• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين / محاضرات مفرغة
علامة باركود

مشروعية الوقف وخطورة الاعتداء عليه وبيان بعض أحكامه (نصية)

مشروعية الوقف وخطورة الاعتداء عليه وبيان بعض أحكامه (نصية)
الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين


تاريخ الإضافة: 7/5/2017 ميلادي - 10/8/1438 هجري

الزيارات: 51730

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مشروعية الوقف وخطورة الاعتداء عليه وبيان بعض أحكامه

 

محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد آل خنين في جامع الإمام تركي بن عبدالله الجامع الكبير في 9/ 1/ 1429هـ

[فرغت المادة الصوتية، ثم روجعت من قبل الشيخ].

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد:

فإن الحديث سوف يكون الآن عن موضوعٍ مهم - كما أعلن سماحة المفتي - وهو مشروعية الوقف، وخطورة الاعتداء عليه، وبيان بعض أحكامه.

 

والوقف له أهمية كبيرة، ومكانةٌ عظيمة في المجتمع المسلم؛ لِما يؤديه من وظائف هامة في إعانة المسلمين، وتقوية الإسلام، ولما يحققه من قصد الواقف من المثوبة الجارية له عند الله عز وجل في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

والحديث عن هذا الموضوع، سوف يتناول تعريفه، ويتناول مشروعيته، ويتناول خطورة الاعتداء عليه، وصور وحالات ذلك، كما سوف يتناول شيئًا من أحكام الوقف وضوابطه ومسائله.

 

أما تعريف الوقف، فهو كما ذكر الفقهاء: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، فالأصل يبقى حبسًا محبسًا، لا يُتصرَّف فيه، والمنفعة مُسبلة تؤدي وظيفتها التي عُيِّنت له، سواءٌ كان ذلك من صرف الغلال على الفقراء والمساكين، أو على المساجد، أو غير ذلك مما ينص عليه الواقف، أو تقتضيه طبيعة الوقف.

 

ومشروعية الوقف ثابتةٌ بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وبإجماع وفعل الصحابة رضوان الله عليهم.

أما دلالة المشروعية من كتاب الله عز وجل، فقد جاءت نصوصٌ عامة تُؤكِّد على فعل الخيرات، وعلى أن ما يفعله المرء المسلم من خيرٍ يجده عند الله عز وجل تامًّا موفورًا في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

 

ومن هذه النصوص من كتاب الله عز وجل قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].

وهذه الآية بيانٌ بأن المرء المسلم ينال البر بالإنفاق مما يحب من المال المحبب إليه، ولَمَّا نزلت هذه الآية وسمِعها أبو طلحة رضي الله عنه قال: إن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وقد جعلتها صدقةً لله عز وجل، أرجو برها وذخرها عند الله عز وجل، فضعْها يا رسول الله حيث تشاء، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجعلها في الأقربين))، فجعلها في أقاربه وفي بني عمومته، وهذا ظاهر الدلالة على أن هذه الآية دالَّةٌ على مشروعية الوقف، وكذا دالة على حرص الصحابة رضوان الله عليهم على المسارعة إلى الخيرات، فإنه لَمَّا سمع هذه الآية أوقف هذا الوقف، وتصدق بهذه الصدقة يرجو برها وذخرها عند الله عز وجل، في اليوم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم.

 

ومن هذه الآيات التي تدلُّ بعمومِها على فعل الخيرات، وعلى مشروعية الوقف: قولُ الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 267].

فهذا أمرٌ من الله عز وجل بالإنفاق من طيبات كسبِ الإنسان، ومن وجوه ذلك أن يوقف من طيِّبِ كسبه في سبيل الله عز وجل؛ ليُحقق المثوبة له عند الله عز وجل، وليُحقق غرضًا اجتماعيًّا، فيه تقوية المسلمين وتقوية الإسلام وتحقيق أهدافه.

 

ومن ذلك أيضًا قول الله عز وجل: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 110]، وهذا ترغيبٌ للمرء المسلم بأن يقدم الخير، وأن ما يقدمه يجده عند الله عز وجل.

ومن صور ذلك أن يُقدِّم وقفًا يوقفه لله عز وجل، يرجو بره وذخره عند الله عز وجل، فدل ذلك على مشروعية الوقف، وهكذا مثل ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [التغابن: 16]، فهذا فيه أمر بالإنفاق الذي يدَّخر به الأجر عند الله عز وجل، ومن صورِ ذلك الوقفُ، فدل ذلك على مشروعية الوقف، وأن المسلم يوقف وقفًا يرجو بره وذخره وأجره عند الله عز وجل يوم القيامة.

 

كذلك جاءت السنة ببيان مشروعية الوقف، ومن أظهر ذلك وأبينه ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر لم أحب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها))، قال: فتصدق بها عمر "أنه لا يُباع، ولا يوهب، ولا يُورَّثُ، وتُصرفُ للفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، وقال: ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف"، فهذا واضح الدلالة، ونص المسألة من النبي صلى الله عليه وسلم كما حدَّث ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه أوقف هذا الوقف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك، فدل ذلك على مشروعية الوقف، وهكذا ما جاء من الأحاديث دالاًّ على فضل الصدقة، وعلى أن الإنسان يفعل الخير ويُقدِّمه لنفسه، وأن ذلك ينفعه عند الله عز وجل، كله يدخل في هذا السياق في بيان مشروعية الوقف؛ لأنه يدخل في هذه المعاني كلها.

 

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى الإمام مسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)).

فإذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من هذه الثلاث، ومن ذلك الصدقة الجارية، ولا شك أن الوقف في حكم الصدقة الجارية؛ لأن المرء المسلم يحبس أصله ويسبل منفعته؛ لتجري له دارَّة مستمرة، ويدر أجرها ويستمر عند الله عز وجل، فكان الوقف داخلاً في معنى هذا الحديث. والوقف من جهة مشروعيته هو سنة وليس واجبًا، بل هو سنة ومستحب، مَن فعله فهو مُثاب عند الله عز وجل، ومن تركه فإنه لا يلحقه إثمٌ في ذلك، ولكن الوقف يُنظر إليه أيضًا من جهة أخرى، من جهة لزومه، فهو لازم منذ أن يوقف الإنسان وقفًا، فإن ذلك يكون لازمًا، ويثبت بمجرد القول وإن لم يحكم به حاكم.

 

أما الوقف الذي يُعلق على الوفاة، فإن هذا له حكم الوصية، وقد قال عمر رضي الله عنه إذا حدث بي حادث الموت فثَمْغ صدقة، فهو يقول: إذا حضرته الوفاة ومات، فإن ثمغًا صدقة - مُلك يملكه صدقة - أي وقف لله عز وجل؛ وهذا الحديث رواه أبو داود، فدل هذا أيضًا على أن الوقف المعلَّق على الوفاة صحيح، ولكن له حكم الوصية، وليس له حكم الوقف. وهناك فرق بين الوقف وبين الوصية، فإنهما يتفقان على أنهما جميعًا قربى وفضل لله عز وجل، وجعلُ شيءٍ من المال بعد الوفاة يجري للإنسان ثوابه، ولكنهما يختلفان في أمورٍ؛ منها أن الوقف يكون منجزًا ينجزه الإنسان في حياته ولا يعلقه بالوفاة، وأما الوصية، فإن الإنسان يعلقها بالوفاة، فهي لا تلزم إلا بعد وفاته، أما الوقف المنجز، فإنه متى ما أوقف الإنسان بمجرد انتهائه من اللفظ يلزم الوقف، ولا يحق له الرجوع فيه ولا تعديله ولا تبديله.

 

وأما الوصية، فإنها لا تلزم إلا بالوفاة، فيحق أيضًا للموصي أن يرجع عنها، أما الوقف، فلا يحق للموقف أن يرجع عنه بعد أن يخرج منه، ويثبت ذلك بمجرد تلفظه به.

مما أحب أن أشير إليه في هذا الصدد أنه أيضًا مما يدل على مشروعية الوقف الإجماعُ، فقد انعقد الإجماع على مشروعية الوقف؛ لِما نقله الأثبات من العلماء عن الصحابة رضوان الله عليهم، أجمع الصحابة ومَن بعدهم على مشروعية الوقف وعلى صحته، وعملوا بذلك، ولم يُعرف لهم مخالف كما حكاه ابن قدامة في المغني، وحكى أيضًا الإمام النووي مثل ذلك، فدل ذلك أيضًا على مشروعية الوقف من الإجماع.

 

• من جهة مصارف الوقف، فإن الأصل في مصارف الوقف أنها تكون فيما يكون فيه تقوية الإسلام، وفيما فيه نفعٌ للمسلمين، ولم يحدَّها الشارع بحدٍّ؛ وإنما كل وجه برٍّ لا يخالف الشرع وفيه نفع للإسلام والمسلمين، فهو جائز، كما صرح بذلك العلماء.

 

وأفضل الوقف هو أنفعه للخلق لتقوية الإسلام والمسلمين، وللوقف جهات كثيرة، لا يقتصر الإنسان على ما فعله الأقدمون، فإذا وجد الواقف ما قد كان يفعله أهله وآباؤه صار مثلهم؛ لأن أنماط الحياة تتغير وتتجدد من وقت لآخر، ومن حال لآخر، فالمسلم ينظر إلى ما هو أنفع للمسلمين وما يؤدي هذا الوقف دوره في تقوية الإسلام، فيُنفق فيه، ويجعل الوقف في هذا الباب؛ من ذلك مثلاً:

الآن في وقتنا الحاضر: حلقات تحفيظ القرآن الكريم، تشييد المساجد وبناؤها، وأيضًا صيانتها، أجهزة علاج المرضى، مساكن للفقراء، ونحو ذلك مما هو كثير، وقد كان الوقف في تاريخ الإسلام يؤدي شيئًا من هذا الدور، وقد كانت تُبنى منه المساجد، وتُشيد المستشفيات، ويُنفق على الأطباء وعلى العلاج منها، وتُبنى منه المدارس، وأيضًا تُنظف منه الشوارع وتُنار، ويؤدي وظائف عدة، فينبغي أن نفهم الوقف، وأن نفهم مصارف الوقف بهذا، لا أن نحد أنفسنا بما كان يفعله آباؤنا.

 

ومن الغريب أن بعضًا من الناس لا يزال يتمسَّك بأن يكون وقفه تُصرف غلته في أضحية، وفي حج، وقد يكون الإنسان قد حج، والحج اليوم يزدحم، فيُسبب بذلك التضييق على المسلمين، فمما أقوله إنه ينبغي أن يكون للإنسان نظر مُتسع في مصارف الوقف، وأن يستشير في ذلك مَن يثق به ممن لهم معرفة بمثل هذه المصارف والمناشط، وأن يحرص على أن يكون مصرف وقفه فيما هو أنفع للفقراء والمحتاجين، وفي تقوية الإسلام وفي نفع المسلمين، فهذه هي القاعدة العامة؛ أن يحذر كل الحذر من أن يذهب وقفه في مصرف لا يعود على المسلمين وعلى تقوية الإسلام بالنفع، أو يكون نفعه قليلاً وهناك مصرف آخر نفعه أكثر؛ لأن القاعدة - كما قلنا - ما كان أنفع للإسلام في تقويته وأنفع للمسلمين، فهو أعظم أجرًا عند الله عز وجل؛ لأنه هنا يؤدي وظيفة إيجابية نافعة، هي الغرض والمقصد الأسمى من صرف هذه الأوقاف في مصارفها، وكما قلنا كان في تاريخ الإسلام الوقف له وظيفة إيجابية كبيرة في نُصرة الإسلام والمسلمين، وأيضًا في تحقيق المثوبة الجارية للمُوقف، وتُصرف في شتى المصارف مما ذكرنا آنفًا.

 

ومن ذلك سُقيا الماء البارد، ونُزل المسافرين، وعلى دُور العلم وعلى نشره، وعلى تنظيف الشوارع وعلى إنارتها، فقد كان الوقف يؤدي وظيفة إيجابية، ونحن نريد أن يكون الوقف أيضًا هنا له وظيفة إيجابية، لا أن يكون الوقف مجرد اسم ولا يؤدي أي وظيفة إيجابية، أو يؤدي وظيفة إيجابية دون المأمول، وهناك من المصارف ما يمكن أن يؤدي فيها وظيفة إيجابية أكبر، فيجب على المسلم أن يحرص على أن تكون غلة وقفه في مصرف أنفع للإسلام والمسلمين، وأنفع في تقوية الإسلام وتحقيق أهدافه، فهذا هو المصرف الذي ينبغي للمسلم الموقِف أن يتجه نحوه، وأن يسعى إلى تحقيقه؛ لأن ذلك مما يُحقِّق له المثوبة الجارية والدرجات عند الله عز وجل.

 

• وصِيَغُ الوقف تكون قولية وتكون فعلية، فالقولية بأن يقول: "محبس مسبل"، ونحوها من الألفاظ التي يتحقق بها معنى إرادة الواقف أن هذا الشيء صار وقفًا محبسًا أصله، وأن نفعه مُسبل للغرض الذي يحدده، وقد يكون ذلك بالفعل، كأن يُخصص أرضًا للصلاة، ويفتح أبوابها للمسلمين للصلاة فيها، أو يخصص أرضًا لتكون مقبرة، ويسمح للمسلمين القبر فيها، فهو بذلك يكون وقفًا.

 

وأما الكناية المجردة كما لو قال: صلوا في هذه الأرض، ادفنوا موتاكم في هذه الأرض، فإنه لا يكون الشيء وقفًا إلا إذا اقترن بها نية، أو اقترن بها لفظ يدل على أن الشخص أراد بهذا الشيء أن يكون وقفًا مُسبلاً لله عز وجل. وعلى كل حال فالعرف له أهمية كبيرة في تفسير الألفاظ وبيان المراد بها.

 

• أما ما يتعلق بالاعتداء على الوقف:

فقد ذكرنا أن للوقف وظيفة إيجابية، وأن المسلم يسعى إلى تحقيق إيجابية هذا الهدف وهذه الغاية، فيصرف الوقف على مصارفه التي تحقق النفع للمسلمين والقوة للإسلام وأهله، وتحقق أهداف الإسلام والشريعة الإسلامية الغراء، ومن هنا فهذا الهدف النبيل يجب على المسلمين جميعًا أن يحترموه، وأن يعلموا أن الاعتداء على الوقف، سواءٌ كان ذلك بهدمه أو بسلبه، أو بغير ذلك من صور الاعتداء - جريمة عظمى، وخطر عظيم؛ لأنه يأتي على الأهداف التي يسعى الإسلام لتحقيقها من الوقف فيهدمها، فإذا اعتديت على الوقف معناه أنك قطعت الطريق على تحقيق هذه الأهداف.

 

ومن هنا جاءت النصوصُ عامةً وخاصةً بالوعيد الشديد في الاعتداء على الأوقاف، ومن النصوص العامة في ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188].

فهذا نهي صريحٌ عن أكل أموال الناس بالباطل، ومن ذلك أن مال الوقف مالٌ محترم، قد خصصه صاحبه ليكون قربةً له عند الله عز وجل، تدرُّ عليه الحسنات وتستمر، وتكون أغراضه وغلاته تحقق الغرض الصحيح من نفع المسلمين، فيأتي هذا الشخص المعتدي على الوقف باعتدائه على هذا الوقف، وتُهدَم هذه الأغراض الصحيحة، فيكون قد اعتدى على هذا المال فأكله، فهذا محرَّم وقطع الطريق على تحقيق أغراض هذا الوقف، وكل ذلك ممنوع في شريعة الإسلام.

 

من النصوص أيضًا قولُ الله عز وجل في سبب الوصية: ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾ [البقرة: 181]، وهذا نصٌّ صريح في النهي عن تبديل الوصية، والوقف مثلها، أو أَولى؛ فإن الاعتداء عليها بالتبديل أو التغيير منهي عنه، بل نصت هذه الآية على أن مَن فعل ذلك آثم، فهي صريحة في قول الله عز وجل: ﴿ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾ [البقرة: 181].

 

فيبين ذلك خطورة التعرض للوقف أيضًا بالتبديل، وهذه صورة من صور الاعتداء عليه. ولعلنا بعد هذا المعنى الإجمالي من بيان خطورة الاعتداء على الوقف، أن نأتي على الصور والحالات التي تُعد اعتداءً على الوقف؛ فمن صور ذلك:

تبديل صيغة الوقف وتغييرها وتغيير مصارف الوقف، إما بتعطيلٍ لها، أو أن تُصرف عن مصارفها الشرعية التي نص عليها الموقف، أو اقتضاها الشرع، وإما أن يُزاد فيها ما ليس منها، فيُدخل على الوقف ما لم يُرِده الواقف، وإما أن يُنقَص من الوقف شيء أيضًا من غلته، أو يُنقَص شيء من المصارف، فلا شك أن هذه صورة من صور الاعتداء على الوقف، وفاعل ذلك آثم؛ لعموم الآية التي سلف ذكرها: ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾ [البقرة: 181]، فيجب على الإنسان أن يحرص على الوقف وألا يتعرض له، وأن يتركه كما أراده الموقف في مصارفه الشرعية، من دون تعرض لها ولا تغيير، ما دامت جارية على سنن الشرع، وهذه الآية التي سبق وأن أوضحتها واضحةُ الدلالة على النهي الباتِّ القاطع عن العبث بالأوقاف وبتغيير مصارفها، والإثم والويل لمن تعرض لها ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾ [البقرة: 181].

 

• الصورة الثانية من صور الاعتداء على الوقف: كتمُ الوقف، كأن يأتي إنسان يعلم أن هذا وقف فيكتمه، وأول ما يتوجَّه الخطاب هنا إلى الورثة، فإن بعضًا من الورثة - هداهم الله - إذا أوقف الموقف وقفًا ووثَّقه وكتبه في ورقة ووضعه في صندوق، ثم فتحوا الصندوق ووجدوا هذه الورقة، يسارعون إلى إخفائها، أو إلى تمزيقها، ثم يتصرفون في الوقف بالبيع، وكأنه لم يكن، ولا شك أن هذا خطأٌ عظيم؛ لأن الكتم أشد إثمًا من التغيير، فإذا كان الله عز وجل نهى عن تغييره، فكيف بكتمه الذي هو أشد؟! لا شك أن هذا خطأٌ كبير، وجريمة كبيرة، وفاعله آثمٌ عند الله عز وجل، وينطبق عليه قول الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾ [البقرة: 181].

 

• كذلك من صور الاعتداء على الوقف: الاعتداء عليه بالاستيلاء والغصب، كأن يجد الإنسان وقفًا، وربما رأى أن ناظره قد انصرف عنه، فيضع يده عليه ويستولي عليه، ويضمه إلى أملاكه، ويتصرف فيه لنفسه تصرف المُلاَّك في أملاكهم، ثم لم يعد لهذا الوقف ذكر، استولى عليه وأماته وقطع عَلاقة صاحبه به، وأخذه له، وترك صاحبه الذي تعِب عليه وأوقفه قاصدًا أن تصرف غلاله فيما ينفع، قطع هذه المنفعة واستولى عليه، ولا شك أنه قد فعل بذلك عملاً مشينًا، وينطبق عليه قول الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]، بل ذلك أشد؛ لأن ذلك نهي عن أكل المال الخاص، فكيف بالمال الذي أوقفه صاحبه ليكون قربى عند الله عز وجل، وليكون فيه منفعة عامة للمسلمين؟ فيأتي هذا ويستولي عليه ويقطع منفعة الوقف وتحقيق المثوبة الجارية لصاحبه ونفع المسلمين، إلى آخره، فجريمته جريمة عظيمة.

 

كذلك من صور الاعتداء على الأوقاف: الخيانةُ من قِبَل متولِّيها، ومن قبل النظَّار عليها؛ بأن يأخذوا ويختلسوا من غلالها، ولا شك أن هذا أمرٌ منكر ومنهي عنه، والله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].

 

وهذا الذي أُمر بأداء هذه الأمانة قد تخلَّف عن أدائها، وخان الأمانة، وصار يختلس من غلال هذا الوقف، ويأخذ لخاصة نفسه، ويقطع أو يضعف المصارف التي أُرصد هذا الوقف لها، هذه صورة ولا شك من صور الاعتداء، ومن فعل ذلك فقد خان الأمانة، وويلٌ لمن خان الأمانة عند الله عز وجل يوم القيامة، في اليوم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، وهذا أيضًا ما أدَّى الأمانة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك))، وهذا خان الأمانة، فويلٌ له ثم ويلٌ عند الله عز وجل.

 

ومما يُسبب الاعتداء على الأوقاف أيضًا، وهو قد يكون صورةً من صور الاعتداء على الوقف: التساهلُ؛ تساهل النظار وإهمالهم في حفظ الوقف وفي رعايته، وفي إصلاحه؛ كي يبقى صحيحًا منتجًا دارًّا يُغطي غلاله التي أوقف لأجل نفعها، فإذا تعطل لا شك أنه سوف تقل غلته، بل قد تنقطع ويتعطل، ولا شك أن هذا اعتداء من هذا الناظر وتساهل، فهو بين خيارين؛ إما أن يقوم به على الوجه الصحيح، أو يبلغ القاضي بأنه لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة، كي تتولى المحكمة نصب ناظر آخر على هذا الوقف ليديره على أصوله الصحيحة، ولا يقوم هذا الناظر بهذه المهام الموكولة إليه؛ كي يبقى الوقف دارًّا مُنتجًا، يُصرف في غلاله، والحل في مثل ذلك؛ يعني في تساهل النظار أو في خيانتهم، أن يتم مراقبتهم، ولا شك أن رقابتهم أمرٌ مهم للغاية، والرقابة تكون قبلية، وتكون مع التصرف، وتكون بعد التصرف، وكلها من الأمور المأمور بها، بأن يُراقَب النظار في تصرفاتهم على الأوقاف من قِبَل القضاء، أو من قبل الجهات الإشرافية على الأوقاف، ورقابتهم في ذلك تكون رقابة قبلية، ورقابة مقارنة للتصرف، ورقابة بعدية، التي هي رقابة احتسابية، وكل ذلك داخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أصل من أصول الإسلام، جاءت الشريعة الإسلامية بتقريره، وقد قال الله عز وجل: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 104].

 

وأيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).

وقد جعل ابن تيمية - رحمه الله - هذا الباب - باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - أصلاً في إصلاح الولايات كلها، ومن ذلك النظارة على الأوقاف، وضبط النظارة على الأوقاف يكون - كما قلنا - قبل، ومع، وبعد، ويكون الضبط الوقائي في تصرفات النظار باختيار الناظر الصحيح، الثقة، الخيِّر، الحازم، الذي عنده الخبرة في إدارة الوقت وفي إصلاحه، وكل هذا جارٍ على سنن الشرع، فإن الولاية في الجملة لها ركنان: القوة والأمانة، القوة تعود إلى استطاعة المولَّى من الناظر ونحوه على هذا الوقف، بأن يكون حازمًا، وأن يكون خبيرًا في المجال الذي ولي فيه، والأمانة تعود أيضًا إلى قوة ديانته، واستقامته على أمر الله عز وجل، وكل ذلك تجمعه الآية التي جاءت من الله عز وجل على لسان ابنة شُعيب في موسى: ﴿ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].

فالقوة والأمانة مطلوبة في كل حينٍ وفي كل آنٍ، وفي كل والٍ، سواءٌ كانت هذه الولاية ولاية عامة، أو ولاية خاصة، فنختار للنظارة على الأوقاف القويَّ الأمين، الذي يُحقق حماية الوقف ويقوم بمصالحه.

 

• ومن ذلك أيضًا أن نُحدِّد تصرُّفات عمل النظار، وأن يكون تصرفه في حدود مصلحة الوقف، وأن يتركوا ويعرضوا عن كل ما من شأنه أن يضر بالوقف؛ ولذلك فالوقف لا يبدل ولا يتنازل عنه مجانًا، وحتى الصلح في القضاء لا يتم الصلح إلا إذا كان الصلح فيه خير ومصلحة للوقف، كل هذه المعاني ينبغي أن يستحضرها الناظر على الوقف.

ويعلم أيضًا الناظر على الوقف أن تصرفه في الوقف منوط بالمصلحة، وهذه قاعدة في التصرفات كلها، أن الإنسان فيما ولي، أو وكِّل، أو جُعل ناظرًا أو وليًّا عليه، إنما يتصرف بالمصلحة فحيثما كانت المصلحة للشيء الذي هو قد ولي عليه عمِلها، وحيثما كانت المضرة لهذا الشيء الذي ولي عليه، فعليه أن يجتنب ذلك، وأن يكون ذلك ديدنًا وعملاً دؤوبًا واضحًا لهذا الناظر.

 

أما الضبط الرقابي، الذي يكون مع تصرفات المُوقف وتصرفات الناظر، فهذا يكون برسم القواعد التي تجعل الناظر تحت رقابة القضاء حفظًا للأوقاف، سواء كان ذلك في بيع الوقف، أو في شرائه، أو في تحويله، أو في تغييره، أو في غير ذلك من التصرفات التي تحتاج إلى رقابة القضاء، فتُرسم القواعد الإجرائية التي تضمن حسن تصرف الناظر، وقد ذكر الفقهاء جملةً من الأحكام والإجراءات التي تتعلق بذلك، وجاءت أيضًا التعاليم المنظمة لذلك، وهي موجودة ومعمول بها لدى المحاكم.

 

أما الضبط الاحتسابي، فيكون بعد التصرف، وإن كان بعضه أيضًا مع التصرف، لكن من شأنه أن يضبط هذا التصرف ولا يقع من الناظر خطأ ولا خلل، وإن وقع خطأ وخلل، فيمكن مباشرة محاسبته على ذلك، ومن أظهر ذلك - أي الضبط بالاحتساب - جعل الدواوين لمتابعة النظار، وهذا أمرٌ مقرَّر عند الفقهاء ومعمول به، بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقتضيه، ففي الصحيحين عن أبي حُمَيد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد على صدقات بني سُليم، يُدعى ابن اللُّتْبِيَّةِ، فلما جاء هذا الرجل حاسبه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا ما لكم، وهذا هدية؛ يعني يقول ابن اللتبية: هذا ما لكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهلاَّ جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا))، ثم خطب وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا ما لكم، وهذا هديةٌ أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا، والله لا يأخذُ أحدٌ منكم منها شيئًا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رُغاء، أو بقرةً لها خُوار، أو شاةً تَيْعَرُ))، ثم رفع صلى الله عليه وسلم يديه حتى رُئِي بياض إبطيه، ثم قال: ((اللهم هل بلغت!)).

 

وهذا الحديث - كما قلتُ - أصل في جعل الدواوين على النظار وفي محاسبتهم، وممن صرح بذلك الإمام ابن تيمية - رحمه الله - والإمام النووي، فقد بينَا جميعًا أن هذا الحديث أصلٌ في اتخاذ الدواوين، وتقييد الوارد فيها والمنصرف، وأيضًا محاسبة النظار على ذلك واردًا ومنصرفًا، فإن وجد منهم خيانة، فتسترد منهم، ويتخذ بشأنهم ما يلزم من التأديب أو العزل، ومما يدل أيضًا على محاسبة النظار أن عمر رضي الله عنه كان يحاسب عمَّاله إذا وجد عندهم مالاً بعد أن لم يكن، حاسبهم وقال لهم: من أين لكم هذا؟! ولم يكن رضي الله عنه ورضي عنهم يُخوِّنهم، بمعنى أنه يتَّهمهم بأنهم أكلوا المال حرامًا، كلا وحاشاه وحاشاهم، بل كان يحاسبهم ويأخذ ذلك منهم كما فعل مع بعض العمال، أخذ شطر ماله قال: لأنك اشتغلت عن الولاية، تركت ولايتنا، أو أهملت ولايتنا، أو اشتغلت بغيرها، فنأخذ منك ما كسبت؛ لأنك اشتغلت عن ولايتنا، كما فعل مع أبي هريرة رضي الله عنه حينما كان واليًا على البحرين.

 

أيضًا من ضبط تصرفات النظار بعد وقوعها: الاعتراضُ عليهم فيما لا يسوغ، فإن وجد منهم أو ظهر منهم عمل لا يسوغ لهم عملُه ولا اتخاذه، وجب على الجهات الإشرافية على الأوقاف من المحاكم أو غيرها، أو مَن وجَد ذلك من المسلمين، أن يرفع أمرهم إلى الجهات الإشرافية على الأوقاف، اعتراضًا على هذا التصرف الذي لا يسوغ، وربما أدى هذا التصرف إلى إفساد الوقف، أو إذهاب بعض غلته.

 

ونأتي بعد هذا إلى ذكر بعض الأحكام والقواعد والمسائل المتعلقة بالأوقاف:

من ذلك مثلاً وجوب الوفاء بشروط الواقفين مما لا يخالف الشرع، هذا أصلُه فعلُ عمر رضي الله عنه في وقفه - وقد ذكرت وسمعتم طرفًا منه - فإنه لما أوقف هذا الوقف اشترط شروطًا، بأن لا يباع، ولا يوهب، ولا يُورَّث، ويُصرف للفقراء والقربى، إلى آخر ما جاء في شروطه رضي الله عنه.

 

فالأصل احترام شروط الواقفين في الوقف، سواء كان ذلك في مصرف الوقف، أو كان ذلك أيضًا في جعل النظار على الوقف، ما لم تخالف الشرع، هذا قيد مهم؛ لأنه إذا وجد شيءٌ من شروط الواقفين يخالف الشرع، فإن المخالفة باطلة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الطاعة في المعروف))، وكما قال في الحديث الآخر: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))، وكما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل))، فالشروط التي تخالف الشرع لا شك أنها باطلة، والشروط التي لا تخالف الشرع، فإنه يجب الوفاء بها ما أمكن.

 

ومما ينبغي أن نُنبِّه عليه في هذا المقام أن صيغ الأوقاف يجب أن تُفهَم طبقًا لأعراف المتكلمين، ولمقاصد المكلفين في تفسير ألفاظ الوقف وصيغة الوقف، وألا نذهب في تفسيره إلى دقائق اللغة العربية، وقد صرَّح بهذا غير واحد من أهل العلم؛ منهم: ابن تيمية، والعز بن عبدالسلام، والشيخ محمد بن إبراهيم، بأن تصرفات المكلفين من أقوالهم، ومن أوقاف الواقفين، ومن وصايا الموصين - تُفسَّر طبقًا لأعرافهم في ألفاظهم، ومقاصدهم في تعاملاتهم، ولا تُرد إلى دقائق اللغة العربية؛ لأن هؤلاء الذين يوقفون قد لا يَلتَفتون إلى هذه المعاني، وإنما يلتفون إلى الأعراف في الكلام، ومقاصدهم في الأوقاف، ومن هنا نعرف خطأ بعض النظَّار على الأوقاف؛ إذ ربما أورد بعض الواقفين في وصيته، أو في وثيقة وقفيته لفظًا أراد به تضخيم الأمر وتعظيمه في وقته، ثم ذهب، ومضت الأوقات، فصار هذا المفخم في وقته الآخر قليلاً، مثل ما يرد في بعض نصوص الموقفين بأنه أوقف داره أو أرضه للشيء الفلاني، وجعل في غلته مثلاً أضحية تُصرف وتشترى، ولو بلغت الأضحية ريالاً، هذه الوصية كانت قبل قرن أو قبل قرنين، الأضحية ممكن كانت في ذلك بربع ريال، أو بنصف ريال، فيأتي بعض ضعاف النفوس من النظار، فيُعطِّل الضحايا، لماذا؟

 

بحجة أن الريال لا يأتي بأضحية، وأن الآن تؤجل الأضحية الوقف وربما كان دخل بعشرات الآلاف من الريالات، فليتَّقِ اللهَ النظارُ، وليعلموا - كما قلنا - أن تفسير ألفاظ الواقفين يأتي طبقًا لأعرافهم ولمقاصدهم في الكلام وفي الوقف، وألا نخرج عن هذه القواعد ونتمسك بمجرد الألفاظ التي توجب أو تسبب تعطيل الوقف، لا شك أن هذا خطأٌ وأيما خطأ.

من ذلك أيضًا أن نعلم أن الوقف من ضوابطه أن يكون المُوقف مُكلفًا، بمعنى أن يكون بالغًا عاقلاً، فلا يصح الإيقاف من صغير ولا مجنون.

 

ومن ذلك أيضًا أن يكون الواقف غير محجور عليه، فإذا كان الواقف محجورًا عليه، إما لسفه، أو محجورًا عليه لصغر، أو محجورًا عليه لفلس، فإنه لا يتصرف في هذا المال، وإذا تصرف بالإيقاف، فإن تصرفه يُعد باطلاً، وصرَّح جمع من المحققين من العلماء أن الإنسان إذا أفلس فإن تصرفه في ماله بالوقف غير صحيح؛ لماذا؟

لأن المال الآن تعلقت به حقوق الغرماء، حتى وإن لم يحجر عليه، وممن ذكر هذا الإمامُ ابن تيمية وآخرون، ذكروا هذا في الأوقاف، وأن الإنسان إذا كانت ديونه قد غطَّت ماله، فإنه ممنوع من التصرف فيها بالإيقاف.

 

أيضًا من الضوابط والقواعد في هذا الباب: أن العين التي توقف لا بد أن تشتمل على منفعة دائمة؛ كعقار، وحيوان، وما في حكمها؛ لأنه إذا لم يكن لها منفعة دائمة، فما الفائدة من الوقف؟ لأن الوقف - كما سبق أن عرفناه - حبس الأصل وتسبيل المنفعة، والتي لا يكون فيها منفعة مستمرة، فأي شيءٍ يحبس؟ فلا يصح وقفُ ما لا نفع فيه أبدًا.

 

أيضًا من الضوابط في هذا الباب: أن يكون الوقف على جهة بر؛ لأن المقصود بالوقف هو الثواب عند الله عز وجل، والنفع للآخرين لتقوية الإسلام، لنفع فقراء المسلمين في الجملة، فإذا لم يكن على جهة بر، فما هو الغرض الذي حققه؟! فلا يجوز الوقف على جهة معصية أبدًا، وإلا انقلب إلى ضده وإلى ضرر، بدلا من أن يكون فيه مثوبة للمُوقف، فهذا صار فيه إثم على الموقف، وهذا باطلٌ أن يكون الوقف على جهة غير بر، وهو لا شك لا يصح، كالوقف على الغناء وعلى الخمور ونحوها.

 

أيضًا من الضوابط في هذا الباب: أن يكون الوقف ناجزًا، فلا يصح الوقف مؤقتًا؛ كنحو أن يقول: أوقفت داري شهرًا، ثم بعد ذلك تعود إليَّ، ولا معلقًا بالموت، ولكن الوقف إذا عُلق بالموت يكون له حكم الوصية، بمعنى أنه ينفذ عند وفاته، ويكون أيضًا نفاذه من ثلث المال، ولا ينفذ الزيادة على ثلث المال، إلا بإجازة الورثة، ونحو ذلك.

 

مما ينبه عليه في هذا الباب أيضًا أن الأوقاف - وهذا تابع لمصارف الأوقاف - تكون خيرية، وتكون أهلية:

والخيرية التي على الجهات الخيرية؛ مثل بناء المساجد، ونفع عموم الفقراء والمساكين، وما في حكمها.

أما حكم الأوقاف الأهلية، فهي التي تكون على الأقارب وعلى الذرية، وما في حكم ذلك، فهذا وقف أهلي.

وأما الوقف الخيري، فيكون على جهات خيرية؛ كالمساجد، والمستشفيات، وما في حكم ذلك.

 

هناك أيضًا بعض الأمور تتعلق ببعض التصرفات من النظار:

• منها أن الوقف الأصل فيه أنه لا يجوز بيعه، ولكن إذا قامت حاجة لبيعه؛ كتعطل منافعه مثلاً، فالراجح من أقوال أهل العلم أنه يجوز بيعه، ويتعين أن يشترى بدله فورًا وهكذا، تبعًا لمصلحة الوقف، فإنه يتعين على الذي تولى أمر هذا الوقف أن يبادر إلى شراء بدل عنه.

 

• ومنها عمارة الوقف، ولا شك أن من مهام الناظر عمارةَ الوقف، سواء كان ذلك بإصلاحه وترميمه، أو حتى بإعادة بنائه إذا انهدم، أو تعطل بناؤه ولم يكن صالحًا للإغلال، فإنه يتعيَّن على الناظر عليه أن يُسارع إلى إعماره.

 

• كذلك إجارة الوقف، وأن يحرص على ما فيه مصلحة الوقف في الإجارة، سواء كان ذلك من الانتهاء بحد الإجارة المناسبة له، أو كان ذلك في مدة الإجارة، يؤجره المدة المناسبة، ولا يطيل الأجرة؛ لأن الإطالة أحيانًا يكون فيها إضعاف لمقدار الأجرة، فيؤجره المدة المناسبة ولا يطيل في ذلك بما يضر الوقف نفسه.

 

• كذلك أيضًا من صور التصرفات في الأوقاف: الاستدانة على الوقف عند الاقتضاء والحاجة، فلو مثلاً انهدم بناؤه، أو احتاج إلى ترميم، أو نحو ذلك، ولم يكن هناك من غلال الوقف ما يكفي، فإنه لا بأس أن يستدين على الوقف، سواء كانت الإدانة من قِبَل الناظر، أو من قِبَل آخر، وذكر العلماء أنه يجوز رهن منشآت الوقف لهذا الغرض، وكذلك تغيير صورة الوقف عند الاقتضاء، كأن يكون مثلاً "فيلا" وقد تقادم بناؤها، يريد يهدمها ويعيدها لتكون مثلا ًعمارة من أدوار متعددة مثلاً، أو محل وقف كان دارًا قديمة وصارت بالقرب من السوق، وناسب أن يجعلها مثلاً دكاكين، فإن له ذلك، وعليه مراجعة المحكمة في هذه التصرفات.

 

وكذا نقل الوقف من بلد إلى بلدٍ، الأصل أنه لا يُنقل، ولكن يجوز نقله عند الاقتضاء، ويكون ذلك تحت إشراف المحكمة المختصة، عدا بعض المدن؛ كمكة مثلاً والمدينة، فالأصل ألا تنقل الأوقاف منها.

كذلك ما يتعلق بالمضاربة بمال الوقف، كما لو مثلاً خرب الوقف، أو خربت محلاتها وباعه، ولم يأتِ إلا بثمنٍ قليل، لكن هذا الثمن أتى بوقفٍ آخر مماثل للوقف الأول، ويسد جهات غلاله، ففي هذه الحال لا بأس أن يضارب بالمال، وينمِّيه حتى يكثر، ويستطيع أن يشتري به عقارًا مثلاً يُغل، لكن إذا ضارب في هذه الأموال، فيجب أن يتنبه أن يجتنب المضاربات ذات المخاطر العالية؛ مثل الأسهم؛ لأن ذلك مما يضر بالوقف أحيانًا، كما حدث في أزمة الأسهم، وضع بعض الناس أموالاً خيرية كانت تحت أيديهم في هذه الأسهم، ثم ذهبت، ولا شك أن هذا تصرف غير صحيح.

 

كذلك أيضًا الصلح في خصومات الوقف، وهذا تتولاه المحاكم، لكن الأصل أن ناظر الوقف لا يقدم على الصلح إلا إذا كان الصلح من مصلحة الوقف، أما إذا لم يكن الصلح من مصلحة الوقف، فليس له الصلح، وكذا ليس له الإقرار على الوقف إذا لم يكن التصرف قد نتج من قِبله، ولا التنازل عن شيءٍ من الوقف، ولا التبرع منه؛ لأن هذه تصرفات خارجة عن نطاق الناظر.

 

هذه جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بالوقف.

أسأل الله عز وجل أن ينفعنا جميعًا بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا إنه سميعٌ مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

♦ ♦ ♦


تعليق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية على المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد، أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وعلى صحابته أجمعين، وعلى مَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

فقد استمعنا جميعًا إلى هذه المحاضرة القيمة النافعة المفيدة الشاملة بعنوانها، التي تحدث فيها فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد آل خنين، عن قضيةٍ مهمة في الوقف؛ من حيث مشروعيته، وأصل التعدي عليه، وبعض أحكامه، ولا شك أن الوقف قضيةٌ مهمة ينبغي التنبيه عليها، والاهتمام بها، فأولاً الترغيب في أصل الوقف، وأنه من الأعمال الخيرة المستمر نفعها للعبد بعد موته، فإن أعماله تنقطع بموته، إلا أعمالاً كان سببًا في إحداثها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)).

 

والله يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92].

وقال: ﴿ مَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل: 20].

والوقف إذا أُحسِنت صيغته، وروعيت فيه المنافع العامة، التي تنفع الفرد والمجتمع، وكان المُعِدُّ لصيغته ذا علمٍ وفضل وفقهٍ في الدين، كان هذا الوقف مؤديًا للغرض المقصود منه، والوقف كما نعلم قسمان: وقف على أعمال البر عمومًا، ووقفٌ على الذرية، وكلاهما جائز، فإن الوقف على الذرية إذا قصَد به المُوقِف منفعتَهم وتحقيق مصلحة لهم؛ خوفًا من ضياع الأموال بتقاسم الورثة، وراعى في ذلك تقوى الله، وقرن مع استحقاق الذرية أعمالاً من أعمال البر عند اغتنائهم وتوفُّر الخير بأيديهم، فذاك من القربات النافعة.

 

وبيَّن الشيخ حديث عمر في أصل وقفه، وكيف كان أوقفه، وأن النبي أمَره أن يوقف على الفقراء والمساكين والضيف وابن السبيل، وفي سبيل الله... إلى آخر الحديث.

وتحدث الشيخ عن صور الاعتداء على الوقف، فهو أمانةٌ لدى النظار المسؤولين عن الوقف، والله قال في الوصية: ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾ [البقرة: 181]، فمن الصور أن يجحدوا الوقف ويخفوه ويكتموه ويتواصوا بكتمانه، لكونه على أعمال البر، وهم لا يريدون عمل بر، وإنما يأخذونه لأنفسهم، مع كثرة ما أخذوه، وقلة ما أوقف، فجحدان الوقف وإنكاره وإخفاء صيغته فعلٌ من التعدي عليه.

 

وتغييره بالزيادة أو النقصان، أو إدخال ما لا يريد الواقف أن يُدخل فيه، هذا من التعدي عليه، ونقله وبيعه بلا مصلحة، هذا أيضًا من التعدي عليه.

وإهماله وتضييعه وعدم المبالاة به، هذا من التعدي عليه؛ لأنه أمانة، فمن اؤتمن عليه، إما أن يقوم بمهمته، أو يكله إلى غيره، أو يسلمه لقاضٍ شرعي.

 

هذه الأوقاف هي سبب التنازع بين الورثة، إذا ساء الاستعمال، وقلت الأمانة وضعفت، وعظم الطمع، فإن هذه الأوقاف أحيانًا قد تكون مصدرًا لتفكك الرحم وتقاطعهم، لكن إذا اتَّقى اللهَ الناسُ، واتَّقى اللهَ الناظرُ فيه، وراقب الله، وقام بواجبه عليه، فإن هذا سيحفظ هذا الوقف، وسيستمر الوقف على أداء أغراضه لما وقف عليه.

 

والسلف الصالح تنوَّعت أوقافهم في عالَم الإسلام في القرون الخالية، تعددت الأوقاف؛ فأوقفوا على الفقراء، وأوقفوا على المجاهدين، وأوقفوا على طلاب العلم، وأوقفوا المدارس، وأوقفوا الكتب، وأوقفوا حتى إخراج ماءٍ من بستانه وحائطه للمارَّة بهذا الطريق؛ كل هذا من حرصهم على الخير.

 

لقد كانت الأوقاف في عهد القرون الخالية مصادرَ لتأمين المجاهدين، ودعم ثغور الإسلام في مقاومة الأعداء، وتسلح المسلمين، ولقد كانت تنفق على أهل العلم والخير والقائمين بالمدارس وأداء الدروس والناس، والعلم، كانت الأوقاف تخدمهم، وكانت تعينهم على كل خير، ذلك أن هذا أرادوا به وجه الله والدار الآخرة، أرادوا بها التقرب إلى الله؛ ولهذا في المسجد: ((مَن بنى لله مسجدًا، بنى الله له مثله في الجنة)).

 

وأعمال الخير والقربات تجري عليها ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 16].

فالأوقاف على أعمال البر وأعمال الخير والقربات؛ من تعليم القرآن، وتحفيظ القرآن، ونشر كتب السلف الصالح، والدعوة إلى الله، ونشر هذا الدين، ومواساة الفقراء والمحتاجين في الحالات والضرورات، كل هذه من الأوقاف الخيِّرة التي يبقى لذلك المُوقف ثوابه يجري عليه في لحده، فيستأنس بما عُمل له، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، والحقيقة أن المحاضرة قد غطت هذا الموضوع واستحوذت عليه كاملاً، لكنها مني مجرد مشاركةٍ ولو يسيرة، ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

شكر الله لسماحتكم، وهذه أسئلةٌ نطرحها على سماحتكم.

يقول السائل: ما الفرق بين الوصية والوقف، وجزاكم الله خيرًا؟

يقول العلماء: بين الوصية والوقف فروق:

أولاً: أن الوصية إنما تكون بعد الموت، فهي التبرع بالمال بعد موت الموصي، بخلاف الوقف قد يكون موجزًا بالحياة، ويأخذ أحكامه، وقد يكون في سند وصية.

ثانيًا: أن الوصية يكون للموصي أن يغير زيادةً ونقصانًا أو يلغيها، بخلاف الوقف، فإن الوقف لا يحل التصرف فيه إذا أوقفه، فخرج من ملكه.

ثالثًا: أن الوقف يكون على الورثة؛ لأنه لا يُملِّكهم الرقبة، إنما يُملِّكهم المنفعة، والوصية لا يجوز أن تكون لوارث مطلقًا.

وأيضًا الوصية تكون بالثلث فقط لا أكثر، بخلاف الوقف، فلا يعتبر بذلك.

 

ويسأل آخر: هل على الوقف زكاة؟

• لا، أصل الوقف لا يُزكى، أما غلته، فإن كل صاحب غلة إذا قبض غلته ومضى عليها سنة زكَّى، وأما الوقف وأموال الوقف الذي أوقفه، فليس فيه زكاة.

 

• يقول السائل: ماذا يقول الذي يريد إيقاف شيء؟

• يقول: أوقفت داري الفلانية، وجعلت في وقفها أضحية لي ولوالدي، وجعلت في غلتي كذا وكذا، وجعلت لأولادي سكنًا، ونحو ذلك؛ لأن الوقف إذا جُعل للأولاد فيه جزءٌ يسير، حافظوا عليه، وإذا قال: هذا وقفٌ، وسكت، فربما يتركونه، لكن لو قال: هذا الوقف مع الأضحية، وينظر في الباقي، ويقسم في أقسام؛ قسم للمحتاجين، وقسم لباقي الورثة، هذا في رأيي أنه أسلم للوقف، وأدعى لحفظه؛ لأن النفوس مجبولة على حب عاجلها، فإذا جاء له وقف عام ولم يجد لنفسه شيئًا، أخشى من تكاسلهم وتقاعسهم عن القيام بحقه.

 

• يقول السائل: عنده مسجد وله سكن يتبعه، فهل يجوز توسعة السكن من هذا المسجد؟

• اقتطاع جزءٍ من المسجد لمرافق المسجد هذه مسألةٌ لها وضعٌ خاص، وقد أنيطت هذه المسألة - الاقتطاع من المسجد - بالقضاء أو بدار الإفتاء، فعندما يكون شيءٌ من هذا يرجع فيه إلى المحكمة القريبة منه، أو في دار الإفتاء، ليُنظر في الموضوع نظرة فاحصة، حتى لا يُفتى إلا على قدر ما تدعو الحاجة إليه.

 

• يقول: تَرِدُ للجمعية الخيرية مصاحفُ مستعملة من المساجد، ثم يقومون بتجليدها وإرسالها للخارج مع أنها كانت وقفًا على المسجد.

• ما ينبغي، ما دامت وقفًا على المسجد تبقى فيه، وبالإمكان الإتيان بمصاحف أخرى؛ لأن الوقف على المكان المعين ما لم يدع شيء إلى نقله، فالواجب البقاء على حاله.

 

• يقول السائل: هل يمكن أن أوقف منزلي الذي أسكن فيه أنا وعائلتي، وأشترط الانتفاع به في حياتي، وبعد ذلك يكون وقفًا على ذريتي؟

• إذا ما كان عندك غيره، فصعب أن توقفه؛ لأنك إذا أوقفته حرمت المتصرفين، الذي يوقف هو من عنده سَعة، أما من ليس عنده إلا مسكنه فأوقفه، فلنفرض أن أولاده احتاجوا شيئًا، هل يقول: هذا ما عاد يُتصرَّف فيه، فالأولى ألا يوقف إلا إنسان عنده شيءٌ زائد، أما مسكنك الخاص، فلا، لا يصلح هذا.

 

• يقول السائل: عندي مساكن وأريد أن أوقف أحدها للمحتاج من أبنائي وبناتي، وللمردودة من بناتي، علمًا أن لدي أولادًا قد تفرقوا، فهل يجوز ذلك؛ أن أوقف للمحتاجين من أبنائي؟


• لا مانع؛ لأن الزبير جعل في وقفه سكنًا للمردودة من بناته، فإذا قال: هذه العمارة أوقفتها لمن احتاج من أولادي ذكورًا وإناثًا أن يسكن فيها، أو يُعطى أجرة السكن من الغلة، والباقي لأعمال البر ونحو ذلك، فهذا عملٌ طيب.

• ويقول آخر: عندي عمارةٌ تجارية أريد إيقافها على المساكين والفقراء والأضاحي، فماذا عليَّ عمله؟ وما رأيكم في ذلك؟


• والله هذا عملٌ طيب، لكن أنا أُفضِّل أن يكون للولدِ جزءٌ ولو يسيرًا منها؛ لأني اطَّلعت على كثير من أوقاف مَن أوقفوا للأعمال العامة، أهملها الورثة، وقليلٌ مَن يقوم بالواجب، والنفوس ضعيفة، لا بد يا إخواني أن يكون للورثة جزء ولو متأخرًا، يشعرون بأن هذا الوقف لهم؛ لأنه إذا جعل للفقراء، إما أن يُسلِّموه للأوقاف العامة، وربما اختلط بغيره وفقد الصيانة والعناية به، فكَوني أجعل للورثة جزءًا منه لهم، فهذا يمكنهم من الاعتناء والاهتمام بذلك.

 

• يقول السائل: ما حكم بناء المسجد، ومصلى العيد على أرضٍ موقوفة لله؟

• إذا كانت الأرض موقوفة، ينظر في وقفيتها، إذا كانت للفقراء والمساكين، فلا، وإن كانت وقفًا على عمل بر، فالمساجد من البر، أما إن كانت موقوفة على الأضاحي أو على معين، فلا.

 

• تقول السائلة إن أمها نذرت منذ خمسة عشر عامًا أن تصوم ولم تصم إلى الآن، وإلى الآن هي مريضة بالسكر، فماذا عليها أن تفعل؟

• تُكفِّر كفارة يمين.

 

وفق الله الجميع لكل خير

وبارك الله في الجميع، وجزى الله الشيخ عما قدم وأبدى خيرًا

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

مواد ذات صلة

مشروعية الوقف وخطورة الاعتداء عليه وبيان بعض أحكامه​ (صوتية)

الأصول الإجرائية لإثبات الأوقاف (WORD) ، (PDF)

ضبط تصرفات نظار الأوقاف من قبل القضاء (PDF)






 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • مشروعية الوقف وخطورة الاعتداء عليه وبيان بعض أحكامه​ (صوتية)(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • أدلة مشروعية الوقف وبيان التوافق الفقهي فيه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقسام الوقف : الوقف الاختياري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقسام الوقف : الوقف الاختباري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مشروعية علم الوقف والابتداء من السنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من الأدلة على مشروعية الوقف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدلة على مشروعية التعزير، والحكمة في مشروعيته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوقف الاضطراري والانتظاري في التلاوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من بلاغة الوقف في القرآن الكريم: دراسة تحليلية لبعض وقوف التعانق في آي الذكر الحكيم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الشراكة في عقار وقفي(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب