي شيبة، حديث رقم 34380.
[2] إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، للرافعي، ط/دار الكتاب العربي بيروت 1425هـ-2005م، صـ193.
[3] صحيح البخاري، كتاب الشركة/ باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه، حديث رقم 2493.
[4] صحيح البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم وعلّم، حديث رقم 79.
[5] التيسير بشرح الجامع الصغير - للمناوى، 2 /677.
[6] التيسير بشرح الجامع الصغير - للمناوى، 2 /677.
[7] السابق نفسه.
[8] مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، جمال الدين ابن منظور، دار الفكر للطباعة والنشر - سوريا، 1402هـ- 1984م، 24/396.
[9] شرح السنة، للإمام البغوي، 14/296.
[10] إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي، ط/دار المعرفة بيروت، 2/142.
[11] شعب الإيمان للبيهقي.
[12] التاريخ الكبير، للإمام البخاري، ط/ دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - طبع تحت مراقبة: محمد عبد المعيد خان، 1/443.
[13] صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، حديث رقم 2887.
[14] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصبهاني، 1/79.
[15] سنن الترمذي، حديث رقم 2819.
[16] تحفة الأحوذي، 7 /39.
[17] تاريخ دمشق، للحافظ ابن عساكر، 28/ 304.
[18] إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، للرافعي.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اللؤلؤ والمرجان في فقه حديث ما ذئبان جائعان
  • الإمعان في تخريج حديث "ما ذئبان جائعان"
  • عالم جائع

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة شرح حديث ما ذئبان جائعان(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث: (ما ذئبان جائعان)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • ما ذئبان جائعان(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عثمان السبت)
  • البلاغة السفلى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أوجه البلاغة: نحو تقريب البلاغة وتأصيل أوجهها النقدية ليوسف طارق جاسم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل مع الله"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفهوم البلاغة عند القدماء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مفاهيم تربوية فاسدة: إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • قراءة في كتاب الموجز في تاريخ البلاغة لمازن المبارك: ملخص لأهم معطيات الكتاب(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب