• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / من روائع الماضي
علامة باركود

التاريخ لا يكون بالافتراض ولا بالتحكم

التاريخ لا يكون بالافتراض ولا بالتحكم
الأمير شكيب أرسلان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/3/2014 ميلادي - 15/5/1435 هجري

الزيارات: 8002

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التاريخ لا يكون بالافتراض ولا بالتحكم[1]

 

• اختيار: شبكة الألوكة.

• رومة في مارس سنة 1926 م.

• المصدر: "تحت راية القرآن" ص 73 - 79.

• دار النشر: المكتبة العصرية - صيدا - بيروت.

• الطبعة الأولى: 1423 هـ - 2002 م.

 

لا أريد أن أناقش أحدًا، ولا أن أسمي أشخاصًا، ولا أن أحمل على باحث أديب بتجهيل، وإنما ألمح من خلال الكتابات التي يجود بها بعض أدباء الوقت منزعًا، وإن كان في حدِّ ذاته محمودًا، فقد ينقلب في إساءة استعماله مذمومًا ويصير ضلالاً.


ولع بعضُ الأدباء[2] باتهام التاريخ الإسلامي الذي لدينا، وسلوكِ طريقة في التعليل لم يسلكها الأولون، ارتيادًا لوجوه جديدة، وأسباب للحوادث لم تكن معروفة، بحيث يقال: إنهم كشَفوا حقائق تاريخية لم يعرفها غيرهم، أو عرَفوا أسرارًا أعماها التاريخ الديني، أو عمتها السياسة وأهواؤها على الجمهور.


ويسمون ذلك تمحيصًا وتحقيقًا، ويظنون أن التمحيص والتحقيق هما مجرد المخالفة والخروج عما عليه الرأي العام.


والحقيقة أنه إن كان مقصدُهم مجردَ المخالفة وتغيير الأسلوب لعدم الصبر على طعام واحدٍ، فقد أصابوا الغرض.


ولكن إن كانوا يزعمون أن هذه التعليلات الغريبة هي الأصل في تلك الوقائع، فليسمحوا لنا أن نستعفيَهم من التصديق؛ لأننا نعرف التاريخ بالأدلة العقلية والنقلية، وملاحظة ما سبق وما لحق، واستنباط النتائج من المقدمات، ولا نعرفه تخرُّصات وافتراضات وأبنية على غير أساس، فإن كان هذا هو التمحيص التاريخي الذي يتوخَّى بعض العصريينَ أن يقلد به الإفرنج، فلا كان هذا التمحيص الذي هو عبارة عن قلب الحقائق لأجل الإتيان بالبدع، ويجهل علماء الإفرنج عن أن يكون تمحيصُهم من هذا النمط، وقد خلط منهم مَن خلط في معرض التمحيص، ولكن نبَّه المدقِّقون منهم على أنهم خلطوا.


فعندما يقوم واحد فيذهب إلى أن تاريخ حرب اليمامة محاط بالغموض، وأن مقاتلة أبي بكر لأهل الردَّة لم تكن من أجل إقامة الدين، بل من أجل تأسيس الملك، وما أشبه ذلك من التوجيهات التي لم يقم عليها أدنى دليل - نعلم أنه حاول أن ينهج مناهج الممحِّصين، فظن التمحيص مجرد الخروج عن الإجماع، ولو كان الإجماع صحيحًا، فلم يصبِ المرمى.


وعندما يقوم آخر فيدَّعي أن السلف في صدر الإسلام وضعوا "سانسورا" على الشعر الجاهلي المُشرَب مبادئ الوثنية أو النصرانية أو اليهودية - نعلم أن هذه الدعوى مبنية على الافترَاض والتخيل، وأنها لا تستند على دليل، بل الواقع يناقضها من كل الجهات.


أعجبتني جدًّا عبارة الذي رد على هذه الفئة[3]، فقال لهم:

"مَن مِن ملوك المسلمين وحكَّامهم أمر بوأدِ الشعر الوثني واليهودي والنصراني ومَحْوِه؟

مَن مِن أعوان هؤلاء الحكام تولى ذلك؟ وكيف كانت طريقة المحو؟

وهل كتب لها النجاح في كل بلاد الإسلام؟... إلخ".


والحقيقة أنه ليس لهم من جوابٍ على هذا السؤال، ولا حيلة لهم في التخلص منه إلا بإيراد أدلة واهية لا تدفع شيئًا من حقيقة حرية الرواية في ذلك العصر، ومِن كون بابِها بقي مفتوحًا على مصراعيه، ولا تنفي أن عصر الصحابة لم يعرف "السانسور"، ولا مراقبة الرواية، ولا كمَّ الأفواه، ولا شيئًا من أوضاع "ديوان التفتيش".


وإذا تأملتَ في كلام هذه الفِرقة رأيتَهم يشيرون من طَرْف خفي إلى نزول درجة الحضارة التي كان عليها الصحابة، وأن شرائعهم وقوانينهم إنما كانت شرائعَ قومٍ في طفولة المدنية، وأنها "لا تمس الحياة إلا قليلاً"، وما أشبه ذلك، ثم ينسَون أن مراقبة الكتابات والروايات إن هي إلا من أوضاع الهيئات الاجتماعية المتمدينة التي استبحر فيها العمران، وتأثل المُلْك، وأن "السانسور" لا يأتي مع بداوةِ المجتمع، ولا يعقل وجوده في أيام السذاجة كالتي عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم.


فمراقبة الكتب والخطب كانت تقع في رومية والقسطنطينية لعهد عظمة القياصرة، وفي أيام سلطة الباباوات، وفي عهد ملوك فاتحين؛ كـ: لويس الرابع عشر، وقد بالغ فيها نابليون الأول ثم الثالث، وقد وقعت من أيام العرب في عهد العباسيين وغيرهم من ملوك الأعاجم، أو الملوك العرب الذين اتخذوا أطوار الأعاجم، فأما القول بأنها كانت في عهد الخلفاء الراشدين وفي أيام الصحابة، فمحض تحكُّم ومكابرة.


نعم كان هؤلاء الناس من شديدي التحمس بالدين الجديد الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن حماستهم هذه لم تقلع ما في قلوبهم من حب الحرية التي نشؤوا عليها في الجاهلية، والتي لا يوجد في الشرق ولا في الغرب أمة بلغت شَأْوَ العرب فيها، ومَن قال: "إن العرب أعرق الأمم في الحرية" فغير مبالغ؛ لهذا تجدهم روَوا بألسنتهم وكتَبوا بأقلامهم جميع مطاعن المشركين في النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، ولم يُخفوا منها قليلاً ولا كثيرًا، ونقلوا الشُّبهَ والاعتراضات التي كانت تقع على الرسول صلى الله عليه وسلم ورهطِه، وذكروا كثيرًا مما كان يردُّ به بعض العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أن اثنين تخاصما إليه فحكم لأحدِهما، فقال المحكوم عليه: هذا حكم لم يُرَد به وجه الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أوذِيَ موسى من قبلي بأكثرَ من هذا))، وغير ذلك مما هو مستفيض في كتب السيرة النبوية وأخبار صدر الإسلام، ومما رواه الرواة المسلمون، وحرَّره الكَتَبَةُ المسلمون، وأقرأه العلماء المسلمون، ولم يكن عندهم حرج في نقل تلك الأحاديث وإبرازها كما جاءت؛ لأنهم كانوا على بينة من دينهم الذي دانوا به، وكانت قلوبهم مطمئنةً بالإيمان، وكانت سيرةُ النبي صلى الله عليه وسلم معلومة عندهم بدقائقها، فلم يكونوا يحتاجون فيها إلى "السانسور" دَرءًا للشبهات عنها، وخوفًا من أن يُفضي تداول هذه الروايات إلى زعزعة عقيدة الإسلام التي لم تكن منذ جاء بها صاحبُها صلى الله عليه وسلم إلى اليوم على شفا جُرُفٍ هارٍ، إن الإسلام مولود رُزِق الصحة ووثاقة التركيب منذ ولادته.


نعم في هاتيك الأيام وما يليها كانوا يردون أهاجي بعض الشعراء للصحابة والأنصار و"لبني النجار"، وفي تلك الأيام كان يعاتَبُ الرسولُ، ويقال له:

ما كان ضَرك لو عفوتَ فربما
منَّ الفتى وهو المَغيظُ المُحنقُ

 

في أيام السلف كان ينادي الأخطل:

ولستُ بصائمٍ رمضانَ عمري
ولستُ بآكلٍ لحمَ الأضاحي
ولستُ بقائلٍ ما عشتُ يومًا
قُبيل الصبحِ حيَّ على الفلاحِ

 

كان يقول هذا ويدخلُ على الخلفاء ويُجِيزونه الجوائز السَّنية، وكان هو وغيره من النصارى واليهود يفتخرون بدِينهم، ويُعلِنونه في أشعارهم التي كان يرويها المسلمون ويُقيِّدونها في دفاترهم، ولَمَّا جاء الملكَ النعمانَ بن المنذر رجلٌ نصراني في اليوم الذي كان عنده يوم بؤس، وأمر النعمان بقتله، استماحه النصراني مهلة أن يذهب ويودع أهله، فأذِن له، على أن يقدم كفيلاً يحل محله في القتل إذا هو لم يرجع، فرجع، وتعجب النعمان من وفائه، فسأله: ما حملك على الوفاء؟

فأجابه النصراني: حملني ديني!

فقال له النعمان: وما دينك؟

قال له: النصرانية.


وتنصَّر النعمان بعد هذه، فكانت هذه الرواية مما حرَّره المسلمون، ولم يغمطوا النصرانية حقها، ولا غمطوا اليهودية أيضًا حقها، وأجمع العرب المسلمون على نقل مآثر السموءل، وكان السموءل يهوديًّا، وما زال السموءل مضربًا للأمثال في علوِّ النفس وكرم السجية إلى يومنا هذا، حتى قال شوقي - شاعر العصر - منذ أيام قلائل[4]:

كأنَّ من السموءل فيه شيئًا
فكل جهاته كرمٌ وخُلقُ

 

فكيف يكون المسلمون الأوائل حاوَلوا خنق كل صوت غير صوتهم، ومحو آثار النصرانية واليهودية والوثنية من شعر العرب؟!


ثم إن شعر شعراء النصرانية في الجاهلية يملأ الدواوين، وما منهم إلا مَن حرَص علماء الإسلام على التنبيهِ أنه كان نصرانيًّا، وقد نقَلوا خُطب قُسِّ بن ساعدة الذي كان مطرانًا، ونقلوا ثناء النبي صلى الله عليه وسلم.


وأما كون ديوان شعراء النصرانية المطبوع في بيروت موضوعًا، وأن الشعراء المروية أشعارُهم فيه لم يكونوا نصارى، بل جعلهم صاحب الديوان نصارى، وهم جاهليون لا غير، فمَن يقول هذا، ومن يصل به المراء إلى إنكار أن أكثر أولئك الشعراء كانوا نصارى؟


غاية ما يقال: إن بعض أولئك الشعراء لم تثبت نصرانيتهم.


وهذا لا ينفي أن شعراء كثيرين مثل العبادي، والأخطل، والقطامي، كانوا نصارى مجمَعًا على نصرانيتهم، وأن المسلمين نقلوا أشعارهم كما هي، ولم يحذفوا منها شيئًا، وكان الشعراء المسلمون يناقشونهم ويداعبونهم، وكان جرير يقول:

قال الأخيطلُ إذ رأى راياتهم:
يا مارِ سرجس لا نريدُ قتالا!

 

فالقول بأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه لم يُبقوا على أي نزعة تُخالِف دين الإسلام، وأنهم طوَوا شعر النصارى واليهود والمشركين - محضُ تحكُّم لم يقم عليه أدنى دليل، بل قام الدليل على حرية الإسلام وتساهله في الدين.


ونقَل رواةُ المسلمين ليس شعر النصارى واليهود والمشركين فقط، بل أهاجيَ كثيرة قالها هؤلاء في النبي وأصحابه وأنصاره.


يا إخواننا، إنه في صدر الإسلام كانوا يتناقلون مثل قوله[5]:

لعبَتْ هاشمُ بالدينِ وما
نبأٌ جاء ولا وحي نزَلْ
ليتَ أشياخي ببدرٍ شهِدوا
جزعَ الخزرجِ من وقع الأسَلْ

 

روى هذا المسلمون وما زالوا يروونه، وفي زمان بني أمية كان العهد بسذاجة الجاهلية قريبًا، فكانت الحرية في القول تامة، والألسنة منطلقة، ومما عُزِي إلى يزيدَ يوم جيء برأس الحسين رضي الله عنه:

مذ أقبلَت تلك الرؤوسُ وأشرقَتْ
تلك الشموسُ على ربي جيرونِ
صاح الغرابُ فقلتُ: صِحْ أو لا تصِحْ
إني قضيتُ من النبي ديوني

 

ثم عُزي إلى الوليد أنه قال وقد سكر ومزَّق القرآن:

إذا ما جئتَ ربك يوم حشرٍ
فقُلْ: يا رب، مزَّقني الوليدُ

 

نعم، رُويت هذه الأشعار وأمثالها مع لعن قائلها، ولكنها رويت وقيدت في التواريخ ولم تمنع روايتها، ولا كان قلمُ مراقبةٍ، ولا ديوان تفتيش، ولا كتب جائزة، ولا كتب ممنوعة.


وأما عدم حرمة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة للشعر، وقولهم: إن روايته ضلال، فهذا زعم باطل مخالف للإجماع؛ فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستحسنه، وقال: ((إن من الشعر لحكمة))، ورواه عمر وعلي وسائر الصحابة، وتناشدوه وطربوا له، وكان فكاهة مجالسهم.


وقصة كعب بن زهير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنشاده إياه: "بانت سعادُ"، وإنعامه على كعب ببُردته الشريفة - كل ذلك لا يحتاج إلى بيان، ولكن الشعر كسائر الأشياء إذا أسيء استعماله انقلب إلى الضرر، وإذا كان وقع من عمر رضي الله عنه - وهو من أبصر الناس بنقد الشعر وأشدهم اهتزازًا لجيده - تضييقٌ على الشعراء، فيكون في المواطن التي أسيء فيها استعمال الشعر، وصار بابًا للمشاحنات والفتن، وكما أن للخليفة طبيعةً ينعش بها إلى الأدب، ويعجب بسحر البيان، فإن عليه واجبًا هو حماية الأعراض وحفظ السلام.


أما إزراء الشعراء بالعلماء، وما قاله بعض هؤلاء في الإعراض عنه والتعوذ منه، فهو من باب التورُّع من بعض الفقهاء؛ وذلك لأنهم كانوا يرَوْن فيه مبالغة وغلوًّا وعبثًا، فأشفقوا من أن يؤثر الاعتماد عليه في أخلاق النشءِ ويصرفهم عن العبادة، ولكن هذا الزهد في الشعر لم يحملهم ولا حمل الخلفاء والسلاطين على منع قرض الشعر وروايته والتأدب به، وذلك كما أن نصرانية الأخطل والقطامي وأمثالهما لم تمنع متأدِّبي الإسلام من رواية أشعارهم وحفظها والتأدب بها، وأن وثنية أكثر شعراء الجاهلية لم تَحُلْ دون انطباع طلاب الفصاحة من المسلمين بأساليبهم ونسجهم على منوالهم، ومَن مِن العلماء والمؤرخين المحقِّقين يقدِرُ أن يقول: إن أدباء العرب بعد الإسلام رغبوا عن شعر الجاهلية وأهملوا روايته من أجل أن قائليه كانوا مشركين؟ أو أن المسلمين طوَوا كلام قُسِّ بن ساعدة؛ لأنه كان نصرانيًّا، أو لم يعجبوا بقصيدة: "إذا المرء لم يَدنس من اللؤم عِرضُه"؛ لأن صاحبها كان يهوديًّا، مَن يا رب يقول هذا إلا الذين يبنون التاريخ على الأهواء والخيالات؟!


وقع التشدد في مثل هذه الأمور في أيام الدولة العباسية؛ لبُعد العهد بسذاجة الدور الأول، وميلِ هذه الدولة إلى مناحي الأعاجم، وفُشُوِّ الفلسفة اليونانية والفارسية والهندية في دار السلام، مما أخاف الخلفاء ووزراءهم على العقيدة الدينية، وحفزهم على الاحتياط لعدم انحلالها، وهذا أشبه بما كان في أوروبا في القرون الوسطى، لا بل في القرون الأخيرة، لا بل بما لا تزال بقاياه إلى هذه الآونة، وبرغم ما كان من هذا الاحتياط في أيام العباسيين ومَن في عصرهم من ملوك الإسلام، فقد كان الناس يروُون أهاجيَهم ومثالبَهم، ويتناشَدون المطاعن الفاحشة في أعراضهم، حتى في مجالس أقرب الناس إليهم، وقد قال المأمون للقاضي يحيى بن أكثم: مَن ذا الذي يقول:

قاضٍ يرى الحدَّ في الزناءِ ولا
يرى على مَن يلوط مِن باسِ؟

 

يشير إلى أن هذا البيت قيل فيه، فأجابه: هو الذي يقول يا أمير المؤمنين:

لا أرى الجَوْر ينقضي وعلى الأمّ
مةِ والٍ من بني العباسِ

 

وقد شاعت أقاويلُ التعطيل والإلحاد في هاتيك الأيام، برغم الضبط والمراقبة، ودُوِّنت أقوال الملحدين والدهريين، ورويت أشعار المعرِّي ومَن في سبيله، حتى ما يخالف الدين الإسلامي، مثل قوله:

وقومٌ أتَوا من أقاصي البلادِ
لرميِ الجمار ولثم الحَجَرْ

 

وكثير غير هذا من أقواله، ورسالة الغفران وصلت إلينا، ولولا أنها تُدووِلت بالنسخ من قراب ألف سنة ما وصلت إلينا، ولو كان هناك "سانسور" ما أبقى على رسالة الغفران.


وتجادل نصراني في الدين مع أحد بني العباس، ونال النصراني من العقيدة الإسلامية، وبلغ المأمونَ ذلك فقال ما معناه: ما كان أغنى ابن عمنا عن تعريض دينه للطعن!


والكتاب الذي كتبه أبو بكر الخوارِزمي لشيعة نيسابور أشهر من "قِفا نبكِ"، وليس بكتاب خاص أو رسالة مكتومة، بل هو خطاب لأهل بلدة كانت من أشهر البلاد، وفيه من السب لمعاوية ما فيه، ومن النعوت لخلفاء بني أمية وبني العباس والخوض في أعراضهم ما لا يردُ في أقذع الجرائد، وهو الذي يقول عن الرشيد: "هارون بن الخيزران"، وعن المتوكل "المتوكل على الشيطان لا على الرحمن"، وهلم جرًّا، وكان أبو بكر الخوارزمي في زمن بني العباس، وكان إذا قال، أثَر الناسُ قوله وتدارَسوه.


ولا أنفي - مع ذلك - أن الدولة الإسلامية في القرون التالية كانت تحجر أحيانًا على الفلسفة التي يراد منها التعطيل أو الإلحاد، ويسمونَها الزندقة، فأما إزالة شِعر النصارى أو اليهود أو المشركين ومنع روايته، فشيء لم يقع لا في زمن الصحابة، ولا في أيام بني أمية، ولا أيام بني العباس.


وقد ألَّف النصارى في تعظيم دينهم في زمان بني العباس كتبًا كثيرةً وتواريخ أيَّدوا بها مذهبهم، وما اعترضهم أحد، ولا منعت الدولة كتبهم.


وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بألاَّ يجتَمِع في جزيرة العرب دينان، وأجلى عمرُ النصارى واليهودَ عنها، فلم يكن ذلك لينقص شيئًا من حرية النصارى واليهود في دينهم في سائر بلاد الإسلام، بل من حريةِ الصابئة والمجوس، وما قال مؤرِّخ غربي ولا شرقي: إن الإسلام أكرَهَ أحدًا في الدين، أو منَع كتب الملل الأخرى.


فيا إخواننا، إن التاريخ لا يكون بالظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا.


وهذا نتف من كثير، ووَشَل من بحر، ولو كانت بيدنا الآن كتب لأحلناكم على شواهد لا تنتهي، فإن كنتم مع هذا تُصرُّون على المخالفة لأجل المخالفة، فليس هذا مما يزيد الثقة بعِلمكم، بل هو مما ينقصها، وبدلاً من أن يضعَ العلم على قواعد اليقين يضعه على قواعد أوهى من بيت العنكبوت.



[1] كتبها الأمير شكيب أرسلان؛ الرافعي.

[2] يشير الأمير إلى الدكتور طه حسين.

[3] يشير إلى مقالة الأستاذ عباس فضلي، وقد مرت.

[4] كتبها الأمير سنة 1926، وقد توفي رحمه الله سنة 1932.

[5] الشعر من قصيدة لابن الزِّبَعْرَى، شاعر مشركي قريش، قد أسلم بعدُ واعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التاريخ بين الاحتماء والهروب
  • مصطلح التاريخ
  • أهمية دراسة التاريخ

مختارات من الشبكة

  • كيف نقرأ التاريخ؟ قراءة التاريخ لغير المتخصصين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التصوف في التاريخ العربي والإسلامي: نشأته، مصادره، تاريخه، تياراته، آثاره (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بين فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة التاريخ الكبير (ج1-3) ( تاريخ البخاري )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التاريخ العلمي والدعوي للمرأة المسلمة .. تاريخ مظلوم(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • التاريخ الهجري هو تاريخنا(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • دروس وعبر من التاريخ والسير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إضاءة: المائة الخالدون في التاريخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من التأريخ الاقتصادي: البيزرة(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب