• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / روافد
علامة باركود

حضور البلاد السعودية في الآداب الشنقيطية الموريتانية

د. أحمد ولد حبيب الله

المصدر: مجلة الدرعية، السنة الأولى، العددان 3 – 4، رجب - شوال 1419هـ، نوفمبر 1998م - يناير 1999م
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/4/2011 ميلادي - 15/5/1432 هجري

الزيارات: 38194

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المقدمة:

لقد سجَّل الشِّعرُ الشنقيطيُّ الموريتاني الحديثُ، والشِّعر السعودي الفصيح - ظاهرةَ حضورِ البلاد السعودية، والتبادُل والتأثُّر والتأثير العلمي والثقافي بيْن بلاد شنقيط الأمس واليوم والسعودية، سجَّل هذا الشعر تلك الظاهرةَ باعتباره فنًّا متميزًا قادرًا على التعبير أو التصوير الفني الدَّقيق في وضوحِ العبارة، وحُسْنِ الانتقاء، ورفعة الذَّوقِ، وحرارةِ العواطف، حتى أبرز ما رأى وشاهد وتخيل بأدق وأصدق العبارات، وأَعْذب الكلمات، وأسلس الألفاظ، وأحلى المعاني - في الغالب - مما تطلَّب من أصحاب هذا الشعر ذوقًا حَسَّاسًا، وحسًّا وذَوْقًا، ومشاعر صادقة، وعواطفَ جيَّاشة، وهو ما لا يقوى عليه إلاَّ شاعرٌ قويُّ الشاعريَّة، حاضر البديهة، شديد الملحوظة، ثاقبُ الذِّهْن، نافذ البصيرة، صاحب عَدَسة شعرية سحريةٍ فائقة في التقاطِ الصور المعبرة، والمشاهد الدالة، شاعِر أديب، مثقَّف واسع الاطلاع، وخبير وخرِّيتٌ وماهِر بأوضاع البلاد السعودية، وجغرافيتها الطبيعية والدِّينيَّة والسياسية، وعلى معرفة تامَّة - روايةً ودرايةً - بتاريخ ملوكها، وأمرائها وأعلامها وأعيانِها العلمية والثقافية...

 

وقد اجتمعَ كلُّ أولئك لشُعراءِ بلادِ شنقيط والسعودية بفضل الله، ثم بفضل سَعَة الأفق العلمي، والصِّلة والتواصُل القائم بين البلدين الشقيقين، فجاءتِ اللوحات الشعرية التي اطَّلعنا عليها رائعةَ التصوير، سَلِسَة، شائقة التعبير، عذبة الألفاظ في الغالب، جمعت من الطرافة أطيبَها، ومن الحقائق أدقَّها وأحلاها، فهي بحقٍّ مُمتعة لكلِّ متذوِّق مهما اختلفت عادتُه، وتنوَّعت اختصاصاتُه، وتعدَّدت اهتماماتُه الثقافية والسياسية.

 

إنَّ الحضور المكثف للبلاد السعودية (الأرض - الناس) يُمثِّل ظاهرةً فنيةً بارزة في الآداب الشنقيطية الموريتانية الحديثة، وبخاصَّة الرحلاتُ والشِّعر الفصيح، في الوقت الذي يُمثل فيه حضور الشناقطة في البلاد السعودية وآدابها ظاهرةً مُعتبرة، منذ قديم الزمان وحتى اليوم.

 

فقد هاجرت القبائل الشنقيطية الحِمْيَرية من اليمن في القرن 5م بَعْد انهيار سدِّ مَأرب؛ بسبب سَيْل العَرِم الواردِ ذكرُه في القرآن الكريم، وهاجرت القبائل الشنقيطية المَعْقِليَّةُ الجَعْفَرِيَّةُ الحسَّانية من الجزيرة العربية في القرن (10م - 4هـ).

 

فلا غَرْوَ إذًا إِذَا تعلَّق الشناقطةُ بموطنهم الأصلي، منبع العُروبة والعرب، ومهبط الوحي، ومنطلقِ الدعوة الإسلامية، ومَثْوى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وآله وأصحابه، وخُلفائه الراشدين، بلد الأمنِ والأمان والتوحيد والعقيدة الإسلامية النقيَّة، التي رسختها إلى الأبد الدَّعوةُ السلفية الوهابية الإصلاحية؛ انطلاقًا من مدينة الدرعية إلى البلاد الإسلامية كافَّة، ومن الحرمين الشريفَيْن مأوى أفئدة المسلمين منذ دعوة أبي الأنبياء والمرسلين إلى يوم الدين، ومن بلاد المملكة العربية السعودية التي حَبَاها الله - عزَّ وجلَّ - بخدمة المقُدَّسات الإسلامية والذَّوْدِ عن حِماها، وضيافة ضيوف الرحمن حجَّاج بيت الله الحرام، وتوفير الأمن والأمان لهم على الدوام.

 

ولا عجبَ إذًا إذا وجدنا أن الشاعر الشنقيطي كان وما زال يَحِنُّ حنينَ البِكْر إلى فصيلها إلى البلاد السعوديَّة النجدية والحِجازية، فيبعث إليها شعرًا أشواقَه الحارَّة، ويبثها لواعجه وتحاياه الصادقة، ويتمنَّى صادقًا ويتضرع مخلصًا إلى الله راجيًا تأديةَ فريضة الحج، ويتطمع في زيارة المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

 

لقد كان الشاعر الشنقيطي ولا زال يبكي ويستبكي بلاد نجد والحجاز، ويُعدِّد في شعره مواطِنَها الأصلية، وأزمانها الخوالي، ودمنها البوالي، لا مُحاكاة للشِّعر العربي القديم - في رأينا - وإنَّما حبًّا للبلاد السعودية وتعلقًا ببلاد الأجداد، وتوقًا إلى رُؤيتها، ورغبة في السياحة التاريخية والدِّينيَّة في نجودها، ووهادها ووديانها، وتلالها ورمالها - إحياء لذكرى الآباء - التي تحدثت عنها الأشعار الجاهلية، والأُموية، والعباسية، والأندلسية، وكتب التاريخ، ومعاجم البلدان.

 

ويتجلَّى ولوع الشاعر الشنقيطي بالبلاد السعودية، وحُبُّه الشديد لربوعها في المدونات الشعرية الشنقيطيَّة القديمة والحديثة، التي يَذْهَلُ ويَدْهَشُ مَنْ يطالعها بالحضور المكثَّف للبدال السُّعودي (الأرض - الناس)، وسوف ينزاح عنه الذُّهول والاندهاش إذا ما استحضرَ ما قلْناه آنفًا، وعقد موازنةً بين الشاعر العربي القديم، والشاعر الشنقيطي الذي يشعر متذوِّقُ شعره وكأنَّه كان يقف دائمًا، كما وقف امرؤُ القيس وغيرُه يبكي ويستبكي صاحبيه على أطلال نجد والحجاز، التي تعلق بها الشناقطة تَعلُّقًا شديدًا، وهاجروا إليها هجراتٍ فرديةً وجماعيَّة، بأرواحِهم، وأشعارهم، وأجسادهم في حَجِّهم ورحلاتِهم فسكنوها، ونالوا في رُبُوعها الآمنة العنايةَ الفائقة، والضيافة الكريمة، والهبات والهدايا والعطايا السخية من جانب الأسرة السُّعودية الكريمة الحاكمة، والشعب السعودي الأصيل.

 

لقد تَمتَّعتِ الجالية الشنقيطيةُ في البلاد السعودية برِعايةٍ مَلكيَّة خاصَّة، ومعاملة إدارية متميِّزة خولتها حقَّ التمتُّع بالجنسية - أحيانًا - والاستثناء من إجراءات المتابعة الأمنية - أحيانًا - لِمَا تَميَّزت به هذه الجالية من أخلاقٍ فاضلة، وسِيرة حسنة، وسلوك قويم، واحترام للعقيدة الإسلامية الصحيحة، ومَعرفة عميقة بالعلوم الشرعية واللغوية والأدبية.

 

وقد احتلَّ الشناقطةُ وظائفَ سامية في حقل الإدارة والقضاء، والتعليم والإعلام في المملكة العربية السُّعودية، وكانوا ولا زالوا موضعَ التكريم والتقدير المادي والمعنوي بالأوسمة الملكية، والثِّقة السامية، وغير ذلك من مظاهر العناية بها.

 

وسوف نبني خيمة[1] هذا الموضوع بالركائز[2] التالية:

الركيزة الأولى: بلاد السعودية - بلاد شنقيط (موريتانيا): وشائج القربى والتشابه.

الركيزة الثانية: التواصُل العلمي والثقافي والتأثير والتأثُّر.

الركيزة الثالثة: البلاد الشنقيطية في نظر السُّعودية.

الركيزة الرابعة: حضور البلاد السعودية في الآداب الشنقيطية الموريتانية.

 

الخاتمة:

الركيزة الأولى: بلاد السعودية - بلاد شنقيط[3] (موريتانيا)[4] وشائج القربى والتشابه:

إنَّ وشائج القرابة التي تَربِط الشعب السعودي والشعب الشنقيطي مَعروفةٌ عند النسَّابة والمؤرخين، قديمة قِدَم الإنسان في بلاد السُّعودية، وبلادُ شنقيط عريقة عراقة التاريخ العربي والإسلامي، قوية قُوَّة الإيمان بالأصل والدين في البلدين الشَّقيقين، وتزداد متانةً بصورة دائمة - إن شاء الله - بفضل الله، ثم بفضل قوة العقيدة الإسلامية النقية السائدة في البلاد السعودية والشنقيطية الموريتانية، التي يَنحدِر سُكانها من بلاد اليمن السعيد والجزيرة العربية، الذين هاجروا قديمًا منها، ولا زالوا يَعتزُّون بأصلِهم العربي، ويفاخرون ويباهون به دائمًا.

 

ولذلك حفل الشعر الشنقيطي الفصيح والنبطي بالفخر، والاعتزاز، والإشادة بانتساب الشناقطة إلى العرب الأقحاح، وغيرهم من القبائل العربية ذاتِ الشأن في التاريخ.

 

فهذا الشاعرُ محمدي ولد القاضي الشنقيطي (ت1983م - 1304هـ)، يقول مكذبًا مَنْ يُحاول الطعن أو المساس من أصل الشناقطة العربي، مُستدلاً بأدلة مادية ملموسة كافية في رأيه[5].

يَا قَائِلاً طَاعِنًا فِي أَنَّنَا عَرَبٌ
قَدْ كَذَّبَتْكَ لَنَا لُسْنٌ وَأَلْوَانُ
وَسْمُ الْعُرُوبَةِ بَادٍ فِي شَمَائِلِنَا
وَفِي أَوَائِلِنَا عِزٌّ وَإِيمَانُ
آسَادُ حِمْيَرَ وَالْأَبْطَالُ مِنْ مُضَرٍ
حُمْرُ السُّيُوفِ، فَمَا ذَلُّوا وَلاَ هَانُوا

 

ويُؤكد الباحثُ اللبناني يونس بحري أنَّ النَّسَّابة والمؤرخين العرب، مثل: الكلبي، والمسعودي، والطبري، وابن أبي زَرع، والجرجاني والسهيلي - مُتَّفقون على أنَّ القبائل الصنهاجية اللمتونية والمسوفية والجدالية، التي أسست دولةَ المرابطين القوية (434 - 541هـ)، في بلاد شنقيط، ولا زالت مَوجودةً فيها هي مِن أبناء حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان...[6].

 

ويذهب العلاَّمة سيِّد عبدالله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي (ت 1330هـ)، إلى أنَّ الشناقطة من حيث النسب العربي: "حميريُّون، لمتونيون، وأنصاريُّون، وهاشميون، وقرشيون أشراف حَسنيُّون وحُسينيُّون..."[7].

 

ويقول الدكتور محمد طه الحاجري الباحث المصري[8]: "... ولا ريب أنَّ شَنقيطَ بلدٌ عربي، صادق العُروبة منذ أنْ دَخَله الإسلام، فاتَّخذه أهلُه دِينًا لهم، كما أصبحت لغته هي اللغةَ السائدة بينهم يَصطنعونها في حياتهم اليوميَّة، وفي وجوه نشاطهم الأدبي والفِكري، واندمجوا في الأُمَّة العربية التي انتشرتْ وانبثت عُرُوقُها ما بين حدود الهند وشواطئ الأطلسي، وشاركوا في مَشاعرها، وفي تاريخها وفي صُوَرِ نشاطِها، وأصبحوا لا يَعرفون غيرَ الجنس العربي جِنسًا ينتمون إليه، حريصين عليه، فخورين به...".

 

إنَّ معرفة الشناقطة باللغة العربية أقدمُ من تاريخ دخول الإسلام إلى هذه البلاد[9]، دخل في عام 40هـ؛ لأنَّ العربيةَ وآدابها هاجرتْ مع القبائل العربية من اليمن في القرن الخامس الميلادي، وفي القرن الخامس الهجري من الجزيرة العربية - كما نعرف لاحقًا - فكان من الطَّبيعي أَنْ يُهاجر اللسانُ العربي وأدبُه مع ذويه، وأنْ يظلَّ هو السائدَ في البلد الذي هاجر إليه أهلُ هذا اللسان، إلا أن يصابوا بالذَّوَبان والمسخ الحضاري والاغتراب، وهو ما لم يحصلْ بالنسبة للشناقطة الذين ظلوا مُحافظين على اللغة العربية، المفتنِّين في علومها، الناشرين لها في إفريقيا الغربية، وفي غيرها من البلاد التي هاجر إليها الشنقيطي داعيًا أو تاجرًا أو رحالة.

 

يقول الرحَّالةُ الإسلامي محمد محمود الصواف، مبعوث[10] جلالة الملك فَيْصل آل سعود - رحمه الله -: إنَّ الشناقطة "... رُزقوا الحفظَ وأوتُوا الشِّعر، فهم شُعراء بالسليقة، فالقواعد الفقهية منظومة، والتاريخ منظوم، والعلوم المختلفة منظومة..."[11]، فهؤلاء الشناقطة: "يحفظون القرآنَ العظيمَ بِسُرعة فائقة، ويَحفظون متونَ العلوم، أما الشِّعر فحَدِّث عن حفظهم لملاحمه ولا حَرجَ، وكأنَّهم شعراء بالفطرة..."[12].

 

ومن الشناقطة البارزين "العلاَّمة الكبير محمد حبيب الله (ابن ما يأبى) الشنقيطي الذي حضرتُ بعضَ دروسه في القاهرة، وكان آيةً في الحفظ والرِّواية، وهو صاحبُ كتاب "زاد المسلِم فيما اتَّفق عليه البخاري ومسلم"، وكذلك العلاَّمة الشيخ محمد أمين الشنقيطي، مؤسس مدرسة النجاة في الزُّبير في العراق، وكانت هذه المدرسة ولا تزال قائمة - مركزَ إشعاعٍ وبركة، وخير على البصرة والزبير، والمدينة المنورة تَمتلئ بالشناقطة..."[13]، ومكة المكرمة كذلك، وكذا مُدن أخرى في المملكة العربية السُّعودية توجد فيها شخصياتٌ شنقيطية بارزة نالتِ الاحترامَ والتقدير من جانبِ الشَّعْب السعودي: ملكًا وحكومةً وشعبًا، على النحو الذي سوف يَتبدَّى لاحقًا.

 

ذلك؛ لأنَّ الوشائجَ والقربى بين الشَّعب السعودي والشنقيطي قوية، كما أنَّ أوجهَ الشَّبَه بينهما مُتعدِّدة وبارزة، فاللهجةُ العامية السائدة في البلدين مُتقاربة في مستوى فصاحتها ودلالاتِها؛ لأنَّ اللهجة الحسانية[14] الشنقيطية: "تشبه اللهجة العراقية واللهجة النجدية"[15]، وهي مفهومة[16] في مناطق نجران والأحساء في جنوب المملكة، وكثيرٌ من ألفاظ الحسانية موجودة في اللَّهْجة السعودية، سواء ما كان منها متعلقًا بأسماء الحيوان والأغذية، أم طرق الحياة، كما أنَّ الحياة الاجتماعية البدوية تكادُ تكون مُتشابهة في بادية شنقيط وبلاد السعودية والجزيرة العربية والشام بصورة عامة.

 

فبالنسبة لتقاليدِ الأزياء وعاداتِها يلحظُ الباحث أنَّ زيَّ الرجل الشنقيطي وهو الدراعة لا يزال موجودًا بهذا الاسم في ينبع، و"الدراعة عباءة خاصَّة ذات حجم كبير نسبيًّا (10 أمتار)، ومغلَّفة من الأمام والخلف، ومَفتوحة من الجانبين إلى قُرْب نهايتها؛ بحيث لا توجد لها أكمام"[17]، طويلة إلى حدٍّ ما.

 

ومن حيث عادات الغِذاء نجد أنَّ التَّمْر والحليب والأرز واللحم والشراب المَذْقَ، الذي يُخَضُّ لبنه بالمخضَّة "الشَّكْوَةُ" الموجودة في السعودية، والمصنوعة من جِلْد الأغنام المدبوغ... نجد أنَّ هذه العادات متقاربة جدًّا في البلدين.

 

وكما فرضت حياةُ البداوة العربية في الجزيرة والسُّعودية على سُكَّانها ظاهرةَ التَّرحال، "فرضت الصحراء الموريتانية القاسية الفقيرة على البيضاني[18] (الشنقيطي) حياةَ الظعن والانتجاع، فهو ينتقل مِن منزلٍ إلى منزل انتجاعًا للغَيث والكلأ، فعندما تجفُّ الآبار وتَيْبَسُ الحشائش، وتتطاير أشواكُ النبات الصَّحراوية مع الرِّياح الحارة يكون الرَّحيل ضرورةً لاستمرار الحياة، فيُصدر رئيسُ الحي الأمر بالرحيل، فتُعدُّ القافلة، وتُطوى الخيام، وتنصب الهوادج فوقَ الجمال، وتجمع قطعان الأغنام والإبل والبقر، ويركب السادة والنِّساء والأطفال الجمال..."[19].

 

وإذا كانتِ البيئةُ البدوية السعودية والعربية عامَّة قاسية، وطبعت طباع سكانها بطابع خاص، من حيث السَّحْنَة واللون، والطباع والسلوك، فإنَّ باديةَ بلاد شنقيط قد صبغتِ البدويَّ وشكلت طباعَه، و"أسلوبه في الحياة بخصائصَ مُعينة، ولكنَّها أكسبته من ناحيةٍ أخرى القدرات والمميزات، فهو يتميَّز بنظرٍ حادٍّ، وبأذن حَسَّاسَة، وبحاسَّة شمٍّ قويةٍ، ويُمكنه معرفةُ الاتجاه الصحيح (يهتدي بالنجوم)، وبذكاءٍ فائق، وبذاكرة قويَّة، بفضل هذه القُدرات استطاع البدويُّ الموريتاني أنْ يتكيَّف مع البيئة الصحراويةِ القاسية..."[20]، كما كان أجدادُه يتكيَّفون معها في اليمن ونجد والحجاز، وغيرها من بادية العرب.

 

وقد حمل الشنقيطي معه النظم الاجتماعية السائدة في الجزيرة العربية وبلاد اليمن السعيد، تلك النظم التي لا زالتْ سائدةً في أغلب البلاد العربية، ومنها المملكة العربية السعودية التي تمسَّك البُداةُ فيها بتقاليدَ وعاداتٍ عربية وإسلامية حقيقية، تالدة وطارفة، كما في بلاد شنقيط أو موريتانيا الآن في بِدايتها ومُدنها.

 

"وتتمثَّل النظم الاجتماعية في البادية الموريتانية في خليطٍ من النُّظم الإسلامية، والنظم البدوية العربية، والنُّظم القبائلية الإفريقية، فلقد فرضت قَساوةُ الحياة في الصحراء تقاليدَ إكرام الضيف؛ إذْ يَعْرِف البدويُّ مَعْنَى الحاجةِ لإطعام الجائع، وإرواء العطشان، وإيواء الغريب، ومُساعدة المريض، ويعرف كذلك أنَّ الأخبار تنتقل بسُرعة في الصحراء، سواء كانت أخبارُ كرمِه، أم أخبار شُحِّه، فإذا كان كريمًا ستخدمه هذه الأخبارُ في حالة حاجتِه إلى العون، وعادةً تَمتدُّ الضيافة في البادية ثلاثة أيام مُتتالية، ويقدم للضيف ذي المكانة المرموقة الخِراف أو الماعز المشوية والمحشُوَّة بالكُسْكُسِ (الثريد) مع شراب الزريدة (المَذْقِ)، الذي يتكوَّن من لبن النِّياق أو البقر أو الغنم المضاف إليه الماء والسُّكر، ويقدم له الشاي الأخضر الممزوج بالنَّعْنَاع في دورات مستمرة"[21] ثلاث مرات غالبًا.

 

ومِن الطريف: أنَّ إكرام الضَّيْف لا يتمُّ إلا بتقديم الشاي الأخضر فقط، فلو قدمت إليه أحلى موائد اللحوم الحمراء والبَيضاء، والفواكه والألبان وحدَها، لَمَا رضي عنه، واعتبر أنَّ ضيافتَه أُسيئت تمامًا، وربَّما تعرَّض المضيفُ للهِجاء اللاَّذع الذي تسيرُ به الرُّكبان مدى الأزمان، وهذا أخشى ما يَخشاه البدوي الشنقيطي ذو الحساسية المُفرِطة، والمزاج الحاد والخائف أشد الخوف على عرضه وسُمعة قبيلته.

 

إنَّ ظاهرةَ ارتباط إكرام الضيف بتوفير الشاي الأخضر ظاهرةٌ اجتماعية مُعقدة، جَسَّدها الشعراءُ الشناقطة، كما في شعر التجاني بن بَاب بن أحمد بَيْب العلوي الشنقيطي (ت1343هـ)، في قوله[22] (البسيط):

الضَّيْفُ دُونَ الأَتَايِ[23] الْيَوْمَ مُكْرِمُهُ
لَمْ يُجْدِ شَيْئًا وإنْ جَلَّتْ مَوَائِدُهُ
وَمَنْ سَقَى ضَيْفَهُ الْأَتَاىَ أكْرَمَهُ
وَلاَ يُلاَمُ وإنْ قَلَّتْ فَوائِدُهُ
جَرَتْ بِذَا عَادَةُ الْأَيَّامِ وَاطَّرَدَتْ
والدَّهْرُ لاَ بُدَّ أنْ تُرْعَى عَوَائِدُهُ

 

وكما في البوادي السُّعودية: "... يُمثل الجمل - سفينة الصحراء - محورًا أساسيًّا في حياة البادية (الموريتانية)؛ إذْ يتخصَّص الرُّعاة في تربية الإبل، ولعلاج الأمراض التي تُصيبها..."[24]، ويعرفون كيف يقتفون آثارَ ضوالِّها بدقة بالغة، ويُميِّزون بين آثار أخفافها، بل يعرفون أصواتَها من بعيد، ويُطلقون عليها أسماءَ مُعيَّنة، ويُسمُّونها حسب سِنِّها بأسماء تُشبه تلك الموجودةَ في البلاد السعودية، فالبدويُّ الشنقيطي يقول كما يقول البدوي السعودي: "بعير غادي"[25]؛ أي: مفقود، و"ناقة عُشَرَاء[26]"، بمعنى: حامل، و"حُوار"[27]، وجمعه: حِيرانٌ، ولد النَّاقَة الصغير، وكذلك مَخلول"[28]، و"قعود"[29]، و"فَاطِر"[30]، كبير السِّنِّ إلى غير ذلك مما يطول ذكْرُه من أوجه تشابُه حياةِ البادية في بلاد شنقيط، والبلاد السعودية اللَّتيْن تتشابَه فيهما أيضًا تقاليدُ الزواج وعاداتُه، فالشناقطة كالسُّعوديِّين في العناية التامة "بتطبيق مبدأ التكافؤ في الطبقة عندَ الزواج، ويُفضِّلون الزواج من بنات العمِّ أو القريبات، ويتمُّ زواج الفتاة عند البلوغ"[31]، أو قبله أحيانًا.

 

إنَّ هذه الوشائج والقربى الآنفة الذِّكر، والقائمة لدى الشناقطة والسعوديين، وكذلك أوجه التشابُه هي التي أبقت على جِسْرِ الحب والمودة والتواصل قائمًا وقويًّا بينهما إلى الأبد، وجعل عملية الاندماج والتأثر والتأثير المتبادل سَهلة، ويسيرة، وعميقة، وبالغة الدلالة.

 

الركيزة الثانية: التواصل العلمي والثقافي والتأثير والتأثر:

إنَّ عمليةَ التفاعُل والتواصل الثقافي والعلمي والأدبي والتأثُّر والتأثير، التي حصلت وتحصل باستمرار بين بلاد شنقيط والبلاد السعودية قديمة وعميقة، وتَمَّتْ وتتمُّ عبرَ قنوات متنوعة، ومُتجدِّدة، منها: الهجرات العربية من الجزيرة[32] العربية إلى بلاد شنقيط عبرَ العصور، وانتشار الدعوة السلفيَّة الإصلاحية التي قادها المجدِّد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - من مدينة الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى (1743 - 1817م)، التي تلقَّاها أصحابُ القلوب السليمة، والنوايا الطيبة بالقَبول والتَّبَنِّي في أصْقاع الدنيا، ومنها: الرحلات الشنقيطية الحَجِّيَّة إلى البلاد المقدسة والبعثات الطلابية الموريتانية، التي كانت ولا زالت تنهالُ على الجامعات والمعاهد السُّعودية المتنوِّعة، وازدهرتْ في سنواتِ السبعينيَّات والثمانينيَّات الميلادية... ومنها: الكتب السعودية التي تُجلَب إلى موريتانيا، ومركز الدعوة والإرشاد السعودية بموريتانيا... ومعهد العلوم العربيَّة والإسلامية بموريتانيا التابع لجامعةِ الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وغير ذلك من وسائل نَقْل المعرفة، كالإعلام المكتوب والمسموع والمرئي.

 

والحق أنَّ هذه القنوات مُجتمعة يحتاج الحديث[33] عنها إلى بَحث طويل وجهد شاق، ووقت كافٍ، نأمل أن يُتاح لنا - إن شاء الله - وفي عُجالتنا هذه نكتفي في هذا المَيْدان بالإشارة العابرة والإيماءة الخاطفة "فما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلُّه".

 

كما قلنا سابقًا: هاجرت إلى بلاد شنقيط الحالية قبائلُ صنهاجيةٍ حميريةٍ من اليمن بعد انهيار سدِّ مأرب: "الذي بدأت تقع الثُّلمات... (فيه)، حتى وقَعَ السيلُ العظيم الذي ذَكَره القرآن الكريم بسَيْلِ العَرِم في سنة 450 أو 451م، وكانت حادثةً كُبرى أدَّتْ إلى خراب العمران، وتَشتُّت الشعوب[34] اليمنية؛ حيث هاجر الغساسنة إلى بلاد الشام، والأوس والخزرج إلى بلاد الحجاز - مثلاً - وقبائل صنهاجة إلى بلاد المغرب العربي، وظلَّت صنهاجة اللثام تزحف جنوبًا حتى تغلغلتْ في تُخوم الصحراء الموريتانية في القرون الخمسة الميلادية الأولى، وسَهَّل دخول الجمل معها عملية عبورها إلى هذه الصحراء القاسية، والوعرة.

 

وكانت ملوك صنهاجة هي المؤَسِّسَةُ لمملكتيْ "غانا" و"مالي"، اللَّتَيْنِ قضى عليهما المرابطون في القرن الخامس الهجري بقيادةِ أبي بكر بن عمر اللمتوني (ت480هـ)، وتشير الروايات التاريخية المتاحة: "... إلى أنَّ هَيْمَنة صنهاجة تَجاوزتِ الصحراء (موريتانيا)؛ ليصلَ تأثيرُها بشكل واضح إلى السودان الغربي خلالَ التاريخ القديم... ذلك أنَّ تأسيس غانا كان قبل نهاية القرن الثالث الميلادي"[35].

 

كانت صنهاجةُ اللثام المكوَّنة من الثالوث: لَمْتُونة ومَسُّوفَة وجَدَّالَة تتقاسم السيطرةَ على بلاد شنقيط القديمة، "... فكانت ديارُ جَدَّالَة تحاذي شَواطئ المحيط الأطلسي، حتى الضفة اليُمنى لنهر "السنغال"، الذي أخذ اسمه من قبيلة صنهاجة، فكان يطلق عليه نهر صنهاجة، ثم "نهر سنفنانة" بتحريف من السودانيِّين (السنغاليين)، ثم حَرَّفَه الأوروبيون ابتداءً من القرن السادس عشر (الميلادي)، فظهَر في كتاباتهم تحتَ اسمه الحالي: "نهر السنغال"، وبقي كذلك إلى اليوم.

 

وتلت جَدَّالَة قبيلةُ لَمْتُونَةَ التي كانت منازلُها متصلة من جنوب السوس شمالاً، حتى منطقة "آفَلَّه" في الحوض جنوبًا، ثم قبيلة مَشُوفَة التي كانت تُسيطر على المنطقة الفاصلة بين تَنْدُوف في الشَّمال، ومنطقة نهر النيجر في الجنوب..."[36].

 

وقد أَسَّسَت هذه القبائل الثلاثَ الدولة المرابطيةُ (434 - 541هـ)، في بلاد شنقيط والمغرب والأندلس، وكانت عاصمتُها الأولى في عهْد الدولة الصنهاجيَّة الأولى قبل تسميتها بالمرابطية في أوْدَ أغُسْت"[37] في القرن 10م - 4هـ.

 

وقد وصف الرَّحالة العربي ابنُ حوقل تلك الدولة الصنهاجية "بالقوة وسعة النفوذ والثراء؛ بسبب هيمنتها على المبادلات التجارية عبر الصحراء..."[38].

 

ومن أشهر ملوكها الأُول: "تَلاكَاكِين وابنه: تِيُولِتَان (ت222هـ - 836م)، وحفيد الأخير الأثير بن فطين (ت287هـ - 900م)، ثم تَمَّم ابنُ الأثير الذي ثار عليه رُؤساء قبائل الصنهاجيَّة، وقتلوه سنة 306هـ - 919م"[39]، وعَرفتِ البلادُ فوضى سياسية سقطتْ بعدها المملكةُ الصنهاجية، ثم استعادت عافيتَها واتِّحادها من جديد في نِهاية القرن الثالث الهجري بقيادة أبي عبدالله محمد بن تيغاوِيت الملقَّب تَارسينَا أو تَارِشينَا، الذي كان أولَ أمير صنهاجي يَحجُّ بيت الله الحرام، ولكنه ما لبث أن قُتل؛ ليخلفه صهرُه يَحيى بن إبراهيم الجدالي، الذي قضى على المعارِك بين قبائل صنهاجة اللثام.

 

وقد قام هذا الأمير بأداء فريضة الحج، وعاد منها مُصطحبًا عبدالله ابن ياسين الجزولي أو الجدالي الأصل، الذي قام بتنقية العقيدة، وتنفيذ حدود الله، وأسَّسَ دولةَ المرابطين نسبة إلى "الرِّباط"[40]، الذي اعتزل فيه ابنُ ياسين وأتباعه الذين ظلوا في تزايُد حتى بلغوا الألف؛ حيث دعاهم إلى الجهاد في سبيل الله، فقاموا بإخضاع قبائل صنهاجة اللثام، التي كانتْ ترفُض إقامةَ الحدود، وقام برفقة يَحيى بن عمر اللمتوني يُجاهد الوثنيةَ الزنجية، وزحف إلى جنوب المغرب يُجاهد في سبيل الله حتى استشهد ابن ياسين عام 254هـ، ثم استشهد بعده بفترة وجيزة الأميرُ يَحيى بن إبراهيم اللمتوني الذي خلفه أخوه أبو بكر بن عمر الذي واصل الجهاد شمالاً، حتى فتح العديد من المدن المغربية، وعاد إلى الجنوب؛ ليصلحَ بين قبائل صنهاجة المتخاصمة، وخَلَّفَ ابن عمه يوسف بن تاشفين اللمتوني، الذي كان قائدَ مُقدمة الجيش المرابطي على المغرب.

 

ولكنه قرَّر الانفراد بحكم بلاد المغرب؛ حيث أسَّسَ "مُرَّاكشْ"[41]، وتزوج مُطلقة أبي بكر عمر الذي لم يشأ أن ينازع ابن تاشفين في الحكم، فقرَّر العودة إلى الجنوب؛ ليواصل الجهاد برفقة بعضِ العلماء الأجلاَّء أمثال الإمام الحضرمي المرادي (ت489هـ)، صاحب كتاب "الإشارة إلى تدبير الإمارة" أو "السياسة"[42]، وظل أبو بكر عمر يُجاهد في سبيل الله جنوبًا حتى استشهد عام 480هـ/1087م[43]، فانقسمت دولةُ المرابطين إلى قسم شمالي: في المغرب بقيادةِ يوسف بن تاشفين، الذي جاهد هو وأولادُه في المغرب والأندلس، واستطاع أن يُعزِّز قوة الإسلام هناك، ويؤخر سقوطَ الأندلس قرونًا بفضل الله، ثم بفضل شجاعته وصيته الذي ذاع وشاع، وقسم جنوبي في بلاد شنقيط بقيادة أبي بكر بن عمر اللمتوني.

 

ويكتنف الغموضُ تاريخَ هذه البلاد بعد سقوطِ دولة المرابطين عام 541هـ، وإنْ كان بعض المؤرخين يؤكد استمرارَ إمارات لَمْتُونِيَّة قبل أن تشهد البلادُ الصراعات السياسية بين القبائل، وهو ما أدَّى إلى سهولة دخول القبائل العربية الحسَّانية إلى البلاد قادمة من الجزيرة العربية، التي هاجرت منها في منتصف القرن الخامس الهجري بعد أن شاركت في ثورة القرامطة ضِدَّ الدولة العباسية، واجتازت صعيد مصر متوجهة إلى بلاد المغرب العربي[44].

 

لقد تغلغلت القبائل الحسَّانية إلى بلاد شنقيط، و"... اجتازت الساقية الحمراء عام 664هـ - 1265م على شكلِ مَوجات متتالية من شمال البلاد إلى وسطها، إلى جنوبها الغربي، ثم الشرقي، حتى أسست إمارات لها في القرن 11هـ - 17م، ونسبت هذه القبائل إلى حسان بن المختار بن عَقِيل بن مَعْقِل بن موسى بن هَدَّاج بن مَغْفر بن الأمير ابن إبراهيم الأعرابي بن محمد الجواد بن عالي الزينبي بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب..."[45].

 

وهكذا تظلُّ الصِّلة والتواصل قائمين ومُتَجدِّدَينِ على مر العصور، بفعل الهجرات من بلاد السعودية إلى بلاد شنقيط، والعكس صحيح.

 

ولعلَّ أعرف الشعوب العربية بالشعب الشنقيطي هم السعوديون الذين أطلقوا عليه اسم الشناقطة، واحتكُّوا بهم وعرفوهم حَقَّ المعرفة، وقدروهم حق التقدير، وساكنوهم وصاهروهم وتعلموا منهم، وعلموهم، وكثيرًا ما كان يؤكد علماء السعودية إعجابَهم أو حبهم للعلماء والأدباء الشناقطة في كتبِهم وأحاديثهم الإذاعية والتِّلفزيونية، وعَبَّروا عن مدى حفظِهم للعلوم الشرعية واللغوية، وكثيرًا ما سمعنا أحاديثَ علامة الجزيرة حمد الجاسر، وحسين زيدان، وأحمد الرفاعي، ومناع القطان وغيرهم، يتحدَّثون عن علماء الشناقطة وما قدموه للساحة العلمية والثقافية السعودية من عطاءٍ يَزيد من متانةِ الصِّلات العلمية، وعوامل التأثر والتأثير بين علماء بلاد السعودية وبلاد شنقيط.

 

يقول الأديب[46] اللبناني محمد يوسف مقلد: "... على الرغم من بُعد موريتانيا (بلاد شنقيط) جغرافيًّا عن المشرق، فقد ظل علماؤها على اتِّصال به جيلاً بعد جيل، يَدْلِفُون إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، ومنهم مَن كانوا يبقون بعد ذلك في البلاد المشرقية... وكانوا أينما حلوا ونزلوا مصابيحَ علم وأدب...".

 

و"... إنَّ الصلات الرُّوحية بين المشرق وأقصى المغرب العربي، وبخاصة موريتانيا لم تنقطع منذُ الفتح الإسلامي حتى اليوم... مُذ بدأ الركبُ الشنقيطي يعمل بلا انقطاعٍ على تغذية هذه الصِّلات بين شنقيط والبلاد المقدسة، فجعلها "فريضةً" أخوية مشرقية" إلى جانب كونِها فريضةً دينية سنوية.

 

أَجَلْ، منذ ذاك الحين أخذ الشناقطة يجعلون من زيارتِهم للبلاد المقدسة طابعَ الاستيطان، فلما تغيَّر وضعُ الحجاز السياسي في مطلع القرن الحالي (20م)، وأصبحت البلاد تُعرَف باسم "المملكة العربية السعودية"[47] بدأت حركة الهجرة إليها من موريتانيا "بلاد شنقيط" تتسع رُويدًا، رُويدًا، وانتقلت من الجمل إلى السيارة، ثم إلى الطيارة"[48].

 

ولقد "كانت أوسعُ هجرة موريتانية إلى السعودية في الربع الأخير من القرن الحالي (20م)، حين بدأتِ المملكةُ تشعر بأنَّها بحاجة إلى الإفادة من وجود (جالية) عربيةٍ إفريقية كالشناقطة، خصوصًا أنَّ معظمَ أفرادِها أهل ثقافة إسلامية ولغة وأدب، ففسحت لهم مَجال العمل في دوائرها، والتحصيل في معاهدها، كذلك سهلت للراغبين منهم الحصولَ على الجنسية المحلية (السُّعودية)؛ إذ اصطفتهم على غيرهم من الرعايا العرب لأكثر من سبب.

 

ولعل في رأس الأسباب أنَّها وجدتهم عنصرَ خيرٍ وسلام وإسلام.

 

أضف إلى ذلك شدةَ تَمسكهم بدينهم وعُروبتهم تَمسكًا لا يُضاهيهم به أصحُّ الناس دينًا وعروبة في المشرق العربي..."[49]، وكانت هجرة الأدمغة الشنقيطية إلى السعودية أيضًا من أسبابِ اصطفاء هذه الجالية على غيرها؛ لأنَّ كلمة "شنقيطي" كانت في البلاد السعودية والمشرق العربي تَعْني الأخلاقَ الفاضلة، والسلوك الحسن، وحفظ اللغة والفقه والأدب والحديث والقرآن الكريم.

 

ولمعت في فضاء المشرق أسماءُ علماء وأدباء شناقطة بارزين، كانوا مُدَرِّسين في الحرمين الشريفين، ونجد، والكويت، والأردن، والعراق، ومصر، وغيرها من الدُّول التي أقام فيها الشناقطة أو مروا بها... وقد كان محمد الخضر بن مَا يَأْبَى الجكني، وأخوه محمد حبيب الله يدرسان في الأزهر الشريف، وفي الحرمين بمكة المكرمة، والمدينة المنورة، وفي القُدس الشريف وألف أولهما كتابه "مشتهى الخارف الجاني في رَدِّ زلقات التجاني الجاني"، وهو يتجوَّل بين البلاد المقدسة والأراضي الفلسطينية[50]، وعمل مُفتيًا في المدينة المنورة، وعمل مدرسًا" للحديث النبوي فيها، كما عمل محمد أمين الشنقيطي أستاذًا للحديث في مكة المكرمة، ودَرَّس محمد يحيى بن محمد المختار الوالاتي الشنقيطي (ت1330هـ) في مكة المكرمة كذلك، وتولى القضاءَ في جيزان وينبع محمدُ بن عبدالله بن آدُّ الجكني الشنقيطي سنوات طويلة، كان خلالَها موضع احترام وتقدير من الجميع على غرارِ علماء الشناقطة عامة.

 

تأثير الدعوة الإصلاحية السلفية السعودية في الساحة الفكرية الشنقيطية:

لا شك أنَّ وجود هؤلاء العلماء في البلاد السعودية، والذين دَرَّسُوا ودَرَسُوا فيها وطالعوا المؤلفات الفكرية والعقدية والفقهية السعودية - كان له تأثير مباشر وغير مباشر على الساحة الفكرية الشنقيطية، التي شهدت في بداية القرن 13هـ صراعًا فكريًّا وعَقَديًّا حَادًّا بين علماء البلاد، وأبرزُ قواعدِ الحركة السلفية العقدية آنذاك هو مُحمد بن حميد الله الملقب "لَمْجَيْدرِي" (ت 1205هـ - 1820م)، الذي كان حاجًّا في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، واتَّصل بالدعوة السلفية السعودية مباشرة أو بوساطة؛ فقاد حركةً سلفية جعلته يصطدِم مع أستاذه المختار بن بُونَا (ت1220هـ) صدامًا قويًّا[51].

 

وقد أثبت الدكتور أحمد ولد الحسن، والأستاذ سيد أحمد ولد أحمد سالم[52] تأثُّر لَمْجَيْدَرِيِّ بالحركة الوهابية التي قادها محمد بن عبدالوهاب (1115 - 1206هـ /1703 - 1892م)، ودعمها الإمامُ مُحمد بن سعود "أكبر أبناء أبيه، وتولَّى الإمارةَ بعده، وتزامنت ولايته مع ظُهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي كان داعيةً إلى دين الله، كما أنزله - سبحانه - على رسوله، فقاوم البدعَ والأضاليل، ودعا إلى إخلاص العبادة لله وحده، ونبذ كل ما أدخل على دين الله مما ليس فيه، وهاجر الشيخ من بلدته "العُيَيْنَة" إلى الدرعية؛ حيث وجد في الأمير مُحمد بن سعود العضدَ القويَّ، الذي سانده في دعوتِه، وقاوم بسيفِه الضَّالين، والمنحرفين، سار مُجاهدًا إلى أنْ توفي عام 1177هـ / 1765م"[53]، وبَقِي الشيخ محمد عبدالوهاب يُواصل دَعوته بمُساندة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود - رحمه الله.

 

وكان محمد بن حبيب الله "لَمْجَيْدِري" الآنف الذِّكر عَالمًا شجاعًا لا يُتَبارَى في علم الكلام والتوحيد، حتى اصطدمَ مع عُلماء عصره، حتى إنَّ العلامة مَحنْض بَاب بن أعْبَيْد الديماني الشنقيطي ألَّفَ في تضليله رسالةً، وهذا لا يقدح فيه"[54]؛ لأنَّه يُدافع عن السنة، والعقيدة النقية.

 

وتوفي قبل وفاة محمد بن عبدالوهاب بسنة واحدة، وقد يكون اتَّصل به في الحجاز، عندما كان حاجًّا أو اتَّصل بتلامذته أو كتبه، وعلى كلِّ حال، فهو قد اتصل بالسُّلطان المغربي "سيدي محمد بن عبدالله، ونال الحُظْوَة عنده، ورَحَلَ إلى المشرق، وأكرمه أمير مصر"[55].

 

وقد ثبت أنَّ هذا السلطان المغربي قد تأثر بالدعوة الوهابية السُّنية، واهتم بها وبمحتواها؛ حيثُ حارب البدع، وتَشَعُّبَ الطرق الصوفية، ودعا إلى الاجتهادِ، والعَودة إلى السُّنة؛ فكان حريصًا على تنقية التوحيد من البدع ومظاهر الشرك...[56]

 

وكان يؤثر عن هذا السُّلطان قوله: "أنا مالكيُّ المذهب، وهابي العقيدة، وقد أَذِنَ في إتلافِ الكتب المتساهلة في أمورِ الدين، والمحلِّلة لمذهب الأشعرية، وهدم بعضَ زوايا الطرق الصوفية المنحرفة..."[57].

 

وقد تحدث أحمد بن خالد الناصري السلاوي في كتابه "الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى" عن تأثير الدَّعوة السلفية الوهابية في بلاد المغرب: الذي كانت الصلات الثقافية والفكرية بينه وبين بلاد شنقيط متواصلة وقوية.

 

ولقد كان العلاَّمة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (1305 - 1393هـ)، الذي توفي في مكة المكرمة بعد عودته من الحج يومَ الخميس 17/12/1393هـ[58].

 

كان أبرز مَن تأثروا بالدَّعوة السلفية الوهابية، ونقلها إلى بلاده، وألَّف الكتبَ العقدية، وكتب التفسير، مثل كتابه "أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن"، الذي يقعُ في تسعة مجلدات ضخام، وكان هذا الرجل "بعلمه ونصحه وجهده وعِفَّته موضعَ تقديرٍ من جميع المسؤولين (السعوديين)، وبالأخص أصحاب الفضيلة آل الشيخ وصاحب الجلالة الملك عبدالعزيز وصاحب السمو الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وكان من أشدِّ الناس تقديرًا له.

 

وقد منحه جلالة الملك (عبدالعزيز) - رحمه الله - أمرًا بالجنسية لجميع مَنْ ينتمي إليه وفي كفالته ثقة به، وإكرامًا له..."[59]، "وكان يقول: ليس من عملٍ أعظم من تفسير كتاب الله في مسجد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتَم له ذلك بأمر من جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ولقي الشيخين الجليلين: عبدالله الزاحم والشيخ عبدالعزيز بن صالح، وكان الشيخان أقربَ الناس إليه، ودَرسَ الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصرف والبيان عليه"[60].

 

وقد بلور العقيدة السلفية منطقًا ودليلاً، "ومن آثار بيانه لها وأسلوبه فيها ما قاله فضيلةُ الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - لما سمع بيان الشيخ (محمد الأمين) لعقيدة السلف في مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - قال: "جزى الله عنَّا الشيخ محمدًا الأمين خيرًا على بيانه هذا، فالجاهلُ عرف العقيدة، والعالم عرف الطريقة والأسلوب..."[61].

 

ولم يكتفِ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الجكني بنشر العقيدة الصحيحة في داخل المملكة، وبين أوساطِ البعثات الطلابية الوافدة إليها، بل سافر منها رئيسًا لبَعثة دعوية كبيرة إلى عشر دول إفريقيَّة بدأت بالسودان، وانتهت بموريتانيا موطن الشيخ - رحمه الله - وكان لهذه البعثة في تلك البلاد أعظمُ الأثر، وأذكُر في مجلسٍ من مجالس أفاضل بلاد موريتانيا، وفي حفلِ تكريم للبعثة - وُكِّل إلى فضيلته - رحمه الله - كلمة الجواب، فكان منها: إن الذكريات لتتحدث، وإنَّها لساعة عجيبة أدارت عجلة الزَّمان؛ حيث نشأ الشيخ في بلادكم ثم هاجر إلى الحجاز، ثم ها هو يعود إليكم على رأسِ وفد ورئاسة بعثة، فقد نبتت غرسةُ علمه هنا عندكم، فذهب إلى الحجاز ونجد، فنمت وترعرعت، فامتدت أغصانها حتى شملت بوارف ظلها بلاد الإسلام شرقًا وغربًا.

 

وها نحن في مَوطنه نجني ثمارَ غرسها، ونستظل بوافر ظلها"[62]، ولم يكن دورُ هذا الشيخ الجليل إلاَّ امتدادًا لدور علماء الشناقطة الذين سبقوه أو عاصروه، ولكن ما كتبه عنه تلميذُه عطية محمد سالم القاضي بالمحكمة الشَّرعية بالمدينة المنورة - هو الذي أبقى على شذراتٍ من تُراثِه الحافل بالأخذ والعطاء في السُّعودية؛ حيث شارك هو وغيره من الشناقطة في ازدهار الحركة العلمية والثقافية والأدبية السعودية.

 

إنَّ دور علماء الشناقطة في تلك النهضة المباركة لا تفتأ ألسنة علماء السعودية تلهج به، وتُشيد به وبتأثيره التأثير القوي، وبخاصة في العاصمة السياسية الرياض، والعاصمة المقدَّسة مكة المكرمة، وعاصمة الدولة الإسلامية الأولى: المدينة المنورة، ولعلَّ أبرز هؤلاء العلماء الذين غَذَّوا هذه النهضة، وساهموا في ازدهارها ودَيمومتها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الجكني الآنف الذِّكر، الذي "كانت مُدة اختياره للتدريس في الرياض عشر سنوات دراسية يعود لقضاء العُطلة بالمدينة، وما كان عمله في التدريس بالمعهد والكلية كغيره من المدرسين.

 

ولكن لبيان أثره حقيقةً نُورد نبذة عن الحالة العلميَّة آنذاك بالرياض: كانت الرياضُ عاصمة نجد علميًّا وسياسيًّا، وكان يَفِد إليها طلابُ العلم من أنْحَاء نجد؛ لأخذ العلم عن آل الشيخ، وكان مركزُ الدراسة والتدريس في المساجد إلاَّ خواص الطلاب لدى سماحة المفتي، فيدرسون عليه بعض الدروس في بيته ضحى".

 

"وكانت الدِّراسة عمادها التوحيد والفقه والتفسير، وكذلك الحديث والسيرة والنحو، وكانت دراسة مباركة تخرَّج عليها جميع علماء نجد، حتى جاءت تلك الحركة العلمية الجديدة، أو تنظيم الدراسة الجديد عام 1371هـ..."[63]، ولقد نشأت النهضة العلمية والثقافية السعودية في تلك الفترة "استجابةً لرغبةِ جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - قال لجماعة العلماء وهم في مجلسه الخاص: لقد كانت الرياض مليئة بالعلماء، عامرةً بالدروس، وانتقل الكثيرُ منهم إلى رحمة الله، ولم يخلفهم من يُماثلهم، وأردت تعاونكم مع سماحة المفتي في تربية جيلٍ من طلبة العلم على العلوم الصحيحة والعقيدة السليمة، فنحن وأنتم مشتركون في المسؤوليَّة، فكانت هذه النهضة ترعاها عناية ملكية، وتقوم عليها كفاءة علمية، تولَّى إدارة المعهد الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم ورئاسته لسماحة المفتي..."[64].

 

ويُضيف الباحثون أسبابًا أخرى كانت وراء - بعد الله - قوة تلك النهضة وشموليتها منها: أنَّ الطلاب آنذاك كانوا "من الصفوة الذين درسوا في المساجد، المتعطشين للعلوم، المتطلعين للتوسع فيها..."[65].

 

ومنها: كونُ القائمين "على التدريس نخبة ممتازة من الأجلَّة الفُضلاء من وطنيِّين وأزهريين، فكان الجو حقًّا جوًّا علميًّا التقت فيه همة عالية من طلاب جيدين، مع عزيمة ماضية من مشائخ مجتهدين. كان يَسودهم الشعور بأن هذه طليعة نهضة علمية واسعة"[66].

 

وقد كان لتدريس محمد الأمين الشنقيطي في المعاهد أو الكليات أو المساجد السعودية أو في منزله - دورٌ كبير في هذه النهضة، و"كان له أثرٌ طيب ونتائج حسنة، لا يسع مُتحدِّثًا التحدثُ عنها بقدر ما تحدثت هي عن نفسها في أعمال المتخرجين كافَّة من تلك المعاهد والكليَّتين[67] المنتشرِين في أنحاء المملكة، والمبرَّزِين في أعمالهم، وفي أعلى مناصب في الوزارات كافَّة، ولا يُغالي من يقول: إنَّ كل من تَخرج أو يتخرج، فهو إما تلميذ له أو لتلاميذه..."[68] في أنحاء المملكة كافة والعالم الإسلامي؛ لأنه دَرَّسَ في آخر حياته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي افتتحت عام 1381هـ، وكان الشيخ فكهًا مرحًا عندما سأله أحد طلاب السنة الرابعة في الجامعة عن شهادة الزُّور، فقال له: "إنها تلك التي ستحصل عليها في آخر السنة..."[69].

 

وقد خلف الشيخ ولدين حصلاَ قبل سنوات على دكتوراه في الشريعة وأصول الفقه، وهما الأستاذان الفاضلان: محمد المختار وعبدالله، ويشغلان وظائف عالية في الجامعة.

 

وقد ظلت أفواجُ الطلاب الشناقطة تتوافر سنويًّا على الجامعات والمعاهد السعودية، وبلغ عددُ من تَخرج منهم ما ينوف على 500 خريج في ميادين الشريعة، والحديث، والفقه، وعلوم القرآن، وأصول الفقه، واللغة العربية، والإنجليزية، والطب، والهندسة، والمعلوماتية، والتمريض، والإدارة، والتاريخ، والجغرافيا، والأمن، وغير ذلك من التخصصات التي تحتاج إليها دولةٌ لا توجد فيها إلا جامعة واحدة لم تبلغ 18 من عمرها، ولا توجد فيها إلاَّ ثلاث كليات فقط هي الآداب والقانون والاقتصاد والعلوم، وقد احتلَّ خريجو الجامعات السعودية ومعاهدها مناصبَ سامية في الدَّولة الموريتانية في الإدارة، والتعليم، والصحَّة، والزِّراعة، والطب، ووصلوا إلى مناصب الوزارة والسفارة، وخدموا البلاد خدمةً ممتازة بكفاءة ونزاهة وإخلاص؛ لأنَّهم كُوِّنُوا تكوينًا سليمًا نافعًا للدِّين والوطن[70]، وهذه ميزة يباهون بها غيرهم من خريجي الدول الأخرى من الموريتانيِّين.

 

ولم تكتف المملكة العربية السعودية بتعليم أبناء بلاد شنقيط في جامعاتها ومعاهدها المختلفة فوق أراضيها وحسب، وإنَّما قدمت كل المساعدات والهبات السخية لبناء المساجد ودور العلم داخل موريتانيا؛ حيث قَدَّمَ إليها جلالةُ الملك فيصل أعظم هدية وأسخى عطية هي بناء جامع المدينة المنورة في نواكشوط، الذي بني على نفقة جلالته - رحمه الله - وتبرَّع به أثناء زيارته الميمونة إلى هذه البلاد عام 1392هـ/ 1972م، وهو الآن الجامع الكبير، ويُعد معلمة حضارية وثقافية وتحفة فنية رائعة، كما قامت المملكة ببناء مدرسة الملك عبدالعزيز التي حُوِّلت إلى المعهد العالي للبحوث والدراسات الإسلامية عام 1399هـ، وهو بمثابة كلية لإعداد القُضاة والأساتذة في القضاء والشريعة.

 

وافتتحت مركز الدعوة والإرشاد السعودي بموريتانيا الذي يقوم بالتوعية والتثقيف عبر مكتبة المطالعة العامرة بأصناف المعرفة، ويوزع الكتب النفيسة، والمصاحف الشريفة، واللوحات الإعلامية الجميلة، وكتب المناهج والمقررات السُّعودية النافعة، كما تفعل سفارة خادم الحرمين الشَّريفين في نواكشوط... وفي عام 1399هـ افتتح معهد العلوم العربية والإسلامية بموريتانيا، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ ليكون صرحًا علميًّا سعوديًّا شامخًا يخدم بلاد شنقيط وإفريقيا الغربية والمغرب العربي، وهو يَحتوي على المراحل المتوسطة والثانوية والجامعية، ويخرج كل عام أفواجًا من القراء والفقهاء والأساتذة في العلوم الشرعية والعربية، ويدرس به طلابٌ ينتمون إلى إحدى وعشرين دولة عدا دولة المقر: موريتانيا.

 

وقد بلغ عدد طلابه في العام الدراسي 1418 - 1419هـ حوالي 1194، وبلغ خريجوه 1801 طالب موزعين على تخصصاتٍ عدة[71].

 

ولا زالت الهباتُ العلمية والثقافية والاقتصادية السُّعودية تصب في حقل التنمية الشاملة في بلاد شنقيط؛ لتنمي أقوى الوشائج وأروع الروابط وأمتنها بين شَعْبين ذرية بعضها من بعض، وكانا ولا زالا يُمثل حضورُ أحدهما لدى الآخر ظاهرة تستحقُّ التنويه بها، وإقامة البحوث والدراسات المستفيضة حولها.

 

ولا عجبَ أن يعكس النتاج الأدبي في البلدين هذه الظاهرة، لا لأنَّ أواصر القربى والدين تربطهما فقط، وإنَّما اعترافًا بالفضل والجميل والشكر؛ لأنَّ "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" كما قال رسول الله أو ما معناه.

 

ولهذا فإنه يمكن قراءة مشاعر أحدهما تجاه الآخر لا في نتاجه وحسب، بل عيونه أيضًا.

 

الركيزة الثالثة: البلاد الشنقيطية في نظر السعودية:

تحدثنا في ثنايا هذا البحث عن مكانة الشناقطة في البلاد السعودية، وعن تلك العناية الرسمية والشعبية التي يَحظَون بها، وتلك الضيافة الكريمة التي اختصوا بها في السعودية، والامتيازات الخاصة بالجالية الشنقيطية فيها منذ قديم الزمان وحتى الآن.

 

ولا نُريد أنْ نسترسلَ في الحديث في هذه النقطة؛ لأنَّها معروفة والحديث عنها مُعاد ومكرر، ولذا فسوف نكتفي بقليل من الشعر السعودي الذي يُمثل ظاهرة حضور الشناقطة في البلاد السعودية وفي نظر أبنائها، ويُجسد الحب الكبير الذي يكنه السعوديون لأبناء شنقيط.

يقول الشاعر السعودي الأستاذ زارع بن عبدالله الشهري بمناسبة تخرُّج الدفعة الخامسة والسادسة في القسم الجامعي من معهد العلوم العربية والإسلامية التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ويرحب في قصيدته بمعالي مدير الجامعة آنذاك والوفد المرافق له، ويُشيد بمكانة بلاد شنقيط العلمية والأدبية، وبدَور هذا المعهد العلمي والثقافي وإشعاعه في القارة الإفريقية، يقول هذا الشاعر[72]:

أَلاَ فَاهْنَئِي يَا أَرْضَ شَنْقِيطَ وَاسْلَمِي
وَفِي طُرُقِ الْعَلْيَاءِ سِيرِي وَاسْلَمِي
أَضَافَتْ رِحَابٌ مِنْكِ لِلْعِلْمِ نُهَّلاً
أَتَوْكَ عِطَاشًا، فَارْتَوَوْا مِنْ تَعَلُّمِ
وَفِيكِ نُجُومُ الْفِقْهِ تَدْنُو لِمَنْ سَرَى
إِلَيْهَا، فَنِعْمَ الضَّوْءُ مِنْ خَيْرِ أَنْجُمِ
إِذَا ذُكِرَتْ شَنْقِيطُ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ
فَإِنَّ إِلَيْهَا الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ يَنْتِمِي
وَكَمْ مِنْ رِجَالٍ غَادَرُوكِ فَأَشْعَلُوا
ضِيَاءً مَحَا مِنْ حَوْلِهِ كُلَّ مُظْلِمِِ
مَضَوْا نَحْوَ أَرْضِ الزِّنْجِ قُدْمًا فَأَشْرَقَتْ
بِأَرْضِهُمُ أَنْوَارُ دِينٍ مُعَظَّمِ

•  •  •

وَمِنْ مَهْبَطِ الْوَحْيِ الشَّرِيفِ أَتَتْكَ
بِلاَدِي بِهَذَا الْمَعْهَدِ الْمُتَوَسَّمِ
يَخُطُّ خُطُوطَ الْخَيْرِ فِي كُلِّ وِجْهَةٍ
وَيَلْقَى يَدَ التَّحْنَانِ فِي كُلِّ مُسْلِمِ
تَضَامَنَ مَعْ أَهْلِ الْحِجَا فِي بِلاَدِكُمْ
فَأَعْطَوْهُ صَدْرَ الْعَاقِلِ الْمُتَفَهِّمِ
فَأَضْحَى مَنَارَ الطَّالِبِينَ وَأَصْبَحَتْ
نَتَائِجُهُ تَدْعُو الشَّجَى لِلتَّبَسُّمِ
فَمَنْهَجُهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الَّتِي
أَبَانَتْ مَعَانِيهِ إِلَى الْمُتَعَلِّمِ
وَلَيْسَ بِمُنْحَازٍ إِلَى أَيِّ مَذْهَبٍ
بَلِ الْحَقُّ مَرْمَاهُ، وَبِالْحَقِّ يَحْتَمِي
وَهَا مَنْهَجُ الْأَسْلاَفِ بَانَ طَرِيقُهُ
وَمَنْ يَتَنَكَّبْ هَدْيَهُمْ يَتَنَدَّمِ

 

الركيزة الرابعة: وجود البلاد السعودية في الآداب الشنقيطية الموريتانية:

إنَّ الذي يتصفح المدونة الأدبية الشنقيطية عامة والشعرية الفصيحة خاصة يذهل ويندهـش؛ بسببِ الوجود المكثَّف للبلاد السعودية: أرضها وإنسانها، ولكنَّه سوف يزول عنه الذهول والدهشة إذا ما استحضر المعطيات التي تَحدَّثنا عنها في الصفحات الماضية.

 

وسوف نبدأ بوجود الإنسان السعودي في هذه الآداب، ونثني بحضور الأرض: الأماكن والمعالم البارزة.

 

أمَّا الإنسان فيشمل الأمراء والملوك والشخصيات البارزة، كالوُجهاء والأعيان السعوديِّين، ولا بد أنَّ الشعراء الشناقطة الذين كانوا في زمنِ ملوك الأسرة السُّعودية المالكة الكريمة الأوَّل مدحوهم بما هم أهله، كالإمام محمد بن سعود (ت1179هـ) والإمام عبدالعزيز بن محمد "أبرز أمراء آل سعود، فقد حَكَم تسعةً وثلاثين عامًا، وامتد نفوذه إلى أنحاء نجد: الأحساء، والقطيف، ومشارف بلاد الشام، والعراق، واليمن، وعُمان، والأراضي المقدَّسة، وكان معروفًا بالشجاعة والحكمة والعلم والعدل، وقد تُوفي عام 1218هـ - 1803م غيلة أثناءَ أدائه لصلاة العصر في مسجد الطريف "بالدرعية"[73].

 

والإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد (ت1229هـ - 1813م) والإمام عبدالله بن سعود (ت1232هـ - 1818م)، والإمام فيصل بن تركي (ت1282هـ - 1865م)، والإمام عبدالرحمن الفيصل، وجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود: "فهد الصحراء" و"سيد الجزيرة" و"صقر الصحراء"، إلى آخرِ الألقاب التي أطلقت عليه من جانب المؤرخين والكتَّاب العرب والأجانب الذين كتبوا عن شجاعته[74] وجهاده الطويل في سبيل الله، وتوحيد بلاده إلى أن توفي 1373هـ - 1953م.

 

بَيْدَ أن مدحهم لم يصل إلينا، وقد يكون موجودًا في المكتبات والوثائق السعودية المحفوظة أو عند الأُسر الشنقيطية في مكَّة المكرمة والمدينة المنورة، ونأمَل أنْ تتاح لنا الفرصة للتنقيب عنها في مظانِّها في البلاد السعودية، ونسجل أسفنا الشديد على أن النصوص الشنقيطية التي مُدِح بها الشهيد الملك فيصل عند زيارته لموريتانيا عام 1392هـ ضاعت؛ بسبب عدم وجود صُحُف موريتانية في تلك الفترة، وبسبب عدم التدوين السائد في البيئة البدوية الموريتانية، ولا زلنا نتذكر قصيدةً عينيَّة طويلة مدح بها المفتي العام للديار الموريتانية فضيلة الإمام بُدَّاة به البُوصَيْري الملك فيصل، وبَحثنا عنها عند الشاعر وذويه، فلم نجدْها، كما بحثنا عنها عند بعض الأصدقاء ولا زلنا نواصل البحث عنها؛ لأنَّها قصيدة مهمة جدًّا؛ لأنَّها مدحة رائعة لشهيد الإسلام الذي كان يتمنَّى أن يُصلي في القدس.

 

أمَّا مدائح الشناقطة لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - فهي كثيرة ومنشورة في الصُّحف الموريتانية والسعودية، ولا نحتاج إلى الحديث عنها أو الإتيان بأمثلة منها؛ خشيةَ التطويل، وتبقى لدينا قصيدةٌ نادرة جدًّا مدح بها العلامة الدَّنَيْجَة بن معاوية التَّنْدَغي الشنقيطي (ت 1418هـ) جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - الذي تولَّى الحكم بعد وفاة والده عام 1373هـ، وبَقِي في الحُكم حتى 1384هـ 1964م، واصلتِ المملكة في عهده علمياتِ التطوير ونشْر التعليم، وإنشاء المدارس والجامعات؛ حيث افتتحت في عهده أول جامعة في شبه الجزيرة العربية هي جامعة الملك سعود في الرياض عام 1376هـ / 1957م والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1381هـ، ومعهد الإدارة العام عام 1380هـ، ومعاهد المعلمين الثانوية وغير ذلك من الإنجازات المهمَّة[75].

 

وتبقى هذه القصيدة التي وصلت إلينا وحْدَها من مديحيَّات الشناقطة للأسرة السعودية الحاكمة - وثيقةً تاريخيَّة قيمة قدَّمها صاحبها بين يدي جلالة الملك سعود عام 1959م باسم حُجَّاج بلاد شنقيط، وهذه القصيدة نسجها الشاعر على منوال بناء القصيدة العربية القديمة من حيث البداية بالمقدِّمة الطلليَّة والغزلية، التي استغرقت 16 بيتًا قبل أن يخلص إلى غرض المدح الذي أجاد فيه، ولم يلجأ إلى الكلماتِ الصعبة غالبًا، ولم يغرقْ في الرموز والصُّور الفنية الغامضة، معانيه سهلة، وألفاظه واضحة في الغالب.

 

وهذا هو نص القصيدة[76]:

بِجَنْبَاتِ "الْمَصِيرِ" [77]لَنَا عُهُودٌ
جَدِيرَاتٌ بِهَا مُقْلًى تَجُودُ
فَصَبٌّ لاَ يَهِيجُ بِهِنَّ خِبٌّ
وَعَيْنٌ لاَ تَجُودُ بِهَا جَمُودُ [78]
عُهُودٌ إِنْ تَمُرَّ بِهَا النَّعَامَى
وَجَاءَتْنَا تَنَسَّمَها الْجَلُودُ

• • •

خَلِيلِي إِنْ تَمُرَّ بِنَا إِلَيْهَا
فَلاَ يَطُلِ الْمُقَامُ وَلاَ الْقُعُودُ
فَإِنِّي لاَ أَرُودُ بِهِنَّ إِلاَّ
وَظَلَّ الْهَمُّ فِي خَلَدِي يَرُودُ
فَلِي قَلْبٌ بِرُؤْيَتِهَا مَشُوقٌ
وَلِي عَيْنٌ بِرُؤْيَتِهَا حَتُودُ [79]
وَحَيَّيْنَا الْعُهُودَ: عُهُودَ لَيْلَى
وَمَا رَدَّتْ تَحِيَّتَنَا الْعُهُودُ
عُهُودٌ مَا تَمُرُّ بِهِنَّ إِلاَّ
تَمَنَّيْنَا لَيَالِيهَا تَعُودُ

• • •

لَيَالٍ حَوْلَ "ذَاتِ السَّرْحِ" كُنَّا
وَذَاتُ السَّرْحِ" أَبْطُحُهَا مَجُودُ [80]
بِهَا الْحَسْنَاءُ زَيْنَبُ تَيَّمَتْنِي
لَيَالِي زَيْنَبٍ حَسْنَاءُ رُودُ
خَلُوبُ اللَّحْظِ شَنْبَاءُ الثَّنَايَا
خَرُوسُ الْحَجْلِ نَاعِمَةٌ حَرُودُ [81]
كَأَنَّ الْبَابِلِيَّ بُعَيْدَ هَدْءٍ
يَعَلُّ بِهِ مُقَبِّلُهَا الْبُرُودُ
لَوَ ابْصَرَ وَجْهَهَا قِسِّيسُ بُصْرَى
لَكَانَ لَهَا مِنَ الْقِسِّ السُّجُودُ
فَإِنْ غَارَتْ فَبِالْغَوْرِ اشْتِيَاقِي
وَإِنْ تُنْجِدْ فَمَهْوَايَ النُّجُودُ

• • •

عَلِقْتُ بِزَيْنَبٍ وَعَلِقْتُ هِنْدًا
وَغَرَّتْنِي الزَّيَانِبُ وَالْهُنُودُ[82]
وَقَلْبِي الْيَوْمَ يَمْحَضُ وُدَّ سَلْمَى
وَلِي مِنْهَا الْخِيَانَةُ وَالصَّدُودُ
فَهَيْهَاتَ الْخِيَانَةُ يَا سُلَيْمَى
فَبُرْجُ الدِّينِ طَالِعُهُ السَّعُودُ
أَشَجَّ زَمَانَهُ وَأَشَجَّ أَمْسِي
لَهُ عَبْدُالْعَزِيزِ أَبًا يَسُودُ
يَجُودُ بِمَالِهِ طَلِقُ الْمُحَيَّا
إِذَا كَعْبُ ابْنُ مَامَةَ لاَ يَجُودُ
لَعَمْرُكَ مَا أَبٌ كَأَبِيهِ عَدْلاً
وَلاَ كَجُدُودِهِ عَدْلاً جُدُودُ
لَقَدْ حَمِدَتْ وِلاَيَتَكَ الْحُبَارَى
وَأُمُّ الخُشْفِ وَالْوَعْلُ الْحَيُودُ[83]
وَأَهْلُ الْبَحْرِ الَاحْمَرِ حَامِدُوهَا
وَحَامِدَةٌ عَدَالَتَكَ الْهُنُودُ
فَمَا يُخْشَى عَلَى الْعِيرَاتِ لِصٌّ
وَلاَ يُخْشَى عَلَى الْبَقَرِ الْأُسُودُ
وَلاَ تَخْشَى الظَّعِينَةُ يَوْمَ تَمْشِي
مِنَ الْأُرْدُنِّ مَقْصِدُهَا زَرُودُ
وَجَدْتُمْ شِرْعَةَ الْهَادِي عَوَانًا
فَأَضْحَتْ ثَدْيَهَا وَلَهَا نُهُودُ
رَعَيْتَ حُقُوقَهَا وَأَقَمْتَ مِنْهَا
حُدُودًا حِينَ ضُيِّعَتِ الْحُدُودُ
تُرَجَّى كَالْحَيَا طَمَعًا وَتُخْشَى
كَمَا تُخْشَى الصَّوَاعِقُ وَالرُّعُودُ[84]
فَكَمْ يَوْمٍ يُسَاءُ بِكَ النَّصَارَى
وَكَمْ يَوْمٍ يُسَاءُ بِكَ الْيَهُودُ
وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَكَمْ بِنَصْرٍ
يُنَاجُونَ الْإِلَهَ وَهُمْ سُجُودُ
وَلَوْ قَالَ الْإِلَهُ لَهُمْ تَمَنَّوْا:
تَمَنَّوْا طُولَ عُمْرِكَ يَا سُعُودُ
وَيَحْسُدُكَ الْحَسُودُ مِنْ قَدِيمٍ
كَثِيرُ النَّفْعِ جَسَّدَهُ الْحَسُودُ
صَعِدْتَ مَنَابِرَ الْعَلْيَاءِ طِفْلاً
وَمَا هَيْنٌ بِمِنْبَرِهَا الصُّعُودُ
لَئِنْ أَصْلَحْتَنَا فَأَبُوكَ قِدْمًا
بِهِ الْأَرَضُونَ أَصْلَحَهَا الْوَدُودُ
وَكَانَتْ قَبْلَهُ غَوْغَاءَ فَوْضَى
يَجُودُ بِهَا الْمُسَوَّدُ وَالْمَسُودُ
فَقَامَ بِهَا فَأَمْسَى لاَ فُسُوقٌ
بِنَاحِيَةٍ يُخَافُ وَلاَ فُسُودُ
وَإِنَّا وَفْدَ شَنْقِيطٍ أَتَيْنَا
لِتَتَّصِلَ الْعَلاَئِقُ وَالْعُهُودُ
مِنَ الصَّحْرَاءِ نَحْوَكُمُ وَفَدْنَا
وَمِنْهَا نَحْوَكُمْ بَعُدَ الوَفُودُ
وَكَمْ أَمَّتْ بِلاَدَكُمُ وُفُودٌ
فَنَالَتْ مَا تُؤَمِّلُهُ الْوُفُودُ
وَأَنْتَ الْبَحْرُ يُورَدُ كُلَّ يَوْمٍ
وَلَيْسَ بِمَائِه يُزْرَى الْوَرُودُ
أَلاَ تَبًّا لِشَانِئِكُمْ وَبُعْدًا
لِحَاسِدِكُمْ كَمَا بَعُدَتْ ثَمُودُ
رَعَى الرَّحْمَنُ مُلْكَكُمُ فَإِنَّا
وَدِدْنَا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُلُودُ

 

ومن الشعر الشنقيطي الفصيح ذي الدلالة العميقة على حب الشناقطة للأسرة السعودية الحاكمة، وللشعب السعودي عامَّة - ذلك الذي تجود به قرائحُ الشعراء الشناقطة، الذين يتوقَّدون حماسةً وإخلاصًا وحبًّا، فينفثون نفثات شعرية عذبة طنانة في مناسباتٍ مُعينة، مثل مناسبة زيارة مبعوث جلالة الملك فيصل - رحمه الله - إلى موريتانيا عام 1392هـ، وهو السيد الرحَّالة محمَّد محمود الصواف، الذي زار 27 دولة إفريقيَّة حاملاً رسائل من جلالة الملك الفيصل إلى رُؤساء تلك الدول، وقد استُقبِل في بلد شَنقيط بالحفاوة البالغة، والضيافة الكريمة، والعناية الفائقة، والكرم البالغ، والأدب الأخلاقي، والأدب الشعري، وكأنَّ الذي جاء إلى البلاد هو الفيصل نفسه لا مبعوثه في المدن الشنقيطية التي زارها كافَّة، هذا المبعوث الذي يُدوِّن بعضَها في كتاب رحلاتِه إلى الدِّيار الإسلامية في إفريقيا المسلمة وأسيا الصامدة.

 

ومِن الشُّعراء الذين شاركوا في المهرجان الشعري الحاشد - يومئذ - الشاعر محمَّد الحافظ ولد أحمد الذي يقول[85]:

 

تَبَسَّمَتِ الدُّنْيَا بِطَالِعِ أَسْعَدِ
وَهَبَّتْ رِيَاحُ اليُمْنِ مِنْ كُلِّ فَرْقَدِ
وَأَثْمَرَ غُصْنُ الْبِشْرِ بِالْعِزِّ وَالْهَنَا
وَغَنَّى حَمَامُ الْأَيْكِ فِي كُلِّ مَعْهَدِ
يُرَدِّدُ أَنْوَاعَ النَّشِيدِ مُرَحِّبًا
بِطَلْعَةِ ذَا الْوَفْدِ الْكَرِيمِ الْمُمَجَّدِ
أَتَتْنَا وُفُودُ الْعُرْبِ بَعْثَةُ فَيْصَلٍ
فَخَصِّصْ لَهُمْ يَا شَعْبُ أَرْوَعَ مَشْهَدِ
وَفِي طَلْعَةِ الْوَفْدِ النَّدِيِّ "مُحَمَّدٌ"
فَيَا مَرْحَبًا بِالشَّعْبِ وَالْوَفِدِ النَّدِي
أَتَانَا مِنَ الْمَلْكِ الْمُعَظَّمِ فَيْصَلٍ
رَسُولاً وَمُهْدٍ لِلْهُدَى كُلَّ مُهْتَدِي
فَفَيْصَلُ مَنْ ضَنَّ الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ
وَفَاقَ الْبَرَايَا فِي عَلاَءٍ وَمَحْتِدِ[86]
وَمَنْ حَازَ مِنْ أَوْجِ السِّيَادَةِ مَنْصِبًا
تَقَاصَرَ عَنْ إِدْرَاكِهِ كُلُّ سَيِّدِ
وَشَيَّدَ قَصْرَ الدِّينِ مِنْ بَعْدِ هَدْمِهِ
وَقَدْ كَانَ قَصْرُ الدِّينِ غَيْرَ مُشَيَّدِ
وَكَانَ لِنَهْجِ الْمُصْطَفَى أَيَّ حَافِظٍ
وَفِي السُّنَّةِ الْبَيْضَاءِ جِدُّ مُؤَيِّدِ
تَقَدَّمُهُ نَحْوَ الْمَكَارِمِ هِمَّةٌ
تُزَانُ بِإِقْدَامٍ وَرَأْيٍ مُسَدَّدِ
أَلاَ أَيُّهَا الْأَبْطَالُ أَبْنَاءَ يَعْرُبٍ
أُحَيِّيكُمُ مِنْ "مُورِتَانِ" وَمَعْهِدِي[87]
فَيَجْمَعُنَا الْإِسْلاَمُ وَالْعُرْبُ كُلَّنَا
وَنَرْجُو لِشَعْبِ الْعُرْبِ خَيْرَ تَوَحُّدِ

 

وأنشد الشاعر أحمد بن معاوية في حماسة عارمة القصيدة التالية[88]:

 

بَيْنَ الزُّرَاتِ[89] مَنَازِلٌ وَعُهُودُ
مَا لِلْفَتَى مِنْ ذِكْرِهِنَّ صُدُودُ
لَكِنَّهُ أَنْسَتْهُ عَنْهَا فَتْرَةٌ
أَيَّامَ جَاءَ مُحَمَّدٌ مَحْمُودُ
"بِبَرَاوَةٍ" ذَهَبِيَّةٍ مِنْ فَيْصَلٍ
نَحْوَ الرَّئِيسِ كَأَنَّهَا عُنْقُودُ[90]
أَهْلاً بِهِ أَهْلاً بِهِ مَا زَارَنَا
فَهُوَ الْكَرِيمُ وَذَا عَلَيْهِ شُهُودُ
فَالدُّفُّ يَضْرِبُ نَفْسَهُ فَرِحًا بِهِ
وَالنَّاسُ قَائِمَةٌ لَهُ وَقُعُودُ
أَهْلاً بِهِ يَا مَرْحَبًا إِنْ هُو أَتَى
وَمُوَدِّعًا إِنْ هُو مَشَى فَيَعُودُ
لاَ زِلْتَ تَكْدَحُ عَنْ فِلَسْطِينَ الَّتِي
لَعِبَتْ بِهَا أَمْرِيكَةٌ وَيَهُودُ
بِئْسَ الطُّغَاةُ وَنِعْمَ مَنْ قَدْ قَاتَلُوا
عَنْ أَرْضِهِم إِنَّ الْكُمَاةَ تَسُودُ

• • •

ووقف الشاعر محمد بن محمد عالي وألقى قصيدة هي[91]:

شَمْسُ الضُّحَى حَسْنَا تَلُوحُ وَتُعْرِضُ
فَكَأَنَّهَا حُسْنًا وَصَفْوًا مَعْرِضُ
لاَحَتْ كَمَا لاَحَ الزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ
مَحْمُودٌ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ الْمُومِضُ
إِنَّا نَتُوقُ بِأَرْضِنَا لِقُدُومِهِ
فَرَحًا بِهِ قَبْلَ اللِّقَاءِ وَنَنْهَضُ
فَلِقَاؤُهُ يَشْفِي السَّقِيمَ مِنَ الْأَسَى
وَبِهِ يُدَاوَى كُلُّ مَنْ قَدْ يَمْرَضُ
أَهْلاً بِهِ قَدْ جَاءَنَا بِرِسَالَةٍ
وَقَبُولُ لاَزِمِهَا لَدَيْنَا يَفْرِضُ
مِنْ عِنْدِ فَيْصَلٍ الَّذِي نَحْوَ الْعُلاَ
تَسْمُو بِهِ هِمَمٌ وَنَهْجٌ أَبْيَضُ
بَطَلُ الْكُمَاةِ يَقُودُهُمْ نَحْوَ الْهُدَى
وَعَلَى عُدَاةِ الدِّينِ كُلاًّ يَقْبِضُ

• • •

ومن الشخصيات السعودية التي زارتْ بلادَ شنقيط عام 1401هـ معالي فضيلة الدكتور عمر نصيف نائب رئيس مجلس الشورى السعودي الآن، والأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي في مكَّة المكرمة، ومدير جامعة الملك عبدالعزيز في جدة سابقًا، وقد مدحه شعراء شنقيط هو والوفد المرافق له؛ يقول الشاعر محمد محمود أبو شامة في قصيدة طويلة مُرحِّبًا بهذا الوفد السعودي[92]:

لِمَكَّةَ بَيْتِ اللَّهِ ذَا الْوَفْدُ يُنْسَبُ
وَيَرْأَسُهُ هَذَا النَّصِيفُ الْمُحَبَّبُ
يُذَكِّرُنَا "سَحْنُونَ" إِنْ قَامَ مُفْتِيًا
وَذَكَّرَنَا "قُسًّا" مَتَى قَامَ يَخْطُبُ
عَلَى وَجْهِهِ سِيمَاءُ كُلِّ فَضِيلَةٍ
بِهَا يُدْرَكُ الْمَطْلُوبُ إِنْ عَزَّ مَطْلَبُ

 

ويقول فيها:

فَذَا الْوَفْدُ لاَ يَخْفَى فَلَوْلاَ بِلاَدُهُ
تَذُبُّ عَنِ الْإِسْلاَمِ مَا عُبِدَ الرَّبُّ
نَقُولُ لَهُ: أَهْلاً وَسَهْلاً وَمَرْحَبًا
وَنَزَّ إِذَا قُلْنَا لَهُ السَّهْلُ وَالرَّحْبُ
أَبَى الشِّعْرُ إِلاَّ أَنْ يُخَلِّدَ ذِكْرَكُمْ
وَبَعْدِي جُمُوعٌ بِالْمَشَاعِرِ تُعْرِبُ
فَشُكْرًا عَلَى هَذِي الزِّيَارَةِ إِنَّهَا
بِأَمْثَالِهَا يَقْوَى الْإِخَا وَالتَّأَلُّبُ
أَتَيْتُمْ وَلَسْتُمْ بِالضُّيُوفِ لِأَنَّنَا
وَإِيَّاكُمُ لِلدِّينِ وَالْعِرْقِ نُنْسَبُ
حَلَلْتُمْ بِأَرْضٍ كُلُّهَا مَوْطِنٌ لَكُمْ
وَشَعْبٌ عَرِيقٌ يَا نَصِيفُ لَكُمْ شَعْبُ
فَهِذِي بِلاَ شَكٍّ مَرَابِعُ جُدَّةٍ
وَتِلْكَ رُبَا نَجْدٍ وَهَا هِيَ يَثْرِبُ

 

وبمناسَبة الزِّيارة التي قام وفدٌ سعودي برئاسة مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1415هـ - 1416هـ - ألْقى الشاعر الشيخُ بن أحمد سالِم خرِّيج معهد العلوم العربية والإسلامية بموريتانيا التابع للجامعة الآنفة الذِّكْر قصيدةً رنَّانة وطريفة، جسدت ثقافة الشناقطة اللغوية والنحويَّة؛ حيث وظَّف الشاعر المصطلحات النحوية في ظرافة للتعبير عن مشاعره الصادقة تُجاه ضيوف بلاد شنقيط من علماء السعودية الأجلاء، والقصيدة بعنوان "أهلاً وسهلاً"، التي يلقانا بها كل سعودي مُرحبًا بضيوفه، وجسدتْ هذه الكلمة وخَلَّدتها الخطوط الجوية السعودية بمجلتها الجميلة "أهلاً وسهلاً"، كما يستهل الشاعر الشنقيطي قصيدته قائلاً[93]:

 

أَهْلاً وَسَهْلاً تَهُزُّ الشِّعْرَ مُنْتَظِمًا
بِالاسْمِ مُرْتَفِعًا وَالْفِعْلِ مُنْجَزِمَا
أَهْلاً وَسَهْلاً بِوَفْدٍ جَاءَ يَرْأَسُهُ
رَئِيسُ جَامِعَةٍ لِلْمُهْتَدِينَ حِمَى
أَهْلاً وَسَهْلاً بِهِ مِنْ زَائِرٍ وَطِئَتْ
أَقْدَامُهُ أَرْضَنَا تَبْنِي بِهِ عَلَمَا
أَهْلاً بِوَفْدِ (مَعَالِي الشَّيْخِ) قَائِدُهُ
فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ تَطْبِيقًا لِمَا رَسَمَا
(وَبِالْوَكِيلِ الرَّشِيدِ) الْمُرْتَضَى عَمَلاً
(وَبِالْعَمِيدِ) ابْتِدا رَفْعًا وَمُخْتَتَمَا
أَهْلاً وَسَهْلاً هِتَافًا بِاسْمِ مَعْهَدِنَا
بِاسْمِ الْمُدِيرِ وَبِاسْمِ الْجَمْعِ مُلْتَئِمَا
مُرَحِّبِينَ بِكُمْ فِي جَوِّ مَعْهَدِنَا
إِذْ صَارَ قَلْعَةَ عِلْمٍ يَنْشُرُ الْقِيَمَا
يَبْنِي شَبَابًا عَلَى الْإِسْلاَمِ قَدْ فَتِئُوا
مُحَصَّنِينَ مِنَ الزَّيْغِ الَّذِي دَهَمَا
فِي ظِلِّ جَامِعَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ وَفِي
أَسْمَى الْعِنَايَةِ مِمَّنْ يَخْدُمُ الْحَرَمَا
مُدِيرُهُ ذَا أَبُو سَعْدٍ يُكَابِدُ مَا
يَكِلُّ عَنْهُ هُمَامٌ يَمْتَطِي الْهِمَمَا
أَوْقَاتُهُ عَمَلٌ سَعْيًا لِمَصْلَحَةٍ
بِالْجِدِّ وَالصَّبْرِ وَالْإِخْلاَصِ مُلْتَزِمَا
فَهْوَ الْمِثَالُ الَّذِي يَحْذُوهُ ذُو عَمَلٍ
لِدِينِهِ يَنْشُدُ الْأَفْعَالَ لاَ الْكَلِمَا
إِذْ جَاءَ فَاعِلُهُ فِي الْخَيْرِ مُرْتَفِعًا
فَأَعْمَلَ الْفِكْرَ وَالْأَلْوَاحَ وَالْقَلَمَا
دِينٌ مَصَادِرُهُ قَدْ جَاءَ مَطْلَعُهَا
مِنْ عَالَمٍ كُنَّا مَا فِي أَرْضِ أَوْ بَسَمَا
أَفْعَالُهُ لِخِصَالِ الْخَيْرِ لاَزِمَةٌ
وَمَا تَعَدَّتْ إِلَى كُرْهٍ وَمَا حُرُمَا
فَكُلُّ مُبْتَدَأٍ مِنْهُ لَهُ خَبَرُهْ
قَدْ صَحَّ مُتَّصِلاً بِالرَّفْعِ مُنْفَتِحَا
شَرْعٌ لِكُلِّ زَمَانٍ صَالِحٍ وَمَكَا
نٍ مَنْ نَحَا نَحْوَهُ يَلْقَى بِهِ السَّلَمَا
جَمُعُ السَّلاَمَةِ مَا سِيمَتْ سَلاَمَتُهُ التْ
تَكْسِيرَ فِيهِ مِنَ الْأَعْدَاءِ بَلْ سَلَمَا
فَالْمُسْلِمُونَ عَلَى مَرْأًى وَمَسْمَعِ مَنْ
يَأْبَى يُنَادَى اسْمُهُمْ ذَا مُفْرَدًا عَلَمَا
وَمُفْرَدَاتُهُمُ فِي حُكْمِهَا جُمَلٌ
كُبْرَى بِهَا مُضْمَرُ الشَّانِ الَّذِي عُلِمَا
فَهُمْ نُحَاةُ الْهُدَى إِنْ ضَلَّ غَيْرُهُمُ
فِي الْهَدْيِ مُنْصَرِفًا عَنْهُ وَمُنْصَرِمَا
لاَ صَارِفٌ عَنْهُ يَطْرُقْ مَانِعًا لَهُمُ
رَفْعًا وَلَوْ كَانَ وَصْفُ الْحَالِ مُضْطَرِمَا
هَذِي مَصَادِرُهُمْ لَمْ يَعْرُهَا وَهَنٌ
آيُ الْكِتَابِ أَحَادِيثُ الَّذِي عَظُمَا
وَسِيرَةُ الصَّحْبِ مِنْ تَوْكِيدِ نَعْتِهِمُ
بِالْعَطْفِ بَادٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ "رُحَمَا"
يَا أُمَّةً أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ خَيِّرَةً
لِرَفْعِ جَهْلٍ وَتَبْيِينٍ لِمَا انْبَهَمَا
لاَ تَتْرُكُوا أُمَمًا فِي التِّيهِ حَائِرَةً
يَحْجُو جَهُولُهُمُ أَضْرَابَهُ عُلِمَا
وَمَا دَرَى غَيْرَ مَا أَمْلَى مُقَلَّدُهُ
أَوْ مَا رَآهُ وَلاَ مَا ظَنَّ أَوْ زَعَمَا
فَهَذِهِ بِدَعٌ عَمَّتْ زَوَابِعُهَا
حَتَّى طَغَى الزَّيْغُ فِي أَقْطَارِنَا وَطَمَا
وَرُؤْيَةُ الْبِدْعَةِ الشَّنْعَاءِ تَبْعَثُ فِي
نَفْسِ الْغَيُورِ عَلَى دِينِ الْهُدَى الْأَلَمَا
فَدَمِّرُوهَا بِأَصْلٍ مِنْ شَرِيعَتِكُمْ
فَقَدْ بَنَى أَهْلُهَا فِي أَرْضِنَا إِرَمَا
وَحَارِبُوا كُلَّ ذِي فِكْرٍ يُشَكِّكُ فِي
ثَوَابِتِ الدِّينِ بِالْأَعْدَاءِ مُعْتَصِمَا

 

وكان علماء الشناقطة وشُعراؤهم عندما يذهبون إلى الحجِّ ينالون كل العناية، وحُسْن الضيافة الفائقة في البلاد السعودية، فهذا العلاَّمة محمد فَال بن بَاب العلوي الشنقيطي (ت1349هـ) يرثي أحمد عميد أسرة آل المشاط في جدة، ويَمدح ابنه طاهر الذي أنفق على الشعار ودفع نفقات الإركاب عنه[94]:

لَئِنْ كَانَ مَوْتُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ ذِي النَّدَى
وَهُو بِصَعِيدٍ للتَّيَمُّمِ طَاهِرُ
فَلاَ يَخْشَيَنْ وُرَّادُ حَوْضٍ نَوَالَهُ
مَغِيضٌ أَتِيُّ الْجُودِ مَا دَامَ "طَاهِرُ"

 

كما مدح وجيه ينبع الذي كان يكرم الشناقطة كرمًا يشبه كرم الأمير إبراهيم في هذه المدينة ينبعَ، أمَّا الوجيه فهو محمد الأرنؤوطي يقول الشاعر[95]:

فَيَا قَاصِدَ الْيَنْبُوعِ إِنْ كُنْتَ سَائِلاً
وَلَيْسَ لِإِبْرَاهِيمَ ثَمَّةَ مَرْصَدُ
فَإِنَّ يَنَابِيعَ النَّدَى بَعْدُ لَمْ تَفُرْ
فَلِلَّهِ إِبْرَاهِيمُ أَحْيَا "مُحَمَّدُ"

 

ويبدو أنَّ إبراهيم المذكور كان قد مدحه محمد ولد محمدي العلوي الشنقيطي (ت1272هـ) بين مكة والمدينة قبل ذلك بزمن طويل؛ حيثُ يقول[96]:

يَا قَاصِدًا بَطْحَاءَ مَكَّةَ يَرْتَجِي
نَيْلَ الطَّوَافِ بِبَيْتِِهَا الْمَرْفُوعِ
لاَ تَخْشَ مِنْ يَنْبُوعِ حَاجِكَ غَوْرَةً
مَا دَامَ إِبْرَاهِيمُ كَالْيَنْبُوعِ

 

وأما الرحالة العلامة محمد يحيى الولاتي الشنقيطي (1259 - 1330هـ)، فقد مدح أسرتي آل المشاط وآل جمجوم المعروفتين بالسَّخاء والكرم في جدة مدحهما بأبياتٍ منها[97]:

وَانْزِلْ عَلَى آلِ مَشَّاطٍ تَجِدْ كَرَمًا
غَمْرًا يَعُمُّ بَعِيدَ الدَّارِ وَالدَّانِي
قِرًى وَعَوْنًا وَتَجْهِيزًا وَمَكْرُمَةً
وَسِبْطَ كَفٍّ وَتَحْدِيثًا بِأَفْنَانِ
وَإنْ عَلَى آلِ جَمْجُومٍ نَزَلْتَ تَكُنْ
مَا دُمْتَ ثَمَّةَ فِي عِزٍّ وَإِحْسَانِ
لاَ يَبْخَلُونَ عَلَى ضَيْفٍ بِفَضْلِهِمُ
يَسْلُو الْغَرِيبُ بِهِمْ عَنِ الْأَوْطَانِ

 

أما حضور المكان أو الأرض السعودية ومعالمها الدينية والتاريخية، فنجده في مقدِّمات القصائد الطَّللية والغزلية، والمدائح النبوية، والرحلات الحجيَّة الشنقيطية، ولكثرة النصوص الشعرية التي جسدت ذلك الحضور وخشية التطويل المفضي إلى السآمة والملل نكتفي بإعطاء أمثلة قليلة منه؛ عندما عزم الشاعر الشنقيطي محمدُ ولد مُحمدي (ت1272هـ) على تأديةِ فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، قال هذه القصيدة الرائعة يصف فيها المشاعر المقدسة[98]:

تَجَلَّدْ جُهْدَ نَفْسِكَ لِلْفِرَاقِ
وَكَفْكِفْ غَرْبَ سَافِحَةِ الْمَآقِي
وَجرِّدْ مِنْ غَرِيمِكَ مَا يُوَازِي
مُمِيرَاتِ الْمُهَنَّدَةِ الرِّقَاقِ
ونَكِّبْ عَنْ مَقَالِ أَخِي الْهُوَيْنَا
وَعَنْهَا فَهْيَ خَاسِرَةُ الصِّفَاقِ
وَعَنْ بَاكٍ، وَبَاكِيَةٍ أَرَاقَا
دُمُوعًا لَيْسَ وَاكِفُهَا بِرَاقِ
• • •

إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ بِنَصِّ إِحْدَى
عِتَاقِ الْكَوْمِ أَوْ أَحَدِ الْعِتَاقِ
بِنَصِّ شِمِلَّةٍ تَعْدُو بِعَالِي
قَرَاهَا عَدْوَ مُنْفَرِدٍ لَهَاقِ [99]

ويقول فيها:

أَحِبَّائِي أَعَادَ اللَّهُ مِنِّي
وَمِنْكُمْ بَعْدَ فُرْقَتِنَا التَّلاَقِي
إِلَى أَرْضِ الْحِجَازِ أَخَلْتُ عَنْكُمْ
صَفِيحَةَ وَجْهِ وَجْدِي وَاشْتِيَاقِي
سَلَوْتُ أَحِبَّتِي وَاشْتَاقَ قَلْبِي
بِتِلْكَ الْأَرْضِ لاَ نُجْلِ الْحِدَاقِ
وَلاَ بِيضِ التَّرَائِبِ وَالثَّنَايَا
مُدِيرَاتِ الْجُمَانِ عَلَى التَّرَاقِي
بِزَمْزَمَ غُلَّتِي تَغْلِي فَمَنْ لِي
بِكَأْسٍ مِنْ مُدَامَتِهَا دَهَاقِ؟
صَفَا نَفْسِي "الصَّفَا" وَ"مِنًى" مُنَاهَا
وَبِالْجَمَراتِ قَلْبِي ذُو احْتِرَاقِ
أَلاَ يَا رَكْبُ حُقِّقَ مَا رَجَوْتُمْ
عَلَى حُسْنِ التَّلاَطُفِ وَالْوِفَاقِ
ثِقُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصِمُوا وَسِيرُوا
خِفَافًا، فَالْمُهَيْمِنُ خَيْرُ وَاقِ
فَلاَ الْإِقْدَامُ يَجْلِبُ مَا كُفِينَا
وَلاَ الْإِحْجَامُ يَصْرِفُ مَا نُلاَقِي
وشُدُّوا الْمِيسَ مِنْ قَوَدِ النَّوَاحِي
بِجَنْبَيْ كُلِّ يَعْمَلَةٍ دِفَاقِ [100]
إِلَى حَيْثُ النَّجَاحُ وَحَيْثُ يَغْدُو
أَسِيرُ الذَّنْبِ مَفْكُوكَ الْوَثَاقِ
وَحَيْثُ تُنِيخُ حَامِدةً سُرَاهَا
لَدَى الْإِصْبَاحِ مُدْلَجَةُ الرِّفَاقِ
وَحَيْثُ نَطُوفُ سَبْعًا ثُمَّ نَسْعَى
وَنُسْرِعُ لِلْمَوَاقِفِ فِي اسْتِبَاقِ
وَنُشْعِرُ بَعْدَ وَقْفَتِنَا وَنَرْمِي
وَنَأْوِي لِلْمُحَلِّقِ لِلْحِلاَقِ
وَنَرْجِعُ لِلطَّوَافِ وَقَدْ أَرَقْنَا
دِمَاءَ الْمُشْعَرَاتِ مِنَ النِّيَاقِ
وَنَمْضِي يَوْمَنَا بِمِنًى فَنَقْضِي
بِلاَ عَجَلٍ لَيَالِيَنَا الْبَوَاقِي
وَإِنْ طِبْنَا بِطَيْبَتِنَا نُفُوسًا
تَنَادَيْنَا "لِطَيْبَةَ" بِانْطِلاَقِ
فَوَافَيْنَا الْحَبِيبَ وَذَاكَ أَوْفَى
وَأَوْفَرُ مَا نُؤَمِّلُ مِنْ خَلاَقِ
وَدُرْنَا بِالْقِبَابِ كَمَا أَرَدْنَا
وَدُرْنَا بِالنَّخِيلِ وَبِالزِّقَاقِ
أَلاَ يَا نِعْمَ طَيْبَةُ وَالْعَوَالِي
وَحِيطَانُ الْحَدَائِقِ وَالسَّوَاقِي
هِيَ الدَّارُ الَّتِي شَرُفَتْ وَتَاهَتْ
عَلَى شَامِ الْمَوَاطِنِ وَالْعِرَاقِ

 

وهذا الشاعر الشنقيطي المبدع الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيدي (ت1286هـ) يُعبِّر عن حبه للبلاد المقدسة وقد هَدَّه الشوق إليها، وأضناه الحنين إلى رُؤيتها، والغريب والطريف في وصف شعراء الشناقطة - كما رأينا في قصيدة محمد بن محمدي السابقة، وكما في قصيدة ابن الشيخ سيدي هذه - أنَّ هذا الوصف يتم بعدسة شعرية كأنَّها في عين المكان تلتقط مشاهد حية، وكأنَّها في مواقع الأماكن الوارد ذكرها في هذا الشعر.

 

وهذا كما قلنا يدلُّ على ثقافة الشناقطة الواسعة واطلاعهم الدقيق على الجغرافيا العامَّة للبلاد السعودية التي كانوا يقرؤون عنها، ويستفسرون عن أخبارها وأوصافِها من الحجاج القادمين منها بتلهف وشغف بَالِغَيْن.

 

وقد يقال هنا: إنَّ هذا شيء طَبَعِيٌّ بالنسبة للبلاد المقدسة التي يُحبها المسلمون جميعًا؛ لأن أفئدتهم تَهْوِي إليها منذ دعوة إبراهيم - عليه السَّلام.

 

ولكنَّ الجواب الجاهز هنا أيضًا هو أنَّنا شاهدنا الحجاج الشناقطة يُؤدون مناسِكَهم من دون الاستعانة بمطوف كعادةِ الحجاج الآخرين، وما ذلك إلا بسبب معرفتهم الدقيقة لجغرافيَّة البلاد المقدسة، وأسماء أماكنها، ومواقيت الحج المكانية فيها، وهم أيضًا يعرفون كلَّ أسماء بلاد نجد والجزيرة العربية؛ بسبب تعلُّقهم وحبهم الشديد للعَرَصات، والديار التي كان ولا زال الشعرُ العربي يصفها ويبكي ويستبكي عليها في هذه البلاد.

 

والشواهد الشعرية على ما قلناه كثيرة في هذا الشعر، سواء كان شعر هذا الشاعر الذي بين أيدينا أم غيره.

 

يقول ابن الشيخ سيدي في نونيته الرائعة التي التزم فيه ما لا يلتزم[101]:

سَلاَ قَلْبِي عَنِ الدُّنْيَا لِكَوْنِي
وَمَا أَهْوَاهُ مِنْهُمَا فَانِيَيْنِ
وَإِنِّي إِنْ ظَفِرتُ بِهِ، فَلَسْنَا
عَلَى حَالٍ تَدُومُ بِبَاقِيَيْنِ
وَلَكِنَّا إِذَا طَبَقٌ تَوَلىَّ
عَلَى طَبَقٍ تَرَانَا رَاكِبَيْنِ
وَعَنْ عَهْدِ الشَّبِيبَةِ وَالْمَلاَهِي
وَأَيَّامِ الْمَيَامِنِ وَالْكُنَيْنِ
سِوَى أَنِّي اسْتَبَاحَ حَرِيمُ صَبْرِي
هَوَى الْحَرَمَيْنِ أَشْرَفِ مَوْطِنَيْنِ
وَسَوْفَ تَفِي الْعَزَائِمُ وَالْمَهَارَى
بِوَعْدٍ مُنْجَزٍ مِنْ وَافِيَيْنِ
فَقَدْ مَنَّيْنَنِي قَبْلَ الْمَنَايَا
مُرُورَ رَكَائِبِي بِالدَّهْنَوَيْنِ[102]
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ سَالِكَاتٍ
مَمَرَّ الْجَيْشِ بَيْنَ الْعُدْوَتَيْنِ[103]
تُبَادِرُ بِالْحَجِيجِ وُرُودَ بَدْرٍ
وَيَحْدُوهَا الْحَنِينُ إِلَى حُنَيْنِ
قَوَاصِدَ رَابِغًا تَبْغِي اغْتِسَالاً
وَإِحْرَامًا لَدَيْهِ وَرَكْعَتَيْنِ
تَمُرُّ بِذِي طُوًى مُتَنَاسِيَاتٍ
لِفَرْطِ الشَّوْقِ كُلَّ طُوًى وَغَيْنِ
مِنَ التَّنْعِيمِ يَدْعُوهَا كَدَاءٌ
إِلَى الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ
عَلَى بَابِ السَّلاَمِ مُسَلِّمَاتٍ
بِتَطْوَافٍ وَسَعْيٍ عَاجِلَيْنِ
تُنَاخُ لِحَاجَتِي دُنْيَا وَأُخْرَى
هُنَاكَ فَتَنْثَنِي بِالحَاجَتِينِ
بِبَيْتِ اللَّهِ مَلْمَسُ كُلِّ حَاجٍّ
تَعَالَى اللَّهُ عَنْ كَيْفٍ وَأَيْنِ
حِمًى إِنْ أَمَّهُ لاَجٍ وَرَاحٍ
يَكُونَا آمِنَيْنِ وَغَانِمَيْنِ
إِلَى خَيْفِ الْمُحَصَّبِ رَائِحَاتٍ
بِكُلِّ أشَمَّ ضَاحِي الْوَجْنَتَيْنِ[104]
وَتَغْدُو بِالشُّرُوقِ مُبَادِرَاتٍ
بِنَا إِجَلاَ نَعَامٍ جَافِلَيْنِ[105]
مِنَ التَّعْرِيفِ مَسْيًا صَادِرَاتٍ
يَخُدْنَ مُنَكَّبَاتِ الْمَأْزِمَيْنِ[106]
وَمِنْ جُمَعٍ يَسِرْنَ مُفَلِّسَاتٍ
لِوَقْفَةِ سَاعَةٍ بِالْمَشْعَرَيْنِ[107]
بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ مُتَرَامِيَاتٍ
لِأُولَى الْجَمْرِ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ[108]
وَتَرْجِعُ إِنْ أَفَاضَتْ لاَبِثَاتٍ
ثَلاَثَ لَيَائِلٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ[109]
وَلِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ مُوَدِّعَاتٍ
قَدِ ارْتاحَتْ لِإِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ[110]
وَأُخْرَى لَمْ تَكُنْ لِتَنَالَ إِلاَّ
مُرُورَ مَحَلِّ إِحْدَى الْهِجْرَتَيْنِ
إِلَيْهَا مِنْ كُدًى يَهْبِطْنَ صُبْحًا
هُبُوطَ السَّيْلِ بَيْنَ الْقُنَّتَيْنِ[111]
تَوَخَّى مَسْجِدَ التَّقْوَى، تَحَرَّى
مَنَاخَ مُحَمَّدٍ وَالصَّاحِبَيْنِ[112]
تَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَالِفَاتٍ
عَلَى الْأَلْبَابِ بَيْنَ اللاَّبَتَيْنِ[113]
فَتَسْتَقْصِي بِهَا الرُّكَبَاتُ مِنْهَا
مِنَ الْقُصْوَى مَكَانَ الرُّكْبَتَيْنِ[114]
وَلاَ تُلْقِي عِصِيَّ السَّيْرِ إِلاَّ
إِذَا وَصَلتْ لِثَانِي الْمَسْجِدَيْنِ
ضَرِيحِ الْمُصْطَفَى صَلَّى عَلَيْهِ
مَعَ التَّسْلِيمِ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ
يَحُفُّ خَلِيفَتَاهُ بِهِ، فَأَكْرِمْ
بِهِمْ مِنْ مُصْطَفًى وَخَلِيفَتَيْنِ
وَأَصْحَابُ الْبَقِيعِ وَمَنْ حَوَتْهُ
مِنَ الْأَبْرَارِ كِلْتَا الْبُقْعَتَيْنِ
جُزُوا عَنَّا بِرَيْحَانٍ وَرَوْحٍ
عَلَيْهِمْ لَنْ يَزَالاَ دَائِمَيْنِ
وَأُوتُوا جَنَّتَيْنِ دَنَتْ عَلَيْهِمْ
بِخَيْرِ جَنَى ظِلاَلِ الْجَنَّتَيْنِ
أُولاَكَ النَّاسُ أَهْلُ اللَّهِ حَقًّا
حُمَاةُ الدِّينِ بِالْأَسَلِ الرُّدَيْنِي[115]

 

وهذا الشاعر الشنقيطي العلامة الفقيه أحمد بن محمد بن محمد سالم المجلسي (ت 13هـ) يقول في مقدمة مدحته النبوية مُعدِّدًا بعض الأماكن السعودية الشهيرة، يقول[116] (وافر):

أَتَذْرِي عَيْنُهُ فَضَضَ الْجُمَانِ
غَرَامًا مِنْ تَذَكُّرِهِ الْمَغَانِي؟
مَغَانٍ بِالْعَقِيقِ إِلَى الْمُنَقَّى
إِلَى أُحُدٍ تَذَكُّرُهَا شَجَانِي[117]
وَمِنْ تَذْكَارِ مَنْزِلَةٍ بِسَلْعٍ
إِلَى الْجَمَّا تُعَانِي مَا تُعَانِي[118]
فَهَلْ عَزْمٌ يَصُولُ عَلَى التَّوَانِي
وَهَلْ بَعْدَ التَّبَاعُدِ مِنْ تَدَانِي؟
وَهَلْ أَغْدُو بُكُورَ الطَّيْرِ رَحْلِي
عَلَى وَجْنَاءِ دَوْسَرَةٍ هَجَانِ[119]؟
تَبُذُّ الْعِيسَ لاَحِقَةً كُلاَهَا
وَتَطْوِي الْبِيدَ مُسْنَفَةَ اللَّبَانِ[120]
تَرَى بَعْدَ الدُّؤُوبِ كَأَخْدَرِيٍّ
بَيَمْؤُودٍ أَرَنَّ عَلَى أَتَانِ[121]
حَدَاهَا شَوْقُ دَارِ الْفَتْحِ مَثْوَى
إِمَامِ الرُّسْلِ مَأْمَنِ كُلِّ جَانِ

 

وأمَّا الشاعر الشنقيطي الفقيه الخطاط المحدث أبو مدين بن الشيخ أحمد بن سليمان الديماني (ت1364هـ)، فيكاد يجن جُنونًا بعد أن أضناه الحنين إلى الديار المقدسة، ويقول[122] (البسيط):

رَقَّتْ لِلَوْعَةِ شَوْقِي كُلْهُ حَوْرَاءِ
وَأَرَّقَ الْبَرْقُ تَبْرِيحًا بِأَحْشَائِي
وَقَلَّبَ الْقَلْبَ تَقْلِيبَ الزَّمَانِ وَمَا
مِنْ صَرْفِهِ عَاقٍ عَنْ وَصْلِ الْأَحِبَّاءِ
كَيْفَ الدَّوَاءُ لِدَاءٍ لاَ يُفَارِقُنِي
أَمْ كَيْفَ يُرْجَى شِفَاءٌ بَعْدَ إِشْفَاءِ؟
يَا أَهْلَ وُدِّيَ كُفُّوا بَعْضَ عَذْلِكُمُ
أَوْلَى بِكُمْ لَوْ عَذَرْتُمْ يَا أَوِدَّائِي
سِيَّانِ عَذْلُكُمُ عِنْدِي وَعُذْرُكُمُ
لاَ فَرْقَ عِنْدِيَ بَيْنَ اللاَّمِ وَالرَّاءِ
• • •

عُوجُوا الْمَطِيَّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَفِي
بُلُوغِهِ نَيْلُ آمَالِي وَأَهْوَائِي
إِلَى الْمُقَامِ، إِلَى بَابِ السَّلاَمِ، إِلَى
مَا حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ خَبْتٍ وَبَطْحَاءِ
إِلَى حَجُونٍ، إِلَى ثَوْرٍ، إِلَى أَمَجٍ
إِلَى مَنَازِلَ لاَ تُحْصَى بِإِحْصَاءِ [123]

 

إن الشاعر الشنقيطي الذي رأيناه حَنَّ ويَحنُّ وبكى ويبكي واستبكى حبًّا وتَعلقًا وهيامًا وغرامًا بالبلاد السعودية - يبلغ قمة الطرافة عندما يُبْكي ويُذْرِفُ دموع تلك البلاد الساخنة لأفول نجمٍ من نجوم الشناقطة العلماء والأدباء، كما في ديوان الشاعر محمد بن سيدينا العلوي في رثائه الحزينِ والطَّريف للعلامة محمد الحافظ العلوي (ت 1247هـ) الذي حَجَّ البيت الحرام قبل وفاته[124] (كامل):

وَبَكَى عَلَيْهِ مُصْحَفٌ وَصَحَائِفٌ
كَانَتْ تَمُرُّ بِمَتْنِهَا مِنْهُ الْيَدُ
وَبَكَى الْبِقَاعُ الظَّاهِرَاتُ لِفَقْدِهِ
وَبَكَى لَهُ الْحَجَرُ الْكَرِيمُ الْأَسْعَدُ
وَبَكَى عَلَيْهِ زَمْزَمٌ وَحَطِيمُهَا
وَالرُّكْنُ يَبْكِي وَالْمَشَاعِرُ تُسْعِدُ
وَبَكَتْ عَلَيْهِ مَرْوَةٌ وَمُسِيلُهَا
وَبَكَى الصَّفَا مِنْ أَجْلِ مَا يَتَعَوَّدُ
وَبَكَتْ مِنًى وَلَقَدْ بَكَتْ عَرَفَاتُهَا
أَنْ كَانْ فِي عَرَصَاتِهَا يَتَعَبَّدُ
وَبَكَتْ عَلَيْهِ يَثْرِبٌ وَعَقِيقُهَا
وَبَقِيعُهَا وَبَكَى عَلَيْهِ الْفَرْقَدُ
وَبَكَى قُبَاءٌ ذَاكِرًا لِمَقَامِهِ
فِيهِ، وَأُحْدٌ عَيْنُهُ مَا تَجْمُدُ
هَذِي بِقَاعٌ كَانَ يَعْبُدُ رَبَّهُ
فِيهَا، فَيَرْكَعُ مَا يَشَاءُ وَيَسْجُدُ
كَانَتْ تُؤَمِّلُ عَوْدَهُ مِنْ بَعْدِ مَا
قَدْ رَاعَهَا مِنْهُ فِرَاقٌ مُبْعِدُ

 

وقد جسدت هذا التلهُّف الجامح - والشوق الطافح إلى الوصل والوصال الشنقيطي - السعودي نصوصٌ كثيرة، منها قصيدة "نجد" للشاعرة الشنقيطية الأستاذة مباركة بنت البراء (ولدت عام 1957م ولا زالت حية)، وها هي قصيدتها[125]:

عَوْدٌ إِلَيْكِ مِنَ الْمَاضِي الَّذِي سُحِقَا
نَجْدَ أَتَيْتُ وَكُلِّي الشَّوْقُ قَدْ أَبَقَا
نَجْدَ أَتَيْتُ وَمِنْ شَنْقِيطِ مَنْزِلَتِي
أُجَاوِرُ الْفَلَّ وَالنِّسْرِينَ وَالْحَبِقَا
وَصَلْتُ يَا نَجْدُ هَلْ تردين من سنة
بَحَثْتُ عَنْكِ وَأَعْيَيْتُ النَّوَى طُرُقَا
وَظَلْتُ أَبْحَثُ عَنْهُمْ تلبسني
فِي الرَّمْلِ فِي الشِّعْرِ فِي طَيْفٍ إِذَا طَرَقَا
إِنِّي أُهَاجِرُ فِي صَمْتِي عَلَى ظَمَأٍ
لِلْحَرْفِ مَا أَفْظَعَ الْحَرْفَ الَّذِي صَدَقَا
مَا أَفْظَعَ الْحَرْفَ حِينَ الْحُبِّ يَجْعَلُهُ
غِيلاَنَ مَيَّةَ عَافَ الْأَهْلَ وَالرَّفَقَا
يَقْتَادُ نَاقَتَهُ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ
يَبْكِي مَنَازِلَهَا بِالدَّمْعِ قَدْ شَرَقَا
مَا أَفْظَعَ الْحَرْفَ حِينَ الْحُبِّ يَجْعَلُهُ
قَيْسًا تَبَتَّلَ بِالتَّوْبَادِ مُحْتَرِقَا
يَوَدُّ لَوْ أَنَّ طَيْفًا مَا يُطَالِعُهُ
يَرْعَى الْمَهَا، وَيَشِيمُ الْبَرْقَ إِنْ بَرَقَا
نَجْدٌ وَيَنْتَفِضُ التَّارِيخُ مُزْدَهِيًا
عَبْرَ الْمَسَافَاتِ فَيَّاضًا وَمُؤْتَلِفًا
إِنِّي أَتَيْتُ وَمِنْ شَنْقِيطِ مَنْزِلَتِي
أُحَاوِرُ الْفُلَّ وَالنِّسْرِينَ وَالْحَبِقَا
أَشْتَمُّ أَرْضَكَ بَوْحًا مِنْ رُبَا وَطَنِي
أَشْتَمُّ أَنْوَارَهَا رَيْحَانَهَا الْعَبِقَا
ضُوعَ الْخَزَامَى مَعَ الْأَنْسَامِ تَحْمِلُهُ
رِيحُ الصَّبَا وَعَبِيرُ الْوَرْدِ مُنْبَثِقَا
تِلْكَ الْعُهُودُ الَّتِي فِي النَّخْلِ مَنْبَتُهَا
فِي الْأَثْلِ سَوْرَتُهَا فِي الطَّلْحِ مُصْطَفِقَا
تَظَلُّ مَا فَتِئَ التَّارِيخُ أَكْبَرَ مِنْ
كُلِّ الْحُدُودِ وَأُفْقًا يَلْتَقِي أُفُقَا
لَوْ أَنَّ شَاعِرَةً مِنْ شَجْوِهَا انْعَتَقَتْ
لَكُنْتُ بَوْحًا مَدَى السَّاحَاتِ مُنْعَتِقَا
وَلَسْتُ مَنْ تَدَّعِي حَرْفًا لِيَشْغَلَهَا
وَلاَ مِنَ الْفِقْهِ زَوْرَقًا لِأَخْتَلِقَا
لَكِنْ أَيَا نَجْدُ لِي سِرٌّ أَبُوحُ بِهِ
إِنِّي عَشِقْتُ فَهَلْ وَصْلٌ لِمَنْ عَشِقَا؟
لَوْ كُنْتُ أَمْلِكُ مِنْ أَمْرِي رَسَمْتُ مَدًى
لَكِنَّنِي قَدْ عَدِمْتُ الْحِبْرَ وَالْوَرَقَا

 

الخاتمة

وتَبدَّى بعد هذه المحاولة المتواضعة التي اكتفت باللمَحَات الخاطفات، والإشارات العابرات - أنَّ حضور البلاد السعودية (ناسها - أرضها) ظاهرة فنية بارزة في الآداب الشنقيطية الموريتانية، وكذلك تأثيرُها الثقافي والعلمي، وتأثيرُ ودَور علماء الشناقطة في نهضتها العلمية والثقافية المباركة، وقَدِ اتَّضح أيضًا أنَّ خيرات البلاد السعودية وعطاءها العلمي والثقافي والاقتصادي، وإصلاحها الديني السَّلفي النقي، وإشعاعها الحضاري الذي بدَّدَ ظلماتِ الأُميَّة والجهل في أصقاع العالم الإسلامي والغربي، ولا زال يُبددها ويظهرها خلالَ مسيرة مائة عام من التوحيد، والبناء، والنَّماء، والإنجاز العلمي والاقتصادي، التي قطعتها المملكة العربية السعودية منذ وحَّدها جلالةُ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمة الله عليه، وطيب ثراه وأسكنه فسيح جَنَّاته جزاء من ربك عطاء حسابًا - لملحمة جهاده الفريدة، ومثله الفذَّة في قوَّة الإيمان، وصلابة الإرادة، والصبر والجلد، والحكمة والشَّجاعة، والمواهب القيادية السامقة طيلةَ نصف قرن حافل بتوحيد الله، وتوحيد الوطن بشريعة الله، وتوفير الأمن والأمان لضيوف الرحمن، وإرساء دعائم التضامُن الإسلامي، وحَثِّ المسلمين عليه، فكان أول ملك مسلم في القرن العشرين الميلادي يدعو إلي التعاضُد والتكاتف بين أبناء الأمة الإسلامية التي تعاني أشدَّ ما تُعاني غفلةَ الأبناء وكيد الأعداء، وسار على نهجه أبناؤه البررة من سعود إلى خادم الحرمين الشريفين ذخر المسلمين وولي عهده الأمين وإخوتهم الميامين.

 

لقَدِ اتَّضحَ إذًَا أنَّ عطاء المملكة بأنواعه كان ولا زال يتدفَّق على البلاد الشنقيطية، فعبَّرت المدونة الشعرية الموريتانية عن ذلك وعن تعلُّقها أو حبها للبلاد السعودية، وجسدت أحلامَ الشناقطة وآمالهم في تلك البلاد، وعبَّرت عن ارتساماتِهم الفرحة والمفرحة، والمرحة تجاهها.

 

على أنَّنا ضغطنا أو عَصَرنا الموضوع عَصرًا؛ حتى لا يطول آملين أنْ تُتاح لنا فُرصة التشرُّف بالتنقيب عن كلِّ كنوز المدونة الشعرية الموريتانية القديمة والحديثة التي خلَّدت وجودَ البلاد السعودية جميعها ملوكها وأمراءَها وأعيانها ومعالمها وآدابها في الآداب الشَّنقيطية؛ حتى يبقى نهرُ التواصُل والتبادل والتأثير والتأثُّر جاريًا بين المملكة العربية السعودية، وبلاد شنقيط الجمهورية الإسلامية الموريتانية الناهضة.

 

بيد أنَّ الموضوع ما زال بحاجة شديدة إلى دراسات مستفيضة تكون مرآة صقيلة عاكسة لصورته الحقيقية دُون رتوش، وبأسلوب الباحث الواعي، والحافظ الذَّكي، والدارس اليَقِظ، ودقة المحامي الألمعي البارع، الذي يَحفظ مرافعته عن ظهر قلب، ويلم بجوانبها ويقدمها في لغة طَيِّعة، رشيقة جذابة، ساحرة، وفي إيضاح غير ممل، وإيجاز غير مخل، معتمدًا على ملفٍ كاملِ الوثائق، ناصع الحقائق؛ ليقدِّم قضيته واضحة خالية من الثغرات نقية من الشوائب، سالمة من العيوب القادحة في شكلها، الطاعنة في مضمونها، وذلك في قوة الإعجاز، وبراعة الإيجاز، وشدة الاستيعاب الذي يُعطي صورةً كاملة متكاملة لِمَا يجب أن يعرف عن حقيقة وجود البلاد السعودية وإشعاعها الحضاري في بلاد شنقيطة.

 

إنَّ إخراجَ بحثٍ جامع لشُعب هذا الموضوع - في رأينا - عملٌ نافع، وسعي مشكور، واقتراح الكتابة عنه حقيق بالحفاوة، وقَمينٌ بالعناية.

 

وها نحن أولاءُ قَرَّرنا تدشينَ انطلاقة بداية الكتابة عنه استجابة لنداء الواجب، وعندما مسكنا قلمنا لنخطَّ سطورَ هذه البداية المخلصة، حرصنا أشدَّ الحرص على أمرين: أوَّلهما: إثبات خلاصات أوليَّة واضحة، ناصعة الحقائق المحكمة الموثقة ما أمكن.

 

ثانيهما: إيراد تفريعات وحواشٍ وطَررٍ قد تُعيننا على تحقيق رغبة جامحة كانت ولا زالت تُراودنا منذ سنوات خلت - في كتابة صحائف ولو كانت قليلة - تعطي صورةً وَسيمة الملامح، وضيئة التقاسيم، واضحة المعالم لهذا الموضوع المهمِّ والجسيم، ونرجو أنْ نكون قد حُظينا بتوفيق الله - عزَّ وجلَّ - ورضاه في إنجاز هذه البداية المتواضعة آمين، في مُقبل الأيام - إن شاء الله - وسَدِّ ثغراتها وإكمال نواقصها وستر عيوبها، وتلافي قصورها؛ لأنَّها تعني بداية كتابة هذا الموضوع بالنسبة لنا قضية عادلة بحاجَةٍ إلى باحث مُحامٍ مُقتدر يفهم أهمية القضية، ويُجيد الدفاعَ عنها بأقوى أساليب المرافعات العلمية الموضوعية في هذه الأيَّام التي تتزيَّن فيها القضايا أو الموضوعات التافهة، وتعرض نفسَها في بُحوث منشورة في مجلات وكتب وفي تزاويق ماكرة، مائلة ومُميلة، كاسية، عارية، مثلما تتوارى الشمطاء الرَّعناء وراءَ أمتار كثيفة من "المكياج" و"المناكير" الملونة اللماعة والجواهر المتلألئة وأنواع الدلال والغُنْج.

 

إنَّ الموضوعَ جديرٌ بدِراسات ومؤلفات لها سَناء يجتذب أنصار البحث العلمي الرَّصين، ويَخلب ألباب الدِّراسات الجادة الفريدة في ميدانها غير المسبوقة في مجالها؛ لأنَّ الأجيال الشنقيطية السعودية قد تُصبح فقيرةً إلى معرفة حقيقة حضور البلاد السعودية وعطائها في إفريقيا الغربية عامَّة وموريتانيا خاصة، ولن تتخلَّص من فقرها إلى تلك المعرفة إلاَّ بوجود بحوث ودراسات منجزة على النحو الذي تَبَدَّى آنفًا، وليستْ مثل بعض البحوث العَمياء التي لا يُمكنها سبر أغوار الحقائق؛ لأنَّها عاجزة كأنَّها مركوم قاصر عنِ استكناه روائح ذكية وجميلة في حدائق الزُّهور الفواحة الغناء.

 

ونحن في هذا البُحَيث لم نَضعْ شيئًا أكثر ممَّا أنَّنَا بدأنا في رفْع الغشاوة التي كانتْ على أعين البحث حولَ الموضوع؛ حتى يتمكن من رؤية الحقيقة، ولم نأتِ بشيء من "عندنا"، بل قدمنا باقاتٍ قليلةً من زهور شعر الشناقطة الفصيح الموظَّف لإبراز كنه تعلقهم وحبهم للبلاد السعودية بكل مَن فيها وما فيها من الناس والأرض؛ حَتَّى يظل التواصل والتلاحم الثَّقافي والحضاري والأُخوي نَهرًا جاريًا، ومعينًا لا ينضب:

وَإِنَّا وَفْدُ شَنْقِيطٍ أَتَيْنَا
لِتَتَّصِلَ الْعَلاَئِقُ وَالْعُهُودُ
مِنَ الصَّحْرَاءِ نَحْوَكُمُ وَفَدْنَا
وَمِنْهَا نَحْوَكُمْ بَعُدَ الْوَفُودُ

 

ولسنا في حاجة إلى القول: إنَّ الصلةَ القوية، والمعرفة الحميمة، والأُخُوة الحقيقيَّة، والصداقة الخاصة من خلال الأعمال الأدبيَّة عامَّة - هي التي تقوم بتمتين نسيج الشُّعوب بروابط قوية بعيدة الجذور لا تنقطع مدى الزَّمان، وقد مدَّها بأسباب البقاء أمام عوامل التباعد وأسباب الفراق، ولعلَّ هذا أحد المهمات الأساسيَّة التي نعتقد أن على الباحثين أنْ يولوها اهتمامًا في بلاد شنقيط والمملكة، ونأمَل أن نكون قد أسْهمنا بهذا الجهد المتواضع في هذا الميدان، وفي تسليط ضوء ولو كان خافتًا على الإشعاع الحضاري للمملكة في هذه البلاد خاصة، وفي إفريقية الغربية عامَّة.

 

مصادر البحث ومراجعه:

• أحمد بن الأمين الشنقيط، الوسيط في أدباء شنقيط، ط4، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ومؤسسة منير بنواكشوط 1989م.

• أحمد بن حبيب الله، الروابط والتفاعلات الثقافية الموريتانية السعودية: حقائق وأرقام للتاريخ (مطبوعة على الكمبيوتر)، الشاي الأخضر في الأدب الشنقيطي الموريتاني: كيفية إعداده، وعاداته وتقاليده ووظيفته الاجتماعية والأدبية (مرقون).

• إبراهيم علي طرخان، دولة مالي الإسلامية، الهيئة العاملة للكتاب، 1962م، القاهرة.

• جون فيج وزميله، موجز تاريخ إفريقية، ترجمة د. دولت صادق، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1969م.

• الخليل النحوي، بلاد شنقيط: المنارة والرباط، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1987م.

• دَدُّود ولد عبدالله، الحركة الفكرية في بلاد شنقيط خلال القرن 17 - 18م، رسالة دبلوم الدراسات العليا، جامعة محمد الخامس بالرباط، 1992م.

• سيدي عبدالله بن الحاج إبراهيم العلوي، صَحِيحةُ النَّقلِ في عَلَويَّة إدَا وَأعْلِي وتَكرية محمد قُليِّ (مخطوط).

• سيدي أحمد بن أحمد سالم، العلاقات الموريتانية السعودية الثقافية، مجلة العرب 1414هـ.

• سيدي أحمد ولد الطالب، تحقيق ديوان محمدي بن القاضي (مرقون) المدرسة العليا، 1984م.

• شغالي ولد أحمد محمود، عواطف ومناسبات (مرقون مسحوب) شركة الكتب الإسلامية، 1984م.

• شارلي جوليان، تاريخ إفريقيا الشمالية، ترجمة محمد مزالي والبشير سلامة.

• صالح بن عبدالوهاب، الحسوة البيسانية في علم الأنساب الحسانية، (مخطوط بحوزتنا).

• عطية محمد سالم، (مقدمة) الرحلة إلى بيت الله الحرام، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، ط1/ 1403هـ، دار الشروق، جدة، السعودية.

• لويس موزل (موسى الرويلي)، الإبل في حياة الرولة، ترجمة د. عبدالله بن علي الزيدان، مجلة الدارة، العدد 3/ 1418هـ، الرياض.

• محمد المختار ولد أُبَّاهْ، الشعر والشعراء في موريتانيا، الشركة التونسية للتوزيع، 1987م، تونس.

• محمد فال بن باب العلوي، رحلة الحج، (مخطوط بحوزتنا).

• محمد يحيى بن محمد المختار الوالاتي، الرحلة الحجازية، تحقيق د. محمد حجي، منشورات، معهد الدراسات الإفريقية بالرباط، دار الغرب الإسلامي، 1981م، بيروت.

• محمد محمود الصواف، رحلاتي إلى الديار الإسلامية، القسم الأول: إفريقيا المسلمة، الطبعة الأولى، 1995م، دار القرآن الكريم، بيروت.

• د. محمد طه الحاجري، شنقيط أو موريتانيا، حلقة مجهولة في تاريخ الأدب العربي، مجلة العربية، إبريل، 1967م، الكويت.

• محمد يوسف مقلد، شعراء موريتانيا: القدماء والمحدثون، منشورات مكتبة الوحدة العربية، الطبعة 1، 1962م، بيروت.

• محمد جمعة، انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض.

• موريتانيا: الثقافة والدولة والمجتمع (مجموعة مؤلفين)، مركز دراسات الوحدة العربية (سلسلة الثقافة القومية) 28، الطبعة 1، 1995م، بيروت.

• المنظَّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: الجمهورية الإسلامية الموريتانية، دراسة مَسْحية شاملة، الطبعة 1، 1978م، القاهرة.

• المعهد الموريتاني للبحث العلمي، الملف رقم 79 (ديوان إدَّنَبْجَة ولد معاوي) قسم المخطوطات، نواكشوط.

• معهد العلوم العربية والإسلامية بموريتانيا التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامي:

• المعهد في عام: حقائق بالصور والأرقام، منشورات المعهد 1419هـ.

• مجلة "المرابطون"، السنة الثالثة 1416هـ.

• وزارة الإعلام السعودية - الإعلام الداخلي - هذه بلادنا ط1403هـ، دار العلم للطباعة والنشر، جدة.

• الوسيط في الأدب الموريتاني الحديث، إعداد مجموعة من الأستاذة، نشر اللجنة الوطنية المكلَّفة بجمع ونشر الثقافة بموريتانيا، نواكشوط 1997م.

• يونس بحري، هذه جمهورية موريتانيا الإسلامية، ط1، 1962م، دار الحياة، بيروت.

 


[1] الخيمة بيت بدوي عربي عريق يُلائم بيئة الترحُّل والانتقال بَحثًا عن مواطن الانتجاع في مساقط الأمطار؛ لأنَّه سهلُ التقويض والحمل على ظهور الدَّواب، كالجمال والحمير والثيران، وكان ولا زال في باديةِ الجزيرة العربية، ويُصنع من الوَبَر، وفي بلاد شنقيط كان يُصنع من وبر الضَّأن الأسود خاصَّة، ولما طحنتِ البلادَ موجةُ الجفاف في سنواته العجاف التي أدَّتْ إلى نفوق ملايين الرُّؤوس من الأغنام والأبقار والإبل في عام 1389هـ، أَصبحتِ الخيمة تُصنع من القماش بثلاثِ طبقات، علاوةً على طبقة الزَّخرفة الداخلية، والطبقة العليا تكون بيضاء - غالبًا - وتزخرف عند ملتقى الركائز بخطوط خضراء مُثلثة الشكل، وكما تزخرف من الداخل بأقمشة مُتعددة الألوان، وبخاصة إذا كان أهلها حديثي عهد بالزواج وفي عز الشباب.

[2] الركائز: جمعُ ركيزة، وهي عمودٌ خشبي طويل حوالي مترين، تُرفع الخيمةُ باثنتين من الركائز، تُجمعان في وسط الخيمة من الداخل على شكلٍ هرميٍّ بديع، وإذا جاءتِ العواصفُ طُرِحتِ الخيمة أرضًا؛ حتى لا تتمزَّق، وبخاصة إذا كانت من القُماش، ولا زالت الخيمةُ مُستعملة في البوادي الموريتانية، وفي القرى الصغيرة والمدن الكبيرة، وبخاصَّة في المناسبات والأعياد العامة والخاصة، وفي الأفراح، وقد يصلُ ثَمنها إلى عشرة آلاف ريال سعودي أحيانًا حوالي 400 مائة ألف أوقية (الريال = 50 أوقية).

[3] شنقيط: كلمة تطلق على مدينة تاريخيَّة عريقة تقع في أقْصى الشمالِ الموريتاني، وشيدت عام 660هـ؛ أي: بعد سُقوط بغداد على يد هُولاكو بأربع سنوات، وبعدَ سقوط دولة المرابطين القوية التي أُسِّسَت في هذا البِدَال على يد عبدالله بن ياسين الجدالي (ت434هـ)، وامتدت إلى المغرب والأندلس، بعد سقوطها بـ119سَنة، وقد شهدت شنقيط نهضةً ثقافيةً وعلمية زاهرة، وكانت نقطة تجمع رَكْب الحج الشنقيطي وانطلاقه إلى مَكَّة المكرمة في القرن 11 - 12هـ، وأطلقت على البلاد عامَّة، وبمعناها الواسع، وقد اختلف الباحثون في معنى هذه الكَلمة، فبعضهم يرى أنَّها كلمة مُحرفة عن كلمة: "الشَّنقيط"، وهو الأواني الفخارية الكثيرة في المنطقة، وأسقطت منها أداةُ التعريف، وأضيفت إليها النون، وصاحبُ هذا الرأي هو الشاعر تِفالِي وَلَدُ أحمد محمود (ت: 1995م) في كتابه "عواطف ومناسبات" ص: 4، مرقون بحوزتنا، وبعضُهم يقول: إنَّها مُركبة من كلمة "شِنْ" و"قيْط"، وهما رَبوة وهَضْبة مُتجاورتان، وركبت الكلمتان تركيبًا مَزجيًّا (رواية شفوية شائعة)، وبعضهم يزعُم أنَّها كلمة منهاجية معناها: عيون الخيل (آبار قعيرة)، وهذا القول شائع في الأدبيَّات والكتابات الشنقيطيَّة القديمة.

[4] موريتانيا: كلمة مركبة من كلمة مور: الإسبانية، ومعناها: العرب السُّمر، وتانيا: اللاتينية، ومعناها: الأرض، وكانت تُطلَق في عهد الرومان على الجزء الغربي من إفريقيا، وقد أحياها الفرنسيُّون على مُستعمرة موريتانيا عام 1899م، الذي أعده القائدُ الفرنسي كوبولاني (قتل في البلد 1905م).

[5] ديوانه (مرقون)، تَحقيق: سيدي أحمد بن الطالب، المدرسة العليا لتكوين الأساتذة والمفتشين، نواكشوط، 1984م، ص41.

[6] هذه جمهورية موريتانيا الإسلامية، دار الحياة، بيروت، 1961م، ص90 - 91.

[7] صَحِيحَةُ النَّقْل في عَلَوِيَّة، إدَا وَأَعْلِي وبَكْرِيّة مُحمد قُليِّ، المخطوطة عام 1205هـ (بحوزتنا).

[8] مقال: "شنقيط أو موريتانيا: حلقة مجهولة في تاريخ الأدب العربي"، مجلة العربي، عدد إبريل 1967م، ص101، الكويت.

[9] د. علي إبراهيم طرخان، "دولة مالي الإسلامية"، الهيئة العامة للكتاب، 1962م، القاهرة، ص50.

[10] إلى عددٍ من ملوك ورُؤساء الدول الإفريقية الأسيوية يحمل رسائلَ إليهم في إطارِ سَعْيِ الملك فيصل إلى توطيد الأُخُوَّة الإسلامية، وإسماع صوت الإسلام إلى العالم كله.

[11] "رحلاتي إلى الدِّيار السُّعودية"، القسم الأول، إفريقيا المسلمة، تأليف محمد محمود الصواف، الطبعة الأولى، 395، دار القرآن الكريم، بيروت، ص59.

[12] محمد محمود الصواف، "رحلاتي إلى الديار الإسلامية"، (مرجع سابق)، ص77.

[13] المرجع السابق، ص51.

[14] نسبة إلى حسان بن مختار بن عاقل بن معقل جد القبائل الحسانية الشنقيطية.

[15] محمد محمود الصواف، "رحلاتي إلى الديار الإسلامية"، (مرجع سابق) ص83.

[16] كان الطلاب الشناقطة في جامعة الملك فيصل، فرع الأحساء يتحدَّثون مع الطلاب السُّعوديين بهذه اللهجة، كما أخبرنا محمد يحيى حبيب الطبيب في مستشفى الملك فهد بالمدينة.

[17] المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، "الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، دراسة مسحية شاملة، القاهرة 1978م، ص575.

[18] البيضاني: هو العربي في بلاد شنقيط تفريقًا له عن السوداني الزنجي الأسود.

[19] "الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، (مرجع سابق)، ص483.

[20] "الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، (مرجع سابق)، ص483.

[21] المرجع السابق والصفحة.

[22] أحمد ولد حبيب الله، "الشاي الأخضر أو الأتاي في الأدب الشنقيطي: كيفية إعداده وتقاليده وعاداته ووظيفته"، (مرقون)، ص45.

[23] الأتاي: كلمة فرنسية: The يعربونها بالشاي أو الشاه.

[24] الإبل في حياة الرولة، للمستشرق والرحالة ألويس موزل (موسى الرويلي)، ترجمة وتعليق د. عبدالله بن علي الزيدان، مجلة الدارة، العدد الثالث 1418هـ، السنة 23، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، ص61.

[25] المرجع السابق، ص66.

[26] المرجع السابق، ص66.

[27] المرجع السابق، ص68.

[28] المرجع السابق، ص72.

[29] المرجع السابق، ص69.

[30] المرجع السابق، ص72.

[31] "الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، (مرجع سابق)، ص486.

[32] مصطلح "الجزيرة العربية" يُطلقُ على الأراضي الممتدة حتى نهري الفرات ودجلة، بينما يطلق مصطلح "شبه الجزيرة العربية" على الأراضي التي تبدأ من الحدود السُّعودية الشمالية، وحتى اليمن الشمالي والجنوبي؛ راجع: "وزارة الإعلام"، هذه بلادنا، ط1413هـ، هامش ص6.

[33] كتبنا بحثًا قصيرًا بعنوان: "الروابط والتفاعُلات الثقافية الموريتانية - السعودية: حقائق وأرقام للتاريخ"، عام 1414هـ، لمهرجان الجنادرية 9.

[34] جون فيج وأولفير، "موجز تاريخ إفريقية"، ترجمة: د. دولة صادق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1962م. ص26.

[35] موريتانيا: "الثقافة والدولة والمجتمع"، مجموعة مؤلفين، نشر مركز دراسات الوحدة العربية، (سلسلة الثقافة القومية ((28))، الطبعة الأولى، بيروت، 1995م، ص46.

[36] المرجع السابق، ص5.

[37] أوْدَ أغُسْت أو أدَاكس: كلمة بربرية معناها: الجنوب أو أهل القِبْلَة.

[38] "موريتانيا: الثقافة والدولة والمجتمع"، (مرجع سابق، ص50).

[39] "موريتانيا: الثقافة والدولة والمجتمع"، (مرجع سابق)، ص59.

[40] زريبة أو حظيرة من الخشب، وقد اختلف في مكانه الآن، والراجِح أنَّه يبعد 03 كم إلى الشمال من نواكشوط، وهو مأخوذ من الرابطة في سبيل الله.

[41] معناها: اذْهَبْ مُسْرِعًا.

[42] حقق جانبًا د. رضوان السيد، وطُبِع في بيروت 1981م.

[43] "موريتانيا: الثقافة والدولة والمجتمع (مرجع سابق)"، ص60 - 61.

[44] المرجع السابق، ص65.

[45] صالح بن عبدالوهاب، "الحسوة البيسانية في علم الأنساب الحسانية"، بخط العلامة المختار بن حامد (بحوزتنا)، ص6.

[46] "شعراء موريتانيا القدماء والمحدثون"، منشورات مكتبة الوحدة العربية، ط1، بيروت، 1962م، ص6.

[47] مُوَحِّدُ السعودية هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (ت1293هـ - 1373هـ، 1876م - 1953م)، طيَّبَ الله ثراه، وقد صدرَ مرسومٌ ملكي في 17 جمادى الأولى 1351هـ، 17/10/1932م بتغيير اسمِ المملكة من "المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها" إلى اسمها الحالي.

[48] "شعراء موريتانيا القدماء والمحدثون"، (مرجع سابق)، ص58 - 59.

[49] المرجع السابق، ص59.

[50] انظر مقدمة كتابه: "مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني"، مطبعة البابل الحلبي، القاهرة 1348هـ، وقد شَنَّ حملةً شعواء على الطُّرق الصوفية وبدعها، وبخاصة التجانية وأَثَار الكتاب ضجةَ مناصريها والمنكرين عليها.

[51] الخليل النحوي، بلاد شنقيط، المنارة والرباط، تونس 1987م، ص197.

[52] راجع: "العلاقات الثقافية بين موريتانيا والسعودية"، للأستاذ سيد أحمد ولد أحمد سالم، بحث منشور في مجلة العرب 1414هـ، وقد عارض هذا التأثر دَدُّود ولد عبدالله في بحث غير منشور.

[53] "وزارة الإعلام السعودية"، هذه بلادنا، (مرجع سابق)، ص10.

[54] أحمد بن الأمين الشنقيطي، "الوسيط في تراجم أدباء شنقيط"، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ومؤسسة منير بنواكشوط 1989م، ص215.

[55] المرجع السابق، ص215.

[56] محمد جمعة، "انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب"، دارة الملك عبدالعزيز.

[57] شارلي جوليان، "تاريخ إفريقيا الشمالية"، ترجمة محمد مزالي والبشير سلامة، ج2، ص311.

[58] عطية محمد سالم، "مقدمة رحلة الحج إلى بيت الله الحرام"، محمد الأمين الشنقيطي، ط1، 1403هـ، دار الشروق، جدة، ص20.

[59] المرجع السابق، ص27 - 28.

[60] عطية محمد سالم، "مقدمة رحلة الحج إلى بيت الله الحرام"، (مرجع سابق)، ص23.

[61] المرجع السابق، ص24.

[62] المرجع السابق، ص29.

[63] عطية محمد سالم، "مقدمة كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام"، (مرجع سابق)، ص26.

[64] عطية محمد سالم، "مقدمة رحلة الحج إلى بيت الله الحرام"، (مرجع سابق)، ص26.

[65] المرجع السابق، ص27.

[66] المرجع السابق، ص27.

[67] المرجع السابق، ص28.

[68] الكليتان هما: الشريعة واللغة العربية في الرياض.

[69] رواية شائعة في المدينة المنورة.

[70] أحمد ولد حبيب الله، "الروابط والتفاعلات الثقافية الموريتانية - السعودية: حقائق وأرقام للتاريخ"، (مرجع سابق)، ص15 - 16، ويفخر كاتب هذه السطور بأنه مؤسِّسُ ورئيس الرابطة الموريتانية لخريجي الجامعات والمعاهد السعودية التي أسست عام 1993م - 1413هـ.

[71] "المعهد في عام: حقائق بالصور والأرقام"، منشورات المعهد 1419هـ، ص11.

[72] مجلة "المرابطون" الصادرة عن المعهد - السنة الثالثة 1415هـ - 1416هـ، نواكشوط، ص74 - 75.

[73] "وزارة الإعلام السعودية: هذه بلادنا"، (مرجع سابق) ص10 - 13.

[74] المرجع السابق، ص23 - 24.

[75] "وزارة الإعلام السعودية: هذه بلادنا"، (مرجع سابق)، ص25.

[76] ملف ديوان الشاعر رقم 79، قسم المخطوطات بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي، نواكشوط.

[77] المصير: نِهْيٌ من نِهَاء أرض الشاعر على بُعد حوالي 10 كلم إلى الشرق من حاضرة "عَلْب آدُرِس" شرق نواكشوط (175 كلم منه).

[78] الصب: المشتاق، الخِب بكسر الخاء: الخداع الخبيث، المنكر، جَمُود: العين لا دمع لها، وهو مفعول بمعنى فاعل، عين جمود: قليلة الدمع.

[79] الحتود: العين: لا نقطع ماؤها.

[80] ذات السرح: موضع: قرب ذات المصير الآنف.

[81] حرود: قليلة الإعطاء، المرأة العفيفة لا تجود لغير زوجها.

[82] الهنود: جمع هند وهندات.

[83] الخشف مثلث الخاء: ولد الظبي، والوعل نوع من الوحش البري.

[84] الحيا: المطر.

[85] محمد محمود الصواف، "رحلاتي إلى الديار الإسلامية"، القسم الأول - إفريقيا المسلمة، (مرجع سابق)، ص77.

[86] المحترر: النسب والآل.

[87] مورتان: موريتانيا MAURITANIE نطقها كما تنطق بالعامية، ومعهدي يعني به المعهد الإسلامي في أبي تيلميت، الذي زاره مبعوث الملك فيصل - رحمه الله.

[88] محمد محمود الصواف، "رحلاتي إلى الديار الإسلامية"، (مرجع سابق)، ص78.

[89] الزُّرات: أكوام الرمل.

[90] بَرَاوَةٌ: كلمة عامية شَنقيطية معناها: الرِّسالة، الرئيس: المختار ولد داده أول رئيس للبلاد.

[91] محمد محمود الصواف، "رحلاتي إلى الديار الإسلامية"، (مرجع سابق)، ص77 - 78.

[92] نسخة شخصية مرقونة.

[93] مجلة "المرابطون" معهد العلوم العربية والإسلامية بموريتانيا، (مرجع سابق)، ص72 - 73.

[94] "رحلة محمد فال بن باب إلى البلاد المقدسة" (مخطوطة) نُسْخة بحوزتنا.

[95] المرجع السابق.

[96] أحمد بن الأمين الشنقيطي، "الوسيط في أدباء شنقيط"، (مرجع سابق)، 55.

[97] "الرحلة الحجازية"، تحقيق د. محمد حجي، ط دار الغرب الإسلامي، 1981م، بيروت، ص174.

[98] أحمد بن الأمين الشنقيطي، "الوسيط في أدباء شنقيط"، (مرجع سابق)، ص49 - 51.

[99] القرا: الظهر، اللهاق: الثور الوحشي ذو اللون الأبيض، سريع العدو.

[100] النواحي: جمع ناحية: الناقة السريعة، اليعملة: النجيبة، الدفاق: السريعة.

[101] أحمد بن الأمين الشنقيطي، "الوسيط في تراجم أدباء شنقيط"، (مرجع سابق)، ص 260 - 261.

[102] "الدهنوان": لعله اسم مكان يُسمى دهنوًا، أو هو تثنية الدهناء.

[103] ممر الجيش: موضع مرور جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر الكبرى.

"العدوتان": العُدوة الدنيا والعُدوة القصوى المذكورتان في القرآن الكريم.

[104] الخَيْف: خيف بني كنانة، والمراد: مسجد الخيف في منى، والمحصب: موضع وأضاف إليه الخيف؛ لأنهما كالشيء الواحد، الأشم: الجمل العظيم القدر، ضاحي: بارز.

[105] إِجَلان: تثنية إجل: القطيع بين الوهش والظباء.

[106] التعريف مشتق من الوقوف بعرفة، مسيًا: وقت المساء، يخدن: يسرن، منكبات: متنجيات، عن المأزمينِ: شِعب بين جبلين، يغض آخرهما إلى بطن عرفة.

[107] جُمع: المزدلفة سمي بذلك؛ لاجتماع الحُجَّاج به، مفلسات: سائرات وقت الفلس حتى تصل إليه علما بأن السنة المكث إلى طلوع الشمس.

[108] مُحَسِّر: موضع بين مكة وعرفة، أو منى وعرفة، أو منى والمزدلفة، وهو وادٍ على خلافٍ فيه.

[109] أفاضت: طافت طواف الإفاضة، ليائل: جمع ليلة وهو جمع شاذ.

[110] معناه ارتاحت لانقضاء الفرض من الحج، وبَيَّنَ الراحة الثانية في البيت التالي.

[111] كُدًى: أسفل مكة عند ذي طُوى وهو غير كَداءُ بفتح الكاف.

[112] توخى: أصله تتوخى: تختار وتقصد، تحرى: أصله تتحرى: توفق في الاهتداء.

[113] ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة، وهي أبيار عليٍّ الآن، اللابتان: الحرتان في المدينة.

[114] الركبات جمع ركبة، القُصوى: ناقة رسول الله - عليه أفضل الصلاة والسلام - التي بركت قُرْبَ دار أبي أيوب الأنصاري يومَ قُدومه إلى المدينة.

[115] الرديني: نسبة إلى ردنية امرأة ماهرة في تقويم الرماح.

[116] د. محمد المختار ولد أباه، "الشعر والشعراء في موريتانيا"، الشركة التونسية للتوزيع 1987م، تونس ص205 – 206.

[117] المنقَّى: مكان بالمدينة المنورة.

[118] الجمَّا مشدد الميم: مكان قرب المدينة المنورة.

[119] الدَّوسرة: الناقة القوية، الهَجَان: النياق البيض.

[120] البيد: جمع بيداء: الفلاة لا أنيس بها، منسفة: مشدود صدرها بحبل، اللَّبان: الصدر.

[121] الدؤوب: إدمان السير، أخدري: حمار الوحش، يمؤود: موضع.

[122] د. محمد المختار ولد أباه، "الشعر والشعراء في موريتانيا"، ص215 - 216.

[123] أمج: مكان بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

[124] د. محمد ولد أباه، "الشعر والشعراء في موريتانيا"، ص302، ونشير إلى أنَّ الطبيعة لا تبكي لموتِ أحد ولا لمولده، ولكنها آيات من آيات الله ومبالغات الشعر.

[125] "الوسيط في الأدب الموريتاني الحديث"، مجموعة مؤلفين، نشر اللجنة الوطنيَّة المكلفة بجمع ونشر الثقافة بموريتانيا، ص63 - 64، سحب المطبعة الوطنية 1997م، نواكشوط.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أرجوزة هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث للشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي
  • محمد الأمين الشنقيطي
  • العلاقة العلمية بين البحرين وعلماء السعودية

مختارات من الشبكة

  • بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مصادر التاريخ لبلادنا السعودية (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الإرهاب وأثره على البلاد والعباد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الإرهاب وأثره على البلاد والعباد (مطوية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطر الوجود اليهودي على البلاد الإسلامية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرية التأخر الحضاري في البلاد المسلمة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أعظم نعم الله تعالى على البلاد (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • مخطوطة أخبار الجلاد في فتوح البلاد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رحلات ومشاهدات سائح في البلاد الأوروبية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ظاهرة انتشار الطلاق في البلاد العربية الإسلامية "الأسباب والآثار والعلاج"(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


تعليقات الزوار
2- الشناقيط يرحعون الى الحميريين ملوك العرب
الحميري - yemen 29-09-2011 11:42 PM

قبيله الشناقيط هي قبيله حميريه يمانيه انتقلت من اليمن الى موريتانيا في القرن الخامس الميلادي بعد انهيار سد مأرب ومنهم الإمام العالم الشنقيطي فهؤلا هم حميريون من اليمن

1- جيدا مافعلت
بنت اطار - السعودية 09-08-2011 08:48 AM

كتابة جيدة وأسلوب متميز. ولكن تحتاج الى تسلسل تاريخي نفصيلي بعد دخول الإسلام غلى أرض شنقيط ومركز شنقيط العلمي وأنساب شنقيط الهاشمية والعربية وحب الشناقطة لبلاد الحرمين ودفناء البقيع ،،،ثم توضيح لأسماء واسر النازحين والمقيمين الآن في السعودية واعمالهم وجزاك الله خيرا....

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب