• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

حجاجية الأسلوب في رسالة التربيع والتدوير للجاحظ

حجاجية الأسلوب في رسالة التربيع والتدوير للجاحظ
أ. شيماء أبجاو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/3/2014 ميلادي - 21/5/1435 هجري

الزيارات: 56591

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حجاجية الأسلوب في رسالة التربيع والتدوير للجاحظ


توطئة:

لا شكَّ أن كتابات الجاحظ جمَعت في طياتِها العديدَ من الخطابات المتنوعة التي تعبِّر عن ثقافة الرجل الموسوعية؛ فهو يعبِّر عن ثقافته الخاصة، وعن ثقافة عصره، كما أنه لا يتورَّعُ عن الاستنجاد بكل المعارف المتاحة ليوصِّل الفكرة والأطروحة التي يرومُها، غير أن هذا لا يمنح نصوصَ الجاحظ هذه القيمة التي اكتسبتها في تاريخ الأدب العربي إذا لم نتكلَّمْ عن الإطار العام الذي نسَج معارفه بواسطته؛ فالجاحظ كتَب مواضيعَ ذات قيمة ثقافية ومعرفية كبيرة، لكنه أيضًا خلَّف نصوصًا أدبية رائعة عبَّرت عن قدرة صاحبها على البيان، فكان مما تفرَّد به ما جمع في كتبِه من تكاملٍ بين المعارف، والأسلوب الممتع الذي يسهِّل على المتلقِّي التواصلَ مع هذه النصوص، والتأثرَ بها.

 

ولعل رسالته التي عَنْونها بالتربيع والتدوير، قادرة على منحِنا هذه الرؤيةَ الجمالية لنصوص الجاحظ؛ فقد كتَب هذه الرسالة لغرضٍ واضح، هو الهجاء؛ فهو يهجو غريمه أحمد بن عبدالوهاب الذي يرى فيه كلَّ نقيصة، فيُسرف في إظهار قُبحه وجَهله، لكننا إذ نطلق على هذه الرسالة مفهومَ الهجاء فنحن فقط نقصِد الغرضَ الأدبي المعروف في تاريخ الأدب، لكن هجاء الجاحظ غيرُ ما نعرف من أسلوب الهجاء؛ فالرجل يهجو غريمَه بسخرية، وهدفه حجاجي؛ فهو يسخِّر عددًا كبيرًا من آليات الحِجاج ليُرغِمنا على الاعتقاد بجَهْل الرجل وقُبحِه وكَذِبِه؛ حيث إن النتيجةَ التي يدفعنا لاستنتاجها تغدو بديهيةً في نظرِ القارئ، الذي يضحَكُ من الصورة الكاريكاتورية التي رسَمها.

 

إن الرسالة تتعالق فيها العديد من العلاقات البنائية التي تخلُقُ الانسجام بين أجزاء النص؛ فالجاحظ يبتغي إقناعَنا بهجائه، وقد اختار لذلك إستراتيجية معيَّنة، وهي السخرية، التي وُظِّفت بشكل حِجاجي، تكتسب قوتها من إضمارِها للمعنى المراد داخل المعنى الساخر الظاهر، كما أن رغبةَ الجاحظ في ابتكار الحجج وخَلقها فجَّرَت لديه كمًّا كبيرًا من المعارف حوَّلت النص إلى فضاء معرفي وموسوعة تختزل ذاكرةَ الجاحظ الغنية، من هنا تكون الطريقة المثلى لمقاربة هذه الرسالة تتجلَّى في الجمع بين أجزاء الخطاب كما جاء بها أرسطو، وبالتالي فإن كل جزء من مكوِّنات النص لا يمكن أن يُدرَس إلا في علاقته مع باقي الأجزاء الأخرى، ثم في علاقته من الغرض والسياق العام للخطاب[1].

 

وإذا كان الجاحظ نوَّع الخطابات في هذه الرسالة وجعَلها جميعًا حججًا له ضد غريمه، فنراه مثلاً يُقحم الخطاب الفلسفي، ثم الخطاب الديني، ثم الخطاب الأيديولوجي، وكذلك الأدبي، فإنه أيضًا جعَل حسن صياغته لهذه المواضيع حجة أيضًا؛ فالكاتب عندما يستدعي النصوص الدينية والسيرة النبوية في هذه الرسالة، فإنه يستدعي بالضرورة حجةَ السلطة، وحجة المثال[2]؛ ليجعل القارئَ يتعاطف مع أطروحته ويستسلم لها، انطلاقًا من أصلِها الديني المقدس الذي لا نجرؤ على الشك فيه أو مغالطته.

 

غير أن الأسلوبَ كان له الفضلُ الأكبر في تقديم الرسالة في رَونق وجمال، وجعَل لها حسن الموقع والتأثير؛ فالوصف والتصوير، والمحسِّنات البديعية كلها عناصرُ مهمة في هذا النص، يهدف الكاتبُ من خلالها إلى التأثير الجمالي في القارئ، وجرِّه جرًّا إلى الحُكم على هذه الشخصية المضحكة، والاستهزاء بها.

 

وهنا أتساءل عن دور الأسلوب في دعم القصد الحجاجي في هذا النص، بمعنى: هل يمكن لجميع الصِّيغ البلاغية، من مجاز ووصف وتصوير وجناس وطِباق وتورية، أن تدعَمَ طاقة القول الحجاجية، وأن تُثبِت قدرته الإقناعية، فتُعَد عندها من وسائل التأثير والاستمالة؟

 

ربما نستطيع أن نقفَ على بعض الأدوار الجديدة للأسلوب غير الوظائف الجمالية، إذا حاورنا رسالةَ التربيع والتدوير انطلاقًا من المنظور الجديد للبلاغة، التي تربطها بالحجاج، الذي يعتبر النصَّ الأكثر بلاغةً هو النص الأكثر إقناعًا والأظهر حجة، وبالتالي فكل مكونات النص عليها أن تخدُمَ الحِجاج، فكيف يخدم الأسلوبُ الغرضَ الحِجاجي في التربيع والتدوير؟

 

للإجابة عن هذه التساؤلات سنقف على بعض التقنيات الأسلوبية التي حضرت في النص، محاولين التركيزَ على أبعادِها الحِجاجية، انطلاقًا من رَبْطِها بسياق النص العام؛ لأن الصيغَ الأسلوبية لا تُظهر وظائفها الإقناعية إلا من خلال البحث في علاقتها مع باقي أجزاء الخطاب، وسأخص هنا بالبحث: التصوير والوصف وبعض الصور الفنية.

 

الأسلوب بين الإقناع والإمتاع:

لا شك في أن علاقةَ الأسلوب بالحجاج إشكال مثير ومعقَّد، اهتم به القُدَامى قبل المُحدَثين، كما أن الدراسات المعاصرة التي تشتغل ضمن البلاغة الجديدة مع بيرلمان وغيره قد ربَطوا بلاغة الحجاج بثنائية الحُجة والأسلوب وعلاقتهما بالسياق التواصلي؛ فالنص الحِجاجي لا مفرَّ له من الأسلوب؛ لأنه هو الذي يوفِّر للنص الطاقة الجمالية التي تحرِّك وجدان المتلقي وتوجِّهه إلى الفعل، فإذا صاحَب هذا الأسلوبَ الممتع حجج متنوعة وعلاقات تربط بدقةٍ بين أجزاء الخطاب أمكَن للمتكلِّم أن يحقِّقَ غايته من الخطاب؛ أي: قيادة المتلقِّي إلى فكرة أو رأي معين[3].

 

هذا عينه ما فعَله الجاحظ في هذه الرسالة التي تحقَّقت فيها المزاوجة بين الحجج الدامغة، والأسلوب المثير والممتع؛ ليجعل النصَّ في أعلى مراتبِه البلاغية.

 

وهنا سأستدعي بعضَ الأساليب التي تظهر في هذه الرسالة، وسأركِّزُ على الأسلوب المركزي الذي ينسج الجاحظ حوله الغرض البلاغي، وهو التصوير[4]؛ فقد حاوَل تشكيل صورة شخصية لأحمد بن عبدالوهاب ليُذكِيَ بها غرَضَه البلاغي، وهو الذم والهجاء، وبالتالي علينا أن نبحثَ عن هذه الصورة في علاقتها بالغرض؛ أي: ماذا تقدِّم الصور التي ضمنها الجاحظ في هذه الرسالة لغرض الهجاء؟

 

لقد صوَّر الجاحظ غريمه وجسده بصورة تجعلُنا نتخيله كأننا نراه، لكنه أيضًا وجَّه هذا التصوير لغرضه الذي يحتجُّ له، وهو هجاء أحمد بن عبدالوهاب، والتقليل من شأنه، معتبرًا إياه شخصًا مغرورًا ومدَّعيًا على غير حق؛ فهو متصنِّع وكذَّاب؛ لذلك ألفيناه يصوِّره تصويرًا ساخرًا مضحكًا، يمتِّعنا به ويجعلنا نضحك ونسخَر منه قبل أن يجعَلَنا نسلِّم بصِدق ما يدعيه؛ لأننا نحن مَن سيستنتجُ ذلك.

 

وقد اعتمد الجاحظ في هذا التصوير على طريقتين: التصوير الحسي، والتصوير القيمي الأخلاقي.

 

التصوير الحسي:

أما التصوير الحسي، فغايتُه عنده خَلق مجموعة من الأوصاف التي بواسطتها يحمِل القارئ على تخيُّل شكل هذه الشخصية؛ فقد جعَل الجاحظ جسم أحمد بن عبدالوهاب مادةً قابلة للقياس، وقد انطلق صاحبُ الرسالة من ادعاء الرجل الكمال والرشاقة والطول، مع أن الحقيقةَ تأبى أن تثبت ولو قليلاً منها، فانظُرْ إليه كيف يصف خِلقته العجيبة، فيصِفه بأنه عريض؛ فقد أخَذ عَرضه طوله، كما أنه رشيق ومستفيض الخاصرة، فجاء شكله مربوعًا، وتحسَبه لسَعة جَفرته واستفاضة خاصرته مدوَّرًا، وهو جَعْد الأطراف، قصير الأصابع، طويل الظهر، قصيرُ عَظْم الفخِذ، وهو إلى ذلك كبير السن، متقادم الميلاد، وهو يدَّعي الرَّشاقة والجمال والسباطة واعتدال الشباب، وقد تفرد بهذا الشكل العجيب عن العالَمين[5].

 

والجاحظ يهدف من خلال جمعِه بين المتناقضات أن يخلُق صورة كاريكاتورية لهذه الشخصية الفريدة؛ فهذا التصويرُ أصبح حجَّة الجاحظ في إثبات قُبح الرجل، مستغلاًّ بذلك المفارقةَ بين الحقيقة التي يراها الناس فيه وما يزعمه لنفسِه، فخلَق له صفاتٍ تفرَّد بها عن العالمين؛ فهو فريد من نوعه بهذه الصورة العجيبة التي جمَع فيها كلَّ المتناقضات، وهذه حجة التعارض وعدم الاتفاق؛ أي: إن الجاحظَ يحتج على صِدق أطروحته، وهي ذمُّ أحمد بن عبدالوهاب، بما في خطابه من تعارُضِ وعدم اتفاق؛ فحقيقتُه شيء، وما يدَّعيه شيء آخر، فكان هذا التعارض هو مربطَ الفرَس عند الجاحظ، الذي استقى منه مادته الساخرة، فكان هذا التناقض داعيًا إلى السخريةِ من هذا الرجل، والضحك منه، وليَزيدَ من تأكيد هذه الصورة الساخرة يدعَمُ الجاحظ حجتَه باستعارةٍ جميلة؛ فهذا الرجل الذي جمع كل الصفات هو كالشِّعر الذي جمع كل الأعاريض، وكيف هو هذا الشعر؟

 

إن الجاحظ هنا يقحم الخطاب الأدبي في هذا التصوير، فيأخذ من علم العَرُوض صورةً بديعة، صاغها على شكلِ استعارة تجمَع بين الجمَال والحجة، فإذا كان الرجل طويلاً وعريضًا سمينًا، وهو يحسب نفسه رشيقًا، فهو كالقصيدة التي جمعت كل الأعاريض من المديد والبسيط والطويل والمتقارب؛ لذلك نراه يناديه: "فيا شِعرًا جمع كل الأعاريض؟".


لذلك نقول: إن هذه الاستعارة هي امتدادٌ لحجَّة التعارض، وعدم الاتفاق، كما أنها صورة جميلة مثيرة لذوق القارئ وحُسن تفاعله، فكان انتقاء الجاحظ لهذه الصورة أمرًا حكيمًا جمع فيه بين الوظيفتين؛ الحجاجية التي دعم بها أطروحتَه وغرَضه البلاغي، ثم الوظيفة الجمالية، التي زادت عن المعنى المباشر معانيَ أدبية مثيرة، فلو أن الجاحظ استعمل بدلاً من هذه الاستعارة تعبيرًا آخر له نفس المعنى، من غير مجاز، لكانت الحجَّة قوية، لكنها غير مثيرة على مستوى الصياغة.

 

فهذه استعارة حجاجية، اقترن فيها الجمال والإقناع، واستحال الفصل بينهما؛ فالمعنى يكون مقنعًا، ولكنه يحتاج إلى جمال يوشِّيه ويحفظ له رونقَه، ويدعَم فعله، والمعنى يكون جميلاً فتزداد قدرتُه على الفعل في المتلقي متى كان مقنعًا[6].

 

وليس يخفى ما في هذه الصورةِ من سخريةٍ؛ لأن الظاهرَ عليها هو المدح، فيظهر لنا أن الجاحظَ بصدد مدحِ الشخصية، لكنه على العكس يسخر من هذه التركيبة العجيبة، ويظهر لنا ذلك إذا ربطنا هذه الاستعارةَ بالسباق العام للرسالة، حتى إذا لاحظنا أن الجاحظَ يهجو، أكدت لنا هذه الاستعارةَ المعنى؛ فالعربيُّ الأصيل الذي يُحسن تذوق الشعر وفَهْمَه لا يمكنه أن يتخيلَ شِعرًا يجمَعُ كلَّ الأعاريض؛ فهو في عِلم العَرُوض أبعد تحققًا وأكثر عجبًا من الرجل الذي يجمع كل الصفات المتناقضة.

 

وهذا ما يُريد الجاحظ أن يُقنِع به أحمد بن عبدالوهاب أولاً، ثم يقنعنا به نحن أيضًا؛ فهو لا يعمل فقط على تكذيبه، بل يهدف إلى استحالة قَبول ما يدَّعيه على كل عقل سوي، وقد صوَّر الجاحظُ عظيمَ ما يدعيه الرجل لنفسه من الباطل بشيء: ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴾ [مريم: 90]، ونحن نعرف حجة النصوص القرآنية في الثقافة العربية الإسلامية، كما أن هذا التصويرَ القرآني عظيم جدًّا، ساقه الجاحظُ في هذا المقام ليُخجِل أحمد بن عبدالوهاب، ويُشعِره بالذنب من عظَمة ما يدَّعيه لنفسه؛ فالجاحظ مستعدٌّ لأن يقبلَ منه أي شيء، فلو أسرَف لقال عنه: مقتصد، ولو جار لقال عنه: مهتدٍ، لكنه يكذب في أمر يستحيل فيه التغاضي عن حقيقته، فكل الناس يرون شكله، ومع ذلك فهو يحتج لنفسه، ويكذب الجميع في حقيقة ما يرون، ومن ذلك استعار الجاحظ هذه المفارقةَ الغريبة، وصاغها في قالَب ساخر ومضحك.

 

فهذه الصورة التي خلَقها الجاحظ لهذه الشخصية دعَمها بالسخرية التي تستمدُّ قوتَها من التناقض بين الظاهر والحقيقة التي يعتقدها ابن عبدالوهاب في نفسه؛ فهي مقارنة بين الحقيقة والوهم، وبين ما تراه الحواسُّ وما يتوهَّمُه هو في نفسِه.

 

التصوير الأخلاقي:

في مقابلِ هذا يعمَلُ الجاحظ في الرسالة على تجلية بعض التناقضات في هذه الشخصية على مستوى القِيم والأخلاق، وهو في ذلك يهدف إلى إبطال حُجَجه على ما يدّعيه لنفسه من الرفعة، فهو يدعي الأدب والرفعة، لكنه يحسد أهل الصنعة، فهذه حجة التناقض واضحة، ساقها ليؤكدَ حجتَه على أحمد بن عبدالوهاب؛ فهو الجاهل الذي يدَّعي العِلم، وهو الحاسد المتصنِّع للرِّفعة.

 

إن هذه الصور التي يسخِّرُها الجاحظ ما هي إلا حافزٌ منه، ليدفعَنا إلى التقييم السلبي لهذه الشخصية؛ فهو يجرُّ القارئ إلى ذم أحمد بن عبدالوهاب والسخرية منه؛ فالأسلوب الجميل الذي تصاغ به هذه الصور يتوخى الإمتاعَ المصاحب لخدمة الغرض البلاغي الذي هو الذم أو الهجاء.

 

إن حضورَ الخطاب الأدبي في هذا النص، ما هو إلا تدعيم للغرض الحجاجي بواسطة الأسلوب؛ فالجاحظ دائمًا ما يستدعي الصور الفنية المشهورة في الثقافة العربية، ليُقحِمها في النص، ويلونها بالسخرية، فتزيد المعاني البديعة للقصد الذي يرومُه الكاتب، فانظر إليه كيف يسُوق أسمى عبارات الوصف والمدح في الثقافة العربية القديمة ليوظفَها في عكس معناها في إطار السخرية والتهكُّم؛ فهو يستعير كلَّ جُمَل الوصف والمدح لغريمه؛ فهو أحسن من القمر، وأكثر إضاءة من الشمس، وأبهى من الغيث، وأحسن من يوم الحلية، وإذا اشتهر العرب في مدح تفاصيل الممدوحين بقولهم: كأن عنقه إبريق فضة، وكأن قدمه لسان حية، وكأن أنفه حد السيف، وكأن حاجبه خُطَّ بالقلم، وكأن لونه الذهب.. - فكل هذه المعاني السامية إنما هي مأخوذةٌ من كُتب الجاحظ في مدح هذه الشخصية الغريبة؟ وهو لا يكتفي هنا بهذه السخريةِ القوية التي جعل فيها المدح ذمًّا، فأصعب الهجاء هو المدح الذي يستحيل أن يقبَلَه السامع في حق الممدوح، خصوصًا أن سياق الرسالة يقرِّبُ هذا المعنى ويجعَلُه واضحًا، فمِن غيرِ العسير أن ندرِكَ أن الجاحظ يسخَر من غريمه الذي يدعي الجمال والرفعة.

 

ويزيد من هذه السخرية فتصل منتهاها عندما يقارن بين أحمد بن عبدالوهاب والقمر، في مفاضلةٍ ساخرة يجعل غريمه فيها أبهى وأجمل وأقوى من القمر؛ فالقمر الذي يضرب به الأمثال، ويشبه به أهل الجمال، يبدو ضئيلاً ونضوًا، ويظهر معوجًّا شختًا، وهو أبدًا قمر بدر، وفخم غمر[7]، وهو يمضي في هذه المقارنه الساخرة، محتجًّا لهذه الشخصية بالجمال والرفعة التي تتجاوز فضائلَ القمر، مع بيانِه لأدلة دامغة يدلِّلُ بها على صِدق ادِّعائه بأفضليةِ غريمه على القمر، فهذا الأخيرُ يستعير ضياءَه من الشمس، وضياؤه عارية عن جميع الخلق.

 

إنه لمن دهاءِ الجاحظ أن يعمل بكل ما يمتلكه من بلاغة وبيان أن يقنعَنا بما يقصد ضده؛ فهو على قدرِ كُرهه لهذه الشخصية يسخِّر قدرته الحجاجية في مدحه؟ فتارة يستدعي حجة الشاهد، - البيت الشعري - وتارة يستدعي حجة المثال[8].

 

لكن الجميل في هذه المفارقة البديعة التي يجمَعُ فيها الجاحظ بين المدح والهجاء في ذم صاحبه والسخرية منه، قد زادها قوة وتأثيرًا ما استوعبَتْه من الخطاب الأدبي؛ فهو في جزءٍ كبير من هذه الرسالة جعَل بعضَ مسلَّمات المدح العربي مدارًا لسخريته من غريمه، وقد وظَّفها بشكل عكسي، يظهر مدحه وهو يدفعنا بها دفعًا إلى السخرية والضحك من هذا الرجل، ليأتي في الأخير ويوجِّه خطابَه المباشر في هذه المناظرة التي يتحدى فيها ما يزعُمُ أحمد بن عبدالوهاب لنفسِه من السلطة والقوة، فيقول: فإن تقبل، فحظك أصبت، ولنفسك نظرت، وإن لم تقبل، فاجهد جهدك، ولا أبقى الله عليك إن أبقيت، ولا عفا عنك إن عفوت[9].


هذا بعدما كان في صدر الرسالة يمجِّدُ قوتَه وسوءَ بطشه، فيبرر كلامه بالمزاح والاعتذار، ما ذلك إلا تنويم واستخفاف بهذه الشخصية، وهو يكشِفُ ذلك في نهاية النص؛ ليحرضَه على الردِّ عليه ومقارعتِه إن استطاع.

 

خلاصة:

تُحاول هذه الدراسة أن تقرأَ رسالةَ الجاحظ وَفْق المداخل الجديدة التي تقترحها النظرية البلاغية الجديدة، التي تجعل النص البليغ هو النص المقنع، وإذا جاز لنا أن نعتبر كل نص يحمل ضمنيًّا بعدًا حِجاجيًّا، فإن الكشف عن قوة التأثير في رسالة الجاحظ يسوقنا إلى تحليل الصيغ الأسلوبية، باعتبارها أهمَّ مكوِّن من مكونات النص الجاحظي؛ فهو يعوِّل على التأثير الجمالي الذي تقومُ به صوره الساخرة، لتوصل القارئ إلى النتيجة الحِجاجية، وهي السخرية من مهجوِّه، وبالتالي تفنيد ما يدّعيه لنفسه.

 

لائحة المصادر والمراجع:

• أبو عثمان، الجاحظ. الرسائل. تحقيق عبدالسلام هارون. مكتبة الخانجي بمصر.

 

• أرسطو، فن الخطابة. ترجمة عبدالرحمن بدوي. دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد، 1986.

 

• مشبال، محمد: البلاغة والسرد: جدل التصوير والحِجاج في أخبار الجاحظ. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة عبدالمالك السعدي، تطوان 2010.

 

مشبال، محمد: السرد الحِجاجي في رسائل الجاحظ. مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، ملف: الخطاب السردي: تجلياته وآليات اشتغاله. العدد: الثاني، 2013.

 

• العمري، محمد: البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول، إفريقيا الشرق، 2005.



[1] نحيل هنا على أجزاء الخطاب التي ذكرها أرسطو: الإيجاد والترتيب ثم الأسلوب؛ لنتبين الفَرْق بين البلاغة القديمة التي درَست الأسلوب باعتباره جزءًا من أجزاء الخطاب لا يمكن دراستُه إلا في علاقتِه مع باقي الأجزاء، عكس البلاغة الكلاسيكية التي درَست الأسلوبَ بمعزل عن النص، فن الخطابة، تحقيق: عبدالرحمن بدوي.

[2] الرسائل، ص: 96.

[3] سامية الدريدي، الحِجاج في الشعر العربي القديم، ص: 120.

[4] محمد مشبال: البلاغة والسرد: 121.

[5] الرسائل، ص: 59.

[6] سامية الدريدي، الحِجاج في الشعر العربي، ص: 122.

[7] الرسائل، ص: 90.

[8] نفسه، ص 93.

[9] نفسه ص 98.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مقاليد الكتب: "أدب الجاحظ"
  • كلمات للجاحظ (255هـ) في الاستعطاف
  • كلمات للجاحظ في ذم الحسد وأفضل الكلام

مختارات من الشبكة

  • الأسلوب الأدبي والأسلوب العلمي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فن الرسالة: دراسة أسلوبية حجاجية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جمال الأسلوب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أثر القدوة وأهميتها في الدعوة إلى الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفعيل أساليب الإشراف التربوي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بحوث في السيرة النبوية (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأسلوب القصصي الدعوي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أساليب إنشائية في الحديث الشريف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسلوب القاص محمود طاهر لاشين(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
جمال الدين عبد الهادي - الجزائر 04-02-2018 01:09 AM

شكرا جزيلا ... والله مقال مفيد جدا

1- مقال ممتاز
محمد مشبال - المغرب 06-09-2015 10:58 PM

أحييك طالبتي شيماء، مقال رصين معرفيا ومنهجيا وأدعو الله أن يسدد خطاك على درب العلم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب