من يطفئ الشمس؟ (قصيدة)

نحن الخلود ونحن المجد والظفر

والشاهد الدهر والأفلاك والسِّيَرُ

ونحن في هامة الأيام هامتها

ونحن شامتها والطيب والغُرَر

لنا يد في الخطوب الدهم صائلة

وأختها ديمة بالجود تنهمر

ودارة نحن للأخلاق وارفة

تحبو العوارف مَنْ غابوا ومن حضروا

ومعقل نحن للإسلام نحرسه

ونفتدي صرحه الغالي ونصطبر

ونحن أمة طه نحن أدرعه

ونحن سيف له عاداته الظفر

ونحن عصبته للحق حافظةٌ

بالحق محفوظةٌ والخالق الوَزَر

إذا غُلبنا فلا يأس ولا خور

وإن غَلبنا فلا ظلم ولا أشر

ونحن يحرسنا قبل الرماح هدى

ونحن تكلؤنا قبل الظُّبا السور

ونحن تصقلنا الجُلَّى وإن عظمت

ونحن تبعثنا الأرزاء والنُّذر

ويوقظ الظلم منا كل من همدوا

ويوقد البغي منا كل من فتروا

فتصبح المحنة الحمراء أعطيةً

ومنحة دونها في حسنه القمر

ويصبح الثأر في أحشائنا حرقاً

والموت أمنية ترجى وتبتدر

تاريخنا شاهد أنا ذوو صَيَدٍ

وأننا حين يربو الخطب نستعر

وأننا الغضب القدسي متقداً

عند التحدي وإذ يستعلن الخطر

إن المخاطر جسر نحن نعبره

ونحن نبسم لا خوف ولا حذر

نمشي عليه جموعاً لا انقضاء لها

فما مضت زمرة إلا أتت زمر

ونحن أضرى من الضراء إن عصفت

ونحن أثبت منها حين تنفجر

تأتي لتصرعنا بغياً فنصرعها

ونزدريها ونخزيها فتنتحر

وقد نلين لها رفقاً ومرحمة

فتستكين وتستجدي وتعتذر

وكلما كانت الأخطار فادحة

كنا على ثقة أنا سننتصر

والنصر أقربه منا وأسرعه

إذا الطواغيت من إسلامنا سخروا

واستمرؤوا الظلم حتى صار ديدنهم

فينا وجاسوا خلال الدار وائتمروا

وذاك أن الرزايا كنَّ منجبة

وما يزلن ومنها يولد الظفر

لذاك أمّتنا حبلى بكل فتى

هو المثنى أو الصديق أو عمر

أو الرشيد تحدّى غيمة عبرت

فاستسلمت وهمى من فوره المطر

فجاءه فيؤها عجلان في وجل

والقلب مضطرب والطرف منكسر

في كل أرض لنا من مجدنا أثر

وفيه ما يتمنى السمع والبصر

الحق جوهره والحسن منظره

والعدل مخبره والنصح لا الغَرَر

يقول للناس زاروه فأدهشهم

قومي نجوم الهدى من هاهنا عبروا

والناس مطروفة فيه محاجرهم

ترنو إليه وتستجلي وتعتصر

يطول منهم عكوف في محاسنه

كأنما شُدهوا بالحسن أو سُحروا

يمضي الزمان ويبقى في نضارته

أذكى من العطر تاريخ له عطر

كأنما فيه من أهليه ما ابتدعوا

من الفنون وما صاغوا وما ابتكروا

كأنما أودعوا فيه عقائدهم

فطيّبته وطاب الغرس والثمر

كأنما صنعوه من معادنهم

فهو الفضائل والغار الذي ضفروا

كأنما صرحه العدل الذي رفعوا

كأنما نوره الهدي الذي نشروا

كأنما روحهم فيه قد ائتلقت

فهو المروءات والإحسان والأُثَر

كأنما هو مذ شادوه راوية

وناصح أمّه الزوار فاعتبروا

ثاوٍ ولكنْ له مذ كان أجنحة

آمادها الناس والآفاق والعُصُر

وما روت كتب واستوعبت مهج

وأمعنت أعين ترنو وتدّخر

إذا طوى الناس من أَيْنٍ رواحلَهم

لم يطوِها منه لا أين ولا ضجر

كأنه الخِضْر في الآفاق يقطعها

فعِشْقه سفر من بعده سفر

خير من الصرح قد راع الضحى نضراً

نفس لبانيه وهي المعدن النضر

والصرح زينته قبل التراب رؤى

فالسابق الفكر والتالي هو الحجر

أمجادنا مثلنا خير ومرحمة

بها المفاخر قبل الناس تفتخر

صرنا لهم ولها أنشودة صدحت

يزينها الشيّقان: الشعر والوتر

وقصة حسنت تُجلى لسامعها

مثل العروس عليها الدلّ والخَفَر

يروونها أبداً في توق والهة

دنت مناها فزاد الشوق والبَهَر

فنحن في الصبح في أخلادهم سير

ونحن في الليل في أسمارهم سمر

((كانت محادثة الركبان تخبرهم))

عنا الغوالي التي ترجى وتنتظر

((حتى رأونا فلا والله ما سمعت

أذن بأطيب مما عاين البصر))

وحينما رجعوا قالوا لزائرهم

إنا رأينا فجلّ الخُبْر والخبر

يفنى المزوَّر من خَلْق ومن خُلُق

والخالد الحق لا الأشباح والصور

ونحن باقون تعلينا هويتنا

وهي الرسالة لا ما زيّف البشر

من يطفئ الشمس نحن الشمس خالدةً

أمّا عِدانا فآلٌ ثم ينحسر

أضف تعليقك:	إعلام عبر البريد الإلكتروني عند نشر تعليق جديد
الاسم
البريد الإلكتروني	(لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق	رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

من يطفئ الشمس؟ (قصيدة)

الرياض

السبت 10/3/1427هـ - 8/4/2006م.