• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

إحياء العروض

أ. د. محمد حسان الطيان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/8/2008 ميلادي - 22/8/1429 هجري

الزيارات: 26104

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
حكى ابنُ جِنِّي، في "الخصائص" عن الخليل: أنَّ الأصمعيَّ كان أراده على أن يعلِّمَهُ العَرُوض، فتَعَذَّر ذلكَ على الأصمعي وبعُدَ عنه، فيَئِسَ الخليل منه، فقال له يومًا: يا أبا سعيد، كيف تُقَطّع قول الشاعر:

 

إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ        وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا  تَسْتَطِيعُ

 قال: فعلمَ الأصمعي أنَّ الخليل قد تَأَذَّى بِبُعدِه عن علم العَرُوض، فلم يعاودْه فيه[1].

ليستْ صعوبةُ هذا الفَنِّ إذًا وليدةَ هذا العصر، ولا نتيجة من نتائج تَدَنِّي مستوى التعليم، أو ثمرةً أعقَبناها طولُ الأمد، وبُعْدُ الشُّقَّة، وتبلُّدُ الحسِّ، وتنوُّع فنون الأدب؛ وإنَّما هي مشكلة قديمة قِدَمَ هذا الفَنِّ نفسِه؛ إذ تَعُود إلى عصر الخليل واضعِ العَرُوض، وقد اصطَلَى بنارها الأصمعي، وهو مَن هو معرفةً بالشِّعر، ورواية له، ودرايةً بأساليبه وفُنُونه، ونقدًا لغُرَرِه وعيونه.

على أنَّ الخَطْبَ اليوم قد عمَّ؛ إذ سرى اعتياص هذا الفن إلى صُفُوف بعض المُدَرِّسين والمُتَخَصِّصينَ؛ بَلْهَ الطُّلاَّبِ والمُعَلِّمينَ؛ لضياع هذا العلم الجليل في زماننا، وقلَّة الاحتفال به وبأهله[2].

وبِتَّ تفتقد هذا الحسَّ العَرُوضي، لدى الكثرة الكاثرة مِن خِريجي الجامعات، ذَوي التَّخَصُّص الدَّقيق في العَرَبيَّة وآدابها، وصارَ الأمر إلى ما قاله أبو العلاء:
تَوَلَّى  الخَلِيلُ  إِلَى   رَبِّهِ        وَخَلَّى العَرُوضَ لِأَرْبَابِهَا
فَلَيْسَ  بِذَاكِرِ   أَوْتَادِهَا        وَلاَ مُرْتَجٍ فَضْلَ أَسْبَابِهَا
أسباب صعوبة العَرُوض:
يوصَف العَرُوضُ بأنَّه: العلم الموسيقيُّ السَّهل بطبيعته، الصَّعب بطريقته، ولهذه الصُّعوبة أسباب مختلفة، يمكن أن نذكرَ منها:
1- إغفال الصِّلة بين العَرُوض من ناحية، وبين الموسيقى والنَّغَم والإيقاع من ناحية أخرى، مع أنَّ الصُّلَة بينهما قديمة، تعود إلى نشأة العَرُوض وابتكاره، ولو عُدْنا إلى أخبار هذه النَّشأة لَوَقَفْنا على حقائقَ كثيرةٍ، تجلو هذه الصلة.

من ذلك ما رواه أبو الحسن الأَخْفَش، عن الحسن بن يزيد، أنه قال:
سألتُ الخليلَ بن أحمدَ عن العَرُوض، فقلتُ له: هَلاَّ عَرَفتَ لها أصلاً؟ قال: نعم، مررتُ بالمدينة حاجًّا، فبينما أنا في بعض طُرُقاتها، إذ بصُرت بشيخٍ على بابٍ يعلِّم غلامًا، وهو يقول له قل:
نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم  نعم        نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا
قال الخليل: فَدَنَوتُ منه، فسَلَّمتُ عليه، وقُلتُ له: أيُّها الشيخ، ما الذي تقوله لهذا الصَّبي؟ فذكر أنَّ هذا العلم شيء يَتَوَارثه هؤلاءِ الصِّبية عن سَلَفِهم، وهو علم عندهم يُسَمَّى "التَّنعيمَ"؛ لقولهم فيه: نعم.
قال الخليلُ: فَحَجَجْتُ، ثمَّ رجعتُ إلى المدينة، فأحكمتُها[3].

ومِن ذلكَ ما يُروَى: أنَّ الخليلَ كان يُقَطِّع بيتًا، فرآه ولده في تلك الحالة، فخَرَجَ إلى الناس يقول: إنَّ أبي قد جُنَّ، فدَخَلَ النَّاس عليه وهو يُقَطِّع البيتَ، فأخبروه بما قال ابنه، فقال له:
لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ عَذَرْتَنِي        أَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا تَقُولُ عَذَلْتُكَا
لَكِنْ جَهِلْتَ  مَقَالَتِي  فَعَذَلْتَنِي        وَعَلِمْتُ أَنَّكَ جَاهِلٌ  فَعَذَرْتُكَا
وقيل: إنَّ الخليل مَرَّ بالصَّفَّارين، فأخذ العَرُوضَ من وقع مِطْرَقَةٍ على طسْتٍ[4]، ولا ريب أن الخليل كان على علم جمٍّ بالموسيقى؛ بل إنَّ بعضهم ينسب إليه اختراع علم الموسيقى العَرَبيَّة، وتكاد مصادر ترجمته تُجْمع على أنَّه صَنَّف كتابًا في الإيقاع وآخرَ في النَّغَم[5]، قال عنه السيوطي: "وكذلك ألَّف كتاب "الموسيقى" فَزَمَّ - أي ربط - فيه أصناف النَّغَم، وحصر به أنواع اللُّحُون، وحدَّد ذلك كله، ولخَّصه، وذكر مبالغ أقسامه، ونهايات أعداده، فصار الكتاب عِبْرةً للمُعتبرينَ، وآيةً للمُتَوسِّمينَ"[6].
فالصِّلَة إذًا بين العَرُوض والمُوسيقى قديمةٌ ثابتةٌ، وإغفالها يُؤَدِّي إلى فَصْم عُرًى وثيقةٍ فَصْمًا يخلُّ بفَهم العَرُوض، وإتقانه، وتطبيقه.

2- التَّوَسُّل لتقطيع الأبيات، بوضع الإشارات المختلفة، التي تمثِّل المُتَحَرِّك والسَّاكن (/، O، أو -، .) ولا تفيد شيئًا في معرفة وزن البيتِ أوِ الكَشْف عن مَواطِن كسرِه، وما قد يكون فيه من خَلَل؛ بل هي وسيلةٌ يَتَحَوَّل فيها هذا الفَنّ السَّماعي المُعتمِد على الذَّوقِ إلى رموزٍ مكتوبةٍ، لا طائل منها، وأذكر أنَّ عَلاَّمة الشام، أستاذَنا النّفَّاخ - رحمه الله - كان يَنْهانا عن سلوك هذا المسلك - أي عن استعمال هذه الإشارات التي لا تُغْنِي عن المُقَطِّع شيئًا، وكان أن اعترضَ عليه أحدُ الطَّلَبة بأنَّه لا يَقْوى على التَّقطيعِ إلاَّ بهذه الوسيلة، فأجابه الأستاذ على التوِّ: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [سورة مريم: 75].

3- ربطُ تعلُّم العَرُوض بفَهم دوائر البُحُور، وهيَ دوائر تدلُّ على عبقريَّة الخليل، وقوة إبداعه في تأليف تفعيلات البحور، وفكّها بعضها من بعض، والإشارة إلى ما استعمل من البحور وما أهمل[7]؛ لكنَّها على ما فيها من إبداع وابتكار، لا تفيد في تيسير معرفة الوزن، ولا تُقَوِّي الحسَّ العروضي؛ بل لا تكاد تُسْهِم في ذلكَ، ووقعها على المتعلم الريّض المبتدئ أشبه بوقع الطَّلاسم والمعمّيات، ومن طريف ما يُروَى أن محمد بن عبدالوهاب الثقفي لَقِيَ ابن مُناذِر الشاعر - وكان بينهما إِحْنَةٌ - في مسجد البصرة، ومعه دفترٌ فيه كتاب العَرُوض بدوائره، ولم يكن محمدٌ يعرف العَرُوض، فجعل يلحظُ الكتاب، ويقرؤه فلا يفهمه، وابن مناذر متغافلٌ عن فعله، ثم قال له: "ما في كتابك هذا؟"، فخبَّأهُ في كمِّه، وقال: "وأيُّ شيءٍ عليك مما فيه؟"، فتعلَّق به ولبّبه، فقال ابن مناذر: "يا أبا الصلت، اللهَ اللهَ في دمي، فطمع فيه وصاح: يا زنديقُ، في كمّك الزَّندَقة، فاجتمع الناس إليه، فأخرج الدَّفتر من كُمِّه، وأراهم إيَّاه، فعرفوا براءته مما قذفه به، ووثبوا على محمد بن عبدالوهاب، واستخفوا به، وانصرف بِخِزْيٍ[8]، هذا؛ وقد تناول نَفَرٌ من علماء العَرُوض المُحْدَثِينَ الاحتكام إلى هذه الدَّوائر بالنَّقد.

4 - مُوَاجَهة الطالب بحشد منَ المباحث والمُصطَلَحات العَرُوضيَّة المُتَداخلة، ينوء بحفظها، ويطول عهده بتطبيقها، أو بتوزيعها على أبحرها الخاصَّة بها، وحقُّها أن تُرْجَأَ، وتُوَزَّع على بحورها، فلا تُذْكَرُ أمام الطالب إلاَّ بعد معرفته البحر الذي ترد فيه.

5- البَدْءُ بالصَّعب منَ البُحُور، والتَّدَرُّج نحو الأسهل، مع أنَّ طبيعة الأمور تقتضي العكس، فالبدءُ بالأسهل يُعِين على فَهم الأصعب، وأعني بالأسهل ما تَأَلَّفَ من تفعيلة واحدة بسيطة أو خفيفة؛ كـ"فاعلن"، و"فعولن"؛ إذ إنَّ تَعَلُّمها، ومعرفة إيقاعها يُعينُ الطَّالبَ على تَعَلُّم التَّفعيلات الأطول، ويُمَهِّد لمعرفة تداخل التَّفعيلات المختلفَة.

إنَّ أسباب الصُّعوبة هذه - على اختلافها - جديرة بالدِّراسة والبحث، وفي تَجَنُّبها تيسير لتعليم العَرُوض، وتذليل لكثيرٍ منَ العَقَبات المُعتَرضة طريقَه، على أنَّ أهمَّها وأكثرَها تأثيرًا في تعليم العَرُوض السببُ الأَوَّل، وهو إغفال الصِّلة بين العَرُوض والموسيقى والإيقاع، ففي إعادة هذه الصلة عودٌ بالعَرُوض إلى منابِعه الأولى وموارده الصافية، وهو ما يرمي إليه هذا البحث.

علاقة العروض بالغناء والإيقاع:
يقول حسَّان بن ثابت شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
تَغَنَّ بِالشِّعْرِ إِمَّا  كُنْتَ  قَائِلَهُ        إِنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ
والعَلاقة بين الشِّعر وبين الموسيقى والنَّغَم والإيقاع عَلاقةٌ وثيقة، لا تكاد تخفى على أحد، وأمثلتها في أدبنا القديم أكثر من أن تُحصَى أو تستظهر.

ولعلَّ من أبرز مظاهرها الحُداء، الذي كانت تُساق به الإبل، فإذا ما أسرع الحادي أسرعت الإبل، وإذا أَبْطَأ أَبْطَأَتْ، ومنه الحديثُ المشهور: ((ارْفُقْ - يَا أَنْجَشَةُ، وَيْحَكَ - بِالْقَوَارِيرِ))[9]، يريد أن يبطئ وقع الحُداء؛ لتبطئ الإبل وقع المسير.

ومن نحو هذا ما يُرْوَى عنِ النابغة، حين أَقْوَى في شِعْره، فلم ينبهه على ذلك إلا تَغَنِّي الجواري، ومَدُّهن الصوت بحركة حرف الرَّوِيِّ، وهو الدال في قوله:
زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلَتَنَا  غَدًا        وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأَسْوَدُ
لاَ  مَرْحَبًا  بِغَدٍ  وَلاَ  أَهْلاً  بِهِ        إِنْ كَانَ تَفْرِيقُ الأَحِبَّةِ فِي غَدِ
ولأهمية عنصر الموسيقى في الشِّعر قيل: الشِّعر موسيقى، وقال النُّقَّاد عن البُحتري: أرادَ أن يُشْعِرَ فغنَّى، ولا أدلّ على ذلكَ أيضًا من كتاب "الأغاني"، الذي رمى منه مصنفه إلى جمع أشهر أغاني عصره، فجاء سِجِلاًّ ضَخْمًا لأشعار العرب وأخبار الشعراء والمغنِّين على حدٍّ سواء.

ومِن ثمَّ؛ كان العَرُوضُ علمَ إرهاف الآذان، وإتقانِ الألحان، يَتَطَلّب أول ما يَتَطَلّب ذَوْقًا سليمًا، وأُذُنًا مرهفةً، تُمَيِّزُ الإيقاع الصحيح منَ الإيقاع المُخْتل، والنَّغَم المنضبط منَ النغم النَّشَاز.

من أجل هذا كله؛ لا بد منَ العودة إلى هذينِ العُنصرينِ في معرفة العَرُوض، وهما: النَّغَم والإيقاع، ويمكننا الإفادة منهما على النحو الآتي:
1 - النَّغَم (اللَّحن):
ولا أعني به مطلق النغم؛ وإنما المُرَاد طريقة أداء الأغنية، أو النَّشيد، أو تلحينها وغناؤها، وكنت مستطيعًا - كما قال العَلاَّمة الرَّاحل محمود شاكر -: "أن أهزِل باسم الغناء والنغم، فأستولج في كلامي ألفاظًا للتغرير والإثارة، فأقول: (السِّمْفُني)، و(الهَرْمُنِي)، وكُروبًا وراء ذلك كثيرًا؛ ولكني آثرتُ أن أدع الأمر حيث هو من القُرْب..." [10]، وأنا أوثر ما آثر الشيخ - رحمه الله - فأقول: كلُّ بحرٍ من بحور الشعر يمكن أن ينطبقَ على أغنية محفوظة أو أكثر، أو بعبارة أخرى: يمكن أن يُغَنَّى ويُنْشد كما تُغنَّى تلك الأغنية، أو ينشد ذلك النشيد، فتكون هذه الأغنية، أو النشيد بمنزلة المِفْتاح لهذا البحر، فإذا ما حاولَ الطالب أداء بيت منَ الشِّعْرِ ينتمي إلى هذا البحر، على لحن تلك الأغنية طاوَعَهُ اللَّحْنُ، وانْقاد له الغناء، وإذا ما حاول أداءَ بيت آخرَ، لا ينتمي إلى هذا البحر، على لحن تلك الأغنية تأبَّى عليه اللحن، ولم يَنْقَدْ له الغناء، ومن ثَمَّ؛ يكون قادرًا على أن يَحْكُمَ على ذلك البيت، الذي انقاد له فيه الغناء: بأنه ينتمي إلى ذلك البحر، الذي تنطبق عليه الأغنية، وأمَّا ذلك الذي لم ينقد له الغناء فيه، بتلك الأغنية، فإنه يبحث له عن أغنية أخرى؛ لكي يصل إلى تحديد بحره، ولنأخذ مثالاً على ذلك البحر المتدارك:
مُتَدَارِكُنَا  نَغَمٌ  عَجِلٌ        فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ
فهو ينطبق على لحن قصيدة الحصري القيرواني:
يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ        أَقِيَامُ  السَّاعَةِ   مَوْعِدُهُ
حَيْرَانُ  القَلْبِ   مُعَذَّبُهُ        مَقْرُوحُ الجَفْنِ  مُسَهَّدُهُ
وينطبق كذلك على قصيدة شوقي، التي عارض بها قصيدة القيرواني:
مُضْنَاكَ جفاهُ مَرْقَدُه        وَبَكَاهُ ورحَّمَ عُوَّدُهُ
وينطبق على قصيدة:
يَا صَاحِ الصَّبْرَ وَهِي مِنِّي        وَشَقِيقُ الرُّوحِ نَأَى  عَنِّي
فإذا ما حاولنا تأدية أي بيت ينتمي إلى البحر المتدارك، وفق ألحان هذه الأغاني، طاوعنا الأداء وانقاد لنا اللحن، فدلَّ ذلك على صحة انتماء هذا البيت إلى البحر المتدارك، في حين لا يصحُّ ذلك في أي بيت، لا ينتمي إلى البحر المتدارك، وسنطبِّق ذلك على المثالين التاليين فننشدهما وَفْقَ الألحان السابقة:
الأول لناصح الدين الأرّجاني:
سِرْبٌ قَدْ عَنَّ بِذِي سَلَمٍ        وَغَدَا   بِفُؤَادِي    أَغْيدُهُ
والثاني لشوقي:
النِّيلُ العَذْبُ هُوَ الكَوْثَرْ        وَالجَنَّةُ شَاطِئُهُ  الأَخْضَرْ
2 - الإيقاع:
كل شعر - بل كلّ كلام - يَتَأَلَّف من حروف متحركة وأخرى ساكنة، فإذا ما اقترن الحرف المتحرِّك بالحرف الساكن أَلَّفا مقطعًا واحدًا طويلاً، نحو: قا، لَمْ، في، عن... إلخ.
وإذا اقترنَ المتحرك بالمتحرك ألَّفا مقطعين قصيرين، نحو: لَهُ، بِكَ... إلخ.

ويمكن أن تُتَابِعَ الحروفَ المتحركة، فتكوِّن كلها مقاطع قصيرة، إلى أن يأتيَ حرف ساكن، فيُؤَلِّفَ مع ما قبله مقطعًا طويلاً، نحو:
كَتَبَ  /  كَتَبَهَا  /  نُوحِيهَا
تِتِتِ / تِتِتِتِكْ / تِكْ تِكْ تِكْ
3 مقاطع قصيرة /3 مقاطع قصيرة + مقطع طويل/ 3 مقاطع طويلة
والإيقاع يقتضي أن نقابل كل حرف متحرك بنقرة، وكل حرف ساكن بعدم النّقرة، فإذا تتابعت الحروف المتحركة تتابعت النقرات، وإذا جاء الساكن انقطعت، وهكذا يمكن أن تكون التفعيلةُ: (فَاعِلُنْ)، مُقَابِلَةً للنقرات: تِكْ تِتِكْ، و(فَعُولُنْ) مقابلة للنقرات: تِتِكْ تِكْ - التاء هنا تقابل الحرف المتحرك، والكاف تقابل الحرف الساكن - فإذا أخذنا المثال الآتي:
زُرْنَا يَوْمًا قَوْمًا  عُرْبًا        قَالُوا أَهْلًا سَهْلًا رَحْبًا

وَقَرَأناه ببطءٍ مع الإيقاع، وجدنا إيقاعه أو نَقَرَاتِهِ على النحو التالي:
زُرْنَا      يَوْمًا      قَوْمًا      عُرْبًا
تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ
قَالُوا     أَهْلاً     سَهْلاً     رَحْبًا
تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ
وهو أمر نصنعه بطبيعتنا، كلما سمعنا كلامًا مَوْزونًا أو مُلَحّنًا، فالحركة تقابلها النقرة، والسكون يقابله السكون.
وإذا أخذنا بيتًا آخر:
شِعْرٌ نَثْرٌ عِلْمٌ  أَدَبٌ        قَلْبٌ فِكْرٌ نُورٌ أَرَبٌ
وقرأناه إيقاعًا، وجدنا له الإيقاع نفسه، مع اختلاف الجزء الأخير من كل شطر، وهو: (أدَبٌ، وأَرَبٌ)، فإيقاع كل منهما (تِتِتِكْ تِتِتِكْ)، خلافًا لإيقاع سائر البيت، ففي كل منهما مقطعان قصيران ومقطع طويل.

وهكذا تختلف الإيقاعات باختلاف التفعيلات، ومنَ المعلوم أنَّ التفعيلاتِ ثمانٍ: أربعٌ أصولٌ، يتفرّع عنها أربعٌ فروعٌ، وذلك بقلب الأصول على النحو التالي:



فإذا شفعناها بإيقاعاتها كانت على النحو التالي: 

التفعيلة
إيقاعها
التفعلية
إيقاعها
فَعُولُنْ
تِتِكْ تِكْ
فَاعِلُنْ
تِكْ تِتِكْ
مَفَاعِيلُنْ
تِتِكْ تِكْ تِكْ
مُسْتَفْعِلُنْ
تِكْ تِكْ تِتِكْ
مُفَاعَلَتُنْ
تِتِكْ تِتِتِكْ
مُتَفَاعِلُنْ
تِتِتِكْ تِتِكْ
فَاعِلاَتُنْ
تِكْ تِتِكْ تِكْ
مَفْعُولاَتُ
تِكْ تِكْ تِكْ تِ


ولعل من نافلة القول هنا أن نشير إلى أن ما يَعْتَوِرُ التفعيلات من تغيرات بالنقصان أو الزيادة، يقابله تغير بقدره في الإيقاع، مثل: فَعُولُ يقابله: تِتِكْ تِ، ومفاعِلُن يقابلها: تِتِكْ تِتِكْ... وهكذا؛ وبذلك لا يقتصر الإيقاع على تقطيع البيت - بعد معرفة بحره غِناءً - وإنما يعين إلى ذلك على تحديد ما اعتراه من جوازات، وما أصابه من علل وزحافات.

مراجع البحث:
- إحياء العروض، عز الدين التنوخي، المطبعة الهاشمية بدمشق، 1366هـ - 1946م.
- الأغاني، الأصفهاني، دار إحياء التراث العربي.
- الخصائص، ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر، بيروت - ط2.
- سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزملائه، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1402هـ - 1982م.
- صحيح البخاري، بعناية د. مصطفى البغا، دار القلم، دمشق، 1981م.
- الفهرست، ابن النديم، تحقيق رضا تجدّد.
- المزهر في علوم العربية وأنواعها، السيوطي، بعناية محمد أحمد جاد المولى وزميله، دار إحياء الكتب العربية.
- المستشار في العروض وموسيقى الشعر، د. محمد هيثم غرّة، دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، دمشق، ط1، 1415هـ - 1995م.
- معجم الأدباء، ياقوت الحموي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- نمط صعب ونمط مخيف، محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، ودار المدني بجدة، ط1، 1416هـ - 1996م.

 
-------------------------
[1]- "الخصائص" 1/362.
[2] - نمط صعب، ونمط مخيف ص 88 - 89.
[3] "المستشار في العَرُوض وموسيقى الشعر" ص 12.
[4] "سير أعلام النبلاء" 7/431.
[5] "معجم الأدباء" 1/74 - 75، و"المزهر" 1/41، و"الفهرست" ص 49.
[6] "المزهر" 1/81.
[7] - انظر ما كتب الأستاذ محمود شاكر في الكشف عن سرِّ هذه الدوائر في كتابه النفيس: "نمط صعب ونمط مخيف"، ص 89 وما بعدها.
[8]- "الأغاني" 18/187 - 188، (ط دار إحياء التراث العربي).
[9]- "صحيح البخاري" 5/2294، كتاب "الأدب"، الحديث رقم 5856.
[10] - "نمط صعب، ونمط مخيف" 278.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نظرية قواعد "جويار" حول نبر الشعر ومناقشتها
  • بحوث في العَروض والقافية (1)
  • هل الإقواء خطأ نحوي أم موسيقي؟
  • مصطلحات العروض والقافية في كتاب سيبويه

مختارات من الشبكة

  • إحياء الموات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدرسة الإحياء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إحياء السنة النبوية (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • إحياء سنة النبي في الحياة اليومية: بين النصوص والتطبيقات المعاصرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الزراعة وإحياء الموات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحقيقة وإحياء حقيقة الصدق - باللغة الألمانية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحقيقة وإحياء حقيقة الصدق - باللغة الإنجليزية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التعريف بالسنن والمراد بإحيائها، والفضل الوارد فيه، واهتمام العلماء به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحياء عند ربهم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تبيض الصحيفة المنشورة بإحياء السنن المهجورة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
3- أي علم هو العروض العربي
خشان خشان - المملكة العربية السعودية 07-09-2016 12:57 AM

يقول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ ."
ينظر موضوع: العروض الرقمي محوره وإطاره التواصل مع فكر ومنهج الخليل.

2- إحياء العروض
منيب ربيع الليثي - مصر 07-12-2008 06:36 PM
جزى الله خيرا كاتب هذا المقال الدكتور (الطيان) ونفع به ، ووفقه إلى الخير كله .
والحقيقة أننا بحاجة إلى إحياء علوم العربية جميعا ، لا إلى إحياء علم العروض وحده ، فقد أصبح الجهل بالعربية مفردات وتراكييب ، وقوافي وأوطانا مما يسعد العدو ويحزن الصديق .
1- جميله
ايهاب صلاح الدين - مصر 02-09-2008 04:17 PM
والله جميلة جدا هذه المقاله ونريد شرح العروض بشكل من التفصيل على عدة مقالات
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب