• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة
علامة باركود

أنياب من ذهب ( قصة قصيرة )

أنياب من ذهب (قصة قصيرة)
سواري العروسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/12/2014 ميلادي - 18/2/1436 هجري

الزيارات: 7424

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أنياب من ذهب


قال له وهو يُحدد ويشير إلى العلامات في جسده:

• في إحدى عينيه تتراءى لك نقطة حمراء، قزحية اليُسرى تختلف عن نظيرتها اليمنى، على وسط خده الأيمن "خالة" تضفي عليه الجاذبية والقبول والمحبة، في الجانب الأيسر من رأسه نخلة، أو شعر كثيف يرسم ما يشبه جريد النخل، على راحة يديه خط يقسمهما نصفين عرضًا، وعلى ركبتيه علامتان تشبهان النخلة التي في الرأس؛ لهذا هم يريدون أن يختاروا له اسمًا خاصًّا.

 

دون هذه الأوصاف في طفلك، لا تنتظر أن يأتيك رزقك يا قاسم.

 

فتح قاسم يده ووضعها تحت نظر محدِّثه، تأمل الناظر فيها وهز رأسه موافقًا قائلاً لنفسه: إنها علامة لنوع من البشر المكنوز، وضع قاسم سبابته في نقطة من رأسه، واستدار عند صاحبه مازحًا: "أزيدك، التمر يثمر ههنا"، فتح عينيه وأشار بإصبعه إلى بقعة دم في عينه اليسرى، وسأله:

• أهذا يكفيك لمعرفة "الزوهري"؟ إنه مثل الذي رأيت، أليس كذلك؟ الحمد لله الذي صرف عني أنظارهم، لقد كنت جد محظوظ، لا أريد أن أتكلم في الموضوع أكثر مما ينبغي، الأمر بالغ الخطورة يا عبدالرحمن، الكلام غير الموزون قد يؤدي بصاحبه إلى القتل أو إلى السجن أو حتى الإعدام، أنت معي على الخط؟

 

• نعم، معك على الخط نفسه، وعالِمٌ بحُكم التجربة بكل ما يحيط بالموضوع، قال أهل زمان: "اللي تخليك خليها" و"اليد التي لا تدخل جحر الأفعى لا تلسع"... هل لك من تقييده؟

 

• نعم، ثلاثة أمكنة جميعها بأقصى الحي الجنوبي من المدينة، واحدة بورقة تتحدث ذهبًا ولؤلؤًا وياقوتًا، والاثنان الآخران محددان دون أوراق، لكنهما يعدان ذهبًا وفضة، والمكان الرابع والأخير خارج المدينة عندنا في الدوار، بعيدًا عن هنا بمائة وخمسين كيلومترًا، أنا متأكد من أنه يخزن ياقوتًا وفضة.

 

• كيف تَأَتَّى لك معرفة ذلك؟ وهل رأيت شيئًا ما يفيد التحقق؟

• الرؤيا يا أخي، أنا مهوَّس مثلك بكسب الذهب، عقلي لا يفكر إلا في هذا الموضوع، أستفيق على الذهب وأنام عليه، انشغالي الدائم صباح مساء، على مر الأيام والأسابيع، وطول الشهور والأعوام: الذهب وليس غير الذهب، بالليل تأتيني المعلومات في الحلم أثناء النوم، أما بالنهار ففي غالب الأحيان تأتيني من شخص منبوذ غير سوي بعد أن أكون قد أطعمته أو أسديت له عمل خير على الأرض ذهبت إلى أحد الأمكنة بالليل، حفرت قليلاً، وإذا بضوءين أزرقين شعَّا من تحت التراب، رأتني بعض الكلاب لكنها لم تنبح! تأملت فيَّ بعيون خائفة، حشرت أنوفها في الأرض وانصرفت، تملكتني الرهبة والخوف، بدون أن أُشَغِّلَ دماغي مددت يدي لِلَمس ما رأيت، عندما اقتربت أصابعي من الضوء بردت ذراعاي وتجمدت يداي، لم أستطع فعل أي شيء، تريثت قليلاً، تراجعت خطوتين أو ثلاثًا إلى الوراء فإذا بهما حيتان ترزقان، قررت ألا ألمس وأنسحب، لم يكن لدي الأمر مفهومًا، بالصدفة غطيت الضوء الذي كنت أرى بالتراب، قرأت بعض آيات القرآن، وعدت من حيث أتيت!

 

• هو ذاك رزقك يا قاسم، إنه هو، الحمد لله أنك أحسنت التصرف عندما سترت الأمانة بالتراب، لو لم تفعل لضاع كل شيء وكأنه لم يكن.

 

تحدث الرجلان بلغتهما الخاصة، تفاهما وأقرا أن المؤشر إيجابي، وأن الأمر يستدعي تدخل الفقيه، بدأ عبدالرحمن إدخال الأرقام لهاتفه ليتصل، وضع قاسم يده على الهاتف؛ ليمنعه من ذلك، وقال له: أشياؤنا تبقى بيننا، ولا تعالج عن طريق الهاتف، أزاح عبدالرحمن يد قاسم برفق وهو يطمئنه: لا تقلق ولا تخف يا صاحبي، كلامك ثابت ورفيع، أنا على الخط الذي تسير فيه، فقط مجرد موعد خارج مضمون الموضوع، رن الهاتف: "آلو، آلو، السيد إبراهيم، معك عبدالرحمن، الحمال؟ نعم، صاحب عربة الحمار الصغيرة، هو بالضبط الحمال القاطن بحي المساكين، أريدك في أمر فيه لنا خير كثير... متى؟ آلو... يوم الخميس، حسنًا، بمقهى الغروب؟ إي نعم، نعم الطابق العلوي، لا تخف كيفما جرت العادة، وحيدًا أوحدَ، الساعة الخامسة مساء، إلى اللقاء، مع السلامة، مع السلامة".

 

• قاسم، هل سمعت؟ لقد طرقْتُ المسمار مع الفقيه إبراهيم، ستتعرف عليه ويدخل خاطرك، المهم موعدنا يوم الجمعة بهذا المكان، سأستطلع رأي الفقيه، وأنقل لك كل شيء.

 

• نعم، إلى يوم الجمعة، ولكن ليس بهذا المكان بالضبط، يجب الاحتراز والحذر، ولا ينبغي رؤيتنا معًا في مكان واحد أكثر من مرتين يا عبدالرحمن، أليس كذلك؟

 

• هذه محسوبة لك ونِعْم الفكرة، إذًا في اليوم المحدد بمقهى الأندلس على العاشرة صباحًا، إلى اللقاء، والهاتف بيننا.

 

• تصبح على خير، والله المعين.

 

جلسا بمقهى الغروب، حكى عبدالرحمن للفقيه ما جاء على لسان قاسم، كان ينصت باهتمام وتمعن كبيرين، من حين لآخر كان يراقب المحيط بمَسَحَاتِ بصره يمينًا وشمالاً، كان حذرًا وقلقًا بعض الشيء عندما رأى النادل يقترب قطع الحوار، واتجه صوب مرحاض المقهى، لا يريد أن يكون في دائرة تغطية أي من الناس، تكلم عبدالرحمن بشكل جيد، وبصوت خافت ومفهوم، وأكد لصاحبه أنه على أتم الاستعداد للعمل مجددًا معه، والامتثال لأوامره... بعد الانتهاء من سرد الحكاية، ارتسمت على وجه الفقيه المكور ابتسامة عريضة أدخلت البهجة إلى قلب عبدالرحمن، الذي استنتج أن في الأمر ما يُبشر بالخير، وهمس في أذن الفقيه: "لنبدأ العمل إذًا"، هز الفقيه رأسه بالإيجاب، لكنه اشترط اللقاء بقاسم أولاً؛ ليتعرف عليه، وليستفسره في بعض الأشياء، اتفقا على الاحتفاظ بالموعد المتفق عليه بين عبدالرحمن وقاسم، وفضَّل الفقيه أن يتم بمنزل عبدالرحمن وليس بمقهى الأندلس.

 

في العاشرة صباحًا التقى الرجال الثلاثة، والتفوا حول طاولة إبريق من الشاي بمنزل الحمال الذي هيأ للَّقاء جيدًا، قبل وصولهم وضع صاحب المنزل في يد زوجته بعض النقود، وطلب منها الذهاب للتسوق، لم يكن اللقاء مطولاً، طرح الفقيه بعض الأسئلة على قاسم تتعلق بمدى إمكانية الحفر بالمكان ليلاً دون جلب أنظار الناس، وأخرى تتعلق بمدى استعداد مرافقيه الذهاب بعيدًا في العملية دون تراجع إلى الوراء، مهما كلف الأمر من عراقيل وتضحيات، قال لقاسم: أنا جربت وتعرفت على جرأة وإخلاص شريكنا عبدالرحمن، لكنني لم يسبق لي أن عرفتك، أتمنى منك كل خير، طمأن قاسم السيد الفقيه على المضي قدمًا في العملية، وألا ينتظر منه إلا ما يرضيه ويرضي جمعهم.

 

كيف لا يتفقون والقضية تتعلق باستخراج كنوز الذهب بالقناطير تسيل لعاب الغني قبل الفقير؟! الكنوز بالنسبة إليهم تقود مستقيمًا إلى حياة لا مرئية، يستحيل تصورها إلا في الأحلام.

 

افترقا على موعد الذهاب إلى المكان الذي ظهرت فيه الأضواء الزرقاء.

 

أصبح عبدالرحمن من أغنى الأغنياء، أول شيء فعله: تخلص من عربته الصغيرة وحماره الأجرب، رمزَي الفقر، أهداهما لجاره الذي رغم عمله في جمع بقايا البلاستيك وبيعها بمال زهيد منذ سنوات عدة، لم يتمكن من توفير بعض المال لشراء حمار وعربة ليصبح حمالاً مثل جاره، ويقتات بعرق جبينه، خاصة وأن ولديه الكبيرين "يحرسان الجدران برفقة شباب حيهم لمنعه من الرحيل"، هما لا يفارقان جدران آخر منزل من زقاق بيتهما إلا في حال الاشتغال: السرقة، والاعتداء على المارة، وبيع الأقراص المهلوسة والحشيش، حتى من داخل السجن حينما يوجد أحدهما به يتم البيع، أمور عادية وطبيعية.

 

كانت نعيمة زوجة أبي الولدين ثرثارة كزوجة عبدالرحمن فاطمة، في الحقيقة وافق شَنٌّ طَبَقَةَ، حيث كانتا تجلسان أمام عتبة منزليهما المتلاصقين على صندوق فارغ للخضر وتثرثران، لم تكن فاطمة تمل من ملأ رأس نعيمة بالكلام على الخير العميم الذي تجلبه مهنة الحمالة لزوجها ولبيتها، كانت طنجرة العدس أو الحمص أو البطاطا المسلوقة ترد يوميًّا على ادعاءات فاطمة، كانت تغطي على فقرها وفقر زوجها بالكذب، وتتظاهر بأنها تعيش عيشًا رغدًا، وهو ما يتناقض مع ما يقوله عبدالرحمن في كل وقت وحين.

 

أغنى الأغنياء رحل وابتعد عن الفقر وأهله، الذين كانوا دومًا يشتكون لقائد الدائرة من نهيق حماره، لم يكن يثق بشخصيته التي "قهرها الزمان"، ودَّ ألا يحافظ على شخصية عبدالرحمن صاحب حياته السابقة، فبنى لعبدالرحمن الجديد قصرًا، وأحاطه بأسوار عريضة وشامخة، صبغها بلون أحجار الآجر كقصور الملوك، غرس على امتداد محيطها الداخلي أشجارًا ذهب علوها أمتارًا بعيدة إلى السماء، في الوسط شَقَّ نهرًا واسعًا يخترق كل الأرجاء الشاسعة لقصره ومحيطه، صمم النهر ملتويًا لَيَّ ظلال الأشجار، والشمس ساطعة بعد الزوال، كان يركب زورقه البرتقالي ليمخر مياه نهره، والريح الخفيفة توصل إليه شمائم الورود والأزهار المنبعثة من الحدائق الغنَّاء، كانت نسائم الروائح تتنوع بتنوع ألوان الأزهار وأمكنتها على امتداد النهر، من تحت الماء كانت الأسماك تتسارع لنقر بطن زورقه العائم كالعرش فوق الماء، كان يراها تلعب معه، وتبارك له غناه، وتقفز فوق السطح لتنظر إلى وجهه العزيز، الكل أصبح يحب عبدالرحمن، كانت الأسماك تتبعه في رحلته حتى مشارف البحر، فتلقي بنفسها فيه، وما تبرح حتى تعود إلى مياه نهر القصر، ليس ببعيد من فوق رأسه في السماء كانت الطيور تغني لعبدالرحمن على وقع خرير السواقي والشلالات الصناعية تصب ماء فضيًّا في النهر، في العديد من نقطه كان البط والطيور المهاجرة تستمتع بالسباحة في مائه البارد الشفاف، جنة عبدالرحمن في الأرض لم تخلُ من أية فاكهة ذُكرت في أسواق البلاد أو لم تذكر، حتى الكلاب البوليسية التي تحرس القصر لم تكن تأتمر إلا بأمر سيدها عبدالرحمن، جنة تعجز أعتى الأقلام عن إعطائها حقها في الوصف، شيء خارق لا ثمن له، جنة ثمنها دم، وأي دم؟!

 

دخل أفخم بيت في قصره، كان بابه من خشب لامع كالشمس، ومفتاحه من ذهب، أدار المفتاح ودخل، كل شيء كان فيه يلمع، فصار عبدالرحمن بدوره مصدرًا للَّمعان، وقف على قرب من جَرَّاتٍ بنصف قامته مملوء بعضها بالذهب، وبعضها باللؤلؤ والمرجان والياقوت والفضة، كانت مرتبة صفًّا صفًّا كأكواب ألصقتها يد امرأة ماهرة بعضها ببعض، قرر ألا تبقى الفضة إلى جانب المعادن النفيسة، فأمر بنقلها إلى غرفة أخرى في انتظار ما سيقرر بشأنها، أدخل أصابعه العشرة في أكوام الذهب المحيطة بالجرات، فغرقت يداه في الذهب واللؤلؤ والياقوت حتى المعصمين، رفعهما إلى السماء وبدأت حفنات الذهب تتساقط من أعلى فوق البلار الحفنة تلو الأخرى، كان صوت الذهب المتدفق ينقر، والرخام يدغدغ فؤاده، وكان يضحك بهستيريا، ويصيح: "الحمد لله الذي رزقني رزقًا طيبًا"، كان ينغنغ ويضرب في رجلي فاطمة برجليه، أفاقت المسكينة مذعورة، أزاحت الغطاء، مدت يدها وضغطت على زر المصباح فوق رأسها، وضعت يدها على كتف زوجها تحركه: عبدالرحمن، عبدالرحمن، انهض، انهض، "فقط أضغاث أحلام"، نهض مفزوعًا، رمى برجله إلى الأرض، جلس على كرسي بجانب السرير، ووضع رأسه بين يديه، أسرعت فاطمة وناولته كأسًا من الماء، جرع وأعاد الكأس لزوجته، حسبت سبع دورات فوق رأسه، ورشته بقليل من الملح، فرك عينيه وفتحهما كمن يبحث عن شيء ضاع منه، تنهد من أعماقه، انطفأ بريق الذهب، وانعدمت روائح الجنة، نظر إلى نفسه فوجده عبدالرحمن الحمَّال القديم، على مقربة من الكرسي الذي يجلس عليه وجد سرواله وقميصه الذي يشتغل بهما مرْميينِ على الأرض ينتظران، استعاد كاملَ وعيِه، فتأكد أن شيئًا لم يتغير، نظر إلى زوجته التي كانت تنتظر إفادتها بما حدث له، وقال: "خير إن شاء الله"، عاد من حيث نهض، أدخل رأسه تحت الوسادة، أحكمت فاطمة الغطاء فوق جسد زوجها الذي أدار عنها وجهه واستسلم للنوم.

 

... بعد منتصف الليل بدأ العمل تحت ضوء القمر، كان المكان بعيدًا عن السكان، وهو مثالي حقًّا للعمل.

 

• احفِر أنت على اليمين، وأنا أَحْفِر على اليسار يا قاسم.

 

• اخفض صوتك، لا تتسرع، انتظر انطلاق الفقيه يا عبدالرحمن، الحفر والقرآن معًا.

 

بدأ الفقيه بقراءة القرآن "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم..."، كان العرق يتصبب من جبيني شريكي إبراهيم، طال زمن الحفر، يفترض أن العمق الذي وصلا إليه يشي بشيء ما، أن تشع أضواء مثلاً... لكن لا شيء من هذا حدث.

 

• توقفا عن الحفر جزاكما الله خيرًا، واحد فيكما به تعكيس، من يكون منكما صاحبه؟


نظر عبدالرحمن وقاسم بعضهما إلى بعض، لكنهما لم يتبينا قسمات وجهيهما بوضوح رغم نور القمر الساطع في السماء، كانت ظلال الأشجار تحدث العتمة الكافية لئلا يُرى شيء بكامل الوضوح، لم يرُدَّا على اتهام الفقيه، وضعا فأسيهما جانبًا وجلسا وقد بدأت خيبة الأمل تتسرب إليهما، فقال لهما الفقيه:

• إذًا يجب أن تنسحبا كلاكما!

 

ابتعدا وبقي الفقيه مستحوذًا على المكان، يقرأ القرآن بصوت خافت.

 

بعد مرور بعض الوقت غير القليل التحق بهما وقرر انسحاب الجميع.

 

في السيارة سأله الشريكان عن النتيجة، كانا على أحر من الجمر ينتظران سماع شيء يعيد لهما أملاً ذهبيًّا، لؤلؤيًّا وياقوتيًّا، قال الفقيه: الأمر إيجابي والحمد لله، لقد قلت لكما: إن أحدكما لم يكن على وضوء، لم يعيرا لكلامه اهتمامًا يذكر، واهتزَّا فرحًا، أضاف الفقيه:

• الأمر ليس سهلاً وليس صعبًا في نفس الوقت، هما اثنان، ذكر وأنثى من الجن، متفاهمان ويشترطان الدم قربانًا لزواجهما مقابل الإفراج عن رزقنا، الذهب والياقوت واللؤلؤ كنز حقيقي.

 

• وأي دم يا فقيه؟ الأمر فيه...

 

قاطعه الفقيه:

• ألم تقل: إنك على الاستعداد الكامل، وقد قالها صاحبك أيضًا؟!

• نعم قلتها، وما زلت أكررها، ما المطلوب يا فقيه؟ أنت ما زلت لا تعرف "قاسم"، كيفما وأينما كان هذا الدم نحضره.

• المطلوب دم طفل ذكر يكون "زوهريًّا"، أسمر اللون، أسود العينين، لا يتعدى سنه الثامنة، هذا هو شرطهما.

 

... "حَلَويَّات ألَوْلِيدَاتْ، حَلَويَّات ألَوْلِيدَاتْ..."، تقمص عبدالرحمن شخصية بائع الحلويات، كان يخترق أزقَّة الأحياء الشعبية، ويقف بعض الوقت يتجاذب الحديث مع الأطفال، كان يضع بين يديه قصبة حجمها بحجم خشبة سقف بيت متوسط العرض، وطولها حوالي مترين، نصفها الأعلى ملفوف من الحلوى البيضاء الموشومة بخط أحمر، ومن فوقها بلاستيك يعكس أشعة الشمس، ويجلب إليها الأطفال، كان يقرض قطع الحلوى الصغيرة بسكينه القصيرة، ويطلب من الأطفال فتح أيديهم ليناولها إياهم، في تلك اللحظة كان يبحث عن خط عرض اليد، عند المساء كان يعود إلى البيت ليصنع حلوى جديدة لنهار الغد.

 

بعد أيام متتالية من التنقيب، اهتدى عبدالرحمن لضالته، وجد الطفل الذي يبحث عنه، اسمه عبدالإله، ناوله الحلوى أكثر من مرة أمام باب المدرسة، عندما اكتشف زوهريته بدأ يعطيه حلوى تفوق الثمن الذي يدفعه، ويتبعه، وأحيانًا يسير إلى جنبه إلى أن يصل الطفل إلى منزل أبويه، أكسب الرجل ثقته للطفل، فأصبح كلما رآه عند خروجه من المدرسة قصده ببراءة جريًا؛ ليأخذ قسطه من الحلوى، ويسمع منه كلامًا هو - أيضًا - حُلو.

 

حسب المعلومات التي تم جمعها، والد الطفل يشتغل في شركة للمشروبات الغازية، وأمه ممرضة بالمستشفى الكبير بالمدينة، وهما مطلقان، الطفل يعيش مع أمه، ويدرس في الابتدائي بمدرسة عمومية مجاورة لمنزل والدته، أحيانًا يذهب إلى المدرسة مع أخته، لكنه عند العودة يكون إما مع الأطفال أو وحده، الأهم من هذا كله هو أن الطفل يبقى أحيانًا يلعب خارج المنزل إذا لم يدخل إلى منزل الجيران، كانت أخته تدرس بالإعدادي، وهي التي كانت تفتح باب منزلهم ليلتحق بها أخوها، أما أمهما فكانت لا تدخل إلى منزلها إلا بعدما يكون طفلاها قد غادرا المنزل نحو المدرسة لحصة المساء، في غالب الأيام يذهب عبدالإله إلى المدرسة شيئًا ما مبكرًا.

 

... التقيا في اجتماع طارئ، اتفقا على أن للطفل المواصفات المطلوبة، فوضعا خطة لاختطافه، الخطة تقتضي تبادل الأدوار، عندما يكون الطفل في طريقه إلى المنزل يلتحق به المجرمان، يقوم قاسم بتسلم قصبة الحلوى شبه الفارغة، ويتسلم عبدالرحمن الدراجة النارية من قاسم، ويطلب من الطفل مرافقته لإحضار قصبة حلوى جديدة، إنَّ رفض الطفل مرافقة عبدالرحمن احتمال ضعيف جدًّا، والخطة لا محالة ناجحة.

 

يوم العملية كان يوم الاثنين، تم تطبيق العملية بسلاسة وسهولة كما خُطط لها، لم يرفض البريء مرافقة عبدالرحمن، وقد كان يتجسد فيه حنان أبيه الذي فقده بعد أن طلَّق أمه وهو ذو حولين.

 

حضر الفقيه على جناح السرعة إلى بيت قاسم الذي كان يعيش فيه وحده، قرأ القرآن وتكلم مع الجن والشياطين، قال لهم: إنه أوْفَى لهم العهد، وإنه أحضر لهم قربانهم، بطح الطفل أرضًا، خيل للفقيه أنه من طينة إبراهيم، وضع الخَنجر المتلألئ في عنق الطفل، لم ينزل الكبش الذهبي العظيم، ضغط الفقيه بقوة وانفجر الدم من عروق عنق البريء، ردح قليلاً ليجثم على الأرض جثة هامدة، أفرغ الطفل من دمه الذهبي قسرًا، قطع إصبعيه الوسطيين من كلا رجليه، وضعوهما في قنينة بيضاء غير شفافة، وملؤوا نصفها بالدم، قطعوا الجثة إرْبًا إرْبًا، وتخلصوا منها بمكان ما.

•     •      •


تصفح الحاكي جريدة الحياة اليوم كالعديد من الأيام السابقة، إعلان عن البحث عن طفل متغيب.

 

ما زال الموضوع لم يأخذ الاهتمام اللازم في الصحافة، ولا من طرف الجمعيات الحقوقية!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كي لا أطغى! (قصة قصيرة)
  • الخل الوفي (قصة قصيرة)
  • الأمل (قصة قصيرة)
  • أحبوني (قصة قصيرة)

مختارات من الشبكة

  • عندما أنشب السرطان أنيابه في رئة أمي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أنياب المباضع (قصيدة)(مقالة - موقع د. أحمد البراء الأميري)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • زكاة الذهب والفضة والعملات النقدية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: الذهب بالذهب، وزنا بوزن(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • في قفص الاتهام الذهبي (قصة قصيرة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب