• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الإعاقات الحسية
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
  •  
    الإهمال في تربية الطفل وكيفية علاجه من المنظور ...
    مازن أيمن عبدالإله محمد شتا
  •  
    إدمان الوجبات السريعة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    التربية النبوية منهج حياة
    أحمد محمد القزعل
  •  
    استخدام الألعاب اللغوية بين الوعي وسوء الفهم
    محمد عبدالله الجالي
  •  
    الإعاقة الجسدية
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
  •  
    أثر النية الحسنة في الأعمال
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    ما فوائد النجاح؟
    أسامة طبش
  •  
    كيف تختار زوجة أو زوجا لحياة سعيدة في المغرب؟ ...
    بدر شاشا
  •  
    كيف كانت تربينا أمي بدون إنترنت؟
    آية عاطف عويس
  •  
    فخ أكاذيب التنمية البشرية
    سمر سمير
  •  
    إدمان العادة السرية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    تأخر الزواج بين الفطرة والواقع: معضلة تبحث عن
    سيد السقا
  •  
    المبادرة حياة والتسويف موت بطيء
    سمية صبري
  •  
    حين يصنع الصمت عظيم الأثر
    نهى سالم الرميحي
  •  
    خماسية إدارة الوقت بفعالية
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}

الخليل عليه السلام (11) {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/12/2024 ميلادي - 1/7/1446 هجري

الزيارات: 4558

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخليل عليه السلام (11)

﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ﴾


الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْبَشَرِ، وَرَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ بِهِمْ، وَهِدَايَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ؛ اصْطِفَاؤُهُ خِيَارَهُمْ وَكُمَّلَهُمْ لِيَكُونُوا رُسُلَهُ إِلَيْهِمْ، فَيَدُلُّوهُمْ عَلَى دِينِهِ، وَيُقِيمُوا عَلَيْهِمْ حُجَّتَهُ؛ ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الْحَجِّ: 75]، وَلِأَنَّ الرُّسُلَ أَكْمَلُ الْبَشَرِ فِي عُقُولِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَسَمْتِهِمْ كَانُوا قُدْوَةً لِلنَّاسِ؛ ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 90].

 

وَالْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ آزَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ، وَمِنْ خِيَارِ الرُّسُلِ، وَأُمِرَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِهِ: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النَّحْلِ: 123].

 

لَقَدِ اتَّصَفَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِصِفَاتٍ اسْتَحَقَّ بِهَا أَنْ يَكُونَ قُدْوَةً لِلنَّاسِ؛ فَهُوَ الْحَلِيمُ الْأَوَّاهُ الْمُنِيبُ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَاشْتُهِرَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْكَرَمِ، وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى خَبَرَهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ حِينَ ذَبَحَ لَهُمْ عِجْلًا سَمِينًا، وَحَنَذَهُ لَهُمْ؛ إِكْرَامًا لِأَضْيَافِهِ، وَخَبَرُهُ جَاءَ فِي سُورَةِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ إِذْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ﴾؛ أَيْ: جَاءَهُ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يُبَشِّرُونَهُ بِالْوَلَدِ، وَيُخْبِرُونَهُ بِأَنَّ الْعَذَابَ قَدْ حَقَّ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ بِكُفْرِهِمْ وَإِتْيَانِهِمُ الْفَوَاحِشَ «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ﴿ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ﴾، فَفِي هَذَا مَشْرُوعِيَّةُ السَّلَامِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّ السَّلَامَ قَبْلَ الْكَلَامِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ أَبْلَغَ مِنَ الْابْتِدَاءِ».

 

﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [هُودٍ: 69]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 26]، «وَانْتِفَاءُ اللُّبْثِ مُبَالَغَةٌ فِي الْعَجَلِ، وَالْحَنِيذُ: الْمَشْوِيُّ، وَهُوَ الْمَحْنُوذُ، وَالشَّيُّ أَسْرَعُ مِنَ الطَّبْخِ، فَهُوَ أَعْوَنُ عَلَى تَعْجِيلِ إِحْضَارِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ»، «وَيُؤْخَذُ مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَعَ ضَيْفِهِ هَؤُلَاءِ أَشْيَاءُ مِنْ آدَابِ الضِّيَافَةِ: مِنْهَا تَعْجِيلُ الْقِرَى لِقَوْلِهِ: ﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [هُودٍ: 69]، وَمِنْهَا: كَوْنُ الْقِرَى مِنْ أَحْسَنِ مَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ الْبَقَرُ، وَأَطْيَبُهُ لَحْمًا الْفَتِيُّ السَّمِينُ الْمُنْصِحُ، وَمِنْهَا: تَقْرِيبُ الطَّعَامِ إِلَى الضَّيْفِ، وَمِنْهَا: مُلَاطَفَتُهُ بِالْكَلَامِ بِغَايَةِ الرِّفْقِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾ [هُودٍ: 69]».

 

﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ [هُودٍ: 70]؛ أَيْ: كَرِهَ الْخَلِيلُ إِمْسَاكَهُمْ عَنْ طَعَامِهِ الَّذِي قَدَّمَهُ لَهُمْ، وَخَافَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَكْلَ طَعَامِ الْمُضِيفِ تَأْمِينٌ لَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَأْكُلُوا -لِأَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ فِي صُوَرِ بَشَرٍ، وَالْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ- خَشِيَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ شَرًّا فَأَمْسَكُوا عَنِ الطَّعَامِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، فَبَادَرُوا إِلَى تَأْمِينِهِ، وَإِخْبَارِهِ بِحَقِيقَتِهِمْ، وَبِمَا جَاؤُوا مِنْ أَجْلِهِ: ﴿ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [هُودٍ: 70]؛ أَيْ: لِنُهْلِكَهُمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَإِتْيَانِهِمُ الْفَوَاحِشَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ، ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ﴾ [هُودٍ: 71]، وَهِيَ سَارَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَانَتْ تَقِفُ وَرَاءَ السِّتَارِ، تَسْمَعُ حِوَارَ الْخَلِيلِ مَعَ أَضْيَافِهِ، ﴿ فَضَحِكَتْ ﴾ [هُودٍ: 71]؛ تَعْجُّبًا مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ تَأْمِينِهِمْ لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِمَّا جَاءُوا بِهِ مِنْ هَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ مَصِيرِهِمُ الَّذِي يَنْتَظِرُهُمْ، ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هُودٍ: 71]، فَبُشِّرَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ الْيَأْسِ، كَمَا بُشِّرَتْ بِحَفِيدٍ تَعِيشُ حَتَّى تُدْرِكَهُ وَتَرَاهُ، وَهَذِهِ كَرَامَةٌ لِلْخَلِيلِ وَزَوْجِهِ، وَمُعْجِزَةٌ رَبَّانِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَازْدَادَ عَجَبُ سَارَّةَ بِمَا بَشَّرَهَا بِهِ الْأَضْيَافُ مِنَ الْوَلَدِ وَالْحَفِيدِ؛ ﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ﴾، فَهَذَانِ مَانِعَانِ مِنْ وُجُودِ الْوَلَدِ؛ ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [هُودٍ: 72]، ﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [هُودٍ: 73]، فَإِنَّ أَمْرَهُ لَا عَجَبَ فِيهِ؛ لِنُفُوذِ مَشِيئَتِهِ التَّامَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يُسْتَغْرَبُ عَلَى قُدْرَتِهِ شَيْءٌ، وَخُصُوصًا فِيمَا يُدَبِّرُهُ وَيُمْضِيهِ لِأَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الْمُبَارَكِ؛ ﴿ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ [هُودٍ: 73]، «أَيْ: لَا تَزَالُ رَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ وَبَرَكَاتُهُ، وَهِيَ: الزِّيَادَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ، ﴿ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هُودٍ: 73]؛ أَيْ: حَمِيدُ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِهِ صِفَاتُ كَمَالٍ، حَمِيدُ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ إِحْسَانٌ وَجُودٌ وَبِرٌّ وَحِكْمَةٌ وَعَدْلٌ وَقِسْطٌ. مَجِيدٌ، وَالْمَجْدُ: هُوَ عَظَمَةُ الصِّفَاتِ وَسَعَتُهَا، فَلَهُ صِفَاتُ الْكَمَالِ، وَلَهُ مِنْ كُلِّ صِفَةِ كَمَالٍ أَكْمَلُهَا وَأَتَمُّهَا وَأَعَمُّهَا»، وَ«الْمَعْنَى: لَا عَجَبَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ إِعْطَاءَكِ الْوَلَدَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَبَرَكَةٌ، فَلَا عَجَبَ فِي تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ بِهَا وَأَنْتُمْ أَهْلٌ لِتِلْكَ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ».

 

وَكَانَ أَمْنُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَضْيَافِهِ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ، مَعَ مَا بَشَّرُوهُ مِنْ رِزْقِهِ بِوَلَدٍ آخَرَ مَعَ إِسْمَاعِيلَ؛ دَافِعًا لَهُ أَنْ يُجَادِلَ فِي قَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ ﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [هُودٍ: 74]، وَمُجَادَلَتُهُ فِي قَوْمِ لُوطٍ بِأَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ، وَسَبَبُ مُجَادَلَتِهِ فِيهِمْ خَوْفُهُ عَلَى لُوطٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعُمَّهُمُ الْعَذَابُ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي سُورَةٍ أُخْرَى: ﴿ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا ‌نَحْنُ ‌أَعْلَمُ ‌بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 32]، ثُمَّ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِثَلَاثِ صِفَاتٍ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هُودٍ: 75]؛ فَهُوَ حَلِيمٌ لَا يَتَعَجَّلُ الْعِقَابَ، وَيُرِيدُ لِلْعَاصِي فُرْصَةً لِلتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَيُؤْثِرُ السَّمَاحَةَ عَلَى الْعِقَابِ، وَهُوَ كَثِيرُ التَّأَوُّهِ؛ «أَيْ: مُتَضَرِّعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ»، مَعَ «شِدَّةِ اهْتِمَامِهِ بِهُمُومِ النَّاسِ»، «وَمُنِيبٌ؛ أَيْ: رَجَّاعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ سِوَاهُ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ يُجَادِلُ عَمَّنْ حَتَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَلَاكِهِمْ، فَقِيلَ لَهُ: ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ [هُودٍ: 76]؛ أَيِ: الْجِدَالِ، ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [هُودٍ: 76]، بِهَلَاكِهِمْ؛ ﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ [هُودٍ: 76]، فَلَا فَائِدَةَ فِي جِدَالِكَ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ ‌وَاتَّقُوا ‌يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَدَّعِي الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَاهُمْ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْأَوْلَى بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا ‌وَلَكِنْ ‌كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67-68].

 

وَزَعَمَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ بِتَغْيِيرِهِمْ لِدِينِهِمْ، وَتَحْرِيفِهِمْ لِكُتُبِهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ لِلنَّبِيِّ الْخَاتَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ، فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى زَعْمَهُمْ، وَبَيَّنَ ضَلَالَهُمْ وَهِدَايَةَ الْمُسْلِمِينَ الْمُوَحِّدِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَقَالُوا ‌كُونُوا ‌هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 135-138]. فَالْإِسْلَامُ هُوَ دِينُ الْحَقِّ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَهُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ، فَكُلُّهَا أَدْيَانٌ بَاطِلَةٌ؛ ﴿ وَمَنْ ‌يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 85]، وَمُحَاوَلَةُ خَلْطِ الْأَدْيَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، أَوِ ادِّعَاءُ أَنَّهَا صَوَابٌ كُلُّهَا، أَوِ الِانْتِقَاءُ مِنْهَا وَمِنَ الْإِسْلَامِ لِتَشْكِيلِ دِينٍ جَدِيدٍ؛ كُلُّهَا مُحَاوَلَاتٌ بَائِسَةٌ لِطَمْسِ الْإِسْلَامِ وَوَأْدِهِ، وَمَصِيرُهَا إِلَى الْفَشَلِ وَالْخُسْرَانِ؛ لِأَنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى مَحْفُوظٌ بِحِفْظِهِ سُبْحَانَهُ؛ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ ‌لَحَافِظُونَ ﴾ [الْحِجْرِ: 9]، وَسَتَظَلُّ طَائِفَةٌ عَلَى الْحَقِّ مُتَمَسِّكَةٌ بِهِ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَلَوْ ضَلَّ أَكْثَرُ النَّاسِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌لَا ‌تَزَالُ ‌طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخليل عليه السلام (1) (ملة إبراهيم حنيفا)
  • الخليل عليه السلام (2)
  • الخليل عليه السلام (3) (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله)
  • الخليل عليه السلام (4) ﴿ جاء ربه بقلب سليم ﴾
  • الخليل عليه السلام (5) تغيير دين الخليل
  • الخليل عليه السلام (6) {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
  • الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾
  • الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (خطبة)
  • الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }
  • الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}
  • الخليل عليه السلام (12) دعوات الخليل في سورة إبراهيم
  • رعاية الله تعالى للخليل عليه السلام وكفايته

مختارات من الشبكة

  • امتنان الله تعالى على الخليل عليه السلام بالهداية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لمحة في بيان ما ذكر في القرآن في علو منزلة الخليل عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رعاية الله تعالى للخليل عليه السلام وحمايته من شر الأعداء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التشكيك في صحة نسبة كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بيع العينة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستجابة لله تعالى (1) استجابة الرسل عليهم السلام(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من أعلام الأدب الرشيد (عماد الدين خليل أنموذجا)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تحريم الحلف بالملائكة أو الرسل عليهم الصلاة والسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النهي عن قول السلام على الله لأن الله هو السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من قصص الأنبياء (3)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان
  • تكريم 540 خريجا من مسار تعليمي امتد من الطفولة حتى الشباب في سنغافورة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/6/1447هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب