• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

الدائرة (قصة)

الدائرة
عادل إدريدار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/3/2013 ميلادي - 21/4/1434 هجري

الزيارات: 3369

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدائرة


كان "مسعود" يبدو شاحبًا وشاردًا وهو يحتسي ذلك الكأس الساخن من الشاي، الذي تحرص زوجته "صفية" على إعدادِه فورَ عودته من العمل.

 

"صفية" التي كانت تنتظره دائمًا، تنتظر عودته، تنتظر ابتسامته، وتنتظر ما تُخفِيه جيوبه من هدايا متواضعة، كانت تنجح في التسلل إلى قلبها قبل أن توضع في يديها الصغيرتين المرتعشتين من الفرحة والشوق، لقد نجح "مسعود" في إمتاعها بدور طفلة بريئة ومدلَّلة، كما لو كانت قطة أليفة لا تشعر بالسكينة إلا بعد أن تحسس يد رحيمة شعرها وتداعبه.

 

لقد كان العامان اللذان مرَّا على زواج "مسعود" "بصفية" كافيَينِ ليحسَّ الواحد منهما أنه يحب الآخر فعلاً ويكمله، ولعل هذا الإحساس هو الذي كان يمدُّهما بطاقة وقدرة على الصبر، وتحمل أعباء الحياة ورتابتها، وقساوتها عليهما في الكثير من الأحيان.

 

علَّمها "مسعود": ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 6]، و﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]؛ فَرَضِيَا بالبساطة أول الأمر، واقتنعا بنصيبيهما، ثم أحبَّا حياتهما وأحبا بساطتها.

 

عندما يحكي "مسعود" في مذكراته، يقول: إنه لم يكن يشعر بالسكينة إلا عندما يعود أدراجه إلى بيته، ويغلق خلفه الباب بإحكام، وكأنه يصر على أن يقطع صلته بالعالم الذي من حوله، صحيح أن "صفية" أخبرتْه ذات مرة - وبخجل شديد - أن بعض قريباتها عِبْنَ عليهما بيتَهما الصغير الذي لم يكن تأثيثه يحاكي لغط الموضة وهوس الناس بها، إلا أن هذا البيت بالذات كان يحتل مكانه بقوة في قلب "مسعود"، وربما في قلب "صفية" أيضًا.

 

لقد كان - في نظر "مسعود" - عالمًا متفردًا يحوي ذكرياتهما وتعبهما ومتمنَياتهما الصغيرة، كان جمالُه يكمن في بساطة محتوياته، وفي نظامها الدقيق، وتناسق ألوانها، ثم في نظافته التي كانت تحرص "صفية" أشد الحرص على أدق تفاصيلها، حتى خشي "مسعود" أن يتحوَّل الأمر مع مرور الأيام إلى ما يشبه وسواسًا قهريًّا يصيب زوجته البريئة فيصعب علاجه.

 

يتذكر "مسعود" - مبتسمًا - كيف كان يعلِّمها بنوع من الحكمة ألاَّ تتشبث بالأشياء وبمظاهرها، وكيف ينبغي في المقابل أن تستمتع بتلك التي تحمل رموزًا جميلة في باطنها..."، تكون حياتنا أجمل عندما ننجح في أن نُضفِي معنى عليها وعلى وجودنا".

 

ويبتسم "مسعود" أكثر عندما يتذكر ملامح "صفية"، وهي تتتبَّع باستغراب ما يقوله هذا الزوج الحالم الذي يملك من الأفكار والأحلام ما يجعله غنيًّا، ولو كان لا يجد من القوت ما يسد به رمقه!

 

ذهول "مسعود" وصمته المحيِّر وهو يرشف الشاي لم يكن ليطمئنَ "صفية" التي انتابها القلق وهي تنظر إليه، وتنتظر منه أن يستشعر وجودها وألمها، ويبوح لها بما يعتمل في سويداء قلبه.

 

الثواني تتمرغ في حركة بطيئة جدًّا، وتترك وطأتها على النفس مثل وطأة سنين عجاف، ثم تكلم "مسعود" بعد أن أيقظتْه نظرات "صفية" من شروده: "عليَّ أن أخبرك بموضوع ظل يؤرِّقني بشدة ولم أستطع أن أحسم فيه".

 

اختلطتِ الافتراضات والأسئلة والتخيُّلات في ذهن "صفية" التي التزمت الصمت وأخذت تترقب ما الذي سيخبرها به زوجها.

 

• "لقد تحوَّلت بعض خواطري على أفكارٍ قد تبدو لك مزعجة، أو حتى حمقاء، ولكني أحس بقوة داخلية ورغبة غامضة تدفعانني لإخراجها من العتمة إلى النور..".

 

• "لا أفهم شيئا مما تقولُه يا "مسعود"!.. عن أية أفكار وخواطر تتحدث؟!"

 

استجمع "مسعود" قُوَاه، وأدخل كَمًّا من الهواء إلى رئتيه قبل أن يخرجه ببطءٍ، ولكن بقوة، وهو يحدق في وجه "صفية" الذي بدا طفوليًّا وقد ارتسمتْ عليه علامات الحيرة وعَلَتْه غمامة من الاصفرار:

• " أفكِّر.. أفكِّر في أن أقدِّم استقالتي وأتخلَّى عن الوظيفة.."!

 

لم تستطعْ "صفية" أن تستوعب الخبر، ظلَّت مشدوهة وهي تُعِيد في داخلها كلام "مسعود"، أحسَّت بتلك اللحظات عصيبةً، وكأنها بترت بترًا من زمنِها ولن تعود إليه أبدًا.. حرارة دمائها ترتفع حتى يكاد يخيِّل إليها أن الدماء تغلِي في عروقها.

 

استحضرتْ في ذاكرتها اللقاء الأول الذي جمعها بـ"مسعود"، هذا الرجل الذي أحبَّته بقلبها وبكيانها كله، تذكرت أنه عندما فاتحها برغبته في الزواج منها، كيف كانت كلماته متقطعة وخجولاً، وكيف أن نظراته كانت منكسرة عندما أخبرها أنه يشتغل موظفًا بسيطًا في إحدى الإدارات العمومية، وكأن وظيفته كانت تعني خيبة أمله! وتذكرت أن إعجابها بهذا الشاب المتخلق كان هو الأهم بالنسبة لها أكثر من أي شيء آخر.

 

لقد استفتتْ قلبها حينئذٍ فأفتاها وصدقها، وهي لم تشعر لحظة واحدة بالندم على اختيارها، رغم أن الدَّخْل المحدود لزوجها كان يجبرهما على التقشف في الكثير من أمور الحياة؛ ربما لأن حب "مسعود" لها، وحنانه عليها، وإخلاصه في معاملتها، والإحسان إليها، كل ذلك كان يُغْنِيها عن الملذَّات الحسية الأخرى، ويدفعها للتشبث بأمل لا تعلم الشيء الكثير عن تفاصيله، أملٌ في أن حياتهما لا بدَّ وأن تتغيَّر يومًا ما، ويُغدِق الله عليهما بنعمِه التي ادخرها لهما..".

 

سيشتري "مسعود" سيارة جميلة ويسافر بي في أيام عطلِه إلى كل مكان أحلم به، وسأشتري الحُلِيَّ والملابس التي أرغب فيها، وقبل أن يكبر الأولاد الذين سنُنجِبهم، سيكون "مسعود" قد انتهى من بناء البيت الجميل الذي نحلم به، والذي سيسعنا جميعًا، فنَنْعَم فيه بسعادة أكبر"، هكذا تعلَّمت "صفية" أن تحلم، وهي تذكر أن الواقع لم يكن ليعكِّرَ عليها صفو مثل هذه الأحلام اللذيذة، أليس "مسعود" هو الذي يذكّرها دائمًا - بنوعٍ من الاطمئنان - أن الله تعالى قادرٌ على أن يرزقَ عباده من حيث لم يحتسبوا، وأن يجعل لهم من أمرهم مخرجًا؟! لقد وضعت ثقتها في الله وآمنت بوعده، لكن أية مصيبة حلَّت بـ"مسعود" وأفقدتْه رشدَه وصوابه، وجعلتْه يعقدُ العزم على القيام بعملٍ مجنون كهذا الذي يهرطق به؟!

 

صحيحٌ أن وظيفة الزوج بسيطة جدًّا، وربما أبسط مما كانت تتخيلها "صفية" وهي تحلم بالزواج من "مسعود"، ولكنها - والحق يقال - كانت تسترُ حالهما وتوفِّر لهما الكفاف وتغنيهما - بفضل الله - عن سؤال الناس، بل إن "مسعودًا"، كـ"موظف حكومي"، كان يزيد من ثقة "صفية" بنفسِها وبزوجها، ويبعث في داخلها نوعًا من الافتخار والعجب، سيما عندما تكون مع قريباتها أو بعض من صويحباتها قليلات العدد.

 

والآن، كيف سيؤول الوضع إذا كان "مسعود" جادًّا فيما يقوله؟! هل يعلم أنه يعرِّض نفسَه وزوجته للتشرد والضياع، ويهدِّد المستقبل الذي يَحلُمان به بالانهيار؟


لم تستطعْ "صفية" أن تحبس دموعها، فنظرتْ إلى زوجها بعينينِ مغرورقتين ومنكسرتين: "لماذا تفكِّر في هذا الأمر يا "مسعود"؟ هل أساء إليك أحدُهم؟ أو تشاجرت مع أحد من رؤسائك؟".

 

أجاب "مسعود"، بصوت متحشرج، وقد بدا مضطربًا، وكأنه لا يقوى على مواجهة أسئلة زوجته: "لا، لم يحدثْ شيء مما تخمِّنين فيه يا "صفية"، فأنا لست ممن يدفعون الناس ليسيئوا معاملتهم، الأمر فقط هو أنني لا أدري كيف ألخص لك مشكلتي؟! هو أنني سئمت نفسي، وسئمت القيود التي تكبِّلني بها هذه الوظيفة الملعونة!

 

لم تكن وظيفة من هذا النوع لترضي طموحي، ولكني قَبِلتها على مضضٍ لظروف تعلمينها جيدًا، والآن بدأت أحس أنني أفقد، رويدًا رويدًا، صبري وقدرتي على المقاومة، لقد تحوَّل الأمر إلى ما يشبه الاكتئاب الذي يقضُّ مضجعي عندما أتخيَّل نفسي أشبه بحيوان، فاقد للإحساس والشعور، يقوم بنفس العمل الآلي والتافه في كل يوم مقابل علفه وإيوائه.. لا شيء يشجِّعك على التغيير والإبداع، أو حتى على الاستمرار، حتى التقدير والاحترام نفتقده من الرؤساء، ومن الناس الذين نقضي لهم حوائجهم، الجميع ينظر إليك على أنك "آلة" للاستهلاك صنعت للتشغيل فقط، حتى إذا ما استنفدت أغراضها ألقي بها في مكان قصي مع المخلفات!".

 

كانت "صفية" تتابع - بنوع من الدهشة والاستغراب - كل كلمة ينطق بها "مسعود"، وعيناها لا تكفَّان عن البكاء، ولكن بصمت حزين:

• "قد لا أحس بما كنت تحس به في عملك، ولكن لماذا لم تكن تشركني في أمرك، وتقتسم معي همومك وأحزانك طيلة هذه المدة يا "مسعود"؟!

 

أليس يقتضي الصدق بيننا ألاَّ يُخفِي أحدنا شيئًا عن الآخر؟!

لماذا اخترتَ أن تكون كتلةً من الأسرار، وأن تبتلع معاناتك وتهضمها، حتى إذا ما أعياك هضمها، لفظتَها بمثل هذه الطريقة، وكأنك لم تعدْ تذكر أن لك زوجة تحتاج أن تقدر شعورها وكبرياءها؟!".

 

أحسَّ "مسعود" بكلمات "صفية" منكسرة، ولكنها تخترق أحشاءه مثل خناجر مسمومة! يَسْرِي سمُّها ببرودة غريبة في دمائه التي تتدفَّق بعنف في تلك العروق المتألمة، اختلطت عليه في الحقيقة مجموعة من المشاعر المتضاربة، أفقدتْه الإحساس بجسده النحيل المتهالك، فأسند رأسه على ركبتيه وكأنه يستجيب لرغبةٍ ما تدفعُه للاختفاء والاندثار، ثم غَمْغَم كطفلٍ صغير: "لم أكن أخدعك يا "صفية"، ولكني لم أشأ أن أحمِّلَك ما لا تُطِيقين.. أن أعكِّر عليك صفو حياتك، يكفيك أنك كنتِ نعم الزوجةُ التي تنظر إلى الحياة بعين بصيرتها أكثر مما تنظر إليها بعيون رغباتها وشهواتها، يكفيك أنك كنت تصبرين وتضحين، وتحلمين وتخفِّفين عني الألم، فلماذا أشركك في أمر ظننتُه كابوسًا وسينقضي؟!".

 

عندما يحكي "مسعود" في مذكراته، يقول: إن كل الألم الذي يمكن أن يكون عاشه فيما مضى من حياته، اجتمع عليه في تلك الليلة المشهودة، وأنه ذرف دموعًا ساخنة هو وزوجته "صفية"، وأنهما تحاورا معًا بهدوء، غير أنه هدوء كان ينهش لحمَيهما بشراهة قاتلة، ويحلل جسديهما شيئًا فشيئًا إلى جزيئات صغيرة، ثم إلى ذرات أصغر.. وإذا كان الماضي قد ألَمَّ بـ"مسعود" وأحزنه، فإنه قد أحسَّ في تلك الليلة فقط كم كان التفكير في المستقبل مقلقًا، بل مخيفًا وراعبًا!.. ومع ذلك كان هنالك شيء داخلي يدفع "مسعودًا" لمواجهته ولخوض غماره، فربما ستكون هذه الشجاعة هي ما سيثبت به "مسعود" ذاته ووجوده، ويتحرر من أغلال عبوديته وهواجسه، وربما ستكون أيضًا بابًا يفتح له الطريق تُجَاه نهايةٍ لا يعلمها ولا يريدها! ومع ذلك، يقول "مسعود" لنفسه: "إن اختياراتنا في الحياة - مهما فكرنا وقدرنا - لا تخلو من ربح أو خسارة، وإلا لما كانت حياة إنسانية..".

 

لنَقُلْ: إن "مسعود" كان يميل إلى أن يكون جريئًا، أو كما يتخيَّل هو نفسه "متفائلاً"، في الوقت الذي استسلمت فيه زوجته "صفية" لبكائها بعد أن لم تُجْدِ توسلاتها شيئًا، ولعل ما أعاد بعض السكينة لقلبيهما هو أدعيتُهما الخافتة التي كانت تدغدغ سكون ذلك الليل السَّرْمَدي، وسجودهما الطويل، وتضرُّعهما إلى الله أن يلهمهما طريق الهداية والرشاد.

 

يقول "مسعود": إنه لا يذكر متى وكيف أخذ ورقة وقلمًا، وخط كلمات كان يراها فيصلاً بين ماضٍ يريد طيَّ صفحته وبين مستقبل لا يعلم عنه أي شيء؟ ولكنه يتذكر أنه لم يغمضْ له جفنٌ في تلك الليلة، وأن الأفكار والهواجس والظنون كانت تلتهمه بضراوة أقرب إلى الجنون، وأنه كان يقلِّب - بين الفينة والأخرى - جسدَه ذات اليمين وذات الشمال، وكأنه في صراع مع نفسه!

 

أشياء ما مفقودة في مذكرات "مسعود"؛ لعله تعمَّد أن يترك بعض الفراغات التي تعني له ما لا تَعْنِيه لغيره، ويمحو كلمات وعبارات بعينِها، وكأنه يصر على ألاَّ يبوح بكل شيء حتى لنفسه!

 

يقول: إن خطواتِه كانت متثاقلة، وهو يسير في ذلك الصباح إلى مقرِّ عمله، وأن يده كانت أشبه بقطعة ثلجٍ وهي تمسك بذلك الظرف الرهيب.. أحسَّ أنه يمشي وحيدًا في صحراء قاحلة؛ حيث لا يوجد ماء، ولا ظل، ولا أحد من العالمين يسعفه أو يكلمه، وأحسَّ في الوقت ذاته، أنه يسير الهُوَيْنَى وسط دائرة كبيرة، وكبيرة جدًّا، اجتمع الناس حولها وقد أحاطوا به، ينظرون إليه باستغراب وربما باستنكار.. نظراتهم تخترقه كالسهام، وأصواتهم غير المسموعة تكاد تمزِّق طبلتي أذنيه! انتابه خوف وحيرة، ودوار شديد، ثم أحس أنه - في لحظة ما - قد أخذ مكانًا بين تلك الجموع البائسة من الناس، ووقف ينظر هو الآخر إلى نفسه ويستغرب لحاله! أحس تجاهها باليأس، ثم بالشفقة.

 

أخذ يصيح في صمت كما تصيح الأفواه من حوله، ولكنه لم يستطع تبيين كلماته، أو تمييز صوته عن أصوات غيره!

 

هكذا مشى "مسعود"، الذي كان يحمل ظرفًا، ومشى كجريح مخضب بالدماء خرج لتوِّه من معركة دامية، ثم إنه لما انتهى به المسير إلى الباب الرئيس لمقر عمله، وقف مفكرًا ومتأملاً.. وقف كصنم أصمَّ أبكم.. وقف لمدة يصعب تقديرها أو الإحساس بها.. أمسك الظرف.. هذه المرة بكلتي يديه، وكأنه يرغب في أن ينظر بإمعان إلى صورة تعودُ لأيام طفولته المبكرة والجميلة، ثم أغمض عينيه، ومزَّق الظرف بهدوء شديد، قبل أن يواصل سيره، وهو يعي أن عليه أن يمضي بقية عقوبتَه إلى نهايتها، إلى نهايتها تمامًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سامحيني.. لا أستطيع توديع جثمانك
  • الدكتور وائل (قصة)
  • (أينما) = (م) في منتصف الدائرة

مختارات من الشبكة

  • (التعليم بالترفيه) كيفية كتابة الواجب المنزلي للأطفال(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • أخطاء دائرة المعارف الإسلامية: العدد (6)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسالة إلى نجيب محفوظ(مقالة - موقع د. حيدر الغدير)
  • الخروج من الدائرة المغلقة وإعادة تأهيل النفس(استشارة - الاستشارات)
  • دوائر العلم ودوائر الإنكار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الدائرة الحميدية: تاريخها ومساهمتها في تطوير العلوم والآداب (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دائرة الاهتمام .. ودائرة التأثير(مقالة - موقع د. أحمد البراء الأميري)
  • حملة لتوزيع لوازم المدارس على ٥٠ ألف طالب(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المحطة الحادية عشرة: المبادرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الانتماء الجميل(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب