القضاء المستعجل (2)

فقه التقاضي

الحلقة (83)

القضاء المستعجل (2)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا في الحلقة الماضية شرعنا في الحديث عن القضاء المستعجل الذي خُصص له الباب الثالث عشر من نظام المرافعات السعودي الصادر عام 1421هـ.

وأنه يمكن تعريف القضاء المستعجل بأنه: "الفصل في المنازعات التي يُخشى عليها فوات الوقت فصلًا مؤقتًا لا يمس أصل الحق".

ويتضح لنا من هذا التعريف أن للزمن دورًا أساسيًّا في القضاء المستعجل، كما أن الفصل في النزاع فصلٌ مؤقت لا يمس أصل الحق؛ أي: إنه إجراء وقائي بهدف الحفاظ على الأوضاع القائمة في محل النزاع بقصد صيانة مصالح أطراف النزاع.

والحكمة من وضع هذا النظام في أنظمة المرافعات: قيام الحاجة إلى قضاء مؤقت ذي إجراءات سريعة لحماية الحقوق المهددة بالخطر العاجل.

فالقضاء المستعجل: إجراء مؤقت يأمر به القضاءُ لحماية الحقوق المتنازع بشأنها من الأخطار التي تتهددها إذا تُركت من غير هذا الإجراء.

ونواصل في هذه الحلقة الحديثَ عن أبرز الأحكام والإجراءات المتبعة في القضاء المستعجل في نظام المرافعات السعودي الصادر عام 1421هـ:

ففيما يتعلق بمواعيد الحضور في الدعاوى المستعجلة، جاءت المادة الخامسة والثلاثون بعد المائتين مقررة المواعيد التي تُراعى في القضاء المستعجل، ونصها: (يكون ميعاد الحضور في الدعاوى المستعجلة أربعًا وعشرين ساعة، ويجوز في حالة الضرورة القصوى نقصُ هذا الميعاد بأمر من المحكمة).

وتوضح اللائحة التنفيذية أن مدة الأربع والعشرين ساعة هي المدة الأقل لطلب الخصم، وتجوز الزيادة عليها عند الاقتضاء.

وأنه يُرجع في تقدير الضرورة القصوى المجيزة لنقص الميعاد إلى ناظر الدعوى.

ومن الصور الهامة في القضاء المستعجل: طلب منع السفر؛ ولذا جاء في المادة السادسة والثلاثين بعد المائتين: (لكل مدَّعٍ بحق على آخرَ أثناء نظر الدعوى أو قبل تقديمها مباشرة: أن يقدِّم إلى المحكمة المختصة بالموضوع دعوى مستعجلة لمنع خصمه من السفر، وعلى القاضي أن يصدر أمرًا بالمنع إذا قامت أسباب تدعو إلى الظن أن سفر المدعى عليه أمر متوقع، وبأنه يعرِّض حق المدعي للخطر، أو يؤخر أداءه، ويشترط تقديم المدعي تأمينًا يحدده القاضي لتعويض المدعى عليه متى ظهر أن المدعي غير محق في دعواه، ويحكم بالتعويض مع الحكم في الموضوع، ويقدر بحسَب ما لحق المدعى عليه من أضرار لتأخيره عن السفر).

وتبين اللائحة التنفيذية للمادة أنه إذا صدر أمر القاضي بمنع الخصم من السفر - وإن لم يكن بحضوره - فتبلغ بذلك الجهة المختصة بخطابٍ لتنفيذه، ولا يسمح له بالسفر إلا بإذن كتابي من القاضي، وهذا الأمر حكم يخضع لتعليمات التمييز؛ أي: إن من حق الخصم الممنوع من السفر بأمر القاضي أن يتظلم من هذا الحكم المستعجل لدى محكمة التمييز.

وإذا صدر أمر من القاضي بمنع الخصم من السفر لزمه إحاطة الجهة المختصة بما انتهت إليه القضية.

وأما إذا كان طلب المنع من السفر لأجل تنفيذ حكم مكتسب للقطعية، فيكون هذا المنع من اختصاص الحاكم الإداري.

وإذا صدر أمر بالمنع من السفر، والدعوى تتعلق بمبلغ معين، فأودعه المدعى عليه لدى المحكمة، أو أحضر كفيلًا غارمًا مليئًا، ووكل شخصًا بمباشرة الدعوى - فيسمح القاضي له بالسفر.

مستمعي الأفاضل، من صور الدعاوى المستعجلة: دعوى منع التعرض للحيازة ودعوى استردادها.

وسبقت الإشارة إلى أن المقصود بدعوى منع التعرض للحيازة في القضاء المستعجل: طلب المدعي (واضع اليد) كف المدعى عليه عن مضايقته فيما تحت يده من المنقولات، والمراد بالمنقول: ما عدا العقار؛ كالسيارة ونحوها.

والمقصود بدعوى استرداد الحيازة: طلب من كانت العين بيده - وأُخِذت منه بغير حق؛ كغصب وحيلة - إعادة حيازتها إليه، حتى صدور حكم في الموضوع بشأن المستحق لها.

جاء في المادة السابعة والثلاثين بعد المائتين: (لكل صاحب حق ظاهرٍ أن يتقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع بدعوى مستعجلة لمنع التعرض لحيازته، أو لاستردادها، وعلى القاضي أن يصدر أمرًا بمنع التعرض أو باسترداد الحيازة إذا اقتنع بمبرراته، ولا يؤثِّر هذا الأمر على أصل الحق، ولا يكون دليلًا عليه، ولمن ينازع في أصل الحق أن يتقدمَ للقضاء وَفق أحكام هذا النظام).

وفي المادة الثامنة والثلاثين بعد المائتين: (يجوز لمن يضار من أعمال تقام بغير حق أن يتقدم للمحكمة المختصة بالموضوع بدعوى مستعجلة لوقف الأعمال الجديدة، وعلى القاضي أن يصدر أمرًا بالمنع إذا اقتنع بمبرراته، ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق، ولا يكون دليلًا عليه، ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وَفق أحكام هذا النظام).

وتبين اللائحة التنفيذية أن المراد بالأعمال الجديدة: ما شرع المدعى عليه في القيام بها في ملكه، ومن شأنها الإضرار بالمدعي.

وأنه يشترط لطلب وقف الأعمال الجديدة أمران:

أ - أن تكون هذه الأعمال قد بدأت ولكنها لم تتم.

ب - أن تكون هذه الأعمال التي بدأها المدعى عليه مُضرة بالمدعي.

وأما إذا تمت الأعمال الجديدة قبل وقفها، وفيها ضرر على المدعي، فلا تكون من القضاء المستعجل، بل تكون من باب دعاوى إزالة الضرر، وهي غير مستعجلة.

وإذا كانت الأعمال الجديدة (أي الإحداث) حاصلةً في العقار المتنازع فيه، فإنها تُوقف من قِبل القاضي عند الاقتضاء بدعوى مستعجلة بناءً على طلب الخصم.

ومن صور الدعاوى المستعجلة: طلب الحراسة، وهي: وضع الأموال المتنازع عليها تحت يدِ أمينٍ يعيِّنه القاضي إن لم يتفق على تعيينه ذوو الشأن.

وفي الحراسة القضائية أحكام وإجراءات تفصيلية، أُوردها على مسامعكم - أيها الأفاضل والفضليات - في الحلقة القادمة.