• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة
علامة باركود

جرح وتعديل (قصة قصيرة)

سارة بنت محمد حسن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/11/2008 ميلادي - 17/11/1429 هجري

الزيارات: 9647

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
دَخَلْتُ المسجد، وَجَلَسْتُ أسْتَمِعُ لذلك الأخ، يَقُولون: إنَّه طالب عِلم مُتَمَيِّز جدًّا، يُدَرِّسُ بالمسجد النَّحْوَ، والعقيدة، والفِقْه، جَيِّدٌ سَأَسْتَفِيد - إن شاء الله العلي العظيم.

جلستُ، وَبَدَأَ  يَشْرَحُ "ألفية ابن مالك"، مُمْتِعٌ جدًّا هذا الشَّرح.

حفظتُ الأبياتَ معهم، ولاَحَظْتُ أنَّ بعضَ الإخوة يَنْظُر لي ويبتسمُ ابتسامةً عجيبةً، بادَلْتُهم الابتسامَ، فَتَبَسُّمُكَ في وَجْه أخيكَ صدقة.

بعد دَرْس النَّحو، رفع أحد الإخوةِ الذين بَادَلُونِي الابتسامَ يدَه، وهو يَخْتَلِسُ النَّظَر لي بِطرف عَيْنِه، وقال - وهو يبتسم في خُبْثٍ -: كنتُ أريدُ أن أَسْألَ عَنْ شَيءٍ، بَادَلَهُ الأخُ الذي يشرحُ ابْتَسامته الخبيثة، وقال: تَفَضَّل، أخانا في الله، سَأَلَهُ: ما رأيك في الشيخ... صاحب كتاب...؟

ضَحِكَ الأخ الذي يَشْرَحُ وقال: لماذا فتحت هذا الموضوع؟ على أيَّة حال نُجِيبُكَ عنه - إن شاء الله - طبعًا إخواني لا بُدَّ أن نَعْرِفَ جميعًا: أنَّ هذا الأمر دينٌ، فانْظُروا عَمَّن تَأْخُذُونَ دينكم، وقد وَرَدَ النَّهْيُ عن مُجالسة المُبْتَدِعة، فضلاً عنِ الاستماع إليهم، والحمدُ لله الذي قَيَّضَ لهذه الأمَّة رجالاً يَذُبُّون عنها انتحال المُبْطلينَ، رجالاً رَفَعُوا راية الجَرْح والتعديل، وسَأَنْقُلُ لكم بأمانة رأي علماء هذا الفَنِّ في هذا الشَّيْخ الفاسِقِ، الفاجِرِ، الحِزْبِيِّ، الخارِجِيِّ، صَدَمَنِي الرَّدُّ؛ لكن آثَرْتُ الصَّمْت؛ لأسْتَمِعَ لما سيقول، قال: الشيخ فلان مبتدع، ضالٌّ، مُضِلٌّ، وقال: والشيخ فلان مِن أهل الهوى، وقال: الشيخ فلان منَ الفِرَق النَّارية، قلتُ في نفسي: عَجَبًا، لقدِ اسْتَمَعْتُ لهذا الرَّجل طويلاً، فيا ترى ما الذي قالَهُ أوِ اعْتَنَقَهُ؛ ليستحقَّ أن يصبَّ فوق رأسه اللَّعَنَات؟!

ذَهَبْتُ للأخ في الرَّاحة بين الدَّرْسينِ، جَلَستُ إليه، وأسندتُ رُكْبَتي إلى ركبتيهِ، وابْتَسَمْتُ، وقلتُ له: السلام عليكم.

رَدَّ وهو يبتسمُ ابتسامة الذِّئب، الذي وَقَعَ بين مخالِبه فريسة.

قُلْتُ مُبْتَسِمًا: سمعتكَ تَتَكَلَّمُ عنِ الشيخ...، ونقلتَ أقوال بعض المشايخ فيه، ولي سؤال.

قال: وما هو؟

قلتُ وأنا أنْظُر في عَيْنِه: ما بِدْعته؟

قال وهو يحدق في عيني بِتَحَدٍّ: خارجي، وتكفيري، وحِزْبي، وأيضًا ليس على المَنْهَجِ.

قلت - وأنا أَهُزُّ رأسي في حيرة -: ما معنى هذه التُّهَم؟ فأنا من تلامِذة الشَّيْخ المُقَرَّبينَ، وقد سائلته في العُلُومِ دهرًا، ولم أَسْمَع منه أبدًا أنَّه يُكَفِّر، حتى تارك الصلاة، ومنهجه في العَقَائد هو نفس منهج ابن تيميَّة، وابن القَيِّم، وهو يُنْكر أشد الإِنْكَار على الجماعاتِ الإسْلاميَّة.

قال- وكأنَّه يسمع درسًا يحفظه -: يُكَفِّرُ الحُكَّام، ويُحَزِّبُ الناس على غير التَّوحيد، كما أنه ليس على المنهج.

ابتسمتُ في حيرة، وقلتُ له: أخي، لم أَسْمَعْ للشيخِ أبدًا ولا نصف كلمة في تكفير الحُكَّام، كما أنه مِن دُعاة التوحيد، ولا يُحَزِّبُ الناس على غيره أبدًا، بل قد أُوذِيَ في  الله كثيرًا مِن سُفهاء يُنادون بالمذاهِب الهَدَّامَة.

قال وهو يلوح بكفه: لا لا لا، ولن تسمعَ منه ذلك أبدًا، فهو يُبْطِن ذلك.

كَتَمْتُ ضحكةً ساخرة كادَتْ تَخْرُجُ مني، وقلتُ في هدوءٍ ظاهرٍ، وقد بدأتُ أفهمُ ما يحدث: وإذا كان يُبْطِنُ هذا، فكيف عَرَفْته؟

قال في ثقة: لم أعرفه مِن تِلْقَاء نفسي، بل قاله شُيُوخِي نقلاً عنِ الثِّقات.

قلتُ له: لكني مِن بطانة الشيخ، فكيف لم يُخْبِرْني بما يبطن؟!

ضَحِك وقال: لَعَلَّهُ رأى منكَ قوَّةً في دين الله، فخشي أن يظهرَ لك ذلك.

قلتُ: ومَن باطنهم بذلك كانوا يظهرون الضَّعْف في دين الله؟

انْكَتَمَ الضحك في فمه، حتى كاد يشرق، وجعل يسعل في قوة، ثم قال: لا لا بالطبع.

قلتُ: إذًا وكيف باطنهم؟

ابْتَسَمَ ورَبَّت على كتفي في ودٍّ مفتعل، وقال: يا أخي، الموضوع شَرْحُه طويل، ونحن نَثِقُ في الشيوخ الأَجِلاَّء، الذين يقومون بالجرح والتعديل.

قلتُ: لكن الشَّيْخ ابن العُثَيْمين وابن باز لهم أقوالٌ في مدحه.

قال - وقد بدأ يَتَمَلْمَل -: كان هذا قبل أن يَعْرِفُوا حقيقته.

اسْتَدَرْتُ لِأَنْصَرِف، ثم بَدَا لي أن أسأله سؤالاً آخر، قلتُ: يا أخي، هَلاَّ وَضَّحْتَ لي معني ليس على المنهج؟

قال: يعني ليس على منهج أهل السُّنَّة والجماعة طبعًا.

قلتُ: إذًا، وما هي الجُزْئيَّة التي تُخْرِجُه عن أهل السنَّة، أهوَ التَّكفير فقط؟

قال في غطرسة: بالطَّبع، وأَضِف إلى هذا أنه لا يُجَرِّحُ المجروحين.

قلتُ - وأنا أدعو الله أن يُلْهِمَنِي الصبر -: ومَن همُ المَجْرُوحون؟

قال: طبعًا هُم مَن جَرَّحَهُم شيوخي.

قلتُ: على أيَّة حال لن أُضَيِّعَ وقت الدرس، سأنصرف الآن، ولي معك  جلسة طويلة - إن شاء الله - أو سأتَّصِلُ بك، أَتَأْذَن لي، ابْتَسَمَ مفتعلاً، وهو ينهي اللِّقاء في عجلة: طبعًا طبعًا.

انْصَرَفْتُ ورأسي تدور، ما هذا الكلام العجيب، أليسَ من قواعد السَّلَفِيَّة الأولى عدم تقليد شيخ بعينه؟ كيف يجعل شيوخه كالمعصومين، لا يرد لهم قولاً؟ كيف يرفع راية الولاء والبَرَاء على أحكام شيوخه في أقرانهم؟ بل كيف يكون هذا الرَّجل سَلَفيًّا ومتبعًا للدَّليل، وهو يُبَدِّع شيخًا بكلام قرينٍ له، وقد قال العلماء: إنَّه لا يُقْبَل جرح الأقران؟ كيف هانَتْ عليه نفسه أن يَتَّهِمَ شيخًا جليلاً بهذه التُّهَم الشَّنيعة؟ كيف سمح لِلِسَانه بالانْطلاق هكذا بِغَيْر وَرعٍ ولا تقوى؟ وفيمَنْ؟ في شيخ من أهل السُّنَّة، كيف يظن أنه مُلاقٍ ربه بهذا؟

ذهبتُ لصلاة المغرب في المسجد كعادتي، وقابلتُ صديقي الذي دَلَّنِي على هذا الدرس، قال لي: لا تحزن لِمَا سمعتَ، فهذه عادتهم.

قلتُ له في ضيقٍ: مَن تعني؟

قال: أَعْنِي طالب العلم الذي حَضَرتَ درسه هذا الصباح، أتَعْلَم أنه قد جَرَّحَكَ، وقال فيك أقوالاً شنيعة جدًّا بعد انصرافِكَ؟

قلت له: أخي دعنا من هذا؛ حتى لا نكونَ نَمَّامين.

احْمَرَّ وَجْهُه خجلاً، وَسَكَتَ وهو يَسْتَغْفِر؛ لكن لم يمنعني هذا منَ التَّعَجُّب مِن سلوك هذا الأخ العجيب، كيف يَتَكَلَّم فيَّ، وهو يعلم أنَّ هذا من أبواب الغيبة؟

سبحان الله! بل لَعَلَّه ظَنَّ أنَّ هذا أيضًا من أبواب الجرح، سبحان الله! فتح القوم بابًا بين الغيبة والجرح، فاخْتَلَطَ الحلال بالحرام، ثم لم يَتَمَكَّنُوا منَ لفَصْل؛ صدق الله العظيم إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29]، كنتُ أشْعُرُ بالاخْتِنَاقِ، دَخَلْتُ غرفتي، وأخْرَجْتُ كتبي، وبدأتُ أُقَلِّبُ فيها، ترى ماذا وجدت في كُتُب السَّلَف؟

أخْرَجْتُ كتاب "الاعتصام" للشاطبي، وبدأتُ أقرأ"، وفَيْصل القضيَّة بينهما قوله - تعالى -: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}... إلى قوله - تعالى -: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، "فلا يَصِحُّ أن نُسَمِّيَ مَن هذه حاله مبتدعًا، ولا ضالاًّ، وإن وَقَع في الخلاف أو خفي عليه؛ أمَّا إنه غير مبتدعٍ؛ فلأنه اتَّبَع الأدلة ملقيًا إليها حكمة الانقياد، باسطًا يد الافتقار، مؤخرًا هَوَاهُ، مقدمًا أمر الله، وأمَّا كونه غير ضالٍّ؛ فلأنه على الجادَّة سَلَكَ، وإليها لجأ، فإن خرج عليها يومًا فَأَخْطَأَ، فلا حرج عليه؛ بل يكون مأجورًا حسبما بَيَّنه الحديث الصحيح: ((إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران))، وإن خرج متعمدًا، فليس على أن يجعلَ خروجه طريقًا مسلوكًا له أو لغيره، وشرعًا يُدَان به" ص100.

قَلَّبْتُ صفحات الكتاب مَرَّة أخرى، فوجدت أنَّ لفظ أهل الأهواء والبدع إنَّما تُطْلَق حقيقةً على الذين ابتدعوها، وقدموا فيها شريعة الهوى بالاسْتِنْباط، والنصر لها، والاستدلال على صِحتها في زعمهم، حتى عدَّ خلافهم خلافًا، وشُبَههم منظورًا فيها، ومحتاجًا إلى رَدِّهَا، والجواب عنها، كما نقول في ألقابِ الفِرَق منَ المُعْتَزلة، والقَدَرِيَّة، والمُرْجِئة، والخَوَارج، والباطِنيَّة، ومَن أشبههم، بأنها ألقاب لمن قام بتلك النِّحَل ما بين مستنبط لها، وناصر لها، وذابٍّ عنها، كلفظ أهل السُّنَّة إنما يطلق على ناصِريها، ومَنِ اسْتَنْبَطَ على وفقها، والحامِلين لذمارها" ص118، ووجدتُ الباب التاسع كله يَتَحَدَّث عنِ الفرق النارية، وكيفية تعيينها، وما حدود أن يُقال عن رجل: إنه مُنْتَمٍ لتلك الفرق النارية.

في الصباح أخذتُ الكتاب، وذهبتُ إلى الأخ طالب العلم.

قلتُ له: أخي في الله، أصْلَحَكَ الله، قد بتُّ  ليلتي أُطالِع هذا الكتاب للمَرَّة الثانية، ووجدتُ فيه كلامًا أتمنى أن تقرأه.

نَظَر لي شذرًا، وقال ساخرًا: آه، أنتَ ممن ليس له شيخ إلاَّ الكتاب، وَمَنْ كان شيخه الكتاب، كان خَطَؤُه أكثر منَ الصَّوَاب.

كظمتُ غيظي، وقلتُ له في حلم: أخي ليس شيخي الكتاب؛ بل أحد شيوخي هو الشيخ الذي طعنتَ عليه أنت بالأمس، وظني أنه مهما سميتَ لك من شيخ فسوف تطعن عليه، وتقول فيه مثل ما قلتَ، فلا بُدَّ إذًا أن يكونَ لنا شيء نَحْتَكِمُ له، أليس كذلك؟ الآن أنا وأنتَ اخْتَلَفْنا، فما حكم الله؟ قال - تعالى -: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، الآن دعنا نُحَكِّمُ كتاب الله بيننا، وليس بفهمنا بل بِفَهْم السَّلَف وعملهم، أَتَرْضى؟

قال - وهو يُقَلِّبُ شفتيه في ازدراء -: بالطبع، ومَن لا يرضى بِحُكْم الله، وليس أنتَ مَن ستعلمني حكم الله.

قلت: إذًا تعالى نقرأ تفسير الأئمَّة المُتَقَدِّمينَ لمسألة البدع والمبتدعة، والحكم على الرِّجال بالبِدَع.

أمسكَ الكتاب وَقَلَّبَهُ بين يديه في اسْتِهْجانٍ، وقال: لَعَلَّكَ لم تفهمْ، إنَّ هذا الكتاب هو عُمْدَة شُيُوخي.

قلتُ له: هل قرأته؟

قال: لا، لا أحتاجُ لذلك، قد سمعتُه مِنْ شيوخي، وسَمِعْتُ شَرْحه لهم، وتوجيههم لما فيه.

قلتُ له: يا أخي لو قرأته، وقرأت كلام ابن القيم، وابن تيميَّة، واعتذارهم عن أهل البدع الذين هم فعلاً من أهل البدع، ومحاولتهم تأويلهم كلامهم؛ لِيُوَافِقَ أهل السنة، ورأيتَ طريقتهم في الرَّد عليهم، وكيفيَّة استخدامهم للألفاظ لَمَا قلتَ ما قلتَ بالأمس في شيخ فاضل من أهل السُّنَّة.

قال في غَضَب - وقد هَزَّه منطقي -: أنتَ مُتَعَصِّبٌ لِشَيْخك.

قلت: يا أخي، أصلحني الله وإياك، هل أنا المتعصب لشيخي، أو أنت المتعصب لشيوخك؟ لا تَسْمَع سواهم، ولا تأخذ الكلام إلاَّ منهم، ولا تريد أن تسمعَ غيرهم، ولا حتى تقرأ للأئمَّة المتقدمين؛ لِتَعْرِفَ الحق منَ الباطل، بالله عليك أترى أن شيوخك مَعْصُومين؟

قال - وقد ظَهَر عليه الارتباك أكثر -: لا.

قلتُ: إذًا؛ لماذا تنقادُ إليهم كانْقِياد الصوفي لمشايخه؟! يقولون لك الكلمة، فتقول: آمين.

قال - وقد ثار غضبه -: يا هذا، لا أخالُكَ أنتَ أيضًا إلاَّ مُبتدعًا، تُجادِلُ عنِ المبتدعينَ.

قلتُ له: إنَّ رميكَ لي بالبدعة لا يهزني، فأنتَ منطقكَ معوجٌّ، رميتُم شيوخًا من أفضل المشايخ بالبدعة؛ لأنَّهُم خالفوكم في مسائل فقهيَّة، أو لأنَّهم لم يأخذوا بِكَلامكم في الجرح والتعديل في الدُّعاة والعلماء المساكين، عجبًا لكم! كيف اسْتَبَحْتُم أعراض العلماءِ المسلمين بهذه الطريقة، أنتم أشد علينا منَ اليهود والنَّصارى.

قال الأخ في عناد: ليسوا علماء.

قلتُ في صبر: إن كانوا ليسوا علماء، أليسوا مسلمين؟ أليس لهم حُرْمة الإسلام؟ ثُمَّ ما ضابط قولِكَ عنِ الرجل: إنه عالم؟ سكت.

قلت له: هل لديك أدلة منَ الكتاب والسُّنَّة على منهج الجرح والتعديل بطريقتكم هذه؟

قال مُسْتَنْكرًا سؤالي: طبعًا.

قلت: إذًا ائْتِنِي بها غدًا - إن شاء الله - ولنرَ هل هذا الكلام مِن شرع الله، أو هو سوء فَهْم مِنْكم للبِدْعة؟

التَقَيْتُ بالأخ في اليوم التالي، وجَلَسْنا في زاوية المسجد، نَظَر لي بِتَعَالٍ، وقال: قد جئتكَ بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَعَلَّكَ تفهم وتتوب إلى الله - عز وجل.

قلتُ له: قُلْ ما عندك.

قال:
الدَّليل الأول: عن عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ رجلاً استأذَنَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلمَّا رآه، قال: ((بِئْس أخو العشيرة، وبِئْس ابن العشيرة))، فلمَّا جَلَس، تَطَلَّقَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه، وانْبَسَط إليه، فلمَّا انطلق الرجل، قالت له عائشة: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأيتَ الرجل، قلتَ كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عائشة، متى عهدتني فاحشًا؟ إنَّ شرَّ الناس عند الله منزلة مَن تركه الناس اتِّقاء شَرِّه))؛ صحيح البخاري.

فقد ذَكَره النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينه، وقال فيه: ((بئس أخو العشيرة)).

قلتُ مبتسمًا: يا أخي أصْلَحَكَ الله، هل قرأتَ شرح هذا في "فتح الباري" مثلاً؟

ارْتَبَكَ وقال: لا.

قلتُ: وهل يعجبكَ ابن حجر، أو أنه مبتدع أيضًا؟

قال في ضيق: بالتأكيد يعجبني، لكن أكيد أنت لم تَفْهَمْ كلامه.

قلتُ: أنقل لك الشرح، وقلْ لي أنت ماذا تَفْهَمُ مِن كلامه:
كتاب الأدب: باب لم يكن النبي فاحشًا، (وَضَعْ خطًّا تحت لم يكن فاحشًا)، قوله: فلمَّا جلس تَطَلَّق - بفتح الطاء المهملة، وتشديد اللام - أي: أبدى له طلاقة وجهه، يقال: وَجْهُه طَلْق وطليق؛ أي: مُسترسل، منبسط، غير عبوس، ووقع في رواية ابن عامر: "بَشَّ في وَجْهِه"، ولأحمد من وجه آخر عن عائشة: "واستأذن آخر، فقال: ((نعم أخو العشيرة))، فلمَّا دَخَل لم يَهَشّ له، ولم ينبسطْ كما فَعَل بالآخر، فَسَألتُه فَذَكَر الحديث، قال الخَطَّابي: جَمَع هذا الحديث عِلْمًا وأَدَبًا، وليس في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمَّته بالأُمُور التي يُسَمِّيهم بها، ويضيفها إليهم منَ المكروه غيبة؛ وإنَّما يكون ذلك مِن بعضهم في بعض؛ بلِ الواجب عليه أن يُبَيِّنَ ذلك، ويفصح به، ويُعَرِّف الناس أمره، فإنَّ ذلك من باب النَّصيحة والشَّفَقة على الأمَّة، ولكنه لما جُبِل عليه منَ الكرم، وأُعْطيه من حُسْن الخُلُق، أَظْهَر له البَشَاشَة، ولم يُجِبْه بالمَكْرُوه؛ لِتَقْتَدِيَ به أمتُه في اتِّقاء شرِّ مَن هذا سبيله، وفي مُدَارَاته ليسلموا من شَرِّه وغَائِلته.

قلتُ: وظاهِرُ كلامِه أن يكونَ هذا من جملة الخَصَائص، وليس كذلك؛ بل كل مَنِ اطَّلَع مِن حال شخص على شيء، وخشيَ أنَّ غيره يَغْتَرّ بِجَميلِ ظاهره فيقع في محذور ما، فَعَلَيْه أن يُطْلِعَه على ما يَحْذر من ذلك قاصدًا نَصِيحته، وإنَّما الذي يُمْكِن أن يختصَّ به النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكشفَ له عن حال مَن يَغْتَر بِشَخْص مِن غير أن يُطْلِعَه المُغتر على حاله، فيُذَمُّ الشَّخص بِحَضْرَتِه لِيَتَجَنَّبه المُغْتر لِيَكُون نصيحة، بِخِلاف غير النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ جَوَاز ذَمِّه للشَّخْص يَتَوَقَّف على تَحَقُّق الأمر بالقول أو الفعل ممن يريد نُصحه، وقال القرطبي: في الحديث جواز غيبة المُعلن بالفِسْق، أوِ الفُحْش، ونحو ذلك منَ الجَوْر في الحكم، والدُّعاء إلى البِدعة، مع جواز مُدَارَاتهم اتِّقاء شَرِّهم، ما لم يُؤَدِّ ذلك إلى المُدَاهَنة في دين الله - تعالى - ثُمَّ قال تبعًا لعياض: والفَرْقُ بين المُدَارَاة والمُدَاهَنة؛ أن المداراة: بذل الدُّنيا لِصَلاح الدنيا، أو الدين، أو هما معًا، وهي مباحة، وربما اسْتُحِبَّت، والمُدَاهَنة: تَرْك الدِّين لصلاح الدنيا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بذل له مِن دنياه حسن عِشْرته والرِّفق في مكالمته، ومع ذلك فلم يمدحه بقول، فَلَمْ يُناقِض قولُه فيه فِعْلَه، فإنَّ قولَه فيه قولٌ حَقٌّ، وفعله معه حُسن عشرة، فيزول مع هذا التَّقرير الإشكالُ بِحَمْد الله - تعالى.

وقال عياض: لم يكن عُيَيْنة - والله أعلم - حينئذٍ أَسْلَمَ، فلم يكن القول فيه غيبة، أو كان أسلم ولم يكن إسلامُه ناصحًا، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُبَيِّنَ ذلك؛ لِئلاَّ يَغْتَر به مَن لم يعرف باطنه، وقد كانت منه في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده أمور تَدُلُّ على ضعف إيمانه، فيكون ما وصفه به النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن جُملة علامات النبُوة، وأمَّا إِلاَنَة القول له بعد أن دَخَل، فعلى سبيل التَّأَلُّف له، ثم ذكر نحو ما تَقَدَّم، وهذا الحديث أصلٌ في المُدَاراة، وفي جواز غيبة أهل الكُفْر والفِسْق ونحوهم، والله أعلم".

باب ما يجوز منَ الغيبة:
حديث عائشة في قوله: ((بئس أخو العشيرة))، وقد تَقَدَّمَ شرحُه قريبًا في "باب لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا"، وقد نُوزِعَ في كون ما وقع من ذلك غيبة، وإنَّما هو نصيحة لِيَحْذَر السَّامِع، وإنَّما لَمْ يُواجه المقول فيه بذلك؛ لِحُسن خُلقِه - صلى الله عليه وسلم - ولو واجه المَقُول فيه بذلك لكان حسنًا، ولكن حَصَل القَصْد بِدُون مُوَاجَهة، والجَوَابُ أنَّ المُرَادَ أن صورة الغيبة مَوْجُودة فيه، وإن لم يَتَناول الغيبة المَذْمومة شرعًا، وغايته أنَّ تعريف الغِيبة المذكور أَوَّلاً هو اللُّغَوي، وإذا اسْتُثْنِيَ منه ما ذُكِرَ كان ذلك تعريفها الشَّرْعي.

قولُه في الحديث: ((إنَّ شَرَّ الناس)): استئناف كَلام كالتَّعليل لِتَرْكِه مُواجَهَته بما ذَكَرَه في غَيْبَته، ويُسْتَنْبَطُ منه أنَّ المُجَاهِرَ بالفسق والشَّرِّ لا يكون ما يذكر عنه من ذلك من وَرَائه منَ الغِيبة المَذْمُومة، قال العلماء: تُبَاحُ الغِيبَة في كلِّ غَرَضٍ صحيحٍ شرعًا؛ حيثُ يَتَعَيَّنُ طريقًا إلى الوُصُول إليه بها: كالتَّظَلُّم، والاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، والمُحَاكَمة، والتَّحْذير منَ الشَّرِّ، ويدخل فيه تَجْريح الرُّواة والشُّهود، وإعلام مَن له وِلاية عامَّة بسيرة مَن هو تحت يَده، وجواب الاستشارة في نِكاح أوْ عَقْد منَ العُقُود، وكذا مَن رأى مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّد إلى مُبْتَدِع أو فاسِقٍ ويخاف عليه الاقتداء به، وممَّن تَجُوز غِيبتُهم مَن يَتَجَاهر بالفِسْق، أو الظُّلم، أوِ البدعة، وممَّا يدخل في ضابط الغِيبة وليس بِغِيبة ما تَقَدَّم تفصيله في "باب ما يجوز من ذِكْر الناس" فيُسْتَثْنَى أيضًا، والله أعلم.

ابْتَسَمَ منتصرًا، وقال: أرأيتَ، يجوز ذِكْرُ المبتدعة والفَسَقة.

قلتُ: أخي، أَصْلَحَكَ الله، وهل قلنا غير هذا، لكن الشيخ الذي تَحَدَّثْت أنت عنه ليس منَ المبتدعة، ولا الفَسَقة، وقد نقلتُ لك كلامَ الشاطبي في بيان مَن يُسَمَّى مُبتدعًا.

قال - وقد علا صوته -: لكن ابن حجر يقول: إن مَنِ اطَّلَع على حال مُبتدع، وَجَب بيانُه للأمَّة.

قلتُ له: أخي، قد سألتكَ أمس: كيف اطَّلَعْتَ على حاله، فلم تُجِبْني بكلام شافٍ؛ بل زعمْتَ أنَّ الثقات نقلوا لك عنِ الثقات، وأنَّ الثقات قالوا - وكلامهم ثقة -: إنه مبتدع.

قل لي يا أخي: أليس هذا السَّنَد مُعضلاً قليلاً؟ أعْنِي أنَّ فيه مجاهيل؟

احْمَرَّ وجهه غضبًا، وقال:
إذًا خُذِ الدَّليل الثاني:
قَلَّبَ كتابًا بين يديه، ثم قال في انتصار: إليك الدليلَ الثاني، لَمَّا انتهت فاطمة بنت قيس من عدة طلاقها من زوجها أبي عمرو بن حفص، ذَكَرَتْ للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ مُعاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خَطَبَاها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما أبو جَهْم، فلا يضع عصاه عن عاتِقه، وأمَّا مُعاوية فَصُعْلُوكٌ لا مالَ له، انكحي أسامة بن زيد))، قالتْ: فَكَرِهْتُه، ثم قال: ((انْكِحي أسامة))، فَنَكَحْتُه، فجعلَ الله فيه خيرًا، واغتبطت؛ والحديث في مسلم.

ثم أضاف: وطبعًا لا يخفى عليك أنه بالتَّأكيد لِكُلٍّ مِن معاوية وأبي جَهْم فضائل، لكن في مقام النُّصح جاز فَضْح حالهم، فليس معنى أن يكونَ المُحَذَّر منه صاحب فضائل أَلاَّ نَنْصَحَ الناس من شروره.

قلتُ: يا أخي، أصلحك الله، انْظُر لِقَوْل النووي في "شرحه لِمُسلم": "وفيه دليل على جواز ذِكْر الإنسان بما فيه عند المُشَاوَرة، وطَلَب النصيحة، ولا يكون هذا منَ الغِيبة المُحَرَّمة"، لاحِظْ كلمة "بما فيه"، وَضَعْ تحتها ألف خَطّ، "بما فيه" وليس بما أَدَّعِيه، وليس بما أفهمه خطأ عنه،وهل النَّصيحة أن أقول: ضالٌّ، مضلٌّ، مُبتدعٌ، زائغٌ، وعندما أسألك: ما بدعته؟ تقول: لا يُجَرِّح المجروحين، ويبطن كذا وكذا؟

النبي - صلى الله عليه وسلم - اطَّلَع على حال شخصٍ فَحَذَّرَ مِن عيبه الذي يضرُّ المرأة، لم يخبرها بعيوب أخرى لا تخصُّها، ونحن لسنا ضد التَّحذير منَ المُبتدعة، لكن يجب أولاً أن يكونوا مبتدعة، أليس كذلك؟ أمَّا أن يختلفَ معي شيخٌ في مسألة ما، فأُغَلِّظُ له القول، وأحذر منه، أو ألاَّ يعجبني غير نفسي فأرى الكلَّ على خطأٍ، وأَتَعَنَّتُ في فَهْم مقاصدهم لِأَرْمِيهم بالبدعة، وما يدريني لعلِّي أنا المخطئ، أليس كذلك؟

قال في ازدراء: إن كنتَ أنت تشكُّ في اعتقادكَ، فلا تدري إذا اختلفَ معك شيخٌ إن كانَ الحقُّ معك أم معه، فأنا لا أشكُّ في اعتقادي.

قلتُ له: أَصْلَحَكَ الله، ورزقني الصبر والسلوان، أنا لا أشُكُّ في اعتقادي بالتأكيد، ولا أتَحَدَّثُ عن الاعتقاد أصلاً، لكنَّكَ لم تَقُلْ لي: أين بدعة الاعتقاد التي وقع فيها الشيخ المجروح بكل هذه الفظائع: ضال، مضل، زائغ عن الحق، مبتدع؟! لو قلت: هذا صوفي، أو شيعي ما ناقشتك، لكنَّكَ تقولها في علماء السُّنَّة.

قال في عناد: والنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قالها في صحابِيَّيْنِ.

قلت له: النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ماذا؟ قال عنِ الصحابيينِ: ضالٌّ، مُضِلٌّ، زائغٌ؟

قال: لا، ولكن قال: ((لا يضع العصا عن عاتقه))، وقال عن الآخر: ((صعلوك لا مال له)).

قلتُ: يعني قال ما فيهما بعبارةٍ مُهَذَّبةٍ، أمَّا أنتَ فقلتَ في الشيخ ما ليس فيه، واستخدمت عبارة - معذرة - غير مُهَذَّبة.

سَكَتَ مُكْرَهًا، وقال في غضب: إذًا خُذِ الدَّليل الثالث.

قلتُ له وأنا أنْتَقِي كلماتي: أخي، لسنا في حلبة مصارعة، ولْيَنْتَهِ الحوار عند هذا الحدِّ، فكلُّ دليل ستخبرني به أنا أعرفه وأحفظه عن ظهر قَلْب، وَكُلُّها أدلة لن تعطيكَ الحق في جرح علماء ينتسبون لأهل السنة بما ليس فيهم استنادًا لفهمك الخاطئ عنهم، لا والله، لم يكن هذا سلوك السَّلَفِ الصَّالِح، لا الصَّحابة، ولا التابعين، ولا مَن تَبِع هؤلاء بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، انْظُر إلى وَرَعِ هؤلاء القوم في لَفْظِهم، وفي قَوْلِهم، وفي صَمْتِهم، وستعرف جيدًا أنَّ الأمر ليس كما تقول، اقرأ في كُتُب السَّلَف، وانظر حِلْمهم، وعدم تحميلهم اللَّفظ فوق ما يحتمل، اقْرَأ في كُتُب السلف، وانهل مِن عِلْمِهم تعرف أنَّ ما تفعل أنت وغيرك، وأن ما نهشْتَ مِن لحم علماء أجلاَّء من أهل السنة غير جائز، تَذَكَّر وقوفكَ يوم العرش عُريانًا، وأنت تسأل ما الذي دفعكَ أن تقول في هذا وذاك: مبتدع، هل سيقبل منكَ أن تقول لله - تعالى -: قلتُ فيه: مبتدعٌ؛ لأنَّه لم يوافقني في جرح أو تعديل؟ أو لأنِّي ظَنَنْتُ أنَّه عني بقوله هذا كذا؟ أو لأن فلانًا وفلانًا أسقطه، ولا يقبل جرح الأقران؟

ماذا ستقول لله - تعالى - إن سَأَلَكَ: لِمَ صَددت عن أهل العلم؟ {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114].

أتكون عونًا للمُبتدعة الحقيقيين على إسقاط علماء السُّنَّة الذَّابِّينَ عنها؟ لقد فعلنا إذًا ما عجز عنه الغرب.

إنا لله وإنا إليه راجعون.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثالثة والربع صباحًا (قصة)
  • صمت ميمون (قصة قصيرة)
  • جرح واهم (قصيدة)
  • مأساة تجتر نفسها (قصة قصيرة)

مختارات من الشبكة

  • عبارات في الجرح والتعديل مشتقة من اسم الرجل المتكلم فيه جرحا أو تعديلا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قطوف من الجرح والتعديل والحكم بجرح الرواة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نهر النيل فيمن تكلم فيه في تاريخ الفسوي بجرح أو تعديل (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح رسالة في الجرح والتعديل للسبكي (المحاضرة الثالثة)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • شرح رسالة في الجرح والتعديل للسبكي (المحاضرة الثانية)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • شرح مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (السلسلة كاملة)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • المجلس (13) شرح مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • المجلس (12) شرح مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • المجلس (11) شرح مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • المجلس (10) شرح مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)

 


تعليقات الزوار
10- قصة تلخص منهجاً
إبراهيم خليل - الكويت 09-08-2009 12:46 AM

بارك الله فيك و جزاك خيرا

قصة جميلة جدا.. و كنت اود ان ارى او اسمع مثلها بهذه الطريقة منذ زمن طويل

و يكون فيها هذا التلخيص لذاك المنهج المعروف

بطريقة الحوار و بيان ان كلامهم هو محض قص و لصق من بعضهم البعض

ففعلا : ما يقوله هذا يقوله ذاك

و ان اختلفت الأسماء و الأماكن

و لكن المخ مغلق على تلك الكلمات المكررات التي دخلت فيه و اغلق عليها بالشمع الاحمر

و نسأل الله الهداية للجميع

9- جزاكم الله خيرا
سارة بنت محمد - مصر 28-06-2009 11:37 AM

السلام عليكم

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

استفدنا جدا من تعليقاتكم وفي انتظار المزيد

أعتذر عن التأخر عن شكري لكم حفظكم الله

8- المكرمة سارة
أبو مارية الصغرى - الإمارات 17-11-2008 09:14 PM
الأخت الكريمة شكرا على سعة صدرك وطلبك للبيان
الذي أشرتي إليه يا سيدتي لعله الصواب من حيث اعتبار ما كتبتي يندرج تحت فن المقالة , والله تعالى أعلم.
لاحظي معي أختي الكريمة هذه القطعة من التعريف : كلمة " موضوعاً ما " في التعريف تعني أن المقالة من أكثر الفنون الأدبية استيعاباً وشمولاً لشتى الموضوعات ، فموضوعات كالتضخم النقدي ، وأساليب الإعلان والتخدير بالإبر ، لا يمكن أن تحملها أجنحة الشعر ، ولا حوادث القصة ، ولاحوار المسرحية ، والمقالة وحدها تتقبل مثل هذه الموضوعات ، وأية موضوعات أخرى وتجيد توضيحها وتحسن عرضها .

أما اختلاف التصنيف باختلاف اللغات فالذي يبدو لي عدم الاختلاف ؛ لأن التعريف الذي أورد هنا هو لغربي وليس لعربي ..
هذا والله تعالى أعلم
تقبلي شكر أخيك ولا تنسي الدعاء له..
7- اللهم بارك
يسر سالم - مصر 17-11-2008 07:39 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا ، وبارك فيكم آمين .
6- جزاكم الله خيرا
سارة بنت محمد - مصر 17-11-2008 02:07 PM
السلام عليكم


تفصيل مقبول وفائدة جمة..جزاكم الله خيرا


لم اقصد بردي انني اعتبرت كلماتكم نقدا او تثبيطا بارك الله فيكم ...بل فقط اعلنت جهلي بالأمر

هل افهم بشرحكم للمقالة اعتبار ما كتبت اعلي الصفحة من قبيل المقالات ؟ فرغم انني اعدت قراءة ما كتبتم الا انني لم أستطع التصنيف ايضا ..

كما ان لدي استفسار رجاء توضيحه هل يختلف التصنيف باختلاف اللغات ام يسري على اللغات كلها ؟

اعتذر أشد الاعتذار عن أسئلتي ولكن فضول في سؤال اهل الفن عن خباياه..

جزاكم الله خيرا
5- المكرمة سارة
أبو مارية الصغرى - الإمارات 17-11-2008 12:58 PM
الأخت الكريمة سارة بارك الله فيك
أنا لا أقصد بذلك نقداً أو تثبيطاً وقد ذكرت لك ذلك في قصة سابقة لك بعنوان / صدمة /
ولكن المقصود أن نأخذ بأيدي بعضنا بعضاً نحو القمة , فلك كل التقدير والاحترام وشكراً على قبولك وتواضعك , وإليك ما أسعفنا الوقت بإرساله إليك , ولو كان هناك فسحة لأرسلت المزيد :

فن المقالة
عناصرها ـ أنواعها

المقدمة:
تُعد الحياة في البحر مسرفة إسرافاً أبعد من كل خيال ، سواءً في وفرتها ، أو تنوُّعها ، أو قِدمها ، أو غرابتها ، أو جمالها ، أو شراستها بغير تعقل ، وبما ليس له نظير آخر في الطبيعة ، وتتراوح الكائنات البحرية من ملايين بلايين الكائنات الميكروئية ، التي تجوب البحر في المياه الزرق ، إلى حيتان المحيط المتجمد الجنوبي الزرق التي يبلغ طول الواحد منها ثلاثين متراً ، ويزن مائة وثلاثين طناً ، وتشتمل هذه الكائنات على أجمل الأنواع ، التي لم تجد الطبيعة بمثلها ، كتلك الأسماك الرائعة الفضية ، وتلك الحيوانات التي تتفتح كالزهور ، وكتلك الشعب المرجانية المتلألئة ، وكتلك الديدان التي يبلغ طولها سبعة وعشرين متراً وكتلك الأسماك التي تتلون بأحد ثمانية ألوان ، فإذا وقفنا عند أكبر هذه الكائنات وهو الحوت ، فإنه يحتاج إلى أربعة أطنان من السمك ، تدخل في معدته حتى يشعر بالشبع ، ويحتاج وليده إلى ثلاثمائة كيلو من الحليب في الرضعة الواحدة .
ويتدفق من جسم الحوت في أثناء صيده ثمانية أطنان من الدم ، وفيه خمسة وعشرون طناً من الدهن ، وخمسون طناً من اللحم وعشرون طناً من العظام ، وتزن أعضاؤه الداخلية ثلاثة أطنان ، ولسانه طنين ونصف ويستخرج منه ما يزيد على مائة وعشرين برميلاً من الزيت ، وقد استطاع حوت أن يجر سفينة ثمانية ساعات ونصف ، بسرعة خمس عقد في الساعة ، والسفينة تُعمِل محركاتها بأقصى اتجاه معاكس لسيره .
هذه فقرات من مقالة علمية عن الكائنات البحرية ، مأخوذة من مجموعة " لايف " العلمية ، أردت أن استهل بها هذه المقال عن فن المقالة ، لتكون تجسيداً ومتكأً للأفكار النظرية المتعلقة بهذا الموضوع .
****
تعريف المقالة :
المقالة كما يعرفها أدمون جونسون ، فن من فنون الأدب ، وهي قطعة إنشائية ، ذات طول معتدل تُكتب نثراً ، وتُلِمُّ بالمظاهر الخارجية للموضوع بطريقة سهلةٍ سريعة ، ولا تعنى إلا بالناحية التي تمسُّ الكاتب عن قرب .
والمقالة ـ بتعريف آخر ـ قطعة من النثر معتدلة الطول ، تعالج موضوعاً ما معالجة سريعة من وجهة نظر كاتبها ، وهي بنت الصحافة نشأت بنشأتها وازدهرت بازدهارها .
كلمة " موضوعاً ما " في التعريف تعني أن المقالة من أكثر الفنون الأدبية استيعاباً وشمولاً لشتى الموضوعات ، فموضوعات كالتضخم النقدي ، وأساليب الإعلان والتخدير بالإبر ، لا يمكن أن تحملها أجنحة الشعر ، ولا حوادث القصة ، ولاحوار المسرحية ، والمقالة وحدها تتقبل مثل هذه الموضوعات ، وأية موضوعات أخرى وتجيد توضيحها وتحسن عرضها .
وكلمة " معالجة سريعة " في التعريف تعني أن كاتب المقالة ، مازاد على أنه سجل تأملات ، أو تصورات أو مشاهدات تغلب عليها العفوية والسرعة ، فلو كانت المعالجة متأنية فجمعت الحقائق ، وفحصت وصنفت ، واعتمد على الإحصاء ، والتجربة والمتابعة ، لعُدَّ هذا العمل بحثاً علمياً ، وليس مقالة أدبية .
فلو قرأت في مجلة علمية ، أن طيور البلاكبول ، تطير في الخريف إلى شاطئ المحيط الأطلسي ، ومن هناك تقوم برحلة جوية لا تصدق فوق البحار ، في اتجاه أمريكا الجنوبية ، مجتازة مسافة أربعة آلاف كيلو متر بلا توقف ، خلال ست وثمانين ساعة ، على ارتفاع يزيد على ستة آلاف متر ، لو قرأت هذه الفقرة لعرفت أن هذه الأسطر قد كلفت العلماء سنوات طويلة من الملاحظة ، والمتابعة ، فهذه فقرة من بحث علمي وليس مقالة أدبية .
وكلمة من " من وجهة نظر كاتبها " تعني أن المقالة تعبِّر عن ذات كاتبها أكثر مما تُعبِّر عن موضوعها ؛ لأن كاتب المقالة يرى الأشياء من خلال ذاته ، وما يعمل فيها من مشاعر وانفعالات .
استمعوا معي إلى أحد الكتاب ، يتحدث عن طائر :
" طائر صغير أحببته شهوراً طوالاً ، غرد لكآبتي فأطربها ، ناجى وحشتي فآنسها ، غنّى لقلبي فأرقصه ، ونادم وحدتي فملأها ألحاناً " .
****

المقالة فن عصري :
كُتب على غلاف أحدى المجلات ذات الطبعات الدولية ، أكثر من مائة مليون يقرؤون هذه المجلة ، في مائة وثمانين بلداً ، وبخمسة عشر لغة فما سر هذا الإقبال الشديد على مطالعة المقالات المنوعة في الصحف والمجلات ، وفي كل أقطار العالم ؟ .
في هذا العصر الذي طغت فيه المادة على القيم ، ونما العقل على حساب القلب ، وتعقدت أنماط الحياة ، وكثرت متطلباتها ، واستهلك كسب الرزق معظم الوقت ، واختُصر كل شيء ، حتى اختصرت الشهور في ساعات والسنون في أيام ، وظهرت الحاجة ملحة إلى مطالعات سريعة خفيفة ، فتطلع الناس إلى الصحف والمجلات ، واستهوتهم الكتيبات ، والدوريات ، وكأن الناس أرادوا أن يختصروا البحر في قارورة ، والبستان في باقة ، وضياء الشمس في بارقة ، وهزيم الرعد في أغرودة ، وبحثوا عن فن أدبي يدور معهم أينما داروا ، ويرافقهم حيثما ساروا ، ويكون معهم في حلِّهم وترحالهم ، وأحزانهم وأفراحهم في لهوهم وجدِّهم ، يعبر عن نشاطهم العقلي ، وعن اضطرابهم النفسي كذلك اختصرت الكتب في مقالات ، فجاءت بلسماً شافياً لمرض العصر ودواءً لضيق الوقت ، فكانت المقالة من أوسع الفنون الأدبية انتشاراً ؛ لأنها أقلها تعقيداً وأشدها وضوحاً ، وأكثرها استيعاباً ، لشتى الموضوعات وأيسرها مرونة على الكاتب ، وأسهلها هضماً على القارئ .
****
عناصر المقالة :
المادة والأسلوب والخطة .
فالمادة هي مجموعة الأفكار ، والآراء ، والحقائق ، والمعارف والنظريات ، والتأملات ، والتصورات ، والمشاهد ، والتجارب والأحاسيس ، والمشاعر ، والخبرات التي تنطوي عليها المقالة ، ويجب أن تكون المادة واضحة ، لا لبس فيها ولا غموض ، وأن تكون صحيحة بعيدة عن التناقض ، بين المقدمات والنتائج ، فيها من العمق ما يجتذب القارئ ، وفيها من التركيز ما لا يجعل من قراءتها هدراً للوقت ، وفيها وفاء بالغرض ، بحيث لا يُصاب قارئها بخيبة أمل ، وأن يكون فيها من الطرافة والجدة بحيث تبتعد عن الهزيل من الرأي ، والشائع من المعرفة ، والسوقي من الفكر ، وفيها من الإمتاع بحيث تكون مطالعتها ترويحاً للنفس ، وليس عبئاً عليها .
إن مهمة الكاتب ليست في إضعاف النفوس ، بل في تحريك الرؤوس وكل كاتب لايثير في الناس رأياً ، أو فكراً ، أو مغزى يدفعهم إلى التطور ، أوالنهوض ، أو السمو على أنفسهم ، ولا يحرك فيهم غير المشاعر السطية العابثة ، ولا يقرُّ فيهم غير الاطمئنان الرخيص ، ولا يوحي إليهم إلا بالإحساس المبتذل ، ولا يمنحهم غير الراحة الفارغة ولا يغمرهم إلا في التسلية ، والملذات السخيفة التي لا تكوِّن فيهم شخصية ولا تثقف فيهم ذهناً ، ولا تربي فيهم رأياً ، لهو كاتب يقضي على نمو الشعب ، وتطور المجتمع .

الأسلوب :
وهو الصياغة اللغوية ، والأدبية لمادة المقالة ، أو هو القالب الأدبي الذي تصب فيه أفكارها ، ومع أن الكتَّاب تختلف أساليبهم ، بحسب تنوع ثقافاتهم ، وتباين أمزجتهم ، وتعدد طرائق تفكيرهم ، وتفاوتهم في قدراتهم التعبيرية ، وأساليبهم التصويرية ، ومع ذلك فلا بد من حدٍّ أدنى من الخصائص الأسلوبية ، حتى يصح انتماء المقالة إلى فنون الأدب .
فلا بد في أسلوب المقالة من الوضوح لقصد الإفهام ، والقوة لقصد التأثير ، والجمال لقصد الإمتاع ، فالوضوح في التفكير يفضي إلى الوضوح في التعبير ، ومعرفة الفروق الدقيقة بين المترادفات ثم استعمال الكلمة ذات المعنى الدقيق في مكانها المناسب سبب من أسباب وضوح التعبير ودقته (لمح ـ لاح ـ حدَّج ـ حملق ـ شخص ـ رنا ـ استشف ـ استشرف) ووضوح العلاقات وتحديدها في التراكيب سبب في وضوح التركيب ودقته ، فهناك فرق شاسع بين الصياغتين ( يُسمح ببيع العلف لفلان ـ يسمح لفلان ببيع العلف ).
والإكثار من الطباق يزيد المعنى وضوحاً ، وقديماً قالوا : (وبضدها تتميز الأشياء ) الحرُّ والقرُّ ، والجود والشحُّ ، والطيش والحلم .
واستخدام الصور عامة ، والصور البيانية خاصة ، يسهم في توضيح المعاني المجردة ، مثال ذلك : الأدب اليوم عصاً بيد الإنسانية بها تسير ، لا مرود تكحل به عينها ، وهو نور براق يفتح الأبصار ، وليس حلية ساكنة بديعة تزين الصدور.
****
والقوة في الأسلوب :
والقوة في الأسلوب سبب في قوة التأثير ، فقد يسهم الأسلوب في إحداث القناعة ، لكن قوة الأسلوب تحدث " موقفاً " وتأتي قوة الأسلوب من حيوية الأفكار ، ودقتها ، ومتانة الجمل ، وروعتها ، وكذلك تسهم في قوة الأسلوب الكلمات الموحية ، والعبارات الغنية ، والصورة الرائعة والتقديم والتأخير ، والإيجاز والإطناب ، والخبر والإنشاء ، والتأكيد والإسناد ، والفصل والوصل .
مثال ذلك : إذا أردنا أن نعيش سعداء حقاً فما علينا إلا أن نراقب القمح في نموه ، والأزهار في تفتحها ، ونستنشق النسيم العليل ، ولنقرأ ولنفكر ، ولنشارك تايلر في إحساسه ، إذ يقول : سلبني اللصوص ما سلبوا ولكنهم تركوا لي الشمس المشرقة ، والقمر المنير ، والحياة الفضية ، الأديم ، وزوجة مخلصة تسهر على مصالحي ، وتربية أطفالي ، ورفقاء يشدون أزري ، ويأخذون بيدي في كُربي ، فماذا سلبني اللصوص ، بعد ذلك ؟ .. لا شيء ، فها هو ذا ثغري باسم وقلبي ضاحك ، وضميري نقي طاهر .
****
الجمال في الأسلوب :
إذا كان الوضوح من أجل الإفهام ، والقوة من أجل التأثير ، فالجمال من أجل المتعة الأدبية الخالصة ، وحينما يملك الكاتب الذوق الأدبي المرهف والأذن الموسيقية ، والقدرات البيانية ، يستطيع أن يتحاشى الكلمات الخشنة والجمل المتنافرة ، والجرس الرتيب ، وحينما يوائم بين الألفاظ والمعاني ويستوحي من خياله الصورة المعبرة ، يكون أسلوبه جميلاً.
مثال ذلك : البرج العاجي الخُلقي هو السمو عن المطامع المادية ، والمآرب الشخصية ، فليس من حق مفكر اليوم أن ينأى بفكره عن معضلات زمانه ولكن من واجبه أن ينأى بخلقه عن مباذل عصره ، وسقطاته ، البرج العاجي عندي هو الصفاء الفكري ، والنقاء الخلقي ، وهو الصخرة التي ينبغي أن يعيش فوقها الكاتب مرتفعاً عن بحر الدنايا الذي يغمر أهل عصره ، لا خير عندي للمفكر الذي لا يعطي من شخصه مثلاً لكل شيء نبيل رفيع جميل .
الخطة :
والعنصر الثالث من عناصر المقالة الخطة ، ويسميها بعضهم الأسلوب الخفي وهي المنهج العقلي الذي تسير عليه المقالة ، فإذا اجتمعت للكاتب أفكارٌ وآراء يريد بسطها للقراء ، وكان له من الأسلوب ما يستطيع أن تشرق فيه معانيه ، وجب ألا يهجم على الموضوع من غير أن يهيء الخطة التي يدفع في سبيلها موضوعه .
والخطة تتألف من مقدمة ، وعرض ، وخاتمة ، والمقدمة هي مدخل وتمهيد لعرض آراء الكاتب ، ويجب أن تكون أفكار المقدمة بديهية مسلماً بها ، ولا تحتاج إلى برهان ، وأن تكون شديدة الاتصال بالموضوع وأن تكون موجزة ، ومركزة ومشرقة .
وأما العرض ، فهو صلب الموضوع ، وهو الأصل في المقالة ، وفيه تعرض أفكار الكاتب عرضاً صحيحاً ، وافياً متوازناً ، مترابطاً متسلسلاً ويُستحسن أن يمهد الكاتب لكل فكرة ، ويربطها بسابقتها ، ويذكر أهميتها ويشرحها ، ويعللها ، ويوازنها مع غيرها ، ويذكر أصلها وتطورها ويدعمها بشاهد أدبي ، أو تاريخي ، ويُفضل أن تُعرض كل فكرة رئيسة في فقرة مستقلة .
والخاتمة تلخص النتائج التي توصل إليها الكاتب في العرض ، ويجب أن تكون واضحة ، صريحة ، حازمة .
ومما يتصل بالحديث عن عناصر المقالة الحديث عن أنواعها :
فمن حيث الموضوع هناك المقالة الاجتماعية ، والسياسية ، ومن حيث الأسلوب ، هناك المقالة العلمية ، والأدبية ، ومن حيث الطول ، هناك المقالة المطولة ، والخاطرة ، ومن حيث اللبوس الفني ، هناك المقالة القصصية ، والتمثيلية ، ومقالة الرحلات ، ومقالة الرسالة ، ومن حيث موقف الكاتب هناك الذاتية ، والموضوعية ، ومن حيث طرق نقلها إلى الجمهور ، هناك المقالة المقروءة ، والمسموعة ، والمنظورة .
****
أنواع المقالة :
المقالة العلمية : موضوعاتها علمية ، وأهدافها تبسيط الحقائق العلمية ، وتيسير نقلها إلى الجمهور ، يقول قدري طوقان " الشمس أقرب نجم إلينا ، وتقدر المسافة بثلاثة وتسعين مليوناً من الأميال ، فلو سار قطار إليها بسرعة خمسين ميلاً في الساعة لوصلها في مائتين وعشرين سنة ، والأمواج اللاسلكية ، التي تدور حول الأرض سبع مرات في ثانية واحدة ، هذه الأمواج لو أرسلت إلى الشمس لوصلتها في ثماني دقائق وربع ، ولو أرسلت إلى أقرب نجم إلينا بعد الشمس لوصلته في أربع سنين ونصف " .
لعلكم لاحظتم أسلوب المقالة العملية المباشر الذي يعتمد على الدقة في استخدام الألفاظ ، والسهولة في صوغ العبارات ، والبعد عن التأنق والزينة ولا تلبس المقالة العلمية من الأدب إلا أرق ثوب .

المقالة الأدبية : وهي قطعة من الشعر المنثور ، تشف عن ذات الأديب ، وتعبر عن مشاعره ، وتنطلق مع خياله ، وترسم ملامح شخصيته ، أسلوبها أدبي محض ، ففيها ماشئت من عواطف جياشة ، وخيال عريض ، وصور مترفة وأسلوب رشيق ، يقول عبد العزيز البشري متحدثاً عن سيد درويش :
" فما إن لحن سيد درويش فكان المغني شديداً إلا قوي لحنه ، ودعم ركنه ، وشدَّ بالصنعة متنه ، فسمعت له مثل قعقعة النبال ، إذا استعر القتال ، أو مثل زئير الآساد ، إذا تحفزت للصيال ، وإذا جنح الكلام إلى اللين ، كان لحنه أرق من نسج الطيف ، وألطف من النسمة في سحرة الصيف .

الخاطرة : مقالة قصيرة جداً تحتل بعض الزوايا في الصحف ، والمجلات ، وتعتمد على أسلوب الخطف في معالجة الموضوعات ، وتتميز بالطابع الذاتي وتشيع فيها السخرية ، ولها مذاق عذب في نفس القارئ ، وهي أشبه شيء بالرسم الكاريكاتوري .


تحياتي لك أختي الكريمة
4- لقد وجدت فيها ضالتي
أحمد - السعودية 17-11-2008 12:41 PM
جزيت خيراً على هذه القصة-إن أجاز لها أهل هذا الفن أن تكون كذلك- وبهذا الأسلوب -بالحوار الهادئ والحجة الظاهرة -نرجو أن يظهر الحق لمن زاغ عن السبيل وارتضى أن يكون مريداً -بطريقة أخرى- وأن يعود إلى سواء السبيل ونسأل الله لنا ولكم الهداية والتثبيت
3- جزاكم الله خيرا
سارة بنت محمد - مصر 16-11-2008 11:08 PM
السلام عليكم

اولا جزاكم الله خيرا

ثانيا هناك تصحيح واجب لابد من الجهر به ....الا وهو انني لست بأديبة ولااعرف الأدب كالكتاب والأدباء ولوسألتني ما تعريف القصة القصيرة لما تمكنت من الشرح الاكاديمي المستفيض ....

انا اكتب فقط للدعوة ولم يخطر لي الادب على بال ....حبذا لو صنفتم لنا ما نكتب او تراسلني الادارة بموقع او كتاب يتحدث عن التصنيفات الادبية وكيفية التفريق بينها ....

والحقيقة الأخري انني لا اصنف ما اكتب اصلا ولم يخطر علي بالي تصنيفه ...فقط وجدتها طريقة ملائمة للدعوة عملا بحديث ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا فأقص الحدث ...

فرجاء عذري ،فانا لم يخطر في بالي وأنا أقرأ ما قصّه النبي صلي الله عليه وسلم عن بني اسرائيل لنا كعبرة أن أصنفه كقصة طويلة أو قصيرة أو غير ذلك من التصنيفات....كذلك قصص القرءان ...ولم أجد أحد الشراح يحاول التصنيف كذلك ...

جزاكم الله خيرا وأحسن اليكم ...نصيحة مقبولة نرجو تفصيلها
2- أسأل الله أن يهديهم ..
أبو علاء الصنهاجي - الحسيمة .. المغرب 16-11-2008 10:15 PM
أسأل الله أن تخمد فتنة هؤلاء وأن يعودوا إلى جماعة المسلمين فإن لم يكن فإن ما ذهبوا إليه سيودي بهم إلى طرق الضلال وستفتح لهم أبواب الابتداع في الدين فيمرقوا منه والحمد لله الذي عافانا في مدينتنا من هذه الفتنة ولا حس لها فالحمد لله كلّنا نحب مشايخ السنة ونحب المجاهدين ولا نبغض أحدا من المسلمين حتى أن هؤلاء القوم في المدن المجاورة يصفون مدينتنا بالسلامة .. نسأل الله أن يديم علينا فضله ..
1- يا حسرة على العباد
أبو مارية الصغرى - الإمارات 16-11-2008 07:47 PM
الفاضلة سارة سرك الله تعالى في الدارين
والله قد أثلجت صدري مقالتك , فكثر هؤلاء في صفوف المسلمين يفتون في عضد الأمة , ويثقلون كاهلها , ويصدون عن سبيل أهل العلم من الفضلاء المخالفين لما هم عليه ـ مع الأسف ـ من خطأ في الفهم , وغشاوة عن الدليل , واتباع للشيوخهم بغير بينة ..
نسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق للحق ..
ولكن أرجو أن تسمحي لي أيتها الكريمة فالمقالة هذه على فائدتها وثمين جوهرها لا تندرج أبداً حتى مسمى القصة القصيرة ..
وإنما تصلح لباب آخر يتعلق بالأخلاق , والله تعالى أعلم ..
هذا رأي فلك أن تأخذي به أو أن ترديه
جزاك الله خير الجزاء
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب