• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

حوار مع الأديب الشاعر الدكتور حيدر الغدير (2)

حوار مع الأديب الشاعر الدكتور حيدر الغدير (2)
شمس الدين درمش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/12/2021 ميلادي - 25/4/1443 هجري

الزيارات: 2588

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حوار مع الأديب الشاعر الدكتور حيدر الغدير (2)


س: يلاحظ أن حبك للشعر جعلك تحرص على زيارة الشعراء في أماكنهم، وحيث نظموا هنا وهناك.. فحدِّثنا عن ذلك.

ج: من أطرف أحوالي مع الشعر أني حرَصتُ كثيرًا على زيارة أمكنة الشعراء الذين كنت أقرأ لهم وأُعجَب بهم. وأبدأ من القاهرة بشوقي رحمه الله، فقد زرت بيته الذي سكنه آخر عمره، وهو يطل على النيل في القاهرة العامرة، وقد حولتْه وزارة الثقافة إلى متحف محفوظ، على ما كان عليه في حياة صاحبه. زرته عدة مرات متذكرًا متأملًا، متخيلًا حياة الشاعر من خلال الأثاث، والمكتبة، وغرفة الضيوف، وما إلى ذلك. وفي دمشق تذكرته جيدًا حين زار دمشق، وكتب فيها قصيدته الخالدة التي مطلعها:

قمْ ناجِ جلَّق وانشد رسم من بانوا
مشَتْ على الرسم أحداثٌ وأزمانُ

 

أعجب من ذلك وأطرف أني حرَصت في لبنان على زيارة "زحلة" و"بكفيَّا"؛ لأنه ذكرهما في شعره، بل إني ظللت في إسبانيا أبحث عن القرية التي أقام فيها أيام منفاه، واسمها "فلفديرا"، وهي تقع على جبل عالٍ يشرف على مدينة "برشلونة"، وجدتها قرية صغيرة جدًّا، أنيقة نظيفة هادئة، وحين كنت أتجول فيها كنت أشعر أن خطاي تقع في موضع خطا الشاعر الكبير، وفي غرناطة تذكرت السَّينيَّة التي أبدعها محاكيًا فيها سينيَّة البحتري في إيوان كسرى. وإن لديَّ رغبةً تغيب وتعود في أن أقلِّد الشاعرين العظيمين في سينية أُعدها بإتقان، وعساي أن أفعل.

 

وفي إسبانيا ظللت أبحث عن بلدة الشاعر الكبير لسان الدين بن الخطيب، واسمها العربي "لوشا"، وحين وصلتها وجدتها تحمل اسم "لوخا"، وهي حتى اليوم قرية وادعة، وتجولت فيها وأنا أنشد موشحه الشهير، بل أشهر موشحة في ديوان الشعر العربي، مطلعها:

جادك الغيث إذ الغيثُ همى
يا زمانَ الوصل بالأندلسِ

 

أما قصتي مع الشاعر الأندلسي الشهير "أبي البقاء الرندي"، فهي في غاية الطرافة!.. ذلك أني كنت ليلًا أقود السيارة في جنوب إسبانيا، وفجأة رأيت لوحة تشير إلى "رندة"، فوجدتني أجعل وجهتي إليها بدون إعداد ولا معرفة عن المسافة والاستراحات، ودخلت في رحلة طويلة وشاقة جدًّا، أعاني التعب والسهر والرغبة الملحة في النوم، وقد دخلت المدينة بسلام في آخر الليل.

 

وفي النهار تجولت فيها، وتتبعت آثار المدينة الباقية، وطفت بمعالمها، ثم انصرفت وأبو البقاء في مخيلتي، أشكره شكرًا جزيلًا على قصيدته الخالدة:

لكلِّ شيء إذا ما تم نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطِيبِ العيش إنسانُ

 

وعلى دعوته إياي لهذه الزيارة الجميلة الشاقة، وقد كتبت عنها مقالة دقيقة شائقة بعنوان "لعينيك يا رندة"، في كتابي "صلاة في الحمراء".

 

وفي تونس ذهبت في رحلة طويلة كانت مملة لوحدتي فيها، ولطول الطريق ووحشته في عدة أجزاء منه، وذلك لزيارة "توزر" مدينة الشاعر أبي القاسم الشابِّي، ووصلتها فوجدتها مدينة صحراوية صغيرة، لكنها أنيسة وادعة، عليها بصمات الإسلام والعروبة، بأكثر من سواها، وزرت معالمها، ووقفت على قبر الشاعر الشابِّي، ودعوت له، وأنا أستحضر في خلدي ما بقي في الذاكرة من قصيدته الذائعة:

إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدَرْ

 

وليس لي أن أنسى المعتمد بن عباد؛ لولعي بالأندلس، وزيارة قصره في إشبيلية أيام سعده، وقبره في المغرب بعد عزله.

 

زرت قصر المعتمد في إشبيلية، وهو أنيق جدًّا، كل شيء فيه يدعوك إلى التأمل، ثم إنه جديد؛ ذلك أن الإسبان جددوه تمامًا وفق ما كان لأهداف سياحية، تجولت فيه وأُعجبت بما فيه من الإبداع، وحزنت لما فيه من السرف، وتذكرت قصته مع زوجته "اعتماد الرميكية" يومَ صنع لها من أخلاط العنبر والمسك والكافور وما إلى ذلك؛ طينًا ممزوجًا بماء الزهر، فقامت ومعها بناتها يطأن فيه؛ ذلك أنها رأت من النافذة فلاحات من القرى المجاورة يطأن في الطين في يوم ماطر، فأحبَّتْ تقليدهن.

 

ثم إني سافرت إلى المغرب، وفي مدينة صغيرة اسمها "أغمات" قرب مراكش كانت مكان منفاه حيًّا، ومدفنه ميتًا؛ وقفت على قبره وقبر زوجته اعتماد؛ مفكرًا معتبرًا، ودعوت لهما.

♦♦♦♦♦

 

س: يحتل الموت في شعرك مساحة واسعة تلفت النظر، فما الداعي إلى ذلك؟

ج: هذا صحيح، ومردُّ الأمر إلى أني نشأت مسلمًا، وعلمنا مشايخنا أن الموت قدر لا بد منه، وعلى الإنسان أن يحسن الاستعداد له، باجتناب المعاصي والزيادة في الطاعات، وكنت أتذكر الموت وأهابه، دون أن أقع في الخوف القاتل منه، الذي يفسد على الإنسان دينه ودنياه.

 

ظللت على ذلك حتى قرأت عن الصحابي العظيم الشهيد سعد بن معاذ رضي الله عنه، وقرأت أن للقبر ضمةً لساكنه حين يودع فيه، تختلف فيها أضلاعه، ولو كان أحد ناجيًا منها لنجا سعد بن معاذ.

 

وكنت شابًّا في بداية العقد الثالث نشيطًا متفائلًا، لكني مع الشباب والنشاط والتفاؤل أحسست أن قلبي وقع فورًا بين قدمي! قلت لنفسي: كيف تنجو من هذه الضمة التي لم ينجُ منها سعد بن معاذ؟! وهو من أعظم الصحابة، وذهب إلى ربه شهيدًا، وأخبر الرسول الكريم أن عرش الرحمن اهتز لموته، وأن الملائكة كانت تزاحم الناس في حمل نعشه.

 

استبدَّ بي ذعرٌ شديد، وزاد من هذا الذعر ما كنا نسمعه من بعض الوعاظ الذين يروون الصواب والخطأ في ضمة القبر؛ ليخاف الناس، ويحرصوا على الاستقامة، وهو أسلوب غاية في الخطأ، ولن تشفع لهؤلاء الوعاظ نيتُهم الطيبة؛ لأنها حمقاء جدًّا، ومؤذية جدًّا.

 

ظللت على هذا الحال حتى أدركني لطف الله عز وجل، حين قرأت أو سمعت أن الأرض هي أمُّ الإنسان؛ لأنه منها خُلق، فإذا عاد إليها ضمته الضمة المزعجة إن كان من العصاة، وضمته ضمة الحب والرفق إن كان من الصالحين، فسُرِّي عني واسترحت.

 

ثم وقع بين يدي كتاب "رحلة الخلود" للشيخ "حسن أيوب"، فقرأته عدة مرات، وفرحت به فرحًا شديدًا. لقد وفِّق في عنوان الكتاب؛ لأن الموت هو رحلة المرء إلى الدار الآخرة، حيث الخلود الدائم للمرء إن صالحًا، وإن طالحًا. وزاد من فرحي بالكتاب أن مؤلفه عالم أزهري ضليع، لا واعظ جاهل، وأنه قرر في بداية كتابه أنه لن يعتمد إلا على آيات القرآن الكريم، وعلى الحديث الصحيح والحسن. ومن ذلك اليوم صار تعاملي مع الموت قوة إيجابية نافعة؛ إذ صار الخوف في حجمه السوي، فإن مات من هو أكبر مني قلت لنفسي: ستلحق به عن قريب، وإن مات من هو أصغر مني قلت لنفسي: سبقك إلى الدار الآخرة، مع أنك جئت الدنيا قبله! فانظر كيف مدَّ الله في عمرك، واشكره بالصالحات. وكنت دائمًا أدعو للموتى عامة، ولمن لي بهم علاقة خاصة، أيًّا كانت، ولا أزال أجد أن الدعاء لهم حق دائم عليَّ.

 

ثم اتسعت رؤيتي للموت والحياة، فالتفت إلى حياة المسلمين، وانتبهت أن عليهم أن يحرصوا على طلب الشهادة حين تتعرض الأمَّة للمهالك، أما في حالة الأمن فعليهم أن يحرصوا على عمارة الدنيا بالبناء والإصلاح والدعوة. وبهذا يكون طلب الموت وعمارة الدنيا جناحين متقابلين، ولا يجوز أن يأخذ أحدهما مكان الآخر، كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آل عمران: 157-158].

 

وهنا أود أن أشير -وشكري لله عز وجل يملأ كل ذرة فيَّ- إلى قصيدتين لي في الموت، الأولى تحمل عنوان: "صداقة"، وفيها أتحدث أن الموت قد أخافني، ثم صافاني، إذ دخلت في حوار طويل معه، يخبرني فيه أنه ينفذ أوامر الله عز وجل، في الآجال، وأنه لا يزيد في أجل أحد يومًا قط، ولا ينقص منه يومًا قط.

 

وتستمر القصيدة فتصور يدي في يده، ونحن صديقان مبتسمان، وقد أنهيتها بهذين البيتين المفعمين أملًا ورجاء بالنور يوم القيامة:

غدًا أعانق نعمى الله وارفة
وبشرها النضر حيَّاني وناداني
نعمى نتيه بأبراد موشحة
وسيمة بالرضا والعفو تلقاني

 

والقصيدة الثانية تحمل عنوان: "وأسلمت للرحمن"، وفيها أصور خلوة طويلة مع نفسي، أستعرض فيها دوران الحياة والموت، وأن الموت قادم لا محالة، فأجد نفسي راضية بأقدار الله في الآجال، ممتلئة بالفوز والنجاة، وتنتهي القصيدة بهذا البيت الرائع:

وأسلمت للرحمن أمريَ كلَّه
وعدتُ سعيدًا مات خوفي من الموت

 

وكما أني صرت لا أخشى الموت؛ فإني أستعد له بأهم ما ينبغي، وهو طلب العون من الله سبحانه، من قصيدة بعنوان "عون" فأقول:

ربَّاه كن لي معيني إن دنا أجلي
وجاء وهو مديد عمريَ الثاني
عسى ألاقي الذي أرجوه دانيةً
قطوفُه حينما أخلو بأكفاني
لقيتُ عونَك في عمري الذي انصرمتْ
أيامُه بين عصيان وإحسانِ
فهَبْه لي في غدٍ يهمي عليَّ رضا
إذا القضاء إلى لُقياك ناداني

(عادت لنا الخنساء)

♦♦♦♦♦

 

س: لك قصائد عديدة تقف فيها مع نفسك وتحاسبها، وجوهرة هذه القصائد هي: ستون، وسبعون، وثمانون.. وأرجو أن تكتب: تسعون! فهل تأثرت بأحد من الشعراء بهذا الأسلوب أو الاتجاه!؟ وهل سبقك شاعر من القديم أو الحديث بذلك؟

ج: في ديوان الشعر العربي منذ القدم يكثر هذا النوع من الشعر، خاصة عنما يكبر الإنسان، ويشعر أنه مودع. ولا أذكر الآن أسماء شعراء بأعيانهم أثروا فيَّ، لكن هنا التأثير حقيقة ماثلة. يضاف إلى ذلك أن لي مواعيد دائمة في محاسبة النفس؛ منها ما يكون بضع دقائق، وهو ما أفعله يوميًّا قبل النوم، أحاسب نفسي على ما فعلت في يومي الذي ذهب، ومنها أطول وهو يوم الجمعة، أحاسبها على حصيلة الأسبوع، ثم تأتي حالات أطول عند بداية فصل من السنة، وحالات أطول في نهاية عام وبداية عام، وفي مواسم التقوى والتوبة في رمضان والحج، ووفاة هذا أو ذاك. وقد استفدت من هذا كله فوائدَ جليلة، وأنصح الجميع باللجوء إلى هذا الأسلوب، وليختر كل إنسان مواعيد المحاسبة كما يود.

 

وفي نهاية قصيدتي "ثمانون" تساءلت: هل سأكتب "تسعون"!؟ يشجعني على ذلك الحديث الشريف: ((خيركم من طال عمره وحسُن عملُه)) (صحيح الترمذي)، والحديث الآخر: ((وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيرًا)) (صحيح مسلم).

 

ويشجعني أيضًا أني تجاوزت الثمانين، ولا يزال جسمي بخير، مع تداعيات الشيخوخة، التي لابد منها. ولعل السبب أني مولع بالمشي منذ شبابي ولا أزال، والتزامي بأوامر الأطباء الذين أراهم بين الحين والآخر. وأنا أحفظ حكمة تقول: "من حفظ الله في شبابه، حفظه الله في شيخوخته"، والمعنى في الحديث المعروف: ((احفظ الله يحفظك)) (الترمذي)، ومن دعائي اليومي صباح مساء: "اللهم إني حاولت أن أحفظ لك شبابي، فاحفظ لي شيبتي"، وحرصت على أن تكون الجملة: "إني حاولت" بدلًا من "إني حفظت"، وهو من باب الأدب مع الله عز وجل؛ لأن الإنسان لا بد له من أخطاء بين الحين والآخر، وعسى أن يمد الله عز وجل في عمري وعمرك لأكتب لك قصيدة "تسعون"، وكعادتك الطيبة تعدل وتقترح وتشكر وترفض، حتى تأتي القصيدة كما تحب وأحب.

 

وقصيدة "ستون" كانت وقفة محاسبة وتأمل ومراجعة، قلت فيها:

فإني والستون خلفيَ جلجلت
أَفِقْ أنت يا مغرور في آخر العمرِ
لأرجو من الرحمن عونًا ونصرة
على توبة زهراء أنقى من القطرِ
أعيش بها باقي الحياة على التقى
وأظفر بالرضوان في ساحة الحشرِ

(غدًا نأتيك يا أقصى)

 

وبعد عشر سنوات قلت قصيدة "سبعون"، وفيها شعور أشد بدنو الأجل، واستحضار صحف الأعمال، وجاء فيها:

يا أيها السبعون فيك دفاتري
ملأى وفيها غفلتي والعابُ
والخوف فيَّ من الذنوب يؤزني
وكأنما سلت عليَّ حرابُ
لكن آمالي برحمة خالقي
بحر هو الممتد والصَّخابُ
وليَ اليقين بأن ربي راحمي
وبأنني من معشرٍ ما خابوا
إذ أدركوا الغفران يهمي ديمة
أما الحبور فإنه أحقابُ

(غدًا نأتيك يا أقصى)

 

وبعد عشر سنوات أخرى وجدتني في قصيدة "ثمانون" أقف مندهشًا من مرور كل هاتيك السنين الثمانين، وكأنها غفوة وإفاقة، وأجد نفسي أقرب إلى الله سبحانه متأملًا رحمته وجنته، فأقول:

يا ثمانون كيف مرَّتْ خُطاكِ
في ثوانٍ ضواحكٍ وبواكي!؟
لم أُصدِّق أنِّي غَدَوت عجوزًا
وأنا قبل غفوتين فَتَاك
حين أمشي أخشى العِثار كأنِّي
في نيوب الفخاخ والأشواك
والشوادي في دَوحِها ألتقيها
في صُدود الزُّهَّاد والنُّسَّاك
بيدَ أنِّي والشكرُ والصبرُ دَأْبي
في مضاء مداهُ فوق مَدَاك
وحراكي في الجسم وانٍ ولكن
همتي فوق طاقتي وحراكي
ويقيني من الهوان يقيني
وسفاهِ الغدور والأفَّاكِ
ذاك أني بعت الإلهَ حياتي
في رضًا سابغٍ وقلبٍ زاكي
فارتضاني فكان فوزي حقًّا
والبشارات جئنني في دراك
جنَّةَ اللَّهِ كلُّ سعد سيَبْلى
في أناةٍ أو سرعةٍ إلَّاكِ
وعسى ألتقيه فيكِ وإنِّي
وصِحابي نَشْتار من نُعماك

الديوان (الجزء الثالث)

 

وفي قصيدتي "صحوة" أرى أن الحياة الحقيقية بعد الموت:

إن متَّ جاء الصحو وانجاب الكرى
عما مضى من نعمة وجفافِ
وهوى الستار عن الغيوب وسرها
وتألقت ساح اليقين الصافي
فوجدت نفسك رهنَ ما قدَّمته
والعمرُ ساعة ظاعنٍ مصطافِ

(غدًا نأتيك يا أقصى)

♦♦♦♦♦

 

س: لا يخطئ من يتابع شعرك أن فيه اعتزازًا كبيرًا بالعرب؛ فما مردُّ ذلك؟

ج: هذا صحيح جدًّا، لأني عربي خالص العروبة، أعتز بالعرب قومًا، وبالعروبة سجايا، والعربية لغة، وأتعصب لذلك تعصبًا رشيدًا حكيمًا، والتعصب الرشيد الحكيم تعصب مباح، بل مطلوب ومحمود، وربما كان واجبًا أو فريضة، والإسلام إنما يحرِّم التعصب الجاهلي المذموم، الذي يجعل صاحبه يبالغ في الثناء على قومه ويتنقص من مزايا الآخرين، وأنا مع حبي للعرب والتعصب لهم؛ أفرح لسواهم من المسلمين غير العرب حين أجدهم يتعصبون لأقوامهم تعصبًا رشيدًا حكيمًا.

 

وحين يتلاقى التعصب الرشيد الحكيم من العرب مع المسلمين غير العرب لقاء صادقًا كما يريده الإسلام؛ يحقق المسلمون نتائج باهرة، والأمثلة كثيرة جدًّا، وأظهرها ما جرى أيام الحروب الصليبية إبان عملية التحرير وإجلاء المعتدين حين تلاقى العرب والأكراد والتركمان والأتراك والشركس، والمماليك وهم من بلدان مختلفة، وأعراق متعددة، وسواهم من المسلمين، فنصرهم الله عز وجل نصرًا مؤزرًا، جعل الصليبيين ينهزمون ويرحلون أذلاء مدحورين، بحيث أصبح ما أحرزوه خبرًا ذميمًا في سجل التاريخ.

 

وأنا أحفظ جملة ذكية وجيزة بليغة نسيت قائلها، ولعله الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله، وهي: "القليل من التعصب يعمِّر، والكثير منه يدمِّر"، وقيل: "خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم".

 

إن للعرب مزايا مقررة، ولغيرهم مزايا مقررة، لكنهم في الجملة بما لهم وبما عليهم، أوسع أفقًا، وأعز نفسًا، وأسمح قلبًا، وأسخى يدًا، وأفصح لسانًا، وأكثر مروءة، وأذكى عقلًا، ولا عجب في هذا؛ فهو من لوازم اختيار الله تعالى لهم لحمل رسالته وهو أعلم: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، وهو أمر شهد به الكثيرون من غير العرب، من مسلمين وغير مسلمين.

 

وهنا يحسن إيراد ما قرره الشيخ الحكيم، القارئ للتاريخ، العميق النظر، أبو الحسن الندوي رحمه الله، فيما يرجوه لعودة المسلمين إلى مكان القيادة والريادة من شروط، جعل منها أن تكون القيادة بيد العرب. ومرة أخرى مرحبًا بالتعصب الرشيد الحكيم، وبعدًا للتعصب الضال الأحمق.

 

س: حبك للعرب عامة أمرٌ مسلَّم، وقد أفدتنا في الحديث عنه، لكن ما مسوغات إعجابك ببني أمية خاصة؟

ج: صدقت أخي الكريم، وأشكرك على هذا السؤال. إن الدولة الأموية هي أعظم دولة في التاريخ الإسلامي بعد الدولة الراشدية، أما دولة الخلفاء الراشدين فسبقُها للجميع أمر هو البداهة المنصفة، وكيف تتقدم عليها دولة أخرى، وخلفاؤها العظام وقياداتها وفرسانها وعموم المقاتلين فيها هم تلاميذ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم؟!

 

زالت دولة الخلفاء الراشدين كما يزول كل شيء، وخلفتها الدولة الأموية التي عاشت حوالي قرنٍ (40-132هـ)، وفي هذا المدى القصير جدًّا في أعمار الدول وطدت الأمن، وقمعت فتن الضلال الديني والسياسي، وأرسلت أبناءها تفتح العالم، فوصلت إلى حدود الصين شرقًا، وإلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن المغرب عبرت جيوشها إلى شبه جزيرة إيبيريا (الأندلس)، حيث توجد دولتا إسبانيا والبرتغال، وبسطت سلطانها عليهما، وقد تم فتح هذين البلدين في سنتين فقط، حتى قال بعض المؤرخين: إن جيش الفتح كان يحقق الانتصار تلو الانتصار بيسر، وكأنه سكين تقطع قالبًا من الحلوى!.. ثم تولى القائد عبدالرحمن الغافقي فتح فرنسا، وحقق انتصارات مباركة، ولكنه في معركة "بواتيه" كما تسميها الرواية الفرنسية، و"بلاط الشهداء" كما تسميها الرواية العربية، ويقع مكانها جنوب باريس بمئة كيلومتر؛ ظفر في البداية وانهزم الفرنسيون، فذهب كثير من المسلمين لجمع الغنائم، خلافًا لأوامر القائد، فكرَّ عليهم الفرنسيون فهزموهم، واستشهد الغافقي، وعاد المسلمون إلى الأندلس ليظلوا فيها قرونًا عدة.

 

هذه المساحات الهائلة التي ظفرت بها الدولة الأموية للإسلام لم تستطع أيُّ دولة أخرى أن تفعل مثلها، أو جزءًا منها. وهذا يصح على أطول دولتين عمرًا في تاريخ الإسلام، وهما الدولة العباسية والدولة العثمانية، اللتان استمرتا خمسة قرون أو أكثر. ولا بد أن للدولة الأموية أخطاء، فهذا من سنة الله في الخلق أفرادًا ودولًا، ولكنَّ أخطاءها لا تقارن قط بإنجازاتها الهائلة.

 

وهنا ينبغي لنا أن ننظر بكثير من الحذر، إلى المؤرخين الذين تحدثوا عن بني أمية في عهد الدولة العباسية، فبالَغَ بعضهم في الأخطاء، وأغفل الحسنات؛ إرضاء للدولة التي يعيش في ظلها، ومثال ذلك يقال عن أهل الزيغ والضلال الذين كرهوا هذه الدولة؛ لأنها كانت حريصة جدًّا على تبني الإسلام الصحيح السمح، ومقاومة سواه.

 

ومن القصائد التي أذكر فيها الدولة الأموية قصائدي في الشام؛ لأنها كانت عاصمتهم، وفي إحداهن أقول:

يا شام تعروني لذكرك هزةٌ
أموية هي في العظام غرامُ
وأنا الذي شاقته منك عوارفٌ
جلت ويشتاق الكرامَ كرامُ
قد أخلصتني نية ما شابها
شَيْنٌ فشَيْنُ الطيبين حرامُ
عُودي لمجدك حرة عربية
وعظيمة يرعى خطاك عظامُ
هذا الوليد وذاك مروان العلا
وهناك مَسْلمة الوغى الضرغامُ
وهم وإن كرموا وطابوا معدنًا
فأشجُّهم تاج لهم وإمامُ
لم تشهد الدنيا أجل جلالة
منهم فكيف إذا طربت ألام

 

و"الأشج" هو لقب الخليفة الأموي العظيم عمر بن عبدالعزيز؛ المجدد الأول للإسلام، فقد سقط عن فرسه ذات مرة فأصيب بشجة في رأسه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حوار مع الأديب الشاعر الدكتور حيدر الغدير (1)
  • حوار مع الأديب الشاعر الدكتور حيدر الغدير (3)
  • حوار مع الأديب الشاعر الدكتور حيدر الغدير (4)

مختارات من الشبكة

  • حوار شبكة الألوكة مع الشاعر الإسلامي الأستاذ طاهر العتباني(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حوار شبكة الألوكة مع الشاعر الأستاذ/ علي المطيري(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النجم والنجوم في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حوار بين الشاعر والأقصى (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانة أتباعه في شعر الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قضايا كونية في شعر الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي (مختارات شعرية)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فضل الأم على الأبناء وصبرها وكفاحها في شعر الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي (نماذج مختارة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حوار مع " بول موجز " حول الحوار بين المسيحيين والمسلمين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حوار مع الأديب عبد التواب يوسف(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حوار مع الأديب الإسلامي الأستاذ عبدالحميد ضحا(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب