• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / روافد
علامة باركود

الأخلاق ومبلغ عناية الشارع بها

محمد الهادي بن القاضي

المصدر: المجلة الزيتونية، الجزء الرابع، شوال 1355هـ، ديسمبر 1936م
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/2/2010 ميلادي - 24/2/1431 هجري

الزيارات: 13872

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
إنَّ أمرَ الأخلاق في بناء صرْح مَجْد الأُمم عجيب؛ إذ عليها مدارُ عظمة الأمَّة أو حقارتها، وبها وحدَها يُقاس شأنُها من بين الأمم.

أخلاق الأمَّة نِبراسُ كمالها، ومعدن حيويتها، وعلى الأخلاق تدور رَحاها، ولله دَرُّ شاعرِ الكنانة في قوله:
وَإِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلاَقُ مَا  بَقِيَتْ        فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاَقُهُمْ ذَهَبُوا
وعلى هذا الأساس المتين والركن الركين بَنَى سيِّدُنا الأعظم ورسولنا الأكرم ما جاء به مِن حِكمة وتشريع كما يُرشد إليه قوله: ((بُعثتُ لأُتَمِّم مكارمَ الأخلاق)).
 
ولا جرمَ، فإنَّ مَن نَظَر نظرةً جامعة في أصول الشريعة وفروعها وجدَها تدور حولَ هذا المحور، فهو قُطبُ دائرتها، وسِرُّ عظمتها الذي به دوامها، وكونها الشريعةَ التي لا يَعتريها نسخٌ ولا تبديل، ولو أردْنا في هذه العُجالة سرْدَ ما جاء في الشريعة مِن نصوص تدلُّ على اعتبار هذا الأصل الأصيل، لضاقَ بنا نطاقُ هذا الجزء دون استيفائِها، ولْنكتفِ هنا بالآية الجامعة لأصول مكارم الشِّيَم وذروة سنامها، فإنَّ فيها وحدَها ما فيه لأولي الألباب عِبرةٌ وذِكرى، وما يعقلها إلاَّ العالِمون؛ قال - تعالى -: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
 
فإنَّ مَن وقف عندَ حدود هذه الآية وارتاضتْ نفسُه بفهْم معانيها، عَلِم - لا محالةَ - مقدارَ ارتباط الأخلاق بلُبِّ التشريع الإسلامي، حتى أرجعتْ هذه الآيةُ ما يأمر به الشارع إلى أصول الخير الثلاثة: العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وما ينهى عنه إلى أصول الشَّرِّ: الفواحش والبغي والمنكر، ولا شكَّ أنَّ الأوامر والنواهي ترجع إليهما جميعُ فصول الشريعة الإسلاميَّة، وتنتهي إليهما أحكامُ الملَّة المحمديَّة، لقد نوَّهت شريعتُنا السَّمحة بأمر الخُلق الحسن ووضعتْه بالمكان اللاَّئق به من عنايتها؛ لذا ترى من نصوص الشريعة ما يُفيد أنَّ تكوينَ الأخلاق الطاهرة، وبثَّ التربية الصحيحة بين أفراد الأمَّة الإسلامية - هو الهدفُ الذي ترمي إليه، يظهر ذلك جليًّا بتتبُّع موارد الشريعة، واستقصاء أبوابها، سواء في ذلك ما كان متعلِّقًا بالعقائد، أو كان متعلقًا بالعبادات، أو كان متعلقًا بأنواع المعاملات، ما كان من ذلك راجعًا لنظام الفرْد أو الأسرة، أو لنظام المجتمع الإسلامي التي حرصتْ على تنظيم علاقاته على أساس الفضيلة والكمال.
 
وسنتولَّى - إن شاء الله - دَرْس ذلك وتتبُّع علاقات فصول الشريعة بالأخلاق، وكونها الأساسَ الذي انبنى عليه التشريع والرُّوح المرادة منه:
ففي باب العقائد دعتْ إلى عقيدة ثابتة تتحرَّر معها العقولُ من قيود التقليد الأعمى، وتتخلَّص بها النفسُ الإنسانية من أثقالٍ دعتْ إليها عاداتٌ قديمة سيِّئة، أو أغراضٌ انتفاعية يتحمَّل المجموعُ شرَّها؛ لنفع فرْد أو قبيلة، دعتِ الكلَّ للتخلُّص من داء الوساطة المعنوية، واعتبار الشيخ نفسه أحقرَ من أن يواجه ربَّه ومولاه بشخصه ومعناه، فهو لا يعبأُ به، ولا يسمع نداءَه ما لم يتوجَّهْ إليه بمقرَّب إليه، أو وجيه عنده، فنشأتْ عن ذلك بتطاول الأزمانِ عقيدةُ الشِّرْك والوثنية، وانحطتْ بسببها أممٌ إلى دركات الجهل والهوان، حتى كادتْ تَلحقُ بأحقرِ أنواع الحيوان، والحالُ أنَّ الله قد فضَّل هذا النوعَ من المخلوقات بالعقل الذي به تحمَّل مِن الأمانة ما عجز عن تحمُّله الأرضُ والسموات، فجعلتِ العبدَ أهلاً بذاته إلى أن يتقدَّم إلى ربِّه يسأل حاجاتِه، ولا يحتاج إلى مَن يُقرِّبه إليه زُلْفَى، وإنَّما جعلتْ لذلك شرطًا؛ وهو الإخلاصُ في التوجُّهِ وتطهير النفس من أدران الشِّرْك وملاحظة المنافع الشخصية؛ قال - تعالى -: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البيِّنة: 5]، وجعلتْ قضاءَ الأشياء وتدبيرَها بيده وحدَه، ليس له عليه مُعينٌ أو وزير، بيده الأمرُ، وهو على كلِّ شيء قدير، وإنَّما أمرُه إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن، فيكون، فقرَّرتْ بذلك أصلاً من أصول الاستقلال الفَرديِّ والاعتماد على النفس، وفي ذلك تقريرٌ لخُلُق العِزَّة، وما أدراك ما العزَّة؟ العزَّة هي الشُّعور بالاستغناء عن الخَلْق، وأن ليس لأحد حقُّ التعاظُم عليك واستصغارك؛ لأنَّك في حاجة إليه، وقد وصَف الله - تعالى - نفسَه، ووصف رسولَه وعبادَه المؤمنين بهذا الوصف العظيم؛ تنويهًا بشأنه، وتذكيرًا لعباده؛ قال - تعالى -: {وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]، وقد كان هذا حالَ المؤمنين الأوَّلين، وبه نشروا عَلمَ الإسلام خفَّاقًا على أقطار المعمورة، وبانعدام هذا الوصفِ منهم صغروا وضَعُف شأنُهم بين الأمم، وصاروا عبيدًا أذلاَّء، بعد أن كانوا ملوكًا أعزَّاء.
 
كما نشأتْ عن هذه العقيدة الخالدة معنى استواء الخَلْق أمامَ عظمةِ الخالق، وأن ليس لأحد على آخَرَ حقُّ الأفضلية بغير التقوى والعمل النافع المفيد، وأنَّ الجميع أمامَ الحقِّ سواء، ومن أكبر مظاهر هذا الاستواء: المسلمون وهُم في المسجد يؤدُّون فريضةَ الصلاة، وفي مكَّة يحجُّون البيت الحرام، أفتجد فيهم فاضلاً ومفضولاً؟! ولا غروَ، فقد جعل اللهُ المؤمنين إخوةً، لا تفاوتَ بينهم إلاَّ بقدر ما يتفاضلون به من الحقِّ، فلقد قال - عليه الصلاة والسلام - في خطبة الوداع: ((أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، إنَّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، كلُّكم لآدم، وآدم من تراب، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربيٍّ فضل على عجمي إلاَّ بالتقوى))، وقد روي عن ابن عبَّاس أنَّ أحد الموالي خَطَب إلى جماعة من بني بياضة، وأشار عليهم الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتزويجه، فقالوا له: يا رسول الله، أَنُزوِّج بناتِنا مواليَنا، فنزل قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌْ} [الحجرات: 13].
 
فتقرَّر بذلك مبدأُ المساواة العامَّة، وبطلت الحواجز العنصرية، والفوارق الأرسقراطية، والاعتبارات الطائفيَّة مِن كلِّ ما مِن شأنه تفكيكُ أجزاء الأمَّة الواحدة، وجعْلها أممًا صغيرة، تعمل كلُّ واحدة منها لفَناءِ أمَّتها الكبيرة، وفي فناء هذه قضاءٌ على الجميع - لو كانوا يعقلون - والتاريخ شاهدُ عدلٍ على ما ذكرْنا.
 
وقد جَرَى سلفُنا على هذا المبدأ الرشيد الذي ملكوا به إمرةَ العالَم مدَّة قرون، وفي سيرة أميرِ المؤمنين عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - في رَعيَّتِه ما فيه لأولي الألباب عِبرةٌ وذكرى، فكان إذا أَمَر بشيء، أو نهى عنه، بدَأ ذلك بأهلِه، فجمعهم وقال لهم: إنِّي نهيتُ عن كذا وكذا، وإنَّ الناس ينظرون إليكم نظرَ الطيرِ، وأُقسِم بالله لا أجدُ أحدًا منكم فعلَه إلاَّ ضاعفتُ عليه العقوبة، قال الطبري (5/21): "وهو يقصد بذلك أنَّ الناس إذا رأتْ من أهل الأمير وحاشيته تهاونًا في أمرٍ، اقتدَوْا بهم، وأمعنوا في الاستهتار به"، وكان - رضي الله عنه - يفتح صدرَه لأيِّ شِكاية في أحد عمَّاله، ويُعلِن ذلك لعامَّة المسلمين في خُطبه.
 
روى الطبري (5/20): "أنَّه خطب الناس يومًا، فقال: أيُّها الناس، إنِّي واللهِ ما أُرسل إليكم عمَّالاً؛ ليضربوا أبشارَكم (جلودكم)، ولا ليأخذوا أعشارَكم (أموالكم)، ولكن أُرسِلهم؛ ليُعلِّموكم دِينَكم وسُنَّتكم، فمَن فُعِل به شيءٌ سوى ذلك، فليرفعْه إليَّ، فوالذي نفسُ عمر بيده لأقصنَّه منه"، فوثب عمرو بن العاص إذ ذاك - بعد هذا التصريح الخطير الذي أعلنه عمرُ على عامَّة الشعب وجمهوره - وقال: أرأيتَك يا أميرَ المؤمنين إن كان رجلٌ من أمراء المسلمين على رعيَّة، فأدَّب بعضَ رعيته إنَّك لتقصنَّه؟ قال عمر: إِي، والذي نفسُ عمر بيده إذًا لأقصنَّه، وكيف لا أقصُّه منه وقد رأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقصُّ من نفسه، ثم بيَّن لعمرو ما يخشاه على الرعية مِن عُنف الأمراء وظُلم الولاة، فقال: ألاَ لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم؛ أي: لا تتركوا الجنودَ في مواقفهم إزاءَ العدوِّ أمدًا طويلاً، فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقَهم فتكفروهم.
 
ولن يغيبَ عن القارئ الكريم ما فَعَله عمرُ بولد عمرو بن العاص وجبلةَ بن الأيهم، حين حَكَم بالقصاص من كلِّ واحد منهما لواحد من السُّوقة، وكذا في قول أبي بكر وهو على مِنبر الخلافة في خُطبته القصيرة الجامعة، التي أعلن فيها سياستَه التي عَوَّل على انتِهاجها: "أيُّها الناس، إنِّي قد ولِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوِّموني، الصِّدق أمانة، والكذب خِيانة، والضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى آخذَ الحق له - إن شاء الله - والقويُّ فيكم ضعيفٌ عندي، حتى آخذَ الحقَّ منه - إن شاء الله - لا يَدعُ قومٌ الجهادَ في سبيل الله إلاَّ ضربهم الله بالذُّل، ولا تَشيعُ الفاحشة في قوم قطُّ، إلاَّ عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسولَه، فإذا عصيتُ الله ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمْكم الله".
 
كما أنَّ في سيرة المشرع الأعظم - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي هو القدوة العُظْمى، والمَثل الأعلى للكمال الإنساني، ما يبعث الدهشة، ويُحيي في النفوس معنى الانتباه واليقظةِ للأخْذِ بهذا المبدأ الإنسانيِّ العظيم، فقد بُعث - عليه السلام - في قوم تأصَّل في نفوسهم مبدأُ التفاخُر بالأنساب، والاعتماد على فضْل الآباء والأجداد، مع اعتبار العصبية القبليَّة، والدَّعوة بها للنُّصْرة الحزبيَّة، فأبطل - عليه السلام - ذلك، وشدَّد النكيرَ على مَن دعا بدعوى الجاهلية؛ قال - عليه السلام -: ((إذا رأيتُم الرَّجل يتعزَّى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا))؛ أخرجه السيوطي في "الجامع الصغير" عن الإمام أحمد، وكذا في سنن النسائي، فتوحَّدتْ بذلك صفوف الأمَّة العربية، وتهيأتْ لِمَا أعدَّها له المُصلِح الأكبر من زعامة الأمم، ودعوتها للدُّخول في بوتقة الإسلام الخالدة، ولم يتمَّ ذلك إلاَّ بإزالة الفوارق الجِنسيَّة، واعتبار كلِّ مَن يدخل في الدِّين عضوًا من الأمَّة؛ له حقوقه، وعليه واجباتُه في الجامعة الإسلاميَّة، والكلُّ أمامَ الحق والواجب سواء، وإن شئتَ أن تلمس بيدك هذه الحقيقةَ العالية في نصوص الشريعة الغرَّاء، فدونك قولَه - عليه السلام -: ((المسلمون تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذِمَّتهم أدناهم، وهم يَدٌ على مَن سواهم))، وليس أدلُّ على تكوين وحدَة الأمة وقوتها بالاجتماع والتكاتف والبعد عن أسباب الشِّقاق والتنافر من قوله – تعالى -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، وقوله - عليه السلام -: ((المُسلِمُ للمسلمِ كالبُنيان يشدُّ بعضُه بعضًا))، وقوله: ((المسلمون كأعضاء الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَر والحمَّى)).
 
فانظر - يا رعاك الله - إلى هذه الأُسس الثابتة، والأركانِ القائمة التي شيَّدها المشرع الأعظمُ لبناء دولة الأمَّة الإسلاميَّة على أمتنِ الدعائم، وأرفع القوائم، بما يضمن لها الدوامَ والانتشار، ويرفعها لدَسْت الزعامة، وما هو مبلغ عنايتنا بها، وتمسكنا برُوحها، وقايسْ بين المسلمين اليومَ وما كان عليه سَلفُنا، وكيف استقاموا وانحرفْنا؟ وجروا في الطريق الذي عبَّدَه لهم رسولهم، ونحن تنكبْنا، فبلغوا ما أمَّلوا وتزعَّموا، حتى دانت لهم رقاب الجبابرة، وخضعت أمامَ عِزَّتهم رؤوسُ الأكاسرة، وبلغ مِن أمرهم أن صاروا هُداةً معلِّمين، ورؤساء مدبِّرين، ملكوا من أقطار الأرض ما تقاصرتْ عن البلوغ إليه أكبرُ دولة أروبية اليوم، وذلك مصداق قوله – تعالى -: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا...} الآية [النور: 55]، ونحن فرطْنَا وأضعنا، وبعُدنا عن الوقوف مع ما يُراد منَّا، فأهملنا التمسُّك برُوح شريعتنا الطاهرة، وألزمْنا أنفسَنا بتتبُّع القُشور والظواهر، وحسبنا أنَّ ذلك هو المقصد الأسمى، وغايةُ معاني التقوى.
 
ولا أَحسبُني مبالغًا في شيء ممَّا ذكرتُ، وحال المسلمين في سائر أقطار الأرض على ما شاهدتُ، وليعذرني القارئُ الكريم فيما طوَّح به القلمُ، فإنَّ حالتَّنا الأسيفة مَدعاةٌ لبثِّ الشكوى، وإبداء ما تتحمَّله النفس مِن حرِّ الألم.
 
وفي الأعداد المُقبِلة نعود لتتميم ما شَرعْنا فيه مِن بحْث الأخلاق، ومبلغ ارتباطها بأبواب التشريع الإسلامي - إن شاء الله.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المنهج النبوي في بناء الأخلاق
  • الأخلاق الراقية
  • الأخلاق السامية
  • سلسلة مكارم الأخلاق (1)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (2)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (5)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (3)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (4)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (6)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (7)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (8)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (9)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (10)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (11)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (12)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (13)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (14)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (15)
  • سلسة مكارم الأخلاق (16)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (18)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (17)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (20)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (21)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (22)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (23)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (24)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (25)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (26)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (27)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (28)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (29)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (30)
  • سلسلة مكارم الأخلاق (31)
  • الحث على لزوم الآداب والأخلاق الحسنة
  • إنها أزمة أخلاقية!
  • الأخلاق طريق السعادة
  • أمة الأخلاق

مختارات من الشبكة

  • تدبر آية الأخلاق: 70 هداية قرآنية مستنبطة من آية الأخلاق (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بذور الأخلاق للناشئين – 30 خلقا من أجمل وأروع الأخلاق التي يربى عليها الناشئة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حصن الأخلاق: جملة من الأخلاق الواردة في القرآن والسنة (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تحلي المعلم والمتعلم بمكارم الأخلاق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأخلاق الإسلامية(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • حسن الخلق (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دروس رمضان: تهذيب الأخلاق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا بعث النبي صلى الله عليه وسلم؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلاصة القول في الأخلاق الإسلامية وأهميتها للحياة الإنسانية(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • بين الأخلاق والقانون(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب