• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

مفهوم الأدب المقارن (4)

د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/6/2015 ميلادي - 26/8/1436 هجري

الزيارات: 20854

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مفهوم الأدب المقارن (4)


.. والمثاقفة، بعكس الغزو الثقافي الذي يتضمن في طياته الرغبة في محو الآخر وإلحاقه وفرض التبعية عليه ومعاملته بنظرة فوقية عدوانية متغطرسة، تقوم على الندية والاحترام والتسامح والاعتراف بخصوصية الآخر واختلافه، وفي إطارها تتفاعل الجماعات والشعوب، ويواصل بهدف الاغتناء المتبادل؛ لهذا فهي تفترض الثقة والرغبة في التواصل والتقدم والتطور واكتساب العلم والمعرفة، وإذا كانت الشعوب تسعى سعيًا تجاه المثاقفة فهي ترفض أشكال الغزو الثقافي كافة، وقد عبر المهاتما غاندي عن ذلك قائلًا: "إنني أفتح نوافذي للشمس والريح، ولكنني أتحدى أية ريح أن تقتلعني من جذوري"؛ لهذا فالمثاقفة في هذا المعنى تعد رافدًا مهمًّا، تسعى كل أمةٍ من خلاله إلى معرفة الآخر، واستثمار ما لديه من قيم ومعطيات إنسانية وحضارية، وإلى تنمية كيانها الثقافي بشكلٍ خلاق وغير مضرٍّ بمقومات الهوية والقومية وثوابتها".

 

ولعل ما كتبه شاهو سعيد عن دور الأدب المقارن في حوار الحضارات أن يكون أقرب إلى واقع الأمر، سواء فيما يتعلق بالطبيعة البشرية أو بقدرات ذلك الفرع من فروع المعرفة، قال في بحث له على المشباك بعنوان: "الأدب المقارن ومساهمته في حوار الثقافات": "كلما اتجهت الأنظار نحو عالمية الأدب والثقافة الإنسانية، أو ما يسمى بـ: "حوار الحضارات والتفاعل بين الهويات الثقافية المختلفة"، برزت أهمية الأدب المقارن باعتباره جسرًا من جسور ذلك التفاعل، من هذا المنطلق نحاول في هذا البحث إلقاء الضوء على الدور الذي يمكن أن يضطلع به الأدب المقارن، خصوصًا في عصرنا الراهن الذي بدأت فيه المعرفة الإنسانية تدخل مرحلة من الاندماج العالمي الأعمق بفضل الشبكات الكونية للاتصالات والإعلام، والعلاقات الاقتصادية، والتفاعلات الحضارية والاجتماعية بين الشعوب والثقافات، التي تندرج في بعض الجوانب ضمن ظاهرة العولمة وآثارها على المستويات المختلفة.

 

ولكن قبل التطرق إلى هذه القضية نحاول أن نقف بشكل سريع عند جوهر الرسالة الإنسانية التي وُلد الأدب المقارن في الأصل من أجل أدائها، والذي أدى إلى بروز تساؤلات حول الوجه العالمي للإبداعات الأدبية المنصبة في خدمة الإنسانية جمعاء، وتوثيق أواصر الحوار المشترك بين شعوبها وثقافاتها"، الأمر إذًا لا يخرج عن دائرة الاحتمال والإمكان، وهو ما يعني أن الأدب المقارن قد ينجح في الوصول إلى الغاية المبتغاة منه، وقد يفشل كما قلنا سابقًا.

 

ومن هنا نجد الكاتب في نهاية مقاله يعود لطرح القضية من خلال السؤال التالي: "ما هدف الدراسة في الأدب المقارن؟"، ثم يتابع قائلاً: "للإجابة عن هذا السؤال نقترح جملة من المهام التي يمكن أن يضطلع بها الأدب المقارن في العصر الراهن، وذلك في مجالات عدة يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو الآتي:

1 - الحوار: يمكن للأدب المقارن أن يمثل جسرًا للحوار بين الثقافات المختلفة من خلال إيجاد مواطن التأثير والتأثر بين النصوص الإبداعية لتلك الثقافات، وتشخيص نقاط الاختلاف والائتلاف بين الأنظمة الثقافية والأدبية المختلفة.

 

2 - التركيز على البُعد الإنساني للأدب: وذلك من خلال إبراز التقارب بين الغايات القصوى التي ترمي إليها الآداب القومية المختلفة، والتي قد تتباين من حيث وسائل التعبير واللغة، لكنها تتآلف من حيث الغاية.

 

3 - الترجمة: إذ يرى العديد من الباحثين أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين مستقبل الأدب المقارن وازدهار الترجمة في العديد من بقاع العالم؛ فدراسات الترجمة تنبع من الدراسات اللغوية والأدبية والتاريخية والأنثروبولوجية والنفسية والاجتماعية والعرقية وغيرها، ودراسات الترجمة تقوم على افتراض أساسي، وهو أن الترجمة ليست نشاطًا هامشيًّا، ولكنها كانت وما تزال قوة تغيير قادرة على تشكيل تاريخ الثقافة، لقد اعتبر الأدب المقارن الترجمة فرعًا صغيرًا من فروعه، ولكن هذا الافتراض يثير الآن تساؤلات كثيرة؛ لأن ما قام به بعض العلماء يوضح...أن الترجمة تكون على درجة كبيرة من الأهمية في أوقات التحولات الثقافية العظيمة، كما أن الترجمة تعد عملية بحث دائم عن الجوانب اللغوية والدلالية بين لغتين أو أكثر لتحديد الارتباطات اللغوية بين النتاجات المختلفة، وبالتالي يمكن للترجمة أن تجد الأواصر المشتركة بين اللغات المختلفة التي قد تبدو متباينة من حيث النطق وقواعد اللغة، لكنها تشترك في تجسيد الحالات النفسية والاجتماعية التي تنبع من أحاسيس ومشاعر إنسانية مشتركة.

 

4 - التكافؤ الثقافي: ويتحقق من خلال ردم الهوة بين الثقافات المتباينة، ورفع الغَبْن التاريخي الذي لحق ببعض الثقافات؛ لأن التاريخ لم يشهد تساويًا وتكافؤًا كاملًا في مستوى تطور الحضارات، بل جعل ثقافات بعض الشعوب ثقافات مهيمنة ومسيطرة، فيما جعل بعض الثقافات ثقافات مقلدة أو مهمشة، فإن مهمة الأدب المقارن هي خلق حالة من التوازن والتكافؤ بين الآداب والثقافات المختلفة".

 

وليس بيننا وبين الكاتب بشأن هذا الكلام اختلاف يذكر ما دام الأمر، كما يرى القارئ، لا يخرج عن دائرة الممكن والمحتمل، وهو ما قلناه مبكرًا، وهذه النقطة من الأهمية بمكان؛ كيلا نعلق على الأدب المقارن كثيرًا من الآمال الجامحة التي ينتهي الإخفاق في تحقيقها إلى الإحباط واليأس، ناهيك عن الجهود الكثيرة التي تكون قد ضاعت على الفاضي، ومن ثم فالحصافة تقتضي أن نكون واقعيين، فلا نحلِّق في سموات الخيال والأوهام، ولقد ظل الغرب يدرسنا ويدرس حضارتنا مئات السنين، وأصبح يعرف عنا كل شيء، وبطريقة منهجية، فهل ساعد ذلك على أن تكون علاقته بنا طيبة واحترامه لخصوصيتنا كبيرًا؟ بالعكس، فقد ظل أيضًا طوال تلك الفترة يمارس علينا مؤامراته الخبيثة، ويعمل بكل السبل على تحقير ثقافتنا، ويدَّعي علينا وعلى كل ما يتصل بنا الادعاءات، ويحاول بجميع قواه إفقادنا ثقتنا بأنفسنا وبماضينا وحاضرنا كله، ولو كانت معرفة الآخر معينة بالضرورة على التفاهم السليم واحترام تراثه وخصوصيته لكان حظنا مع الغرب أفضل من ذلك كثيرًا، أما ونحن نحترق منذ قرون بناره وكيده اللئيم وعدوانه الوحشي الذي لا يعرف هوادة ولا خجلاً، فلنعرف جيدًا أن الأدب المقارن ليس من شأنه أن يصلح الأحوال ضربة لازب، بل يعتمد الأمر على النية والإرادة، كما سبق أن وضحت، ولقد كانت نية الغرب من وراء هذه المعرفة سيئة منذ البداية؛ إذ دخل هذا الميدان وهدفه البغي والعدوان، وإن لم يمنع هذا من وجود شرفاء فيه ذوي ضمائر حية وإنسانية راقية، بيد أننا حين نتكلم هنا عن الغرب فالمقصود هو الاتجاه العام بين شعوبه وأفراده، وبخاصة بين الساسة والمثقفين الذين يعاونون أولئك الساسة، ويجعلون علمهم في خدمة مخططاتهم، وكذلك الجماهير التي تأتي بهم إلى سدة الحكم، وتصوت لهم وتضع يدها في أيديهم لبلوغ تلك الغايات الأثيمة.

 

ولكي يكون القارئ على بينة مما نقول، فإننا ننقل له هنا الفقرة التالية من مقال د. سامية عبدالعزيز أستاذة الحضارة الفرنسية بآداب المنوفية سابقًا، وهو موجود على المشباك، وعنوانه: "الديني والسياسي في التعامل الغربي مع القرآن - رؤية شاملة"، وهذه هي الفقرة المذكورة: "يقول الكاتب جان بودريار (J، baudrillard) في كتابه المعنون: "قوى الجحيم" الصادر في أواخر أكتوبر 2002م: "إن ما يدور حاليًّا هو أكثر من عنف، إنه احتدام العنف، إنه عنف يتزايد كالعدوى في سلسلة من ردود الأفعال التي تهزم كل الحصانات وكل إمكانات المقاومة...لأن الإسلام هو النقيض الحيوي للقيم الغربية؛ ولذلك فهو يمثل العدو رقم واحد...وفيما يتعلق بالتعصب الديني المسيحي فإن كل الأشكال المخالفة له تعد هرطقة، وبذلك فيتعين عليها إما أن تدخل النظام العالمي الجديد طواعية أو قهرًا، أو عليها أن تختفي، إن مهمة الغرب الآن هي أن يتم إخضاع الثقافات المختلفة بشتى الوسائل إلى القانون الوحشي المسمى: التساوي...فالهدف هو التقليل من المناطق المنشقة، واستبعاد كل المساحات المعترضة، سواء أكانت مساحات جغرافية أم مساحات في المجال العقائدي"، ويؤكد سيرج لاتوش (Serge Latouche) في كتابه حول "تغريب العالم" قائلاً: "إن سيطرة الغرب لم تتمثل فقط في فرض الاستعمار، وإنما في التبشير والسيطرة على السوق، والاستيلاء على المواد الخام، والبحث عن أراضٍ جديدة، والحصول على أيادٍ عاملة رخيصة، واقتلاع الهوية التراثية الدينية، والقيام بالغرس الثقافي الخاص بالغزاة، مستعينين بشتى وسائل الإعلام وغيره...إن عملية تغريب العالم هي أولاً وأخيرًا عبارة عن حرب صليبية، والحروب الصليبية هي أكثر العمليات جنونًا في كل ما قام به البشر، إن عملية تغريب العالم كانت ولا تزال عمليةَ تنصيرٍ، ومعظم عمليات التنمية في العالم الثالث تتم مباشرة أو بصورة غير مباشرة تحت علامة الصليب"...".

 

ولا بد لمن يكتب في مجال الأدب المقارن من استكمال الأداة، ألا وهي الإحاطة بكل ما من شأنه أن ينجح عمله، وأول شيء في ذلك فهمُ النصوص وتذوقها جيدًا، والمقدرة على الموازنة بينها، وإدراك النقاط التي ينبغي أن يقف عندها للقيام بالمقارنة المطلوبة...إلخ، لكن كيف ذلك؟ أولاً بمعرفة اللغة التي كتبت بها النصوص المراد مقارنتها: فأما بالنسبة للغة القومية فأمرها مفهوم؛ إذ لا يعقل ألا يعرف المقارن لغةَ أمته، لكن المشكلة في لغات النصوص التي على الجانب الآخر، وقد رأينا كيف أن الدكتور البطل قد أخطأ الترجمة، فأخطأ فهم النص، وترتب على ذلك أشياءُ ذكرناها فيما مضى، ولو كان حسناً للترجمة لما كان ما كان!

 

فلا بد إذًا من إتقان اللغة الأجنبية التي كتب بها النص الأجنبي إذا أراد المقارن أن يغوض بنفسه في أعماق النص، ويعرف خباياه، قد يقال: إن من الممكن أن يعتمد المقارن على النصوص المترجمة إلى لغته القومية، والواقع أن هذا ممكن، على الأقل من الناحية النظرية، لكن بشرط أن يتأكد المقارن أن المترجم قد أحسَن الترجمة ولم يترك في النص المترجم شيئًا لم ينقله إلى اللغة المحلية، فهل هذا ممكن؟ أعتقد أنْ لا، وحتى لو تأكدنا أن المترجم قد أحسن الترجمة إلى أقصى حد، فتبقى هناك جوانب في العمل الأدبي لا يمكن النظر فيها من خلال الترجمة، وهي الأمور المتعلقة بلغة النص وبلاغته وأسلوبه، مما لا ينتقل عبر الترجمة أبدًا؛ إذ الترجمة إنما تنقل الفكرة والمضمون، وقد تنقل أيضًا شيئًا من جو العمل، أما مسائل اللغة والأسلوب والبلاغة وما إلى هذا، فليس من سبيل للاحتكاك بها إلا في النص الأصلي، وذلك من خلال إتقان لغة ذلك النص، ثم إن من يعتمدون على الترجمة سوف يقتصرون على ما ترجم من الأعمال الأدبية فقط، لا يتعدَّوْنه إلى غيره، بخلاف من يعرف لغة أجنبية فإن فضاءها العريض يكون مفتوحًا أمامه يحلق فيه كما يحلو له، وهذه مَيزة ليست بالقليلة.

 

مثلًا كيف كان لي أو لغيري أن نتحقق من التهمة التي اتُّهِمَ بها د. محمد مندور حين قيل: إنه قد سرق كتابه "نماذج بشرية" أو بعضًا من فصوله على الأقل من كتاب الكاتب الفرنسي جان كالفيه ما لم نرجع إلى الأصل الفرنسي ما دام هذا الأصل لم يترجم إلى العربية؟ وهكذا لم يكن أمامي أن أفعل إلا أن أرجع بنفسي إلى الأصل الفرنسي لأتبين مدى صحة هذه التهمة أو زيفها، فوجدت أنه قد أخذ فعلاً بعض فصوله بلا أدنى جدال أو ريب من كالفيه حسبما وضحت ذلك بالنصوص الفرنسية وترجمتها العربية، ووضع هذا وذاك بإزاء الفصول المندورية، وبذلك حسمت المسألة؛ ولهذا لم يرُدَّ أحد على ما كُتِبَ رغم ضيق صدور كثيرة بهذا الذي كتب، وقد رأينا أن الدكتور البطل لم يحسن الترجمة كما ينبغي، ومن ثم تساءلت قائلاً: أوَيمكن من يؤدي الترجمة على هذا النحو أن يقوم القصيدة، ثم لا يكتفي بهذا بل يقارن أيضًا بينها وبين أشعار السياب، ثم مرة أخرى لا يكتفي بهذا بل يقوم الشاعرة الإنجليزية ونظيرها العراقي ويحكم بأن صورها وفنها (فنها كله لا في تلك القصيدة فقط!) أفضل كثيرًا من صوره هو وفنه؟

 

وهذا يقودنا إلى عنصر آخر من العناصر التي يستكمل المقارن بها أداته حتى يكون على مستوى المهمة التي انتدب نفسه لها، وهو الإحاطة بقدر الإمكان بكل ما يتعلق بموضوع المقارنة: سواء النص العربي (في حالتنا نحن العرب) أو النص الأجنبي، وقد رأينا مثلًا كيف أن الدكتور البطل قد فاته أن يبحث عن معنى "Vides" وترجمها على أنها تعني "السقوط"، ولا أعرف السبب في ذلك، لقد بذل الدكتور جهدًا طيبًا للتعريف ببعض القضايا المتصلة بقصيدة سيتويل، كما هو الحال في حديثها عن الحيوانات البائدة، والبرودة والحرارة، وشخصية لعازر مثلًا، وهذا مما يحمد له، فكنت أحب لو بذل في النقطة التي نتحدث عنها مثل هذا الجهد، ولكنه لسبب ما لم يفعل، وهو غريب؛ إذ كانت تلك النقطة على مدِّ ذراعه لو فرده وتيقظت حواسه قليلاً، وأنكى من ذلك أنه، كما أشرت، لم يتلجلج فيما قال، رغم وضوح بُعده عن الصواب.

 

إن واجب المقارن الأدبي أن يتسلح بكل ما تحتاجه عملية المقارنة، وهذه العملية من الغنى والتعقيد بحيث تكون في بعض الحالات على الأقل بحاجة إلى بعض الإلمام من العلوم وإتقان بعضها الآخر.

 

ومعروف أن جزءًا كبيرًا من مهمة المقارن الأدبي يقوم على لمح العناصر المنقولة من أحد الآداب إلى أدب آخر، بل إن من المقارنين (كما سبق القول) من يرون أن هذه هي كل المهمة التي يقوم بها الأدب المقارن لا يتعداها، والواقع أن هذه المنطقة هي منطقة تلاقٍ بين ما يسمى في النقد الحديث بـ: "التناص" وبين الأدب المقارن؛ إذ التناص هو تداخل النصوص الأدبية بعضها في بعض، ذلك أن الأديب عندما يبدع شيئًا فإنه لا يأتي به من فراغ، مثلما أن الجسم البشري مثلًا حين يتكون وينمو فإنه لا ينشأ ولا يكبر من لا شيء، بل هو مأخوذ من جسم الأم ومواد طبيعية كانت موجودة من قبل، ثم ركب هذا كله على نحو جديد وأعطي روحًا جديدة لم يكن لها وجود من قبل، إن الأديب حين يبدع شيئًا فإنه لا يفعل هذا إلا بعد أن يكون قد قرأ من الأعمال الأدبية في أدبه القومي وخارج نطاق أدبه القومي ما لا يحصيه إلا الله، أما هو أو غيره فأقصى ما يمكنهما الانتباه إليه بعض هذه القراءات فقط، مع التنبيه إلى أنه في كثير من الأحيان لا يستطيع أن يتذكر العناصر التي استفادها من كل هذه القراءات، بل من بعضها ليس إلا، وإذا كانت الدراسات التناصية ترصد أشياءَ في النص الذي تتناوله وتسكت عن أشياء أخرى، فليس معنى هذا أن ما تم رصده مما أخذ من نصوص سابقة هو وحده المأخوذ من تلك النصوص، بل معناه أن هذا هو ما استطاع الدارس التنبه إلى مصادره، ونفس الشيء يقال عن الأدب المقارن في جانب منه، وهو الجانب الذي يتعامل مع ما أخذته الأعمال الأدبية القومية من الآداب الأجنبية أو العكس، فهو في الواقع رصد لمظاهر التناص، لكن على المستوى العالمي فحسب، فلا يدخل فيه إذًا التناص داخل الأدب القومي؛ أي إن ما كتبه الدكتور البطل في الكتاب الذي بين أيدينا مثلًا يمكن أن يكون دراسة تناصية لو كان تركيزه كله على ما أخذه السياب من غيره من الشعراء والأدباء: المحليين منهم والعالميين على السواء، ولم يلتفت إلى ما سوى ذلك، الأدب المقارن إذًا - في جانب منه على الأقل - هو دراسة تناصية عابرة للآداب.

 

كذلك هناك التاريخ الأدبي للأدبين اللذين يريد الدارس المقارنة بينهما؛ إذ لكي نفهم إنتاج أديب ما ونقوِّم إبداعه تقويمًا سليمًا ينبغي أن نكون على معرفة واسعة بسياقه الذي نبت فيه، هذا السياق الذي ارتوى منه الأديب قبل أن يرتوي من سواه، والذي تتناغم معه أعماله سلبًا أو إيجابًا، وتأخذ منه وتعطيه قبل أن تفعل شيئًا من ذلك مع غيره، والذي يمور بالتيارات والرواد والأعلام في ميادينه المختلفة، فمثلًا نرى د. حسين نجيب المصري في كتبه: "غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم بين شعراء الشعوب الإسلامية - دراسة في الأدب الإسلامي المقارن" و"رمضان في الشعر العربي والفارسي والتركي" و"المسجد بين شعراء العربية والفارسية والتركية" يتتبع تيار الشعر العربي الذي يدور حول هذه الموضوعات قبل أن يقارن بينه وبين نظيره من شعر الغزوات في الآداب الإسلامية الأخرى، ولم يكن من الممكن أن يقوم، رحمه الله، بهذه الدراسة دون أن يلم بذلك التيار لدينا ولدى الأمم الإسلامية التي كان يعرف لغاتها، وبالمثل لم يكن د. حلمي بدير ليستطيع الإقدام على كتابة بحثه عن "الشعر المترجم وحركة التجديد في الشعر الحديث"، ولا كان ممكنًا أن يقوم س.موريه بالبحث في "تأثير الشعر الغربي وخاصة إليوت على الشعر العربي الحديث" في الفترة الواقعة بين 1947م و1970م لولا أن كلًّا منهما يعرف حركة الترجمة الشعرية والاتجاهات الفنية في ذلك الشعر، ولا كان بمستطاع الأول أن ينهض في كتابه: "بحوث تجريبية في الأدب المقارن" بالمقارنة بين كل من طه حسين وصلاح عبدالصبور وبين ما استوحاه من الأدب الغربي دون أن يكون على علم كافٍ بتاريخ الأدب العربي الحديث وتياراته التقليدية والمعاصرة بطيوفها المختلفة، وكذلك ما كان بمُكْنة د. مكارم الغمري النجاح في كتابها عن "مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي" بغير معرفتها الواسعة بوجود مثل ذلك التيار المتأثر بعناصر واضحة من الأدب العربي والدين الإسلامي في الأدب الروسي بين فطاحل أعلامه، كذلك ما كان د. محمد جلاء إدريس بقادرٍ على إنجاز دراسته: "الشخصية اليهودية - دراسة أدبية مقارنة" إلا بعد أن درس الأدبين الإنجليزي والعربي في مصر دراسة متعمقة، على الأقل في مجال الفن القصصي الذي اختار أن يقوم في نطاقه بعملية المقارنة، وهو ما ينطبق أيضًا على الدراسة التي كتبها وليد حمارنة (walid Hamarneh) بعنوان "The Domestication of Genre: Najib Nahfuz and the Westen Novel"، وإن كانت المقارنة هنا فنية لا مضمونية...وهكذا، فهذه بعض التخصصات التي ينبغي أن يكون الدارس المقارن ماهرًا بها؛ لارتباطها الوثيق بتخصصه، بخلاف العلوم والمعارف الأخرى التي لا تتصل بتخصصه هذا الاتصال الوثيق، لكنه قد يحتاج إلى الإلمام بها، أو على أقل تقدير: إلى الرجوع إلى دوائر المعارف، أو إلى كتبها الأساسية أو المبسطة إن كانت في ميدان من ميادين العلوم الطبيعية مثلًا مما لا يعرف المقارن عادة.

 

هذا، وقد أوجزت موسوعة الـ: "Wikipedia" المشباكية ما ينبغي أن يتحلى به الدارس المقارن من معرفة جيدة باللغات الأجنبية، واطلاع كافٍ على ميادين دراسات الأدب ونصوصه، فوصفت المقارنين الأدبيين على النحو التالي:

"Comparativists are typically proficient in several languages and acquainte with the literary traditions and major literary texts of those languages.".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مفهوم الأدب المقارن (1)
  • مفهوم الأدب المقارن (2)
  • مفهوم الأدب المقارن (3)
  • بحوث الأدب المقارن ومجالاته
  • أبرز المراحل لنشأة الأدب المقارن

مختارات من الشبكة

  • غنى النفس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المفهوم السياسي للأيديولوجيا(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • ما معنى الفكر ؟(مقالة - موقع د. محمد بريش)
  • نظرية الأدب المقارن في كتابات المقارنين العرب (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفهوم الحرية في الإسلام ومفهومها في الفكر الغربي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العالم الإسلامي: مفهوم واحد أم مفاهيم متعددة؟(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • مختصر بحث: بناء المفاهيم ودراستها في ضوء المنهج العلمي "مفهوم الأمن الفكري أنموذجا"(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • بناء المفاهيم ودراستها في ضوء المنهج العلمي (مفهوم الأمن الفكري أنموذجا) (WORD)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • مفهوم المفهوم والفرق بينه وبين المصطلح(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مفاهيم ضائعة (1) مفهوم الجار في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب