صيغة استفعل

صيغة استفعل

من صيغ الأفعال صيغة (استفعل)، ومن معانيها:

1) الدلالة على الطلب، حقيقة كاستغفرت الله، أي: طلبت مغفرته، أو مجازًا، كاستخرجت الذهب من المعدن، سميت الممارسة في إخراجه والاجتهاد في الحصول عليه طلبًا، حيث لا يمكن الطلب الحقيقي.[1]

يقول سيبويه: "استعطيت، أي: طلبت العطية، واستعتبته، أي: طلبت إليه العتبى. ومثل ذلك: استفهمت واستخبرت، أي: طلبت إليه أن يخبرني..."[2]

ويقول الرضي: "و استفعل للسؤال غالبًا: إما صريحًا، نحو: استكتبته، أو تقديرًا، نحو: استخرجته".[3]

2) الصيرورة حقيقة، كاستحجر الطين، واستحصن المهر، أي: صار حجرًا وحصانًا، أو مجازًا كما في المثل: إن البغاث[4] بأرضنا يستنسر، أي: يصير كالنسر في القوة.[5]

يقول سيبويه: "وقالوا في التحول من حالٍ إلى حال هكذا، وذلك قولك: استنوق الجمل، واستتيست الشاة".[6] وهما من قبيل التحول المجازي.

ويقول الرضي: "واستفعل للسؤال غالبا، إما صريحا، نحو: استكتبته، أو تقديرا، نحو: استخرجته، و للتحول نحو: استحجر الطين، و إن البغاث بأرضنا يستنسر.[7]

التركيب الصوتي لصيغة استفعل:

تتركب هذه الصيغة من ستة صوامت وأربعة صوائت موزعة مقطعيًا كالتالي:

(ا ـــــِـــ س/ ت ـــــَــــ ف/ ع ـــَــــ / ل ــــَـــ )

أي: (ص ح ص + ص ح ص + ص ح + ص ح)

مقطعان طويلان مقفلان + مقطعان قصيران مفتوحان.

وذلك بإلصاق فونيمات (همزة الوصل) و (السين) و (التاء) بالجذر الثلاثي (فَعَل)، وهي أطول زيادة تسبق هذا الجذر.[8]

وإلى هذا التركيب أشار سيبويه بقوله: وتلحق السين أولاً، والتاء بعدها، ثم تسكن السين، فتلزمها ألف الوصل في الابتداء، ويكون الحرف على اسْتَفْعَل يَسْتَفْعِل.[9]

والآن إلى عرض المواضع التي جاءت فيها هذه الصيغة وبيان معناها فيها.

• وقال أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجتمعت إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا. قالت السابعة: زوجي إن دخل فَهِد وإن خرج أسِد ولا يسأل عما عَهِد.... ".[10]

وقول السابعة: زوجي إن دخل فَهدِ وأن خرج أسِد فإنها تصفه بكثرة النوم والغفلة في منزله على وجه المدح له وذلك أن الفهد كثير النوم.......... وقولها: إن خرج أسد، تصفه بالشجاعة تقول: إذا خرج إلى الناس ومباشرة الحرب ولقاء العدو أسد فيها، يقال: قد أسد الرجل واستأسد بمعنى واحد.[11]

لقد وقف أبو عبيد ها هنا على معنى صيغة (استفعل)، فجعلها بمعنى صيغة (فعل) وذلك في قوله: ويقال: أسد الرجل.... إلخ

إن سياق الحديث يدل على أن الصيغة تفيد التحويل والصيرورة، حيث إن الرجل قد اتصف بصفات الأسد إذا خرج من بيته للقاء العدو، ومباشرة الحرب.

قال الخليل: واستأسد فلان: صار في جرأته كالأسد.[12]

وفي النهاية: إن خرج أسد، أي صار كالأسد في الشجاعة. [13]

وفي اللسان: وأسد الرجل: استأسد صار كالأسد في جرأته وأخلاقه. [14]

وعلى ذلك: فإن هذه الصيغة (استأسد) تفيد الصيرورة.

• قال أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم".[15] أي اتركوا شبابهم حيًّا.

....... وقوله: استحيوا إنما هو استفعلوا من الحياة، أي: دعوهم أحياء لا تقتلوهم، ومنه قول الله عز وجل ﴿ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127][16].

نص الشارح على أخذ (استحيوا) (بوزن) (استفعلوا) من الحياة، والمعنى: اتركوهم أحياء ولا تقتلوهم.

يقول الزمخشري: واستحييت أسيري: تركته حيًا. وفي الحديث: " اقتلوا المشركين واستحيوا شرخهم "[17]

وفي اللسان: واسْتَحْياه أَبقاهُ حَيًا، وقال اللحياني: استَحْياه: استَبقاه ولم يقتله، وبه فسر قوله تعالى ﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ﴾ [الأعراف: 141]. أَي: يَسْتَبْقُونَهُنَّ.[18]

وجاء في الحديث"اقْتُلُوا شُيُوخ المشركين واسْتَحْيُوا شَرْخَهم"، أَي: اسْتَبْقُوا شَبابَهم ولا تقتلوهم، وكذلك قوله تعالى: ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ﴾ [القصص: 4] أَي: يسْتَبْقيهن للخدمة فلا يقتلهن.[19]

فيمكن أن يقال: -والله أعلم- أن صيغة (استفعل) في (واسْتَحْيُوا شَرْخَهم) تفيد ترك أصل المعنى للفعل، فالمراد اتركوا حياة شبابهم، لأن الحياة قائمة بهم وموجودة، بدليل أنهم يدبون على وجه البسيطة، فلا يصح أن يتعلق بها الطلب بهم إلا على وجه المجاز، وكأنهم لما تركوهم أحياء، مع تمكنهم من قتلهم كأنهم طلبوا لهم الحياة من أنفسهم منًا وكرمًا، أي: طلبوا حياة شرخهم بتركها قائمة بهم.

• قال ابن قتيبة: و الاسْتِنْثار: سُمّيَ بذلك لأنَّ النَّثْرة الأنف فالاستنثار استفعال من ذلك، يراد: اجعل الماء في أنفك.[20]

ذكر الشارح أن الاستنثار مأخوذ من النثرة، ومعناه: أن تجعل الماء في أنفك.

يقول ابن الأثير: واسْتَنْثَر: اسْتَفْعَل منه. أي اسْتَنْشَق الماء ثم اسْتَخْرج ما في الأنف فيَنْثِره.[21]

وفي اللسان: واستَنْثَر الإِنسانُ: استَنْشَقَ الماء، ثم استخرج ذلك بِنَفَسِ الأَنفِ.[22]

وفي المعجم الوسيط: استنثر: أدخل الماء في أنفه، ثم دفعه، ليخرج ما فيه.[23]

وعلى ذلك: فالاستنثار غير الاستنشاق، ففي الاستنثار زيادة في الفعل، وتَعَمُّل فيه، فليس هو إدخال الماء فحسب، وإنما فيه تحريك للنثرة، وإخراج ما في الأنف من أذى ومخاط مع الماء.

ففي القاموس: النَّثْرَةُ: الخَيْشومُ وما والاهُ. نَثَرَ الشيءَ يَنْثُرُهُ ويَنْثِرُه نَثْرًا ونِثارًا: رَماهُ مُتَفَرِّقًا.

فكأن الاستنثار يعني طلب جذب النثرة إلى أسفل؛ وذلك أقدر على دفع الماء من الخيشوم، وعلى الرمي به وتفريقه بعيدًا عن فم المستنثر.

وهذا ما دلت عليه صيغة (استنثر) (بوزن) استفعل.

• قال ابن قتيبة قال في حديث عبيدة السلماني: إن محمد بن سِيرين قال له: ما يُوجِبُ الجنَابة؟ فقال: الرَّفُّ والاسْتملاق[24]

والاسْتملاق وهو من قولك: مَلَق الجَدي أُمَّه يملقها مَلْقًا، إذا رضعها. وكذلك: مَلَجها أيضًا. وأراد أن الذي يُوجبِ الغُسْل: امتصاص المرأة الرجُل و قبولها ماءَه، كما يقبل الرضيع اللَّبن إذا ارْتَضع.[25]

ذكر الشارح أن الاستملاق مأخوذ من ملق الجدي أمه، إذا رضعها، وأنه مما يوجب الغسل، ولا يقصد به الرضاع، وإنما قصد به الجماع، وقبول المرأة ماء الرجل بعد المعاشرة.

يقول الزمخشري: والاستملاق: يحتمل أن يكون استفعالاً من الملقْ بمعنى الرضع ويُكنْى به عن المواقعة؛ لأن المرأة كأنما تَرْتضَع الرجل، وأن يكون من الملْق بمعنى الجماع.[26]

وفي اللسان: والاسْتِملاق: الرضع وهو اسْتِفْعال منه، وكنى به عن الجماع؛ لأن المرأة ترتضع ماء الرجل، من مَلَق الجدي أُمه، إذا رضعها، وأَراد أَن الذي يوجب الغسل: امتصاص المرأة ماء الرجل إذا خالطها، كما يرضع الرضيع إذا لقم حَلَمة الثَّدْي.[27]

وعليه: فإن الاستملاق (بوزن) الاستفعال فيه معنى الطلب، فكأن المرأة تتودد للرجل وتتصنع له، وتطلب منه الجماع، ثم تمتص ماءه، كما يفعل الجدي مع أمه.

• قال ابن قتيبة حديث الزُّبير رضي الله عنه أنَّه وَصَفَ الجِنَّ الذين رآهم ليلة استْتَبعه النَّبِى صلى الله عليه وسلم قال: فإذا نحن برجال طِوال كأنَّهم الرِماح مُسْتَثْفرِين ثِيابهم.[28]

والاستْثفار بالثوب: أنْ يدخل مُؤخِّر ذَيْله بين رجْليَهْ، ومن هذا: ثَفَر الدَّابة.[29]

بين ابن قتيبة معنى الاستثفار، وأنه إدخال مؤخر الذيل بين الرجلين وهي هيئة للبس الثياب بطريقة مخصوصة.

يقول الخليل: والرجل يَسْتَثْفِرُ بإِزارهِ عند الصِّراع، إِذا هو لَوَاه على فَخِذيْه، فشَدَّ طَرَفَيْه في حُجْزَتِه.[30]

ويقول الزمخشري: الاستثفار: أن تفعل بالخرْقة فِعْل المسَتْثِفر بإزاره، وهو أن يَرُدّ طرفه من بين رجْليه ويغرزه في حُجْزتَه من ورائه ومَأْخَذه من الثفر.[31]

وتأسيساً على ذلك فإن استثفر (بوزن) استفعل له هيئة خاصة في لبس الرداء، ليس معتادًا، وإنما فيه زيادة إحكام، وذلك يناسب فعل الإنسان الذي يصارع غيره وفعل الحائض التي تمنع الدم من السيلان.

و(مستثفرين ثيابهم) الصيغة ها هنا تفيد التحويل، أي محولين ثيابهم جهة الثّفْرِ، وهو ما بين الفخذين.

وكل ذلك يناسب الصيغة المذكورة.

• قال السرقسطي في حديث عمر بن الخطاب أن رجلاً من بني مدلج كانت له جارية، فأصاب منها ابنًا، فلما شب؛ قال لأبيه: حتى متى تَسْتَأْمِي أمي، فحذفه بالسيف فمات.... [32]

يقال استأميت الأمة: استخدمتها.... [33]

بين الشارح معنى قوله: استأميت، ودل التفسير على أن معناه الاتخاذ، فتكون هذه الصيغة موافقة في دلالتها لصيغة (تفعل)، فيقال: استأميت الأمة وتأميت الأمة.

قال ابن فارس: تأميت فلانة: جعلتها أمة، وكذلك استأميت.[34]

وفي الصحاح: استأم أمة غير أمتك، أي: اتخذ. [35] وفي القاموس: تَأَمَّى أمة: اتخذها، كاستأمى. [36]

وعلى ما مر، فإن معنى صيغة (استفعل) يدل على الاتخاذ.

• قال الخطابي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الخيل ثلاثة،... ورجل ارتبط فرسا ليستنبطها وفي رواية أخرى ليستبطنها فهي له ستر من الفقر".[37]

وقوله: ليستنبطها، معناه يتخذها لنسلها ونتاجها،... وأما الاستبطان فهو طلب النتاج الذي تشتمل عليه بطونها. [38]

إن الروايتين المذكورتين (يستنبط)، و(يستبطن) تدلان على طلب ما في بطن الخيل، فالاستنباط معناه الاستخراج، وما يستخرج من الخيل إنما هو نسلها ونتاجها والاستبطان مأخوذ من البطن، وما يكون في بطن الخيل فيطلب، إنما هو النتاج والنسل.

قال الزمخشري في معنى الحديث: الاستنباط: استخراج الماء; يقال: أنْبَط فلان واستنبط; إذا حَفَر فانتهى إلى الماء; فاستعير لاستخراج النَّسْل. والاستنبطان: طلب مافي البَطْن; يعني النتَّاج".[39]

وفي النهاية: (ليستنبطها) يطلب ما في بطنها من النتاج. [40] ويستنبطها: أي يطلب نسلها ونتاجها. [41]

وعلى ذلك، فإن معنى الصيغة (استبطن أو استنبط) بوزن (استفعل) هو الطلب، إلا أن الطلب ها هنا غير حقيقي.

• قال الخطابي في حديث ابن عمر ب أن يونس بن جبير قال: سألته عن رجل طلق امرأته وهي حائض؟ قال: يراجعها ثم يطلقها في قُبُل عدتها، قلت: فيعتد بها. قال: فمه، أرأيت إن عجز واستحمق.[42]

يقال: استحمق الرجل، إذا صار أحمق، أو فعل فعل الحمقى، وهذا كقولهم: استنوق الجمل، واستأسد الرجل، ونحوه.[43]

بين الشارح دلالة لفظ (استحمق) بوزن (استفعل)، أي صار أحمقًا، والذي أدى هذه الدلالة هو القالب أو الصيغة الصرفية لهذا الوزن.

قال الخليل: واستحمق الرجل: فعل فعل الحمقى.[44] وفي الفائق: واستحمق: صار أحمقًا وفعل فعل الحمقى، كاستنوك واستنوق الجمل. [45]

وعلى ذلك، فإن الصيغة ها هنا تفيد الصيرورة.