• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

من أجل سلامتك النفسية (2)

من أجل سلامتك النفسية (2)
محمود بن أحمد أبو مسلّم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2023 ميلادي - 22/5/1445 هجري

الزيارات: 2502

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أجل سلامتك النفسية (2)

(التنافس على الدنيا، الصلاة نجاة من الهم)


لا تتنافس على الدنيا بل أعطها لغيرك:

هناك كتاب لطيف اسمه "فن اللامبالاة" يؤكد مؤلفه على حقيقة ليست جديدة على المسلمين؛ وهي أن الحياة الدنيا متاعها قليل، ولو ظلَّ الإنسان يعير اهتمامًا بكلِّ صغيرة وكبيرة، وجعل يلهث وراء كل مُنتَج واختراع، ويغضب من كل أمر دقَّ أو جلَّ، سيُضيِّع نفسَه ووقته وماله، ثم لن يكون سعيدًا أيضًا بالطبع!

 

كثيرًا ما وصف القرآن الحياة الدنيا بأنها "متاع"، والمتاع في لغة العرب" كل ما استُمتِع به من شيء؛ من معاش وزينة ولذة وغير ذلك، وقد وصف الله عزَّ وجلَّ هذا المتاع بأنه "قليل" بالنسبة للآخرة في غير موضع من كتابه، وكذلك وصف الله عزَّ وجلَّ في الدنيا أن هذه الحياة "متاع الغرور"؛ يعني أن الإنسان يغتر بلذات هذه الدنيا غرورًا، والتغرير يُوقِع الإنسان في حالة شَرَه، يريد المزيد دومًا، فتجد الناس أبدًا منشغلين بالسيارة الجديدة، والبيت الجديد، والملبس، وتجربة أطعمة جديدة، والتكنولوجيا التي تخرج علينا يوميًّا بالجديد، يريد الإنسان أن يحصِّل كلَّ ذلك، أو يتمنَّاه، ومن كان فقيرًا يحاول جاهدًا أن يكون عنده بعض ذلك؛ بل ربما لا يأكل ولا يشرب ولا يعالج نفسه من مرض كي يوفِّر لنفسه هاتفًا جديدًا، أو لأبنائه، أو لخطيبته... إلخ!

 

كل هذا تغرير بالإنسان، وهذا هو متاع الغرور، قال الإمام الطبري مفسرًا قوله تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]: وما لذات الدُّنْيَا وشهواتها، وما فِيها من زينتها وزخارفها﴿ إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾، يَقُولُ: إلا متعة يمتعكموها الغرور، والخداع المضمحل الَّذِي لا حقيقة لَهُ عِنْدَ الامتحان، ولا صحة لَهُ عِنْدَ الاختبار، فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم، ثُمَّ هُوَ عائد عَلَيْكُمْ بالفجائع، والمصائب، والمكاره، يَقُولُ جل وعز: ولا تركنوا إلى الدُّنْيَا، فتسكنوا إليها، فإنما أنتم منها فِي غرور تمتعون، ثُمَّ أَنْتُمْ عَنْها بَعْدَ قليل راحلون"؛ انتهى.

 

ألم نذكركم قبل قليل أن الله عزَّ وجلَّ هو أعلم بمَن خلق!

 

هذا مقطع آية، وكلمتان من شيخ المفسِّرين الطبري، لخَّصُوا عدة كتب في علم النفس!

 

فإذا حذرنا سبحانه من الدنيا وما فيها من لذات، فلنحذر إذًا، وإلا فالنفس لن تشبع كما في الحديث "لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ، إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ".

 

وأزيدك من الشعر بيتًا بديعًا، لو سبرت السُّنَّة، وقرأتها، لوجدت أن حال وشعار - إن صحَّ القول- رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: ترك المنافسة على هذه الدنيا، فالسُّنَّة هي التطبيق العملي للقرآن؛ لذلك يجب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يعرف المسلم سُنَّته جيدًا؛ لأن السنة هي النموذج العملي الصحيح المعتمد لتطبيق القرآن، ففي الصحيح "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ"، وفي الصحيح أيضًا عن جابر رضي الله عنه "مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لَا"، ولما جاء مال من البحرين استشرف له الصحابة، وفرحوا به، فلما رآهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم هكذا قال لهم: "فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".

 

وهذا ما حدث، فتحت الدنيا على المسلمين فأصبحوا يتنافسون فيها وكأنه لا آخرة، أو وكأنهم مُخلَّدون، سعي حثيث، وركض بلا كلل، فكلُّ ما يريدونه هو تحصيل زينة الدنيا، وهذا التنافس مهلك، يهلك صاحبه؛ لأنه لا يكاد يستريح، ينقلب ليله إلى نهار، والنهار إلى ليل؛ بل يصل الليل بالنهار كي يحصل ما يريد، وعندما ينظر إلى غيره ممن هم فوقه يحزن، ويكتئب، ويهتم،

 

ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "لَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إلى مَنْ فَوْقَهُ فِي الْخَلْقِ أَوْ الْخُلُقِ أَوْ الْمَالِ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلى مَنْ هُوَ دُونَهُ"، وقد جاء تعليل ذلك في رواية أخرى "انْظُرُوا إلى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إلى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ"؛ أي: تحقروا النِّعَم التي لديكم، وهذا ما يحدث.

 

دومًا ما ننظر إلى ما ليس لدينا، ولا نراعي ما لدينا، مع إن الغالب أن ما لدينا يكون كافيًا، وفي الحديث الحسن "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".

 

فلا تنافس على الدنيا، ومن نافسك في دنيا اتركها له، ولا تسعَ وراء كل زينة فيها، فمثل هذا السعي لن تنال من ورائه سوى هَمٍّ جديدٍ يُضاف إلى همِّك، وضياع وقت كان الأوْلَى أن تقضيه مع ربك، أو من تحب.

 

ثم، هل تعلم أن السعادة عطاء؟!

يكاد يتفق علماء النفس الآن على أن العطاء جالبٌ للسعادة أكثر من الأخذ، فكلما كان الإنسان معطاءً كان أكثر شعورًا بالسعادة والراحة النفسية، وسبحان ربي الذي حثَّ على الصدقة والعطاء، وأن تكون خالصةً له سبحانه، لا مَنَّ فيها ولا أذًى.

 

في دراسة أعَدَّها باحث في علم النفس اسمه إد أوبرين Ed O'Brien خلص إلى نتيجة عجيبة وهي "أن العطاء بصفة متكررة، حتى لو كانت بنفس الصورة لنفس الأشخاص، سيعطي شعورًا بالسعادة النسبية والانتعاش كلما فعلنا ذلك أكثر"؛ انتهى.

 

لا ننتظر نتائج دراسات لتؤكد على أمر قد أمر الله به وكرَّره مرارًا، وأوصى به، وفعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأوصى به، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، ومن سأله شيئًا أعطاه، لم يكن يردُّ سائلًا عليه الصلاة والسلام، حتى لو كان ما سُئله في حاجة إليه، ففي الصحيح عن سهل بن سعد الساعدي أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيها مَا أَحْسَنَهَا! قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ؛ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْها، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي؟"، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.

 

والعطاء من الأمور الشديدة على النفس الإنسانية، يتفاوت الناس فيه، فمنهم من هو جواد، لا يخاف فقرًا وفقدًا، يوقن أن ما أنفق من شيء فالله يخلفه وهو خير الرازقين، ومنهم من هو شحيح شديد البخل والشحُّ لا يكاد يخرج شيئًا، ولا يعطي عطاءً، وبينهما درجات.

 

إن مما رفع الأنصار درجات عند الله، وسمَّاهم هو سبحانه الأنصار، قال غيلان بن جرير: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الْأَنْصَارِ كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ أَمْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ، قَالَ: "بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عزَّ وجلَّ".

 

العطاء، وأنزل الله عزَّ وجلَّ في عطائهم آيات تُتلى إلى قيام الساعة ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، وقال صلى الله عليه وسلم: "قد قضوا ما عليهم"؛ يعني نصرة لرسول الله والمهاجرين، وآثروا إخوانهم على أنفسهم، وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحب وإيمان، في ملحمة عطاء وتضحية لم يعرف التاريخ لها مثيلًا.

 

هل تتخيَّل أن يجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم حُبَّ الأنصار من الإيمان؟ فقال صلوات ربي وسلامه عليه: "الْأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ"، وقال: "آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ"، وفضائلهم كثيرة، وقصص عطائهم كثيرة، والقصد أن مما يرفع شأن الإنسان في الدنيا والآخرة، العطاء، وهو أكثر الأمور التي تدخل بها على نفسك السرور إذا شعرت بحزن أو هم، ومن عوَّد نفسه العطاء، لم يحزن أبدًا ولا يكتئب، ولا يُصاب بالهمِّ والغَمِّ، كيف وقد أسعد غيره، وفرَّج عنه؟! ألا يفرج الله عنه، فلا خوف عليه في الدنيا والآخرة، فلا يموت هؤلاء ميتة سوء، قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].

 

وحين تقرأ في القرآن ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ فاعلم أن هذا خبر، وليس إنشاء بمعنى النهي، يعني: هؤلاء لا ينبغي أن يخافوا، ولا ينبغي أن يصيبهم حزن، فإن اللهَ يؤمِّنهم ذلك، ولا يكون ذلك إلا لمن آمن بالله، وآمن بما يفعل، وعلم أن ذلك كله من عند الله.

 

(4) الصلاة والذكر والدعاء نجاة من الهَمِّ:

نقرأ دومًا هذه الآية ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وذكر الله معناه أن يكون الله سبحانه وتعالى في قلبك وعقلك، دومًا معك، قبل أن تفعل أمرًا تفكر، هل يُرْضي اللهَ أم لا؟

 

تفكَّر في خلق الله، وقدرة الله، وهذا من أعظم الذكر لله، أن تتفكر دومًا في الله، وفي دلائل وحدانيته ووجوده سبحانه وتعالى، وتوقن أن الله عزَّ وجلَّ لم يخلق هذا العالم عبثًا، وأن كلَّ شيء له حكمة في وجوده وخلقه. وذكر الله باللسان من أزكى العبادات، وأيسرها، فالتسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلها من الأمور التي تريح القلوب، وتُذيب الهموم، وتُسكِّن الروح، خاصَّة لو داوم صاحبُها على ذلك، وشغل نفسه بها، تجده يُسبِّح ويهلِّل ويُكبِّر بدلًا من الكلام فيما لا يفيد، تجده يستمع إلى كتاب الله بدلًا من الموسيقى والأناشيد، تجده يقوم يصلي بالليل بدلًا من مشاهدة الأفلام وقراءة (الحواديت).

 

يومه كذلك، قدر ما يطيق، إذا استيقظ ذكر الله، وإذا نام ذكر الله، وإذا أكل وشرب ذكر الله، وإذا دخل الخلاء ذكر الله، وإذا لبس ونظر في المرآة ذكر الله، وإذا خرج ودخل ذكر الله، وإذا سافر ذكر الله، وإذا توضَّأ ذكر الله، فكل حياته ذكر لله.

 

من الصعب أن تجد أحدًا معلّقًا قلبه بالله، يغلبه هَمٌّ أو حزن أو كآبة.


والصلاة من ذكر الله، قالت أُمُّ الدَّرْدَاءِ[1]: " ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45] وَإِنْ صَلَّيْتَ، فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَكُلُّ خَيْرٍ تَعْمَلُهُ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَكُلُّ شَرٍّ تَجْتَنِبُهُ، فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ تَسْبيحُ اللَّهِ"، وهذا من أجمل وأشمل ما قرأت لمعنى ذكر الله.

 

والصلاة ملاذ للإنسان يهرب إليه من مشاغل الدنيا وهمومها، فالعبد إذا ما أحسن استغلال الصلاة، تغيَّرت حياته تمامًا، الصلاة تحتاج إلى أن تجمع شتات فكرك فيها، وتركز غاية التركيز، تصوب بصرك إلى موضع سجودك، تكبر، فتقرأ، فتركع، فتسجد وتسبح، وتجلس للتشهد، مستحضرًا أمرًا مهمًّا؛ أنك لا بد راجع إلى الله عزَّ وجلَّ، وأنك ملاقيه، واستحضار هذا المعنى يريح الإنسان من متاعب الدنيا؛ لأن هذا هو غاية الإنسان وغاية حياته، مهما كان الأمر، فلا بد للإنسان أن يموت، ولا بد أن يرجع إلى ربه سبحانه، فلينظر كيف يرجع إليه، هذا هو هَمُّ الإنسان الأكبر، آخرته، وما سوى ذلك إلى فناء، تفنى ثروته، ويأخذ الورثة ماله، وينتهي مرضه، وكل معاناته، ويهلك سلطانه ووظيفته، وملكه وجبروته، وضعفه وفقره، وينتهي كل شيء إلا عمله الصالح وإيمانه بالله، يظلان معه حتى يقف بين يدي ربِّه فيحاسبه، والفائز من فاز برضا الله والجنة، والخاسر من ترك صلاته وغفل عنها، ولم يُركِّز فيها، ولم يخشع، وانشغل بدنياه عن آخرته، اجتمع عليه هَمُّ الدنيا وامتلأ قلبه به، وأصبح لا يرى ولا يفكر إلا في حياته، والمال، والأبناء، والعمل والمشاغل كلِّها، وكأن ذلك هو الغاية من حياته!

 

لو قرأت كتاب روبن شارما "الراهب الذي باع سيارته الفيراري" الذي يحكي قصة ذلك المحامي الثري والمشهور الذي ألهته دنياه، وتفكر بعد أن أصابته أزمة قلبية، هل هذه هي الغاية فعلًا من الحياة؟ الثراء والتنعُّم والشهرة واللهث وراء ذلك؟ ثم ترك كلَّ ذلك وذهب ليتعلم من رهبان في جبال الهيمالايا ما سمَّاه بالحكمة وسبل السعادة وهكذا.

 

وكان من ضمن آليات تحقيق السعادة، مسألة التأمُّل التي يقوم بها الرهبان، والتركيز ببصره على نقطة ما في غرفة هادئة لمدة معينة. فلما قرأت ذلك، قلت: سبحان الله، الأمر يقارب الصلاة عندنا، وصلاتنا خير؛ لأنها تحتوي على قراءة القرآن، مهدئ الروح، إنها فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها، تتوق النفس أحيانًا إلى الهروب من كلِّ شيء، والهدوء والتركيز دقائق محددة في اليوم كنوع من التجديد للنشاط والذاكرة ولإراحة النفس.

 

وتذكرت الحديث الصحيح في سنن أبي داود "يا بِلالُ، أَقِمِ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بِها"، فكأنه بالفعل ملاذ المؤمن من يومه، خمس مرات، يفر إلى ربه بالصلاة؛ ولذلك كان الخشوع، وهو هذه الحالة التي يغيب فيها الإنسان عن الدنيا، لانشغاله بمن يقف بين يديه، يقرأ القرآن، ويسبح، ويركع ويسجد، ويناجي ربَّه، كل تركيزه وهمِّه في ذلك؛ ولذلك كره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يكون هناك ما يشغل عن الصلاة، ويُشتِّت ويلهي المصلي، من ألوان أو أشكال حوله أو حتى في ملبسه، ففي الصحيح أنه قال عليه الصلاة والسلام: "اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلى أَبِي جَهْمٍ وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ؛ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي"، والخميصة: نوع من الملابس له أعلام، أو كما يقال الآن "مقلَّم" أو فيه نوع من الزينة، ليس حرامًا لبسُه، لكن كره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، فتشغله هذه الزينة في ملبسه، وتقلل من تركيزه وخشوعه في الصلاة.

 

ربما يسأل البعض: ولماذا استبدلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مثلًا، ولم يلبس غيرها؟! ذلك لأن عيش النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان متواضعًا، لم يكن عنده الثوب والاثنان والثلاثة؛ بل ربما لا يملك إلا ثوبين على الأكثر، لم تفتح عليه الدنيا حتى مات صلى الله عليه وسلم، فلم يتنعَّم بملبس ولا طعام ولا شراب إلا قليلًا جدًّا، فحرص أن يكون ما عنده من ثياب ليس من النوع الذي يلهيه عن صلاته أو يشغله فيها؛ لأنه ليس أمامه سوى أن يرتدي هذا أو ذاك، ليس عنده رفاهية الكثرة والتبديل التي عندنا الآن، صلوات ربي وسلامه عليه.

 

الشاهد أن الصلاة نور، وراحة، وهروب من كدر الدنيا، والإشكال الذي يقع فيه الناس ويسبب لهم الغَمَّ والهَمَّ والكآبة، أنهم يعطون للدنيا حجمًا أكبر كثيرًا من حجمها، وهذا المعنى الذي دومًا ما يركز عليه القرآن وبُعِثت به الرسل، أن الدنيا إلى فناء، وأن الآخرة خير وأبقى، هو أسمى ما ينبغي أن يعيش له الإنسان.

 

الإشكال الذي يحاول أن يجد له علماء النفس - من غير المسلمين- مخرجًا، والفلاسفة من قبلهم، هو الغاية!

 

لماذا وُجِدنا؟ ولماذا نعيش؟ ولماذا نموت؟!

 

تقلقهم الغاية، وتُؤرِّقهم، لا يريدون أن يعترفوا بالخالق، وأن مردَّهم إلى الله، ثم يفنون أعمارهم وعقولهم في إيجاد غايات دنيوية، لا تغني من الآخرة شيئًا، ومن يعجزه أن يجد أي غاية، يقول هكذا بساطة: لا غاية، ولا معنى، افعل ما تشاء، فكلُّ شيء نسبي، ما أراه أنا صحيحًا ربما تراه أنت خطأً، فلا بأس، كلانا على حق ولا تشغل بالك!

 

ذلك بأن ليس لهم معيار وحدود للأخلاق والآداب والأحكام تحكمهم، فكل شيء عندهم مُعرَّض للانتقاد والأخذ والرد والقبول والرفض! وكل شيء مُضلل، ولا حق في أي شيء، ولا حقيقة عندهم غير أنك ستموت فحسب، ولا حساب، ولا ثواب ولا عقاب!

 

لذلك فإن غاية علماء النفس- من غير المسلمين طبعًا- حديثًا أن يجعلوا غاية الإنسان في نفسه، نفسك أولًا، يحاولون أن يعلموا الإنسان أن يخفف الضغط عن نفسه، وأن يحاول مرةً بعد مرةٍ في تحقيق غاياته الدنيوية، من باب "إشغال النفس" وإلهائها، وفعل الإنسان لما يحب، والتركيز على ذلك، فالقضية عندهم أن تشغل نفسك بما تحب، والتركيز على ذلك، وهذا لا اعتراض عليه في الإسلام ابتداءً؛ لأن الإسلام لا يمنع من الانشغال بالدنيا، لكن شرطه في ذلك ألا يشغلك طلب الدنيا عن الغاية الأكبر؛ وهي طلب الآخرة، فهم لا يؤمنون أصلًا بغاية الإنسان الحقيقية التي هي عبادة الله سبحانه وتعالى، والفوز بجنته.

 

وهذا ما استنسخناه كمسلمين من علاج أحادي الجانب أو إن شئت فقل سطحي للجانب النفسي الإنساني، وتركنا العلاج الأهم؛ وهو الإيمان وما يحتويه؛ ومِن ثمَّ لم يكن انتشار الطب النفسي والأمراض النفسية بين المسلمين بالأمر الهيِّن، الأمر يحتاج إلى وقفةٍ وتأمُّل.

يتبع.



[1] أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد بسند صحيح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أجل سلامتك النفسية (1)
  • من أجل سلامتك النفسية (3)

مختارات من الشبكة

  • في الحرف شفاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الإسلام والسلامة النفسية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معايير السلامة النفسية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أهمية التربية النفسية للطفل (الأطفال والتربية النفسية)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • صحتك النفسية ومقاومة الضغوط .. كيف تعزز مناعتك النفسية؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ما حكم زيادة الثمن في البيع لأجل الأجل؟(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • لسلامتك أجل مكالمتك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطوات بسيطة ينبغي على الآباء اتباعها من أجل سلامة الهاتف والإنترنت(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • سلامة الصدور.. ثمرات وأجور (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • "رمضان ليس من أجل رمضان، رمضان من أجل بقية السنة"(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- إعجاب
ZeZi - مصر 05-12-2023 08:08 PM

ما شاء الله
اللهم بارك
فتح الله عليكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب