فوتوشوب

فوتوشوب

جلست رولى وحيدة في زاوية الملعب وهي شاردة في ورقة علاماتها... بلّلت دموعها الحارّة تلك الورقة التي مُلئت بالخطوط الحمراء القبيحة. وفي طرف الورقة: راسبة! تمتمت رولى في حسرةٍ وألم: "يا ليتني استمعت لنصيحة والديّ! يا ليتني لم أضيّع وقتي على الكمبيوتر، ولكن ما نفع الندم الآن"؟!

رجعت رولى إلى منزلها مطأطئة الرأس، ولكنّها تصنّعت وجهاً بشوشاً ومرتاحاً عندما دخلت... تصرفت بشكلٍ طبيعيّ عندما تناولت طعام الغداء، ولكنّها ما لبثت أن عادت إلى حالتها الأصليّة من الحزن والندم بعدما ارتمت على سريرها... قامت متثاقلةً وأخذت تدقّق في علاماتها. تهلّل وجهها فرحاً عندما نظرت إلى علامتها في الكومبيوتر: "عشرة من عشرة! ما أجمل هذه العلامة! طبعاً المادّة الجميلة تستحقّ علامة أجمل! كم أحبّ الكومبيوتر وكم أُتقن استعماله! فأبي مبرمِج، وأظنني ورثتُ عنه حبّ كلّ ما يتعلّق بهذا الجهاز العجيب...". ولكنْ: "سيغضب والداي بالتأكيد، وقد يمنعاني من هوايتي المفضّلة: الكومبيوتر"...

فكّرتْ جيّداً بحلٍّ ما، فتوصّلتْ أخيراً إلى خطّةٍ مُحكمَة، صوّرت شهادتها على شاشة الكومبيوتر، ثمّ استعملت برنامجاً تعرفه عن ظهر قلب: "الفوتوشوب"، وأخذت تعدّل بشهادتها كيفما تريد: "ما أسهل هذه المهمّة!" قالت رولى والفرحة تشِعّ من عينيها. "ممم... لنَرى، أزيد على بعض المواد علامةً أو اثنتين! فيصير المعدّل العام ناجحاً!". أنهت رولى مهمّتها وطبعت الشهادة "المزوّرة". وفي اليوم التالي، وبعد أن رجعت من المدرسة سلّمت الشهادة لأبويها كي يوقّعاها. لم يلحظ أبواها أيّ مشكلةٍ في الشهادة. أرجع الأب الشهادة مُوقّعةً لابنته وقال: "لا بأس، ولكنّني أعرف أنّه بإمكانك تقديم الأفضل". أجابته رولى مع نظراتٍ خَجِلةٍ: "حاضر يا أبي..".

عادت رولى إلى المدرسة وقد أحسّت أن ثقلاً أُزيح عن كاهلها، فوالداها لم يكتشفا أمرها، إلا أنّها كانت تشعر بالذنب. وما إن دخلت الصفّ، حتّى وجدت المديرة هناك. تسارعت دقّات قلبها: "هل كُشف أمري يا ترى؟" طلبت المديرة من كلّ تلميذةٍ أن تضع الشهادة أمامها كي ترى توقيع الأهل. وهنا زاد توتّرها، فالمديرة تعرف أنّها راسبةٌ أصلاً، فكيف ستكون ردّة فعلها إن اكتشفت ما فعلته بشهادتها؟ لاحظت المديرة توتّر رولى، فسألتها بكلّ عطف: "أَنَسِيتِ أن تُحضري شهادتك؟" تمتمت رولى: "لا... إنّها معي"، وعندما اقتربت المديرة من طاولة رولى همست في أذنها: "هَل يمكنني أن أكلّمك على انفراد؟".

بعد أن انتهت الحصّة، دخلت رولى إلى مكتب المديرة وقالت لها بصوت مرتجف: "سأعترف لك يا سيدتي، لقد زوّرت شهادتي خوفاً من عقاب والدي، وأنا الآن نادمة على ذلك ولا أريد أن أكمل في هذا الدّرب من الكذب.. ناولت رولى مديرتَها الشهادة فتمعّنتها مقطّبة الحاجبين. ثم قالت: "عمل جميل فيما يختصّ بإتقان التزوير..."؛ "ولكنّ هذا لا يُخفي قبح فعلتك أبداً! وفعلتك هذه تستحق العقاب". أجابت رولى: "ولكنني أقررتُ بذنبي ولم أتمادَ به!" اقتربت منها المديرة ونظرت في عينيها مباشرة: "رولى يا ابنتي، اعترافك بخطئك يدلّ على فطرةٍ مستقيمةٍ وتربيةٍ سليمة، ولكن لا يعفيك من العقوبة، ومن واجبي أن أُطلع أهلك على سوء تصرّفك هذا".

دخلت رولى منزلها بخطىً مترقبة وَجِلة. لم يستقبلها والداها بابتسامتهما المعهودة. قدّمت الورقة المزوّرة والورقة الأصليّة لوالديها. أخفى الوالد إعجابه بإتقان التزوير، ونظر إليها بحزم، قائلاً: "من غشّنا فليس منّا!" وعقاباً على تصرّفك وإهمالك ستُحرمين من استعمال الكومبيوتر إلى أن ألمس تحسُّناً في علاماتك، وعليك أن تساعديني لمدة أربع ساعات أسبوعيّاً أثناء عملي على الكومبيوتر".

ما زالت رولى تخبر قصّتها لكلّ منَ يسألها عن سبب تألّقها ونجاحها في مجال عملها في هندسة الكومبيوتر. وتشكر والدها على حُسْن اختيار العقاب الذي علّمها الكثير ممّا لم تتعلمه في الجامعة.

تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبرالداعيات)