• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية / أدب الأطفال (دراسات في أدب الأطفال)
علامة باركود

رؤى حول شعر الأطفال

محيي الدين صالح

المصدر: من دراسة بعنوان: أدب الأطفال من منظور إسلامي (إبراهيم شعراوي نموذجًا)
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/8/2011 ميلادي - 24/9/1432 هجري

الزيارات: 25266

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أدب الأطفال من منظور إسلامي

(إبراهيم شعراوي نموذجًا)

رؤى حول شعر الأطفال

الطِّفل والطُّفولة وكل الشُّؤون المتعلِّقة بهما في الحياة، تعدُّ من الأمور التي شغلت بال الشُّعراء المعاصرين كثيرًا، فراحوا يجوبون حولهما في جولاتٍ مفتوحة من خلال الأوزان الجذَّابة، والتفعيلات الراقصة الخفيفة، والكلمات المجنَّحة السَّهلة، مستعينين في جولاتهم هذه بكلِّ ما أنتجَتْه الثقافة الإنسانيَّة من أخيلة ورُؤًى، فمزجوها مع رُؤَاهم وخيالاتِهم ووجدانهم، وقدَّموها للأطفال على موائِدَ شهيَّة، وكأنهم طلبوها من السماء؛ لتكون لهم عيدًا.

 

وعندما جاء الدَّور على شخصي، وأوجب تقديم هذه الدِّراسة؛ عرفانًا بأهميَّة هذه الإبداعات في تشكيل وجدان الأطفال في المراحل المختلفة، بالإضافة إلى أهمِّية مثل هذه الدِّراسات في إلقاء الضَّوء المناسب على المبدعين، سلَكْت أيسر الطُّرق وأقصرها؛ للوصول إلى ما أبغيه دون أن تُرَدَّ إلينا بضاعتنا، وهو إظهار مدى اهتمام الشُّعراء بقضايا الطُّفولة.

 

وفيما يتعلَّق بتقسيم شعر الأطفال إلى ثلاثة أقسام، أوَّلها ما يكتب للطِّفل، وثانيها ما يكتب عنهم، وثالثها ما يتم اختياره لهم؛ فإنَّ جولةً سريعة بين إبداعات مجموعةٍ من الشُّعراء، أصبحت ضروريَّة وملحَّة جدًّا؛ حتَّى تؤتِيَ هذه الدراسة أُكلَها بإذن ربِّها، بدايةً من شعراء الأطفال من جيل الرُّواد "في نهاية القرن التاسع عشر"، ومرورًا ببعض الشعراء في القرن العشرين، ووقوفًا على أعتاب القرن الواحد والعشرين.

 

ولا يليق بي أن أبدأ هذه الجولة إلا من "كرمة ابن هانئٍ"؛ لأنَّ إبداعات "أحمد شوقي" للأطفال بالإضافة إلى الرِّيادة والسَّبق، كانت أوَّلَ ما داعبت خيالي من أدب الطِّفل عندما كنتُ في سنِّ الطفولة، وكانت قصيدته الشهيرة عن "الثعلب والدِّيك" من أجمل مَحْفوظاتي الشِّعرية المبكِّرة، التي حُفِرَت معانيها في وجداني، واستقرَّت كلماتُها في أعماقي، وهذه القصيدة هي:

 

بَرَزَ الثَّعْلَبُ يَوْمًا
فِي ثِيَابِ الوَاعِظِينَا

وَمَشَى فِي الأَرْضِ يَهْدِي
وَيُسُبُّ الْمَاكِرِينَا

وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّ
هِ إِلَهِ العَالَمِينَا

 

والثعلب بما عُرِفَ عنه من مكرٍ وخداع، اتَّخذه شعراءُ الأطفال رمزًا لكلِّ مُخادع ماكرٍ، ولا أدري هل ظلمَ الشُّعراء هذا المخلوقَ الضعيف الذي لم يكن له أن يعيش في غابةٍ تصول فيها الأسودُ والنمور إلاَّ بهذه الحيل؟ في حين أنَّ الإنسان يعيش في واحةٍ من الأمان ما لم يعكِّره هو بنفسه، عمومًا أنا لا أقصد الدِّفاع عن الثعالب، وما ينبغي لي ذلك، ولا أظنُّهم في حاجة إلى شيءٍ من هذا القبيل، ولكنِّي تأثَّرتُ بما رآه أحد الشُّعراء من أصحاب الوجدان الشَّفيف، والنظرة الواقعيَّة إلى الأمور، عندما قال:

 

ظَلَمُوا الوَحْشَ وَهْوَ - وَاللهِ - أَحْرَى
مِنْكَ بِالأَمْنِ أَيُّهَا الإِنْسَانُ

إِنَّ لِلوَحْشِ جَوْعَتَيْنِ، وَأَنْتُمْ
جُوعُكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ أَلْوَانُ

 

وبعيدًا عن التعاطف مع الثَّعالب، ومع أنَّ واقِعَها أنَّها تغنم دائمًا بواسطة الحِيَل والمكر والخداع، وكثيرًا ما تفوز بوجبات شهيَّة، كما تَسْلَم من مهالِكَ عديدة، فإنَّها عندما تأتي رمزًا في قصصنا وأشعارنا لا تحصد إلا النَّدم والخُسران.

 

وأمير الشُّعراء - في قصيدته التي نحن بصددِها - جعل الدِّيك أعلى ذكاءً وأكثر حرصًا، وهو حرٌّ فيما يراه، وربَّما يكون هذا ما فرضه عليه الدَّرس الذي يريد أن يبُثَّه للأطفال من خلال قصيدته؛ لأنَّ عالم البشر لا مكان فيه للخداع والمكر، والمثُلُ العليا التي تنظِّم حياة الإنسانيَّة غيرُ تلك النُّظم التي تَحْكم حياة الغابة، قال "شوقي" في نهاية القصيدة:

 

فَأَجَابَ الدِّيكُ: عُذْرًا
يَا أَضَلَّ الْمُهْتَدِينَا

بَلِّغِ الثَّعْلَبَ عَنِّي
عَنْ جُدُودِي الصَّالِحِينَا

أَنَّهُمْ قَالُوا، وَخَيْرُ الْ
قَوْلِ قَوْلُ العَارِفِينَا

مُخْطِئٌ مَنْ ظَنَّ يَوْمًا
أَنَّ لِلثَّعْلَبِ دِينَا

 

وكما أنَّ الثعلب لم يَسْلَم من قلم "شوقي"، فإنه كان له موقف مماثل مع "إبراهيم شعراوي" عندما جعل منه أيضًا رمز المكر الخاسر، وذلك في قصيدته التي أوردتُها كاملة في مبحث "الشِّعر على ألسنة الحيوان" في الفصل الثاني من هذه الدِّراسة، وهي قصيدة "الثعلب والسُّلحفاة"، والفارق بين قصيدتي "أحمد شوقي" و"إبراهيم شعراوي"، أنَّ الأولى للأطفال في المرحلة السنِّية من 5 - 8 سنوات، وبالتالي أبطالها ثعلب وديك فقط، وهي قصيدة قصيرة، أما الثانية فهي للأطفال في المرحلة السنِّية من 13 - 15 سنة، وأبطالها متعدِّدون، والقصيدة طويلة جدًّا، تُمَثِّل روايةً متكاملة للطِّفل، ولكن من خلال الكلمات الموزونة المقفَّاة.

 

وكما أنَّ "شوقي" أنصف الديكَ، فإن "شعراوي" أنصف السلحفاة، وجعلها أذكى وأحرص، وقد أجاد في عرض المشاهد المتتابِعة، مع الحبكة الضروريَّة؛ لشدِّ انتباه الطفل، عندما جعل بداية القصيدة حوارًا بين الثعلب وأمه، حول أطماع لا قِبَل للثعالب بها، فالثعلب الصغير يفكِّر في عرش الغابة بعد موت الأسَد، وبداية القصيدة قول أمِّ الثعلب لولدها:

 

"وَلَدِي، يَا أَيُّهَا الثَّعْ
لَبُ... قُلْ: فِيمَ تُفَكِّرْ؟"

 

وبعد أن يَستعرض الثعلب الابنُ ما حدث في الغابة بعد موت الأسد، يقول لأمِّه:

 

"وَأَنَا يَا أُمِّ، فِي التَّا
جِ وَفِي العَرْشِ أُفَكِّرْ"

 

وينجح الثعلبُ في بَسْط سلطته على حيوانات الغابة بعد أن غدر بكلِّ الحيوانات المسنَّة، ويسرد شعراوي تفاصيل القصة الشعرية الخياليَّة بأسلوبه الجذَّاب الشائق، واستطاع أن يوضح ملابساتها بِبَراعة، وبعد سلسلةٍ من الأحداث الدرامية أحيانًا، انتهى المطاف بالثَّعلب وأسرته إلى الهاوية التي تنتظر كلَّ مُخادع وخائن:

 

وَتَعَالَى صَوْتُ أَهْلِ الْ
غَابِ: مُتْ يَا ثَعْلَبُ

وَتَهَاوَى الثَّعْلَبُ الْمَغْ
رُورُ، أَيْنَ الْمَهْرَبُ

 

وكانت الخاتمة السعيدة لأهل الوفاء والبِرِّ، وعندها يقظة الغافلين وأوبة التَّائبين:

 

وَهِتَافٌ لِلسُّلَحْفَا
ةِ العَجُوزِ بِالْحَيَاةِ

أَنْتِ أُمُّ الكُلِّ.. أَفْنَيْ
نَا جَمِيعَ الأُمَّهَاتِ

وَنَدِمْنَا.. وَانْتَخَبْنَا
كِ رَئِيسًا لِلحُكُومَهْ

وَرَضِينَا أَنْ يَكُونَ الْ
حُكْمُ لِلأُمِّ الْحَكِيمَهْ

 

وإن كانت المسافة بين "ثعلب أحمد شوقي"، و"ثعلب إبراهيم شعراوي" قصيرةً، فإن البَوْن شاسع جدًّا بين "الدِّيك الفَطِن" الذي نأى بنفسه عن مصيدة الثعلب عند "شوقي"، وبين "السلحفاة الحكيمة" التي أزاحت الثَّعلب عن عرشه، وحلَّت محلَّه؛ لِتُقيم العدل والأمان في الغابة التي ملأها الثعلب جَوْرًا وبطشًا، وهذه الإيجابيَّة في نهاية قصيدة "شعراوي" أفضل وأجمل، وأنسب للقصيدة الطويلة التي نعدُّها رواية شعريَّة، والقصيدتان تُعدَّان من النماذج التي كُتِبت للطِّفل، وهناك إبداعات أخرى للشاعرين عن الثعلب ومواقفه مع غيره من الحيوانات والطُّيور.

 

وفي نفس القسم نجد إبداعاتٍ أخرى لـ"شعراوي" جديرةً بالتوقُّف عندها طويلاً؛ فهو لم يوقف نتاجه الأدبيَّ للأطفال على ما أبدعه على ألسنة الحيوان فقط، فقد لقَّنهم دروسًا كثيرة دون اللُّجوء إلى الرمزيَّة، ولكن بأسلوب جذَّاب معهودٍ عنده، وكما تحدَّث عن الحروف وخصوصيَّاتها من قبل، ودافعَ باستماتةٍ عنها عندما رأى لزوم ذلك، تحدَّث أيضًا عن الكلمات وتشكيلاتها العجيبة بأسلوبٍ يسهِّل على الأطفال استيعابَ مدلولاتها المختلفة، ففي قصيدةٍ له بعنوان "الكلمة والمعنى" في سِفْره الأدبي "كلمات وأغانٍ على حروف الهجاء"، يقول "شعراوي":

 

وَالكِلْمَةُ تَرْسِمُ فِي القَلْبِ
مَعْنًى لِلبُغْضِ أَوِ الْحُبِّ

لُغَتِي العَرَبِيَّةُ يَا صَحْبِي
بَيْنَ لُغَاتِ الدُّنْيَا الأَغْنَى

وَغِنَاهَا يَبْدُو فِي لَفْظٍ
قَدْ يَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَى

 

وفي هذا الاتِّجاه سار "شعراوي" بقصيدته يشرح بعض الكلمات من خلالها، وضرب مثلاً بكلمة محبَّبةٍ إلى الأطفال؛ حيث إنَّهم يبدَؤون بها في تعلُّم إمساك القلم، وهي كلمة "الرسم"، وتداول مجموعةً من المعاني التي تَرِدُ تحت هذه الكلمة، فقال:

 

 

فَتَأَمَّلْ فِي لَفْظِ "رُسُومِ"
وَانْظُرْ لِلمَعْنَى الْمَعْلُومِ

فَهُنَاكَ "رُسُومٌ" لِلأَطْفَال
"وَرُسُومُ" الْجُمْرُكِ أَمْوَالْ

"وَرُسُومٌ" تَعْنِي الأَطْلاَلْ

 

وسلك نفسَ المسلك مع كلمة أخرى، لها مدلولاتٌ متنوِّعة مختلفة، في نفس القصيدة قائلاً:

 

وَتَأَمَّلْ فِي لَفْظَةِ "عُودٍ"
لِتَرَى فِيهِ "عُودَ" الْخَشَبِ

أَمْ تَقْصِدُ "عُودًا" لِلطَّرَبِ
مَعْنًى مُخْتَلِفٌ.. وَاعَجَبِي

وَهُنَا "العُودُ" لِمَنْ يَتَبَخَّرْ
خَشَبَ الصَّنْدَلِ فَوْقَ الْمِجْمَرْ

 

وهذا الأسلوب عند "شعراوي" نجده كثيرًا في مختَلِف إبداعاته، سواء كانت بالشِّعر أم نثرًا، حتَّى لو عددنا ذلك من سماته الأدبية فلن نتجاوز كثيرًا.

 

وفي القسم الثاني "القصائد التي كُتِبَت عن الطفل" ربما يكون المستوى العامُّ للقصيدة أعلى من مستوى استيعاب الطفولة المبكِّرة والوُسْطى، ولكنَّه يكون في متناول المرحلة الأخيرة للطُّفولة، حتَّى وإن كانت القصائد موجَّهة إلى الكبار، وفي قصيدة "الابن في أحلام المنفى" من ديوان "ماذا يقول أبوك عني؟" لـ"إبراهيم شعراوي" يقول:

 

رَأَيْتُكَ مَرَّةً أُخْرَى
تَزِفُّ لِقَلْبِيَ البُشْرَى

تُعَانِقُنِي وَتَلْثُمُ لِي
يَدِي وَالعَيْنَ وَالثَّغْرَا

وَأَسْأَلُ: كَيْفَ يَا طِفْلِي
عَبَرْتَ الشَّوْكَ وَالقَفْرَا

وَمَا قَوْلُكَ فِي هَذِي الْ
وُجُوهِ الصُّفْرِ فِي الأَسْرَى؟

فَفِي الأَحْلاَمِ لاَ نَكْتُ
مُ فِي أَعْمَاقِنَا سِرَّا

 

ومن عنوان القصيدة يتضح أنَّ "شعراوي" كتبها وهو في المنفى، يبثُّ ولده الصغيرَ بعض الهموم والشَّكوى، ويُبَرِّر له سببَ ابتعاده عنه، ومدى حُرْقتِه على هذا الابتعاد القسريِّ الَّذي فُرِض عليه؛ لوطنيَّتِه، كما يتَّضِح من سياق النصِّ أن هناك موقفًا أثار شاعرية "إبراهيم شعراوي" مع ابنه الذي زاره في المعتقل، فتألَّم وبكى، وتحيَّر عندما وجد أباه قيد السجن، وهكذا كلُّ الأطفال دائمًا، يثيرون الأشجان إذا ما تعرَّضوا لأية حيرة في دنيا الكبار التي تترك الحليم حيرانَ.

 

ومثل هذا الموقف تعرَّض له الشاعر النوبيُّ "حسين روم" - صاحب ديوان النائح الشادي - وذلك عندما رأى طفلاً في يوم من أيام الشتاء، وقد وقعت من بين يديه بعض الحلوى والفطائر التي كانت معه، فتألَّم الطِّفلُ لِما حدث، وكان الألَمُ الأكبر من نصيب الشَّاعر الذي لم يترك الحدث يمرُّ مرور الكرام، بل كتب قصيدةً عن هذا الطِّفل وموقفه، وأنا أسجِّل هذه اللفتة الكريمة التي دائمًا تكون من الشُّعراء؛ للتأكيد على أنَّ قصيدة "شعراوي" نابعةً من الأعماق، حيث إنَّ "حسين روم" أبدى كلَّ هذا التأثُّر على ولدٍ عابر، فكيف بموقف الشاعر إذا كان التأثير نابعًا من فلذة الكبد، قال "روم" في نهاية قصيدته عن ذلك الطفل:

 

وَأَنَا الشَّاعِرُ، أَبْدُو
مِنْ بَلاَئِي غَيْرَ شَاعِرْ

إِنَّمَا أَفْزَعَنِي مَا
سَوْفَ يَلْقَى مِنْ مَصَايِرْ

فَوْقَ مَا عَانَاهُ مِنْ بَرْ
دٍ وَهَمٍّ وَمَرَائِرْ

 

وكعادة الشعراء في كلِّ زمان ومكان، لم تكن للسلبيَّة مكانٌ عند الشاعر، ولكنَّه تجاوب وراح يشاطر الطِّفل في نكبته، حتى وهو لا يملك من متاع الدنيا ما يعوض خسارة الطِّفل، فقال:

 

فَتَقَدَّمْتُ إِلَى الْمِسْ
كِينِ أَحْنُو وَأُشَاطِرْ

وَتَدَانَيْتُ وَفِي جَيْ
بِي مَلاَلِيمٌ حَوَائِرْ

وَسَأَلْتُ الطِّفْلَ فِي أُذْ
نَيْهِ مِقْدَارَ الْخَسَائِرْ

فَإِذَا مِقْدَارُهَا مِقْ
دَارُ هَاتِيكَ الْخَوَاطِرْ

 

وإذا كانت كلُّ هذه المشاعر المتدفِّقة والمشاركة الوجدانيَّة الصادقة من شاعرٍ عابر لطفل حائر، فكيف تكون مشاعر "إبراهيم شعراوي"، والطفل الذي أثار أشجانَه، وألهب دواخِلَه هو فلذة كبده الذي حرمَتْه الأقدار منه، هنا يتحلَّى "شعراوي" بالصبر، ويوصي ولده به أيضًا؛ لأنَّ ما يعانيه الشَّاعر هو ثمن الحُرِّية التي ينشدها لنفسه ولوطنه ولأبنائه، ولا بدَّ من دفع الثَّمن مهما كان، يقول "شعراوي" لابنه وهو يَعِظُه:

 

بُنَيَّ كَفَى، وَلاَ تُغْضِبْ
عَلَيَّ التُّرْبَةَ السَّمْرَا

أَنَا أَحْبَبْتُهَا زَهْرًا
كَمَا قَدَّسْتُهَا صَخْرَا

 

وهناك شعراء مرموقون، ولهم قاماتٌ سامقة في عالَم الأدب، ولكنَّهم لم يُبْدعوا شيئًا للأطفال مع أنَّهم كتبوا كثيرًا عنهم، وربما أتَوْا في هذا المجال بما لم يستَطِعْه الأوائل، ومن هذه الفئة شاعرُ النيل "حافظ إبراهيم"، الذي له مجموعة كبيرة من القصائد عن الطفل، كتبها في مناسباتٍ عديدة، حاول أن يُنْصِف من خلالها الأطفالَ من ظلم الليالي والأيام، منها قصيدة "رعاية الأطفال" التي بدأها بقوله:

 

شَبَحًا أَرَى، أَمْ ذَاكَ طَيْفُ خَيَالِ
لاَ.. بَلْ فَتَاةٌ بِالعَرَاءِ حِيَالِي

 

 

وله أيضًا قصيدة "مدرسة البنات" الشهيرة التي بدأها بقوله:

 

كَمْ ذَا يُكَابِدُ عَاشِقٌ وَيُلاَقِي
فِي حُبِّ مِصْرَ، كَثِيرَةِ العُشَّاقِ

 

وفي هذه القصيدة أبياته الذائعة الصيت:

 

مَنْ لِي بِتَرْبِيَةِ البَنَاتِ فَإِنَّهَا
فِي الشَّرْقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخْفَاقِ

وَالأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا
أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الأَعْرَاقِ

 

ولشاعر النيل قصيدةٌ عنوانها "ملجأ رعاية الأيتام" ختمَها بقوله:

 

فَتَقَلَّبْتُ فِي الشَّقَاءِ زَمَانًا
وَتَنَقَّلْتُ فِي الْخُطُوبِ الْجِسَامِ

وَمَشَى الْهَمُّ ثَاقِبًا فِي فُؤَادِي
وَمَشَى الْحُزْنُ نَاخِرًا فِي عِظَامِي

فَلِهَذَا وَقَفْتُ أَسْتَعْطِفُ النَّا
سَ عَلَى البَائِسِينَ فِي كُلِّ عَامِ

 

وهذه القصائد المتنوِّعة لشاعر النِّيل، توضِّح لنا كيف ذاب قلبُه وهو يتابع بعض المَناشط الاجتماعيَّة التي تتعلَّق بالطُّفولة، فراح ينثر من كبده - بكلِّ صدق - هذه الأبيات، بما لا يدَعُ مجالاً للشكِّ أن الشعراء يمتلكون وجدانيَّاتٍ شفيفة، وحساسية مُفْرِطة.

 

وهذا يُعيدنا مرة أخرى إلى "شعراوي" وإبداعاته في هذا اللَّون الأدبي؛ لنتأمل كيف واجه الآلامَ عندما استقبل أوَّل مولودٍ له وهو في المعتقل، وذاب ألَمًا عندما لم يتمكَّن من احتضان ولدِه، عندما التقاه من خلف قضبان الاستِبْداد، فوصَّى زوجته بأن تقوم مقامه إلى أن يمكِّنه الله من ذلك، فقال لها في قصيدة "تهنئة من المنفى لميلاد طفل":

 

فِي حَنَانٍ مُوَلَّهٍ عَانِقِيهِ
وَلْتَمُدِّي إِلَيْهِ مَا يَشْتَهِيهِ

 

والقصيدة لها إيحاءاتٌ قويَّة، وإسقاطات أقوى، وقد عبَرْنا على بعض جوانب هذه القصيدة في مبحث "الخطوات الأولى لشعراوي مع أدب الطفل".

 

ولقد أغنانا الأديبُ الإسلاميُّ المعروف "عبدالتواب يوسف" عن الخوض في أمورٍ كثيرة، واختصر لنا الطريقَ الطويل الذي كان علينا أن نسلُكَه، وذلك عندما قال في تقديمه لكتاب "المختار من ديوان شوقي للأطفال": "إن الطِّفل - حتَّى وعمره عام واحد - يتوقَّف عن حركاته واهتزازاته إذا هو سمع مقطوعةً من الشِّعر "منغَّمة ملحَّنة، موقعة مغنَّاة"، وبعدها قد تضيء وجهَه ابتسامةٌ حلوة، الأمر الذي يؤكِّد التأثير السحريَّ للشِّعر، ولو أننا أعدنا على مسمعه ذات المعاني بدون تنغيم، أو توقيعٍ فلن يُعِيرها اهتمامًا أو التفاتًا".

 

وعندما يَصْدر هذا الكلام عن أحد الرُّموز الأساسية لأدب الطفل في العالَم العربي، ويأتي في سياقٍ تقديمه لأحد الرُّواد الأوائل لشعر الأطفال، فإن الرُّؤية تكون قد اتَّضحَتْ فيما يتعلَّق بقيمة الشِّعر في تهذيب سلوكيَّات الأطفال، وتعليمهم وتأديبهم.

 

وهذا هو السَّبب الذي دفع بنا في اتِّجاه الدراسة المتخصِّصة لمناهج الكتابة عند الشاعر "إبراهيم شعراوي"، كنموذجٍ لأبناء جيله وعصره من الشُّعراء والأدباء الملتزمين بالمنهج القويم، والذين تخصَّصوا في أدب الأطفال، وقادوا مواكب الأجيال نحو الإبداع الهادف.

 

وبالنسبة للقسم الثَّالث من أدب الطِّفل، وهو الأدب الذي يتمُّ اختياره للطفل، أو الأدب المُتَرجم، فإنَّ "شعراوي" قام بترجمة أعمال أدبيَّة كثيرة من لغاتها الأصليَّة إلى اللُّغة العربية؛ فقد ترجم كثيرًا من القصص عن اللُّغة النوبية ضمَّنَها في كتاب "حكايات الجدات"، وكتاب "النوبة وحوار الثقافات"، بالإضافة إلى كتابه الشهير "الخُرافة والأسطورة في بلاد النوبة" الذي يعدُّ أول نافذةٍ للأدب العربي تطل على الثَّقافة النوبيَّة، كما ترجم بعضَ القصائد الشعريَّة من اللُّغة الإنجليزيَّة، كالتي نشرها في مجلة "المسلم" الصادرة عن العشيرة المحمديَّة في العقد السادس من القرن العشرين، عن مشاعر الشاعر الأمريكي المسلم "إبراهيم بن إسماعيل" الذي زار القاهرة، وانبهر بشهر رمضان وكيفيَّة الاحتفال به، وقارن بين رسالة المدفع في بلاده حيث الحروبُ المدمِّرة، وبين رسالة المدفع في بلاد الإسلام حيث الأمن والعبادات الموقوتة بطلقات المدفع، فقال:

 

هَا هُنَا فِي مِصْرَ... أَوْ فِي
أَيِّ أَرْضٍ صَائِمَهْ

مَزَّقَ الْمِدْفَعُ دَيْجُو
رَ اللَّيَالِي الْمُظْلِمَهْ

يُؤْذِنُ النَّاسَ بِصَوْمٍ
لاَ بِحَرْبٍ نَهِمَهْ

 

والنصُّ الإنجليزيُّ لهذه القصيدة نُشِرَت في إصدارة لدار الشعب بالقاهرة سنة 1966، ترجَمَها "شعراوي"، ونشرها في مجلة "المسلم" التي كانت تصدر عن العشيرة المحمديَّة، في يوليو 1966م.

 

كما ترجم عن الشاعر "خوليو روبرتو" قصيدة "رسالة من زعيم الهنود الحمر إلى الإنسان الأبيض"، وأصدر ديوانًا خاصًّا لهذا العمل المترجم، قدمه الأستاذ "عبدالتواب يوسف"، ومن الواضح أن "شعراوي" عندما يقوم بترجمة أيِّ عمل من اللُّغات الأخرى، فإنه لا يُتَرجم إلاَّ ما يتوافق مع مشاعره الصادقة نحو المعاني التي يحتَوِيها العمل المترجَم، ولأنَّه عشق الأرض وعانَى كثيرًا حينما ترك بلاده مهاجرًا في أرض الله الواسعة، فقد شعر واستشعر بالألَم الذي يُقاسي منه كلُّ من يتعرَّض للخروج من أرضه؛ لسببٍ أو لآخر، وفي هذه القصيدة التي ترجمها عن الهنديِّ الأحمر الذي أخرجه الأمريكيُّ الأبيض من أرضه، تشعر كأنَّ "إبراهيم شعراوي" هو الذي أخرجه الأمريكانُ، وليس الهنود الحمر، ورُبَّما تكون إسقاطاتٌ أخرى هي التي تملَّكَتْه وهو يداول القصيدة للترجمة.

 

ومثل هذه النماذج كثيرةٌ عند كلِّ الشعراء المعنيِّين بأدب الأطفال، وكلُّها تأتي في عداد المعطيات المتبادِلة في حوار الثَّقافات، التي حرص الإسلامُ على تنقيتها من الشَّوائب والمَثالِب، وتوجيهها بما يتَّفِق مع المنهج الإسلامي، وفي ذلك كان القولُ المأثور الذي نُسِب إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحكمة ضالَّة المؤمن، فحيثُ وجدها فهو أحقُّ بها))، وعلى هذا النَّهج سار الأدباء الإسلاميُّون في أخْذِهم عن الآداب العالميَّة، فترجموا عنها ما رأوا فيه الفائدة، وأعرضوا عمَّا دون ذلك مما اعتبروه كغثاء السَّيل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القيم الاجتماعية في شعر الأطفال
  • الأناشيد والأشعار والحكايات الشعرية للأطفال

مختارات من الشبكة

  • الرؤى والأحلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نزهة الرؤى في علم الرؤى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معبر الرؤى الشيخ وليد الصالح في محاضرة بعنوان ( الرؤى بين الإفراط والتفريط )(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • لمحة حول الرؤيا الصالحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آداب الرؤى وشرح حديث الرؤيا على رجل طائر(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فقه الزواج في العصر الحديث: رؤى جديدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رؤى منهجية لتطوير المنهج في ضوء هدى الله (WORD)(كتاب - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • مقومات تطوير النظام التعليمي رؤى وآفاق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • رؤى في عيد الحب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من منظور اقتصادي: رؤى وأفكار اقتصادية: أربعون أنموذجا (PDF)(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب