معزوفتان للصدى (قصيدة تفعيلة)

(1)

وَعَلَّمَنِي أَنْ أَشُقَّ الْحُرُوفَ...

وَأُخْرِجَ مِنْ جَوْفِهَا الصِّدْقَ وَالْمُسْتَحِيلْ

وَعَلَّمَنِي أَنْ أَهُزَّ النَّخِيلْ

وَعَلَّمَنِي كَيْفَ أَرْسُمُ لِلأَرْضِ...

شَكْلاً جَدِيدَا...

وَأَغْمُرُ أَرْبَاضَهَا بِالْخُيولْ

وَعَلَّمَنِي كَيْفَ أَدْخُلُ فِي الْجُرْحِ...

مُفْتَتِحًا شُرْفَةً لِلضِّيَا...

وَالوُصُولْ

... وَعَلَّمَنِي أَنَّ مَا بَيْنَ جُرْحٍ وَجُرْحٍ...

سَيَطْلُعُ لِلأَرْضِ وَجْهٌ جَمِيلْ

....

عَادَ الصَّدَى ...

وَاجْتَاحَنِي وَجَعِي، وَشَدَّتْنِي الطُّيُورْ

عَادَ الصَّدَى...

فَهُرِعْتُ نَحْوَ اللَّيْلِ أَقْطِفُ مِنْ تَبَارِيحِي

زُهُورًا... أَمْتَطِي فَرَسَ الْمَسَافَةِ...

مُمْعِنًا فِي الْجُرْحِ...

أَسْتَقْصِيهِ ...

لَكِنَّ الْجِرَاحَ الغَائِرَاتِ بِأَضْلُعِي

ظَلَّتْ تَغُورْ

"يَا أَنْتَ... يَا وَجَعِي الْخَفِيّ

مِنْ أَيِّ صَوْبٍ جِئْتَنِي؟

وَرَمَيْتَ عَنْ أَيِّ القِسِيّ؟"

سَاءَلْتُهُ،

فأَجَابَ وَهْوَ يُعِيدُ تَرْتِيبَ الْحُرُوفْ،

مِنْ كُلِّ صَوْبٍ جِئْتُ أَرْشُقُ فِي الْمَدَى

مِنْ رَاحَتَيْكَ الأَسْهُمَ الْخَرْسَاءَ...

وَالْحَرْفَ الرَّهِيفْ

مِنْ كُلِّ صَوْبٍ جِئْتُ أَمْتَحِنُ النَّشِيدَ...

وَأُعْلِنُ الإِيغَالَ فِي هَذَا النَّزِيفْ

مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، فَابْتَدِئْ

سَقَطَ القِنَاعُ...

وَلَمْ يَعُدْ وَقْتٌ.. فَحَتَّامَ الوُقُوفْ؟

قُلْتُ: اتَّئِدْ

قَالَ: الْمُدَى فِي رَاحَتِيَّ...

فَلِمْ تُحَاوِلُ أَنْ تُرَى

بَيْنَ الْجَمَاجِمِ وَالرُّفُوفْ؟

قُلْتُ الْمَسِيرَةُ قَاسِيَةْ

وَالْحَرْفُ بُرْكَانٌ وَطَيْرُ اللَّيْلِ...

أَرْهَقَهُ العَزِيفْ

......

يَا مِعْطَفَ الأَشْوَاقِ طَيْرٌ فِي دَمِي

يَجْتَاحُهُ الإِعْصَارُ، واللَّيْلُ الْمُخِيفْ

يَا مِعْطَفَ الأَشْوَاقِ أَمْهِلْنِي...

أُرِيدُ الصَّمْتَ لَحْظَاتٍ وَأَشْتَاقُ العُكُوفْ

يَا مِعْطَفَ الأَشْوَاقِ كَيْفَ خَذَلْتَنِي

ورَسَمْتَ فِي جَسَدِي تَبَارِيحَ السُّيُوفْ

(2)

وعَلَّمَنِي أَنْ أَشُقَّ الْحُرُوفْ...

وَأَجْعَلَ مِنْ دَمْعِيَ الْجِسْرَ...

أَغْزِلُ مِنْ أُغْنِيَاتِي الدَّلِيلْ

وَعَلَّمَنِي أَنْ أُعَرِّي الوُجُوهَ البَذِيئَةَ...

أَقْطِفُ مِنْ جُرْحِيَ القَمَرَ.. الشِّعْرَ

أَخْرَجَنِي مِنْ عَذَابِي الطَّوِيلْ

.....

هَلْ كَانَ لِي...

غَيْرُ انْتِظَارِكَ يَا صَدِيقَ الرِّيحِ...

وَالأَشْجَارِ وَالأُفُقِ البَعِيدْ

هَلْ كَانَ لِي ...

غَيْرُ اللِّقَا - مُتَعَانِقَيْنِ -

وَدَمْعُ غُرْبَتِنَا نَشِيدْ

وَالدَّمْعُ مُفْتَتَحٌ جَدِيدْ

الدَّمْعُ مُفْتَتَحٌ ...

وَكُلُّ مَقَابِرِ الشُّهَداءِ مُفْتَتَحٌ ...

وَكُلُّ الْجَالِسِينَ عَلَى دَمِي

يَتَقاسَمُونَ الإِفْكَ - مُفْتَتَحٌ...

وَقَاتِلَةٌ هِيَ الأَيَّامُ...

قَاتِلَةٌ هِيَ البَلَدُ.. العَبِيدْ

أَوَّاهُ مِنْ هَذِي القُيُودْ

أَوَّاهُ مِنْ سَفَرِي إِلَى قَلْبِي الوَحِيدْ

يَا قَلْبُ... يَا أُرْجُوحَةَ الضَّوْءِ الوَحِيدْ ...

فِي مَهَبِّ الرِّيحِ  ...

يَا سَفَرًا أُطَالِعُ فِيهِ أُغْنِيَتِي

وَأَقْتَطِفُ القَصِيدْ

يَا قَلْبُ طَالَ اللَّيْلُ، وَاشْتَعَلَ النَّشِيدْ

فَادْخُلْ إِلَى سَفَرِ الْمَوَاجِدِ...

يَا حُسَامًا فِي الضُّلُوعِ...

وَيَا صَدًى عَبْرَ الْحُدُودْ

الدَّمْعُ مُفْتَتَحٌ جَدِيدْ

فَاجْعَلْ قَصَائِدَكَ الرِّيَاحَ...

اجْعَلْ قَصَائِدَكَ الصَّبَاحَ...

وَكُنْ لِقَلْبِي مَوْطِنًا يَا أَيُّهَا القَمَرُ الفَرِيدْ

رَحَلَ الصَّدَى، وَأَفَقْتُ وَاللَّيْلَ البَلِيدْ

رَحَلَ الصَّدَى، وَانْدَاحَ وَجْهُكَ مِنْ جَدِيدْ

يَا أَيُّهَا الْمُزْجِي مَطِيَّتَهُ إِلَى

وَهْمٍ ضَلَلْتَ، فَأَيَّ وَهْمٍ تَسْتَعِيدْ

فَالدَّمْعُ مُفْتَتَحٌ جَدِيدْ

الدَّمْعُ مُفْتَتَحٌ جَدِيدْ

.....

يُحَدِّثُنِي اللَّيْلُ بَعْدَكَ...

أَنَّ النَّوَى سَيَطُولْ

وَأَنَّ القَنَادِيلَ قَدْ خَبَّأَتْ

ضَوْءَهَا فِي الفَتِيلْ

وَأَنَّ الْمَوَاعِيدَ مَا بَيْنَنَا مُطْفَأَهْ

وَأَنَّكَ أَبْحَرْتَ فِي اليَمِّ...

تَطلبُ الْحُوتَ وَالْمُسْتَحِيلْ.