تعب القرار وفائدة الاستخارة

تعب القرار وفائدة الاستخارة

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.

يعتبر تعب أو إرهاق القرار (Decision fatigue) مشكلًا نفسيًّا لدى العديد من الأشخاص، فبعد اتخاذ العديد من القرارات، تصبح القدرة على اتخاذ المزيد والمزيد من القرارات على مدار اليوم أسوأ، وكلما زاد عدد القرارات التي يتعين على الشخص اتخاذها من الأشياء المختلفة فيما يتعلق بماذا يأكل، وماذا يرتدي، وماذا يفعل، وأين يذهب في يوم العطلة مثلًا، زاد إرهاقه وأصبح الأمر أكثر صعوبةً، مما يمكن أن يسبب التوتُّر، وبحلول الوقت الذي يذهب فيه الشخص العادي إلى السرير، يكون قد اتخذ أكثر من 35000 قرار، وكل هذه القرارات تستغرق وقتًا وتستنزف طاقةً.

ومن الأعراض والعلامات الشائعة التي يتسبب فيها تعب القرار: زيادة في المشاعر السلبية، الشعور بالاستنزاف والفراغ الذهني، ضعف في الأحكام، نقص الاهتمام في اتخاذ القرار، عدم القدرة على التفكير بوضوح أو التركيز، المماطلة والتسويف المتكرر، تجنب اتخاذ القرار، التهيُّج وسرعة الغضب سببهما - على الأقل جزئيًّا - الإحباط النفسي، الاندفاع، الشعور بالإرهاق وربما اليأس، قضاء الكثير من الوقت في اتخاذ القرارات.

ولحل هذا المشكل بفعالية وضع علماء النفس نصائح وإستراتيجيات لإدارة تعب القرار؛ لأن الحد من القلق والإحباط الناجم عن عدم القدرة على اتخاذ القرارات يمكن أن يُحسِّن الصحة العقلية:

• اتخاذ عدد قليل (ثلاثة أو أربعة) من الخيارات الكبيرة يوميًّا.

• اتخاذ معظم القرارات المهمة في وقت مبكر من اليوم- عندما تكون مشحونًا نسبيًّا بالطاقة العقلية- وترك القرارات الخفيفة لوقت لاحق من اليوم، والقيام بجدولة الاجتماعات المهمة في الصباح.

• تخطيط جدول الأعمال قبل يوم واحد، حتى تكون مستعدًّا بشكل أفضل مع بداية مبكرة لليوم التالي.

• أخذ فترات راحة منتظمة من العمل لتجديد الدماغ، وترتيب وجبات كافية وفي الوقت المناسب، إلى جانب شرب الماء، وهذا طوال اليوم.

• طلب من صديق أو شريك داعم أن يفكر في اختياراتك الأكثر صعوبةً.

• عند مواجهة العديد من الخيارات، قم بتضييق نطاق اختيارك إلى ثلاثة، مثلًا، ثم اختيار واحدًا فقط.

• تجنب التشكيك في القرار النهائي، ويجب قبول الاختيار والمضي قدمًا.

• صياغة قائمة بسيطة من الإيجابيات والسلبيات التي يمكن أن تساعد في تسهيل اتخاذ القرارات الموضوعية والسليمة.

• تحديد أولويات قائمة المهام ومواعيد نهائية لنفسك.

• اتباع روتين أو هيكل محدد؛ مما يساعد على توفير الوقت وتحقيق الشعور بالتناسق في الحياة، وهو ما يلغي عملية اتخاذ القرار.

• تجنب اتخاذ القرارات المتسرعة، وتأجيل القرارات إن كان ممكنًا، بدلًا من القيام بخطوة خاطئة قد تندم عليها لاحقًا.

• أخذ وقت مستقطع، تعيين حدود زمنية، استخدام قوائم المراجعة، الحد من الاختيارات.

• وفي النهاية، قرر فقط.

لكن هذه الحلول البشرية- وإن تعددت- تبقى ناقصةً وغير واقعية في بعض الأحيان مقارنةً مع الحلول النبوية النابعة من الوحي الإلهي.

لقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أفضل طريقة للتخلص من تعب القرار، وهي صلاة الاستخارة التي تعتبر نعمةً من الله تعالى لهذه الأمة، وكنزًا ثمينًا ففيها السعادة والبعد عن الشقاء الذي يتبع صعوبة اتخاذ القرارات، وهي توحيد وتفويض واستعانة وافتقار وعبودية وتوكُّل، وسؤال لمن بيده الخير كله الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، الذي إذا فتح لعبيده رحمة، لم يستطع أحد حبسها عنهم، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليهم، كما وصفها ابن القيم رحمه الله.

وقد جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا الاستخارةَ في الأمور كما يُعلِّمنا السورةَ من القرآن، يقول: "إذا همَّ أحدُكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليَقُل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستَقدِرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تَقدِر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسِّره لي، ثم بارِك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقْدُر لي الخيرَ حيث كان، ثم أرضني به، ثم قال: ويُسمِّي حاجتَه".

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا ما يُردِّد: "اللهم خِرْ لي واختر لي"، وهو ما روته عائشة رضي الله عنها في الشُّعَب للبيهقي، وكان يَحُثُّ أصحابَه على ذلك بقوله: "يا أنس، إذا هممتَ بأمر فاستَخِر ربك عز وجل"، كما أخرج الحاكمُ في مُستدركه من حديث سعد بن أبي وقَّاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سعادة ابن آدم استخارته إلى الله، ومن شقاوة ابن آدم تَرْكه استخارة الله".

والله أعلم بما هو خيرٌ لنا وهو المعين في حياتنا كلها، قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

مراجع:

• Sara Berg, What doctors wish patients knew about decision fatigue, NOV 19, 2021.

https://www.ama-assn.org/delivering-care/public-health/what-doctors-wish-patients-knew-about-decision-fatigue

• Elizabeth Yuko, 9 Signs You Have Decision Fatigue—and Tips to Help Manage It, March 29, 2023.

https://www.realsimple.com/health/mind-mood/decision-fatigue

• د. إبراهيم بن محمد الحقيل، سنة الاستخارة، 3-9-2007، https://www.alukah.net/sharia/0/1253

• د. فؤاد صدقة مرداد، كنز الاستخارة (خطبة)، 15-3-2020، https://www.alukah.net/sharia/0/139131/

• د. حسام الدين السامرائي، الاستخارة والاستشارة، 24-4-2014، https://www.alukah.net/sharia/0/69659/