• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

التشبيه المستطرف: رؤية نقدية (2/2)

د. عيد محمد شبايك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/5/2010 ميلادي - 3/6/1431 هجري

الزيارات: 23414

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لقد حرَص مُعظمُ الشُّعراء قديمًا علـى صياغة التَّشْبيه المستطرف، خصوصًا في أغراض الوصف المحاكي لمشاهد الطبيعة.

 

وصور الوصْف المحاكي المقترنة بتشْبيه الاستطراف ترتبط بالأغراض غير الجمعية بالمعنـى المباشر؛ أي: أغراض الغزل والنسيب أو وصف الطبيعة أو الخمريات، ففي هذه الأغراض لا يحرص الشاعر علـى التعليم أو الخطابة أو الوعظ، ومن ثَم مخاطبة الجمهور علـى نحو مباشر، بل يحرص علـى إظهار براعته الحرفية وقدرته علـى التفوُّق علـى أسلافه من الشعراء القدماء عن طريق الصورة التشبيهية المبتكرة، والتصوير الدقيق الذي لا يغفل شيئًا من جوانب الموصوف[1].

 

والتشبيه المستطرف يجمع بين معْنيَيْن مرتبطين بالمحاكاة، فهو يعد أداة بلاغية ناجعة في التقاط التفاصيل (تفاصيل الموصوف من مشاهد الطبيعة أو الإنسانية)، أو إتقان تصويرها، هذا من ناحية، كما يعد مجالاً من مجالات اتباع القدماء ومنافستهم من ناحية أخرى.

 

علـى كل حال، فإن المعنـى المبتكر أو التصوير البارع الذي يؤديه التشبيه المستطرف، هو بغية متذوقـي الأدب، وهم طبقة خاصة تطلب الإتقان والبراعة والابتكار.

 

وظل هذا شأن الوصف، يتوجه إلـى المحاكاة الواصفة، وقلما امتزجَ بهذه المحاكاة اهتمام بالشعور النفسـي كما نجد في بعض الشواهد.

 

أولاً: الوصف:

يكاد النقاد يجمعون علـى أن أجود الوصف هو الذي يستطيع أن يحكي الموصوف حتـى يكاد يمثله عيانًا للسامع[2]، ولذلك قال بعض النقاد: "أبلغ الوصف ما قلب السمع بصرًا"[3].

 

ولا تبعد دلالة العبارة الأخيرة عن دلالة "حكاية" الموضوع و"تمثيله للحس بنعته" عند قدامة، ولا عن دلالة جودة الوصف الذي يصور الموصوف "فتراه نصب عينيك"، فكلها دلالات متكرِّرة الرجع في إشارتها إلـى بلاغة المحاكاة التراثية التي هـي وصفٌ يضعنا في حضرة الأصل، أو الوصف الذي هو محاكاة تمثيلية أمينة للأصل.

 

وهدفنا أن نظهر أن هذا الغرض مجال فسيح استغله الشاعر لرسْم صور الوصف المحاكـي، وجعل من التشبيه المستطرف أداة أثيرة لإتقان الوصف وبيان دقة التفاصيل، والعمل علـى إثارة تعجُّب القارئ، وإدهاشه عن طريق الجمع المفاجئ بين شيئَيْن يندر الجمعُ بينهما، أو عن طريق انتزاع مشابهة بين شيئين ما كانتْ لتخطر بالبال، أو الجمع بين ما لم يكن يجتمع من قبل في مدى الرؤية أو الإدراك، مع الحرْص علـى دقة المطابقة بين الطرفَيْن المكونين للتشبيه في وجه الشبه النادر، ومن شواهد ذلك:

يقول ابن دريد في وصف تفاحة[4]:

وَتُفَّاحَةٍ مِنْ سَوْسَنٍ صِيغَ نِصْفُهَا
وَمِنْ جُلَّنَارٍ نِصْفُهَا وَشَقَائِقِ
كَأَنَّ النَّوَى قَدْ ضَمَّ مِنْ بَعْدِ فُرْقَةٍ
بِهَا خَدَّمَعْشُوقٍإِلَى خَدِّ عَاشِقِ

هنا ترى صورة أنيقة فاتنة كاملة للتشبيه المقلوب، تفاحة نصفها من سوسن، ونصفها الآخر من جلنار وشقائق، وكذلك التفاحة تتكون غالبًا من لونين: أصفر وأحمر، ثم نرى في الطرف الثاني المقابل خدين: أحدهما أحمر، وهو خد المعشوق بما يجول فيه من ماء الشباب وجمال المُحيَّا، والآخر أصفر، وهو خد العاشق الذي أذبلته اللوعة ووسمه الغرام بميسم الضنى، فحدث هنا التلاؤم والتشابه، والمشاكلة بين طرفي التشبيه، ومن ذلك تدرك أن الجمع بين التفاح والخد مجردين لم ينظر فيه إلا إلى صفة واحدة، وهي الحمرة فقط في كليهما، وشتان بين هذا التشبيه الناقص وبين ذلك التشبيه التام المستوعب.

 

يضاف إلى ذلك ما حفلت به الصورة من أصباغ مونقة مثل السوسن والجلنار والشقائق، إذ تملك عليك حاسة البصر بما تستحضر لك من هذه الألوان المحببة، ثم بما فيها من إيحاء بالفرح والسرور الذي يغمر عاطفتك، ويحرك فيك نوازع الشجى والطرب والعطف جميعًا من تصور اعتناق العاشق والمعشوق، وتلاصق خديهما في ظل الوصال بعد أن ضرب بينهما الفراق ضربته.

 

وكم كان جميلاً من الشاعر أن يصور لنا النوى - وهي مصدر الشقاء والبلاء - في صورة من رقَّ للمحبين، وعطف عليهما فساعفتهما باللقاء، فكيف بالله استحال البخيل كريمًا والقاسي رحيمًا؟![5]

 

يقول أبو هلال العسكري: "ينبغـي أن تعرف أن أجود الوصْف ما يستوعب أكثر معانـي الموصوف، حتـى كأنه يصور الموصوف لك فتراه نصب عينيك؛ كقول يزيد بن عمرو الطائي:

أَلاَ مَنْ رَأَى قَوْمِي كَأَنَّ رِجَالَهُمْ
نَخِيلٌ أَتَاهَا عَاضِدٌ فَأَمَالَهَا

فهذا التشبيه كأنه يصور لك القتلى مصرّعين[6].

 

وقول ابن المعتز في وصف النارنج[7]:

كَأَنَّمَا النَّارِنْجُ لَمَّا بَدَتْ
صُفْرَتُهُ فِي حُمْرَةٍ كَاللَّهِيبْ
وَجْنَةُ مَعْشُوقٍ رَأَى عَاشِقًا
فَاحْمَرَّ ثُمَّ اصْفَرَّ خَوْفَ الرَّقِيبْ

يؤكد الدكتور شوقي ضيف براعة ابن المعتز في التصوير الزُّخرفي، فيقول: "إن من يقرأ ديوانه يحسّ أنه يعيش في دار من دور الصور المتحركة، فما يزال يرى مناظر وأشكالاً من شخوص ووجوه، وهي وجوه مستعارة، ولكنها تعبر عن رَوْعة الفن بأجمل مما تعبِّر عنه تلك الوجوه الحقيقية"[8].

 

ويتَّضح إعجابه بهذه البراعة التصويريَّة في نقده لهذَيْن البيتَيْن:

وَزَوْبَعَةٍ مِنْ بَنَاتِ الرِّياحِ
تُرِيكَ عَلَى الأَرْضِ شَيْئًا عَجَبْ
تَضُمُّ الطَّرِيدَ إِلَى نَحْرِهَا
كَضَمِّ المُحِبِّ لِمَنْ لاَ يُحِبّْ

فيقول: "أرأيت إلى هذه الصورة؟ إنها صورة خيالية رائعة، لا بد لها من خيال فنان حتـى يعرضها على أنظارنا، فإذا هي العناق الغريب[9].

 

وقد أكثر الشعراء من وصْف الخال فأحسنوا وأجادوا، ولكن هل استطاعوا مجتمعين أن يقولوا فيه مثل قول ابن حمديس:[10]

يَا سَالبًا قَمَرَ السَّمَاءِ جَمَالَهُ
أَلْبَسْتَنِي لِلْحُزْنِ ثَوْبَ سَمَائِهِ
أَضْرَمْتَ قَلْبِي فَارْتَمَى بِشَرَارَةٍ
وَقَعَتْ بِخَدِّكَ فَانْطَفَتْ فِي مَائِهِ

إن هناك بعدًا يرجع إلـى عمق المعاني وخصبها واكتنازها وطرافتها وترتيب بعضها على بعض، ودقة المسلك في التقاط الشبه من نواحٍ يعزُّ علـى غير ذي الفكر اللماح والنظر النافذ الوصول إليها، فإنك ترى الصلة بين الطرفين واضحة وضوح الشيء المتعين في مكانه، ولكنك مع هذا تؤمن بأنها عملة غريبة؛ لأنها لم تكن تخطر لك على بال، وكيف لا تكون غريبة وأنت ترى الشيئين المختلفين وضعا موضع المؤلفين؟!

 

كما أكثروا من تشبيه الأقحوان بالثغور، وإن كان تشبيههم الثغور به أكثر، كقول ظافر الحداد[11]:

وَالأُقْحُوانَةُ تَحْكِي ثَغْرَ غَانِيَةٍ
تَبَسَّمَتْ فِيهِ مِنْ عُجْبٍ وَمِنْ عَجَبِ
فَي القَدِّ وَالثَّغْرِ وَالرِّيقِ الشَّهِيِّ وَطِي
بِ الرِّيحِ وَاللَّوْنِ وَالتَّفْلِيجِ وَالشَّنَبِ
كَشَمْسَةٍ مِنْ لُجَيْنٍ فِي زَبَرْجَدَةٍ
قَدْ أَشْرَقَتْ تَحْتَ مِسْمَارٍ مِنَ الذَّهَبِ

ويقول آخر:

وَالأُقْحُوانَةُ تُجْلِي وَهْيَ ضَاحِكَةٌ
عَنْ وَاضِحٍ غَيْرِ ذِي ظَلْمٍ وَلاَ شَنَبِ
كَأَنَّهَا شَمْسَةٌ مِنْ فِضَّةٍ حُرِسَتْ
خَوْفَ الوُقُوعِ بِمِسْمَارٍ مِنَ الذَّهَبِ

يقول النويري: "وهذا والذي قبله من بديع التشبيه، وهو أجود من تشبيهها بالثغور وأصنع، فإنها لا تشبه بالثغر حقيقة إلا من وجه واحد، وهذا قد شبهها ووصفها بجميع صفاتها وهيئاتها[12].

 

 

ثانيًا: الغزل

النسيب:

الغزل من أقدم أغراض الشعر العربي لارتباطه بالعاطفة الإنسانية العامة، وقد أدرك الشُّعراء أن الحب ينبوع هذا اللون منَ الشعر، وأدركوا أن هذه العاطفة إذا كانتْ صادقة جعلت الشعر قويًّا مؤثرًا؛ لهذا أدركوا أن "جميلاً" يفضل "كثيرًا " في النسيب: "إذ كان جميل صادق الصبابة وكان كثير يتقول، ولَم يكن عاشقًا"[13].

 

وقد وضع النقاد مقياس "الصدق العاطفي" لِمَعْرفة جودة النسيب، فما عبر عن إحساس صادق فهو الغزل، وما لم يكن كذلك عابوه[14].

 

وقد بدأ الشعراء العرب قصائدهم بالغزل والنسيب "لما فيه من عطف القلوب، واستدعاء القبول بحسب ما في الطباع من حب الغزل، والميل إلـى اللهو والنساء، وأن ذلك استدراج إلـى ما بعده"[15].

 

يقول ابن المعتز متغزِّلاً في خفة ورشاقة[16]:

سَقَتْنِيَ فِي بِلَيْلٍ شَبِيهٍ بِشَعْرِهَا
شَبِيهَةَ خَدَّيْهَا بِغَيْرِ رَقِيبِ
فَأَمْسَيْتُ فِي لَيْلَيْنِ بِالشَّعْرِ وَالدُّجَى
وَشَمْسَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَخَدِّ حَبِيبِ

يرى ابن المعتز الليل في سواده يشبه شعر محبوبته، والخمر في لونها الأحمر تشبه خدها، فهو قد أمسى يتساقى الخمر مع محبوبته، وكأنه بذلك في ليلين وشمسين، انظر إلى هذه الزخارف التي حفلت بها الصورة، ثم تأمل كيف جمع الشاعر بين المتباعدين (الليل والشمس) هل يجتمعان؟‍ إنهما يجتمعان في خيال الشاعر، فهو يبتعد بالقارئ أو السامع إلى معان وصور، يندر أن تخطر في البال، وتكون على قدر من البراعة وحسن الإخراج، وجمال التصْوير، وتكثيف الإيحاء، إنها صورة فنيَّة تريك البعيد قريبًا، والمستحيل واقعًا، والمسموع منظورًا.

 

يعمد الشاعر المتغزِّل إلـى التأنُّق والتجمُّل وجمع ظواهر سلوكه ليكون أكثر جاذبية، ومنها أسلوبه البياني في التعبير عن أحاسيسه، فيختار من الألفاظ أحسنها موقعًا، وأجملها دلالة وأترفها وآنقها، لتنسجم ومشاعره الوجدانية، والصورة الجميلة الرائعة التي يرسمها للحبيب في مخيلته. وهو في كل هذا يصدر عن عاطفة صادقة تلمسها في كل لفظة من ألفاظ قصيدته، وكل حرف من حروفها، ويكون ذلك عن شعور أو لاشعور؛ لأنه لا يجد أمام مشاعره المتأجِّجة سبيلاً غير هذا "وترى رقة الشعر أكثر ما تأتيك من قبل العاشق المتيم والغزل المتهالك؟"[17].

 

ويقول عمر بن أبـي ربيعة[18]:

بَيْنَمَا يَنْعِتْنَنِي أبْصَرْنَنِي
مِثْلَ قَيْدِ الرُّمْحِ يَعْدُو بِي الأَغَرّْ
قَالَتِ الكُبْرَى تُرَى مَنْ ذَا الفَتَى
قَالَتِ الوُسْطَى لَهَا هَذَا عُمَرْ
قَالَتِ الصُّغْرَى وَقَدْ تَيَّمْتُهَا
قَدْ عَرَفْنَاهُ وَهَلْ يَخْفَى القَمَرْ؟!‍‍

في هذه الأبيات ألوان شائقة من البلاغة، فهي تتضمن بلاغة نفسية عميقة تدل على معرفة هذا الشاعر الغزل بأخلاق النساء وأهوائهن واختلافهن في التصريح والإخفاء على حسب أسنانهن وعقولهن، ولعل ذلك كان سببًا في شغف النساء به، وانعطافهن نحوه.

 

فقد بدأ بما يفهم منه أن الكبرى لم تكن رأتْه مِن قبل، وأنها كانت تهواه على السماع - والأذن تعشق قبل العين أحيانًا - وأنها كانت تود رؤيته، فلما أتيحت لها الرؤية لم تتمالك أن أظهرت من الكلف به ما دعاها إلى التحفـي في المسألة عنه سالكة في ذلك أسلوب "تجاهل العارف" الذي يتضمن شدة الوله وعمق الصبابة؛ لأنَّ عقلها بحكم سنها وإحكام التجارب لها، وقدرتها على ستر ميولها، وكبْت عواطفها - يمنعها من التصريح باسم مَن تُحب، ثم ثنَّى بأن الوسطى قد سارعت إلى تعريفه بالاسم العلم، فكانت دون الكبرى في التوقر والثبات، وهو ما يقضي به سنها، وقلة ممارستها لتجارب الزمن وشؤون الغرام.

 

ثم ثلَّث بأن بيَّن أن الصغرى كثيرة التعلُّق به، كبيرة الانجذاب إليه، حتـى إنها شبهته بالقمر الذي يشبه به كل بالغ الغاية في الحسن والجمال، فلم يبقَ ريب في أنها تحبه وتهيم به.

 

وتصريحها بهذا الحب الذي جمجم به أختاها يلائم سنها، ويوائم عقلها، فالصغيرات تغلب عليهن الغرارة والبراءة، فلا يستطعْن أن يكتمن شيئًا مما يجول بخواطرهن، ويحوك في صدورهن.

 

وذكر عمر شغف الصغرى به، ووصفها له بالصباحة والملاحة يريد منه أن يعبر بدلالة الالتزام أنه فتى السن، ريق الصبا، جديد سربال الشباب؛ لأن الكواعب النواشئ، النواعم الدّل، لا يمنحْن حبهن إلا لِمن كان في مثل سنهن، ولله درّ أبي تمام حين قال[19]:

أَحْلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ مَوَاقِعًا
مَنْ كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِهِنَّ خُدُودَا

ومن بلاغة التصوير في البيت الأخير: أن التشبيه بالقمر لم يجر على الطريقة الساذجة السائدة التي نَصَل لونها، وبلي ثوبها، فأصبحت مبتذلة مملولة، ولكنه أخرجه مخرج المثل، مع اتساق الوزن له، فزاده عذوبة ورشاقة وحسنًا.

 

ومن نافلة القول أن هذه الأبيات تدل على حذق عمر بوضع الكلام في مواضعه كما يقتضيها الإعراب.

 

فإن القوافي جميعها لو أطلقتْ من عقال النظم لكانتْ مرفوعة، فلو أن قائلاً قال: إن عمر كان يعرف قواعد النحو لم يبعد، وذلك أمارة السليقة العربية الأصيلة[20].

 

وللشاعر المخضرم سحيم عبد بني الحسحاس صورة تمثيلية تحمل أصالة في تكوينها واتِّصالاً بانفعال هذا الشاعر، فأتت فريدة وقادرة على جلب انتباه القارئ والسامع إذ يقول[21]:

         وَجِيدٍ  كَجِيدِ  الرِّيمِ  لَيْسَ  بِعَاطِلٍ        مِنَ الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ  وَالشَّذْرِ  حَالِيَا [22]
كَأَنَّ  الثُّرَيَّا  عُلِّقَتْ  فَوْقَ  نَحْرِهَا        وَجَمْرَ غَضًى هَبَّتْ لَهُ الرِّيحُ ذَاكِيَا

 

فاللوحة في الطرف الأول ترينا امرأة كالرئم، وقد بدا الجيد تزينه اللآلئ والياقوت، وخرز من الفضة في نظام بديع في ترتيبه وتوازُنه وإشعاعه، فبدتْ كما تصور لنا اللوحةُ المجاورةُ الثريا تلمع مضيئة بشكلها المنساب وحولها النجوم والغضى يشتعل بلهب أرجواني كلما هبت الريح زادته اشتعالاً واتقادًا، فهنا ألوان وأدوات للزينة، ونار تتلهب، ونجوم السماء، هذا كله ينتظم في مشهدَيْن ينعكس كل منها على الآخر، ولم يغرب هذا الشاعر، لأنه عندما أراد إبراز جمال المرأة التي أحب نظر إلى الثريا والنجوم، ولكنه قرن بها الغضى مشتعلاً، فكأنما أراد أن يأنسَ بها كما يأنس في الصحراء باشتعال شجر الغضى فتذهب الوحْشة.

 

"إن الشاعر مَن يشعر بجَوْهر الأشياء، لا مَن يعددها ويحصي أشكالها وألوانها، وما ابتدع التشبيه لرسم الأشكال والألوان، فإن الناس جميعًا يرون الأشكال والألوان محسوسة بذاتها كما تراها، وإنما ابتدع لنقل الشعور بهذه الأشكال والألوان من نفس إلـى نفس"[23].

 

ومن المختارات التي استطرفها واستحسنها أبو هلال العسكري في الغزل قول بعضهم:

جَارِيَةٌ أَطْيَبُ مِنْ طِيبِهَا
وَالطِّيبُ فِيهِ المِسْكُ وَالعَنْبَرُ
وَجْهُهُا أَحْسَنُ مِنْ حِلْيِهَا
وَالحُلْيُ فِيهِ الدُّرُّ وَالجَوْهَرُ

يقول أبو هلال العسكري: ولو قيل: إن هذا أحسن ما قاله محدثٌ لم يكن بعيدًا[24].

 

والأبيات التالية للشاعر محمود حسن إسماعيل من قصيدته (نشيد الأغلال) بديوان (أين المفر)[25]:

بِعَيْنَيْكَ مَعْنًى لَسْتُ بِالِغَ سِرِّهِ
وَلَوْ قَادَ نُورُ الغَيْبِ أَسْرَارَ نَظْرَتِي
رَحِيقٌ بِكَاسٍ أَمْ سُكُونٌ بِوَاحَةٍ؟
وَرُؤْيَا بِفَجْرٍ أَمْ صَلاةٌ بِكَعْبَةِ؟
وَفِي وَجْهِكِ النَّشْوَانِ عِطْرُ صَبَابَةٍ
يُذَكِّرُ أَحْلاَمِي بِطُهْرِ النُّبُوَّةِ

لا نعتقد أن الذي يتلقـى هذه الأبيات يمكنه تصور دلالتها من أول قراءة، بل لا بد من قراءتها غير مرة، حتـى يهتدي إلى أن الشاعر مبهور بعيني حبيبته وسحرهما الآسر، مشدودًا في الوقت نفسه إلى قيم الطهر والعفة والروحانية الدينية، ومن هذين المصدرين ممتزجين انبثقت تلك الصور التمثيلية، حتـى لقد بات في حيرة من أمره، وعجز عن تحديد كنه ذلك المعنى الغامض الجميل الذي يختبئ في عيني حبيبته، ففيهما حلاوة رحيق الخمر والنشوة بها، وفيهما الإحساس بسكون الواحة الخضراء الظليلة وعليل نسيمها في لفح الهاجرة وقيظها الشديد، وفيهما الأنس بالحلم الذي يشيع في النفس رضا وسرورًا؛ إذ يخايلها لحظة بزرع الفجر، وفيهما نورانية الصلاة في الكعبة المطهرة، حيث تصفو النفس، وتتحرر من علائقها الأرضية، وتبلغ فيها الروح أسمى درجات الشفافية[26].

 

إن انفعال العشْق يعمل على شحذ القريحة وصقلها وترقيق الإحساس، فينعكس ذلك على الأسلوب، فإذا به يسيل رقة وعذوبة ويقطر راحة ورضا، وما أصدق ابن رشيق حين قال: "مَن أراد أن يقول الشعر فليعشق، فإنه يرق"[27]، وهذا التشبيه يجوز لنا أن نطلق عليه "التشبيه النفسي"، وهو التشبيه المبني على التقاط وحدة الأثر النفسي بين الأشياء وتصويرها تصويرًا فنيًّا مؤثرًا لينقل عدوى الشاعر إلـى المتلقين"[28]، وهذا ما ينادي به أصحاب "المذهب الرمز"، وهو مذهب يفضل أن يعبر الشاعر عن حالته الوجدانية، وتجارب حياته بواسطة الصور التي ترمز لتلك الحالات، وتوحـي بها إلـى المتلقـي، وعلـى الأساس نفسه نراهم يطلبون إلـى التشبيه أن يكون الجامع فيه وحدة الأثر النفسـي بين المشبه والمشبه به، ولو كانا من عالمين مختلفين من عوالم الحس الظاهري[29].

 

الخاتمـة:

يتضح لنا مما سبق أن هذا النوع من التشبيه عنوان الترف العقلـي، وآية الموهبة، ودليل الثروة الفكرية، والقدرة علـى اقتناص المعانـي من أغوارها السحيقة، وجوب آفاق الأخيلة الرحيبة بجناح قوى الخفق.

 

ولا يسلس إلا لشاعر موهوب، لماح الذكاء، عميق الملاحظة، عامل الواعية الباطنية في المعانـي المختلفة، والأشباه والنظائر الكثيرة، قادر علـى ابتكار التشبيه والتأتـي إليه بالوقوع علـى الوجه المناسب الذي يعتنق الطرفان في ظله، ومن ثَم لا يعيا الذهن بفهمه، ولا يشعر بغرابته، بل تلتذه النفس، وتستروح إليه، وتحس له نداوة وطربًا، لما تضمنه من طرافة وملاحة، ولما حقق لها من فائدة جديدة لَم تكن تعلمها من قبل.

 

وهكذا يعد هذا النوع من التشبيه وسيلة كشف مباشرة لجوانب خفية من الأشياء بالنسبة للشاعر الذي يدرك، والقارئ الذي يتلقـى.

 

وبهذا الفَهْم يكون التشبيه عملاً خلاّقًا حقًّا، إذ يصبح - بلغة النقد الحديث - محصلة خبرة جديدة، انتهـى إليها شاعر تجاوز أقرانه، وتخطّـى رؤيتهم، وتمكن من إدراك التشابه بين المجهول والمعروف، الأمر الذي لا يتيسَّر لعامَّة الناس، ولا تقدر اللغة العادية علـى توصيله[30]، ويصبح التشبيه الجيد بهذا الفهم موصلاً لنوع جديد متمايز منَ الخبرة التي تعمق إحساسنا بالحياة، ووعينا بأنفسنا وبالواقع مِن حولنا، وتجعلنا ندرك الأشياء إدراكًا أفضل[31].

ــــــــــــــــــــ
[1] "استعادة الماضـي" صـ 285.
[2] "نقد الشعر 118، و"الصناعتين" 124، و"العمدة" 2/295.
[3] "العمدة" 2/295.
[4] "ديوان ابن دريد" صـ 87.
[5] "فن التشبيه" 1/340، 341.
[6] "الصناعتين" صـ 104.
[7] "الديوان" 1/296.
[8] "الفن ومذاهبه" صـ 270.
[9] "الفن ومذاهبه" صـ 270، 271.
[10] "ديوان بن حمديس" صـ 537، المقطوعة 337.

[11] "ديوان ظافر الحداد" صـ19، تحقيق حسين نصار، مكتبة مصر، ط 1، سنة 1969م.

[12] "نهاية الأرب" 11/289.

[13] "العمدة" 2/124، 125.

[14] "العمدة" 2/124.

[15] "العمدة" 1/225.

[16] "ديوان ابن المعتز" 2/214

[17] القاضـي الجرجانـي، "الوساطة" صـ 18.

[18] "ديوان عمر بن أبـي ربيعة" صـ90 من القصيدة التي مطلعها "هيج القلب..."، ويريد بقوله الأغر: فرسه، طبعة الهيئة المصرية 1978م.

[19] "شرح ديوان أبـي تمام" 1/219.

[20] "فن التشبيه" 2/192، 193 (بتصرف).

[21] "ديوان سحيم" صـ 17، ت: عبدالعزيز الميمني، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965 م.

[22] الياقوت حجر من الأحجار الكريمة لونه مشوب بالحمرة في الغالب، الشذر: خرز من فضه.

[23] "الديوان في الأدب والنقد" 1/27.

[24] "ديوان المعانـي" 1/261.

[25] "الديوان" 1/768، طبعة دار سعاد الصباح، القاهرة، 1993م.

[26] "التعبير البيانـي" صـ 92.

[27] "العمدة" 1/212.

[28] "التصوير الشعري" صـ 81

[29] "فن الشعر" صـ 60.

[30] Murry, Metaphor, in Countries of the Mind, Vol 2. P. 2 - 3.

[31] "الصورة الفنية" صـ 201.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التشبيه المستطرف: رؤية نقدية (1/2)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (1/ 10)
  • التشبيهات الظاهرة في الشعر
  • رؤية نقدية لمجموعة ( عندما يظمأ النهر ) لخالد الطبلاوي
  • التشبيه: تعريفه، أركانه، أقسامه، الغرض منه
  • التشبيه الخيالي والتشبيه الممكن الوجود

مختارات من الشبكة

  • التشبيه المفرد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التشبيه المعكوس (عكس التشبيه)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التشبيه: تعريفه وأقسامه وأمثلة عليه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة المستطرف في كل فن مستظرف (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مصادر "المستطرف من كل فن مستظرف"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة المستطرف في كل فن مستظرف(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تعريف الاستعارة والفرق بينها وبين التشبيه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التشبيه التناسبي في البلاغة العربية: مساءلة مغايرة لمقوم بلاغي تقليدي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التشبيه في قصيدة جيل الطيبين للشاعر الدكتور عبدالرحمن صالح العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لغة التشبيه والمجاز في الحديث النبوي: دراسة في الصحيحين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب