• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / أسرة / قضايا الأسرة
علامة باركود

قصص ووقفات في عقوق الآباء والأمهات (خطبة)

قصص ووقفات في عقوق الآباء والأمهات (خطبة)
يحيى بن حسن حترش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/10/2023 ميلادي - 26/3/1445 هجري

الزيارات: 20458

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصص ووقفات في عقوق الآباء والأمهات


الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله، من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون عباد الله، لقد أوجب الله على عباده حقوقا وواجبات، ورغب من أقامها، وعمل بها، ورهب من أعرض عنها، وتركها، ومن جملة ما أحقه الله على عباده، بل هو أحق الحقوق بعد حقه- جل وعلا- حق الوالدين، حق الوالدين الذي قرن الله طاعتهما بطاعته، فقال - جل وعلا-: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].

 

ولقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في طاعتهما، وحذر من مخالفتهما وعصيانهما، فجعل سخط الله في سخطهما، ورِضى الله في رضاهما؛ بل وحرم الجنة على من عصاهما، وخالفهما، ولعن من سبهما، وخص الأم فقال أمك، ثم أمك ثم أمك، وجعل الجنة عند رجلها، وملَّك الأب فقال: أنت ومالك لأبيك. فالويل، ثم الويل، لمن عق والديه!

 

أيها المسلمون عباد الله، لقد أكثر النبي عليه الصلاة والسلام في الحث على طاعة الوالدين، والتحذير من مخالفتهما؛ فلقد ذكرت كتب السنة جملة من الأحاديث ما بين مرغبة ومرهبة، منها ما ذكره الإمام المنذري رحمه الله في كتابه الترغيب والترهيب، وصححه الشيخ الألباني رحمهما الله وهاكم بعضًا منها؛ لتعلموا - حفظكم الله - ما للوالدين من قدر عند الله.

 

فأقول- والله المستعان، ومن بغيره استعان لا يعان-: ذكر الإمام المنذري رحمه الله عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: «آمين! آمين! آمين!»، ثم قال: «أتاني جبريل - عليه السلام - فقال: يا محمد، من أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فمات، فدخل النار، فأبعده الله؛ فقل: آمين! قال فقلت: آمين!» [1].

 

نعم أيها الناس، من تنكر لأبويه وهما أحوج ما يكونان إليه، من صار يمل أباه، ويسأم أمه لكبرهما، ولهرمهما، فأبعده الله، قال: فقلت: آمين!

 

ولقد خص الله الكبر في الوالدين، وحث على طاعتهما في حال كبرهما؛ لشدة حاجته إلى أولادهما، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أهله»[2].

 

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفًا، ولا عدلًا: عاق، ومنان، ومكذب بالقدر»[3].

 

وعن عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي، وصمت رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات على هذا كان مع النبيين، والصديقين، والشهداء يوم القيامة، هكذا، ونصب أصبعه ما لم يعق والديه»[4].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط والدين»[5].

 

فيا من يبحث عن رضا الله، ويهرب من سخطه، إن كنت تريد ذلك؛ فالبر البر! يا من يصلي، ويتصدق، ويصوم وأمه غاضبةٌ عليه؛ رضا الله في رضا الوالدين! يا من يبحث عن أبواب الخير، وأسباب الرزق، وأمه، وأبوه غاضبان عليه؛ رضا الله في رضا الوالدين! وإذا رضي الله عنك أرضى عنك الخلق، وحببك، وآواك، وسددك وكفاك.

 

وفي كتاب النبي عليه الصلاة والسلام إلى أهل اليمن، وبعث به مع عمرو بن حزم، قال: وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، وعقوق الوالدين.

 

وعن معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أردت الغزو يا رسول الله، وقد جئت أستشيرك؟ فقال صلى الله عليه وسلم «هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها؛ فإن الجنة عند رجلها»[6].

 

عباد الله إن برَّ الوالدين عظيم، وإن طائع الوالدين ليبلغ عند الله ببره ما لا يبلغه أي أحد.

 

إن أُويسًا القَرَني ذلكم الشاب اليمني، لزم أمه فبرَّها وأحسن برَّها، حتى أطلع الله نبيه على هذا اليمني البار، فقال لفاروق الأمة الأواب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إذا رأيته يا عمر، فسله أن يدعو لك». الله أكبر!.


هذا الرجل أيها الناس لم يكن صحابيًّا، ولا مجاهدًا، ولا محدثًا، وإنما لزم أمه فبرها فأحسن برها؛ فرفع الله قدره، وجعل له دعوةً مستجابة حتى احتاج إليها الأواب عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه ما السبب أيها الناس؟ ما السبب؟ إنه البر! إنه الإحسان إلى الوالدين!

 

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال له عليه الصلاة والسلام: «هل لك أحد باليمن؟»، قال: أبواي، قال: «أَذِنَا لك؟»، قال: لا، قال: «ارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما»[7].

 

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، قال: «لا تشرك بالله شيئًا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك»[8].

 

وقف - رحمك الله - مع قوله: وإن أمراك أن تخرج من أهلك، ومالك. انظروا، وتأملوا - بالله عليكم - كم هم أولئك الذين يقدمون زوجاتهم على أمهاتهم؟! كم من رجل أخرج أمه من بيته بسبب زوجته! كم من رجل نهر أمه، وقهرها بسبب زوجته، وربما - والعياذ بالله - يضربها، والله المستعان.

 

أما تذكر أيها العاق، أما تذكر أنك ترعرعت في حضن أمك قبل أن تعرف زوجتك؟! أما تذكر أن أمك هي التي كانت تسهر لتنام؟! ولعلها كانت لا تهنأ في طعام، ولا تغمض في منام، أما تذكر كم غسلت عنك الأذى بيمينها؟! أما تذكر كم جلست في بطنها؟! أما تذكر كم كان فرحها بزواجك بهذه الزوجة التي أنت الآن تقدمها، وتفضلها عليها؟! ويل ثم ويل للعاقين لأمهاتهم! ويل لهم ثم ويل لهم!

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات لا تُرد! دعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»[9].

 

إي والله كم من رجل أصبح مجنونا في الشوارع يلعب به الصبيان ويرمونه بالحجارة بسبب؛ دعوة والده، أو والدته! كم من رجل نزعت البركة من حياته بسبب دعوة والدته! كم من رجل افتقر بعد أن كان غنيًّا، وشقي بعد أن كان سعيدا، مرِض بعد أن كان صحيحًا، بسبب الدعوة من والديه!

 

كم من رجل شل جسده، أو كُسِرت رجله، أو يده - كما ستسمع أخبار بعض العاقين - بسبب دعوة والده، أو والدته!

 

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ملعون من سب أباه! ملعون! من سب أمه!»[10].

 

وعن جابر رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا، وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي؟ فقال عليه الصلاة والسلام مبينًا حق الوالد على ولده: «أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك»[11].

 

نعم أنت ومالك لأبيك، فإذا كان مالك لأبيك فلماذا؟ لماذا أكلك أحسن من أكل أبيك، ولباسك، وعيشك أجمل من عيش أبيك؟ لماذا نرى بعض الأبناء يعيشون في الثريا، وآباؤهم في الثرى؟! لماذا بعض الأبناء يأكلون ويشربون مع أولادهم أطيب وأعذب المآكل، والمشارب، وربما آباؤهم تمر عليهم الشهور، والدهور، وما يأكلون بعض ما يأكل أولادهم؟! أين حق الوالدين؟ اين الإحسان؟ أين قول الله: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ﴾ [الأحقاف: 15].

 

فيا من تعق والديك، إن لم ترجع إلى ربك، وتصلح حالك مع والدك ووالدتك، فلا تأمن عقوبة الله لك في دنياك قبل آخرتك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله العقوبة لصاحبه في الدنيا مع ما يدخره في الآخرة، مثل البغي، وقطيعة الرحم»[12].

 

وقال: «بابان يعجلهما الله في الدنيا قبل الآخرة، البغي، وعقوق الوالدين»[13].

 

وستسمعون في الخطبة الثانية ما تقشعر منه جلودكم، وتقف له شعوركم، من أخبار أولئك العاقين الذين تنكروا لآبائهم، وأمهاتهم، وكيف انتقم الله منهم في دنياهم قبل آخرتهم!

 

أسأل الله أن يرزقنا برَّ آبائنا وأمهاتنا أحياءً وأمواتًا! أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتَّقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله.

 

أيها المسلمون عباد الله، وقبل أن نذكر لكم - كما وعدناكم - بعض الجوانب المظلمة لأولئك العصاة الذين تنكروا لآبائهم وأمهاتهم، دعونا نذكر بعض الجوانب المشرقة لأولئك الذين عرفوا حقَّ والديهم، فبروهم وأحسنوا برهم، فعجل الله لهم الخير في الدنيا قبل الآخرة.

 

هذا أحد الدعاة يقول: كان هناك رجل عليه دَين، وفي يوم من الأيام جاءه صاحب الدين، وطرق عليه الباب، ففتح له أحد الأبناء، فاندفع هذا الرجل على والده بدون سلام، ولا كلام، ولا احترام، وأمسك بتلابيبه، وقال له: اتق الله وسدِّد ما عليك من الديون؛ فقد طال صبري عليك، وفي هذه اللحظات قال الولد - والدمع في عينيه -: كم هو المال الذي عند والدي يا فلان؟ قال: أكثر من تسعين ألف ريال - بالعملة السعودية - فقال الابن: اترك والدي، وانتظرني قليلًا، فدخل الشاب غرفته وأخرج منها مبلغًا قدره سبعة وعشرون ألف ريال، كان قد جمعه من راتبه لأجل زواجه، ثم أقبل على الرجل وقال: هذه دفعة من دين الوالد، وإن شاء الله يأتي الخير وأُسدِّد لك ما بقي من دَين والدي في أقرب وقت بإذن الله، وهنا بكى الوالد، وطلب من الرجل أن يعيد المال لولده، فهو محتاج له من أجل زواجته، فأصرَّ الولد على عدم أخذه، ثم ودَّع الرجل المطالب بدين والده وهو يقول له: أرجوك لا تطالب والدي بعد اليوم، فدَينك عليَّ وأنا غريمك من الآن.

 

ثم تقدم الشاب إلى والده وقبل جبينه وقال: يا والدي قدرك – والله - أكبر من هذا المال، وكل شيء يعوض، وإذا مدَّ الله بعمرنا، ومتعنا بصحتنا، وعافيتنا قضينا ما بقي من الدين بإذن الله، فو الله ما قدرت يا والدي أن أتمالك نفسي عند ذلك المشهد، ولو كنت أقدر على دفع الدين كله لفعلت، ولا أرى دمعة تسقط من عينيك على لحيتك الطاهرة، فاحتضن الشيخ ابنه وأجهش بالبكاء، وأخذ يقبله، ويقول له: أسأل الله أن يوفقك يا بني، وأن يرضى عنك، ويحقق لك كلَّ طموحاتِك في هذه الحياة!

 

ولا إله إلا الله، وفي اليوم الثاني وبينما كان الابن منهمكًا في عمله الوظيفي، زاره أحد أصدقائه الذين لم يرهم منذ سنوات، وبعد السلام والكلام الذي دار بينهما، قال له: يا أخي، لقد كنت بالأمس مع أحد كبار رجال الأعمال، وطلب مني أن أبحث له عن رجل مخلص، وأمين في عمله، وصاحب أخلاق عالية، ولديه قدرة على أداء العمل، وأنا لم أجد شخصًا فيه هذه الصفات التي طلبها إلا أنت، فما رأيك أن نذهب سويًّا لنقابله، ولنتعرف عليه، فتهلَّل وجه هذا الولد، وقال في نفسه: لعلها دعوة الوالد، فلما ذهب إلى رجل الأعمال فما إن شاهده رجل الأعمال حتى شعر بارتياح شديد، وقال: هذا الرجل الذي أبحث عنه، ثم سأل عن راتبه في العمل الذي كان فيه، فقال ما يقرب من خمسة آلاف ريال، فقال له: اذهب وقدم استقالتك، وراتبُك من الآن خمسة عشر ألف ريال، وعمولة من الأرباح عشرة في المائة، وراتبين بدل سكن، وسيارة، وراتب ستة أشهر تصرف لك لتحسين أوضاعك، فما إن سمع الشاب ذلك إلا وأجهش بالبكاء، وهو يقول: أبشر بالخير يا والدي! أبشر بالخير يا والدي! فسأله رجل الأعمال عن سر بكائه؛ فحدثه بما حصل له قبل يومين مع من جاء يطالب بدين والده، فأمر رجل الأعمال بتسديد جميع ديون والده، وكانت محصلة أرباح الولد في ذلك العام نصف مليون ريال.

 

فلا إله إلا الله! ما أعظم الإحسان الى الوالدين! هذا هو جزاء البر في الدنيا، وما عند الله خيرٌ وأبقى!

 

وتعالوا بنا لنرى بعض الجوانب، والنماذج المظلمة، من أصحاب القلوب القاسية المتحجرة إلى بعض أولئك العتاة القساة الذين تنكروا لآبائهم، فأصبحوا عبرة ومضربًا للسوء في عقوقهم.

 

هذه قصة حصلت في إحدى دول الخليج، تناقلتها الأخبار، وانتشرت انتشار الشمس في رائعة النهار، يقول راويها: خرجت يومًا لنزهة مع أهلي على شاطئ البحر، فرأيت امرأة عجوزة جالسة على بساط صغير، كأنها تنتظر أحدًا، فجلسنا على الشاطئ كثيرًا، حتى إذا أردنا الرجوع إلى بيتنا - وقد كانت ساعة متأخرة - جئت للعجوز فسألتها: ما أجلسك هنا يا خالة؟ فقالت: جاء بي ولدي إلى هنا وقال: إنه سيذهب لعمله ثم يرجع، فقلت لها لكن الساعة متأخرة الآن، قالت دعني انتظر لولدي، وبينما هي ترفض الذهاب معنا، كانت تحرك ورقة في يدها، فقلت لها هل تسمحين لي بقراءة هذه الورقة؟ وقال في نفسه: لعله يجد رقم هاتفه، أو عنوان منزله، فيا ترى ماذا وجد في هذه الورقة؟! اسمعوا، اسمعوا يا عباد الله، اسمعوا إلى أصحاب القلوب القاسية، اسمعوا إلى أين وصل العقوق في هذا العصور المتأخرة، وجد في هذه الورقة مكتوب فيها من وجد هذه العجوز فنرجو منه أن يذهب بها إلى دار العجزة!

 

الويل، ثم الويل، ثم الويل لمن عق والديه، أهكذا تكون الطاعة؟! أهكذا يرُد الجميل للوالدة؟! أهكذا تكون الخاتمة؟! هذا هو جزاء التربية؟!من الذي رباك، ورعاك؟ من الذي احتضنك، وأرضعك، وغسَّل أذاك؟ ويل لك أيها العاق، وأبشر بعقوبة الله لك في دنياك قبل أُخراك!

 

وهذا أحد العاقين خرج مع زوجته وأمه ليشتري ذهبًا لزوجته دون أمه، فلما اشترى لزوجته الذهب، وبينما هو يدفع المال لصاحب الذهب، إذ قال له صاحب الذهب: بقي خمسةُ آلاف ريال، فقال هذا العاق: من أين جاءت هذه الخمسةُ الآلاف؟ فقال صاحب الذهب: تلك العجوز أخذت خاتما بخمسةِ آلاف!

 

فما كان من هذا العاق إلا أن أخذ الخاتم من يد أمه وقال لها: وماذا تفعلين بالذهب؟ العجائز ليس لهن الذهب، فخرجت الأم وهي تبكي؛ لأن ولدها قهرها ونهرها، وأخذ الخاتم من يدها، فقالت له زوجته: أعطها الخاتم يا فلان، من سيحتضن لنا ولدنا؟ من سيربيه لنا؟ وهكذا للأسف الشديد أصبحت الأمهات كالخادمات للزوجات، ثم أعطى أمه الخاتم بعد أن أخذه من يدها، بعد أن قهرها، ونهرها، لكن أمه أبت أن تأخذه، وقالت له: لا أريد الخاتم يا ولدي، لا أريد الخاتم، ولكني كنت أريد أن أفرح في هذا اليوم كما يفرح الناس؛ فقتلت سعادتي فسامحك الله، فقتلت سعادتي فسامحك الله!

 

إني من هذا المنبر أوجه رسالتي، وبها أختم خطبتي، وموعظتي، أوجه رسالة، ونداءً لكل عاق لوالديه، ولكل من متعه الله ببقاء أبويه: الله الله ببرهما، والإحسان إليهما! الله الله باغتنام الدعوة منهما! ما زلت تتمتع بوجودهما، وحياتهما، فكم أولئك الذين قد حُرموا منهما، وأصبحوا يئنون، ويتحسرون على فقدهما، ويبكون على حنانهما، ورحمتهما، ودعائهما، فيا من متعك الله بأبويك، أو أحدهما، اغتنم بره أو برهما!

 

وأبوك كنزٌ فاغتنمْه فإنه
إن غاب فالدنيا أسًى وعناءُ
وكذاك أمُّك برَّها وارفِق بها
فغدا يعزُّ عليكما التلقاء
والبر دَينٌ والعقوق كمثله
فانظر ودقِّق فالحقوق وفاءُ

 

أسأل الله أن يرزُقنا البر بآبائنا، وأمهاتنا، في حياتهما، وبعد مماتهما.


اللهم ارحم آباءنا، وأمهاتنا، اللهم ارحمهما كما ربونا صغارًا، واجزهم عنا مغفرةً، ورضوانًا.......



[1] رواه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب (2491).

[2] رواه أحمد (5372)، والمنذري في الترغيب والترهيب (2512).

[3] رواه ابن أبي عاصم في السنة (323).

[4] رواه أحمد في مسنده (39/ 522).

[5] رواه البيهقي في الشعب (7446).

[6] رواه أحمد (15538).

[7] رواه أحمد (11721)، وأبو داود في سننه (2530).

[8] رواه أحمد في مسنده (22075).

[9] رواه الترمذي (1905).

[10] رواه أحمد (1875).

[11] رواه أحمد (6902)، وابن ماجه (2291).

[12]الترمذي (2511)، وأحمد (5/ 36، 38)، وأبو داود (4902).

[13] رواه أحمد في مسنده (24/ 17) وفي "التاريخ (1/ 166)، والحاكم (4/ 177)، والخطيب (1/ 37) والبغوي (1682).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نداء إلى الآباء والأمهات
  • النصيحة مسؤولية الآباء والأمهات
  • تذكير المؤمنين والمؤمنات بعظم حق الآباء والأمهات
  • لقاء مفتوح مع الآباء والأمهات حول تربية المراهقين في كتالونيا
  • واجب الآباء نحو الأبناء
  • خطبة في حث الآباء على تسجيل أولادهم وبناتهم بحلقات القرآن الكريم

مختارات من الشبكة

  • قصص رائعة للشباب - وقفات تربوية (قصص عن تقوية الإيمان)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • قصص رائعة للشباب - وقفات تربوية (قصص إيمانية)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة قصص الأنبياء (يواقيت البيان في قصص القرآن)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص رائعة للشباب - وقفات تربوية (قصة يوسف عليه السلام)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • قصص رائعة للشباب - وقفات تربوية (عدد من القصص)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • قصص رائعة للشباب - وقفات تربوية (قصة الصحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عنه)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • قصص رائعة للشباب - وقفات تربوية (قصة الصحابة في معركة أحد)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب