• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

بداية الشعر الجاهلي (2)

د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/8/2017 ميلادي - 23/11/1438 هجري

الزيارات: 17237

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بداية الشعر الجاهلي (2)

 

أما بالنسبة لحماد وما اشتهر به من كذب ونَحْل، فإني أتساءل بدوري: إذا كان حماد على هذه الشاكلة من الاشتهار بالنحل والتلفيق، وكذلك باللحن والكسر فوق البيعة بما يعني أنه من الشعر لا في العير ولا في النفير، فما الذي كان يضطرهم إلى اللجوء إليه دائمًا وسؤاله عما في جعبته من جديد؟ ثم هل من الحتم اللازب أن يعرف بلال بن أبي بردة كل شعر الحطيئة، أو كانت ذاكرته قرصًا مدمجًا سُجل عليه كل شعر الشاعر الهجَّاء فلا يند عنها شاردة ولا واردة من ذلك الشعر؟ كذلك أليس من حقنا أن نسمع رد المتهم على التهمة الموجهة إليه؟ لكن للأسف تسكت الرواية عند هذا الحد فلا تعطي المسكين الفرصة لإبداء وجهة نظره! ثم من يا ترى أنبأ الناس بما دار بين بلال وحماد من حوار واتفاقهما في نهاية الأمر على ترك القصيدة المزيفة تذيع في الناس؟ إن أيًّا منهما لا يمكن أن يكون هو من روى القصة، وإلا لكان كمن يحفِر قبره بيده، كما أنه لم يكن هناك إلا هما وحدهما كيلا يقول قائل: إن شخصًا ثالثًا هو الذي فضح الأمر، أما لو افترضنا بعد ذلك كله أن قد كان هناك شخص ثالث، فإنهما لم يكونا ليجرُؤَا على قول هذا الكلام بمسمع منه؛ حتى لا يشوها صورتهما في عينه، وفي "الأغاني" أن المدائني كان ينسب القصيدة المذكورة للحطيئة فعلًا! فما الذي يمكن أن نقوله هنا؟ وهذا هو نص "الأغاني": "وذكر المدائني أن الحطيئة قال هذه القصيدة في أبي موسى، وأنها صحيحة، قالها فيه وقد جمع جيشًا للغزو فأنشده: "جمعْتَ مِن عامرٍ فيه ومِن أسد"، وذكر البيتين وبينهما هذا البيت وهو:

فما رضِيتَهمُ حتى رفَدْتَهمُ ♦♦♦ بوائلٍ رهطِ ذي الجدَّين بسطام"

 

ثم هل يقدح خطأ حماد في نسبة قصيدة أعشى هَمْدان لطرفة في أمانته بالضرورة؟ ألا يمكن أن تكون المشكلة مشكلة ذاكرة لا مشكلة ضمير؟ وهل هذا هو النص الشعري الوحيد الذي أحاط به الخلاف حول نسبته لصاحبه حتى نذهب لنعلق المشنقة لحماد؟ ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام وجهة النظر الخاصة بأحد الطرفين دون الآخر، وكأن حمادًا خرس فلم يُحِرْ جوابًا وسلَّم بما قيل في حقه، وأين هذا؟ وعجيب أن يقال في حماد: إنه كان ينحل شعر الرجل غيره، هكذا دون إبداء الأسباب، ترى لماذا كان يفعل ذلك؟ أكان مصابًا بلوثة في عقله تجعله يتبرع من تلقاء نفسه بخداع الناس وإنفاق وقته وجده في ذلك "لله في الله"؟ وأعجب من هذا أن يقال: إنه كان يزيد في الأشعار رغم ما اتهم به في ذات الوقت من أنه كان يلحن ويكسر الشعر، يا له من أحمق! لكن ما القول في الذين كانوا يصرون بعد هذا كله على البحث عنده دائمًا عن الجديد في الشعر؟ أليسوا مثله حمقى بل أعرق منه في الحماقة وأوغل؟ وأعجب من هذا وذاك أن يلقب هذا الكذاب الوضاع الخالي من الموهبة الشعرية بـ: "الراوية"؟ إن مثل هذا اللقب ليس له في الواقع من معنى إلا أنهم كانوا يحترمون روايته ويقدرونها حتى إنهم لم يروا فيه إلا أنه "راوية"! وفي "الأغاني" أن المفضل الضبي قد وصفه بأنه "رجل عارف بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يُشبه به مذهب رجل ويُدخله في شعره ويُحمَل ذلك عنه في الآفاق فتختلط أشعار القدماء"؛ أي إنه كان عالمًا بالشعر ذا بصيرة نقدية عجيبة فيه وصاحب موهبة وبراعة في التقليد ومقدرة على خلط الأمور حتى لتتداخل الأشعار الصحيحة والزائفة على يديه فلا يميز بينهما إلا عالمٌ خِرِّيت، فمن نصدق يا ترى؟ أنصدق من يرميه بالجهل الفاحش بالشعر وباللحن والكسر فيه، أم نصدق من يصوره بصورة العبقري الجِهبذ الذي لا يُعجزه في هذا الميدان شيء؟

 

وهناك خبرانِ آخرانِ غريبان عنه في "الأغاني"، مُفادهما أنه بقي يكذب على الناس ويضع لهم الشعر الجاهلي المنحول على مدى عشرات السنين، على الأقل من أيام الخليفة الأموي الوليد بن يزيد (الذي نجح في امتحان عقده له كي يثبت أنه يحفظ فعلًا لمن لا يعرفهم من الشعراء مائة قصيدة على كل حرف من حروف الألفباء) حتى عصر المهدي ثاني خلفاء بني العباس حين اكتشف تلاعبه فنادى في الناس ألا يقبلوا روايته، وكأن الدولة الإسلامية كان من مهامها نقد الأدب والكشف عن الشعر المنحول! فهل يقبل العقل أن يظل الرجل يضحك على ذقون العرب كل هاتيك العشرات من السنين دون أن يكشفه أحد قبل المهدي العباسي، وكأنه يتعامل مع أمة من الأفدام الأغتام البائسين؟ وأخيرًا - وليس آخرًا - نجد ابن سلام يبدأ كلامه قائلًا: إن الشعر العربي لم يعرف غير الرواية الشفوية، ليعود فيضيف بعد قليل أنه كان هناك قسط كبير منه مقيدًا في ديوان عند النعمان بن المنذر وانتهى مطافه إلى أيدي بني مروان، وذلك القسط، حسب كلامه، هو أفضل الشعر الجاهلي من الناحية الفنية؛ لأنه شعر الفحول ومَن مدحوا النعمان وأسرته، وهذا تناقض واضح!

 

كذلك نقرأ في "تاريخ بغداد" لأبي بكر الخطيب أن أبا عمرو الشيباني، وهو أيضًا راوية كوفي كحماد، كان يجمع شعر القبائل، حتى إذا انتهى من شعر إحداها كتب مصحفًا بخطه ووضعه في مسجد الكوفة، ومع هذا فقد كان خصومه يتهمونه بالسرف في شرب الخمر رغم إقرارهم بأنه ثقة في روايته، ويعلق طه حسين قائلًا: "وأكبر الظن أنه كان يؤجر نفسه للقبائل، يجمع لكل واحدة منها شعرًا يضيفه إلى شعرائها"؛ (طه حسين/ في الأدب الجاهلي/ 171)، وهو ما يعني أن من البشر مَن يظل يقول: "عنزة" ولو طارت، ومنهم طه حسين، فها هو ذا الشيباني قد اجتمع خصومه وأنصاره على توثيقه، بَيْدَ أن طه حسين لا يعجبه العجب، فيتهم الرجل بأنه كان يؤلف الشعر وينسبه إلى شعراء القبائل التي تدفع له، أما من أين أتى طه حسين بهذا الكلام، فينبغي أيها القارئ أن تخر على ما يقوله ساجدًا موافقًا ولا تسأل مثل هذا السؤال، وعجيب أن يسرف طه حسين في الشك في الشعر الجاهلي حتى لَيزعم أنه كله تقريبًا مصنوع صُنعًا، حاطبًا هكذا في حبل مرجليوث المستشرق البريطاني الخبيث مع بعض التلاوين التي لا تقدم ولا تؤخر، ثم يصدق دون أدنى تفكير أو محاولة في التثبت أية رواية تشكك في علماء المسلمين، بل يخترع لبعضهم الاتهاماتِ اختراعًا، كما رأينا في حالة الشيباني المسكين!

 

أيًّا ما يكن الأمر، فإن ما قاله ابن سلام، وهو أكثر المؤلفين العرب القدماء شمولًا وتفصيلًا في الحديث عن النَّحْل والانتحال في الشعر الجاهلي، لا يُعد شيئًا إلى جانب ما كتبه المستشرق البريطاني ديفيد صمويل مرجليوث في بحثه الذي نشره في عدد يوليه 1925م من المجلة الآسيوية الملكية بعنوان "The Origins of Arabic Poetry"، والذي انقضَّ فيه على الشعر الجاهلي يَنفيه كله نفيًا باتًّا لا يقبل نقضًا ولا إبرامًا، ويتهم العلماء العرب في العصر العباسي بأنهم قد صنعوا ذلك الشعر صناعة ولفَّقوا له أسماء شعراء فوق البيعة، وجاء على إثره طه حسين فردد مقولته تلك العجيبة حذوك النعلَ بالنعل، اللهم إلا بعض الخيوط الرفيعة التي لا تُذكر؛ إذ كل ما هنالك أنه، في الوقت الذي يزعم فيه مرجليوث أن "كل" الشعر الجاهلي منحول زائف، فإن طه حسين يحاول أن يبدو مستقلًّا عن متبوعه فيقول: "جُله، إن لم يكن كله"، أما فيما عدا ذلك فقد أخذ طه حسين من المستشرق البريطاني الموتور أدلته واتجاه بحثه، وعبثًا يحاول أنصار طه حسين تبرئته والادعاء بأنه لم يأخذ شيئًا من مرجليوث، رغم أن الدلائل والشواهد جميعها تنطق بأقوى لسان بأنه إنما أغار على بحث مرجليوث إغارة شاملة، وإن وشَّاه ببعض التزاويق والحذلقات التي ظن أنها يمكن أن تغطي على سرقته، بل إن مرجليوث نفسه قد اشترك في اللعبة مدافعًا عن ناهب فكرته، زاعمًا أن البحثين قد صدرا تقريبًا في وقت واحد، بينما يفصل بينهما عشرة أشهر كاملة، كما أن طه حسين في كل ما كتب قبل ذلك التاريخ من مقالات وكُتُب كان يتحدث عن شعر الجاهلية حديثَ المطمئن له تمام الاطمئنان، بل إنه في آخر ما كتب في هذا الموضوع قبل مرجليوث - وكان ذلك في الفصل الأول من كتابه: "قادة الفكر"، الذي سبق صدورُه صدورَ بحث مرجليوث بشهرين تقريبًا (في إبريل 1925م على وجه التحديد) - قد جعل من الجاهلية وأشعارها أساسًا لحضارة الإسلام، مؤكدًا أنه لولا هذه الأشعار وأصحابها ما كان الخلفاء والعلماء والقُوَّاد المسلمون، وقد ألحَّ على هذه الفكرة إلحاحًا كبيرًا، في الوقت الذي ذكر معها شك بعض الباحثين الأوربيين المحدَثين في وجود هوميروس، وهذا نص عبارته: "علامَ تقوم الحياة العربية في بداوة العرب وأول عهدهم بالإسلام؟ على الشعر!... هل كانت توجد الحضارة الإسلامية التي ظهر فيها مَن ظهر مِن الخلفاء والعلماء وأفذاذ الرجال لو لم توجد البداوة العربية التي سيطر عليها امرؤ القيس والنابغة والأعشى وغيرهم من الشعراء الذين نبخسهم أقدارهم ولا نعرف لهم حقهم؟"؛ (قادة الفكر/ ط9/ دار المعارف بمصر/ 10 - 11)، لكنه ما إن ظهر بحث مرجليوث ووصل إلى أيدي الباحثين والعلماء في مصر حتى رأيناه ينتكس على رأسه وينتقل مائة وثمانين درجة مرددًا عكس ما كان يردده طوال تلك السنين التي أربت على الخمس عشرة سنة منذ أول مقال وجدته يتناول فيه الكلام عن الشعر الجاهلي، كما وضحت في بحث لي كتبته منذ أكثر من سبع عشرة سنة ونشرته على المشباك منذ عدة سنوات بعنوان: "نظرية طه حسين في الشعر الجاهلي: سرقة أم ملكية صحيحة؟".

 

وقد عقدت لبحثي طه حسين ومرجليوث دراسة مستفيضة قارنت فيها بينهما، وانتهيت إلى أن الدكتور طه لم يأتِ بشيء أساسي غير ما قاله المستشرق البريطاني، وهذه الدراسة متاحة لمن يريدها في كتابي: "معركة الشعر الجاهلي بين الرافعي وطه حسين": فكلاهما ينفي الشعر الجاهلي كله، وإن تظاهر طه حسين بأن من الممكن أن يكون بعض ذلك الشعر صحيحًا، لكنها صحة نظرية؛ لأنه في ذات الوقت يحرص على إثارة الريبة في ذلك الشعر جميعه متحججًا بأنه يجري في ذلك على الشك المنهجي الذي يُنسب للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وهو ما بينت أنه لا أساس له من الصحة؛ إذ إن طه حسين لم يفهم تلك الفلسفة ولا نجح في تطبيقها على موضوعه، فقد دخل الساحة وفي ذهنه التشكيك في الشعر الجاهلي لا لشيء إلا لأن مرجليوث قد شكك فيه، فكان لا بد له بدوره من الشك والتشكيك في كل ما يتعلق بذلك الشعر كأنه صدى صوت المستشرق البريطاني أو بُوق فمه، مع الاطمئنان في نفس الوقت إلى كل نص آخر ما دام يمكن الالتواء به لخدمة فكرته التي سرقها من مرجليوث بمباركة صاحبها كما رأينا، ولو كان يفهم فعلًا ذلك الشك المنهجي، أو على الأقل: لو كان مخلصًا وجادًّا في تطبيقه على بحثه، لوقف من كل النصوص التي بين يديه موقف الاحتراز والارتياب إلى أن يظهر له أنها تستحق الاطمئنان حقًّا.

كما أن كليهما يهاجم الرواة الشفويين الذين يقول مؤرخو الأدب العربي بوجه عام: إنهم هم الذين حفظوا للأجيال التالية أشعار الجاهلية، ويشكك في مقدرتهم على أداء تلك المهمة، وفي الوقت ذاته ينفي كلاهما أن يكون العرب في ذلك الوقت على معرفة بالكتابة بحيث يستطيعون أن يسجلوا ذلك الشعر لو كان له فعلًا وجود، كي يحفظوه من الضياع، وبالمثل فكل منهما يعتمد في نفيه لذلك الشعر على اختفاء اللهجات القبلية من قصائده، ومجيئه كله في قالب فصيح، مما يشير إلى أن العرب كانوا ينظمون شعرهم قبل الإسلام بلغة واحدة هي اللغة الفصحى، وهذا ما يرفضه كلاهما ويرى أن الفصحى قبل الإسلام لم يكن لها وجود، كما يعتمد كل منهما على خلوِّ ذلك الشعر من الموضوعات الدينية، اللهم إلا ما فيه من بعض العقائد والشعائر الإسلامية، وهو ما يدل على أنه إنما صُنع بعد الإسلام صُنعًا؛ (انظر د. إبراهيم عوض/ معركة الشعر الجاهلي بين الرافعي وطه حسين/ مطبعة الفجر الجديد/ القاهرة/ 1987م/ 56 - 77).

 

ومع هذا كله يأتي أحمد عبدالمعطي حجازي فيفسر شك طه حسين في الشعر الجاهلي على النحو التالي الذي لا أفهم كيف توصل إليه: "وإذا كان الرواة العرب ينسبون القصائد المعلقات لشعراء أفراد كامرئ القيس وطَرَفة بن العبد وعنترة، فقد ذهب عميد الأدب إلى أن الشعر الجاهلي منحول، أو هو بعبارة أدق نتاج جماعي يصور حياة الجماعة العربية البدوية ويجسد أخلاقها ويعبر عن نظرتها الخاصة للوجود بلغة طقسية قريبة من لغة الشعائر الدينية التي تصبح فيها الجماعة كيانًا واحدًا يتوحد فيه الأفراد وتتصل الأجيال"، وهو كلام لم يدُرْ في خاطر طه حسين ولا حتى في الأحلام! إنما هو من أوهام حجازي المضحكة! (انظر مقاله في "أهرام" الأربعاء 11 جمادى الأولى 1427هـ - 7 يونيه 2006م بعنوان: "الشعر في حياتنا - الشعر ليس امتيازًا خاصًّا").

ويجد القارئ ردًّا مفصلًا وتفنيدًا تامًّا لكل ما هرف به مرجليوث في الدراسة المطولة التي ألحقتها بترجمتي لبحث ذلك المستشرق (ديفيد صمويل مرجليوث/ أصول الشعر العربي/ ترجمة وتعليق ودراسة د. إبراهيم عوض/ ط2/ دار الفكر العربي/ 1421هـ - 2000م/ 115 - 162)، وفي تلك الدراسة بيَّنت أن دعوى مرجليوث القائلة بأن الشعر الجاهلي لم يكن له وجود، وأن العرب لم يعرفوا نظم الشعر قبل العصر الأموي - هي دعوى متهافتة، ويكفي أن نقرأ في ذلك الشعر الأموي نفسه الذي لا يشك فيه مرجليوث لحيظة إشارات متكررة إلى شعراء الجاهلية بوصفهم المثل الأعلى لشعراء العصر الأموي، علاوة على حديث القرآن الكريم المتكرر عن الشعر والشعراء، وهو الحديث الذي لا يمكن أن يكون معناه الكهانة والكهان، كما يزعم مرجليوث على غير أساس كي ينفي معرفة العرب للشعر في ذلك الوقت؛ إذ تحديت أي إنسان أن يأتينا بأي نص قديم يقول: إن كلمة "الشعراء" في ذلك الوقت كانت تعني "الكهان"، علاوة على أن وقائع التاريخ ورواياته تقول: إن الشعراء كانوا موجودين بكل يقين قبل الإسلام وفي عصر الرسول عليه السلام، على عكس ما يريد مرجليوث منا أن نقتنع، وبالمناسبة فقد سبقه كليمان هوار فربط على نحو ما بين الشاعر من جهة والكاهن والساحر من جهة أخرى (انظر: A History of Arabic Literature، PP، 7 - 8)، ثم يزيد الطين بِلَّة أن يردد أحمد حسن الزيات هذا السخف، وأن يكون ترديده له فوق ذلك ترديد الواثق المطمئن الذي لا يرى في الأمر أية غرابة، بل إن الطريقة التي ردده بها لتوهم من لا يعرف خبيئة الأمر أن هذا الكلام هو رأيه هو، توصَّل إليه من تلقاء نفسه، وفضلًا عن هذا فإنه لم يقدم لنا ما يدل على صحة ما يقول؛ "انظر كتابه: "تاريخ الأدب العربي"/ 28 - 29".

 

وعودة إلى مرجليوث نقول: إنه لمن العجيب أن يأتي باحث في الشعر الجاهلي هو د. كرم الوائلي فيزعم أن المستشرق البريطاني لا ينكر وجود ذلك الشعر، بل يؤكد أنه كان موجودًا، وكل ما هنالك أنه يشك في الطريقة التي وصل بها إلينا، وهو ما يقلب كلام مرجليوث رأسًا على عقب؛ (انظر الفصل المسمى: "توثيق الشعر الجاهلي" من كتابه: "الشعر الجاهلي - قضاياه وظواهره الفنية" المنشور على المشباك)، ولا أدري من أين له بذلك الفهم الغريب؟! أما مسألة اللهجات التي يطنطن بها كل من مرجليوث وتابعه المصري المتفاني في تعقب خطواته الطائشة الهائشة الفائشة، فيكفي هنا في إدحاض ما زعماه بشأنها أن نقول: إن القرآن قد ذكر في أكثر من آية أنه نزل بلسان عربي، لا بلهجة قريش أو الحجاز مثلًا، مما يبرهن أصلب برهان على أنه كانت هناك لغة واحدة للعرب جميعًا بخلاف ما ادعاه الاثنان بهتانًا ومَيْنًا من أن اللغة العربية لم تصبح لسانًا لمن نسميهم بـ: "العرب" إلا بعد قيام الدولة الإسلامية، بدءًا من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أننا لم نسمع بتاتًا أن العرب في الجاهلية أو قبل قيام الدولة الجديدة بعد ذلك في عصر المبعث كانوا يحتاجون إلى تراجمة بين بعضهم وبعض، أو قامت عَقبة تحول دون تفاهمهم، ثم إننا ما زلنا حتى الآن نستعمل في حياتنا اليومية لهجات متعددة تختلف عن الفصحى في أشياءَ ليست بالهينة، لكننا حين نكتب أو نبدع نترك عادة هذه اللهجات وراء ظهورنا ونلجأ إلى المستوى الفصيح، فما المشكلة في هذا؟ بل إني لأذهب إلى عكس ما يقول به كثير من الباحثين من أن العرب قبل الإسلام بقليل من الوقت نسبيًّا قد انتهوا إلى اصطناع لهجة قريش في إبداعاتهم واتخاذها من ثم لغة أدبية لهم جميعًا؛ إذ أرى أن الفصحى كانت موجودة منذ زمن طويل، ينحو الخطباء والشعراء منهم نحوها تاركين عندئذ لهجاتهم المختلفة التي كانوا يخصصونها لموضوعات الحياة العادية، كما هو الحال في كل اللغات، وإلا فلو أخذنا بنظرية ارتقاء لهجة قريش عشية بزوغ الإسلام إلى احتلال موقع اللغة القومية للعرب كلهم لكان معنى هذا أن العرب قبل ذلك كانوا يصطنعون لغات مختلفة بعدد قبائلهم، وهو ما يقتضي أن كل قبيلة منهم كانت تمثل دولة مستقلة لها حدودها وقوميتها بحيث لا تتداخل مع أية قبيلة أخرى، وأين ذلك، وكيف، وهم لم يكونوا يستقرون في موضع واحد قط، بل كانوا دائمي السعي وراء العُشب والماء طول العام، والاختلاط من ثم في كل أرجاء البادية؟ أو أنهم كانت لهم لغة أخرى غير العربية يستعملون في أمورهم المعيشية لهجاتها المختلفة، تلك اللهجات التي أخذت لهجة قريش منها موقع الصدارة قرب مجيء الإسلام وأضحت بذلك لغتهم القومية بدلًا من لغتهم الأولى، فهل كان للعرب لغة أخرى غير هذه التي بين أيدينا؟ فما هي تلك اللغة يا ترى؟ وما اسمها؟ وما الدليل على وجودها؟ وفوق هذا فإن أيًّا من مؤرخيهم أو خطبائهم أو شعرائهم لم يتحدث في هذا الموضوع بتاتًا، بل لم يُشِرْ إليه أي باحث مجرد إشارة.

 

وتبقى مسألة الدين، وفي الشعر الجاهلي إشارات متكررة إلى عدد من مظاهره وشعائره وقتذاك، وأقصى ما قد يمكن أن يقال في هذا الصدد هو أن الشعر الجاهلي يخلو من القول المفصل في أمور الدين، وهو ما يمكن أن يفسَّر بأن كثيرًا من ذلك الشعر قد ضاع، وأن المسلمين لم يجدوا في أنفسهم ميلًا إلى حفظه وترديده، وينبغي ألا ننسى أيضًا أن خطب العرب وأمثالهم تخلو مثل الشعر، وربما أكثر من الشعر، من الحديث في أمور الدين، أما القول بأن ذلك دليل على أنه مصنوع في الإسلام فنتيجة غير لازمة ولا مسلَّمة، فضلًا عن أن القول بها يستلزم أن تكون أمة العرب والمسلمين كلها على بكرة أبيها أمة من المزيفين والمتواطئين معهم، أو أمة من الكذابين الوضاعين من جهة، ومن الأغبياء المغفلين من جهة أخرى، حتى ليجوز أن يخترع المخترعون منها شعر عصر كامل وشعراءه فجأة، وكأن الأمة نامت ذات ليلة دون أن يكون هناك شعر جاهلي ولا شعراء جاهليون ثم استيقظت من مرقدها فإذا بين يديها ذلك الشعر وشعراؤه، ورغم هذا لا يجد هؤلاء المخترعون المزيفون من يعقِّب على صنيعهم، ثم إن العرب قبل ذلك كله كانوا يعتمدون على ذاكرتهم اعتمادًا أساسيًّا حتى أضحت الذاكرة العربية من كثرة الاستعمال والثقة بها حادة الرهافة، أما الاتهامات التي وُجهت إلى بعض الرواة فمن الممكن أن تكون كلامًا مرسَلًا، بل لقد وجدنا بعضها لا يقوم على أساس، أو لا يقوم على الأقل على أساس متين، كما أن قول القرآن الكريم في خطابه للكافرين: ﴿ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ﴾ [القلم: 37، 38] ليس معناه أن العرب لم يكونوا يعرفون شيئًا عن القراءة والكتابة حسبما زعم مرجليوث بجهله وبهلوانيته، بل الكلام فيه موجه إلى القرشيين وحدهم، لا إلى العرب كلهم؛ إذ كان أهل مكة يسخرون من الجنة ومن المؤمنين بها قائلين: إنه إن كان ثمة جنة ونعيم فلَسوف يتمتعون رغم ذلك بما فيها من خيرات ولذائذ، فأنكر عليهم القرآن قولهم ذلك متسائلًا: أوَفِي أيديهم كتاب سماوي يقول بأنهم يوم القيامة سيتمتعون كما يزعمون بنعيم الجنة كالمؤمنين المتقين؟ ولقد أثبت الباحثون من عرب ومستشرقين معرفة العرب للكتابة والقراءة، ولجوءهم إليها في عملية تسجيل الشعر في غير قليل من الأحيان؛ (انظر في ذلك مقال كرنكوف: "استعمال الكتابة لحفظ الشعر العربي القديم"/ من ترجمة د. عبدالرحمن بدوي في كتابه: "دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي"/ 292 - 304، والفصل المطول المستفيض الذي عقده لذلك الموضوع ودعمه بالشواهد الكثيرة والأدلة القوية د. ناصر الدين الأسد في كتابه القيم: "مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية"/ دار المعارف/ 1956م)... إلخ.

 

وقد انتهى الأمر بدراستَيْ مرجليوث وطه حسين عند الباحثين المحترمين إلى الانزواء في دائرة النبذ والإهمال، حتى في نطاق المستشرقين أنفسهم، الذين انقض بعضهم على بحث مرجليوث المتهافت السخيف فمزقوا أوصاله وأبرزوا ما فيه من تفكك ومجافاة للمنطق وأصول البحث العلمي، وهو نفس المصير الذي لاقاه كتاب طه حسين رغم القعقعات التي يحاول بعض من يُحسَبون على الثقافة العربية أن يُحدثوها بين الحين والحين تلميعًا له، جاهلين أن ذلك الكتاب قد مات وشبع موتًا منذ ثمانين عامًا إثر تتالي الضربات القاضية عليه من أقلام العلماء الأثبات التي كشفت عواره وفضحت ما فيه من خَوَر فكري وركاكة علمية وتسرع أهوج إلى نتائج مقررة سلفًا لا تؤدي إليها المقدمات التي ساقها صاحبه، وأن ما مات لا يعود للحياة إلا يوم الدين، وبالمناسبة فكثير من النصوص الشعرية التي شكك فيها طه حسين في كتابه: "في الشعر الجاهلي" ثم في خلفه: "في الأدب الجاهلي" ليست نصوصًا جاهلية، بل إسلامية، وهذا من أعجب العجب! على أن قولنا: إن المستشرقين الآخرين قد هاجموا نظرية مرجليوث الرعناء في نفي الشعر الجاهلي كله لا يعني أنهم لا يشكون أي شك في ذلك الشعر، إنهم يشكون، بَيْدَ أن شكهم لا ينسحب على ذلك الشعر كله، بل على أشياء فيه لا تجعلهم يطمئنون تمام الاطمئنان إلى ما وصل إلينا منه رغم غربلة علمائنا القدامى لنصوصه، بل رغم تنطُّس هؤلاء العلماء في تلك الغربلة أحيانًا أكثر مما ينبغي كما أشرت إلى بعض ذلك فيما مضى، ويستطيع القارئ أن يقرأ عددًا من أبحاث هؤلاء المستشرقين في هذا المجال في الكتاب الذي صدر للدكتور عبدالرحمن بدوي للمرة الأولى عام 1979م عن دار العلم للملايين ببيروت بعنوان: "دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي"، والذي يضم ترجمة عشرة من أبحاث كبارهم في ذلك الموضوع؛ مثل: نيلدكه وشبرنجر وبلاشير، وقد مرت الإشارة إليه قبل قليل.

 

ولعل أهم ما تناولوه ووقفوا عنده مليًّا الطريقة التي كان يُروى بها الشعر الجاهلي عادة، وهي الطريقة الشفوية؛ إذ فسروا في ضوئها ما لوحظ على نصوص ذلك الشعر من اختلاف في روايتها تقديمًا وتأخيرًا وتغييرًا لكلمة أو عبارة بكلمة أو عبارة أخرى، أو اختلاف في نسبة نص معين إلى أكثر من شاعر، أو تداخل نص لشاعر ما مع نص لشاعر آخر يشترك معه في الوزن والقافية ويقترب منه في الموضوع الذي يعالجه... على أساس أن الذاكرة البشرية مهما كانت قوتها لا بد أن يصيبها الوهن والنسيان من حين لآخر، وهو ما يوافق ما قاله هاملتون جيب في هذا الصدد في كتابه: "Oxford) Arabic Literarute، University Press، 1974، P، 20"، ولا شك أن في بعض ما قالوه في هذا السبيل شيئًا من الوجاهة، إلا أنه لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن اختلاف روايات الشعر الجاهلي لا يرجع كله إلى خيانة الذاكرة بالضرورة، بل ربما وردت أكثر من رواية لكثير من نصوصه عن الشاعر نفسه تبعًا لاختلاف الأزمنة والظروف التي كان الشاعر يلقي فيها على الجمهور قصائده؛ إذ من المعروف أن المبدِع لا يكف عن معاودة النظر في إبداعاته والعمل على صقلها كلما واتته الفرصة، وأية فرصة أعظم من أن أشعاره لم يكن يتم تثبيتها كتابة إلا في أحيان قليلة؟ وإذًا فالفرصة مفتوحة له على مصراعيها كي يدخل أي تغيير يريده في الوقت الذي يشاء، وأنا أفعل ذلك في مقالاتي ودراساتي المنشورة على المشباك ولم تثبت بعدُ على الورق؛ إذ بإمكاني كلما أعدت نشر ما كنت قد نشرته في موقع آخر غير الموقع الأول أن أُدخل فيه من التغييرات والتصحيحات ما أشاء وبمنتهى السهولة، بل إننا، حتى بعد أن يتم تثبيت نص أي كتاب لنا على الأوراق، نستطيع أن نعيد النظر فيه عند التفكير في طبعه مرة أخرى، فإذا كان هذا يحدث في أعمالنا المكتوبة، فما بالنا بإبداعات الشعراء الجاهليين التي لم تكن تُكتب في العادة كما قلنا؟ (انظر في هذا الصدد دراسة هـ. آلفرت: "ملاحظات عن صحة القصائد العربية القديمة"/ من ترجمة د. عبدالرحمن بدوي في كتابه المذكور/ 41 - 86، ودراسة ف. كرنكوف: "استعمال الكتابة لحفظ الشعر العربي القديم"/ من ترجمة د. عبدالرحمن بدوي في نفس الكتاب/ 292 - 304، وبحث جيمس مونرو (James Monroe): "Oral Composition in Pre - Islamic Poetry" المنشور في "Journal of Literature Arabic"/ 1972م/ 3/ 1 - 7، وترجمته العربية لفضل بن عمار العماري بعنوان: "النظم الشفوي في الشعر الجاهلي"/ دار الأصالة/ الرياض/ 1407هـ - 1987م).

 

وبطبيعة الحال فإن ضعف الذاكرة وألاعيبها ليست وحدها السبب فيما اعترى الشعر الجاهلي من تغييرات، فلست أحسب أن كل الرواة الذين أدوا إلينا ذلك الشعر كانوا مخلِصين أو حريصين على أن يقوموا بواجبهم على النحو المطلوب؛ لأنهم في نهاية المطاف بشر من البشر، وعلى دارس الشعر الجاهلي أن ينظر في كل قصيدة على حدَةٍ وألا يرفضها إلا إذا قام في نفسه من بواعث الشك ما لا يستطيع الرد عليه، كأن تكون القصيدة إسلامية حقًّا بحيث لا يمكن توجيهها بأي حال، أو أن يكون فيها من اضطراب التاريخ ما لا يستقيم معه أمرها البتة، ومن يود أن يرى كيف طبَّقْتُ هذا الاختبار في دراساتي فباستطاعته مراجعة الفصلين الخاصين بذلك من كتابي: "عنترة بن شداد - قضايا إنسانية وفنية"، و"النابغة الجعدي وشعره"، كذلك على الدارس أن يحصر شكه فيما يقبل الشك منها فلا يعمم ذلك الشك دون مسوغ، وهناك قصائد منسوبة إلى آدم مثلًا، ولا أظن عاقلًا يصدق أن آدم كان يتكلم في ذلك الزمن الموغل في القدم بلسان العرب، صحيح أننا لا نعرف متى بدأ ظهور اللغة العربية ولا متى أضحت لغة لنظم الشعر، إلا أن هذا لا يعني أن نصدق الشعر المنسوب لأبي البشر بتلك اللغة؛ فاللغات لا تظهر كاملة مرة واحدة، وآدم إنما يمثل أول فرد في أول جيل من أجيال البشر على الأرض، فلا يعقل إذًا أن تظهر العربية على يديه كاملة الفن وطرائق التعبير وكأنها نزلت من السماء لا ينقصها شيء، إن هذا ضد طبيعة الحياة كما نعرفها، وذلك إن صدقنا أن ذلك الجد البعيد كان يتحدث لغة من اللغات التي نعرفها أصلًا!

 

أعود فأبلور موقفي من قضية النحل والانتحال في الشعر الجاهلي فأقول: إن هناك بلا شك شعرًا جاهليًّا منحولًا، إلا أنني لا أتوسع في ذلك، ولا حتى توسع ابن سلام، الذي يبدو (بالقياس لبعض الباحثين المحدَثين) من المعتدلين إلى حد بعيد؛ ذلك أن الأسباب التي استند إليها الباحثون في الشك في الشعر الجاهلي ليست دائمًا بالأسباب القوية التي تجعلني أتشكك في هذا الشعر على ذلك النطاق الواسع الذي يريده طه حسين مثلًا، أو حتى على النطاق الذي كان يتحرك فيه ابن سلام حسبما وضحتُ فيما سبق من هذا الفصل، ومن هنا فإني أميل إلى القول بأن باحثًا كبيرًا - كالدكتور شوقي ضيف - لم يقدم دائمًا المسوغات الكافية في رفض عدد من قصائد الشعر الجاهلي، وأن السبب في ذلك هو امتلاء نفسه بهاجس النحل والانتحال رغم وقوفه في ذات الوقت في وجه من يريدون إثارة عواصف الارتياب وأعاصيره في ذلك الشعر: فمثلًا نراه، رحمه الله، يشك شكًّا شديدًا في قصيدة النابغة الذبياني: "بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما"؛ لأنها، كما يقول، "نسيب خالص، ولأن بها روحًا إسلامية تتضح في قوله مخاطبًا صاحبته:

حيَّاكِ ربي، فإنَّا لا يحلُّ لنا
لهوُ النساءِ، وإن الدِّين قد عزما
مشمِّرين على خُوصٍ مزنَّمةٍ
نرجو الإلهَ ونرجو البِرَّ والطعما

 

رغم أنها من رواية الأصمعي كما ذكر هو نفسه (العصر الجاهلي/ 278)، ولست أشاطر الأستاذ الدكتور شكه الشديد في القصيدة؛ فإن مجيئها نسبيًا خالصًا لا يعد مسوغًا لرفض نسبتها إلى الشاعر ضربة لازب، وإلا فهل عنده دليل على أن النابغة لا يمكن أن يقول شعرًا خالصًا في النسيب؟ كما أن البيتين اللذين يصفهما بأنهما ذوا روح إسلامية لا يتسمان في حقيقة الأمر بشيء إسلامي حصرًا؛ إذ الكلام فيهما عن الإله والدين بعامة، وهو كلام يصدُقُ على كثير من الأديان، وحتى لو كانا إسلاميين حقًّا وصدقًا، فإن ذلك ليس بالسبب الكافي لرفض القصيدة كلها، بل لرفض البيتين فحسب، وهو نفسه لم يرد بيتين لزهير بن أبي سلمى يؤمن فيهما باليوم الآخر والحساب، ويؤكد معرفة الله تعالى بغيب النفوس واطلاعه المطلق على كل شيء؛ (المرجع السابق/ 303)، فهذا من هذا، ولا ننسَ أن النابغة كان يتردد على بلاط الحيرة والغساسنة، وكان ملوكها نصارى، بل إن في شعره، كما نعرف، كلامًا عن بعض الأعياد والاحتفالات النصرانية.

 

وبالمثل نجد الأستاذ الدكتور ينكر صحة قصيدة الأعشى الدالية التي تقول كتب الأدب: إنه كان قد أعدها لمدح الرسول عليه السلام قبل أن تلقاه قريش وصدته عن الذهاب إليه وإعلان الإيمان به، والتي تتضمن بعض التعاليم الإسلامية والعبارات القرآنية، بحجة أنها "لا تتفق في شيء ونفسية الأعشى"، وأنه لا يمكن أن "يؤمن بتعاليم القرآن على هذا النحو ثم ينصرف عن الرسول وهديه" حسب تعبيره (السابق/ 342)، يشير الأستاذ الدكتور إلى ما تحكيه كتب الأدب من أن الأعشى أعد العُدة للوفادة على النبي عليه السلام وهو لا يزال في مكة، وجهز في مدحه قصيدة يقولها عند لقائه، إلا أن قريشًا ما إن علمت بهذا الذي كان ينتويه حتى سارعت بمقابلته وعملت على تنفيره من الدين الجديد وصاحبه، فرجع من طريقه دون أن يفِدَ عليه صلى الله عليه وسلم، ثم تتابعت الحوادث حتى مات ولم يدخل في الإسلام، لكن من قال: إن الأعشى كان في خاطره الانصراف عن الرسول انصرافًا نهائيًّا؟ ربما انصاع لكلام القرشيين ريثما تتاح له فرصة أخرى، أو ربما ضعف أمام ما أعطوه من مال فأخذه وانصرف مؤقتًا انتظارًا لظروف أفضل يستطيع أن يعلن فيها إسلامه دون خوف من ضغط أو إحراج، والناس ليسوا سواءً في قوة التمسك بما يؤمنون به، ولا كلهم على استعداد للبذل والتضحية العنيفة، ولا مِن طبيعتهم جميعًا المسارعة إلى تنفيذ ما ينوون عمله، وعندي أن تفسير موقف الأعشى بذلك أقوى في الإقناع من إنكار نسبة القصيدة له والقول بأنها منحولة، وثمة أمثلة أخرى كثيرة يسارع فيها الدكتور شوقي إلى إعلان شكه في هذه القصيدة أو تلك دون أن تكون التسويغات التي يسوقها مُرْضية للعقل، ولكني أكتفي بهذين المثَلين دليلًا على أنه، ككثير من الباحثين العرب، قد امتلأ قلبه بهاجس النَّحْل والانتحال أكثر مما يصح رغم أنه قد رد هجوم مرجليوث وطه حسين وبلاشير على الشعر الجاهلي، وبيَّن ما في ذلك الهجوم من مغالاة لا تستقيم ومنطق الأشياء (السابق/ 166 - 175)، وإن لم يَعْنِ هذا بطبيعة الحال أن كل القصائد التي ردها أو أبدى شكه فيها لا تستحق هذا الشك أو ذلك الرد، خلاصة القول: إن في الشعر الجاهلي شعرًا صحيحًا، وهو الأغلبية الكبيرة، وفيه إلى جانب هذا شعر منحول أيضًا، إلا أن المنحول ليس بالكثرة ولا الاتساع الذي توحي به عادةً كتابات من كتبوا في ذلك الموضوع.

 

هذا، ويلفت النظر في الشعر الجاهلي أن عدد شعرائه كبير هائل: منهم المشهور الطائر الشهرة كامرئ القيس وعنترة والأعشى وزهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني وعمرو بن كلثوم وطَرفة بن العبد وزرقاء اليمامة، ومنهم مَن لا يحظون بشيء من الشهرة كأبي حذيفة وأعصر بن سعد وأوس الهجيمي وجناب بن منقذ وسبيع التميمي وأرطأة الفزاري وابنة أبي الجدعاء وكسرة بنت دوشن وجمل السلمية وزهراء الكلابية وسُعْدى الأسدية، ومنهم من كان بين ذلك قوامًا مثل عبيد بن الأبرص والمهلهل بن ربيعة وعلقمة الفحل والمرقش الأكبر ولقيط بن يعمر وعروة بن الورد وتأبط شرًّا والشنفرى وعمرو بن قمية وسلامة بن جندل وعبديغوث الحارثي وكعب بن الأشرف النضري وجليلة بنت مرة وليلى العفيفة، ومنهم أصحاب المطولات، ومنهم مَن لم يصلنا عنهم إلا مقطوعاتٌ أو نتفٌ أو أبيات مفردة، ومنهم كذلك أصحاب الدواوين، ومنهم من لهم عدد صغير من القصائد والمقطوعات، ومنهم من ليس لهم إلا بعض أبيات أو أقل من ذلك، ومنهم من كان ينظم في أناة وريث ويعيد النظر فيما ينظمه قبل أن يذيعه في الناس حتى ليقول ابن قتيبة في "الشعر والشعراء": إن زهيرًا كان ينفق في إبداع القصيدة الواحدة وقتًا طويلًا، وإن الحطيئة (من الشعراء المخضرمين)، وسويد بن كراع وعدي بن الرقاع (من شعراء بني أمية) كانوا يتخذونه مثلًا لهم يحتذون طريقته وينقحون شعرهم قبل أن يذيعوه تنقيحًا شديدًا كما كان يصنع، ومنهم في المقابل مَن لم يكن يعكف كل هذا الوقت الطويل على تهذيب ما ينظم بل كانوا يميلون إلى إذاعة ما يبدعون من شعر على الجمهور بمجرد ما يفرغون من نظمه، وهؤلاء يُسمون: "أصحاب الطبع"، وهو ما تناوله الجاحظ في كتابه: "البيان والتبيين"... وهكذا، ومن أولئك الشعراء مَن كان ملكًا أو أميرًا أو شيخ قبيلة؛ كامرئ القيس والمهلهل والأفوه الأودي وأبي قيس بن الأسلت وحاتم الطائي، ومن كان فارسًا؛ كسلامة بن جندل وعلقمة الفحل وقيس بن الخطيم وعبدة بن الطبيب وأحيحة بن الجلاح، ومن كان حكيمًا؛ كأمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة، ومن كان صعلوكًا؛ كتأبط شرًّا والسليك بن السلكة، ومن كان عبدًا؛ كعنترة بن شداد وسحيم عبد بني الحسحاس (وهو جاهلي إسلامي)، ومن كان يتخذ من المديح مرتزقًا؛ كالنابغة والأعشى والمنخل اليشكري وأبي زبيد الطائي...

 

ولم يترك شعراء الجاهلية موضوعًا من الموضوعات إلا ونظموا فيه، فشعروا في المدح والفخر والهجاء والرثاء والحماسة والوصف والخمر والنسيب والغزل والأطلال والرحلة والقصة والتمرد على أعراف القبيلة والتجارِب الشخصية والحكمة ومفارقات الحياة؛ أي إنهم قد نظموا أشعارهم في الأمور الاجتماعية والشخصية على السواء، وذلك على عكس ما يردده بعض الدارسين من أن الشعر الجاهلي كان شعرًا غيريًّا لا يعدو الشاعر فيه أن يكون ناطقًا بلسان الجماعة، وكأن شخصيته قد ألغيت إلغاءً (ممن تناول هذه المسألة وقال بذلك القول المستشرق البريطاني جب في الصفحة الثامنة والعشرين من كتابه: "Arabic Literature"؛ إذ زعم أن غالبية شعراء الجاهلية كانوا يعبرون عن الأفكار والمشاعر الجماعية أكثر مما يعبرون عن شخصياتهم الفردية، وقد ردد كذلك هذا القول د. عبده بدوي في كتابه: "الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي"/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1988م/ 39)، وعلى هذا فقد صور لنا شعراء الجاهلية في قصائدهم ومقطوعاتهم المجتمع العربي في زمنهم، فذكروا الأماكن التي كانوا يترددون بينها أو يُلمون بها من مدن أو عيون ماء أو جبال وتلال أو بَوَادٍ، كما أوردوا أسماء قبائلهم ومشاهير الرجال بينهم، سواء كانت شهرتهم بسبب فروسيتهم وشجاعتهم في الحروب أو بسبب كرمهم وأريحيتهم أو بسبب بخلهم أو بسبب استبدادهم أو بسبب حكمتهم أو بسبب ما اشتهروا به من شعر أو خُطب... وبالمثل تحدثوا عن كثير من الأحداث المهمة في تاريخهم القريب والبعيد، وتناولوا بالذكر أنسابهم، وأوردوا بعض طقوس دينهم وأسماء أصنامهم، ورسموا كثيرًا من عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم ومُثلهم العليا، وتحدثوا عن مناخ بلادهم من حر وبرد وبرَد ومطر وسيول وريح وغمام، ووصفوا أشجارها ونباتاتها وينابيع مياهها وحيواناتها وطيورها الوحشية والإنسية، وقدموا لنا كثيرًا من التفاصيل عن الأوهام التي كانوا يتوهمونها، والمهن التي كانوا يمتهنونها، والهوايات التي كانوا يمارسونها ويقضون بها وقت فراغهم من حجامة وكهانة وزراعة ورعي وصيد وحدادة وتجارِة ولعب ولهو، كما تتضمن أشعارهم كثيرًا جدًّا من أسماء الأعلام لديهم ذكرانًا وإناثًا.

 

وهذا يجرنا إلى ما ادعاه د. طه حسين تسرعًا ودون تثبت في كتابه: "في الأدب الجاهلي" من أن الشعر العربي المنسوب إلى الجاهلية لا يصور الحياة العربية قبل الإسلام، وأننا إذا أردنا التماس تلك الحياة فعلينا بالقرآن، أما الشعر الجاهلي فهو شعر مزيف موضوع بعد الإسلام وضعًا، ومن ثم فإنه لا يفيدنا بشيء في هذا المجال؛ (في الأدب الجاهلي/ 70 - 80، وفي مواضع أخرى متناثرة من الكتاب)، إنه يقول مثلًا: إن الشعر الجاهلي يخلو من الحديث عن النصرانية، مع أن هناك كلامًا متكررًا عن الرهبان والصُّلبان وبعض المناسبات النصرانية مما ينقض كلامه نقضًا، كذلك يزعم الدكتور طه أن شعراء الجاهلية سكتوا فلم يذكروا الروم والفرس بشيء، بينما هناك - مثلًا - قصيدة امرئ القيس الرائية التي يتحدث فيها عن رحلته إلى القسطنطينية وبعض المواطن التي مر بها هو ورفيقه، وكذلك قصيدة لقيط بن يعمر التي يحذر فيها قومه والعرب كلهم مما يدبره لهم كسرى من جيش يجهزه لغزو بلادهم واستذلالهم، وقصيدة الأعشى التي يتغنى فيها بانتصار العرب على الفُرس في يوم ذي قار، وعلى نفس الشاكلة يمضي طه حسين فيقول: إن ما نظن أنه شعر جاهلي لم يتناول المشكلة الطبقية، في الوقت الذي يتضمن هذا الشعر فعلًا صفحات كثيرة سطرها الشعراء الصعاليك، وهم الشعراء الذين خرجوا على قبائلهم وكوَّنوا في منقطعات البادية عصابات تُغِير على القوافل والأغنياء ثم يوزعون ما يحوزونه بهذه الطريقة على أنفسهم بالسوية، كما أن تمدُّح الشعراء الأغنياء آنذاك بما كانوا يُسدونه إلى الفقراء والبائسين من حولهم هو لون آخر من تصوير هذا الجانب الذي يزعم طه حسين أننا نفتقده في شعر الجاهلية، أما أن ذلك الشعر لا يُفيض في القول إلا حين يتناول البادية، بخلاف حياة المدن التي لم يمسها إلا مسًّا رفيقًا كما يقول، فهذا أمر طبيعي؛ ذلك أن بلاد العرب أوانذاك كانت تغلِب عليها البداوة غلبة عنيفة؛ إذ إن معظم أرضها، كما هو معروف، صحراء قاحلة، وثمة دراسات كثيرة يتناول كل منها هذا الجانب أو ذاك من جوانب الحياة الجاهلية بما يكذب مقالة طه حسين، الذي كان لا يزال حديث عهد بالعودة من فرنسا حين كتب ما كتب في هذه القضية، فكان يظن أنه جمع العلم من كل أطرافه رغم أنه لم يتخصص في فرنسا في الأدب العربي، بل في تاريخ الإغريق والرومان، علاوة على أن الدكتورية التي أحرزها هناك إنما هي دكتورية السلك الثالث لا دكتورية الدولة التي تُعد دكتورية حقيقية كاملة.

 

ومن هذه الدراسات تلك الأبحاث الرصينة التي رد بها العلماء الكبار على طه حسين لدى صدور كتابه الخديج: "في الشعر الجاهلي"، من أمثال مصطفى صادق الرافعي ومحمد لطفي جمعة ومحمد فريد وجدي ومحمد الخضر حسين ومحمد أحمد الغمراوي، وكذلك سلسلة المقالات التي كتبها د. أحمد أمين في مجلة "الثقافة" تحت عنوان: "جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي"، وأكد فيها أن الأدب الجاهلي هو في الواقع صورة صادقة لحياة العرب في الجاهلية، ومنها أيضًا: الفصول التي خصصها كل من السباعي بيومي ود. شوقي ضيف ود. علي الجندي، وعبدالله عبدالجبار مع محمد عبدالمنعم خفاجي، لهذا الموضوع فيما وضعوه من كتب عن العصر الجاهلي، وكتابا د. أحمد الحوفي عن الحياة والمرأة في شعر الجاهلية، وكتاب د. يوسف خليف عن شعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، وكتاب د. سيد حنفي حسنين عن الفروسية في ذلك العصر أيضًا، فضلًا عن الكتب والفصول الأخرى التي خصصها أصحابها للحديث عن الحكمة أو الحرب أو النسيب أو الحيوان أو النجوم أو الأنواء أو الخمر أو السُّود في الشعر الجاهلي... إلخ، وقبل ذلك لدينا كتاب "الأصنام" لابن الكلبي، وهو يضم عددًا غير قليل من الشواهد الشعرية المتعلقة بالأصنام وبيوتها وعبادة العرب لها، و"الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، الذي يتضمن كثيرًا جدًّا من أخبار العرب في الجاهلية ووقائعهم وحكاياتهم مرفقة بما يرتبط بها ويصورها من أشعار، وفي "معجم البلدان" وأشباهه من المعاجم ثروة شعرية هائلة تفوق الحصر في وصف المواطن المختلفة في جزيرة العرب من وديان وجبال وشعاب ومياه وقُرى، وذكر أسمائها وتحديد مواقعها، وصدق جرجي زيدان إذ يقول: إن عرب الجاهلية قد صوروا "عاداتهم وحيواناتهم وأدواتهم في أشعارهم كما صورها المصريون والأشوريون واليونان والرومان على قصورهم ومعابدهم، وكما استخرج علماء الآثار عادات تلك الأمم وأخلاقها من آثارها المنقوشة أو المحفورة، فالباحث في شعر الجاهلية يستخرج منه عادات العرب وآدابهم وأخلاقهم وطبائعهم وسائر أحوالهم؛ ولذلك قال ابن خلدون: إن الشعر ديوان علوم العرب وأخبارهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصل يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم، ونزيد على ذلك أنه مستودع عاداتهم وأخلاقهم وأدواتهم وصنائعهم"؛ (جرجي زيدان/ تاريخ آداب اللغة العربية/ مراجعة وتعليق د. شوقي ضيف/ دار الهلال/ 1/ 81)، وهذا هو نيكلسون يقول مثلًا: إن الشعر الجاهلي يفيض بالدراسات الدقيقة التي تتعلق بعالم الحيوان، ومن الممكن وصفه بأنه عبارة عن نقد للحياة والفكر عند العرب قبل الإسلام؛ (انظر كتابه: A History of Arabic Literature، PP، 78 - 79).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بداية الشعر الجاهلي (1)
  • مكانة الشاعر في العصر الجاهلي
  • مدخل لقراءة الشعر الجاهلي: الفن وعناصر التبليغ

مختارات من الشبكة

  • الاتجاه الابتداعي في الشعر السعودي الحديث إلى بداية التسعينيات الهجرية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الشعر في ديوان جولة في عربات الحزن(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مفهوم الشعر عند قدامة من خلال كتابه نقد الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هل كريم الشعر يمنع وصول ماء الوضوء إلى الشعر؟(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • لماذا الشعر النبطي تجاوز الشعر الفصيح؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خصائص النبي المختلف عليها (5)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الشعر والفلسفة عند النحاة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الأطلال في الشعر الجاهلي: قراءة تعريفية (PDF)(كتاب - حضارة الكلمة)
  • اتجاهات الباحثين المحدثين في دراسة المقدمة الطللية في الشعر الجاهلي(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الذوق الرفيع في الشعر الجاهلي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب