• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة
علامة باركود

العودة

أميمة أحمد العزيز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/5/2010 ميلادي - 28/5/1431 هجري

الزيارات: 5009

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله، والحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسولِ الله.

 

جلستْ أمُّ خالد مع ضيفتِها أمِّ إبراهيم وابنتيهما: هبة وأسماء، يتبادلانِ الحديثَ، فهنَّ جيران، وبينهنَّ نَسَب جديد.

 

فخالدٌ شابٌّ سوري يعشَق الرَّسْم ويُجيده، وهو شابٌّ ملتزم، مهتمٌّ بالقضايا الإسلامية، وعلى رأسها فلسطين، خاطب هبةَ بنت أمِّ إبراهيم، وهي شابَّة فلسطينية مِن فلسطيني الشتات، وهي جارَة خالد في البناية نفسها، وتعمل مدرِّسةً للغة الإنكليزية في إحْدى المدارس، وهي فتاةٌ تحبُّ فلسطين، وتشتاق للعودة إليها، وقد جمعَهما فكرٌ واحد، وتفاهمٌ عميق.

 

أمَّا أسماء، فهي دكتورة جراحة، مرهفة رقيقة، على الرغْم من اختصاصها القاسي، ولكن ربَّما تعلَّمت من قساوة هذا الاختصاص أن تكونَ رحيمةً بمَن تُعالجهم، فجعلتْ من قساوة مِشْرَطها رحمةً وعلاجًا للمرْضى.

 

بدأتْ أسماء بالحوار قائلة: كم أنا متأثِّرة بما رأيتُه اليوم في المستشفى!

هبة: وما هذا الذي رأيتِه؟

أسماء: أتانا طفلٌ قُطعت يدُه مِن إصابته بشظايا صاروخ في العراق؛ نتيجةَ هذه التفجيرات التي لا تَنتهي، ولو رأيتم المستشفى اليومَ كم هو حزين! وكأنَّنا نرى الحالة لأولِ مرَّة، ربَّما لأنَّه طفل، أو لانكسار أمِّه وحُزنها عليه.

 

أمُّ إبراهيم: حسبُنا الله ونعمَ الوكيلُ على هؤلاء القوم الذين لا رحمةَ بهم ولا شفقة.

أمُّ خالد - والدمعة في عينيها -: إلى متى سيُترك الأطفالُ يموتون، والنِّساءُ يُرمَّلن، والشبابُ يُقتَّلون؟! قاتلَهم الله على ما يصنعون!

 

ثم ساد الصمتُ، الذي يكسوه الحزنُ لِمَا سمعوا، ولم يَقطعْ هذا الصمتَ الكئيب إلا صوتُ ضجيج، وأناس كأنَّهم يحملون أغراضًا على درج البناية الصغيرة، فهي تتألَّف من ثلاثة طوابق: فالأول لأمِّ إبراهيم، والثاني لأم خالد، والثالث مهجور وهو لعائلة سورية.

 

قالت أمُّ خالد: ما هذا الصوتُ؟ أيُعقَل أنَّ جيراننا قد عادوا إلى بيتهم؟!

ردَّتْ أم إبراهيم: مستحيل، فأبو محمَّد لا ينوي أن يسكنَ هنا، فهو بيتٌ صغير، وعائلته كبيرة.

 

فقَلِقْن من هذا، وقُمْن ليرينَ ما الخبر، ومَن هؤلاء الناس الذين يَصْعَدون إلى الطابق الثالث؟

سألت أمُّ خالد متعجِّبة: أليس الطابق العلوي لأبي محمَّد؟!

السيدة: بَلَى، استأجرْناه منه، وسنسكن بجواركم - بإذن الله.

 

أمُّ خالد: أهلاً بكم، وكأنَّكم مِن العراق؟

السيدة: نعم.

أمُّ حَسن: من العراق، وهربْنا من الحرْب وتداعياتها.

 

أم إبراهيم: قتَل الله مَن شرَّدكم واضطركم للخروج مِن بلدكم.

أم حسن: آمين، ماذا سنعمل؛ هذا قدَرُنا؟!

 

أم خالد: جعَل الله قدرَهم الذُّلَّ والهوان.

أم حسن: أكيد هذا قدرُهم - ولا رَيْب.

وخرجَ النسوة يُساعِدْنَ الجيران الجُدد مرِّحباتٍ بهم.

 

جهَّزت العائلةُ العراقية أمورها كلَّها، واستقرَّتْ في ذلك البيت الصغير.

 

أم حسن: ليلَى، حسن، تعاليا إلى الغداء.

 

جلستِ العائلة على المائدة، والصمتُ هو عنوان الجلسة، إلى أن بادرتْ ليلى قائلة: إلى متى نبقَى هكذا بهذا الاستسلام؟ هذا قدرنا، متى نتقبله؟

أم حسن: أبوكِ مات وحُرِمْنا مِن بلدنا، وتريدين أن نعيشَ حياتنا كما كنَّا؟!


ليلى: شِئنا أم أبينا سنعيش، فلمَ لا نعيش بإرادتنا؟!

يُعجبك حالنا ولنا الآن أسبوعان هنا، والجيران زارونا مرَّاتٍ عديدة، فلمَ لا تخرجين وتتسلين مع الجارات، فيظهر أنَّهنَّ خيِّرات؟!

أم حسن: اتركيني وحالي، فلمْ يَعُد للحياة طعم.

 

ليلى: لمَ تقولين هذا الكلام يا أمي، فالحياة فيها الجميلُ والقبيح؟! أمْ يُعجبك حال ولدِك الذي لم ينطقْ منذ أتَيْنا إلى هنا؟!


وحوَّلتْ نظرها إلى حسن: أيُعجبك حالُك؟ ألستَ رجلاً، وعليك المسؤوليات؟ لمَ لا تخرج وتبحث عن عملٍ؟! ماذا.... لمَ لا تردُّ يا دكتور؟!


ولكنْ حسن لم يردَّ عليها على حسب ما تتوقَّع وكعادته بهدوء، بل صرَخَ بها وهو يَرجُف من الغضب: كفَى، اسكتي، مللت منك، ومِن كذبك، ومن تنظيرك علينا، اهنئي بقوَّتك وصلابتك!!

 

دهشتْ ليلى مِن ردِّه، وقالت: لمَ تتكلم معي هكذا؟ ألستَ ا...

ولكنَّه قاطعَها: كفى، كلَّ يوم نفس الكلام، اخرجْ وتقبَّلِ الأمر، وابحث عن عمل!

ماذا تريدينني أن أعمل؟ هل أمسح الأحذيةَ؟! هل أبيع في الطرقات؟!

وأنتِ ألستِ صحفيَّة؟! لمَ لا تعملين؟! هل المجلاَّت والصحف تلهث وراءَك لتعملي معها؟! ليلى، اتركيني وشأني، أنا لم أعدْ أحتمل.

 

لم تردَّ ليلى بكلمة؛ لأنَّها تفهمته، وأيقنت أنَّه لن يسمع.

 

في المساء خرجتْ ليلى؛ لتُخفِّف من الضغط الذي حَدَث عليها من أخيها، وذهبت لتجتمعَ بهبة وأسماء.

 

أسماء: شرَّفْتِنا والله.

ليلى: مِن زمان ونحْن نُحبُّ أن نجتمعَ بك.

ليلى: شكرًا أسماء، ولكن تعرفين: لقد كنَّا غير مستقرِّين، والآن - الحمد لله - تَعوَّدْنا على البيت.

 

هبة: سامحيني، ولو أنَّنا أول مرةٍ نجلس معًا، ولكن أرَى أنك حزينةٌ، هل أنت متضايقة مِن أمرٍ ما؟

أسماء: مهلاً على البنت، أولَ مرة تجلس معنا!

 

ابتسمتْ ليلى وقالت: لا عليكُما، فبإذن الله نحن أخواتٌ، وفي الحقيقة نعم، أشعر بالضِّيق نوعًا ما.

أسماء: ليلى، أرجوك، نحن لا نريد إحراجَك، لك ألاَّ تتكلمي.

 

هبة: أسماء، استريحي أنت، هي قالتْ: إنَّنا أخوات، فاتركيها تُفْضِفض.

ليلى: والله يا أخوات، لا أدري ما أقول؟! ولكِن تَعرفون حالنا، فنحن أُسرة كانت مُستقِرَّةً وسعيدة، فجاءتِ الحرب فأخذتْ أبي، ورمَّلتْ أمِّي، وفقدتُ عملي كصحفية، وأخي - الهمّ الأكبر - فهو دكتور في الزِّراعة، وكان أستاذًا في كلية، وربَّما هو السببُ الأكبر الذي دعانا للهروب، فلعلكم تسمعون عن الاغتيالات لأساتذة الجامعات، فالاحتلالُ لا يريد علماءَ في العراق؛ ولذا أصرَّتْ أمِّي على الهروب؛ حفاظًا عليه وعليَّ، والآن وجد نفسَه عالةً على المجتمع، فقد حُرِم من عمله، وهنا ليس من السهولة إيجادُ العمل، وحالته سيئة جدًّا مِن كل ما حصَل له.

 

هبة: معقول!! شابٌّ بهذا العِلم يَسْتسلم لليأس؟!

ليلى: نحن بشرٌ يا هبة، وهو حاول أن يقاومَ في البداية، ولكن استسلم في النهاية؛ نتيجةَ ما رأيناه، وخاصة الآن لَمَّا تركْنا العراق.

 

أسماء: لا، هذا ليس مقبولاً، فلا بدَّ أن تُغيِّروا أفكاركم، وتقاوموا يأسَكم.

ليلى: ربَّما أنا لست مثلهما، ولكني أتأثَّر عليهما، وأبحث عن الطريقة التي أُقنعهما بها لكي يقبلاَ الأمر الواقع.

 

أسماء: ليس المطلوب القَبولَ فقط، وإنَّما التحدِّي أيضًا.

هبة: صحيحٌ كلام أسماء، عليكم بالتغلُّب على الواقع.

 

ليلى: يا ربِّ، ادعوا لنا فقط.

استمرَّتْ ليلى في البحْث عن وظيفة حتى تؤمِّنَ احتياجاتِ البيت، فلم يبقَ إلا القليل لينتهي المال المدَّخر مع العائلة سابقًا، وخاصة أنَّ حسنًا مستسلمٌ لما هو فيه.

 

خرجتْ هبة من مدرستها عائدةً إلى بيتها، فإذا بخالد ينتظرُها؛ ليكلَّمها، فهُما قد كتبا كتابهما منذ أول الخِطبة.

خالد: السلام عليكم، كيف الحال؟

هبة: وعليكم السلام ورحمة الله، أهلاً خالد، أراك هنا ولم تُخبرني!

خالد: عندي مشكلةٌ؛ وجئت لنتكلّم؛ لعلي أنسى.

 

هبة: خيرًا، ما الأمر؟ أقلقتَني!

خالد: لم أستطعْ أن أجد أيَّ جهة تدعم رُسوماتي.

 

هبة: عجيب! ألم تقلْ: إنَّك وجدتَ مَن أُعجب برسوماتك، ووَعَدك بأن يدعمك؟!

خالد: انتهى الأمرُ وتخلَّى عن وعْده، لا أدري: الإنسان يعمل، وفي النهاية يجد أنَّ عمله ذَهب هَباءً!

 

هبة: ما هذا الكلام؟ هل أنت تعمل فقط ليرى الناس أعمالك، وتصبح مشهورًا؟!

خالد: كيف فهمتِ الأمر على العكس؟ حينما يعرف الناس عملي بذلك أكونُ قد أوصلت الرسالة مِن رسوماتي.

 

هبة: لا عليك، لا بدَّ أن يأتي اليوم الذي توصل به الرسالة، فقط توكَّلْ على الله.

 

عادَا إلى البيت على أمل تحقيق الحُلم.

 

دخل خالد البيت والأغاني مسموعةٌ من خارجه.

 

السلام عليكم يا أحمد.

أحمد: وعليكم السلام، لمَ تنظر إليَّ هكذا؟!


خالد: إلى متى يا أحمدُ، ألمْ يَئْنِ الأوان أن ترجع إلى ربِّك؟!

تأفَّف أحمد، ثم قال بسخرية: ادعُ لي.

 

خالد: الحياة أرخصُ مما تتخيَّل يا أحمدُ، على الأقل صلِّ فرائض ربِّك.

أحمد: هل ممكن أن تتركَني وحالي، أنا سأُحاسب وحدي، لا دخلَ لك.

 

نظر له خالدٌ بغضب، وتركه لحاله.

 

أسماء: أهلاً خالد، ما بك؟

خالد: ألا ترين ما يفعله أحمد؟


أسماء: ربُّنا يَهديه، فلا نملك أكثرَ؛ لأنَّنا تكلمنا كثيرًا ولم نجد نتيجةً، هيَّا إلى الغداء.

 

عاد إبراهيم إلى البيتِ في فترة الغداء؛ ليأخذَ قسطًا من الراحة بعد يوم متعب في متجرِه الذي كبَّره باجتهاده، فهو يحبُّ التجارة، ولا يريد أن يعملَ في غيرها؛ ولذا لم يتوظَّفْ بشهادته، والتي لا تبتعد كثيرًا عن عمله، فهو خرِّيج كلية التجارة والاقتصاد، والتي أعطتْه خبرةً واسعة في عمله.

 

جلس الجميع يَشربون الشاي بعدَ الغداء.

 

إبراهيم: ما هي أخبارُ الجامعة يا محمود؟

محمود: الحمدُ لله، هي بخير، فتعرف أنَّني لا أفرِّط في الدراسة.

 

إبراهيم: إذًا؛ فلمَ أراك حزينًا؟

محمود: تعرف أنِّي مستاءٌ من كلِّ ما يحْدُث في فلسطين، وأنا لم أعدْ أحتمل أن أبقَى بعيدًا عن وطني.

 

إبراهيم: كم مرَّة تكلَّمنا في هذا الموضوع، وقلنا: إنَّ وطننا الحالي هو سوريا، وفلسطين هي حُلمنا!

أم إبراهيم: يا ليتَك تُفهِمه، فهو قد أتعبني مِن أفكاره التي أَقلق منها.

 

إبراهيم: لا يا أمي، ليس إلى هذا الحدِّ، فمحمود شابٌّ واعٍ.

محمود: لمَ تخافون كلَّ هذا الخوف؟ فقط لأنِّي أحبُّ أن أعودَ إلى وطني!

 

هبة: كلُّنا نحبُّ العودة، ولكنَّك أنت تَزيد الكلام في هذا الموضوع، وهذا يُقلق أمِّي، فابتعدْ عنه.

 

لم يُعجِب محمودًا هذا الكلام، وتصرَّف على أنَّه متعاون معهم، وقال: نعم كما تشاؤون، لن أذكرَ هذا الحديثَ أمامكم، ولكنَّ هناك مشروعًا في المخيَّم، هل تعطيني مالاً حتى نشاركَ فيه؟

إبراهيم: كفاك جنونًا! هل تريد أن أُذهِب مالي على مشاريعك المتجدِّدة، كلَّ يوم يأتينا بمشروع، وكأنَّ فلسطين لن تتحرر إلا بنا؟!

 

هبة: ما هذا الكلام يا إبراهيم، فالمخيَّم يحتاج إلى أموالِنا؟!

إبراهيم: دعيكِ من هذا الهراء، وانتبهي لعملك، وسأقوم أنامَ؛ لأستريحَ من أفكاركم.

 

غضِب محمودٌ من كلام أخيه، وكبَت في نفسه، فهو لا يستطيع أن يعملَ شيئًا، فالمال لأخيه، ويكفي أنَّه يساعده في مصروفه، فمحمود لا يعمل شيئًا.

 

بعدَ سَيْر طوالَ اليوم بحثًا عن عمل، رجعتْ ليلى إلى البيت وهي متعَبة، وقد ضاقتِ الدنيا في وجهها.

 

حسن: أهلاً بالصحفية الكبيرة، هل أنهيتِ عملك بمجلَّتك العظيمة؟!

ليلى: أستغفر الله، ما لَك؟! لمَ أنت هكذا؟! إلى متى ستبقَى على هذا الحال؟!


حسن: لأنِّي عاقل، ولستُ مثلَك بنصف عقل تفكرين بعواطفك وأحلامك، فأنا أعلمُ أنَّ السعي لن يجديَ، فلمَ أُتعِب نفسي؟!

ليلى: ولتهنأْ بعقلك الكبير.

 

وتركتْه وذهبت إلى المطبخ، حيث تُجهِّز أمُّها الغداء.

 

أم حسن: بشرِّي.

ليلى: لم أجدْ أي نتيجة، ادعي لي.

 

حسن - وقد لحِق بها إلى المطبخ -: نعم، نعم، ادعي لها يا أمِّي، فهي مسكينةٌ تريد أن تُحقِّق ذاتها.

 

كانت ليلى متعبةً، ومتأثِّرة بكلِّ ما حدث لها في مشوارها الصعب، فردَّتْ دون أن تفكِّر في كلامها: أفضل منكَ على الأقل، لمْ أكن عالةً على غيري، وأترك مسؤولياتي، وأجلس كامرأةٍ ضعيفة لا تملك شيئًا تعمله.

 

جُرِح حسنٌ من كلامها ومِن أسلوبها، وتشبيهها له بالمرأة الضعيفة، فهو الذي كان يأتي بالمال الكثير، وله المكانةُ العظيمة في العراق.

 

فردَّ عليها بكل هدوء وقال لها: شكرًا لك، وتَركهما ومضى.

 

شعرتْ ليلى أنَّها جرحتْه، ولكن لم تتكلَّم لعله يصحو.

 

أمُّ حسن: عيب هذا الكلام يا ليلى، فأخوك لم يُقصِّر في حقك أبدًا، ولم يتأخرْ يومًا عنَّا، فلمَّا يحتاجنا نتخلَّى عنه!

♦ لم أنسَ هذا الكلام، ولكنِّي غضبتُ منه وعليه، ألا ترينه كم هو يائس؟!

♦ ولهذا أنت قسوتِ عليه.

♦ لعلَّ القسوةَ تُعيده إلى رُشْده.

 

بقي محمود مقتنعًا بكلامه، ولا ييئس من السَّعْي لتحقيق هدِفه بالذَّهاب إلى فلسطين، وطنه الغالي.

 

وانتسب من أجلِ ذلك لأحد التنظيمات الإسلاميَّة الفلسطينية التي تنشط في سوريا.

 

ولكنَّ هذا التنظيمَ طلب منه ترْكَ الفكرة، والعملَ لنصرة فلسطين من سوريا؛ لصعوبة طلبه، فهُم ينصرونها مِن الخارج.

 

اقتنع محمود مبدئيًّا بالفكرة، وبدأ نشاطُه معهم.

 

أمَّا أحمد فما زال غارقًا في شهواته، غيرَ مبالٍ بأحد ممن حولَه، ليس له همٌّ إلا السهر، واللعِب مع "شلّته" السيئة المماثِلة له، حتى إنَّه رجع في ليلة من الليالي سكرانَ إلى بيته، فجُنَّ جنونُ الأم، وذهلتْ مما رأتْ، وبدأت تصرخ في وجهه، فخرَجَ خالد لمَّا سمع صوت أمِّه، فذهل هو الآخر، وجاء نحوَ أحمد غاضبًا وهو يصرخ في وجهه: سكران!! سكران يا أحمد، هذه نهايتك مع الخمْر، هذا الطريق الذي اخترتَه لنفسك، حرامٌ عليك!! لمَ تفعل بنا هذا؟!


وبدأ يرتفعُ صوتُه، ويزداد غضبه، فخافتِ الأمُّ على ولديها من أن يؤذيَ أحدهما الآخر، فبدأت تهدِّئ خالدًا.

 

أرجوك خالد، اترُكْه، فلن يردَّ عليك، ولن يسمعَ كلامك، ألا تراه غارقًا في سُكره؟! اتركْه حتى الصباح، أرجوك، وظلَّتْ هكذا حتى تركَ خالد أحمدَ، ودخل أحمدُ إلى غرفته.

 

أسماء - والدموع في عينيها ممَّا رأتْ -: للأسف شيءٌ مزعِج أن يصلَ أحمد إلى هذه الحال!

خالد: ربِّي يُخلِّصنا منه، ومِن شؤم معاصيه.

 

أم خالد: لا يا خالد، لمَ تدعو عليه؟! ادعُ له بدلَ أن تدعوَ عليه؛ فهو أخوك، وبدأتْ تبكي، وعلا صوتُها بالبكاء.

خالد: آسف يا أمِّي، فأنا منزعج جدًّا مما رأيت.

 

أسماء: هداه الله وسامحَنا جميعًا.

 

الآن صار لحسن أسبوعٌ وهو مقاطِعٌ أختَه ليلى بعدَ كلامها القاسي معه، ولكن ليلى لم تعُدْ تصبرُ على هذا الفراق، الذي لم يَحْدثْ من قبل، وفِعلاً دخلتْ عليه وهي تأمل أن يصالِحَها.

 

♦ السلام عليكم يا حسنُ، أرجو أن تسمحَ لي أن أكلِّمك، فأنا منذ أسبوع وأنا أحاول، أرجوك.

ولكنَّ حسنًا كأنَّه لم يسمعْ، ولم يلتفتْ إليها.

 

♦ حرامٌ عليك، لستَ وحدَك مَن ترك عملَه وبلده، فنحن معك، وحالُنا كحالك، أرجوك، حسن، أنت كنت قاسيًا عليَّ، فلمَ لا تتذكَّر كلامَك، وتتذكر فقط كلامي؟! أليس لي إحساس أنا أيضًا؟!

استمرَّ حسَنٌ في الصمت.

 

♦ أنت قاسٍ يا حسن، عليك أن تكونَ معي، ولستُ أنا مَن يُطلب منها أن تكون معَك، أرجوك كن معي ولا تقفْ ضدي، فأنا أيضًا أحتاج لك، وأنا أضعفُ منك، وحتى ولو أخطأتُ فأنا الآن أعتذرُ مِنك، وأطلب عفوَك، فما الذي تريدُه أكثرَ من ذلك؟!

قاوم حسنٌ هذا الكلامَ حتى لا يضعف أمامَها، فهو لا يريد أن يُحدِّثها؛ نصرةً لكرامته.

 

نظرتْ ليلى وقتًا طويلاً لأخيها لعلَّه يُغيِّر رأيه ولا فائدة، فاستأنفتْ كلامها.

 

أنتَ منزعِج، ومهزوزةٌ كرامتُك، وتستكبر عليَّ حتى لا تكلمني، إذًا فخُذْ هذه الكلمات حتى يَزيد انزعاجُك انزعاجًا:

حسن، أنت ضعيف، ولستَ واثقًا من نفسك، وسقطت في أوَّل اختبارٍ وضعَك الله فيه؛ ولذا عِشْ هكذا كئيبًا منعزلاً فاشلاً، ولا تحاول أبدًا أن تقاومُ ما يحْدُث لك من عوائقَ، كن هكذا مستسلمًا لضعفِك، ولكن أنا لا، فسأظلُّ أبحث عن عمل، وسأستمِدُّ من يأسك قوةً تجعلني أقاوم ما يُواجهني.

 

شكرًا لك على تقويتك لي، وتركتْه وخرجتْ.

 

هزَّتْ هذه الكلماتُ قلبَ حسن، وأوصلتْ له حقيقة ما آل له حالُه، ورأى نفسه في مرآة أختِه التي كانتْ عارفةً به وبوضعه، واستمرَّ كلامُها يجول في خاطره إلى الصباح.

 

في اليوم التالي جاءتْ هبة إلى جارتها ليلى تزورها، وتطمئنُّ إلى أين وصلتْ ليلى في بحثِها عن عمل.

 

♦ شرَّفتِ بيتَنا يا هبة، لِمَ لم تأتِ أسماءُ معك؟

♦ قلت لها: ربما تلحق بي بعدَ أن تنهي أعمالها؟

♦ أهلاً بكما، كم اشتقتُ لكما! ولكن لم يسمح لي وقتي بزيارتك أنت وأسماء.

♦ أعرف ظَرْفَك، ولكن هل وجدتِ عملاً؟


ردتْ ليلى - بعد أن تنهَّدتْ -: لا وللأسف، فكلَّ يوم أذهب إلى المجلاَّت والصحف، ولا فائدة!!

♦ والسيد حسن، ألَم يجدْ عملاً، وكيف حاله الآن؟


ابتسمتْ ليلى ابتسامةً حزينة: حالُه ازدادتْ سوءًا، فكيف سيبحث عن عمل؟!

♦ غريبٌ أمر أخيك، فهو متعلِّم ورجل، فكيف يستسلم لضعفِه؟!

♦ هو حزينٌ على نفسه، فبعد أن كان عزيزًا، أذلَّتْه الحرْب وما بعدها.

 

شرَدَتْ هبة قليلاً، ولم تعُد تتكلَّم.

 

♦ هبة، هبة، أين ذهبتِ؟ آسفة لأني أزعجتُك وجعلتُك تملِّين.

♦ لا، لا، ليلى، ولكن خطَر في بالي شيء، ولا أدري هل أقوله أم لا؟

♦ طبعًا قوليه، فأنا لا أنزعج من الصَّراحة.

♦ لا ليس مزعجًا، ولكن لا أدري هو مناسبٌ أم لا؟

♦ وما هو هذا الأمر؟


ودون مقدِّمات قالت هبة لليلى: ما رأيُك في أسماء لحسن؟

نظرتْ ليلى متفاجِئة مِن كلام هبة: أسماء لحسن؟! تقصدين زواجهما؟


هبة مبتسمة: طبعًا، وهل هناك شيءٌ غير ذلك، فأسماء طبيبة وطموح، ومتفائلة أيضًا؛ يعني: ممكن أن تكون دواءً لحسن.

 

صمتتْ ليلى قليلاً وكأنَّها أعجبتْها الفِكرة، ثم قالت: ولكن ربما علاقتنا جديدةٌ، ولا أعرفها جيدًا، ولكن أفكِّر في الموضوع.

♦ أمَّا عن أسماءَ فهي مؤدَّبة وخلوق، وأولاً وأخيرًا صاحبةُ دِين، فلن تندمي على هذه الخُطوة.

 

أُعجِبتْ ليلى بالفكرة، ووعدت أن تمشيَ فيها.

 

بعدَ خروج هبة، دخل حسنٌ على ليلى، ففوجئتْ به، واستغربت من مجيئه.

 

♦ أنا آسفٌ ليلى، واعذريني على قساوتي، ولكنِّي أقسو على نفسي، فلا غرابةَ من أن أقسوَ عليك، أنا فعلاً متعَب نفسيًّا، وأرجو أن تتركوني حتى أقدرَ على أن أواجه مصيري الجديد.

♦ أنا أكثر الناس رغبةً أن تنتصرَ على نفسك، ولكن أنت لا تُريد ذلك.

♦ اصبري عليَّ ولا تتعجلي، تُصبحين على خير.

 

سعدتْ ليلى بهذه الخُطوة، وأدركت أن التغييرَ بدأ، ويحتاج لمن يُقوِّيه، وخطر على بالها كلامُ هبة، فصاحتْ بحسن قبل أن يخرج: حسن، توقفْ، أريد أن أكلِّمك.

 

♦ أرجوك ليلى، فلنؤجِّل الكلام.

♦ لا، لا، أمر آخر.

 

رجع حسن: نعم، ماذا تريدين؟

♦ عروس.

♦ عروس! ماذا تقصدين؟

♦ ما رأيك في أسماء جارتنا الطبيبة السورية؟

♦ عروس لي؟!

♦ نعم، عروس لك، فهل تُريد أفضلَ من دكتورة؟

♦ لا إله إلا الله!

♦ محمد رسول الله.

♦ دعْك مِن هذا الآن.

 

♦ لا يا حسن، الآن وقتُه، ألا تريد أن تُسعِد أمَّك؟

♦ وهل أُسعِد أمِّي، وأشقي بناتِ الناس؟!

♦ ليلى متعجِّبة: تشقِي بناتِ الناس! لمَه؟!


♦ أولاً: أنا عراقي، وجديدٌ على المنطقة، وهي سورية وأيضًا جديدة بالنسبة لي، وثانيًا: هي طبيبة وتعمل، وأنا عاطلٌ عن العمل، هل تريدينها أن تصرفَ على أخيك؟!

♦ وهل نسيتَ مَن تكون؟ ألستَ أستاذًا جامعيًّا، ولك مستقبلٌ بإذن الله، لكنَّك لا تراه؟!

♦ وأمَّا عن كونك عراقيًّا وهي سورية، فما المانع؟ هذه هبة فلسطينية، ومخطوبة لسوري.

سَكَت حسن ولم يردَّ.

 

استأنفتْ ليلى كلامَها، وأظن أنك لا ينبغي لك أن تُقرِّر بسرعة، وعندك الخِطْبة هي فرصةٌ؛ لترى هل تَصلح لك أم لا.

♦ لا مشكلة، سأفكِّر وأردُّ عليك.

♦ انتظر ولا تنسَ أنَّ أسماء إضافةً لدِينها وأدبها، فهي جميلة.

 

ضحِك حسن، وقال: تصبحين على خير.

♦ وأنت مِن أهل الخير، أنتظرك بإذن الله.

 

وفعلاً خَطَب حسنٌ أسماء بعدَ شهر من هذا الكلام، وبدأتْ علاقتهما تقوَى شيئًا فشيئًا.

 

ووجدتْ ليلى عملاً بإحدى الصُّحف العراقية التي تَصدُر في سوريا، وبدأتْ تكمل رسالتها في نُصرة بلدها.

 

وبدأ حسنٌ في التغيير بشكلٍ جزئيٍّ؛ بسبب أخته وخَطيبته، التي سعَتْ بكل جهدها لأنْ تكون مع خطيبها في مِحنته؛ حيث إنها تفهَّمتْ وجهة نظره بعدَ احتكاكها المتواصل معه، ودائمًا كانتْ تُقنعه بضرورة التحدِّي ومقاومة الواقع المرير بأسلوب غيرِ مباشر، وفي إحدى الجلسات بدأتْ هي الحديثَ؛ لعلَّها توصل فكرتَها:

سمعتَ اليوم الأخبار؟

♦ لا، تعرفين أنِّي غيرُ متابِع كثيرًا لها، هل هناك جديد؟

أسماء: الجديد هو قَتْل العشرات في بغداد بتفجيرات عِدَّة.

♦ وما الجديد في ذلك؟ كلَّ يوم يُقتل العشرات، عاديّ!!

♦ لا، ليس جديدًا، هل قتل أُناس جُدد ليس جديدًا؟ أهؤلاء لا يُحسبون؟!

♦ حسن متهربًا: كأني رأيتُ المستشفى عندَكم اليوم مزدحمًا، لماذا؟


أسماء - كأنَّها لم تنتبه لسؤاله -: إنَّ ما يَحْدث في العراق هو جريمةٌ، وعلى الشباب أن يُغيِّروا واقعَهم هناك، وعلى الشعب أن يصحوَ لِما يجري من تهديدٍ لبلدهم، فالعراق بدأ ينهار.

♦ وهل هو لم ينهَرْ إلى الآن؟!

♦ لمَ نسمح لهم، لمَ لا نعمل لمقاومة ذلك؟!

 

حسن - في سخرية -: إذًا اذهبي وقاومي لعلَّك تُحرِّريه!

انزعجت أسماء مِن كلامه، وقالتْ له - وهي تبدي انزعاجها -: لمَ تسخرُ مني ومِن كلامي؟!

♦ حسن، أنا لا أسخرُ منك، ولكن نحن ليس بأيدينا شيء، فلمَ نُتعِب أنفسنا؟!

♦ لو كل شاب تَرَك هذه الكلمة لم نصلْ إلى ما وصلْنا إليه، ولكن كلُّ واحد يُبرِّئ نفسه؛ هروبًا مما عليه، فالمطلوب منِّي أن أعمل كطبيبة، ولا أُكلِّف نفسي أكثرَ من ذلك، وكلُّ شخص مطلوب أن يعملَ ما يقدر عليه.

 

فهِم حسنٌ قصدها، وقال - والغضب بدأ يظهر عليه -: أنا تركتُ ما عليَّ، والآن أصبحتُ عالةً عليكم، وعلى غيرِكم.

 

أحسَّتْ أسماء بغضب حسن، فأرادت أن تُعيدَ الودَّ والصفاء إلى الجلسة: لا يا حسن، أنت عندي أغْلى مِن أيِّ شيء، ولا أسمح لك أن تتكلَّمَ عن نفسك بهذه الطريقة: إن لم يكن لأجلك، فلأجلي، فهذا يُزعجُني، هل تحب أن تُزعجني؟ فأنا اخترتُك ومقتنعةٌ بأهميتك.

 

تنهَّد حسن وقال: سامحيني أسماء، ولكن لا أدري ماذا أعمل، فالعِراق يُحاصِرني أينما ذهبت؟!

♦ لأنَّك تحبُّه ولا تقدر أن تَستغني عنه.

 

نزلتْ دموع حسن - ولأول مرَّة أمام أسماء - قائلاً: اشتقتُ كثيرًا للعراق.

♦ ولذا علينا ألاَّ نستسلمَ ونُسلِّمه للمجرمين.

 

عاد محمود ليطلبَ من التنظيم أن يذهبَ إلى فلسطين، وأيضًا قُوبِل طلبُه بالرفض كالعادة، وكلَّفوه بعد أن رأوا هِمَّته بالإشراف على مشروع كبيرٍ لبناء مساكنَ في المخيم الذي يقطُن فيه لحاجة الأُسَر للمنازل بسبب زِيادة عددِ السكَّان؛ ليشغلوه في أمر يُلهيه عن التفكير في السَّفَر إلى فلسطين.

 

عاد محمود إلى متْجَر أخيه إبراهيم التاجر؛ ليطلبَ منه مبلغًا من المال؛ ليكونَ هو أيضًا مشاركًا في المشروع، ولكنَّ رَدَّ أخيه كان - كالعادة – الرَّفْض.

♦ لمَ يا إبراهيم، فالحمد لله مالُك كثير؟! لمَ لا يكون هناك جزءٌ منه تخصِّصه لفلسطين والفلسطينيِّين؟!

♦ فعلا ً أنت مجنون، أيُعقل أن أضعَ مائة ألف لِيرة في مساكنَ؟! وما الذي أستفيده بهذا؟! مَن يستطيع البناء فليبنِ، ومَن لا يستطيع فليستأجرْ، هل أنا مسؤول عن سكنِ الناس؟!

♦ هؤلاء شعبُنا، وهل نتخلَّى عنهم؟! وهل أنت غنيٌّ عن الله وعن مرضاته؟! فبهذا يرضَى الله، فالحياة فانية.

♦ اذهبْ واهتمَّ بدروسك وبجامعتك، وإن أردتَ ألفًا أو حتى ألفين فخُذْ، فأنا شقَّتي لم أنهِها إلى الآن، فهل أُشغلْ بالبناء للناس، وأترك نفسي؟!

♦ طبعًا، وكيف تُنهيها وأنت كلَّفْتَ نفسك فوقَ طاقتك؛ فالآن شقتُك - وقبل أن تنتهي - تساوي الملايين؟!

♦ ماذا أفهم مِن كلامك؟ هل تحسُدني؟

نظر إليه محمود مستغربًا مِن كلامه، وتَرَكه ومضَى.

 

كانت هبة جالسةً تُحضِّر دروسها التي ستُعطيها لطلابها، لمَّا اتصل بها خالد فردَّتْ عليه ورحَّبت.

♦ عندي لك خبرٌ تستحقِّين عليه دعوة على الغداء.

♦ يا الله! وما هذا الخبرُ العظيم الذي يستحِقُّ كل هذا الكرم؟!

♦ لا أمزح، فعلاً عندي خبرٌ عظيم.

♦ وإلى متى تبقى تُشوقِّني؟ قُل، أسرع.

 

♦ قَبِل أحدُ المعارض أن يعرض رسوماتي، وسأكون - بحول الله - في معرِضه القادم بعد شهر.

♦ صحيح، هل أنت جادٌّ؟!

♦ طبعًا، وهل في هذا مزاح؟!

♦ الحمدُ لله، كم هو خبرٌ رائع! وأخيرًا سأرى أعمالك في معرِض، ويا ربِّ تكون لوحاتُك هي المميزةَ في هذا المعرض، آمين يا ربّ.

♦ يا ربِّ، إني يا هبة، أنتظر ذلك اليوم.

♦ ولكن هل نسيت الدعوة على الغداء؟!

♦ آه آه لم أنسَ! ولك أكبر دعوة ولكن هل هذا كلُّ همك من رُسوماتي يا سيدة هبة؟!

♦ طبعًا هل أفرِّط في دعوة بعدَ هذه المناسبة الكبيرة؟!


وفي ظلِّ كل هذه الأحداث، جاءتْ حرب غزَّة؛ الحرب الإجرامية التي لم تتركْ حجرًا ولا بشرًا ولا زرعًا إلاَّ أتتْ عليه، وكانتْ هذه الحرْب هي الحدثَ المحوِّل لكل مسارات الشباب، وهي التي دَفَعتْ شباب البناية للتغيير.

 

كانتْ عائلات البناية جالسةً تتابع أحداثَ الحرْب الإجرامية بكلِّ أحداثها، ويرون صور الأطفال الذين أصبحوا رِجالاً في هذه المعركة، وصور النساء اللاتي يودعْنَ الولَدَين والثلاثة والأربعة، ويقُلْنَ: الحمد لله!!

كانت صورُ الصمود تهزُّ حسنًا وتُعطيه القوة، وتحرِّرُه من يأسه، كانت صورُ الأطباء وهم يركضون في المشافي؛ سعيًا لإنقاذ من يُمكن إنقاذُه تهز أسماء، وترى نفسها صغيرةً أمام هؤلاء العظماء، كانت صورُ المشرَّدين والجوعَى والخائفين تهزُّ إبراهيم، الذي كثيرًا ما بَخِل على هؤلاء الأبطال.

كانت صُور المتحدِّثين باسم المجاهدين تؤثِّر في هبة، التي لم تعرفْ أنَّ اللغة التي معها مهمَّة كما عرفتْها في هذه الحرْب.

كانت أشلاءُ المسلمين تَصرع قلْبَ أحمد، وهو يذكر معاصيَه واستهتاره، وأمنَه من مَكْر ربه.

كانت تَغطية الصحفيِّين بين مؤيِّد ومعارض توصل لليلى أهميةَ الإعلام في مِثل هذه المواقف.

وكان خالدٌ يرَى صورَ الشهداء والهَدْم، ويعلم كم كان مقصرًا في رُسوماته التي لم تصلْ إلى هذه الصور أبدًا.

كانت صور النِّساء الصامدات تُوصل للأمهاتِ الثلاث كم هي مهمَّة المرأة إنْ عرَفتْ دَوْرها.

 

بعدَ أيَّام من بداية الحرْب اختفى محمود ولم يُعثَر عليه، وشُغِلت عائلتُه بالبحث عنه، ولكن سرعانَ ما توقَّف البحث، ولم يَعُدْ له داعٍ، فمحمود استُشهِد في حرب غزة التي دخلَها بعد إصرار منه على الدخول، الأمر الذي دفَع التنظيمَ الذي ينتسب إليه أن يأتيَ عند رغبته، وهكذا حقَّق محمودٌ هدفَه بأن دخل وطنَه، واستشهد فيه.

 

أبَتْ عائلته إلا أن تتلقَّى التهاني باستشهاد ابنِها، كما يفعل أهلُوهم هناك في الداخل، "وزغردت" أمُّ إبراهيم لَمَّا سمعتِ الخبر، وقالت: أنا سعيدة رغمَ ألمي؛ لأنَّه حقَّق حُلمه.

 

كان لاستشهاد محمود أثرٌ مضاعفٌ على هذه العائلات.

 

انتهتِ الحرب، وقرَّر حسنٌ بعدها العودةَ لوطنه؛ ليخدمَه بما يستطيع، ووافقتْ أسماء على مرافقته، لعلَّ طِبَّها يكون خادمًا لأطفال العراق.

 

وقرَّرتْ ليلى أن تُسخِّر قلمها لنصرة دِينها، ولخِدمة قضايا المسلمين.

 

قرَّرت هبة ألاَّ تقفَ عند التدريس، وأخذت قرارها بمتابعة دراستها العليا حتى تستخدمَ الترجمة في إيصال الإسلام إلى الغَرْب.

 

أما خالدٌ فبدأ يُفكِّر في رسْم قصة المعركة؛ ليوصلَها بطريقته الخاصة.

 

أما إبراهيم الذي فَقَدَ حبيبَه محمودًا، فقدْ قرَّر أن يمشي على نهجه، ويُسخِّر مالَه لخِدمة بلده وأبناء بلده، واستمرَّ في مشروعات المخيَّم يدعمها، ويُنفق عليها.

 

فيما عاد أحمدُ إلى دراسته التي أهملها كثيرًا بسبب رفقته السيِّئة، وانضمَّ إلى صُحبة أخرى أكثرَ جديَّة؛ لعلَّه يعود لينصرَ دِينَه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السراب

مختارات من الشبكة

  • حق العودة إلى فلسطين رهين بالحرص على العودة إلى عليين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الخوف من العودة للحرام(استشارة - الاستشارات)
  • طريق العودة من تبوك(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • شفيت من الفصام وأريد العودة(استشارة - الاستشارات)
  • نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: عين جالوت رمضان 658 هـ (2) وتمزيق الأسطورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • طليقة زوجي تريد العودة(استشارة - الاستشارات)
  • نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: سقوط بغداد 656 هـ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أريد العودة لزوجي شارب الخمر(استشارة - الاستشارات)
  • نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: نكبة القدس سنة 626 هـ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أمران مهمان مع العودة للدراسة بعد الإجازة(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب