• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. محمود مفلح / دراسات عن الشاعر
علامة باركود

محاور الغربة والاغتراب في ديوان نقوش إسلامية (2)

محاور الغربة والاغتراب في ديوان نقوش إسلامية (2)
أ. طاهر العتباني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/8/2012 ميلادي - 18/9/1433 هجري

الزيارات: 13288

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

محاور الغربة والاغتراب

في ديوان نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني (2)

 

المحور الثالث: غربة صاحب الفكر الملتزم بالمنهج الإسلامي شاعرًا كان أو كاتبًا:

أما المحور الثالث من محاور الغربة في هذا الديوان، فهي غربة صاحب الفكر الملتزم بالمنهج الإسلامي، شاعرًا كان أو كاتبًا، وإن كان الحديث في إطار الشعر، فإنه يتعدى إلى كل صاحب قلم ملتزم بقضايا أمته، منافحًا عن الضعفاء، مناوئًا الطغيان في أي صورة من الصور.

 

وللشاعر في هذا الديوان عدد من القصائد يطرح فيها هذه القضية، فيؤكد التزامه - كشاعر مسلم - بقضايا أمته، ويكشف سوءة الواقع الفكري والأدبي المنحرف الذي سادت فيه الأقلام المأجورة والمغيبة عن الوعي، والضاربة في تيه الملق والنفاق، أو الحائرة في دائرة القلق والضياع، والتردي الفكري والأدبي.

 

فقصائده: (الأشجار - الشعر - عتاب مربدي - وادي محسر - نزار - إضاءة شعرية)، وغيرها تَخلص كلها من بين قصائد الديوان للحديث عن هذا المحور المهم من محاور الغربة في الديوان، هذا إلى غير تلك القصائد التي أشارت إلى هذا المحور من محاور الغربة.

 

وقصيدة "عتاب مربدي" بيان أول يوضِّح فيه القضية في تفصيل وعتب، ويؤكد أن الشعر الحقيقي هو الذي يدفع القلوب، ويزيل عنها الوهن، ويصب فيها التوثب والفداء:

بعضُ القصائد يا عراق حرائرٌ
والبعض يا بن الأكرمين إماءُ
ولكَم تسافر في الدماء قصيدةٌ
ما مسَّها عيٌّ ولا إقواءُ
وتصب في وهَن القلوب لهيبَها
فإذا القلوب توثُّبٌ وفداءُ[1]

ويؤكد أن المرجعية للفن الأصيل والأدب الراقي والشعر الحقيقي هي التي تقوم على أساس التصور الإيماني للكون والحياة والإنسان، وأن كل المعاني التي يرددها الشعراء إذا لم يكن لها تأصيلها العقائدي ورؤيتها القرآنية، فلا قيمة لها:

كل القصائد حينما لا ترتوي
من نبْع قرآني فهن غُثاءُ
فهو الذي يعطي القصيدةَ حجمَها
وخلودَها لو أنصفَ العقلاءُ
إن القصائد كلَّهن غريبةٌ
من دونه قد صاغها غرباءُ
الحرف في ظل العقيدة عسجدٌ
والآل في ظلِّ العقيدة ماءُ[2]

 

وهو في ثنايا هذه القصيدة يصحِّح كثيرًا من المفاهيم الفكرية والأغاليط التي دفعت إلى السطح، وأقبل عليها المفكرون يرونها الحق الأوحد:

لم يبدأ التاريخ من طروادةٍ
بل شَعشعت قبل النجوم حراءُ[3]

 

وأخص ما يهتم به من التصحيح للمفاهيم في هذه القصيدة، مفهوم العروبة الذي صار يحمل معنى قوميًّا ضيقًا، وحدودًا أرضيةً وجنسيةً، لا ارتباطًا عقديًّا أساسه الإسلام، ولُحمته وسُداه الإيمان، ويكشف هذا الزيف الفكري من خلال بيان آثاره الواقعية في حياة الأمة:

مزَقٌ.. ونهتف: أمة عربيةٌ
عجبًا.. ولَهجة بعضنا عجماءُ!
ووجوهنا عربيةٌ لكننا
عند اللقاءِ الإخوة الأعداءُ

 

ثم يردُّنا إلى التاريخ البعيد والقريب مستوحيًا إياه في بيان مدى تشوه الواقع:

إني لأعجب يا عراق وقد جرَت
كل الخيول وغابت البلقاءُ
ضُربت خيام الشعر حول فُراتنا
إلا الأصائل ما لهنَّ خباءُ
لم ألق من بين القصائد حرَّةً
فيها تتيهُ الغادة السمراءُ[4]

 

إنه بعد هذا العتاب المربدي، يبكي غربته كشاعر ملتزم، فيقول:

حملت جرحيَ حتى ملَّني التعبُ
فكيف أنقذُ هذا الحرفَ يا عربُ
بناتُ شعري ما زالت مؤرِّقةً
فهل تجفُّ على أعذاقها الرطبُ؟
وخطوتي صوبَ ذاك الأُفْق يَلسعها
سوطٌ وتُذهلها عن قصدها نوَبُ
زرعت وردة فلٍّ في ضفائرها
لكنَّ قومي بالأزهار ما رغبوا[5]

 

ثم ينظر إلى قلمه فإذا هو مضرج في آلام أمته التي رغبت عنه:

هذا المضرجُ في آلامكم قلمي
من أربعينَ وجرح الحرف ينسكبُ
ضيَّعت من عمُري عمرًا ولست أرى
كَرْمًا على الدرب فيه ينضجُ العنبُ
ولا ظلالًا بها ترتاح قافلَتي
كلُّ الظلال التي شاهدتُها كذبُ
ولا رأيت زمانًا كنتُ أرسمهُ
فيه الطيورُ على أكتافكم تثبُ
بقيتُ في الظلمة الظَّلماء محتبسًا
والفجر مثل دبيبِ النمل يقتربُ[6]

 

ومن ثم يحاول في نهاية القصيدة أن يعرف لنا الشعر الحقيقي الذي يحمل القضايا، ولا يكون خدرًا في العقول والقلوب، وقعودًا عن عظائم الأمور، ونكصًا على الأعقاب، وعيشًا في مواخير الفساد:

الشعر ليس عصافيرًا ملونةً
تزورنا وكؤوس الخمر تنتخبُ
ولا حبوبًا - كما قلتم - منومةً
حاشا فإن القوافيْ أمرُها عجبُ
ما قيمة الشعر بالونًا نُطيِّرهُ
وحيثما قلبته الريحُ ينقلبُ؟![7]

 

إنه يريد الشعر الذي يوجِّه، لا الشعر الذي يدور مع الريح حيث دارت، يريد الشاعر الذي يلتزم بفكر سليم، وهدف سام، وغاية نبيلة؛ لذا يصبح الشعر عند الملتزم بالمنهج الحق عبئًا حقيقيًّا يحتاج الأشداء الأوفياء ليحملوه:

حملت شعري دهرًا دونما تعبٍ
حتى تقوَّس هذا الظهر والتعبُ
حملته صخرةً ما كان أثقلها
ولم أعاتب ولم أَعبأ بمن عَتبوا
وخُضت فيه بحورًا من مكابدةٍ
وكم سريتُ بليلٍ ما له شُهبُ
الشعر دورقُ ماءٍ كنت أحملهُ
إلى العطاش وحرُّ الشمس يلتهبُ
خبز أَمُدُّ به الجوعان حين أرى
ولعنة فوقَ من عاثوا ومَن نهبوا[8]

 

وفي هذه الغربة القاسية وهذا الهجير الشديد، يمد الشاعر بصره ويطل بقلبه - على بعد المدى - إلى إخوانه على شاطئ الأطلسي في المغرب، الذين حملوا نفس الراية - راية الالتزام الإسلامي في الأدب - ويكتب لهم قصيدة "الأشجار"، وكأني بهذه الإطلالة هي الظل الذي يجد فيه الشاعر بعضًا من الطمأنينة والراحة، بعد أن مرت قافلته على ظلال كاذبة فما ارتاحت؛ يقول محمود مفلح في هذه القصيدة:

إليكم

إلى كل قلبٍ تندَّى بماء القداسة والبَسملهْ

إلى كل نجمٍ هنالك يغزل أعيادنا المُقبلهْ

إلى كل نقطة حبرٍ تجادل عن نفسها قبل فوت الأوانِ،

ترسِّخ من واقع السُّنبلهْ.

إلى رقصة الزيزفون الذي لا يُمارَى بـ"وَجْدَةَ"

وهو يؤذنُ للفجر، ثم يرتل شيئًا من السوَرِ المثقلهْ

إليكم وأنتم تضيؤون في غسَق الليلِ

تجترحون الحكاياتِ التي أرَّخت للبدايةِ

تستنزفون الأصالة حتى الثمالهْ

تشدُّون أقواسكم والنيامُ نيامٌ على فرش من نذالهْ

إليكم أزف التحية والمجدَ

أشهد أني على باب هذا الكفاح المكافحِ

أصبحتُ عالهْ[9]

 

والأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، والشاعر يعرف هؤلاء جميعًا واحدًا واحدًا، ويغلق نوافذ القلب كيلا يفروا منه، ثم يتمنى لو أنه انضم إليهم، ورحل إليهم، والتقى بهم؛ حيث اتحد الطريق واتحدت الوجهة، واتحدت الغاية والهدف:

عرفتكمُ واحدًا واحدًا

وغلَّقت كل النوافذ في القلب كيلا تفرُّوا

قرأتكمُ ساعدًا ساعدًا

عرفت متى تشهرونَ القصائدَ

كي تستريحوا على شرفاتِ القمرْ

عرفت متى تقرؤون حروفَ الندى..

أو متى ترحلونَ إلى الموعدِ المنتظرْ

تمنيت لو أنني ريشةٌ في الجناح الكبيرِ

ترفُّ على سرب أحلامِكم..

تمنيت لو أنني نقطةٌ في"المحيط"..

سحابةُ صيف تجول على ذلك المنحدرْ

تمنيت لو أُطلقَ القلب صوبَ مساءاتكم في الشمالِ

وأنتم تجيدون كنس الغثاءِ

ليلعب في الريح تحتَ المطرْ[10]

 

والقصيدة تفيض بالعذوبة، وتضم بين جوانحها كثيرًا من المشاعر الأخوية الصادقة، وتدل بمجرد النظر إلى مفرداتها على النموذج الإسلامي للأدب الذي نريده اليوم، والذي يتمتع بقدر كبير من الحساسية الشعرية، وتشرب المعاني والمفردات القرآنية والإيمانية جاعلاً القرآن - بلغته وصوره وتعبيراته ومضامينه - مرجعيةً فكريةً وفنيةً في آن واحد.

 

وحسبنا أن ننظر في بعض التعبيرات التي ضمتها القصيدة؛ لنقف على هذه الحقيقة:

• كل قلب تندى بماء القداسة والبسملة

 

• كل نقطة حبر تجادل عن نفسها

 

• يؤذن للفجر، ثم يرتل شيئًا من السور المثقلة

 

• تشدون أقواسكم والنيام نيام

 

• تجيدون كنس الغثاء...

 

• يعانق كل الكواكب كل المآذن

 

• تدقون بالقبضات العنيدة أعتى الرياح

 

• أهز جذوع الأخوة فيكم، فيساقط الثمر الحلو

 

• تفيضون من ماء زمزم في الليلة الباردة

 

• تعوذون بالله من همزات الشياطين

 

• أيها القابضون على الجمر

 

• الخطى المسرعات إلى الفجر

 

كل هذا الزخم من التعبيرات التي تلمح فيها أثرًا قرآنيًّا في فكرتها، أو طريقة تعبيرها، أو حساسيتها التعبيرية والدلالية، يقدم القصيدة النموذج ويؤصل من خلال ذلك للشعر الإسلامي الذي نطمح إليه.

 

إن غربة الغريب في هذه القصيدة قد تحولت ظلاًّ وتهادلت ثمرًا:

وجاءَ الربيع بما لا يجيءُ كثيرًا

يفتِّح أزهارنا الواعدة

وفي نبضكم أيها القابضونَ على الجمرِ

أحكمتُ نبضي

عرفتكمُ بالخُطى المسرعات إلى الفجرِ

والقسماتِ الجريئة.. والأعينِ الثاقبة

عرفتكم بالحروف الندية

والكلماتِ التي تنعش القلبَ..

في درب أيامنا اللاهبة

عرفتكم حينما تنقشونَ بتلك الأظافرِ

فجرًا جديدًا

تضيؤون في عتمة الفكرِ حرفًا جديدًا

تجيئون كالموجةِ العاضبة.[11]

 

المحور الرابع: غربة أصحاب العقيدة وحاملي المنهج في عالم نسي ربه وبعُدَ عن منهجه:

رابع هذه المحاور التي يدور حولها حديث الغربة في هذا الديوان، هو غربة أصحاب العقيدة وحاملي المنهج في عالم نسي ربه، وابتعد عن منهجه، وفي أمة بعدت كثيرًا عن الصورة المثلى لأمة الإسلام.

 

إن الشاعر الذي حدثنا عن فلسطين وقضيَّتها وغربة أهلها وغربة قضيتها من منظورها الحقيقي، وحدثنا عن الأدب الملتزم بالإسلام وغربته في هذا العصر، وغربة كل مَن يسلك هذا الدرب، لا ينسى أن يقول لنا: إن هذا كله مظهر من مظاهر غربة الإسلام والعقيدة والمنهج الإسلامي في هذا العصر؛ حيث يعاني الدعاة في كثير من البلدان أشد أنواع الغربة، ويعاني الإسلام في كثير من المواطن من أبناء الإسلام أنفسهم تجاهلاً وجهلاً وبُعدًا عن نهجه الصحيح، فلقد انغمسوا - إلا من رحم الله - في الشهوات والملذات، فضيَّعوا أنفسهم - أولاً - ثم ضيعوا قضاياهم ثانيًا.

 

إنه في وسط هذا الركام يُنبه إلى ضرورة الالتزام بالمنهج الإسلامي والأخذ به؛ لأن فيه الحل الحقيقي لكل المشكلات.

 

ونرى الشاعر معاتبًا مرةً وزاجرًا مرةً، كل هذا في أسلوب شعري راق وأسلوب فني رقيق.

 

وغربة أصحاب العقيدة هي قدرهم الذي قدره الله - تعالى - وهم لا يملكون إلا السير على الطريق في صبر وثبات، وجدٍّ واجتهاد، راجين ما عند الله.

 

وفي قصيدة "إلى ممثلة" يخاطب الشاعر تلك الممثلة التي ما زالت تبرق حولها الأضواء الخادعة، وتَزدهيها الصور الملونة على صفحات الصحف، مذكرًا إياها بحقائق العقيدة التي نسيتها، ويُبين لها زيف الحياة التي تحياها بعيدةً عن الله:

سيذوب هذا السحرُ والعطرُ
ويجف هذا الثغر والصدرُ
ستغادر الأطيارُ دَوحتها
وتؤولُ لا عطرٌ ولا زهرُ
والشَّعر إن أغرى السفور بهِ
يومًا، ومسَّ غرورَه الكبرُ
فالثلج آتٍ سوف يأكله
والثلجُ تحتَ بياضه الذُّعرُ[12]

 

إن هذا الجمال سيَذوي، وإن هذه الشهوات سوف تنقضي، والحياة نهايتها الموت ولا بد:

يَذوي الجمالُ فلا يظل به
قدٌّ ولا جِيد ولا خَصرُ
سيجف عُشب النهر سيدتي
ويَجف عندَ خريفه النهرُ
هذا الذي تتشبثينَ به
واهٍ، وكل رصيدهِ صفرُ
لا الليلةُ الحمراء باقيةٌ
لا الكأس لا العُشاق لا الخمرُ
كم نجمةٍ بالأمس قد سقَطت
واليوم لا حِسٌّ ولا خبرُ[13]

 

إن إطلاق شهوات النفس مآله في النهاية أن يصبح الإنسان الذي كرمه الله - تعالى - هو الضحية بين ذئاب البشر:

الدربُ يا حسناء مُذْأَبةٌ
ولكل ذِئب منهم ظفرُ
لا تسخري بالتائباتِ ففي
هذا الإياب العزُّ والفخرُ
ويح الذين قسَت قلوبهمُ
وأمامهم يتشقَّق الصخرُ[14]

 

والغريب صاحب العقيدة يرى التائهين الحائرين الضائعين من حوله، ممن فقدوا الهداية بعين الإشفاق، إنه وإن كان غريبًا بغربة منهجه الذي يلتزم به، إلا إنه يعرف ما سيحيق بهم لو ظلوا على ذلك الضياع والتيه والغفلة:

إني لأُشفق أن أراك غدًا
تتقلبينَ وتحتك الجمرُ
إني لأشفق أن أرى جسدًا
يُشوى وكان نسيمَهُ العطرُ
والنار يأكل بعضها بعضًا
وطعامها الأجسادُ والصخرُ
يومٌ يضجُّ الناس من رهقٍ
فيهِ، وينكر فرعَه الجذرُ
وترى الخلائق فيه دائخةً
مثل السُّكارى ما بهم سُكْرُ[15]

 

ومع هذه الشفقة على الخلق، يؤكد أن باب التوبة مفتوح، وأن الله يقبل التائبين والتائبات مهما أسرفوا على أنفسهم:

لم يغلقِ الرحمنُ دونهمُ
بابًا وجُود إلهنا وفرُ[16]

 

إن غربة صاحب العقيدة الملتزم بالمنهج - الذي يرى الناكبين - تزيده إصرارًا على تمسكه بعقيدته؛ لأن فيها حل جميع مشكلات الدنيا، وهي طريق السعادة في الآخرة، ويرى فيها الغناء عن العالم كله، العالم الذي يستشعر فيه مدى غربته ووحشته:

إن العقيدة سيفُنا وضِمادنا
والعروةُ الوثقى والاستعلاءُ
فإذا بردنا فالعقيدةُ دِفئنا
وإذا اعترانا الجوع فهيَ غذاءُ[17]

 

وهو يرد على الذين يرون العروبة عقيدةً يدينون بها، ويرد عليهم بأن العروبة لم يكن لها قيمة عبر التاريخ؛ حتى جاء الإسلام فأعطاها المعنى ونفخ فيها من روحه:

إن العروبة دون هدْي محمدٍ
خيرِ البرية، كلْمةٌ جوفاءُ
والعرب من دونِ العقيدة أمةٌ
مهزومة وإرادةٌ شلاَّءُ[18]

 

وحينما سيطرت المفاهيم القومية الضيقة للعروبة، وجدنا الأمة ترجع إلى سالف عهدها قبل الإسلام: تقاطُع وتدابُر:

مزَقٌ.. ونهتف: أمة عربيةٌ
عجبًا.. ولَهجة بعضنا عجماءُ!
وسيوفُنا عربيةٌ لكنَّما
بشفارِها قد ذُبِّح الأبناءُ[19]

 

إن الأخوَّة الحقة التي يستشعرها صاحب العقيدة، هي أخوة العقيدة لا أخوة النسب والطين والدم، ثم ها هو ينظر إلى الشرق الأقصى كما نظر من قبل إلى أقصى الغرب؛ ليحس بأخوة كل مَن أضاءت سماءه شمس العقيدة:

كفْكِف دموعك فالطريق طويلُ
دَرْبُ الشهادة قاتلٌ وقتيلُ
قَدرٌ بأن نلقى القذائفَ عُزَّلاً
ونلوكَ مُرَّ الصبرِ وهو جميلُ
كفكف دموعكَ فالجراح عزاؤنا
ودمُ الشهادة في الدُّجى قنديلُ
لا بد من قطف الثمارِ فهذه
شمسُ العقيدة فجرُها مأمولُ[20]

 

وفي أجواء غربة العقيدة تُصبح مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذكرياتها الخالدة لدى المسلم المعاصر الملتزم المغترب، مَعلمًا من معالم الضياء، وظلاًّ يستروح فيه الغريب عبق التاريخ وذكريات الإسلام العظيمة؛ يقول الشاعر في قصيدة "أم المدائن" التي نوردها هنا كاملة:

تحيةً معطَّرة

إليكِ يا مدينتي المنورة

تحية الطيور والأقاح

تحية الندى

إليك يا مدينةَ الهدى

إليك يا مدينةَ الرسول

إليك يا ناصعة الجبين

يا طيبة الفروعِ والأصول

تحية الغراسْ

إليك يا طاهرة الأنفاسْ

•   •

من أرضك الطهورِ يا حبيبة

تدفقتْ مواكب العروبة

تألق الإسلامْ

وفاضتِ المواسمُ الخصيبة

•   •

أيتها المدينة الضياءْ

أيتها البخور والعطور والمآذن الشماءْ

أيتها الضحى النديُّ..

والتلاوةُ التي تَسكب في رماد عمرنا الأنداءْ

ماذا أقول عن شعوبنا الغثاءْ؟

شعوبنا التي تموت كل عام مرتينْ

وتخسر الرهان مرتينْ؟

ماذا أقول عن مسارح الخصام والصدامِ...

والدماء والأشلاءْ؟

ماذا أقول عن خيولنا العجفاءْ؟

خيولُنا التي تدور حول نفسها

وتطحن الهواءْ؟

•   •

أيتها المدينة الجميلةُ البهية

يا قلعة الإيمانْ

أيتها الحنان والأمانْ

أيتها الحنجرة التي منذ توثب التاريخ...

وهي ترتلُ القرآنْ

وتمنحُ الوجود سحرهُ

وتمنح البيان أنصع البيانْ

•   •

من خضرة القباب..

كانت خضرة القلوب والزيتون والرمانْ

ماذا أقول عن براثن الشيطانْ

تغوص في دمائنا؟

ونحن لا نملك إلا أن نقول: كان يا ما كانْ

•   •

على ثراك قد مشى رسولُنا الأمين

وضجَّت الملائكة

وفي ثراك أينعت غراسنا المباركة

وأرهف التاريخ سمعهُ

كم بطلٍ أدار للشروق وجهَهُ

وأعلن الشهادة

كم حرة تبلج الصباحُ فوق سيفها

وأصبحت في جيدنا قلادة

وكم جبين مثل دفق النور في الظلام...

يسكب العبادة

أيتها المدينة الأثيرةُ، العريقة الريادة

أيتها الغمامْ

على رسولنا الأمين أفضلُ الصلاةِ والسلامْ[21]

 

وهكذا نجد محاور الغربة في هذا الديوان تدور حول هذه المحاور الأربعة، التي تتمثل في غربة قضية فلسطين من منظورها الإسلامي، وغربة الفلسطيني المهاجر الذي أُخرج من داره وماله، وغربة الفنان والمفكر والشاعر، الذي يحمل همَّ هذه القضية وغيرها من قضايا الإسلام، ثم يكون المحور الرابع غربة أصحاب العقيدة الذين قال عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "طوبى للغرباء".



[1] "الديوان"، (ص 88).

[2] "الديوان"، (ص 89 - 90).

[3] "الديوان"، (ص 91).

[4] "الديوان"، (ص 92).

[5] "الديوان"، (ص93).

[6] "الديوان"، (ص 93).

[7] "الديوان"، (ص 94 - 95).

[8] "الديوان"، (ص 95).

[9] "الديوان"، (ص 71 - 72).

[10] "الديوان"، (ص 72 - 73).

[11] "الديوان"، (ص 74).

[12] "الديوان"، (ص 20).

[13] "الديوان"، (ص 20).

[14] "الديوان"، (ص 21).

[15] "الديوان"، (ص 22).

[16] "الديوان"، (ص 23).

[17] "الديوان"، (ص 90).

[18] "الديوان"، (ص 90).

[19] "الديوان"، (ص 91).

[20] "الديوان"، (ص 103).

[21] "الديوان"، (ص 30 – 33).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • محاور الغربة والاغتراب في ديوان نقوش إسلامية (1)
  • الاغتراب في زمن الاقتراب

مختارات من الشبكة

  • دور التطليق للشقاق في ارتفاع نسبة الطلاق بالمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محاور دعوة الرسل لبناء النفس المؤمنة "رسالة موسى إلى فرعون في سورة النازعات أنموذجا"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واقع المتقاعد في بلادنا العربية بين ثلاثة محاور: بنيوية المصطلح، ودلالته الاصطلاحية، ومستوى الوعي المجتمعي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • صناعة المحاور(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محاور الخطاب المؤثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعريض والتلميح في الحوار وثناء المحاور على نفسه عند الحاجة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مناداة المحاور باسمه أو لقبه أو بالوصف المناسب له(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • محاور ربانية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • هولندا: محاور اللقاء الإسلامي في تيلبورخ(مقالة - المسلمون في العالم)
  • جامعاتنا ومحاورها الثلاثة (2)(مقالة - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب