• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين / محاضرات مفرغة
علامة باركود

لقاء مفتوح في 17-6-1427هـ مع مقدمة في بيان الضروريات الخمس (نصية)

لقاء مفتوح في 17-6-1427هـ مع مقدمة في بيان الضروريات الخمس (نصية)
الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين


تاريخ الإضافة: 8/5/2017 ميلادي - 11/8/1438 هجري

الزيارات: 14964

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لقاء مفتوح في 17 - 6 - 1427هـ

مع مقدمة في بيان الضروريات الخمس

بجامع سماحة الشيخ ابن باز حي العزيزية بمكة المكرمة

ضمن فعاليات الدورة العلمية بمندوبية المعابدة بمكة المكرمة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

 

أما بعد:

فإن الله عز وجل أنعم على عباده بنعم كثيرة، ومن أهمها وأظهرها نعمة الدين، دين الإسلام الذي هدى الله عز وجل المرء المسلم إليه، فيعيش به مطمئنًّا هادئًا.

 

ألا وإن الشريعة الإسلامية الغراء قد جاءت للأمة المسلمة بما يحفظ عليها دينها ودنياها، وبما يصلح لها أولاها وأخراها؛ ولذلك فإنها جاءت للحفاظ على الضروريات الخمس من الدين والنفس والعقل والمال والعِرض، سواء كان ذلك في جانب المحافظة عليها بالتنمية والإصلاح، أو في جانب المحافظة عليها من الفساد والعدم.

 

وأول هذه الضروريات هي ضرورة حفظ الدين؛ فإن الله عز وجل أنزل كتبه ورسله على الأمة؛ لإصلاحهم ولدوام استقامتهم، وأنزل الله عز وجل كتابه وأرسل رسوله نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم لإصلاح هذه الأمة؛ لأن الله عز وجل إنما خلق الخلق لعبادته، كما قال جل ذكره في كتابه الكريم: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58]، فالعبادة ليست كما يتوهَّم بعض الناس أنها مقصورة على الشعائر التعبدية فقط، بل للعبادة معنًى واسع، وهي كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه؛ من الأقوال والأفعال، الظاهرة والباطنة)، فهي تشمل جميع مناشط الحياة، فإن كان ذلك في العقيدة من الإيمان بوحدانية الله عز وجل، وبربوبيته وألوهيته، وبتوحيده في أسمائه وصفاته، ومن كافة ما يصحِّح به المرء عقيدته، أو كان ذلك في مجال الشعائر التعبدية من الصلاة والصيام والحج والزكاة، أو سواء كان ذلك في مجال المعاملات من بيع وشراء، أو في مجال الأنكحة، أو كان ذلك في مجال غيرها من كافة مناشط الحياة، بل حتى ما يتعلَّق بآداب لبس الثياب، وستر العَوْرات، وآداب الأكل والشرب، ونحو ذلك، فكل ما أتت به الشريعة من أمرٍ، ففعلُه عبادة، وكل ما نَهَت عنه من شأن، فتركه عبادة، فليتفقه بذلك المرء المسلم.

 

وجاء الإسلام بحماية الدين، وذلك بحفظه، ومن أظهر ذلك تعلُّمه وتعلم أحكامه؛ حتى يكون المرء المسلم على يقين من أمره ومن أمور دينه فيما يفعل وفيما يذر؛ ذلك بأن الله عز وجل لا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصًا صوابًا، ومعنى قوله خالصًا: أن تكون نيَّتُه خالصة لله سبحانه وتعالى، لا يريد بهذه العبادة التي يفعلها ويتقرب بها إلى الله إلا وجه الله عز وجل والدار الآخرة، لا يريد بذلك دنيا يصيبها، أو عرَضًا من عرَضِ الدنيا، أو جاهًا، أو غير ذلك، وإنما يريد بذلك وجه الله، وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].

 

والشرط الثاني من شروط صحة العبادة: أن تكون صوابًا، ومعنى كونها صوابًا أن تكون على وَفْق وهَدْي كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أن يفعلها الإنسان على وَفْق هَدْي الكتاب والسنة، وذلك يتطلب من المرء المسلم أن يقف على جميع أحكام العبادات، وأن يتعلم ذلك؛ حتى يؤدِّي عبادته على الوجه الصحيح المَرْضِيِّ، فإن خالف ذلك رُدَّت عليه عبادته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلي))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني مناسككم))، فكل ذلك يبين أهمية تعلم العبادة على وَفْق هَدْي كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا خفي على المرء المسلم أو جهل شيئًا من ذلك، وجب عليه أن يرجع فيه إلى أهل العلم، وألاَّ يتخبط في ذلك، أو يعبث، أو يفعل شيئًا برأيه، والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وسؤالُهم يكون بالرجوع إليهم، واستفتائهم فيما ينزل بالمرء المسلم في عباداته، وفي غيرها، بما يريد أن يفعله، وأن عليه أن يتحقق من حكم ذلك قبل الإقدام عليه، فهذا أمر متعين، وكذا حراسة الدين من أن يدخل عليه شيء من البدع فتفسده، أو شيء من المبتدعات في الدين، ولا بد من الحفاظ على الدين كما نزل في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل أتمَّه وأوفاه، ولم يُتوَفَّ النبي صلى الله عليه وسلم إلا والدين كاملٌ شامل، كما قال الله - جل ذكره - في كتابه الكريم: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فهذا التمام يعني أن يتمسَّك المرء المسلم بدينه كما جاء في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويتضمن ذلك الحذر كلَّ الحذر من الابتداع في الدين، سواء كان ذلك بزيادة لم يشرعها الله عز وجل أو بنقص، فإن العبادة تُفعَل كما جاءت في كتاب الله عز وجل، ولا يجوز للمرء المسلم أن يُدخِل شيئًا من العبادات لم يأذن به الله عز وجل في كتابه ولا في سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومن حراسة الدين وحمايته في جانب العدم والنقصان أن الله عز وجل منع من الاستهزاء به، وأمر بالتمسك به، والعض عليه بالنواجذ، وأنه مَن بدل دينه فارتد بعد إسلامه، فإن حدَّه القتل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن بدَّل دينه، فاقتلوه)).

 

فالواجب على المرء المسلم أن يعلم مكانة الدين، وأن الله عز وجل أمر بالالتزام بكتاب الله عز وجل وبهَدْي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يحافظ على الدين، وأن يُحفَظ كما نزل في كتاب الله عز وجل، وكما جاءت به سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يُتعَلَّم، وأن يصان، وأن تؤدى أحكامه كما جاءت في الكتاب والسنة، والحذر كل الحذر من اتهامه أو انتقاصه بالاستهزاء به أو بأهله، أو بالارتداد عنه، سواء كان ذلك بقول أو فعل، أو كل ما يؤدي إلى هذه المكيدة، فإن المرء المسلم منهي عن ذلك، ومَن فعل فإن عقابه أليم شديد، وما جاءت هذه العقوبة الشديدة بالارتداد عن الدين إلا لأن الدين مكانته عند الله عظيمة جدًّا، وهو عصبة الأمة، وعليه اجتماعها والتئامها، وقلبه أو اختراقه أو الانتقاص منه معناه الاعتداء على عصبة هذه الأمة، وتفريق كلمتها، وتشتيت جمعها، والاستهانة بها، من فعل ذلك فقد أتى منكرًا عظيمًا، لا يُقَر عليه، ولا يُسكَت عن فعله.

 

الأمر الثاني مما جاءت به الشريعة بالحفاظ عليه من كلياتها: الحفاظ على النفْس، وما ذلك إلا لأهمية الإنسان في عبادة الديان سبحانه وتعالى، وفي عمارة هذه الحياة الدنيا التي هي وسيلةٌ للدار الآخرة، وفي ذلك من جانب الوجوب أن الله عز وجل أمر بالنكاح ورغَّب فيه وحث عليه، كما قال جل ذكره: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 32]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يجد فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))، وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم حث على الزواج؛ لأن من أهم مقاصد الزواج تكثيرَ النسل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((تزوَّجوا الودود الولود؛ فإني مفاخر بكم الأمم))، وفي ذلك تكثيرٌ للنسل، والذي منه تعمر الحياة البشرية وتعمر هذه الحياة الدنيا، ويحصل به من العباد القيام بحق رب العباد سبحانه وتعالى، وهذا النسل تجب حمايته، وهذه النفس التي تتخلَّق من هذا الزواج وتعمر بها هذه الحياة الدنيا، تجب حمايتها في جانب الوجود، فلا يصح الاعتداء على النفس بالقتل، سواء كان ذلك بانتحار أو باعتداء من الغير بالقتل، وسواء كان ذلك بإعدام النفس بالكلية، أو بالاعتداء على عضو من أعضائها، أو أي موضع من بدن الإنسان، سواء كان ذلك بجرح أو بقطع وإتلاف، فإن ذلك أمر منهيٌّ عنه.

 

وواجب أيضًا في جانب حفظ النفس في جانب الوجود، أن يعتني الإنسان بنفسه؛ فإنها أمانة عنده، وأن يقوم بتغذيتها على وجهٍ كافٍ يحصل به قيام أَوَدِها؛ لتنهض ولتقوم بالأعباء التي ألقيت عليها من عبادة الله عز وجل ومن عمارة هذه الحياة الدنيا.

وهكذا أباح الشارع العلاج للنفس الإنسانية متى تعرَّضت لمرض من الأمراض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله عز وجل داءً إلا وأنزل له الدواء، علِمه من علمه، وجهِله من جهله))، هذا في جانب تزكية النفس في جانب الوجود من الحفاظ عليها.

 

وفي جانب الحفاظ على النفس في جانب العدم، حرم - كما قلت - الاعتداء عليها بقتل أو قطع أو جرح، ومن فعل ذلك، فقد أوجب الله عز وجل عليه القصاص، إما نفس بنفس، كما قال الله عز وجل: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 179]، فجعل القصاص لمن اعتدى على نفس أخرى، سواء اعتدى على النفس بإتلافها كليًّا، أو على طرف فيها، أو بجرح، أو بغير ذلك، فإنه يقتص منه على الوجه المشروع متى ما توفرت شروط القصاص بالنفس أو بالعضو؛ وكل ذلك من أجل الحفاظ على النفس الإنسانية لتقوم بدورها على الوجه المطلوب والمرْضي في عبادة الله عز وجل وعمارة هذا الكون، ولتقوى النفس ولتنشط للقيام بمهامها.

 

والأمر الثالث من الضروريات التي أمر الشارع بالمحافظة عليها: المحافظة على العقل، ويكون ذلك في جانب الوجود بتنميته وإصلاحه وترقيته بالتعليم والفهم، والبعد عن الخرافات والخزعبلات من أن تغزو هذا العقل، وأن يحصن على الوجه الكافي والمطلوب؛ ليقوم بأداء وظيفته على الوجه المرجوِّ، فما ذلك إلا لأن العقل له أهمية كبيرة، بل إن العقل هو مناطُ التكليفِ، فإذا جُنَّ الإنسان أو سلب منه عقله، سواء كان ذلك بالجنون أو ما في حكمه، فإنه يزول عنه التكليف؛ ولذا جاء الحفاظ على هذا العقل ليبقى يؤدي دوره ونشاطه على الوجه الكافي، بل أمر بكل ما يحافظ عليه بما يرقيه من الفهم وبما يهذبه ويوجهه؛ لكي يقوم بهذا الدور الإيجابي.

 

وفي جانب العدم في جانب ضرورة الحفاظ على العقل: نهى الشارع الحكيم عن كل ما من شأنه أن يتلف العقل، أو ما من شأنه أن يعطله ولو مؤقتًا، وكل ما من شأنه أن يُغيِّبه، فجاء النهي عن المسكرات وكافة المخدِّرات، والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، وهذا أمرٌ من الله عز وجل بالحفاظ على هذا العقل، ونهي بالابتعاد والاجتناب عن كل ما يؤثِّر على العقل أو يضعف نشاطه.

 

ونحن نعرف أن المخدِّرات والمسكرات هي داء قتال، يتلف العقول ويُذهِبها، والمسلم مأمور بالانتهاء عن تناولها، وليحذر كل الحذر من مخالفه أمر ربه سبحانه وتعالى، حتى ولو كان ذلك شيئًا يسيرًا، فإن الخمر هو كل ما خامر العقل وغطاه، سواء كان ذلك مأكولاً أو مشروبًا أو مشمومًا، وكل ما أدى إلى تعطيل هذا العقل بمثل هذه الوسيلة أو غيرها من الوسائل، فإنه محرَّم، ولا يجوز للمرء إتيانه.

 

وهكذا كل ما يؤدي إلى فتوره أو إضعافه، فهو كذلك منهي عنه ومحرم، كما في تناول القات الذي يُضعِف العقل ويؤدي إلى خموله وإضعافه، فالمرء منهي عن إتيان ذلك، ومن فعل ذلك وتناول المسكر، فإننا نجد أن الشارع جعل له حدًّا بأن يضرب عددًا من الأسواط، بأن يضرب ثمانين سوطًا لقاءَ ما فعل إن كان شاربًا، فإن كان متاجرًا بمجال بهذه الخمور والمخدرات، سواء كان ذلك مهربًا أو متوسطًا بإهداء أو ببيع أو شراء، فإن ذلك أيضًا محرم، وعقوبته عظيمة، وتصل فيه العقوبة التعزيرية إلى القتل؛ لأن أثر هذه المخدرات التي تزيل العقول أثرها عظيم على تعطيل نشاط العقل، وبالتالي فإن أثرها مضر بالفرد في خاصة نفسه، وبالأسرة المسلمة في تفكيك أفراد أسرتها، بل إن ذلك يؤدي أحيانًا إلى انتهاك مَن يتناول هذا المسكر، ولو كان من بعض أعضاء الأسرة، وربما اعتدى على بعض أفرادها الآخرين، وضرره على الأمة جمعاء بتعطيل العقل من أداء وظيفته الإنسانية العظيمة، سواء كان ذلك بالقيام بحقوق الله عز وجل وعبادته، أو بأداء الدور الإيجابي الذي ينفع الأمة في سائر مجالات الأعمال في الحياة الدنيا من صناعة واقتصاد، وغير ذلك مما هو سبيل إلى تقوية الأمة ورفعتها وتقدمها.

 

ولذا فإن ضرر الذي يروِّج المخدرات أو يسعى بالاتجار فيها أو بتهريبها أو بترويجها بين أفراد المسلمين، ضرره لا شك عظيم جدًّا؛ لأنه يتعدى إلى أسر كثيرة وأفراد كثيرين، وبالتالي يتعدى ضرره ويسري شرره إلى كافة أفراد الأمة، فوجب محاربة ذلك؛ حفاظًا على هذا العقل حتى يقوم بالدور الإيجابي الكبير.

 

وأما الأمر الرابع من هذه الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بالحفاظ عليها، فهو الحفاظ على العِرْض، والعرض هو محل المدح والذم في الإنسان، وله مقام كبير في شريعة الإسلام، ولقد قال بعض حكماء الإسلام، وهو الشاعر حسان بن ثابت رضي الله عنه:

أصونُ عِرضي بمالي لا أدنِّسُه
لا باركَ الله بعد العِرْضِ في المالِ
أحتال بالمال إن أودى فأجمعه
ولستُ بالعِرض أن أودى بمحتالِ

 

فهو يقول: إنه يسعى سعيًا حثيثًا على الحفاظ على عرضه، وأصون عرضي بمالي لا أدنسه، لا يُمكِّن أحدًا من تدنيس عرضه، ولو كان ذلك من نفسه.

أصون عرضي بمالي لا أدنِّسُه
لا بارك الله بعد العِرْضِ في المالِ
أحتال بالمال إن أودى فأجمعه
ولستُ بالعرض أن أودى بمحتالِ

 

إن المال لو ذهب فربما احتال الإنسان وجمعه بالطريقة المشروعة مرة أخرى، ووجد له بدلاً، ولكن العرض إذا سُلب وانتُهِك كان ذلك خسارة، وأي خسارة على المرء المسلم؛ ولذلك توجب على المرء المسلم أن يصونَ عرضه من الطعن، وأن يصون عرضه من التهم والتشنيع عليه، ومما يفسد عليه خلقه ومروءته.

 

والنبي صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على ذلك، فلما جاءت إحدى زوجاته تزورُه وكان معتكفًا، ولما أرادت العودة، خرج معها ليقلبَها إلى بيتها، فرآها بعض الصحابة، فحثوا الخطى؛ حتى لا يسمعوا شيئًا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجه، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الحال، قال لهما: ((على رِسلِكما، إنما هي صفية زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم))، فإذا كان هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم حرَص على صيانة عرضه، وهو من هو ثقة عند الصحابة، بل الأمة جميعاً، وما طرأ عليهما فيه صلى الله عليه وسلم من ريبة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك، ولكن أراد أن يعلم أمته أن الإنسان يجب عليه أن يحفظ عرضه من السب والشتم، وأن يدفع عنه التهمة كلما طرأت للإنسان أن يحفظه دائما من ذلك، فواجب على المرء المسلم أن يحفظ عرضه من جميع ما يفسده، سواء كان ذلك واقعًا على نفسه أو على أهله، أو على كل مَن كانت له ولاية عليه، ولا أقول: إن الإنسان يذهب بذلك إلى سبيل الوسوسة، لا، ولكن الحفاظ على العرض أمر مؤكد، وجاءت أدلته في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هذا في جانب الوجوب.

 

أما في جانب العدم، فإن الشريعة فرضت عقابًا شديدًا على مَن يعتدي على عرض آخر، فيسلبه بالقذف، بأن يقذفه بالزنا، فإن عليه العقوبة، وهي عقوبة حد القذف، وأمرها عظيم في الشريعة الإسلامية، والإنسان يحافظ على لسانه من أن يقع في أعراض الآخرين، وما ذلك إلا لحماية هذا العرض، فإن كان ذلك بما دون القذف الصريح، فإن فيه العقوبة تعزيرًا على جزاء الاعتداء والانتهاك لأعراض الآخرين، وبهذا يظهر لنا أن الشريعة الإسلامية جاءت بالحفاظ على عرض الإنسان، سواء كان ذلك في جانب الوجوب أو في جانب العدم.

 

ومن الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بها: حفظ المال، والمال له أهمية كبيرة ومكانة عظيمة، وما ذلك إلا لأن الإنسان به يقضي حاجاته، ويستغني عما في أيدي الآخرين، والله عز وجل يقول: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، فجعله الله عز وجل زينة، بل ضروري في عمران الحياة الدنيا؛ حتى تتقوى الأمة بمجموعها، والإنسان مأمور بأن يكتسبَه من وجوهه المشروعة، وأن ينفقه في وجوهه المشروعة؛ من الإنفاق على أهله، ومن الصدقات وسائر القربات، فيحرص الإنسان على اكتسابه بوجهه المشروع، وينفق المال في وجوهه المشروعة، ((واليد العليا خير من اليد السفلى))، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فاليد العليا هي اليد المنفقة المعطية.

 

وأن ينفق منه بسخاء من غير إسراف ولا تقتير، وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، فالإنسان يجعل المال في يدِه، ولا يجعله يتغلغل إلى قلبه بحيث يصيبه الشح فلا يخرجه أبدًا.

وقد قلنا: إن الشريعة جاءت بالاعتناء بالمال في جانب الوجوب.

 

أما في جانب العدم، فحرَّمت الشريعة الاعتداء على أموال الآخرين، سواء كان ذلك بانتهاب، أو باغتصاب، أو بسرقة، أو دعوى باطلة، والله - جل ذكره - يقول: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188]، فذلك أمر محرَّم، ومَن وقع منه ذلك فقد أتى منكرًا عظيمًا، فجاءت الشريعة بعقوبات زاجرة لذلك؛ منها العقوبة على السرقة، وهي قطع اليد، فالواجب أن يعرف للمال حقه، وأن يكتفى بالوجوه المشروعة، فيحرم عليه أن يعتدي على أموال الآخرين بنهب أو اختلاس أو اغتصاب، ومَن فعل ذلك فقد أكل أموال الناس بالباطل، والله عز وجل نهى عن أكل أموال الناس بالباطل.

 

فليعرف المسلم للمال حقه، وليكتسبه من الوجوه المشروعة، ويحترمه، ويصرفه في الوجوه المشروعة، وليحترم أيضًا أموال الآخرين، فلا يعتدي عليها بسلب ولا اختلاس ولا غيره، فمن فعل ذلك، فهو مخطئ ومخالف لأحكام الشريعة الإسلامية.

أسأل الله عز وجل أن ينفعنا جميعًا بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

♦ ♦ ♦

 

الأسئلة والأجوبة عليها:

♦ ♦ ♦

المقدم: جزى الله الشيخ خير الجزاء، هناك بعض الأسئلة.

فضيلة الشيخ، يقول السؤال الأول: تقدم لخطبة بنتي شخصان من أقاربي، فرفضتهما؛ لما علمت أنهما مقصران في صلاتهم مع الجماعة قبل سنوات، والآن والدتي تعاتبني في ذلك، فما الحكم يا شيخ، والأمر قد انتهى؟

قال الشيخ: لا شك أن مَوْلِيَّةَ الإنسان من بنت أو أخت التي ولاه الله عز وجل نكاحها، هي أمانة في عنقه، وعليه أن يحرص أن يوقعها في موقعها الصحيح، فلا يزوجها إلا لمن كان ديِّنًا أمينًا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا جاءكم من ترضونه خلقه وأمانته، فأنكحوه))، والمراد من كان مستقيمًا في دينه، فهذا الشخص إذا جاء للإنسان خاطبًا مَوْلِيَّتَه، فليتحقق من صلاته أن يكون في دينه مرضيًا، وأن يتحقق أيضًا من المواصفات الأخرى التي لا بد من توفرها، ولكن من أظهرِها وأبرزها أن يكون في دينه مرضيًّا، وإذا لم يكن الشخص في دينه مرضيًّا، فلا يزوج؛ لأن الذي خان الأمانة التي بينه وبين الله عز وجل حريٌّ بأن يخون هذه الأمانة التي يضعها المسلم عنده، فيقصر في حقوقها ويعاملها بالسوء، بل ربما كان هناك بعض الأمور التي إذا تركها لا يصح التزويج مطلقًا، كالإعراض عن الصلاة مثلاً، فالذي لا يصلي لا يزوَّج، وهكذا، فما بال المرء المسلم قد تحرى وعرف من حال هؤلاء الأشخاص أن لديهم تقصيرًا في دينهم فردَّهم، فإنه قد فعل ما يجب عليه، ولا يصح أن يلومه أحد، والأمانة إنما في عنقه، وهو المسؤول أولاً وآخرًا عن هذه الأمانة.

 

السؤال يقول: ما حكم تدخُّل والدتي في شؤوني أنا وزوجي؟ وهل لها الحق في ذلك؟ علمًا أن زوجتي تتضايق من تدخُّلها، فما الحكم في ذلك؟

قال الشيخ: أولاً يجب على الأولاد من البنين والبنات أن يعاملوا أهليهم من الآباء والأمهات المعاملةَ الحسنة الطيبة من البر والإحسان، ومن الرفقِ في المعاملة، ومن الكلمة الطيبة، وأن يحرص هذا الشخص وزوجته على معاملة والديه - بل ووالديها أيضًا - بالرفق والإحسان والمعاملة الحسنة والكلمة الطيبة، فهذا أمر واجب على كل ولد بأهله.

 

والأمر الثاني على الوالدين من أب وأم، سواء كان ذلك من أب الزوج وأمه، أو من أب الزوجة وأمها، أن يسعيا إلى توفير الجو الصالح لإدامة العشرة بين هذين الزوجين، وأن يحثَّا ويرغِّبا في كل ما من شأنه أن يقوي عوامل العلاقة بينهما، وأن يديم العشرة ويحسنها بينهما، هذا هو الواجب المتعين، وأما التدخل، فإن كان ذلك بالنصيحة في أمر لا يصح السكوت عليه شرعًا؛ كتقصير في الواجبات الشرعية ونحوها، فإنه واجب على الأزواج والزوجات السماع لذلك، فإن الذي يأمرك بطاعة الله عز وجل وابتغاء مرضاته، فقد أمرك بمعروف، ومن أمرك بمعروف فقد أمرك بالتسليم والاتباع، وإن كان ذلك تدخلاً في أمور الزوجين الخاصة مما لا يصح للوالدين التدخل فيهما من استقلال الزوجين بتنظيم حياتهما الخاصة وبشؤونهما الخاصة، فالواجب على الأهل من الآباء والأمهات، سواء كان ذلك من قبل أهل الزوج، أو من قبل أهل الزوجة، فالواجب عليهم الكف عن ذلك، وعدم تدخل الوالدين في أمور الزوجين الخاصة، وقد علما أنهما لا يرغبان في التدخل في أمور شؤونهما الخاصة، كما ظهر من هذا السؤال أن الزوجة تكره من الأهل التدخل في أمور شؤونهما، فإن كان ذلك في الشؤون الخاصة، إنما أقول: الواجب على الأهل من الآباء والأمهات الإصلاح بين أولادهم من الزوج والزوجة، وكل ما من شأنه أن يقرب بينهما، لا أن يأتيا ما من شأنه أن يفرق بينهما، ويضيق صدورهما بعضهما على بعض بأن يأمر مثلاً والد الزوج أو والدته الزوجَ بفراق زوجته، أو غير ذلك، فهذا أمر منكر، ولا يصح للأب أن يقدم عليه، ولا الأم أن تقدم عليه، وهكذا الطلبات الشاقة التي تفسد الحياة الزوجية، وليس من الشأن في تحصيلها أن يكون برًّا بالوالد أو الوالدة، وإنما هو تدخل من غير مبرر للتنغيص على الزوجين بالطلبات بشؤونهما الخاصة، لا يصح ذلك الأمر، أسأل الله عز وجل أن يصلح شأن الأزواج والزوجات جميعًا.

 

سؤال: لدي ظروف صحية، وطلب والدي تقارير طبية وأعطاه فاعل خير، ثم صرف له مالاً، وهو مصروف لي سنويًّا، وأنا صاحب عيال، فما الحكم من أخذ والدي المال؟

قال الشيخ: المال الذي يستحقه الابن، الأصل أنه ملك له، ويجب أن يسلم وأن يدفع إليه، وألا يعتدى عليه، خاصة وقد ذكر هذا السائل حاجته لهذا المال، فالمال الذي يدفع لشخص معين يجب أن يصل إليه، هذا إذا كان الحال على نحو ما هو مذكور في السؤال، وربما كان هناك ظروف وأعذار لو حضر الأب لأبداها، ولعل مثلاً أن يذكر من أسباب ذلك مثلاً أنه لو دفع هذا المال لابنه مرة واحدة، لأتلفه وأفسده، وأنه يحتفظ به لديه، وينفق منه عليه شيئًا فشيئًا، أفضل مما يدفعه مرة واحدة، ولكن كما قلنا: إذا كان الحال كما وصف في السؤال، فلا يصح الاستيلاء على أموال الآخرين ومنعهم منها، ولو كان ذلك والدًا، خاصة في حال الوالد إذا كان الولد بحاجة إليه.

 

يقول السؤال: إذا كنت أقرأ الكتب وأنا في نيتي القراءة والحفظ، لا لأجل شيء مثل قضاء وقت، أو لزيادة قوة ذاكرتي، فهل أعتبر من طلاب العلم الذين مدحهم الله سبحانه؟ وهل طلب العلم غير الشرعي مثل النحو والبلاغة يدخل في المدح، ومثل الفيزياء وغيره هل يدخل في هذا المدح، وجزاكم الله خيرًا؟

قال الشيخ: أولاً العلم يجب أن نعرف أنه عبادة، ومن أول ما ينبغي أن يهتم به طالب العلم هو إصلاح النية؛ ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))، فالذي يقرأ كما يذكر هذا السائل يقرأ لصقل ذاكرته، أو ربما لتقضية وقته، فإن هذا قد خرج عن محيط النية بالتقرب بطلب العلم، وبالتالي فإنه بعمله هذا يمارس عادة لا عبادة، والذي يمارس عادة لا يوصف بأن له أجرًا على تحصيل هذا الشيء؛ لأنه يأتي أمرًا عاديًّا من غير نية التقرب إلى الله عز وجل، وما ذكره من السؤال في بعض العلوم مثل النحو وما في حكمه، فإن كان ذلك بنية صالحة ولمطلب شرعي كتحصيل الفهم في أمور الشريعة، أو لإقامة لسانه لأداء عمل هام، أو عمل آخر، فإنه بنيته، ويكون مأجورًا بإذن الله عز وجل، وأما العلوم الأخرى غير علوم الشريعة، فإني أنبه إلى أن النصوص التي جاءت بالترغيب في طلب العلم تتجه إلى علوم الشريعة، فالفضل الذي ورد فيه إنما ذلك لطلب علوم الشريعة، ولكني أقول: هل طالب العلم في غير العلوم الشرعية كالهندسة والطب وغيرها من العلوم، هل هو غير مأجور؟ نقول: بحسب نيته؛ لأن هذه من أمور العادات، فإذا حصلت له النية الصالحة بأن يتعلم هذه العلوم لأداء مهامها، والتقرب إلى الله عز وجل بعلاج الآخرين مثلاً، أو بالمشاركة في أمور الهندسة؛ هندسة الكباري والمباني وغيرها، لإغناء المسلمين في هذا المجال، أو إذا كان ذلك في مجال الصناعات أيضًا لإغنائهم، فلا شك أنَّ دارس هذه العلوم بهذه النية، أنه مأجور، وإن أتى ليمارسها ممارسة عادية وبدون نية، فلا أجر له في ذلك.

 

ومما أحب أن أذكر أن أهل العلم ذكروا أن طلب مثل هذه العلوم من علوم المهن إذا احتاج إليها المسلمون، فإن طلبها فرض كفاية، من قام بطلبها سقط به الإثم عن الآخرين، وإن تعين على أفراد معينين، وجب عليهم أن ينهضوا بالقيام بهذه العلوم؛ لتغطية حاجة المسلمين في هذه المجالات.

والمسلمون اليوم يحتاجون إلى علم الطب وعلوم الهندسة وعلوم كثيرة من علوم الحياة، فإذا صلَحت نية الإنسان لطلبها في إغناء المسلمين لسد ثغرةٍ من هذه الثغور التي يحتاجها المسلمون، فإنه مأجور على ذلك إن شاء الله.

 

السؤال: يقول: أحسن الله إليكم، وإني أحبكم في الله، ذكرت حراسة الدين، فكيف تكون حراسة هذا الدين العظيم وقد كثرت الفتن والشرور بين الناس؟

قال الشيخ: حراسة الدين - كما ذكرت لكم - في جانب الوجوب وجانب العدم، وقد بينت ذلك بما يغني عن الإعادة، والواجب استمرار المسلمين على ذلك من رعاة ورعية، فإن الواجب على المسلم إذا رأى اختراقًا في الدين من قِبَل مَن يخترقه، فإنه ينكر عليه؛ ((مَن رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))، والفرد إنما يكون تغييره باللسان، وأن التغيير باليد يكون من مهمة السلطان؛ حتى لا يحصل بين الناس اعتداء على بعضهم البعض، مما يكثر الهرج والمرج، فالواجب على من رأى بإنسان خرقًا في الدين أن يسارع في الرد عليه بالقول أو يرد عليه بالكتابة، وواجب على ولي أمر المسلمين أن يسارع إلى ردع مَن يعتدي على حرمات هذا الدين، وأن يسائله عما يحصل منه من إساءة إلى الدين ويبيِّن له خطأه، فإن أصر وتمادى على ذلك، فإنه لا شك يجب على مثل هذا أن يحاكم حتى ينال جزاءه الذي يردعه.

 

وكما قلت لكم: الدين هو عصبة الأمة، وعليه اجتماع كلمتها، والتفرق فيه تفرق الأمة وتبعثرها، فتضعف وتنتهي؛ ولذلك كان هو الأول من الضروريات الخمس التي يجب الحفاظ عليها، وذكر علماء السياسة الشرعية أن من مهام ولي الآمر حراسة الدين وسياسة الدنيا، فالواجب الحفاظ على الدين، كل بحسبه.

 

يقول السائل: أنا اشتغل في الأسهم السعودية، وقد تعرضت لخسارة مالية، والحمد لله على ذلك، ولكن أصبحت تلك الخسارة تشغل تفكيري حتى في الصلاة، وأقول: لو أني فعلت كذا، لما تعرضت لتلك الخسارة، فبماذا تنصحني، وهذا حال كثير من الناس، وليس وحدي، والله يحفظكم؟

قال الشيخ: ما وقع على الإنسان من المصائب في نفسه أو في ماله أو في أسرته أو غير ذلك، يجب أن يسلِّم بأن ذلك حصل عليه بقضاء الله عز وجل وقدرته، وأنه مقدر عليه، ولو أنه لم يقدر عليه ذلك لَمَا وقع عليه، وأنه مهما فعل من الاحتياطات التي تداهم مثل هذا الرجل ويفكر فيها، وأنه سوف يدفعها، مهما فكر فيه من الاحتياطات، فقد كتب الله عز وجل عليه أن يقع ذلك، فإن هذه الاحتياطات لم تنفعه أبدًا، فالشيء إذا وقع وفات أمره صار قدرًا مقدرًا، وهو قبل ذلك مقدر عليه، ووجب عليه التسليم، وإن كان يملك شيئًا من الآليات من تخفيفه أو إزالته كالمرض ونحوه، فإنه يسعى إلى تخفيفه وإزالته، وإن كان لا يملك شيئًا من ذلك، وجب التسليم والإيمان، ومن أركان الإيمانِ الإيمانُ بالقضاء والقدر؛ ((وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه))، وأن ذلك بأمر الله عز وجل، وهو مقدر ومقرر عليه، فلا يأسَ على ما فات، وليحمد الله عز وجل أنه وقع بهذه الكيفية لا بأكثر منها.

 

أرأيت هذا الذي ذهب ماله أو شيء من أسهمه، أرأيت لو أن الجائحة وقعت فيه نفسه ثم قد ذهبت بكله، ما هو الأمر والشأن؟ هل هو أغلى أو المال؟! فلا شك أن نفسه عنده أحق بالاحتياط والصيانة والحفظ، فلا يذهب ماله بقضاء الله عز وجل ثم يقتل نفسه بالأسى والحسرة، بل ليسلِّم بقضاء الله عز وجل وقدره، وإن كان له هناك شيء من تخفيف هذه الخسارة وهي سبل شرعية، فليسلكها.

 

يقول السائل: أمي كثيرة الحلف منذ زمن طويل، ولا نعرف لها حصرًا لذلك، وقد تكون اليمين منعقدة، فما عليها؟

قال الشيخ: هو الآن شاكٌّ أهذه منعقدة أو لا، أو هي من لغو الأيمان، فمثلاً "لا والله" تدرج على ألسنة بعض الناس، إذا تكلموا أو حدَّثوا فهي لغو لا كفارة فيه، وبالتالي فإن السؤال فيه شيء من الغموض، خاصة وقد قال السائل: إنها ربما تكون منعقدة، فيراد التحقق ممن صدر منه هذه الأيمان كيف صدورها؟ وعلى ضوئها يمكن أن يفتى.

 

يقول السائل: ما حكم صلاة النافلة أثناء قيادة السيارة، سواء كان داخل مكة أو خارجها؟ وهل هو جائز؟ أفيدونا مأجورين.

قال الشيخ: صلاه النافلة على الدابة في السفر جائزة، فالمسافر لو أراد أن يصلي النافلة، فإن ذلك جائز، وإن استطاع أن يستفتح بدايتها للقبلة، فليفعل، ثم يقوم بالركوع والسجود بحسب استطاعته، سواء كانت الدابة دابة من البهائم، أو حتى من وسائل النقل من السيارات وما في حكمها، وسواء كان ذلك السائق أو الراكب، ولكن ليحرص السائق أشد الحرص على ألا يشغله ذلك عن قيادة السيارة، لا يذهب ليأتي بنافلة، ثم يفرط في واجب، والذي هو حفظ نفسه ونفس مَن كانوا معه، وأنه مؤتمن على نفسه ونفس من كانوا معه، وعلى المال وهي السيارة التي هي في يده، فإذا كان اشتغال السائق بالصلاة سوف يؤدي إلى وقوع حادث وضر بنفسه أو بالآخرين أو بماله، فإنا نقول: لا يجوز ذلك، وإذا أمِن ذلك، فكما قلنا صلاة النافلة على الدابة في السفر جائزة مشروعة.

 

يقول السؤال: من رأى منكرًا عليه أن يقوم بإنكاره، أم يسكت وما عليه شيء؟

قال الشيخ: وكما قلنا في الحديث الذي مر علينا قبل ذلك: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))، فالحديث جاء مبينًا أن التدرُّج هو أصل التغيير باليد، وهذا كما قلت يكون للسلطان، ويكون أيضًا للرجل في بيته، يغير بيده إذا رأى منكرًا، وهو سلطان بيته لا أحد يمنعه ليغير المنكر في داره، وأما إذا لم يستطع التغيير بيده بخروجه عما ذكرنا من الأوصاف، فليغير بلسانه، ينكر المنكر بلسانه، ويجب على الإنسان المخالف أن ينبهه: (يا أخي، جزاك الله خيرًا، حكم الشرع في هذه المسألة كذا وكذا، وأنا أنصحك بأن تبتعد عن هذا الشيء)، ما استطاع ذلك مثلاً، فإنه يغير ذلك بقلبه، والتغيير بالقلب لا يعفى منه أي إنسان، وليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إيمان؛ لأن الإنسان الذي يواطئ قلبه المنكر ويرتضيه، فكأنه يرى أنه جائز، فعلى الأقل أن يغير بالقلب، يعرف أن هذا منكر، وأن هذا الشخص قد أتى أمرًا منكرًا ينكر عليه فعله بقلبه، فالتغيير بالتدرج على نحو ما ذكرنا.

 

يقول السائل: النبي صلى الله عليه وسلم شبه المسلمين في توادهم وتعاطفهم بالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، هل هذا الأمر العظيم يتحقق بنا نحن المسلمين في هذا الزمان؟ وإن كان الحديث من تعاليم الإسلام، فما واجبنا تجاه ما يقع لإخواننا المسلمين من قتل وظلم وقهر أمام أعيننا؟ وبماذا نجيب ربنا إذا سألنا عن ذلك يوم القيامة، ونحن نقف متفرجين لما يحصل لإخواننا، أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا؟

قال الشيخ: هذا السائل الحقيقة يحضُّ ولا يسأل، جزاه الله خيرًا، كما ذكر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((المسلمون كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر))، والحديث أيضًا الآخر: ((المسلمون كالبنيان يشد بعضه بعضًا))، فالواجب على المسلمين أن تكون عواطفهم مشغولةً، وجميعها متحدة في القيام لله عز وجل، والشعور بالقيام لحقوق إخوانه ونصرة المسلمين حسب ظروف وأحوال كل البلاد، وحسب ما يستطيعه الإنسان، إذا استطاع شيئًا أعلى يحصل به دفع المضرة، ويحصل به تحسين أحوال المسلمين هناك، ولا تحصل به المضرة على الإنسان في موطنه، فإنه يفعل، فإذا لم يستطع نصرهم إلا بالدعاء لهم والرأفة والشفقة بأحوالهم، وهكذا، فعل، والمقصود أن يفعل الإنسان حسب ما يستطيع، كل بحسبه، والواجب على السلطان غير الواجب على الفرد في خاصة نفسه، والإنسان أيضًا يجب عليه أن يتبصَّر حاله، وأن يعرف أنه فرد من منظومة، فلا يتحرك بما يضر الجميع بتصرف شخص واحد، بل مراعاة ذلك أمر مهم جدًّا، وهناك أمور لا تحتاج إلى ذلك؛ كالدعاء لهم، والشفقة على أحوالهم، والتعاطف معهم.

 

يقول السائل: رجل مسافر أقام بمكة أربعة أيام، هل عليه في حقه إقامة السُّنة الراتبة غير سنة الفجر والوتر؟

قال الشيخ: مَن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام، فإنه يكون مقيمًا ولا يعد مسافرًا، كإنسان جاء من خارج مكة ليبقي في مكة مثلاً أسبوعًا، فهذا صار بهذه النية مقيمًا ليس له أن يتمتع برخص السفر، بل يكون مقيمًا ويؤدي الصلاة من دون قصر ولا جمع، ولا يصح له الفطر في رمضان، إلى آخر ذلك من الواجبات، ويكون كأنه مقيم.

 

يقول السائل: كثر الكلام على وضع العباءة على الكتف، منهم من أجاز ذلك، ومنهم من منع، فما هو القول الفصل في ذلك، جزاكم الله خيرًا؟

القول الفصل في كتاب الله عز وجل الذي خاطب النبي بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]، والجلباب هو يشبه الجلال والعباءة، والمرأة تلبس الجلباب إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب، والإدناء يكون من الأعلى إلى الأسفل، أليس كذلك؟ معنى ذلك أن تغطي بها رأسها ووجهها وسائر بدنها، فأي شيء يكون بديلاً له ينبغي أن يكون مماثلاً لهذا الستر، فإذا جيء بالعباءة، يجب أن توضع على الرأس مع تغطيه الوجه وسائر البدن، فالتي تضع العباءة على الكتف ما أدنت الجلباب، وإنما وضعته على الكتف، هذا من ناحية الاستنباط من الآية.

 

وأما من ناحية المعنى، فإن عباءة الكتف لا تؤدي الغرض في الاستتار مثل إرخاء الجلباب، أو العباءة التي توضع على الرأس، والتي توضع على الكتف، معناها أبانت الكتفين وصارت لَمَّا تتحرك المرأة يظهر كتفاها وحركاتها في هذه العباءة، وهي مأمورة بالستر الكامل، فالواجب الرجوع إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وترك الاجتهادات الخارجة عن الكتاب والسنة؛ لأن الاجتهادات تكون كثيرة أحيانًا، ولكن الرابط والضابط والراجع والأصل هو إلى الكتاب والسنة، هذا الذي أثر عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في خروج نساء المسلمين، لَمَّا نزلت آية الحجاب خرج النساء وكأن على رؤوسهن الغربان، وغير ذلك مما يستشهد بهذا المعنى الذي ذكرته مستنبَطًا من هذه الآية الكريمة.

 

يقول السائل: هل الصلاة في جميع مساجد مكة المكرمة مثل الصلاة في مسجد الحرام بمائة ألف صلاة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وفقكم الله لكل خير؟

قال الشيخ: نعم الصلاة في سائر الحرم كالصلاة في المسجد الحرام في الأجر.

 

قال السائل: ما معنى هذا الحديث: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، فإن البيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة يفر منه الشيطان))؟

قال الشيخ: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورًا))؛ يعني: لا تتركوها من الصلاة والذكر فيها، فالصلوات النوافل تصلى في البيت، خاصة النوافل البعدية؛ مثلاً في المغرب والعشاء، وما في حكمها، تصلى في البيت حتى الإنسان لا يهجر بيته، يصلي فيه الوتر، ويذكر الله عز وجل في بيته، ويقرأ فيه القرآن، والمقصود أن يعمر بيته بذكر الله عز وجل وبالصلاة فيه، ولا يجعله كالقبر خاليًا من ذكر الله ومن الصلاة.

 

يقول السائل: ما حكم من يقترضُ من البنك مبلغًا من المال، مثلاً يقترض ستين ألف ريال، ويسدده للبنك سبعين ألف ريال؛ للزواج؟

قال الشيخ: القرض لفظ فيه إجماع، فإن كان يقصد أنه ذهب إلى البنك وأخذ نقودًا قرضًا نقديًّا بفائدة ربوية، فهذا لا شك في حرمته، وهو من الربا، والربا منهي عنه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 278، 279]، هذا إن كان بهذا المعنى، وهناك إطلاقات قد تطلق كمصطلحات، وهي في حقيقتها غير ذلك، كمسائل التورُّق من البنوك، والتورق طبعًا على أنواع وأشكال؛ منها التورق المنظم، ويذهب للبنك ويوقع الأوراق، وورقة على أنه اشترى منه السيارة، أو اشترى منه المكيفات أو الحديد، وورقة أخرى على أنه موكل على بيعها واستلام الثمن وإيداعه في حسابه، هذا يسمى عند الفقهاء المعاصرين التورق المنظم، وهو على الراجح - كما في قرار المجمع الفقهي - محرم ولا يجوز؛ لأنه ذريعة إلى الربا نفسه، وأن الغالب الذي يفعل هذه الأفعال البنوكُ الربوية، وتضعه فيما يسمى بالنوافذ الإسلامية، وهي تحتال على الناس بهذه الطريقة، فيكتب هذه الوثائق ثم تصب النقود في حسابه، ولا يعلم هل هو قام بهذا النشاط بيعًا وشراءً أم أنها حولتها على حسابه مباشرة، خاصة إذا علِمْنا أن ليس عندها إشكال؛ لأنه لو قال: أريد ربًا صريحًا، لقال له: تفضل، فلا تأمن، فالتورق المصرفي المنظم أيضًا منَعه مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.

 

الصورة الثانية: التورق الصحيح، وهذا محل خلاف بين المتقدمين من أهل العلم، ولكن الراجح جوازه، بأن يأتي للبنك ويشتري له البنك سيارة ويسلمها له، ثم يدعه وشأنه، فهذا جائز ولا شيء فيه، وهناك بعض الصور فيها بعض التلاعب، وهي كثيرة كثر الاستفسار عنها.

 

يقول السائل: فضيلة الشيخ، أريد تزويج أخي، ولكنه لا يصلي، ويقول: إذا تزوجت سوف أصلي، فما الحكم في ذلك؟

قال الشيخ: الذي لا يصلي، فهو على خطر عظيم، وقد ثبت عن شقيق بن عبدالله - وهو تابعي متفق على إمامته - أنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعدون شيئًا من الأعمال تركه كفر سوى الصلاة"، فالذي لا يصلي وقع في منكر عظيم، فلا يصح للإنسان أن يغشَّ أحدًا من المسلمين بتزويجه ابنته من هذا الرجل، وعلى هذا الرجل التوبةُ لله عز وجل قبل، وأداء الصلاة، والحفاظ عليها، ومن ثم النظر في تزويجه، وأما أن هذا الأخ لا يسعى لتزويجه وهو لا يصلي لكونه لا يشهد صلاة الجماعة، فهذا أمر آخر، ليس بالسهل أن يتأخر عن صلاة الجماعة، وربما إذا خطب تراه لا يشهد صلاة الجماعة، لكن الذي لا يصلي مطلقًا لا يزوج، ولا يشار على أحد لتزويجه، ولا يجوز أن يخطب له، ويقال: هذا فلان أخي أو ولدي جاء يخطب ابنتكم، وهو يعرف أنه لا يصلي مطلقًا، والذي لا يصلي مطلقًا، ففيه قول هذا التابعي في وصف موقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تارك الصلاة.

 

يقول السائل: ما حكم من فعل منكرًا عظيمًا وتاب؟

قال الشيخ: التوبة لا شك أنها مشروعة لكل ذنب صغر أو كبر، ومن تاب تاب الله عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما علمت أن التوبة تجبُّ ما قبلها؟))، فمن تاب تاب الله عليه، متى ما تاب توبة نصوحًا، وتحققت فيها شروط التوبة؛ من ترك الذنب، والندم على ما فات، والمبادرة إلى فعل الخيرات، وغير ذلك من شروط التوبة، ومن تاب توبة نصوحًا، فإنها تجبُّ ما كان قبلها من ذنوب صغيرة وكبيرة.

 

يقول السائل: ما حكم إذا كان في يوم الجمعة وأنا في المسجد والإمام يخطب، ثم سلم علي شخص، فهل أرد عليه؟

قال الشيخ: مَن سلم على إنسان والإمام يخطب، ترد عليه من غير تشويش على الآخرين؛ لأن السلام حتى على المصلي يشرع، ويرد المصلي بالإشارة، فمَن كان في خطبة ومنهي عن الكلام، ولكن إذا سلم عليه من غير تشويش ورد عليه الآخر أيضًا من غير تشويش على الآخرين، فلا بأس به.

 

يقول السائل أيضًا: ما حكم سماع الأناشيد بالإيقاع أو الأناشيد بالدف؟

قال الشيخ: الدف يجوز للنساء في الأعراس، فهذا الذي يتخذ هذه الأناشيد يرددها بالدف أو هذا الإيقاع، فإنه لا يجوز، والدف لا يجوز إلا للنساء في الأعراس، أما اتخاذ ذلك والمداومة عليه للرجال أو النساء بعد فراغ الأعراس، فإنه لا يجوز؛ لأنه خارج مكان الرخصة.

 

يقول السائل: شخص ينصح الناس يقول مثلاً: صلُّوا السنة، ثم في نيته يصلي، ولم يصل، فهل هو ممن تُسعَّر بهم النار؟

قال الشيخ: حقق الإمام النووي هل الإنسان يأمر وينهى ولو كان مقصرًا، فقال: نعم هو مأمور بأمرين:

الأول: هو أن يفعل المأمور، وأن يترك المنكر.

ومأمور أيضًا بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

فإذا قصر في أحدهما، فلا يقصر في الآخر، ولعل ذلك يكون - إن شاء الله - سببًا في صلاحه، والمحافظة على ما يأمر به، وتركه لما ينهى عنه، وشهادة هذا الرجل بأن فلانًا يأمر الناس بالتنفل وبالسنن الرواتب، ولا يفعل، ما يدريه بهذا الحكم العام بأن هذا الشخص لا يأتي هذا الأمر؟ هل صاحَبه فعلاً أبد الدهر مثلاً في ذَهابه وإيابه، وفي يقظته وفي منامه، وفي بيته حتى تحكم عليه بهذا الحكم العام؟ ربما هو يؤدي ذلك، وهذا الشخص لم يشاهده، وعلى كل حال، موطن السؤال: هل يجوز للإنسان أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، ولو كان وقع في المنكر، ولا يأتي المعروف؟

كما قلت لكم: نعم؛ لأن الواجب عليه أمران: أن يفعل المعروف وأن ينتهي عن المنكر، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإذا قصر في أحدهما، فلا يقصر في الآخر.

 

يقول السائل: ما حكم من تكلم على والديه من خلف ظهورهما، كما يطلب منكم الدعاء له بالثبات وحسن الخاتمة؟

قال الشيخ: أقول: لا يجوز للإنسان أن يغتاب أي مسلم فضلاً عن أن يغتاب والديه، والكلام عليهم من غير حضورهم من الغِيبة، والغيبة كما عرَّفها النبي صلى الله عليه وسلم: ((ذكرك أخاك بما يكره))، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان في أخيك ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهته))، فذكرك أخاك بما يكره هذه غيبة، والغيبة منهي عنها بنصوص الكتاب والسنة، والله عز وجل يقول: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12]، فإذا كان ذلك في سائر الناس، ففي مَن لهم حق عليه، فإن المعصية أشد وأنكى، وفاعل ذلك على خطر عظيم، ولا يجوز له أن يغتاب؛ لأن والديه لهما حق البر والصلة عليه، واغتيابهما معصية وعقوق لهما.

 

يقول السائل: هل تنازُل المرأة عن بعض حقوقها فيما يسمى اليوم بزواج المسيار منقصة لها، أو للرجل الذي لا يستطيع أن يؤدي تلك الحقوق إذا أراد أن يُعدِّد ولأي سبب؟

قال الشيخ: أولاً يجب أن نفهم أن هذه التسمية زواج المسيار هي تسمية اصطلاحية، وقد تكلَّم ممن لا اطلاع لهم على ما صدر من قرار المجمع بأن المجمع يبيح زواج المسيار، ولم يصدر منه شيء بمسمى نكاح المسيار، وإنما صدر منه قاعدة عامة بأن المسلم يحرص على الزواج المشروع، بل يجب عليه إن أراد أن يتزوج أن يتزوج على نص كتاب الله عز وجل؛ من توفر أركان النكاح وتوفر شروطه، وبمجرد وقوع العقد تترتب عليه الحقوق والواجبات بين الزوجين، ولو أن بعض الزوجين تنازل عن بعض حقوقه بعد الزواج، أو اشترط أحد الزوجين على الآخر أن يتنازل عن بعض حقوقه بعد الزواج ورضي هذا وقبل ذاك، لكان جائزًا؛ لأن هذا حق الإنسان وتنازَل عنه، ولكل من بعض الرجال وبعض النساء ظروفهم الخاصة، التي إن لم يتنازل عنها، فقد يجلس بلا زواج، وإما أن يقدم عليه مع اشتراطه على صاحبته التنازل عن بعض الحقوق، فالمرأة التي مات زوجها وعندها مثلاً خمسة أطفال أو ستة، وهي شابة، وتريد أن تحصن نفسها، لم تجد مَن يتزوجها وعندها أولادها، وهي لا تريد أن تذهب وتترك أولادها، وهي تريد الزواج، ولو أقدم عليها رجل وقال: أريد أن أتزوجك، وقالت: نعم، بشرط أن تأتي إلى بيتي هذا؛ لأن معي أولادًا، ولن أدعهم، فتأتيني في بيتي هذا، ثم هو قبِل، تنازل عن حقوقه في أن المرأة تأتيه وتخدمه، وقال: آتيك مثلاً بالأسبوع مرة أو مرتين، هل يمكن لأي إنسان عاقل فضلاً عن طالب العلم أن يحرِّم مثل هذا النكاح؟ لا يمكن، هذا فيه مصلحة شرعية، وفيه صيانة لهذه المرأة المسلمة، ثم حرصها - جزاها الله خيرًا - على أولادها، وعلى تربيتهم، وأن يبقوا في بيت والدهم، وهو أكرم لهم وأعز وأحسن، فكل هذا من هذا القبيل، امرأة لها ظروف وعمل خاص، ولا تستطيع أن تتفرغ للزوج تمامًا، وتقول: أنا أتزوج على شرط أن تأتيني في البيت، ويقول: أنا آتيك للبيت بالأسبوع مرة أو مرتين.

 

وشخص لا يستطيع بناء بيت، فقال: أنا أخطب هذه المرأة على أن آتيك في بيتك ليلتين في الأسبوع أو ثلاثًا، وقبلت، هل من أحد يمنع مثل هذا النكاح؟

وقد تنازلت بعض نسوة النبي صلى الله عليه وسلم عن حقهن في المبيت، وهذا ثابت، وأما تعليق الأحكام بالمصطلحات العرفية، فهذا شيء آخر، المجمع الفقهي لم يُصدِر قرارًا بجواز زواج المسيار أو علق الأحكام على زواج المسيار، بل أصدر حكمًا عامًّا على أوصاف معينة، ومتى ما وقع العمل على هذه الكيفية، فلكل إنسان ظروفه وأحواله، ولكن أوصي المرأة التي تُقدِم على مثل هذا النكاح، وأوصي أولياءها أن يحرصوا على توثيق النكاح على أشد ما يكون التوثيق؛ حتى لا يكون ذلك وسيلة لضعاف النفوس ممن لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة من الذواقين؛ كالذين يدخلون كالمختلسين فإذا حصل في البنت حمل أو نحو ذلك، سل نفسه، وقال: هذا ليس مني، هذا أمر خطير، وبالتالي يجب أن يتنبه الأولياء والنساء أيضًا على الإقدام في الأنكحة غير الموثقة، بل ليوثق النكاح، ويشهد عليه، وليقع عند المأذون، وتأخذ المرأة الوثيقة، وتضعها عند أحد أقربائها أو أهلها، وتتشدد في التوثيق أشد ما يكون، حتى مثل هذا الرجل أراد أن يعتلي أو يختلي أو يتلاعب، فإذا هو لا يستطيع، وإذا تساهل الإنسان فقد يقع الرجل في هذا البنت من دون عقد - أو عقد بدون توثيق - ثم إذا هو تذوَّق عددًا من المرات سل نفسه، ثم إذا أحس الحمل من المرأة، وجدته يتملص من هذا الحمل، هذا خطر، وهذه أمور لا يرضاها الشرع ولا يقرها، ولو ترتب عليه مثل هذه المفاسد وكثرت هذه المفاسد، لكان ذلك وجهًا لمنع هذا الزواج، فالواجب أيضًا على المرأة وأوليائها أن تحرص على ما فيه حفظ حقوقها، وصيانة عِرْضها وعِرْض أهلها.

 

يقول السائل: فضيلة الشيخ، قلت لزوجتي في التليفون: تكونين طالقًا ومحرمة عليَّ لو أعطيتِ ولدي فلانًا فلوسًا، فأعطت لأخيه الفلوس ليعطيها له، فهل وقع علي اليمين، وإن كان كذلك، فكيف أردها، وما الكفارة، جزاكم الله خيرًا؟

قال الشيخ: أوصي هذا الأخ الذي صدر منه هذا الكلام أن يراجع دار الإفتاء في الطائف، أو يراجع أحد مكاتب الدعوة لتفسير كلامه وبيان صفة الطلاق الذي حصل منه بدقة وإتقان على الصفة التي صدرت منه، ثم يرفع ذلك إلى سماحة المفتي، ثم بعد ذلك تصدر له الفتوى وفق ما ينوط ويرتب من أقواله حسب الأوصاف التي صدرت منه.

 

نسال الله عز وجل أن ينفعنا جميعًا بما علمنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا؛ إنه سميع مجيب.

وصلى الله على سيدنا محمد.






 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • فضل من أحب لقاء الله ورقية المريض نفسه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لقاء الجمعة - لقاء مفتوح مع الشيخ عبدالله آل خنين (صور أكل المال بالباطل)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • اللقاء الإيماني: اقتراح لأول لقاء بالمساجد بعد رمضان بإذن الله تعالى (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • شرح حديث: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • شرح حديث: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • شرح حديث من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لقاء الله عز وجل والعرض والحساب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لقاء مفتوح في 17-6-1427هـ مع مقدمة في بيان الضروريات الخمس (صوتية)(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • لقاء مفتوح ضمن سلسلة صمام الأمان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (نصية)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب